إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكايا جدته و راس الحمار المرعبة

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكايا جدته و راس الحمار المرعبة

    حكايا جدته و راس الحمار المرعبة
    طلبت من صديق لي يعيش حاليا في الريف
    أن يجمع لي حكايا جدته التي سمعت الكثير
    عنها و طمعت أيضا في أن أحصل منه
    على ذكر لبعض ما جرى له هناك في الأرياف
    من قصص و أحداث أعرف أنه يبرع في وصفها و انتقائها
    فكتب لي يقول كل من عرف جدتي أحبها كانت تملك مخزوناً هائلاً
    من الحكايات العامرة بالجمال و الموعظة كانت تحب
    أن أقرأ لها القصص مهما كان نوعها و كانت تحب أن
    تعلق على أحداث القصة و تمتدح الطيبين من شخوصها
    و تضرع إلى الله بعيون دامعة أن يتولى أمر الأشرار
    أما أنا فقد كنت شديد التدقيق في اختيار القصص التي
    أحضرها لها معي من المدينة كل صيف و كنت أكتشف
    كل يوم قصة جديدة حفظتها جدتي من مكان ما
    كنت أركب سيارة متهالكة تئن كثيراً و هي تصعد طريقاً
    جبلية ساحرة تكتنفها كل أنواع الأشجار الحرجية
    و تفوح روائح النباتات البرية العطرية مع كل هبة نسيم
    و عندما أصل إلى بيت جدتي أجد بابا خشبياً مصفحاً برقائق
    معدنية مدهونة بلون أخضر محبب و حالما أدخل الدار تقابلني
    شجرة توت عملاقة و مصطبة من التراب الأبيض الناعم النظيف
    في كثير من الأحيان لم أكن أجد أحداً في البيت و رغم
    ذلك تكون الأبواب كلها مفتوحة و كأنما هي في انتظاري و خلف
    باب غرفة المعيشة كوة كبيرة في الجدار مظلمة دائماً تقبع
    فيها جرة ماء كم كنت أحب ذلك الماء بارد دوماً أشرب
    منه فأرتوي و أتلذذ برؤية الجدران المطلية بالكلس الأبيض
    ثم أرنو ببصري إلى السقف الخشبي الذي اسود كثيراً من
    دخان الموقد المحفور في أرض الغرفة لم أصادف هذا
    الموقد مشتعلاً أبداً لأن كل زياراتي للقرية كانت في الصيف
    و لكنني كنت استمتع كثيراً بمنظر النار المشتعلة بين حجرين
    كبيرين في الباحة الخارجية للدار كانت الفئران تركض
    و هي تصرخ بين العوارض الخشبية السوداء في السقف
    و يتساقط التراب أحياناً فوق رأسي فئران لها بطن أبيض
    ناعم و ظهررمادي فئران مختلفة غير مقرفة
    و حالما تحضر جدتي تقبلني عشرات القبلات و تبكي من
    الفرح و تسأل عن الجميع و لا تجلس أبداً طالما هناك
    ضوء نهار لا تقعد لديها دائما عمل يجب إنجازه
    إطعام الدجاجات إبعادها عن بعض الأشياء التي لا أذكر ما هي
    ربما بعض الخضراوات المزروعة أو بعض الثمار
    المفروشة في طبق من القش ظلال الأشجار كانت مقعدي
    و ما أكثرها كل ما حولي كان غارقاً في الظل فعلى
    اشجار البلوط صعدت عرائش العنب و رسمت مظلة
    كثيفة من الأغصان و الأوراق و على الأجزاء السفلى من الجذوع
    تسلقت نباتات القرع و حملت ثماراً تشبه جرار الماء
    و انتشرت أشجار الرمان و التين و الخوخ في كل فراغ تحت
    أشجار البلوط و السندبان العملاقة و بين الأغصان راحت
    السناجب و العصافير تعزف سمفونية أحلامها و تعلن حدود
    ممالكها المنسية الهشة و طوال النهار كنت اتأمل ذلك
    الخلق البديع لخالق كريم رحيم أعطانا الأمان و السلام و أتساءل
    لماذا أنا وحدي هنا يا رب ألا يوجد في هذه الأرض طفل
    صغير مثلي يحب تأمل هذا الجمال و الحديث عنه و حالما
    يأتي المساء تدب حياة جديدة مختلفة تماما يعود عمي
    و زوجته من الحقول و المساكب التي تحتاج إلى عمل دائب
    لتعطي ثمارها و يتدفق سيل كثيف هادر من الأبقار و الأغنام
    و الماعز و الحمير فوق الطريق الترابية عائدين إلى المنازل
    و أتساءل أنا أين كان كل ذلك الحشد و تتعالى الضوضاء
    في المنزل ساعة ريثما يأخذ كل حي مكانه البقرة في مكان
    منخفض قرب السور الحجري المغطى بالحطب اليابس
    و الأغنام و الماعز في زاوية رطبة مظلمة تحت أجمة الرمان
    و الحمار قرب النافذة مربوط إلى شجرة التوت و يهدأ كل
    شيء و يختفي الجميع أنا وجدتي فقط نجلس في الغرفة
    التي يتراقص فيها ضوء السراج شحيحاً ضعيفاً يثيرالخيال
    و يرسم على الجدران مئات الأشكال المرعبة و الفئران في
    السقف تعزف ألحان شجاراتها المتواصلة و تبدأ جدتي حكايتها
    قائلة :
    اسمع يا ولدي سأقص عليك قصة الفلاح الذي شاب وهو في
    ريعان الشباب ثم قصة شاب اخر اشتعل رأسه بالشيب حتى
    غدا أبيضاً كالحليب بعد أن كان أسوداً كالفحم ثم قصة أرملة
    صالح الشحاذ التي ابيض رأسها كالثلج في ليلة باردة عاصفة
    و تزفر جدتي زفرة عميقة و تتلمس رأسها الأشيب و لا تبوح أبدا
    بقصة شيبها هي و أقترب أنا منها خائفاً و أحس قشعريرة تسري
    في جسدي و رعباً يملأ صدري و أكاد أقول لها توقفي بالله عليك
    لا أريد سماع القصص المرعبة و لكن جدتي تريد أن تزيح عن
    كاهلها شيئاً ما و لن أحرمها الفرصة و أتظاهر بأنني مقبل على
    الحكايا و أنا زاهد فيها رحمة بجدتي التي يثقلها بوح ما تريد
    أن يشاركها إياه طفل عاقل مثلي لطالما عاملته بكل تقدير
    و تتابع جدتي الكلام قائلة :
    في يوم من الأيام يا سيدنا الأفندي و في ليلة مظلمة ليس فيها ضوء
    قمر سقط المطر فجأة على رأس الفلاح العائد إلى قريته من القرية
    المجاورة و هبت ريح شرقية عاوية فطاش صواب المسكين و راحت
    عيونه تجوس الأنحاء بحثاً عن ملاذ فلم تبصر إلا الظلام و الخواء
    و بصيص نور ضعيف ينبعث من بعيد فركض الفلاح إليه مؤملا
    ركنا دافئا

