تحـــــــــــت شـــــراع الملاّح التائـــــــه
بقلم جابر جعفر الخطاب
لم يكن تائها في شواطيء الأنس فالأمواج تراقصه مختالة والنسائم تقبله
والضفاف المعشبة تدعوه ليستريح على أكتافها المورقة والحقول تفرش له بساطا من الخضرة ...عرفته الضفاف مسافرا يحمل زادا من الحب وأغنيات يسكنها الحنين وتسكر من همساتها الأنسام ...انه شاعر الجندول الراحل علي محمود طه الذي ظلت أنغامه العذبة تتردد في أذن الزمن فتطرب لها الأعماق وتخفق القلوب وفي خفقات شراعه يحتضن الأنسام التي تلوذ به كما يلوذ الطفل بأحضان والديه وعندما يرسل ألحانه الشجية في أسفاره فإنه يستحضر ملامح وطنه الخالده التي تسافر معه إلى بلاد الدنيا فهي باقة ذكريات ندية وسلة أشواق دافئة تزين قصائده التي يطوق بها عوالم الجمال فيستيقظ في روحه حب وطنه وسحره الذي لا يقاوم
ولد في مدينة المنصورة عام ( 1902 )ودرس الهندسة في مدرسة الفنون التطبيقية ليتخرج منها عام ( 1924)فيعمل موظفا بسيطا بهندسة المباني في بلدته المنصورة فكانت وظيفته نافذة مشرعة على
عوالم الأدب والشعر التي نهل منها الكثير وبرزت موهبته في الشعر
فنشر قصائده في جريدة السياسة الأسبوعية مما أكسبه ثقة وإعجاب أدباء وشعراء عصره وتوثقت علاقته بأدباء المهجر ومدارسهم الأدبية
فامتلك في الشعر أسلوبا يجمع بين الخيال والرقة وتدفق الحنين فكان صادقا في صبابته وتعبيره عن مواطن الجمال في رحلاته التي رافقه
فيها وطنه . قال في كرنفال فينيسيا وقد أخذته موجة الحنين الى
النيل الحبيب ولياليه الساحرة وضفافه النائمة بين حفيف الأنسام
أين من عينيَ هاتيك َ المجالي يا عروس البحر يا حلم َ الخيال ِ
أين عشاقك ِ سُمّارُ الليالي أين من واديك يا مهد َ الجمال ِ
موكبُ الغيد ِ وعيدُ الكرنفال ِ وسُرى الجندول في عرض القنال ِ
كان أغنية تترنم بها شفاه الحب في ليالي الصحو والذكريات
وتنساب ألحانها الشجية مثيرة في النفوس كوامن الشوق إلى
الوطن والأهل ومرابع الصبا والشباب
قلت والنشوة ُ تسري في لساني ---هاجت الذكرى فأين الهرمان ِ
أين وادي السحر صداح َ المغاني ....أين ماءُ النيل أين الضفتان ِ
ويهتف وسط مهرجان الطبيعة الساحر مخاطبا زورقه المترنح
بين خفقات الوجد وزهو الألحان المتدفقة مستعرضا القلوب
المتعانقة تحت شعاع القمر في أجواء العشق والصبابة
أيها الملاح ُ قف بين الجسور ِ ....فتنة الدنيا وأحلام الدهور ِ
صفـقَ الموج ُ لولدان ٍ وحور ِ..يُغرقون الليل َ في ينبوع نور ِ
وتأخذه موجة التأمل في سكون الليل الحالم إلى ما يضمره الغد
من نهايات مفجعة فكل شيء الى الأفول وسترحل لحظات الحب
والأمل في وادي الحياة الجميل فلا ينهل من ينابيع الحب الصافية
ليعيش يومه السعيد ولحظات التألق محلقا في أجواء رومانسية
خالدة فالتشبث بالماضي ضرب من المستحيل
أيها االملاحُ قم واطو ِ الشراعا .....لِمَ نطوي لُجة َ الليل سِراعا
جذّف الآن لنا في هينة ٍ.... وجهة الشاطيء سيرا واتباعا
