القصيــدة الفــراقيــة
للشاعر محمد بن زريق البغدادي
تحكي هذه القصيدة قصة الشاعر محمد بن زريق البغدادي الذي كان مولعا بحب ابنة عمه ، لكنّ ما به من ضيق العيش وقلة ذات اليد حمله على الرحيل طلبا للرزق ، الأمر الذي لم ترضَ عنه ابنة عمه ، ومع ذلك فقد أخذ برأيه وقصد أبا الخبير عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ، ومدحه بقصيدة بليغة ، فأعطاه عطاء قليلا ، فقال ابن زريق وقلبه يعتصر ألما : "إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكتُ القفار والبحار إلى هذا الرجل ، فأعطاني هذا العطاء!" ثم انزوى يتذكر فراق ابنة عمه وما بينهما من بعد المسافة ، وما تحملَّه في سبيل هذا السفر من مشقة وبذل مال وبعد عن الأهل والأحبة ، فاعتلّ غمّا ومات .
وأراد عبد الرحمن - كما قيل - اختبار ابن زريق بهذا العطاء القليل ، فلما كان بعد أيام ، سأل عنه فافتقدوه في الخان الذي كان نازلا فيه ، فكانت المفاجأة أن تحول هذا الرجل إلى جثة هامدة ، وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه القصيدة الفراقية الحزينة التي تفيض رقة وحنانا .
والآن أترككم مع أبيات من القصيدة تتحدث إليكم فحديثها أبلغ ولسانها أفصح:
لا تَعــــذَلِيه فَإِنَّ العَــــذلَ يُولِعُـــهُ =قَد قَلــتِ حَقاً وَلَكِـــن لَيـــسَ يَسمَـعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومـهُ حَـداً أَضَرَّبِــهِ = مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللـَــــومَ يَنفَـــعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفـق فِي تَأِنِيبِهِ بَــدَلاً = مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ =فَضُيَّقَت بِخُطُـــوبِ المَهــرِ أَضلُـعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَـوعَةِ التفنيـــدِ أَنَّ لَــهُ = مِـنَ النَـــوى كُـــلَّ يَـــومٍ ما يُروعُـــهُ
ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَهُ =رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَــعُهُ
كَأَنَّما هُــوَ فِي حِـــلِّ وَمُرتحَـــلٍ =مُوَكَّــــلٍ بِفَضـــــاءِ الأَرضِ يَذرَعُـهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً = وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
تأبى المطـــامعُ إلا أن تُجَشّــــمه = للـــرزق ســعياً ولكـن ليس يجمَــعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنســـانِ تَوصِـــلُهُ =رزقَاً وَلادَعَــــــةُ الإِنســـانِ تَقطَـعُهُ
قَد قسَّــمَ اللَهُ بَينَ الخَـلقِ رزقَهُمُ =لَم يَخلُــــق اللَهُ مخلـــــوقاً يُضَيِّــعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَسـتَ تَرى =مُستَـرزِقاً وَسِـوى الغايــاتِ تُقنُــــعُهُ
وَالحِرصُ في الرّزق وَالأَرزاقِ قَ=د قُسِمَتبَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه = إِرثاً وَيَمنَــعُهُ مِن حَيــثِ يُطمِــعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً =بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَو يُوَدِّعُــــنِي =صَفــــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً =وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُـــعُهُ
لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ =عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
إِنّي أَوَسِّـــــعُ عُـذري فِي جَنــــايَتِهِ = بِالبيــــنِ عِنـــهُ وَجُرمي لا يُوَسِّــعُهُ
رُزِقتُ مُلـكاً فَلَم أَحسِــن سِياسَـــتَهُ = وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلـكَ يَخلَـعُهُ
وَمَن غَدا لابِسـاً ثَوبَ النَعِيـــم بِلا =شَكــــرٍ عَلَيـــــهِ فَــــإِنَّ اللَهَ يَنــزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ = كَأســـاً أَجَــــرَّعُ مِنـــــها ما أَجَرَّعُـــهُ
للشاعر محمد بن زريق البغدادي
تحكي هذه القصيدة قصة الشاعر محمد بن زريق البغدادي الذي كان مولعا بحب ابنة عمه ، لكنّ ما به من ضيق العيش وقلة ذات اليد حمله على الرحيل طلبا للرزق ، الأمر الذي لم ترضَ عنه ابنة عمه ، ومع ذلك فقد أخذ برأيه وقصد أبا الخبير عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ، ومدحه بقصيدة بليغة ، فأعطاه عطاء قليلا ، فقال ابن زريق وقلبه يعتصر ألما : "إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكتُ القفار والبحار إلى هذا الرجل ، فأعطاني هذا العطاء!" ثم انزوى يتذكر فراق ابنة عمه وما بينهما من بعد المسافة ، وما تحملَّه في سبيل هذا السفر من مشقة وبذل مال وبعد عن الأهل والأحبة ، فاعتلّ غمّا ومات .
