السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كل شيء في القرى مختلف. .. أناسها الطيبون، رائحتها، نسيمها، بيوتاتها القديمة، شوارعها، شواطئها، ومستوى خدماتها المخجل أيضا! كرانة... تلك القرية القابعة على شارع البديع، مازالت ممراتها متآكلة، ومازال شاطئها الذي تتبعثر منه رائحة السمك النيء مكتظا بمخلفات "البوانيش الكبيرة"، والحشائش الخشنة المقتلعة جراء جرف تلك البوانيش!
كانت الساعة تشير إلى الخامسة و45 دقيقة عصرا، عندما كنا نتجاذب أطراف الهموم الخدمية مع شيوخ القرية، وفي الطابق العلوي للديوانية المطلة على البحر، اختلطت كلماتهم ببعضها بعضا، وكان من الصعب تحديد مشكلة معينة بحد ذاتها... لكثرة الحديث، ولتداخل المشكلات ودسامتها!
قال أحد البحارة المخضرمين : "على رغم مطالباتنا المستمرة بتوصيل المياه إلى منطقة الشاطئ ، فإن التجاهل والوعود أحيانا هي ما نقابل به". ويضيف "نواجه الكثير من الصعوبات لعدم توافر الماء، إذ نضطر إلى جلبه من بيوتنا في القرية، الأمر الذي يتطلب جهدا كبيرا".
ويقاطعه آخر: "لا نملك دورة مياه أمام الشاطئ، ولا مسجدا نصلي فيه، ولا استراحة سوى هذه الديوانية"، أو "الطيارة" كما يسميها السابقون.
وأردف آخر بيأس "إن كانت البيوت القريبة من الساحل لا يوجد بها ماء ولا كهرباء على رغم جهوزيتها بالكامل، فكيف بنا نحن؟ مع العلم ان الأمر يحتاج إلى 19 ألف دينار من قبل وزارة الكهرباء كما أخبرني أحد العاملين فيها، فماذا تشكل 19 ألفا بالنسبة لوزارة ضخمة؟!".
ويتحدث آخر عن الممر المؤدي الى الساحل: "طلبنا من البلدية أكثر من مرة أن تسفلت الممر، فمطر الشتاء يحوله إلى طين كثيف يصعب اختراقه، وعندما فقدنا الأمل بذلك، تبرع أهالي القرية أنفسهم، وبنوه على نفقتهم الخاصة، ولم تساعدنا البلدية حتى بالرافعة!".
وبينما كان آخر منهمكا في أخذ رشفة من شاي البحارة المر علق "غالبية البنادر مجهزة ، إلا ان بيدرنا مازال تقليديا وصعبا، ولا نستطيع أن نوقف "الطراريد" إلا بعيدا عن الشاطئ، ونذهب إليها بسياراتنا أثناء "القراح"/ الجزر".
وقال النوخذة أبوحسين أو كما يسمونه محميد: "لا نأمن على أطفالنا في هذا الساحل، لاسيما ان الحشائش الخشنة تحيط به من كل الجوانب، فالجرافات أو البوانيش الكبيرة تقلع حشيش القاع وتجرفه إلى الساحل، وتتضرر بويضات الأسماك نتيجة الجرف، وتهاجر الأسماك، وتتدمر أرضية القاع! مع العلم انه من الممنوع استخدام هذا النوع من البوانيش في هذه المنطقة... أخبرنا الثروة السمكية وخفر السواحل ولكن دون جدوى! ربما لاننا لا نملك ظهرا قويا نستند عليه!".
اتفق البحارة المجتمعون على انه لم يتخذ إجراء لصالحهم. ألا يعتبر ذلك تعديا على دستور مملكة البحرين الذي ينص في مادته "19" على أن "تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية".
وردا على سؤال "الوسط" لعضو مجلس البلدية الشمالية جمعة الأسود عن تدني مستوى الخدمات أجاب "طلبنا مرافئ للصيادين ووعدونا خيرا". كما "رفعنا خطابا لوزارة الكهرباء والماء، ووعدتنا الأخيرة بالتجاوب أيضا"... "وبتنا نلمس بعض التفاعل الإيجابي في الفترة الأخيرة". في الوقت الذي تزخر فيه بعض مناطق المملكة بالسواحل والحدائق، والشوارع المسفلتة، والمساكن الموصلة بالماء والكهرباء، نجد في المقابل قرى على النقيض تماما، يغمرها الطين الملوث في الشتاء، وتكسو سواحلها المخلفات والحشائش، ولا ماء ولا كهرباء في أجزاء منها! فهل سكان تلك المناطق مواطنون وغيرهم ليسوا بمواطنين؟! وهل القرى جزء من دول خليجية؟!
المادة "18" من دستور مملكة البحرين تنص على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
أليس من حقهم التمتع بمستوى معيشي أفضل لاسيما ان المملكة حازت على مرتبة متقدمة في تقرير التنمية البشرية الاخيرة، وتنص المادة "25" من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو المرجعية الدولية على ان "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته...".
قبل المغادرة والمضي في طريق العودة، طلب الأهالي زيارتهم مجددا، ليشكوا أحوالهم وليبكوا كرانة... وليقولوا إنها منطقة من البحرين وعليها أن تعامل كذلك!
