صحافة العدو:لماذا لم ننتصر؟
المناورة التدريبية على مستوى هيئة الاركان التي تجري في كل عام تحت اسم "حجارة النار" لن تُنظم في هذه السنة. نفس الشيء يُقال عن ورشة هيئة الاركان التي كان مزمعا عقدها عشية الحرب من اجل تدارس احتياجات الجيش في السنوات الخمس القادمة،
هي الاخرى ستُلقى في سلة المهملات. التغيرات على كافة المستويات في الجيش تتفاعل بما فيها الترقيات والنظريات.
الفجوة بين القدرات النظرية الواعدة للقوات البرية وبين التطبيق المحبط تجسدت في الحرب في جنوب لبنان والتي كانت قد أُخضعت للتدريب قبل عملية الاختطاف بأسبوعين. الخطة التي أعدتها قيادة المنطقة الشمالية وحصلت على مصادقة هيئة الاركان العامة تحدثت عن هجوم جوي لمدة اسبوعين، ومن ثم اجتياحا بريا مكثفا. هذا من اجل القضاء على قوة حزب الله في جنوب لبنان وتخفيض حجم اطلاق الكاتيوشا. ولكن من اللحظة التي انتهت فيها المرحلة الجوية لم يسر أي شيء وفق المخطط. فجأة كانت هناك حاجة الى اعادة التخطيط والى استخدام القوات بصورة مختلفة، وكانت هناك أمور ضرورية سياسيا وعسكريا. في ظل هذا الوضع يتوجب أن تتجسد القدرات المهنية لدى القيادة والعناصر. وفي هذه النقطة بالذات برزت خيبة الأمل الكبرى. المستوى العسكري قادر على توجيه أصابع الاتهام نحو المستوى السياسي الذي لم يُتح له فرصة العمل وأن ديوان رئيس الوزراء قد أصيب بالجُبن وذُعر من عدد الاصابات. إلا أنه هو لم يقم بعمله المنوط به.
1- القيادة
في الجيش ايضا، يعترفون اليوم وباستقامة، أنه لم يكن يوما مستوى سياسيا سخيا كما هي الحال مع اولمرت - بيرتس. في الثاني عشر من تموز، عندما طرحت قيادة الجيش خطة الهجوم الجوي ذُهلت من حقيقة قيام المستوى السياسي بالمصادقة عليها.
الانتقاد المركزي الذي تردد في الجيش تجاه المستوى السياسي، وخصوصا رئيس الوزراء، مفاده: نحن توجهنا للحرب، ولكن القيادة السياسية تعاملت مع ما يحدث على أنه مجرد عملية عسكرية. وبالفعل على امتداد نقاط هامة من المعركة طالب رئيس الوزراء بالمصادقة على كل عملية غير عادية تتجاوز الخط الحدودي الدولي. الأمر الذي كان بامكانه من الناحية النظرية أن يدفع الجيش الى تغيير خططه بوتيرة عالية ويتسبب في التردد وعدم الاندفاع.
من الناحية الفعلية يبدو أن الامر يتعلق بنزوة سكرتير عسكري مقرب جدا من رئيس الوزراء، والذي كانت لديه تحفظات على الخطة الميدانية. هو ايضا فكر أنه سيكون من الصحيح أن يكون رئيسه ضالعا في كل خطوة حتى تزداد خبرته ويدرك مغزى كل قرار يتخذه. وهكذا في كل يوم، واحيانا ايضا عدة مرات في اليوم، أُرسل ضابط مع خارطة الى ديوان اولمرت. من الناحية الفعلية لم يكن لذلك أي مغزى على عرقلة العملية أو تشويش مسارها.
في قيادة الجيش الاسرائيلي وقيادة المنطقة الشمالية يدعون اليوم أن عقب أخيل لتدحرج الحرب هو حقيقة أن الجيش الاسرائيلي لم يطبق خطته الميدانية التي تحدثت عن خطوة برية واسعة واحدة حتى الليطاني. ولكن بسبب اضطرارات سياسية تحرك بطريقة السلامي واحتك مع العدو فوق ملعب كان فيه الطرف الآخر يتميز عليه.
