[frame="1 90"]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النقد الأدبي في العصر الجاهلي
خصائصه مظاهره وقيمته
من إعداد الطالب : فتحي بودفلة
.
[/frame]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النقد الأدبي في العصر الجاهلي
خصائصه مظاهره وقيمته
من إعداد الطالب : فتحي بودفلة
مخطّط المذكرة :
تمهيد
هل كان وجد النقد في عصر الجاهلية
منهجية دراسة فن النقد في عصر الجاهلية
العصر الجاهلي
ما المقصود بالعصر الجاهلي
النقد الأدبي في العصر الجاهلي
أولا : مستويات النقد في البيئة الجاهلية
1. النقد الذاتي
2. النقد الخاص
3. النقد العام
ثانيا : مجالات النقد وميادينه في النّص الأدبي الجاهلي
1. على مستوى الألفاظ
2. على مستوى المعاني
3. على مستوى الشكل
4. على المستوى الفني الجمالي
5. على مستوى صاحب النّص الأدبي
ثالثا : بعض المظاهر النقدية في العصر الجاهلي
1. ظاهرة المفاضلة
2. ظاهرة التهذيب
3. ظاهرة الرواية
4. ظاهرة المدارس الشعرية
5. ظاهرة المعلقات
6. تسمية القصائد
7. ظاهرة التصنيف
رابعا : خصائص النقد في العصر الجاهلي
1) الذاتية
2) الجزئية
3) عدم التعليل
4) الإيجاز
5) تحكّم العرف
6) الروح الشعرية في النصوص النقدية
7) النقد الفطري
8) البساطة والسذاجة
9) تأثيرالعصبية القبلية
10) التعرض لأمور خارجة عن النّص
خامسا : تقييم النقد في العصر الجاهلي
خلاصة
مراجع المذكّرة :
1. شوقي ضيف , النقد , دار المعارف (د,ت)
2. ابن سلاّم الجمحي , طبقات الشعراء , تحقيق عمر فاروق الطبّاع , دار الأرقم بيروت 1418هـ 1997م
3. ابن قتيبة الدينوري , الشعر والشعراء , تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر , دار المعارف (د,ت)
4. قصي الحسين , النقد الأدبي عند العرب واليونان معالمه وإعلامه , المؤسسة الحديثة للكتاب طرابلس لبنان 2003م
5. د. مصطفى عبد الرحمن ,في النقد الأدبي القديم عند العرب , مكة للطباعة 1419هـ 1998م
6. د. علي جواد الطاهر ؛ مقدمة في النقد الأدبي , المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت لبنان سبتمبر 1979م
7. د. شوقي ضيف, تاريخ الأدب العربي ,العصر الجاهلي , دار المعارف الطبعة الثامنة
8. الجاحظ , الحيوان (المكتبة الشاملة موافقة للنسخة المطبوعة بمطابع الحلبي)
9. الأصبهاني , الأغاني ( المكتبة الشاملة موافقة للمطبوع ـ نسخة دار بولاق مصر ـ )
10. مقرر محاضرات النقد الأدبي
11. مقرر تطبيقات النقد الأدبي
:fasel:
مستويات النقد في البيئة الجاهلية :
التأمّل العميق و المتأنّي فيما ورد إلينا من نماذجَ للنقد في العصر الجاهلي على قلّتها ـ مقارنة بالأدب ـ يعطينا نظرة إجمالية وفكرة عامة على ما كان عليه النقد الأدبي يومها ... فهو ابتداء يتجلى ويظهر في مستويات ثلاث :
1) المستوى الأوّل النقد الذاتي :
ويقصد به نقد الشاعر لنفسه وتهذيبه لقصيدته كيف لا والشاعر هو أكثر المحتفلين والمهتمين بتجويد شعره حتى يُرضي الجمهور المتلقي للشعر ويستقطب إليه أكبر قدر ممكن من الرواة والمعجبين , ولعل أبرز نموذج يمثّل هذا النوع من النقد هو ما اصطلحوا عليه باسم المدرسة الأوسية أو عبيد الشعر وأشهر رواد هذه الطائفة من الشعراء زهير بن أبي سلمة الذي كان يستغرق في تهذيب شعره وإعادة النظر فيه سنة كاملة قبل أن يخرج على الناس بقصيدته كاملة مكتملة... ولهذا السبب سميت قصائده بالحوليات وكان الأعشى فيما يروى عنه يجوب أحياء العرب وقبائلها ينشد الشعر مستعينا بآلة موسيقية تدعى الصَّنْج وما يفعل ذلك إلاّ احتفالا بشعره ورغبة في جلب المثنين والمعجبين ولابدّ أنّه كان ـ من باب أولى ـ يصنع بشعره ويختار منه ويزيد وينقص فيه ما يحقق له هذا الهدف والمبتغى ...