  • #2
    قصص ممتعه و ننتظر المزيد

    تعليق


    • #3
      شكرا لك الغالي عبدالحكيم
      على القصة موضوع رائع
      تسلم يدك

      تعليق


      • #4
        السلطانة مرحبا بك في كل وقت نورت الصفحة

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخي ملك
          حضورك مصدر سعادة لنا
          نسأل الله أن يحفظكم و يديمكم
          لكل من تحبون

          تعليق


          • #6
            جميل بارك الله فيك على السرد الرائع

            تعليق


            • #7
              الهادية شكرا لك و مرحبا بك
              سرني جدا مرورك

              تعليق


              • #8
                تابع حكايا الجدة :
                كتب لي صديقي يقول :
                ما رأيك بهذه الحكايا حتى الان ؟
                فكتبت له أقول :
                - أخي العزيز بصراحة حكايتك مع رأس الحمار أكثر جمالاَ
                من الحكايا الأخرى هذا أولاَ
                و ثانياَ كتبت لي أخت فاضلة
                تقول :ان هذه الحكايا هي ذاتها الحكايا
                التي قصتها عليها جدتها و طبعاَ هذا بعد كل التعديلات التي
                أجريتها أنا على حكايا جدتك ياعزيزي فما الفائدة من كتابة حكايا
                يعرفها الناس لذلك أشكرك لتعاونك
                وأسأل الله الرحمة لجدتك لك مني كل الحب و السلام
                و لكن صديقي العنيد كتب لي يقول : مهلا مهلا لا تنس أن عندي
                جدة أخرى تسكن في المدينة و هي تملك كنزاَ حقيقياَ من القصص الواقعية
                التي حدثت معها أو مع معارفها سأرسل لك واحدة تصرف بها كما تشاء
                و إن لم تعجبك لن أصدع رأسك بالمزيد أعدك
                و انتظرت رسالة صديقي وجاءت الرسالة تقول :
                جدتي الثانية امرأة مكافحة عملت في الخياطة بعد أن هاجرت هي
                و زوجها من لواء الاسكندرون و سكنت في حي الميدان في دمشق
                كنا ذات يوم نجلس على ضوء المصباح الكهربائي الأصفر
                الشاحب في غرفة لا أعلم حقاَ إن كانت مبنية بالطين المخلوط بالقش
                أم بالحجر ما أذكره هو أن سقف تلك الغرفة كان عاليا بصورة مرعبة
                و كان مسقوفا بصف أنيق و نظيف من الاخشاب الاسطوانية الشكل التي تحكي
                قصة أشجار من أعمار متقاربة و من جنس واحد و كان الطلاء الابيض
                الذي يصبغ الجدران باهتا و مشققا و كان ثمة نافذة وحيدة من الخشب
                الانيق المدهون بالازرق المخضر تجاور باب الغرفة الخشبي أيضا
                كنا نستعد للسحور في رمضان المبارك و في انتظار ابريق الشاي
                أفلتت من شفاه جدتي حكاية فقالت ضاحكة :
                اسمع يا بني ولد في مثل سنك هذه جاءني منذ عشر سنوات لأخيط
                له قميصا مدرسيا مريلة و أخذت مقاسه و قلت له عد بعد أسبوع
                و بعد أسبوع و بينما كنت عائدة من السوق و أنا أحمل أكياس الخضار
                و أسير بتثاقل و بطء رأيت الولد يدخل في الزقاق الضيق الذي
                ينتهي إلى باب منزلي و لم ينتبه إلى أنني خلفه كان شارداَ
                و بدا لي أنه يقبض على شيء ما بشدة و يخشى أن يفقده فوقفت على
                مقربة لأرى ماذا يصنع طرق الباب بتردد و صاح صوت حاد من
                الداخل من قال الولد أنا افتحوا و انتظر و انتظر و لم يفتح أحد
                فعاد الولد و طرق الباب بخجل و من جديد صاح الصوت من
