لمحة من تجربتي مع الجمري
أ. حسن مشيمع / أمين عام حركة "حق"
مشاركة في حفل تأبين رحيل الشيخ عبدالأمير الجمري
"يعلم (يشهد) الله إني كنت أشتاق اليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف"
أبا جميل:
عندما تعود بي الذاكرة لتقف في لحظة تأمل لتلك الكلمات العذبة الحنونة والتي جاش بها صدرك المثقل حيث ساحت معها قطرات من دموعك وشهقة بكاءك لأنها انطلقت من خلجات قلبك المفعم بالحب والوفاء تجاه شعب عظيم يستحق التقدير لما سطره من ملاحم وتضحيات دفاعا عن دينه وكرامته. فبعد أكثر من 40 يوماً على رحيلك عن هذا العالم، نقف اليوم لنعبر بنفس قوة تلك المشاعر والأحاسيس التي حملتها بين جوانحك تجاه شعبك وتجاه القريبين منك لنعبر عن لوعته والشوق والحنين إلى تلك الأيام التي عشناها معك. نعم، الحنين إلى ابتسامتك التي لم تكن تفارق محياك والحنين والشوق إلى دعاباتك الخفيفة، وكذلك الشوق إلى ذلك الحنان الأبوي المتدفق الذي غمرتنا به.
الجمري القائد:
رغم الفترة الزمنية الطويلة التي جمعتنا سواء في داخل السجن أو خارجه، لم نشعر في يوم من الايام بأي معاملة تميزه علينا، سناً أو موقعاً أو حاجزاً. وبعيداً عن أي تكلف، كان يتعامل معنا تعامل الأخ لأخوته المؤمنين، والصديق لأصدقاء الدرب في طريق ذات الشوكة.
وكان من أبرز سماته القيادية، أفقه الواسع في تبني كل القضايا؛ دينية كانت أو اجتماعية أو وطنية، وحرصه الشديد على الإنفتاح على كل الأطياف في الساحة البحرينية وتواصله الدائم مع كل القوى السياسية فكان محط أنظار وتقدير واحترام الجميع ويتعدى الإطار الطائفي ليتألق كرمز وطني لكل البحرين. وأما السمة القيادية الأخرى فكان تواضعه الجم الذي لمسه كل الذين تعاملوا معه وعدم استنكافه الجلوس والاستماع والإنصات لكل طبقات الشعب وشرائح المجتمع المختلفة نساءً وشباباً وكهولاً لأنه أدرك أن أقرب الطرق إلى الله سبحانه هي قلوب عباده وأن الإخلاص إلى الله تعالى تمر من خلال الإخلاص للناس وخدمتهم وحمل همومهم والدفاع عن حقوقهم.
وثمة سمة أخرى رغبته وقدرته على العمل ضمن الفريق بحيث لم يكن يتخذ أي موقف أو قرار إلا بعد المشاورات والمدلولات بين ما عرف عند الناس بأصحاب المبادرة وإن كان إطلاق هذا الإسم قد جاء بعد الإعتقال الأول، فقد كنا نلتقي وفي أي وقت في الليل أو النهار حول مستجدات الساحة ونتبادل الحديث والنقاش لنصل بعد ذلك بالإتفاق إلى ما يحقق مرضاة الله ومصالح الشعب.. وربما سمعنا أكثر من مرة آراء سمعها سماحة الشيخ من بعض الشباب ليدلل على احترامه للكل واهتمامه بوجهات النظر المختلفة انطلاقاً من حديث الإمام علي (ع) "خاطر بنفسه من استقنى برأيه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ" وهي اتخاذه الموقف الصعب في الزمن الصعب. إن كثيراً من الذي عانى منه سماحة الشيخ وتجرع آلامه هو إصراره على أن يكون حراً كريماً وكذلك فترة الثمانينات والتسعينات حيث كان قانون أمن الدولة الذي أثقل كاهل الشعب وكان سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع فكانت الكلمة محاصرة والإنسان وبقاءه خلف جدران السجن لسنوات دون محاكمة ودون من يدافع عنه.