2) المستوى الثاني النقد الخاص ...
وهو النقد الذي نشأ بين طائفة خاصة من المجتمع العربي على رأسهم الشعراء أنفسهم يقول الدكتور مصطفى عبد الرحمن: «ولد النقد الأدبي مع مولد الشعر ونشأ معه وهذا أمر طبيعي فإنّ الشاعر ناقد بطبعه , يفكر ويقدر ويختار ولهذا كان أقدر من غيره على فهم الصنعة الشعرية وعلى إدراك أسرار القبح أو الجمال . » وأبرز شاهد ها هنا النابغة الذبياني فقد كان شاعرا فحلا وناقدا فذّاً ومثله جلّ الشعراء فمعرفتهم للشعر من جهة وتنافسهم فيما بينهم من جهة أخرى يدفعهم إلى إصدار أحكاما نقدية من شأنها أو توجّه الشعر وتهذّبه ... فممّا يروى عن نابغة بني ذبيان أنّه كانت تضرب له خيمة من أدم حمراء في سوق عكاظ يجتمع إليه فيها شعراء العرب يعرضون عليه شعرهم وممّن عرض عليه شعره فأشاد به وأثنى عليه الأعشى ثمّ دخلت عليه الخنساء فأنشدته : قذى بعينك أو بالعين عوارُ ..... إلى أن قالت: وإنّ صخرا لتأتم الهداة به كأنّه علم في رأسه نارُ وإنّ صخرا لمولانا وسيّدنا وإنّ صخرا إذا نشتو لنحار فقال لولا أنّ أبا بصير أنشدني قبلك لقلت : إنّك أشعر الناس أنتِ والله أشعر من كلّ ذي مثانة , قالت : والله ومن كلّ ذي خصيتيين . فقال حسان : أنا والله أشعر منكَ ومنها . قال : حيث تقول ما ذا؟ قال: لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما وَلدْنا بني العنقاء وابنيّ محرّقٍ فأكرم بنا خالاَ وأكرم بنا إبنما فقال : إنّك لشاعر لولا أنّك قلّلت عدد جفانك وفخرت بمن ولدتّ ولم تفخر بمن ولدك , وفي رواية أخرى: فقال له : إنّك قلت (الجفنات) فقلّلت العدد ولو قلت (الجفان) لكان أكثر وقلت (يلمعن في الضحى) ولو قلت (يبرقن في الدجى) لكان أبلغ في المديح لأنّ الضيف بالليل أكثر طروقا . وقلت (يقطرن من نجدة دما) فدللت على قلّة القتل ولو قلت (يجرين) لكان أكثر لانصباب الدم وفخرتَ بمن ولدتَ ولم تفخر بمن ولدكَ . فقام حسان منكسراً . اهـ شاهد آخر للنقد الخاص بين الشعراء ما يروى من تحاكم علقمة بن عبدة التميمي والزربقان بن بدر وعمرو بن الأهتم والمخبل السعدي إلى ربيعة بن حذار الأسدي فقال لهم: أما أنت يا زبرقان فإنّ شعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولا ترك نيّئا فينتفع به . وأما أنت ياعمرو فإنّ شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر فكلّما أعدته فيه نقص , وأما أنت يا مخبّل فإنّك قصرت عن الجاهلية , وأما أنت يا علقمة فإنّ شعرك كمزداة قد أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء . اهـ فهذه النماذج تمثل ظاهرة التنافس بين الشعراء والانتقادات التي كانوا يوجهونها لبعضهم البعض سواء من خلال التحاكم كما هو ظاهر ها هنا أو من خلال التنافس المطلق التي تقتضيه طبيعة البشر وحبهم للتقدّم والتكاثر في كلّ شيء كما قال ألهاكم التكاثر وتقتضيه أيضا طبيعة الحياة العربية البدوية القائمة أساسا على العصبية القبائلية ....هذا من جهة طائفة الشعراء والأدباء وهناك طائفة أخرى تندرج في هذا الإطار هي طائفة الملوك والأمراء والوجهاء فقد كان لهم دورهم البارز في تهذيب الشعر ونقده من خلال أرائهم في جزء عظيم منه هو الجزء المتمثل في المديح الذي كان ينهال عليهم والأشعار التي كانوا هم موضوعها وسببها ـ وما أكثرها ـ فإنّ عطاءهم كان ولا بدّ يختلف من قصيدة لأخرى سواء كان هذا الاختلاف مبنيّ على أسس أدبية فنّية جمالية بحثة أو على أسس موضوعية متعلقة بذات الممدوح وهذا الاختلاف في العطاء يغلب على الظنّ أنّه كان معللا أو على الأقلّ معروف العلّة ممّا يستدعي الشاعر إلى تهذيب قصيدته وفق هذه التعليلات التي تجلب له الكسب والعطاء...