وبالفعل ستكون هذه احدى القضايا المركزية التي ستتحقق منها أي لجنة تحقيق ستتشكل: لماذا لم يُعط ضوء اخضر كامل للعملية العسكرية الواسعة، ولماذا تأخر استدعاء الاحتياط. قائد المنطقة الشمالية يقول اليوم أن التعداد الكامل للقوات البرية التي وضعت رهن اشارته لم يكتمل إلا في الواحد والثلاثين من الشهر، وليس فور بدء الحرب، الذي كان من شأنه لو حصل أن يُمكنه من اعداد الأفراد وادخالهم خلال اسبوعين في عملية قتالية منظمة.
ما من شك أن التكتيك قد أملى الاستراتيجية لهذه الحرب - وليس العكس. هكذا اندلعت الحرب بسبب عملية الاختطاف. وهكذا ايضا تلاشى حماس المستوى السياسي وبعض القيادة العسكرية للعملية البرية الواسعة بعد الأخطاء المهنية التي تكشفت في القتال في مارون الراس وبنت جبيل.
2- قيادة المنطقة الشمالية
ايضا في قيادة المنطقة الشمالية يعترفون الآن أن معركة مارون الراس كانت "خللا". وحدة استطلاع أُرسلت للقيام بعملية مراقبة واستكشاف في أحد المواقع، كجزء من جمع المعلومات للحرب ضد القواعد الصاروخية. أحدهم اختار ادخال هذه الوحدة بجانب "محمية طبيعية" - وهو موقع عسكري مغلق لحزب الله خارج منطقة مأهولة تنتشر فيه منظومة من المخازن والصواريخ. هذا القرار الخاطىء لأحد القادة الكبار في الميدان أدى الى قرار خاطىء آخر بادخال وحدة ايغوز في وضح النهار من اجل إدخال القوة التي أصيبت. المجابهة الاولى مع العدو انتهت بعدد كبير من الاصابات.
في هيئة الاركان غضبوا من قيادة المنطقة: كل هذه الأحداث تجري تحت الأنف على مسافة بضعة مئات من الأمتار عن الحدود، ومع ذلك لا تنجح القيادة في التغلب عليها. عندئذ بدأت الأحاديث عن القيادة الشمالية على أنها قيادة انبطاحية، بطيئة ومترددة. هذه المعركة تركت في حلق القيادة العسكرية والمستوى السياسي طعما مريرا. في الجانب الآخر ساد شعور بالانتصار.
في هذه المرحلة بدأت العملية تكرر نفسها: قيادة المنطقة الشمالية طولبت باحتلال بنت جبيل. هذه القيادة شنت عملية اجتياحات، إلا أن هيئة الاركان أرادت احتلالا، فكانت القوات المهاجِمة مضطربة ومصابة بالبلبلة. هيئة الاركان تعتقد أن الاحتلال يغير الوعي. أما قيادة المنطقة الشمالية فتعتقد أن تنفيذ الاحتلال يستوجب قدرا أكبر من القوات، الأمر الذي لا يتوفر لديها. النتيجة: خطوات حصدت حياة ثمانية مقاتلين من غولاني.
المستوى السياسي شعر، وعن حق، أن تقييمات الوضع التي سمعها قبل ذلك حول عدد المصابين وقدرات الجيش تختلف عما يحدث على الارض، ولذلك بدأ يُشكك في تلك التقييمات وغيرها التي ترد من الجيش.
من اعتقد للحظة أن صور المبنى المدمر في قرية قانا هي التي دفعت المستوى السياسي لفرملة العمليات مخطيء في ظنه. بعد بدء القتال بأسبوعين أوضح المستوى السياسي للجيش أنه يعيد النظر في كل جوانب العملية البرية، وأن لا حاجة لعرض الخطط عليه. وبالفعل لم تُطرح عليه خطط برية.
