الـــــــكاريكاتير ....ســــلاح ذو حدين
جابر جعفر الخطاب
يحتل الكاريكاتير مساحة واسعة في الحياة الثقافية فهو يمثل ترجمة لأفكار الكاتب ويختصر الكثير من المقالات بخطوط تعبيرية ذكية ودقيقة تختزن الكثير من المعاني العميقة والمعالجات الهادفة ويعتمد الرسم الكاريكاتيري على الفكرة التي قد تكون من وحي الرسام نفسه أو موحاة إليه من الآخرين فليس كل من يحمل قدرة تعبيرية وتخطيطية ناجحة يملك أفكارا صالحة . وتهتم الصحافة بهذا الفن الجميل وتخصص له الصفحات في كل دول العالم لأنه يجتذب القاريء الذي لا يرغب بقراءة المقالات الطويلة . ولكل بلد رساموه المختصون المعبرون عن البيئة المحلية وملامحها التصويرية وتقاليدها الشعبية والتراثية ولا يمكن سلخ الرسام عن مجتمعه لأنه يستلهم منه الكثير من الرسوم المعبرة ويتحمل الكثير من الأذى والإضطهاد من قبل الحكومات التعسفية التي حكمت شعوبها بالحديد والنار وكبلت الصحافة بالقوانين الجائرة المعادية لحرية الفكر والتعبير فكان رسامو الكاريكاتير يتحينون الفرص للتعبير عن معاناة شعوبهم برسوم تحتمل التأويل وتبتعد عن التصريح . وفي العراق برز رسامون مبدعون جسدوا في أعمالهم المطامح الوطنية والاجتماعية للشعب فكان الرسام غازي من أشهر الرسامين الذين برزوا منذ أربعينيات القرن الماضي وكان له لون خاص وأسلوب متميز في الرسم فكنا نعرف رسومه قبل أن نقرأ اسمه وتوقيعه عليها لأنه كان يركز على اللون التراثي والبغدادي بصورة خاصة . وبرز رسامون آخرون في العهود العراقية المتعاقبة فكان المرحوم مؤيد نعمة وآخرون أغنوا الحياة الصحفية برسومهم المعبرة والهادفة . لقد تناول الرسم الكاريكاتيري القضايا الإجتماعية والسياسية بأسلوب نقدي ساخر وهو ما جعل الناس يقبلون عليه برغبة ولهفة فكنا نقرأ مجلة ( ألف باء ) العراقية من اليسار إلى اليمين حيث نستمتع برسومها الجميلة التي تعالج مختلف القضايا بروح النقد اللاذع والنكتة المعبرة ومن الرسوم التعبيرية الساخرة التي ظلت عالقة في الذاكرة هو الموضوع الذي ظهر في إحدى الصحف وهو يمثل سيارات رياض الأطفال والحضانة في أيام الجمع والعطل الرسمية حيث تتحول هذه السيارات إلى نقل الركاب فيبدو التناقض واضحا بين الأسماء التي تحملها وبين طبيعة ركابها فالتي تحمل اسم روضة الغصون يجلس فيها رجال متعبون ونساء طاعنات والتي تحمل اسم البراعم لن تجد فيها برعما واحدا من براعم الطفولة وثمة رسم آخر يمثل عمارة طبية تزدحم جدرانها بلوحات الأطباء من مختلف الاختصاصات وارتفعت إلى الطوابق العليا وفي أعلى سطح العمارة وضعت لوحة تحمل اسم طبيب الأمراض السطحية أما في الشارع فقد انتشر المرضى الذين ينتظرون الصعود إلى أطبائهم بحيث امتلأ ت بهم الساحة ومن هذا الوضع استخلص الرسام نظرية تقول كلما ارتفع الطب عموديا انتشر المرض أفقيا ومن أشهر المجلات الإنتقادية التي صدرت في العراق مجلة حبزبوز للكاتب الساخر المرحوم نوري ثابت الذي تميزت كتاباته بالأسلوب الساخر والرسوم المعبرة ثم صدرت مجلة قرندل في خمسينيات القرن الماضي التي كانت تركز على النقد السياسي والإجتماعي أعقبتها مجلة الوادي الأسبوعية . ومن أشهر مجلات الكاريكاتير في مصر مجلة روز اليوسف التي تميزت بطابعها الخاص والمميز في الرسم والكتابة النقدية