3) المستوى الثالث النقد العام :
والمقصود به نقد جماهير العرب وعامتهم. فالمعروف عن العرب أنّهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان كانوا يتذوقون الأدب بفطرتهم وسجيتهم وكانوا ولوعين شغوفين بالشعر خاصة ... ولا بدّ أنّ هذه العامة كان لها ذوق خاص واتجاه محدّد في الشعر وقوالب معيّنة تنجذب نحوها أكثر من غيرها ...ومن شأن هذا الذوق أن يقيّد الشعراء والأدباء فينشدوا فيه وفق ما تحبه وتطلبه الجماهير وهذا ما يدفعهم لتهذيب شعرهم بما يساير هذا الذوق العام يقول الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في حديثه عن عامة العرب الذين كانوا يستمعون لشعر الأعشى الذي كما تقدم ذكره يطوف بأحياء العرب ينشد شعره لعامتهم ما نصّه : «... ولا نرتاب في أنّ من كانوا يستمعون إليه كانوا يستعيدون ـ في حضرته ـ ما ينشده مراراً , وأنهم كانوا يطلبون منه المزيد , ولا نرتاب أيضا في أنّهم كانوا ـ إذا رحل ـ يتحدثون عنه وعن شعره , فيتعصب بعضهم له ويتعصب بعضهم عليه مؤثرا شعراء قبيلته . وكذلك كان شأنهم في الأسواق حين يستمعون إلى ما ينشد الشعراء , فيظهر فريق منهم إعجابا , ويظهر فريق سخرية واستخفافا . ولعل هذه هي أول صورة لتقدير الجماهير للأدب وتقويمه , وبروها في العصر الجاهلي يدلّ على رقي الذوق حينئذ , وقد اندفع الشاعر يحاول إرضاء هذا الذوق وأن يقع منه موقع استحسان .... »
يتبعتمهيد
هل كان وجد النقد في عصر الجاهلية
منهجية دراسة فن النقد في عصر الجاهلية
العصر الجاهلي
ما المقصود بالعصر الجاهلي
النقد الأدبي في العصر الجاهلي
أولا : مستويات النقد في البيئة الجاهلية
1. النقد الذاتي
2. النقد الخاص
3. النقد العام
ثانيا : مجالات النقد وميادينه في النّص الأدبي الجاهلي
1. على مستوى الألفاظ
2. على مستوى المعاني
3. على مستوى الشكل
4. على المستوى الفني الجمالي
5. على مستوى صاحب النّص الأدبي
ثالثا : بعض المظاهر النقدية في العصر الجاهلي
1. ظاهرة المفاضلة
2. ظاهرة التهذيب
3. ظاهرة الرواية
4. ظاهرة المدارس الشعرية
5. ظاهرة المعلقات
6. تسمية القصائد
7. ظاهرة التصنيف
رابعا : خصائص النقد في العصر الجاهلي
1) الذاتية
2) الجزئية
3) عدم التعليل
4) الإيجاز
5) تحكّم العرف
6) الروح الشعرية في النصوص النقدية
7) النقد الفطري
8) البساطة والسذاجة
9) تأثيرالعصبية القبلية
10) التعرض لأمور خارجة عن النّص
خامسا : تقييم النقد في العصر الجاهلي
خلاصة
مراجع المذكّرة :
1. شوقي ضيف , النقد , دار المعارف (د,ت)
2. ابن سلاّم الجمحي , طبقات الشعراء , تحقيق عمر فاروق الطبّاع , دار الأرقم بيروت 1418هـ 1997م
3. ابن قتيبة الدينوري , الشعر والشعراء , تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر , دار المعارف (د,ت)
4. قصي الحسين , النقد الأدبي عند العرب واليونان معالمه وإعلامه , المؤسسة الحديثة للكتاب طرابلس لبنان 2003م
5. د. مصطفى عبد الرحمن ,في النقد الأدبي القديم عند العرب , مكة للطباعة 1419هـ 1998م
6. د. علي جواد الطاهر ؛ مقدمة في النقد الأدبي , المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت لبنان سبتمبر 1979م
7. د. شوقي ضيف, تاريخ الأدب العربي ,العصر الجاهلي , دار المعارف الطبعة الثامنة