وأراد عبد الرحمن - كما قيل - اختبار ابن زريق بهذا العطاء القليل ، فلما كان بعد أيام ، سأل عنه فافتقدوه في الخان الذي كان نازلا فيه ، فكانت المفاجأة أن تحول هذا الرجل إلى جثة هامدة ، وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه القصيدة الفراقية الحزينة التي تفيض رقة وحنانا .
والآن أترككم مع أبيات من القصيدة تتحدث إليكم فحديثها أبلغ ولسانها أفصح:
لا تَعــــذَلِيه فَإِنَّ العَــــذلَ يُولِعُـــهُ =قَد قَلــتِ حَقاً وَلَكِـــن لَيـــسَ يَسمَـعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومـهُ حَـداً أَضَرَّبِــهِ = مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللـَــــومَ يَنفَـــعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفـق فِي تَأِنِيبِهِ بَــدَلاً = مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ =فَضُيَّقَت بِخُطُـــوبِ المَهــرِ أَضلُـعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَـوعَةِ التفنيـــدِ أَنَّ لَــهُ = مِـنَ النَـــوى كُـــلَّ يَـــومٍ ما يُروعُـــهُ
ما آبَ مِن سَفَـــرٍ إِلّا وَأَزعَـــجَهُ =رَأيُ إِلــى سَفَـــرٍ بِالعَــــزمِ يَزمَــعُهُ
كَأَنَّما هُــوَ فِي حِـــلِّ وَمُرتحَـــلٍ =مُوَكَّــــلٍ بِفَضـــــاءِ الأَرضِ يَذرَعُـهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً = وَلَو إِلى السَندِ أَضحى وَهُوَ يُقطــعُهُ
تأبى المطـــامعُ إلا أن تُجَشّــــمه = للـــرزق ســعياً ولكـن ليس يجمَــعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنســـانِ تَوصِـــلُهُ =رزقَاً وَلادَعَــــــةُ الإِنســـانِ تَقطَـعُهُ
قَد قسَّــمَ اللَهُ بَينَ الخَـلقِ رزقَهُمُ =لَم يَخلُــــق اللَهُ مخلـــــوقاً يُضَيِّــعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَسـتَ تَرى =مُستَـرزِقاً وَسِـوى الغايــاتِ تُقنُــــعُهُ
وَالحِرصُ في الرّزق وَالأَرزاقِ قَ=د قُسِمَتبَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه = إِرثاً وَيَمنَــعُهُ مِن حَيــثِ يُطمِــعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغــــدادَ لِي قَمَــراً =بِالكَرخِ مِن فَلَـــكِ الأَزرارَ مَطلَــعُهُ
وَدَّعتُــــهُ وَبـــوُدّي لَو يُوَدِّعُــــنِي =صَفــــوُ الحَيــــاةِ وَأَنّـــي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً =وَأَدمُعِـــــي مُستَهِــــــلّاتٍ وَأَدمُـــعُهُ
لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ =عَنّــــــي بِفُـــرقَتِــــهِ لَكِــن أَرَقِّــــعُهُ
إِنّي أَوَسِّـــــعُ عُـذري فِي جَنــــايَتِهِ = بِالبيــــنِ عِنـــهُ وَجُرمي لا يُوَسِّــعُهُ
رُزِقتُ مُلـكاً فَلَم أَحسِــن سِياسَـــتَهُ = وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلـكَ يَخلَـعُهُ
وَمَن غَدا لابِسـاً ثَوبَ النَعِيـــم بِلا =شَكــــرٍ عَلَيـــــهِ فَــــإِنَّ اللَهَ يَنــزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ = كَأســـاً أَجَــــرَّعُ مِنـــــها ما أَجَرَّعُـــهُ
تعليق