فغدا يا صاحبي تأخذنا موجة ُ الأيام قذفا واندفاعا
عبثا تقفو خطى الماضي الذي .. خِلت َ أن البحر واراه ُ ابتلاعا
وَدَع الليلة تمضي إنها .... لم تكن أول من ولى وضاعا
لقد أدرك شاعر الجندول بإحساسه المرهف وعشقه للجمال
أن قوانين الطبيعة ماضية في حكمها على الحياة فلا شيء
يخلد ه الزمن فكل شيء يتحول الى ذكرى عابرة في دفاتر
الأيام وكل شيء الى الأفول وكل شمس الى غروب
فالأرض لن تبقى على حالها بين حوادث الدهر والأنسان
سقذفه أمواج الحياة الى شاطيء المجهول فيهتف بالأحياء
أن لا تخدعهم عوالم الأنس المتاحة لأنها فرصة عابرة ولن تعود
هذه الأرض انتشت مما بها فغفت تحلم ُ بالخلد خداعا
قد طواها الليل حتى أوشكت .. من عميق الصمت فيه أن تراعا
إنه الصمت الذي في طيه ِ....أسفر المجهول والمستور ذاعا
سمعت فيه هتاف المنتهى ....من وراء الغيب يقريها الوداعا
أيها الأحياء غنوا واطربوا ...وانهبوا من غفلالت الدهر ساعا
لقد سكن الخيال الجميل لغة الشاعر وتغلغل في قوافيه الرقيقة
رقة إحساسه بالحياة ونهل الكثير من الأدب الغربي فمازج بينه
وبين ثقافته العربية الأصيلة وترجم بلغته الشعرية العذبة الكثير
من الآداب الغربية ساكبا عليها من روحه وتراثه العربي دفقات
غزيرة من صور جمالية عميقة في بعدها الأدبي والفني
قال في ( البحيرة ) عن الفونس لامارتين
أترى تذكرين ليلة كنا .....منك فوق الأمواج بين الضفاف ِ
وسرى زورق بنا يتهادى .... تحت جنح الدجى وستر العفاف ِ
في سكون فليس نسمعُ فوق ...الموج إلا أغاني المجذاف ِ
ويتواصل في مناجاته للبحيرة هاتفا
أنت ِ يا هذه البحيرة ُ ماذا ....يكتم الموج فيك والشطآن ُ
أيها الغابة الظليلة ردي ....أنت ِ يا من أبقى عليها الزمان ُ
كان قلبه الكبير موزعا بين الحب و الجمال وبين
عواطفه الجياشة وهي تعيش أحزان الناس وغياب الأحبة
فكانت قوافيه تنساب دموعا ساخنة وهي تودع رموز الأدب
والشعر في رحيل شوقي وحافظ وكانت هموم مصر ومعاناتها
في عصور الظلم والإحتلال تنعكس في نظره حتى على الطبيعة المصرية
التي يجدها حزينة بائسة
لِمَ أنت أيتها الطبيعة كالحزينة في بلادي
لولا أغاريدٌ ترسَّل ُ بين شادية ٍ وشادي
عجبا وماؤك دافق ٌ ونجوم ُ أرضك ِ في اتقاد ِ
كانت رحلة شاعرنا المبدع قصيرة في ميدان الحياة حيث لملم شراع رحلته من على مسرحها ليغيبه الموت عام ( 1949 ) بعد أن ترك في دوحة الأدب آثارا شعرية خالدة وأنغاما عذبة تترنم بها الأجيال ومنها رائعته التي لحنها الموسيقار الخالد محمد عبد الوهاب في فلسطين العروبة والجهاد
أخي جاوز الظالمون المدى .....فحق الجهاد ُ وحقَ الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة .....مجد الأبوة والسؤددا
أخي قم إلى قبلة المشرقين .....لنحمي الكنيسة والمسجدا
فلسطين تحميك منا الصدور ...فإما الحياة وإما الردى
المصدر أجمل ما كتب شاعر الجندول إختيار وتقديم