                فقال الولد أنا أنا جئت اخذ المريلة و لكن لم يفتح أحد هذه المرة أيضاَ
                فطرق الولد الباب بعصبية و إلحاح و صاح الصوت من داخل البيت من
                فقال الولد بألم أنا ابن أم محمد لذي جاء من أسبوع لخياطة مريلة جئت
                اخذها و لم يفتح أحد هذه المرة أيضاَ و كنت أنا يا جدتي أقاوم رغبة شريرة
                في الضحك و أنا أرى الولد يزداد قلقا و غضبا و فجاة راح يضرب الباب بكلتا
                يديه و هو يضرب الأرض برجليه و يصرخ لماذا لا يفتح أحد هذا الباب اللعين
                جئت اخذ مريلتي لن يسمح لي الاستاذ بدخول الصف إن لم ألبسها أرجوكم
                افتحوا و لم يتوقف الصوت الاتي من الداخل عن ترديد كلمة من مع كل طرقة
                و أخيرا التفت الولد إلى الخلف فتظاهرت بأنني أسير صوبه و تنفس هو بعمق
                و ظهرت عليه إمارات الخجل ثم سارع يقول أنا أطرق الباب منذ فترة
                يقولون من و لا يفتحون فقلت له تعال يا بني و فتحت الباب و طرقته و هو
                مفتوح فصاح الصوت الحاد من و رفع الولد رأسه ليرى ببغائي العزيزة بو بو
                في قفصها المعلق خلف الباب تهز رأسها بجذل فقلت له هذه ببغائي علمتها
                كيف تقول هذه الكلمة عندما يطرق الباب و هي تنتظر حبة مكسرات بعد كل
                نطق لهذه الكلمة فماذا لديك لتعطيها فتح الولد يده و مد لي قطعة نقود و قال
                هذه أجرة خياطة المريلة قلت له هذه هدية من بوبو لك لتغفر لها ما سببته
                لك من ألم فضحك الولد و بدت عليه علائم فرح غامر فلم يكن من السهل
                أبدا على ولد صغير في ذلك الزمن الحصول على قطعة نقود مماثلة إلا في
                الأعياد و أحضرت المريلة للولد الذي ازداد ضغطا على ما في يده و لم ينظر
                إلى المريلة التي التقطها من يدي و كأنها لم تعد تعنيه و بدا شاردا هذه المرة
                أيضا و لكن في عالم اخر لقد أهدى إلي قصة جميلة مضحكة واستحق قطعة
                النقود و بعد سنوات ماتت ببغائي العزيزة في ليلة عاصفة باردة و هذه القصة تذكرني
                بها دائماَ و ها أنذا قد تركت الخياطة انظر إلى ارتجاف يدي إنه نهر الحياة
                يسير و يسر و لا ينتبه إلى مسيرتة البطيئة السريعة إلا من يصغي جيدا و يتأمل
                كثيرا كدت يا بني أبلغ الحافة حيث سيحملني الشلال إلى عالم اخر
                أنا مشتاقة إليه مشتاقة كثيرا يا ولدي ودمعت عينا جدتي و شعرت أنا برعب
                غامر و لكن ابريق الشاي انتفض في تلك اللحظة و أعلن لنا بداية السحور

                تعليق


                • #9
                  أسعدك الله عبد الحكيم
                  استمتعت جدا بحكايا جدة صديقك
                  التي أهفو إلى سماع مثلها من سنين
                  لتسعدني حيناً و تضحكني حيناً
                  كما تبكينا أحياناً
                  و في انتظار المزيد من حكايا الجدات

                  تعليق

                  مواضيع تهمك

                  تقليص

                  المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                  المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                  المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                  المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                  المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                  يعمل...
                  X