هنا بدأت الخدعة المعلنة التي بدأت بتصريح اولمرت بأن المرة الاولى التي شاهد فيها خطة برية شاملة لاحتلال جنوب لبنان كانت قبل المصادقة على الخطة في المجلس الوزاري بيوم واحد. هذا صحيح من ناحية الحقائق الثابتة. ولكن اولمرت في الواقع لم يشاهد الخطط على الخارطة، ولكنه كان يعرفها. اولمرت قال للجيش ولوزير الدفاع أنه ينوي طرح الخطة البرية على المجلس الوزاري المصغر قبل اربعة ايام من عرضها على الحكومة للمصادقة عليها. اذا كان اولمرت لا يعرف الخطط، فكيف كان بامكانه أن يقول أنه كان سيطرحها على المجلس الوزاري المصغر قبل عقده بأربعة ايام؟ أية خطط قال أنه سيعرضها للمصادقة؟ يبدو أنه عرف شيئا ما. المسألة تتعلق على ما يبدو بمناورة سياسية لم تعرقل المجريات العسكرية.
قائد المنطقة الشمالية طرح خطة إنزال قوات وعملية تمشيط للوراء. في المقابل طالبت هيئة الاركان العامة التي كانت تجلس على وريد قائد المنطقة الشمالية في هذه المرحلة، بتحطيم خط الدفاع الأول قبل عملية الانزال خلف خطوط العدو. هيئة الاركان عادت وسألت قائد المنطقة الشمالية عن المدة الزمنية التي سيستغرقها وصول قوات الانزال الى الخطوط الأمامية بالعودة للوراء؟ وهنا قالت هيئة الاركان ان هذه العملية قد تستغرق وقتا طويلا جدا اذا لم يتم تحطيم خط الدفاع الأول.
هنا كان بانتظار قائد المنطقة الشمالية مفاجأة اخرى. في هذه المرحلة سمع أن المستوى السياسي لا يسمح بالالتفاف الأفقي، أي إنزال القوات خلف خطوط العدو. بعد ذلك، وعندما سمع قائد المنطقة، اولمرت وهو يقول أنه لم يرَ خطة برية بالمرة، بدأ يخشى أن هذه ليست المرة الاولى التي لا يقولون له فيها كل الحقيقة. في هذه المرحلة بدأ يشعر بان لديه خطة ممتازة، ولكن قادته يتسببون في تغيير الخطط بوتيرة عالية لدرجة أن القوات على الارض لا تفهم ما الذي يريدونه منها. وبذلك اندلعت حرب السلامي: قيادة المنطقة الشمالية تدعي أنها تنفذ الأوامر حسب الجداول الزمنية. أما هيئة الاركان فتدعي أن العملية تسير ببطء ووهن. الجنود في الميدان لا يفهمون ماذا تريد قيادة المنطقة الشمالية. قيادة المنطقة لا تفهم ماذا تريد هيئة الاركان. الأمر الذي تسبب في انفراط الثقة وتمخض عن إرسال نائب رئيس هيئة الاركان، كابلنسكي، حتى يتأكد من أن قيادة المنطقة الشمالية وهيئة الاركان يتحدثون بنفس اللغة.
عندما بدأت العملية البرية الواسعة توقفت بعد يوم ونصف بدلا من اربعة ايام. هنا ايضا ليس من الممكن اتهام المستوى السياسي. الجيش كان قد وعد بأنه سيكون قادرا على ايقاف العملية في كل 24 ساعة وفقا للتطورات السياسية. وعليه، توقف عندما تم صدور قرار وقف اطلاق النار.
بالنسبة لقيادة الجيش كان وزير الدفاع عمير بيرتس مفاجأة جيدة. هو تحول الى شريك كامل. وهو الذي بادر في نهاية المطاف الى العملية البرية. قبل ذلك بأسبوعين التقى المبعوث الامريكي ديفيد وولش، في ديوانه وأوضح له أن أي قوة دولية لن تصل اذا لم يقم الجيش الاسرائيلي باحتلال الجنوب. من هذه اللحظة وما بعدها قام بيرتس بالحث على الهجوم البري الواسع، وفي بعض الاحيان كان متحمسا أكثر من الجيش.
لن يفاجأ أحد اذا قرر قائد المنطقة الشمالية، أودي أدام، انهاء خدماته. عدم ثقته بالقيادة، وعدم ثقة القيادة به لا تترك خيارات كثيرة. الجنرال أدام هو ضابط مهني ومستقيم ونزيه. هو سيسعى الى الدفاع عن اسمه وسيقوم بذلك بالتأكيد بعد أن يخلع ملابسه العسكرية.