د. سمير سرحان و د. محمد عناني
بقلم جابر جعفر الخطاب
لم يكن تائها في شواطيء الأنس فالأمواج تراقصه مختالة والنسائم تقبله
والضفاف المعشبة تدعوه ليستريح على أكتافها المورقة والحقول تفرش له بساطا من الخضرة ...عرفته الضفاف مسافرا يحمل زادا من الحب وأغنيات يسكنها الحنين وتسكر من همساتها الأنسام ...انه شاعر الجندول الراحل علي محمود طه الذي ظلت أنغامه العذبة تتردد في أذن الزمن فتطرب لها الأعماق وتخفق القلوب وفي خفقات شراعه يحتضن الأنسام التي تلوذ به كما يلوذ الطفل بأحضان والديه وعندما يرسل ألحانه الشجية في أسفاره فإنه يستحضر ملامح وطنه الخالده التي تسافر معه إلى بلاد الدنيا فهي باقة ذكريات ندية وسلة أشواق دافئة تزين قصائده التي يطوق بها عوالم الجمال فيستيقظ في روحه حب وطنه وسحره الذي لا يقاوم
ولد في مدينة المنصورة عام ( 1902 )ودرس الهندسة في مدرسة الفنون التطبيقية ليتخرج منها عام ( 1924)فيعمل موظفا بسيطا بهندسة المباني في بلدته المنصورة فكانت وظيفته نافذة مشرعة على
عوالم الأدب والشعر التي نهل منها الكثير وبرزت موهبته في الشعر
فنشر قصائده في جريدة السياسة الأسبوعية مما أكسبه ثقة وإعجاب أدباء وشعراء عصره وتوثقت علاقته بأدباء المهجر ومدارسهم الأدبية
فامتلك في الشعر أسلوبا يجمع بين الخيال والرقة وتدفق الحنين فكان صادقا في صبابته وتعبيره عن مواطن الجمال في رحلاته التي رافقه
فيها وطنه . قال في كرنفال فينيسيا وقد أخذته موجة الحنين الى
النيل الحبيب ولياليه الساحرة وضفافه النائمة بين حفيف الأنسام
أين من عينيَ هاتيك َ المجالي يا عروس البحر يا حلم َ الخيال ِ
أين عشاقك ِ سُمّارُ الليالي أين من واديك يا مهد َ الجمال ِ
موكبُ الغيد ِ وعيدُ الكرنفال ِ وسُرى الجندول في عرض القنال ِ
كان أغنية تترنم بها شفاه الحب في ليالي الصحو والذكريات
وتنساب ألحانها الشجية مثيرة في النفوس كوامن الشوق إلى
الوطن والأهل ومرابع الصبا والشباب
قلت والنشوة ُ تسري في لساني ---هاجت الذكرى فأين الهرمان ِ
أين وادي السحر صداح َ المغاني ....أين ماءُ النيل أين الضفتان ِ
ويهتف وسط مهرجان الطبيعة الساحر مخاطبا زورقه المترنح
بين خفقات الوجد وزهو الألحان المتدفقة مستعرضا القلوب
المتعانقة تحت شعاع القمر في أجواء العشق والصبابة
أيها الملاح ُ قف بين الجسور ِ ....فتنة الدنيا وأحلام الدهور ِ
صفـقَ الموج ُ لولدان ٍ وحور ِ..يُغرقون الليل َ في ينبوع نور ِ
وتأخذه موجة التأمل في سكون الليل الحالم إلى ما يضمره الغد
من نهايات مفجعة فكل شيء الى الأفول وسترحل لحظات الحب
والأمل في وادي الحياة الجميل فلا ينهل من ينابيع الحب الصافية
ليعيش يومه السعيد ولحظات التألق محلقا في أجواء رومانسية
خالدة فالتشبث بالماضي ضرب من المستحيل
أيها االملاحُ قم واطو ِ الشراعا .....لِمَ نطوي لُجة َ الليل سِراعا
جذّف الآن لنا في هينة ٍ.... وجهة الشاطيء سيرا واتباعا