أيها الأخوة والأخوات:
في مثل هذا الزمن الصعب يكون التحرك فيه كثير التعقيد ومحفوفاً بالمخاطر في ظل تلك الظروف القاهرة، ينطلق سماحة الشيخ مع رفاق دربه في طرح وتبني مشاريع يعد مجرد الحديث عنها ضرباً من الجنون وربما يعتبرها البعض مغامرات. وكأمثلة سريعة على ذلك: إحياء يوم القدس العالمي – عودة الحياة الدستورية والعمل بدستور 73 -الذي كان مجرد طبعه يعد جريمة يجرجر الإنسان فيها إلى المخابرات- وكتابة العرائض المطالبة بذلك. تأبين الشهيد والمشاركة في احتفال مولد الإمام الحجة (ع) رغم تطويق المنطقة ومحاصرتها بقوات الشغب والتي بدأت بضرب المأتم والمتواجدين بالقنابل المسيلة للدموع وكذلك الرصاص المطاطي بل جرت محاولة اعتقالنا في تلك الليلة إلا أنه وفي آخر لحظة جاءت الأوامر باطلاق سراحنا.
أيها الحضور الكرام:
نعيش اليوم وضعاً حرجاً ومحفوفاً بمخاطر كثيرة وقد اتضح ذلك من خلال الأوراق الثانية التي طرحها الدكتور صلاح البندر-أمين عام مركز الخليج لتنمية الديمقراطية "مواطن"- وهي تشكل تفاصيل خطة زمنية تستهدف المجلس العلمائي وجمعية الوفاق بالإضافة إلى مؤسسات تشكل في المستقبل القريب حرباً طائفية وصراعاً دموياً، يشبه الحالة التي تجري في العراق. وكل من يطلع على هذه الوثائق يكتشف أن الخطة قد بدأ تنفيذها منذ أكثر من سنتين، وأن أموراً كثيرة مما ذكر في تلك الخطة الاجرامية قد تحقق فعلاً، فماذا ننتظر؟ لو كان سماحة الشيخ بين أظهرنا وفي صحته الكاملة هل سيقق مكتوف اليد؟ أو أنه سيبدأ مع كل المخلصين والذين يهمهم اسقرار البلد بالتحرك الجاد وخلق موقف وطني مشترك للتصدي والسعي لمحاولة ايقاف هذا الإستهداف لهوية وتاريخ هذا الشعب المسالم. لم تعد القضية تنحصر في بعض الحقوق وبعض المكتسبات هنا وهناك. ولم تعد تنحصر في مشاركة النظام مشاريعه أو مقاطعتها. إنها قضية وجود هذا الشعب وكيانه وديمومته. إنها خطة تستهدف الدين والمجتمع ومؤسساته (جميعات، مراكز، مؤسسات، صناديق، الخ) والشباب والمرأة وكل ما من شأنه أن يدلل على وجود شعب البحرين. ويتم إحلال هذا الشعب المطالب بحقوقه الدستورية، بمرتزقة وأشرار العباد من دول المنطقة التي تتحالف على الشعب وتمول الخطة "بالخيل والرجال". إن ناقوص الخطر قد دق وإننا –كشعب- أمام أن نكون أولا نكون، فماذا أنتم فاعلون؟
دعوة ونداء:
اسمحوا لي- وأنا أصغركم شأناً- أن أناشد جميع العلماء والجمعيات السياسية وكل القوى الوطنية المخلصة أن تتداعى للقاء والجلوس إلى طاولة حوار هادفة وجادة لوضع تصور وخطة عمل لتحديد البوصلة ومعرفة الأولويات. وفي نظري المتواضع فليس ثمة أولوية أهم من التعاطي مع موضوع الوثائق التي كشفها تقرير البندر ونتائجه الكارثية على شعب البحرين الأصيل –شيعة وسنة- وعلى كل قواه ومؤسساته دون استثناء.
وأخيراً، فإن وفائنا لسماحة الشيخ عبدالأمير الجمري، لا يكون في تأبينه وتخليد ذكراه فحسب وإنما في السير على خطاه، وتبني منهجه في رفض كل ألوان الظلم والإستبداد، والإصرار على أن يكون للشعب دورٌ أساس في حياة حرة كريمة تتوج بتقرير مصيره والإنتفاع بمصادر ثروته بالعدل والإنصاف.
