[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحسن و الحسين إبنا رسول الله
قال الشعبي : كنت بواسط [1] ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر [2] ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : وبأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز وجل .
فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : { فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنَاءَ كم وَ نِساءَنا و نِساءَ كُم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ عَلَى الكاذبينَ } [3] وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ { وَ مِن ذُرِّيتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ } [4] من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود وسليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : {وَ أَيّوبَ وَ يوسُفَ وَ موسى وَ هارونَ وَ كذلِكَ نَجْزي المُحسنينَ } [5] .
قال يحيى : ومن ؟
قال : { وَزَكَريا وَ يَحيى وَ عِيسى } [6] .
قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، ولا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً [7] .
جزاء الصابرين
رُوي عن الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) أنه قال :
" إذا جمع الله الأولين و الآخرين ينادي منادٍ أين الصابرون ليدخلوا الجنة بغير حساب ، فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة .
فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟
فيقولون : إلى الجنة .
فيقولون و قبل لحساب ؟
فقالوا : نعم .
قالوا : و من أنتم ؟
قالوا : الصابرون .
قالوا : و ما كان صبركم ؟
قالوا : صبرنا على طاعة الله ، و صبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عزَّ و جَلَّ .
قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .
طوبى للنساء العارفات
رُوي أنه لما كان يوم أُحد حاص أهل المدينة حيصة فقالوا قتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة ، فخرجت امرأة من الأنصار متحزنة فاستقبلت بابنها و أبيها و زوجها و أخيها و هم شهداء .
فلما مرَّت على آخرهم قالت : من هذا ؟
قالوا : أخوك و أبوك و زوجك و ابنك .
قالت : ما فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قالوا : أمامك .
فمشت حتى جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) و أخذت بناحية ثوبه و جعلت تقول : بأبي أنت و أمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلُمت أنت من عطب .
و خرجت السمراء بنت قيس أخت أبي خزام و قد أصيب ابناها فعزاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهما فقالت كل مصيبة بعدك جلل و الله لهذا النقع الذي في وجهك أشد من مصابهما
و عن جويرة بنت أسماء أن ثلاثة إخوة شهدوا بششتر و استشهدوا و بلغ ذلك أمهم فقالت مقبلين أم مدبرين فقيل لها بل مقبلين فقالت الحمد لله نالوا و الله الفوز و أحاطوا الذمار بنفسي هم و أبي و أمي و ما تأوهت و لا دمعت لها عين .
و عن أبي قدامة الشامي قال كنت أميرا على جيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان و دعوت الناس الغزاة و رغبتهم في الجهاد و ذكرت فضل الشهادة و ما لأهلها ثم تفرق الناس و ركبت فرسي و سرت إلى منزلي ، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تنادي يا أبا قدامة فمضيت و لم أجب .
فقالت : ما هكذا كان الصالحون .
فوقفت فجاءت و دفعت إليَّ رقعة و خرقة مشدودة و انصرفت باكية ، فنظرت في الرقعة و إذا فيها مكتوب أنت دعوتنا إلى الجهاد و رغبتنا في الثواب و لا قدرة لي على ذلك ، فقطعتُ أحسن ما فيَّ و هما ضفيرتاي و أرسلتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك في سبيل الله فيغفر لي .
فلما كان صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسرا ، فتقدمت إليه و قلت يا غلام أنت فتى غر راجل و لا آمن أن تجول الخيل فتطؤك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا .
فقال : أ تأمرني بالرجوع و قد قال الله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ } و قرأ الآية إلى آخرها .
قال : فحملته على هجين كان معي .
فقال : يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم .
فقلت أ هذا وقت قرض ، فما زال يلح حتى قلت بشرط ، إن منَّ الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك .
قال : نعم .
فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهما في قوسه فرمى به فقتل روميا ، ثم رمى بالآخر فقتل روميا ، ثم رمى بالآخر و قال السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع ، فجاءه سهم فوقع بين عينيه ، فوضع رأسه على قربوس سرجه فقدِمتُ إليه و قلت : لا تنسها .
فقال : نعم ، و لكن لي إليك حاجة ، إذا دخلت المدينة فآت والدتي و سلِّم خُرجي إليها ، و أخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك فسلِّم عليها ، فهي العام الأول أصيبت بوالدي ، و في هذا العام بي ثم مات ، فحفرت له و دفنته .
فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت إلى أمها و قالت يا أماه هذا أبو قدامة و ليس معه أخي و قد أصبنا في عام الأول بأبي و في هذا العام بأخي .
فخرجت أمه فقالت : أ معزيا أم مهنئا .
فقلت : ما معنى هذا ؟
فقالت : إن كان ابني مات فعزِّني ، و إن كان استشهد فهنئني .
فقلت : لا بل قد مات شهيدا .
فقالت : الحمد لله .
دمتم في رعاية الله وحفظه....