فغدا يا صاحبي تأخذنا موجة ُ الأيام قذفا واندفاعا
عبثا تقفو خطى الماضي الذي .. خِلت َ أن البحر واراه ُ ابتلاعا
وَدَع الليلة تمضي إنها .... لم تكن أول من ولى وضاعا
لقد أدرك شاعر الجندول بإحساسه المرهف وعشقه للجمال
أن قوانين الطبيعة ماضية في حكمها على الحياة فلا شيء
يخلد ه الزمن فكل شيء يتحول الى ذكرى عابرة في دفاتر
الأيام وكل شيء الى الأفول وكل شمس الى غروب
فالأرض لن تبقى على حالها بين حوادث الدهر والأنسان
سقذفه أمواج الحياة الى شاطيء المجهول فيهتف بالأحياء
أن لا تخدعهم عوالم الأنس المتاحة لأنها فرصة عابرة ولن تعود
هذه الأرض انتشت مما بها فغفت تحلم ُ بالخلد خداعا
قد طواها الليل حتى أوشكت .. من عميق الصمت فيه أن تراعا
إنه الصمت الذي في طيه ِ....أسفر المجهول والمستور ذاعا
سمعت فيه هتاف المنتهى ....من وراء الغيب يقريها الوداعا
أيها الأحياء غنوا واطربوا ...وانهبوا من غفلالت الدهر ساعا
لقد سكن الخيال الجميل لغة الشاعر وتغلغل في قوافيه الرقيقة
رقة إحساسه بالحياة ونهل الكثير من الأدب الغربي فمازج بينه
وبين ثقافته العربية الأصيلة وترجم بلغته الشعرية العذبة الكثير
من الآداب الغربية ساكبا عليها من روحه وتراثه العربي دفقات
غزيرة من صور جمالية عميقة في بعدها الأدبي والفني
قال في ( البحيرة ) عن الفونس لامارتين
أترى تذكرين ليلة كنا .....منك فوق الأمواج بين الضفاف ِ
وسرى زورق بنا يتهادى .... تحت جنح الدجى وستر العفاف ِ
في سكون فليس نسمعُ فوق ...الموج إلا أغاني المجذاف ِ
ويتواصل في مناجاته للبحيرة هاتفا
أنت ِ يا هذه البحيرة ُ ماذا ....يكتم الموج فيك والشطآن ُ
أيها الغابة الظليلة ردي ....أنت ِ يا من أبقى عليها الزمان ُ
كان قلبه الكبير موزعا بين الحب و الجمال وبين
عواطفه الجياشة وهي تعيش أحزان الناس وغياب الأحبة
فكانت قوافيه تنساب دموعا ساخنة وهي تودع رموز الأدب
والشعر في رحيل شوقي وحافظ وكانت هموم مصر ومعاناتها
في عصور الظلم والإحتلال تنعكس في نظره حتى على الطبيعة المصرية
التي يجدها حزينة بائسة
لِمَ أنت أيتها الطبيعة كالحزينة في بلادي
لولا أغاريدٌ ترسَّل ُ بين شادية ٍ وشادي
عجبا وماؤك دافق ٌ ونجوم ُ أرضك ِ في اتقاد ِ
كانت رحلة شاعرنا المبدع قصيرة في ميدان الحياة حيث لملم شراع رحلته من على مسرحها ليغيبه الموت عام ( 1949 ) بعد أن ترك في دوحة الأدب آثارا شعرية خالدة وأنغاما عذبة تترنم بها الأجيال ومنها رائعته التي لحنها الموسيقار الخالد محمد عبد الوهاب في فلسطين العروبة والجهاد
أخي جاوز الظالمون المدى .....فحق الجهاد ُ وحقَ الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة .....مجد الأبوة والسؤددا
أخي قم إلى قبلة المشرقين .....لنحمي الكنيسة والمسجدا
فلسطين تحميك منا الصدور ...فإما الحياة وإما الردى
المصدر أجمل ما كتب شاعر الجندول إختيار وتقديم
د. سمير سرحان و د. محمد عناني
تعليق