وما ضاع حق وراءه مطالب،،،
أ. حسن مشيمع / أمين عام حركة "حق"
مشاركة في حفل تأبين رحيل الشيخ عبدالأمير الجمري
"يعلم (يشهد) الله إني كنت أشتاق اليكم اشتياق يعقوب إلى يوسف"
أبا جميل:
عندما تعود بي الذاكرة لتقف في لحظة تأمل لتلك الكلمات العذبة الحنونة والتي جاش بها صدرك المثقل حيث ساحت معها قطرات من دموعك وشهقة بكاءك لأنها انطلقت من خلجات قلبك المفعم بالحب والوفاء تجاه شعب عظيم يستحق التقدير لما سطره من ملاحم وتضحيات دفاعا عن دينه وكرامته. فبعد أكثر من 40 يوماً على رحيلك عن هذا العالم، نقف اليوم لنعبر بنفس قوة تلك المشاعر والأحاسيس التي حملتها بين جوانحك تجاه شعبك وتجاه القريبين منك لنعبر عن لوعته والشوق والحنين إلى تلك الأيام التي عشناها معك. نعم، الحنين إلى ابتسامتك التي لم تكن تفارق محياك والحنين والشوق إلى دعاباتك الخفيفة، وكذلك الشوق إلى ذلك الحنان الأبوي المتدفق الذي غمرتنا به.
الجمري القائد:
رغم الفترة الزمنية الطويلة التي جمعتنا سواء في داخل السجن أو خارجه، لم نشعر في يوم من الايام بأي معاملة تميزه علينا، سناً أو موقعاً أو حاجزاً. وبعيداً عن أي تكلف، كان يتعامل معنا تعامل الأخ لأخوته المؤمنين، والصديق لأصدقاء الدرب في طريق ذات الشوكة.
وكان من أبرز سماته القيادية، أفقه الواسع في تبني كل القضايا؛ دينية كانت أو اجتماعية أو وطنية، وحرصه الشديد على الإنفتاح على كل الأطياف في الساحة البحرينية وتواصله الدائم مع كل القوى السياسية فكان محط أنظار وتقدير واحترام الجميع ويتعدى الإطار الطائفي ليتألق كرمز وطني لكل البحرين. وأما السمة القيادية الأخرى فكان تواضعه الجم الذي لمسه كل الذين تعاملوا معه وعدم استنكافه الجلوس والاستماع والإنصات لكل طبقات الشعب وشرائح المجتمع المختلفة نساءً وشباباً وكهولاً لأنه أدرك أن أقرب الطرق إلى الله سبحانه هي قلوب عباده وأن الإخلاص إلى الله تعالى تمر من خلال الإخلاص للناس وخدمتهم وحمل همومهم والدفاع عن حقوقهم.
وثمة سمة أخرى رغبته وقدرته على العمل ضمن الفريق بحيث لم يكن يتخذ أي موقف أو قرار إلا بعد المشاورات والمدلولات بين ما عرف عند الناس بأصحاب المبادرة وإن كان إطلاق هذا الإسم قد جاء بعد الإعتقال الأول، فقد كنا نلتقي وفي أي وقت في الليل أو النهار حول مستجدات الساحة ونتبادل الحديث والنقاش لنصل بعد ذلك بالإتفاق إلى ما يحقق مرضاة الله ومصالح الشعب.. وربما سمعنا أكثر من مرة آراء سمعها سماحة الشيخ من بعض الشباب ليدلل على احترامه للكل واهتمامه بوجهات النظر المختلفة انطلاقاً من حديث الإمام علي (ع) "خاطر بنفسه من استقنى برأيه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ" وهي اتخاذه الموقف الصعب في الزمن الصعب. إن كثيراً من الذي عانى منه سماحة الشيخ وتجرع آلامه هو إصراره على أن يكون حراً كريماً وكذلك فترة الثمانينات والتسعينات حيث كان قانون أمن الدولة الذي أثقل كاهل الشعب وكان سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع فكانت الكلمة محاصرة والإنسان وبقاءه خلف جدران السجن لسنوات دون محاكمة ودون من يدافع عنه.