المناورة التدريبية على مستوى هيئة الاركان التي تجري في كل عام تحت اسم "حجارة النار" لن تُنظم في هذه السنة. نفس الشيء يُقال عن ورشة هيئة الاركان التي كان مزمعا عقدها عشية الحرب من اجل تدارس احتياجات الجيش في السنوات الخمس القادمة،
هي الاخرى ستُلقى في سلة المهملات. التغيرات على كافة المستويات في الجيش تتفاعل بما فيها الترقيات والنظريات.
الفجوة بين القدرات النظرية الواعدة للقوات البرية وبين التطبيق المحبط تجسدت في الحرب في جنوب لبنان والتي كانت قد أُخضعت للتدريب قبل عملية الاختطاف بأسبوعين. الخطة التي أعدتها قيادة المنطقة الشمالية وحصلت على مصادقة هيئة الاركان العامة تحدثت عن هجوم جوي لمدة اسبوعين، ومن ثم اجتياحا بريا مكثفا. هذا من اجل القضاء على قوة حزب الله في جنوب لبنان وتخفيض حجم اطلاق الكاتيوشا. ولكن من اللحظة التي انتهت فيها المرحلة الجوية لم يسر أي شيء وفق المخطط. فجأة كانت هناك حاجة الى اعادة التخطيط والى استخدام القوات بصورة مختلفة، وكانت هناك أمور ضرورية سياسيا وعسكريا. في ظل هذا الوضع يتوجب أن تتجسد القدرات المهنية لدى القيادة والعناصر. وفي هذه النقطة بالذات برزت خيبة الأمل الكبرى. المستوى العسكري قادر على توجيه أصابع الاتهام نحو المستوى السياسي الذي لم يُتح له فرصة العمل وأن ديوان رئيس الوزراء قد أصيب بالجُبن وذُعر من عدد الاصابات. إلا أنه هو لم يقم بعمله المنوط به.
1- القيادة
في الجيش ايضا، يعترفون اليوم وباستقامة، أنه لم يكن يوما مستوى سياسيا سخيا كما هي الحال مع اولمرت - بيرتس. في الثاني عشر من تموز، عندما طرحت قيادة الجيش خطة الهجوم الجوي ذُهلت من حقيقة قيام المستوى السياسي بالمصادقة عليها.
الانتقاد المركزي الذي تردد في الجيش تجاه المستوى السياسي، وخصوصا رئيس الوزراء، مفاده: نحن توجهنا للحرب، ولكن القيادة السياسية تعاملت مع ما يحدث على أنه مجرد عملية عسكرية. وبالفعل على امتداد نقاط هامة من المعركة طالب رئيس الوزراء بالمصادقة على كل عملية غير عادية تتجاوز الخط الحدودي الدولي. الأمر الذي كان بامكانه من الناحية النظرية أن يدفع الجيش الى تغيير خططه بوتيرة عالية ويتسبب في التردد وعدم الاندفاع.
من الناحية الفعلية يبدو أن الامر يتعلق بنزوة سكرتير عسكري مقرب جدا من رئيس الوزراء، والذي كانت لديه تحفظات على الخطة الميدانية. هو ايضا فكر أنه سيكون من الصحيح أن يكون رئيسه ضالعا في كل خطوة حتى تزداد خبرته ويدرك مغزى كل قرار يتخذه. وهكذا في كل يوم، واحيانا ايضا عدة مرات في اليوم، أُرسل ضابط مع خارطة الى ديوان اولمرت. من الناحية الفعلية لم يكن لذلك أي مغزى على عرقلة العملية أو تشويش مسارها.
في قيادة الجيش الاسرائيلي وقيادة المنطقة الشمالية يدعون اليوم أن عقب أخيل لتدحرج الحرب هو حقيقة أن الجيش الاسرائيلي لم يطبق خطته الميدانية التي تحدثت عن خطوة برية واسعة واحدة حتى الليطاني. ولكن بسبب اضطرارات سياسية تحرك بطريقة السلامي واحتك مع العدو فوق ملعب كان فيه الطرف الآخر يتميز عليه.