8. الجاحظ , الحيوان (المكتبة الشاملة موافقة للنسخة المطبوعة بمطابع الحلبي)
9. الأصبهاني , الأغاني ( المكتبة الشاملة موافقة للمطبوع ـ نسخة دار بولاق مصر ـ )
10. مقرر محاضرات النقد الأدبي
11. مقرر تطبيقات النقد الأدبي
:fasel:
مستويات النقد في البيئة الجاهلية :
التأمّل العميق و المتأنّي فيما ورد إلينا من نماذجَ للنقد في العصر الجاهلي على قلّتها ـ مقارنة بالأدب ـ يعطينا نظرة إجمالية وفكرة عامة على ما كان عليه النقد الأدبي يومها ... فهو ابتداء يتجلى ويظهر في مستويات ثلاث :
1) المستوى الأوّل النقد الذاتي :
ويقصد به نقد الشاعر لنفسه وتهذيبه لقصيدته كيف لا والشاعر هو أكثر المحتفلين والمهتمين بتجويد شعره حتى يُرضي الجمهور المتلقي للشعر ويستقطب إليه أكبر قدر ممكن من الرواة والمعجبين , ولعل أبرز نموذج يمثّل هذا النوع من النقد هو ما اصطلحوا عليه باسم المدرسة الأوسية أو عبيد الشعر وأشهر رواد هذه الطائفة من الشعراء زهير بن أبي سلمة الذي كان يستغرق في تهذيب شعره وإعادة النظر فيه سنة كاملة قبل أن يخرج على الناس بقصيدته كاملة مكتملة... ولهذا السبب سميت قصائده بالحوليات وكان الأعشى فيما يروى عنه يجوب أحياء العرب وقبائلها ينشد الشعر مستعينا بآلة موسيقية تدعى الصَّنْج وما يفعل ذلك إلاّ احتفالا بشعره ورغبة في جلب المثنين والمعجبين ولابدّ أنّه كان ـ من باب أولى ـ يصنع بشعره ويختار منه ويزيد وينقص فيه ما يحقق له هذا الهدف والمبتغى ...
2) المستوى الثاني النقد الخاص ...
وهو النقد الذي نشأ بين طائفة خاصة من المجتمع العربي على رأسهم الشعراء أنفسهم يقول الدكتور مصطفى عبد الرحمن: «ولد النقد الأدبي مع مولد الشعر ونشأ معه وهذا أمر طبيعي فإنّ الشاعر ناقد بطبعه , يفكر ويقدر ويختار ولهذا كان أقدر من غيره على فهم الصنعة الشعرية وعلى إدراك أسرار القبح أو الجمال . » وأبرز شاهد ها هنا النابغة الذبياني فقد كان شاعرا فحلا وناقدا فذّاً ومثله جلّ الشعراء فمعرفتهم للشعر من جهة وتنافسهم فيما بينهم من جهة أخرى يدفعهم إلى إصدار أحكاما نقدية من شأنها أو توجّه الشعر وتهذّبه ... فممّا يروى عن نابغة بني ذبيان أنّه كانت تضرب له خيمة من أدم حمراء في سوق عكاظ يجتمع إليه فيها شعراء العرب يعرضون عليه شعرهم وممّن عرض عليه شعره فأشاد به وأثنى عليه الأعشى ثمّ دخلت عليه الخنساء فأنشدته : قذى بعينك أو بالعين عوارُ ..... إلى أن قالت: وإنّ صخرا لتأتم الهداة به كأنّه علم في رأسه نارُ وإنّ صخرا لمولانا وسيّدنا وإنّ صخرا إذا نشتو لنحار فقال لولا أنّ أبا بصير أنشدني قبلك لقلت : إنّك أشعر الناس أنتِ والله أشعر من كلّ ذي مثانة , قالت : والله ومن كلّ ذي خصيتيين . فقال حسان : أنا والله أشعر منكَ ومنها . قال : حيث تقول ما ذا؟ قال: لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما وَلدْنا بني العنقاء وابنيّ محرّقٍ فأكرم بنا خالاَ وأكرم بنا إبنما فقال : إنّك لشاعر لولا أنّك قلّلت عدد جفانك وفخرت بمن ولدتّ ولم تفخر بمن ولدك , وفي رواية أخرى: فقال له : إنّك قلت (الجفنات) فقلّلت العدد ولو قلت (الجفان) لكان أكثر وقلت (يلمعن في الضحى) ولو قلت (يبرقن في الدجى) لكان أبلغ في المديح لأنّ الضيف بالليل أكثر طروقا . وقلت (يقطرن من نجدة دما) فدللت على