أيها الأخوة والأخوات:
في مثل هذا الزمن الصعب يكون التحرك فيه كثير التعقيد ومحفوفاً بالمخاطر في ظل تلك الظروف القاهرة، ينطلق سماحة الشيخ مع رفاق دربه في طرح وتبني مشاريع يعد مجرد الحديث عنها ضرباً من الجنون وربما يعتبرها البعض مغامرات. وكأمثلة سريعة على ذلك: إحياء يوم القدس العالمي – عودة الحياة الدستورية والعمل بدستور 73 -الذي كان مجرد طبعه يعد جريمة يجرجر الإنسان فيها إلى المخابرات- وكتابة العرائض المطالبة بذلك. تأبين الشهيد والمشاركة في احتفال مولد الإمام الحجة (ع) رغم تطويق المنطقة ومحاصرتها بقوات الشغب والتي بدأت بضرب المأتم والمتواجدين بالقنابل المسيلة للدموع وكذلك الرصاص المطاطي بل جرت محاولة اعتقالنا في تلك الليلة إلا أنه وفي آخر لحظة جاءت الأوامر باطلاق سراحنا.
أيها الحضور الكرام:
نعيش اليوم وضعاً حرجاً ومحفوفاً بمخاطر كثيرة وقد اتضح ذلك من خلال الأوراق الثانية التي طرحها الدكتور صلاح البندر-أمين عام مركز الخليج لتنمية الديمقراطية "مواطن"- وهي تشكل تفاصيل خطة زمنية تستهدف المجلس العلمائي وجمعية الوفاق بالإضافة إلى مؤسسات تشكل في المستقبل القريب حرباً طائفية وصراعاً دموياً، يشبه الحالة التي تجري في العراق. وكل من يطلع على هذه الوثائق يكتشف أن الخطة قد بدأ تنفيذها منذ أكثر من سنتين، وأن أموراً كثيرة مما ذكر في تلك الخطة الاجرامية قد تحقق فعلاً، فماذا ننتظر؟ لو كان سماحة الشيخ بين أظهرنا وفي صحته الكاملة هل سيقق مكتوف اليد؟ أو أنه سيبدأ مع كل المخلصين والذين يهمهم اسقرار البلد بالتحرك الجاد وخلق موقف وطني مشترك للتصدي والسعي لمحاولة ايقاف هذا الإستهداف لهوية وتاريخ هذا الشعب المسالم. لم تعد القضية تنحصر في بعض الحقوق وبعض المكتسبات هنا وهناك. ولم تعد تنحصر في مشاركة النظام مشاريعه أو مقاطعتها. إنها قضية وجود هذا الشعب وكيانه وديمومته. إنها خطة تستهدف الدين والمجتمع ومؤسساته (جميعات، مراكز، مؤسسات، صناديق، الخ) والشباب والمرأة وكل ما من شأنه أن يدلل على وجود شعب البحرين. ويتم إحلال هذا الشعب المطالب بحقوقه الدستورية، بمرتزقة وأشرار العباد من دول المنطقة التي تتحالف على الشعب وتمول الخطة "بالخيل والرجال". إن ناقوص الخطر قد دق وإننا –كشعب- أمام أن نكون أولا نكون، فماذا أنتم فاعلون؟
دعوة ونداء:
اسمحوا لي- وأنا أصغركم شأناً- أن أناشد جميع العلماء والجمعيات السياسية وكل القوى الوطنية المخلصة أن تتداعى للقاء والجلوس إلى طاولة حوار هادفة وجادة لوضع تصور وخطة عمل لتحديد البوصلة ومعرفة الأولويات. وفي نظري المتواضع فليس ثمة أولوية أهم من التعاطي مع موضوع الوثائق التي كشفها تقرير البندر ونتائجه الكارثية على شعب البحرين الأصيل –شيعة وسنة- وعلى كل قواه ومؤسساته دون استثناء.
وأخيراً، فإن وفائنا لسماحة الشيخ عبدالأمير الجمري، لا يكون في تأبينه وتخليد ذكراه فحسب وإنما في السير على خطاه، وتبني منهجه في رفض كل ألوان الظلم والإستبداد، والإصرار على أن يكون للشعب دورٌ أساس في حياة حرة كريمة تتوج بتقرير مصيره والإنتفاع بمصادر ثروته بالعدل والإنصاف.
وما ضاع حق وراءه مطالب،،،
تعليق