إضافة إلى رسامين مشهورين في الأقطار العربية الأخرى أغنوا هذا الفن بروائع أعمالهم ونتاج أفكارهم ولقد دفع الرسامون ضريبة الدفاع عن أوطانهم وشعوبهم فكان الشهيد الفلسطيني ناجي العلي واحدا ممن قدموا حياتهم دفاعا عن قضية شعبهم ووطنهم فحارب الاحتلال الصهيوني بالرسم الذي كان يخشاه المحتلون ويحسبون له ألف حساب وكثيرا ما تسبب الكاريكاتير في إشعال الحروب والمنازعات بين الدول من خلال الرسوم التي تعكر صفو العلاقات بين الدول وكثيرا ما عمل على فتح الصفحات المشرقة في العلاقات الإنسانية المتبادلة بين الشعوب مما يخدم قضية السلام والمحبة
ولقد ساهم الكاريكاتير في حل بعض المشكلات الإجتماعية من خلال النقد البناء والهادف الذي يقدم الحلول الجذرية لكل ما يعيق تقدم المجتمع ففي فترة السبعينيات من القرن الماضي أرادت السلطات المحلية في بغداد تنظيم عمل الحلاقين فأصدرت تعليمات تحدد ساعات عملهم حتى الساعة السابعة مساءا وتغلق صالونات الحلاقة بعد هذا الوقت وفي اليوم التالي صدرت صحيفة الثورة الرسمية وهي تحمل رسما كاريكاتيريا ناقدا وساخرا أدى إلى إلغاء تلك التعليمات بمجرد ظهوره وكان الرسم يمثل أحد الزبائن وهو يجلس على كرسي الحلاق الذي بدأ بحلاقة الجانب الأيمن من لحية الرجل ونصف شاربه ( شنبه ) ونصف رأسه بشفرة الحلاقة وقبل أن ينتقل إلى حلاقة النصف الأيسر من اللحية والشارب والرأس أعلنت الساعة السابعة مساءا فتوقف الحلاق عن عمله وقال للزبون
( عمو انتهى الدوام تعال غدا لإكمال حلاقتك ) ترى هل يستطيع هذا الرجل أن يخرج إلى الشارع بهذا الشكل الغريب وهل يصدق الناس بأنه بكامل قواه العقلية ؟
جابر جعفر الخطاب
يحتل الكاريكاتير مساحة واسعة في الحياة الثقافية فهو يمثل ترجمة لأفكار الكاتب ويختصر الكثير من المقالات بخطوط تعبيرية ذكية ودقيقة تختزن الكثير من المعاني العميقة والمعالجات الهادفة ويعتمد الرسم الكاريكاتيري على الفكرة التي قد تكون من وحي الرسام نفسه أو موحاة إليه من الآخرين فليس كل من يحمل قدرة تعبيرية وتخطيطية ناجحة يملك أفكارا صالحة . وتهتم الصحافة بهذا الفن الجميل وتخصص له الصفحات في كل دول العالم لأنه يجتذب القاريء الذي لا يرغب بقراءة المقالات الطويلة . ولكل بلد رساموه المختصون المعبرون عن البيئة المحلية وملامحها التصويرية وتقاليدها الشعبية والتراثية ولا يمكن سلخ الرسام عن مجتمعه لأنه يستلهم منه الكثير من الرسوم المعبرة ويتحمل الكثير من الأذى والإضطهاد من قبل الحكومات التعسفية التي حكمت شعوبها بالحديد والنار وكبلت الصحافة بالقوانين الجائرة المعادية لحرية الفكر والتعبير فكان رسامو الكاريكاتير يتحينون الفرص للتعبير عن معاناة شعوبهم برسوم تحتمل التأويل وتبتعد عن التصريح . وفي العراق برز رسامون مبدعون جسدوا في أعمالهم المطامح الوطنية والاجتماعية للشعب فكان الرسام غازي من أشهر الرسامين الذين برزوا منذ أربعينيات القرن الماضي وكان له لون خاص وأسلوب متميز في الرسم فكنا نعرف رسومه قبل أن نقرأ اسمه وتوقيعه عليها لأنه كان يركز على اللون التراثي والبغدادي بصورة خاصة . وبرز رسامون آخرون في العهود العراقية المتعاقبة فكان المرحوم مؤيد نعمة وآخرون أغنوا الحياة الصحفية برسومهم المعبرة والهادفة . لقد تناول الرسم