رواية جميلة ومفيدة وثرية بالحوادث التاريخية المثيرة .. لكمال السيد ..
وقد ارفقته على نحو اجزاء ليسهل هضمها ، نظرا لطولها .... اتمنى ان ينال اعجابكم.
(1)
امواج السراب تتلاطم في الافق البعيد ؛ وقد بدت بيوت المدينة قوارب صغيرة تبدو وتختفي كطيوف باهتة .
كان يمشي على مهل غير مكترث بشواظ الشمس وهي تلفح الاشياء باللهب ؛ وجسمه يتصبب عرقا غزيرا تحت وطأة الظهيرة العظمى ، والمياه المالحة تفر من مسامات جسد معذب بالحر والصوف .غير ان " ابن المكندر "* لم يكن ليعبأ بكل ذلك وكانت تعتريه نشوة تستغرق كيانه كله ، ما تزال روحه تطوف في عوالم من نور ، ونفسه تهيم في تلال من ضوء سكرى بخمرة سماوية عجيبة ؛ انه لم يشعر بالسعادة كما يتشربها الان ، منذ ترك الدنيا لاهلها ولاذ بعالم شفاف ؛ تحسر على ايامه الخالية يوم كان منهمكا في العمل والكد في عالم يموج بالفتن ، بالثورات المشتعلة كحرائق مجنونة . اما الان فانه يعيش سعيدا ، يشعر بان روحه تسبح بين النجوم ، تطوف في عوالم من نور .
كان " ابن المكندر " مستغرقا في احلامه عندما وقعت عيناه على منظر مثير ؛ تمتم مبهوتا :
- اجل .. اجل انه بعينه ابو جعفر ؛ الرجل الذي بقر العلم .
ولكن ماذا يفعل في هذه الظهيرة المحرقة ؟!
انه عائد من بستان له في هذه النواحي .. ولكن اليس من الافضل ان يخلد وهو في هذه السن الى العبادة ويده الدنيا .. وهو الان من الموت قاب قوسين او ادنى ؟!
اشتعلت في اعماقه فورة من غضب صوفي ، وحث الخطى الى حيث وقف ابو جعفر ، عند ساقية صغيرة . كان الرجل القرشي يتصبب عرقا غزيرا وهو يواجه شمس تتدفق لهبا .
همس ابن المكندر بصوت مسموع :
-والله لاعظنه .
توقف " ابن المكندر " عند ضفاف الساقية وقد بدت في تلك الظهيرة تتلوى تحت وطأة الشمس الغاضبة ، هتف رجل غارق في الصوف :
- اصلحك الله ! شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحالة في طلب الدنيا !! الا تخشى ان يجيئك الموت وانت على هذه الحالة ؟
اجاب الذي بقر العلم :
- والله لو جائني الموت على هذه الحال ؛ جاءني و انا في طاعة من طاعات الله اكف بها نفسي عنك و عن الناس، و انما اخاف الموت اذا جاءني و انا على معصية.
جفف ابن المكندر جبينه و قد تصفد عرقا من الحر و الخجل .. ادرك في تلك اللحظة شيئا غفل عنه زمنا مليا .. العمل عبادة.. طاعة لله . العمل طريق الحرية الخلاص من الجنة و الناس .
رفع ابن المكندر راسه و كان قد اطرق مليا :
-رحمك الله ابا جعفر اردت ان اعظك فوعظتني .
و انطلق رجل غارق في الصوف فيما راح الرجل الذي بقر العلم يبقر بطن الارض و يعلم الانسان ان العمل محراب عبادة لا استغراق في الدنيا ؛ هكذا قال جده من قبل .. ما تزال كلماته في القلوب . و قد مضى قرن و اطل قرن جديد و التاريخ يشعل الحوادث هنا و هناك ..
توفي عامر بن واثلة* و كان اخر من راى النبي و سمع كلماته ، و توفي عمر بن عبد العزيز مسموما لانه غصن (..) في شجرة ملعونة طلعها كانه رؤوس الشياطين.
--------------------------------------------------------------------------------
*ابن المكندر : محمد احد المتصوفة . ترك العمل و التكسب و انصرف الى العبادة ، و الحادثة مسجلة في كتب التاريخ كالارشاد للشيخ المفيد . رويت عن الامام الصادق (ع) . و الحادثة وقعت مع الامام الباقر(ع).
*توفي عامر بن واثلة سنة 100 هـ ، كنيته ابو الطفيل ، شاعر كنانة و احد فرسانها ؛ كان شديد الحب لعلي (ع) و يقدمه على سائرالصحابة . توفي بمكة ، اخر من توفي من الصحابة ، و كان قد ادرك النبي وروى عنه 9 احاديث .