وبالفعل ستكون هذه احدى القضايا المركزية التي ستتحقق منها أي لجنة تحقيق ستتشكل: لماذا لم يُعط ضوء اخضر كامل للعملية العسكرية الواسعة، ولماذا تأخر استدعاء الاحتياط. قائد المنطقة الشمالية يقول اليوم أن التعداد الكامل للقوات البرية التي وضعت رهن اشارته لم يكتمل إلا في الواحد والثلاثين من الشهر، وليس فور بدء الحرب، الذي كان من شأنه لو حصل أن يُمكنه من اعداد الأفراد وادخالهم خلال اسبوعين في عملية قتالية منظمة.
ما من شك أن التكتيك قد أملى الاستراتيجية لهذه الحرب - وليس العكس. هكذا اندلعت الحرب بسبب عملية الاختطاف. وهكذا ايضا تلاشى حماس المستوى السياسي وبعض القيادة العسكرية للعملية البرية الواسعة بعد الأخطاء المهنية التي تكشفت في القتال في مارون الراس وبنت جبيل.
2- قيادة المنطقة الشمالية
ايضا في قيادة المنطقة الشمالية يعترفون الآن أن معركة مارون الراس كانت "خللا". وحدة استطلاع أُرسلت للقيام بعملية مراقبة واستكشاف في أحد المواقع، كجزء من جمع المعلومات للحرب ضد القواعد الصاروخية. أحدهم اختار ادخال هذه الوحدة بجانب "محمية طبيعية" - وهو موقع عسكري مغلق لحزب الله خارج منطقة مأهولة تنتشر فيه منظومة من المخازن والصواريخ. هذا القرار الخاطىء لأحد القادة الكبار في الميدان أدى الى قرار خاطىء آخر بادخال وحدة ايغوز في وضح النهار من اجل إدخال القوة التي أصيبت. المجابهة الاولى مع العدو انتهت بعدد كبير من الاصابات.
في هيئة الاركان غضبوا من قيادة المنطقة: كل هذه الأحداث تجري تحت الأنف على مسافة بضعة مئات من الأمتار عن الحدود، ومع ذلك لا تنجح القيادة في التغلب عليها. عندئذ بدأت الأحاديث عن القيادة الشمالية على أنها قيادة انبطاحية، بطيئة ومترددة. هذه المعركة تركت في حلق القيادة العسكرية والمستوى السياسي طعما مريرا. في الجانب الآخر ساد شعور بالانتصار.
في هذه المرحلة بدأت العملية تكرر نفسها: قيادة المنطقة الشمالية طولبت باحتلال بنت جبيل. هذه القيادة شنت عملية اجتياحات، إلا أن هيئة الاركان أرادت احتلالا، فكانت القوات المهاجِمة مضطربة ومصابة بالبلبلة. هيئة الاركان تعتقد أن الاحتلال يغير الوعي. أما قيادة المنطقة الشمالية فتعتقد أن تنفيذ الاحتلال يستوجب قدرا أكبر من القوات، الأمر الذي لا يتوفر لديها. النتيجة: خطوات حصدت حياة ثمانية مقاتلين من غولاني.
المستوى السياسي شعر، وعن حق، أن تقييمات الوضع التي سمعها قبل ذلك حول عدد المصابين وقدرات الجيش تختلف عما يحدث على الارض، ولذلك بدأ يُشكك في تلك التقييمات وغيرها التي ترد من الجيش.
من اعتقد للحظة أن صور المبنى المدمر في قرية قانا هي التي دفعت المستوى السياسي لفرملة العمليات مخطيء في ظنه. بعد بدء القتال بأسبوعين أوضح المستوى السياسي للجيش أنه يعيد النظر في كل جوانب العملية البرية، وأن لا حاجة لعرض الخطط عليه. وبالفعل لم تُطرح عليه خطط برية.