الكاريكاتيري القضايا الإجتماعية والسياسية بأسلوب نقدي ساخر وهو ما جعل الناس يقبلون عليه برغبة ولهفة فكنا نقرأ مجلة ( ألف باء ) العراقية من اليسار إلى اليمين حيث نستمتع برسومها الجميلة التي تعالج مختلف القضايا بروح النقد اللاذع والنكتة المعبرة ومن الرسوم التعبيرية الساخرة التي ظلت عالقة في الذاكرة هو الموضوع الذي ظهر في إحدى الصحف وهو يمثل سيارات رياض الأطفال والحضانة في أيام الجمع والعطل الرسمية حيث تتحول هذه السيارات إلى نقل الركاب فيبدو التناقض واضحا بين الأسماء التي تحملها وبين طبيعة ركابها فالتي تحمل اسم روضة الغصون يجلس فيها رجال متعبون ونساء طاعنات والتي تحمل اسم البراعم لن تجد فيها برعما واحدا من براعم الطفولة وثمة رسم آخر يمثل عمارة طبية تزدحم جدرانها بلوحات الأطباء من مختلف الاختصاصات وارتفعت إلى الطوابق العليا وفي أعلى سطح العمارة وضعت لوحة تحمل اسم طبيب الأمراض السطحية أما في الشارع فقد انتشر المرضى الذين ينتظرون الصعود إلى أطبائهم بحيث امتلأ ت بهم الساحة ومن هذا الوضع استخلص الرسام نظرية تقول كلما ارتفع الطب عموديا انتشر المرض أفقيا ومن أشهر المجلات الإنتقادية التي صدرت في العراق مجلة حبزبوز للكاتب الساخر المرحوم نوري ثابت الذي تميزت كتاباته بالأسلوب الساخر والرسوم المعبرة ثم صدرت مجلة قرندل في خمسينيات القرن الماضي التي كانت تركز على النقد السياسي والإجتماعي أعقبتها مجلة الوادي الأسبوعية . ومن أشهر مجلات الكاريكاتير في مصر مجلة روز اليوسف التي تميزت بطابعها الخاص والمميز في الرسم والكتابة النقدية إضافة إلى رسامين مشهورين في الأقطار العربية الأخرى أغنوا هذا الفن بروائع أعمالهم ونتاج أفكارهم ولقد دفع الرسامون ضريبة الدفاع عن أوطانهم وشعوبهم فكان الشهيد الفلسطيني ناجي العلي واحدا ممن قدموا حياتهم دفاعا عن قضية شعبهم ووطنهم فحارب الاحتلال الصهيوني بالرسم الذي كان يخشاه المحتلون ويحسبون له ألف حساب وكثيرا ما تسبب الكاريكاتير في إشعال الحروب والمنازعات بين الدول من خلال الرسوم التي تعكر صفو العلاقات بين الدول وكثيرا ما عمل على فتح الصفحات المشرقة في العلاقات الإنسانية المتبادلة بين الشعوب مما يخدم قضية السلام والمحبة
ولقد ساهم الكاريكاتير في حل بعض المشكلات الإجتماعية من خلال النقد البناء والهادف الذي يقدم الحلول الجذرية لكل ما يعيق تقدم المجتمع ففي فترة السبعينيات من القرن الماضي أرادت السلطات المحلية في بغداد تنظيم عمل الحلاقين فأصدرت تعليمات تحدد ساعات عملهم حتى الساعة السابعة مساءا وتغلق صالونات الحلاقة بعد هذا الوقت وفي اليوم التالي صدرت صحيفة الثورة الرسمية وهي تحمل رسما كاريكاتيريا ناقدا وساخرا أدى إلى إلغاء تلك التعليمات بمجرد ظهوره وكان الرسم يمثل أحد الزبائن وهو يجلس على كرسي الحلاق الذي بدأ بحلاقة الجانب الأيمن من لحية الرجل ونصف شاربه ( شنبه ) ونصف رأسه بشفرة الحلاقة وقبل أن ينتقل إلى حلاقة النصف الأيسر من اللحية والشارب والرأس أعلنت الساعة السابعة مساءا فتوقف الحلاق عن عمله وقال للزبون
( عمو انتهى الدوام تعال غدا لإكمال حلاقتك ) ترى هل يستطيع هذا الرجل أن يخرج إلى الشارع بهذا الشكل الغريب وهل يصدق الناس بأنه بكامل قواه العقلية ؟
تعليق