مهمة الاصلاح
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا).
عندما يكون الكلام عن إنسان بهذا المستوى والمكانة، لا يعدو أن يكون محاولةً للدراسة واستخلاص بعض العبر لا أكثر ..
وفي حياةٍ مثل حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) المباركة التي غطت أهم فترات التأريخ الإسلامي لما تمثله من مقدّمات و لما مرّ على الأمة الإسلامية من أحداث فيما بعد وأثّر على مجريات تلك الأحداث، وبما تملكه شخصيةٌ مثل شخصية أمير المؤمنين من ثقل وفاعلية في الأحداث، جعل من سيرته في تلك الفترة مصدراً لتقييمها.
ومن هنا كان (سلوك) علي (عليه السلام) وتعاطيه مع الأحداث ـ خصوصاً بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ يمثل زاوية النظر المعصومة وبالتالي فهي تقييم لتلك الأحداث ولمن حرّكها أو ركب أمواجها.
فبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وانقطاع الوحي بدأت ـ عند البعض ـ رحلة التأويل الكيفي والاجتهاد حتى مقابل النص، مما أوجد ـ ولأول مرة ـ مصادر للتشريع غير كلام الله وسنة نبيه. بل وأصبح هذا الجنوح مصدراً معترفاً به.. من مصادر التشريع بالإضافة إلى الكتاب وسنة الرسول حتى وإن ناقضهما واختلف معهما، وجعل شرطاً في الخلافة كما حدث مع (شورى) الذين رشّحوا أمير المؤمنين ليبايعوه بالخلافة ليس على أساس عمله بكتاب الله وسنة رسوله بل مضافاً إليها سنة ثالثة، حتى وإن كانت تناقض صريح الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
فجاء رفض أمير المؤمنين وعدم قبوله بالشرط الأخير اعتراضاً صريحاً على منهج التأويل الكيفي والاجتهاد مقابل النص والسنة الشريفة، وبالتالي تقييمه للمرحلة السابقة التي كان طابعها التأويل والاجتهاد (الآنف الذكر)، فكانت خلافة عثمان الذي (ذهب به عريضة) فعُوّم الكتاب والسنة تماماً وحُكّمت العصبيات والأهواء فثارت الأمّة ووضعت حدّاً لخلافته، ورجعت إلى أمير المؤمنين. فبدأ (عليه السلام) بتطبيق (خطته) الإصلاحية، في أمة أُحدثت فيها طبقات (ارستقراطية) مترفة وأصحاب جاه ونفوذ ضاق عليهم العدل لأنه يسلبهم تلك المزايا التي تمثل حقوق الناس، فتألّبوا وألّبوا عليه، فأشار البعض على أمير المؤمنين (عليه السلام) بمداهنتهم وعدم تجريدهم من تلك الامتيازات فلم يقرّهم على هذا الجنوح مرة أخرى، فقيّم تلك المرحلة (خلافة عثمان) وأخذ يقوّم ذلك الجنوح بالعدل وقال: (وَالله لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ ومُلِكَ بِهِ الإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ومَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ)( ـ نهج البلاغة، الخطبة 15).
فكانت نهاية خلافة عثمان وتركة الإرث الثقيل الذي خلّفه، وكانت حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) محاولة لإصلاح الوضع المتردي وإعادة هيكلة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الإسلامي...
ولم ينتظر دعاة التحريف والعوج أكثر من خمس سنوات فكانت مؤامرة قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) واستشهاده في المحراب.
تعليق