هنا بدأت الخدعة المعلنة التي بدأت بتصريح اولمرت بأن المرة الاولى التي شاهد فيها خطة برية شاملة لاحتلال جنوب لبنان كانت قبل المصادقة على الخطة في المجلس الوزاري بيوم واحد. هذا صحيح من ناحية الحقائق الثابتة. ولكن اولمرت في الواقع لم يشاهد الخطط على الخارطة، ولكنه كان يعرفها. اولمرت قال للجيش ولوزير الدفاع أنه ينوي طرح الخطة البرية على المجلس الوزاري المصغر قبل اربعة ايام من عرضها على الحكومة للمصادقة عليها. اذا كان اولمرت لا يعرف الخطط، فكيف كان بامكانه أن يقول أنه كان سيطرحها على المجلس الوزاري المصغر قبل عقده بأربعة ايام؟ أية خطط قال أنه سيعرضها للمصادقة؟ يبدو أنه عرف شيئا ما. المسألة تتعلق على ما يبدو بمناورة سياسية لم تعرقل المجريات العسكرية.
قائد المنطقة الشمالية طرح خطة إنزال قوات وعملية تمشيط للوراء. في المقابل طالبت هيئة الاركان العامة التي كانت تجلس على وريد قائد المنطقة الشمالية في هذه المرحلة، بتحطيم خط الدفاع الأول قبل عملية الانزال خلف خطوط العدو. هيئة الاركان عادت وسألت قائد المنطقة الشمالية عن المدة الزمنية التي سيستغرقها وصول قوات الانزال الى الخطوط الأمامية بالعودة للوراء؟ وهنا قالت هيئة الاركان ان هذه العملية قد تستغرق وقتا طويلا جدا اذا لم يتم تحطيم خط الدفاع الأول.
هنا كان بانتظار قائد المنطقة الشمالية مفاجأة اخرى. في هذه المرحلة سمع أن المستوى السياسي لا يسمح بالالتفاف الأفقي، أي إنزال القوات خلف خطوط العدو. بعد ذلك، وعندما سمع قائد المنطقة، اولمرت وهو يقول أنه لم يرَ خطة برية بالمرة، بدأ يخشى أن هذه ليست المرة الاولى التي لا يقولون له فيها كل الحقيقة. في هذه المرحلة بدأ يشعر بان لديه خطة ممتازة، ولكن قادته يتسببون في تغيير الخطط بوتيرة عالية لدرجة أن القوات على الارض لا تفهم ما الذي يريدونه منها. وبذلك اندلعت حرب السلامي: قيادة المنطقة الشمالية تدعي أنها تنفذ الأوامر حسب الجداول الزمنية. أما هيئة الاركان فتدعي أن العملية تسير ببطء ووهن. الجنود في الميدان لا يفهمون ماذا تريد قيادة المنطقة الشمالية. قيادة المنطقة لا تفهم ماذا تريد هيئة الاركان. الأمر الذي تسبب في انفراط الثقة وتمخض عن إرسال نائب رئيس هيئة الاركان، كابلنسكي، حتى يتأكد من أن قيادة المنطقة الشمالية وهيئة الاركان يتحدثون بنفس اللغة.
عندما بدأت العملية البرية الواسعة توقفت بعد يوم ونصف بدلا من اربعة ايام. هنا ايضا ليس من الممكن اتهام المستوى السياسي. الجيش كان قد وعد بأنه سيكون قادرا على ايقاف العملية في كل 24 ساعة وفقا للتطورات السياسية. وعليه، توقف عندما تم صدور قرار وقف اطلاق النار.
بالنسبة لقيادة الجيش كان وزير الدفاع عمير بيرتس مفاجأة جيدة. هو تحول الى شريك كامل. وهو الذي بادر في نهاية المطاف الى العملية البرية. قبل ذلك بأسبوعين التقى المبعوث الامريكي ديفيد وولش، في ديوانه وأوضح له أن أي قوة دولية لن تصل اذا لم يقم الجيش الاسرائيلي باحتلال الجنوب. من هذه اللحظة وما بعدها قام بيرتس بالحث على الهجوم البري الواسع، وفي بعض الاحيان كان متحمسا أكثر من الجيش.
لن يفاجأ أحد اذا قرر قائد المنطقة الشمالية، أودي أدام، انهاء خدماته. عدم ثقته بالقيادة، وعدم ثقة القيادة به لا تترك خيارات كثيرة. الجنرال أدام هو ضابط مهني ومستقيم ونزيه. هو سيسعى الى الدفاع عن اسمه وسيقوم بذلك بالتأكيد بعد أن يخلع ملابسه العسكرية.
تعليق