الوسط :الجمري... بوصفه مختلفاً!
-
[ ثمة نعوت وسمات استطاع الشيخ عبدالأمير الجمري اختزالها في عالمه، وهي نعوت لعبت في تأسيسها التربية التي وطن الشيخ نفسه عليها إلا أن الفريد في تلك النعوت أو السمات كونه مختلفاً! والمختلف هي حال ثقافية تنتج عن وعي شديد بأهمية صنعة الحدث الوطني وتفضي إلى مزيد من الثبات على المبدأ وتقدير للآخر وصيانة للقيم العليا وطنية كانت أو إسلامية.
إن أي متتبع لمسيرة هذا الإنسان يتلمس مواطن العظمة الإنسانية فالشيخ أحد علماء الدين البارزين وهو أحد المنافحين عن الديمقراطية وإشاعتها، نشيط المجتمع نحو الديمقراطية على رغم حساسية الموقف، فالديمقراطية في جوهرها تعتمد على تشريع الغالبية وهي هنا في نظر البعض لأنها قد تقود إلى تسليم زمام الأمور إلى غير الإسلاميين، لكنه تجاوز هذا الطرح إلى طرح ثقافي متسام وكأنه يقول: لا تنتظم حياتنا إلا بالإيمان ولا تستقيم أمورنا إلا بالديمقراطية، وقد دفع من أجلها ثمناً باهظاً سواء في غياهب السجون أو في المحاربة التي شنها أعداء الديمقراطية ضده!
اختلافه أيضاً النابع من إيمانه بقيمة الآخرين فرض عليه التعامل مع رموز التيارات الوطنية واليسارية على اختلافها فاتحاً بذلك أفقاً جديداً في العمل السياسي الإسلامي ومعززاً لأطر الوحدة الوطنية ومفنداً لكل المزاعم التي حملتها القراطيس والخطب من هنا وهناك »بتحريم« التحالف مع غير الإسلاميين.
وقد استطاع بهذا الموقف أن يجعل أفئدة الآخرين تهفو إليه وتكون سكناً له فصيرهم دعاة لأفكاره وحملة لطموحاته وغدوا موقرين لدوره السياسي ونضاله الوطني.
على أن ثباته وصبره الشديدين في تعاطيه مع المسألة الوطنية وإرجاع الحقوق الدستورية على رغم كبر سنه إلى شخصية ملهمة للجماهير العريضة ما عزز كارزميته المتجذرة أصلاً في ثقافته وطلعته وتواصلانه.
إن الشيخ المختلف يسعى دائماً إلى إشاعة ثقافة الحقوق وتيسير وسائلها وتمكين أبناء الشعب من الوصول إليها في حركة سلمية وحضارية فكان له ما أراد مالكاً بذلك قدرة الاستبصار المستقبلي للحركة الجماهيرية وأفعالها الاحتجاجية.
هكذا كان الجمري مختلفاً في أفكاره وفي تناوله القضايا الوطنية فصيره الحدث الوطني شيخاً مختلفاً وأباً حنوناً للجميع.
إن اختلافه كان نعمة في وطنه حتى وهو يرقد على سرير المرض فكان محطة للزائرين باختلاف أطيافهم وقبلة لتجديد الولاء مع القيم الوطنية مع كل إنجاز تحققه المعارضة على المستوى السياسي والدستوري.
ولا عجب أن يتحول الجمري في انتقاله إلى جوار ربه إلى جامع للوطنية وهو ما يحفزنا إلى السؤال عن أهمية البحث عن رموز بهكذا نعوت لتكون كالشيخ مختلفاً ونعم الاختلاف.
تعليق