[/align]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحسن و الحسين إبنا رسول الله
قال الشعبي : كنت بواسط [1] ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر [2] ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : وبأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز وجل .
فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : { فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنَاءَ كم وَ نِساءَنا و نِساءَ كُم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ عَلَى الكاذبينَ } [3] وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ { وَ مِن ذُرِّيتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ } [4] من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود وسليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : {وَ أَيّوبَ وَ يوسُفَ وَ موسى وَ هارونَ وَ كذلِكَ نَجْزي المُحسنينَ } [5] .
قال يحيى : ومن ؟
قال : { وَزَكَريا وَ يَحيى وَ عِيسى } [6] .
قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، ولا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً [7] .
جزاء الصابرين
رُوي عن الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) أنه قال :
" إذا جمع الله الأولين و الآخرين ينادي منادٍ أين الصابرون ليدخلوا الجنة بغير حساب ، فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة .
فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟
فيقولون : إلى الجنة .
فيقولون و قبل لحساب ؟
فقالوا : نعم .
قالوا : و من أنتم ؟
قالوا : الصابرون .
قالوا : و ما كان صبركم ؟
قالوا : صبرنا على طاعة الله ، و صبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عزَّ و جَلَّ .
قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .
طوبى للنساء العارفات
رُوي أنه لما كان يوم أُحد حاص أهل المدينة حيصة فقالوا قتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة ، فخرجت امرأة من الأنصار متحزنة فاستقبلت بابنها و أبيها و زوجها و أخيها و هم شهداء .
فلما مرَّت على آخرهم قالت : من هذا ؟
قالوا : أخوك و أبوك و زوجك و ابنك .
قالت : ما فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قالوا : أمامك .
فمشت حتى جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) و أخذت بناحية ثوبه و جعلت تقول : بأبي أنت و أمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلُمت أنت من عطب .
و خرجت السمراء بنت قيس أخت أبي خزام و قد أصيب ابناها فعزاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهما فقالت كل مصيبة بعدك جلل و الله لهذا النقع الذي في وجهك أشد من مصابهما
و عن جويرة بنت أسماء أن ثلاثة إخوة شهدوا بششتر و استشهدوا و بلغ ذلك أمهم فقالت مقبلين أم مدبرين فقيل لها بل مقبلين فقالت الحمد لله نالوا و الله الفوز و أحاطوا الذمار بنفسي هم و أبي و أمي و ما تأوهت و لا دمعت لها عين .
و عن أبي قدامة الشامي قال كنت أميرا على جيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان و دعوت الناس الغزاة و رغبتهم في الجهاد و ذكرت فضل الشهادة و ما لأهلها ثم تفرق الناس و ركبت فرسي و سرت إلى منزلي ، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تنادي يا أبا قدامة فمضيت و لم أجب .
فقالت : ما هكذا كان الصالحون .
فوقفت فجاءت و دفعت إليَّ رقعة و خرقة مشدودة و انصرفت باكية ، فنظرت في الرقعة و إذا فيها مكتوب أنت دعوتنا إلى الجهاد و رغبتنا في الثواب و لا قدرة لي على ذلك ، فقطعتُ أحسن ما فيَّ و هما ضفيرتاي و أرسلتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك في سبيل الله فيغفر لي .
فلما كان صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسرا ، فتقدمت إليه و قلت يا غلام أنت فتى غر راجل و لا آمن أن تجول الخيل فتطؤك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا .
فقال : أ تأمرني بالرجوع و قد قال الله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ } و قرأ الآية إلى آخرها .
قال : فحملته على هجين كان معي .
فقال : يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم .
فقلت أ هذا وقت قرض ، فما زال يلح حتى قلت بشرط ، إن منَّ الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك .
قال : نعم .
فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهما في قوسه فرمى به فقتل روميا ، ثم رمى بالآخر فقتل روميا ، ثم رمى بالآخر و قال السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع ، فجاءه سهم فوقع بين عينيه ، فوضع رأسه على قربوس سرجه فقدِمتُ إليه و قلت : لا تنسها .
فقال : نعم ، و لكن لي إليك حاجة ، إذا دخلت المدينة فآت والدتي و سلِّم خُرجي إليها ، و أخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك فسلِّم عليها ، فهي العام الأول أصيبت بوالدي ، و في هذا العام بي ثم مات ، فحفرت له و دفنته .
فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت إلى أمها و قالت يا أماه هذا أبو قدامة و ليس معه أخي و قد أصبنا في عام الأول بأبي و في هذا العام بأخي .
فخرجت أمه فقالت : أ معزيا أم مهنئا .
فقلت : ما معنى هذا ؟
فقالت : إن كان ابني مات فعزِّني ، و إن كان استشهد فهنئني .
فقلت : لا بل قد مات شهيدا .
فقالت : الحمد لله .
دمتم في رعاية الله وحفظه....
[/align]
تعليق