قلّة القتل ولو قلت (يجرين) لكان أكثر لانصباب الدم وفخرتَ بمن ولدتَ ولم تفخر بمن ولدكَ . فقام حسان منكسراً . اهـ شاهد آخر للنقد الخاص بين الشعراء ما يروى من تحاكم علقمة بن عبدة التميمي والزربقان بن بدر وعمرو بن الأهتم والمخبل السعدي إلى ربيعة بن حذار الأسدي فقال لهم: أما أنت يا زبرقان فإنّ شعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولا ترك نيّئا فينتفع به . وأما أنت ياعمرو فإنّ شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر فكلّما أعدته فيه نقص , وأما أنت يا مخبّل فإنّك قصرت عن الجاهلية , وأما أنت يا علقمة فإنّ شعرك كمزداة قد أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء . اهـ فهذه النماذج تمثل ظاهرة التنافس بين الشعراء والانتقادات التي كانوا يوجهونها لبعضهم البعض سواء من خلال التحاكم كما هو ظاهر ها هنا أو من خلال التنافس المطلق التي تقتضيه طبيعة البشر وحبهم للتقدّم والتكاثر في كلّ شيء كما قال ألهاكم التكاثر وتقتضيه أيضا طبيعة الحياة العربية البدوية القائمة أساسا على العصبية القبائلية ....هذا من جهة طائفة الشعراء والأدباء وهناك طائفة أخرى تندرج في هذا الإطار هي طائفة الملوك والأمراء والوجهاء فقد كان لهم دورهم البارز في تهذيب الشعر ونقده من خلال أرائهم في جزء عظيم منه هو الجزء المتمثل في المديح الذي كان ينهال عليهم والأشعار التي كانوا هم موضوعها وسببها ـ وما أكثرها ـ فإنّ عطاءهم كان ولا بدّ يختلف من قصيدة لأخرى سواء كان هذا الاختلاف مبنيّ على أسس أدبية فنّية جمالية بحثة أو على أسس موضوعية متعلقة بذات الممدوح وهذا الاختلاف في العطاء يغلب على الظنّ أنّه كان معللا أو على الأقلّ معروف العلّة ممّا يستدعي الشاعر إلى تهذيب قصيدته وفق هذه التعليلات التي تجلب له الكسب والعطاء...
3) المستوى الثالث النقد العام :
والمقصود به نقد جماهير العرب وعامتهم. فالمعروف عن العرب أنّهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان كانوا يتذوقون الأدب بفطرتهم وسجيتهم وكانوا ولوعين شغوفين بالشعر خاصة ... ولا بدّ أنّ هذه العامة كان لها ذوق خاص واتجاه محدّد في الشعر وقوالب معيّنة تنجذب نحوها أكثر من غيرها ...ومن شأن هذا الذوق أن يقيّد الشعراء والأدباء فينشدوا فيه وفق ما تحبه وتطلبه الجماهير وهذا ما يدفعهم لتهذيب شعرهم بما يساير هذا الذوق العام يقول الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في حديثه عن عامة العرب الذين كانوا يستمعون لشعر الأعشى الذي كما تقدم ذكره يطوف بأحياء العرب ينشد شعره لعامتهم ما نصّه : «... ولا نرتاب في أنّ من كانوا يستمعون إليه كانوا يستعيدون ـ في حضرته ـ ما ينشده مراراً , وأنهم كانوا يطلبون منه المزيد , ولا نرتاب أيضا في أنّهم كانوا ـ إذا رحل ـ يتحدثون عنه وعن شعره , فيتعصب بعضهم له ويتعصب بعضهم عليه مؤثرا شعراء قبيلته . وكذلك كان شأنهم في الأسواق حين يستمعون إلى ما ينشد الشعراء , فيظهر فريق منهم إعجابا , ويظهر فريق سخرية واستخفافا . ولعل هذه هي أول صورة لتقدير الجماهير للأدب وتقويمه , وبروها في العصر الجاهلي يدلّ على رقي الذوق حينئذ , وقد اندفع الشاعر يحاول إرضاء هذا الذوق وأن يقع منه موقع استحسان .... »
.
تعليق