ويليه الجزء الثاني راجيا ان اكون قد افدتكم
وقد ارفقته على نحو اجزاء ليسهل هضمها ، نظرا لطولها .... اتمنى ان ينال اعجابكم.
(1)
امواج السراب تتلاطم في الافق البعيد ؛ وقد بدت بيوت المدينة قوارب صغيرة تبدو وتختفي كطيوف باهتة .
كان يمشي على مهل غير مكترث بشواظ الشمس وهي تلفح الاشياء باللهب ؛ وجسمه يتصبب عرقا غزيرا تحت وطأة الظهيرة العظمى ، والمياه المالحة تفر من مسامات جسد معذب بالحر والصوف .غير ان " ابن المكندر "* لم يكن ليعبأ بكل ذلك وكانت تعتريه نشوة تستغرق كيانه كله ، ما تزال روحه تطوف في عوالم من نور ، ونفسه تهيم في تلال من ضوء سكرى بخمرة سماوية عجيبة ؛ انه لم يشعر بالسعادة كما يتشربها الان ، منذ ترك الدنيا لاهلها ولاذ بعالم شفاف ؛ تحسر على ايامه الخالية يوم كان منهمكا في العمل والكد في عالم يموج بالفتن ، بالثورات المشتعلة كحرائق مجنونة . اما الان فانه يعيش سعيدا ، يشعر بان روحه تسبح بين النجوم ، تطوف في عوالم من نور .
كان " ابن المكندر " مستغرقا في احلامه عندما وقعت عيناه على منظر مثير ؛ تمتم مبهوتا :
- اجل .. اجل انه بعينه ابو جعفر ؛ الرجل الذي بقر العلم .
ولكن ماذا يفعل في هذه الظهيرة المحرقة ؟!
انه عائد من بستان له في هذه النواحي .. ولكن اليس من الافضل ان يخلد وهو في هذه السن الى العبادة ويده الدنيا .. وهو الان من الموت قاب قوسين او ادنى ؟!
اشتعلت في اعماقه فورة من غضب صوفي ، وحث الخطى الى حيث وقف ابو جعفر ، عند ساقية صغيرة . كان الرجل القرشي يتصبب عرقا غزيرا وهو يواجه شمس تتدفق لهبا .
همس ابن المكندر بصوت مسموع :
-والله لاعظنه .
توقف " ابن المكندر " عند ضفاف الساقية وقد بدت في تلك الظهيرة تتلوى تحت وطأة الشمس الغاضبة ، هتف رجل غارق في الصوف :
- اصلحك الله ! شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحالة في طلب الدنيا !! الا تخشى ان يجيئك الموت وانت على هذه الحالة ؟
اجاب الذي بقر العلم :
- والله لو جائني الموت على هذه الحال ؛ جاءني و انا في طاعة من طاعات الله اكف بها نفسي عنك و عن الناس، و انما اخاف الموت اذا جاءني و انا على معصية.
جفف ابن المكندر جبينه و قد تصفد عرقا من الحر و الخجل .. ادرك في تلك اللحظة شيئا غفل عنه زمنا مليا .. العمل عبادة.. طاعة لله . العمل طريق الحرية الخلاص من الجنة و الناس .
رفع ابن المكندر راسه و كان قد اطرق مليا :
-رحمك الله ابا جعفر اردت ان اعظك فوعظتني .
و انطلق رجل غارق في الصوف فيما راح الرجل الذي بقر العلم يبقر بطن الارض و يعلم الانسان ان العمل محراب عبادة لا استغراق في الدنيا ؛ هكذا قال جده من قبل .. ما تزال كلماته في القلوب . و قد مضى قرن و اطل قرن جديد و التاريخ يشعل الحوادث هنا و هناك ..
توفي عامر بن واثلة* و كان اخر من راى النبي و سمع كلماته ، و توفي عمر بن عبد العزيز مسموما لانه غصن (..) في شجرة ملعونة طلعها كانه رؤوس الشياطين.
--------------------------------------------------------------------------------
*ابن المكندر : محمد احد المتصوفة . ترك العمل و التكسب و انصرف الى العبادة ، و الحادثة مسجلة في كتب التاريخ كالارشاد للشيخ المفيد . رويت عن الامام الصادق (ع) . و الحادثة وقعت مع الامام الباقر(ع).
*توفي عامر بن واثلة سنة 100 هـ ، كنيته ابو الطفيل ، شاعر كنانة و احد فرسانها ؛ كان شديد الحب لعلي (ع) و يقدمه على سائرالصحابة . توفي بمكة ، اخر من توفي من الصحابة ، و كان قد ادرك النبي وروى عنه 9 احاديث .
ويليه الجزء الثاني راجيا ان اكون قد افدتكم
تعليق