بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أول قصة قصيرة أكتبها
أتمنى أن تقرأها وتعلقوا عليها بالنقد البناء
***
إهداء ...
إلى من أحببتهم بكل جوارحي إلى من علماني كيف أحب
إلى أمي وأبي
.
حركة دءوبة تعم الحديقة، يقفز هنا ويسقط هناك... طفلٌ يلعب، صراخ وضحك، كل هذا عبارة عن مسلسل من الذكريات يعيشه هذا الشيخ الهرم.
كان جالساً على كرسيه المتحرك المصنوع من أخشاب القصب متوسطاً حديقة منزله المليئة بأوراق الشجر، الأوراق بمبعثرة تتطاير في كل أرجاء الحديقة تحكي زمن الأحزان والآلام وآهات هذا الشيخ ومرارة السنين.
كان وحيداً تشاركه الذكريات الوحيدة التي عاشها عمراً بين الأماني والتحديق، لازال يحدق في نافذة المنزل المجاور علّها تخرج باسمة كما كان يراها سابقاً.
أخذت الصورة تتحرك في مخيلته كما يتحرك الجنين في بطن أمه هذه الصورة بدأت تتضح الملامح في ذهنه.
كجلسته هذه كان جالساً ومن خلف ستار نافذة البيت المقابل لمنزله الذي يتوسطه حديقة كبيرة ، فتاة جميلة المحيى موردة الوجنة نجلاء العينين شعرها المسدول كستار الليل على كتفها كان يتطاير كما تتطاير أوراق الشجر في الحديقة بفعل الرياح السابحة في الفضاء ، كان يراها أجمل فتاة على الإطلاق .
كان يحبها حبهاً خالصاً صادق ، هذا الحب لا يعرفه أحد سوى زهوره الذي يبثها مشاعره الحالمة كان يخاطبها وكأن الزهور تسمع قوله وتعي ما يدور في خلده ، كلما تحركت هذه الزهور بفعل الرياح كان يبتسم وكأنها تستجيب نداه فيحدث ويقول ما في قلبه من أحزان وتأوهات .
أيتها الزهور الحبيبة أنظروا لجميل محياها ألا تبصرون لمعان عينيها ، رباه إنها كالنجوم السابحة في الفضاء ، لقد أخذت قلبي وعقلي وها أنا اليوم رهين لبريقها الأخاذ .
يا أزهاري الرائعة يا رفيقة أحلامي يا من إذا ناديتها تستجيب لشعوري يا من أبث لها حزني وآلامي، هل لا اسلتي عبيرك مع الريح وترسلين معها أشواقي وحبي يا زهور أرسليها.
يا زهوري الصديقة هل تحبني أم إني أعيش في وهم وعلقت آمالي على الأحلام والضباب والدخان.
يا زهوري ألا تريني كلّما رأيتها يصفر لوني وكأني أعيش الموت في الحياة والروح تكاد تزهق من جسدي.
أواه يا أزهاري ماذا أفعل وهي لم تهمس لي ولو بكلمة واحدة كلمة واحدة تحييني بعد موتي في حبها.
اشتبكت الذكرى بالواقع فتساقطت الدموع على وجنتا هذا الشيخ الهرم حتى تحول بكائه إلى عويل ونحيب، سقط الشيخ في الحديقة بين الأزهار والأوراق المتناثرة ليعانقها مع آلامه.
كل شيء يوحي بالحزن لمن يرى هذا الشيخ وآلامه ، استيقظ الشيخ واستيقظت آلامه وذكرياته وأحلامه حتى بدأ ينفض التراب من على وجهه ويزيل الأوراق العالقة على جسمه النحيل ، ينفض التراب من هنا ويزيل الأوراق من هناك حتى شاركته الذكرى ، فتاته الجميلة التي لم يكلمها قط إلا في أحلامه وخيالاته وأوهامه .
كم كانت الزهور حزينة لحزنه ، تراه كل يوم يعانق الحزن والألم دون أن يشعر به أحد ، هل تستحق هذه الفتاة كل هذا من شاب كرس حياته للحزن على فقدها ، وكأن الزهور تناجي ربها لم فرقت بين هذا الحبيب ومن يحب وما الحكمة من هذا يا ترى .
تجهم وجه الشيخ واعتلاه صفرة وهو يسترجع الذكرى ، كيف كان يجري لأمه ، يناديها يبحث عنها ، أخيراً رآها جالسة تسامر أباه حتى أقبل عليهم كالمذعور .
أماه يا حبيبتي هل يحجب الغيم النجوم مالي لا أرى.. سكته برهة ثم استطرد .. أماه جارتنا لا أرها كالعادة .. وأخذ يخاطب نفسه وأمه تراه مذعوراً وهي تتمتم في مخيلتها يا له من عاشق مسكين.. هل سأمت مناجاتي أم إنها تعاقبني على صمتي أواه يا ربي ماذا أفعل يا لأحزاني وآلامي .
فزعت الأم لحزن ابنها وذهبت كي تطمئن ابنها وبذلك تطمئن هي .
وصلت إلى البيت المقابل ، لحظتها كان الشاب ينتظر بقرب الحديقة علّ أمه تأتيه بما يطمئنه ، لم يدم الانتظار طويلاً حتى عادت أمه صامته ، كان وجهها يتحدث إلى وجه ابنها المسكين ، لم تتحدث إليه لكنه تعلق بيدها وكأنه يستجديها وروحه بين يديها ، أخيراً لفضتها كان كلمة قاسية على قلبه المفعم بالحب .
بني حبيبي يا مهجتي ومناي حبيبتك ( ماتت )، لم تستطع قول شيء أكثر فقد مزق فؤادها منظر ابنها المكسور.
احتضنت الأرض ركبتيه وعانقت كفيه التراب والدموع تخالط مشاعره بعد أن استفاضت من هول الصدمة صرخة مدوية أيقظت الشيخ الهرم من ذكرياته والدموع تفيض من عينيه وهو يتمتم حيناً ويبكي أخرى وأخذ يبث آلامه وحزنه.
أواه يا حبيبتي لم ارتضيت الرحيل دوني ألم نتفق على العيش سوياً ألم تخاطبكِ عيني ألم تكن تلك الابتسامة ميثاق حب بيننا، بدأ يرتعش وهو لازال شارداً في مناجاته.
يا ترابي اللطيف ألم تكن لي خير صديق ورفيق لم حجبتها عني وتركتني وحيداً دون حبيب ألم أخبرك ، ألم أخبرك إن الحياة دونها كالموت فالموت مصيري لامحال ، وإن حجبتها لمّ لم تأخذني معها ألا ترى بكائي ألم تشهد دموعي وآلامي ألم تشهد انكساري .
لازال الشيخ في مناجاته حتى سقط على التراب وهو يتأوه ويتمتم للتراب والرياح والنجوم .
يا ترابي الحبيب سأستحلفك بالنجوم والرياح أرجوك يا ترابي, قلبي يتقطع كل يوم ، إن كنت تكن لي المحبة والود ، عانقيني وانزعي جسدي من روحي حتى ألقى حبيبتي التي لم أعش دنياي إلا حزناً لفقدها ألا تراني لا أطيق الانتظار ، لفظ هذه الكلمات الأخيرة حتى زهقت روحه من جسده ، سبحت في الفضاء لتتلقفها روح حبيبته وتعانقها حتى يمتزجان وتهمس له قائلةً أحبك .
تمت
و في الختام أشكرُ كل من قرأها
الرحيــــــل
تعليق