و شكراً
كل شيء في القرى مختلف. .. أناسها الطيبون، رائحتها، نسيمها، بيوتاتها القديمة، شوارعها، شواطئها، ومستوى خدماتها المخجل أيضا! كرانة... تلك القرية القابعة على شارع البديع، مازالت ممراتها متآكلة، ومازال شاطئها الذي تتبعثر منه رائحة السمك النيء مكتظا بمخلفات "البوانيش الكبيرة"، والحشائش الخشنة المقتلعة جراء جرف تلك البوانيش!
كانت الساعة تشير إلى الخامسة و45 دقيقة عصرا، عندما كنا نتجاذب أطراف الهموم الخدمية مع شيوخ القرية، وفي الطابق العلوي للديوانية المطلة على البحر، اختلطت كلماتهم ببعضها بعضا، وكان من الصعب تحديد مشكلة معينة بحد ذاتها... لكثرة الحديث، ولتداخل المشكلات ودسامتها!
قال أحد البحارة المخضرمين : "على رغم مطالباتنا المستمرة بتوصيل المياه إلى منطقة الشاطئ ، فإن التجاهل والوعود أحيانا هي ما نقابل به". ويضيف "نواجه الكثير من الصعوبات لعدم توافر الماء، إذ نضطر إلى جلبه من بيوتنا في القرية، الأمر الذي يتطلب جهدا كبيرا".
ويقاطعه آخر: "لا نملك دورة مياه أمام الشاطئ، ولا مسجدا نصلي فيه، ولا استراحة سوى هذه الديوانية"، أو "الطيارة" كما يسميها السابقون.
وأردف آخر بيأس "إن كانت البيوت القريبة من الساحل لا يوجد بها ماء ولا كهرباء على رغم جهوزيتها بالكامل، فكيف بنا نحن؟ مع العلم ان الأمر يحتاج إلى 19 ألف دينار من قبل وزارة الكهرباء كما أخبرني أحد العاملين فيها، فماذا تشكل 19 ألفا بالنسبة لوزارة ضخمة؟!".
ويتحدث آخر عن الممر المؤدي الى الساحل: "طلبنا من البلدية أكثر من مرة أن تسفلت الممر، فمطر الشتاء يحوله إلى طين كثيف يصعب اختراقه، وعندما فقدنا الأمل بذلك، تبرع أهالي القرية أنفسهم، وبنوه على نفقتهم الخاصة، ولم تساعدنا البلدية حتى بالرافعة!".
وبينما كان آخر منهمكا في أخذ رشفة من شاي البحارة المر علق "غالبية البنادر مجهزة ، إلا ان بيدرنا مازال تقليديا وصعبا، ولا نستطيع أن نوقف "الطراريد" إلا بعيدا عن الشاطئ، ونذهب إليها بسياراتنا أثناء "القراح"/ الجزر".
وقال النوخذة أبوحسين أو كما يسمونه محميد: "لا نأمن على أطفالنا في هذا الساحل، لاسيما ان الحشائش الخشنة تحيط به من كل الجوانب، فالجرافات أو البوانيش الكبيرة تقلع حشيش القاع وتجرفه إلى الساحل، وتتضرر بويضات الأسماك نتيجة الجرف، وتهاجر الأسماك، وتتدمر أرضية القاع! مع العلم انه من الممنوع استخدام هذا النوع من البوانيش في هذه المنطقة... أخبرنا الثروة السمكية وخفر السواحل ولكن دون جدوى! ربما لاننا لا نملك ظهرا قويا نستند عليه!".
اتفق البحارة المجتمعون على انه لم يتخذ إجراء لصالحهم. ألا يعتبر ذلك تعديا على دستور مملكة البحرين الذي ينص في مادته "19" على أن "تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية".
وردا على سؤال "الوسط" لعضو مجلس البلدية الشمالية جمعة الأسود عن تدني مستوى الخدمات أجاب "طلبنا مرافئ للصيادين ووعدونا خيرا". كما "رفعنا خطابا لوزارة الكهرباء والماء، ووعدتنا الأخيرة بالتجاوب أيضا"... "وبتنا نلمس بعض التفاعل الإيجابي في الفترة الأخيرة". في الوقت الذي تزخر فيه بعض مناطق المملكة بالسواحل والحدائق، والشوارع المسفلتة، والمساكن الموصلة بالماء والكهرباء، نجد في المقابل قرى على النقيض تماما، يغمرها الطين الملوث في الشتاء، وتكسو سواحلها المخلفات والحشائش، ولا ماء ولا كهرباء في أجزاء منها! فهل سكان تلك المناطق مواطنون وغيرهم ليسوا بمواطنين؟! وهل القرى جزء من دول خليجية؟!
المادة "18" من دستور مملكة البحرين تنص على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
أليس من حقهم التمتع بمستوى معيشي أفضل لاسيما ان المملكة حازت على مرتبة متقدمة في تقرير التنمية البشرية الاخيرة، وتنص المادة "25" من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو المرجعية الدولية على ان "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته...".
قبل المغادرة والمضي في طريق العودة، طلب الأهالي زيارتهم مجددا، ليشكوا أحوالهم وليبكوا كرانة... وليقولوا إنها منطقة من البحرين وعليها أن تعامل كذلك!
و شكراً
تعليق