


اقتضت حكمة الله جل وعلا أن تكون حياة الإنسان في هذه الدار
مزيجاً من السعادة والشقاء ، والفرح والترح ، والغنى والفقر
والصحة والسقم ، وهذه هي طبيعة الحياة الدنيا سريعة التقلب ،
كثيرة التحول كما قال الأول :
طبعت على كدر وأنت تريده *** صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار

وهو جزء من الابتلاء والامتحان الذي من أجله خلق الإنسان :
{إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً }
(الانسان 2) .
وربنا جل وعلا سبحانه يبتلي عباده بالضراء كما يبتليهم بالسراء ،
وله على العباد عبودية في الحالتين ،
فيما يحبون وفيما يكرهون .
فأما المؤمن فلا يجزع عند المصيبة ، ولا ييأس عند الضائقة ،
ولا يبطر عند النعمة بل يعترف لله بالفضل والإنعام ،
ويعمل جاهدا على شكرها وأداء حقها .
وأما الفاجر والكافر فيَفْرَق عند البلاء ، ويضيق من الضراء ،
فإذا أعطاه الله ما تمناه ، وأسبغ عليه نعمه كفرها وجحدها ،
ولم يعترف لله بها ، فضلا عن أن يعرف حقها ،
ويؤدي شكرها .

وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم-
عن هذين الصنفين من الناس ،
الكافرين بالنعمة ، والشاكرين لها ،
في القصة التي أخرجها البخاري و مسلم في صحيحيهما
عن أبي هريرة رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ،
فأراد الله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا ،
فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟
قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني الذي قد قَذِرَني الناس ،
قال : فمسحه فذهب عنه قَذَرُه ، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ،
قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل ،
قال : فأعطي ناقة عُشَراء ، فقال : بارك الله لك فيها ،
قال : فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟
قال شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قد قَذِرَني الناس ،
قال : فمسحه فذهب عنه ، وأعطي شعرا حسنا ،
قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، فأعطي بقرة حاملا ،
فقال : بارك الله لك فيها ،
قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ،
قال : أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس ،
قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ،
قال : فأي المال أحب إليك ، قال : الغنم ، فأعطي شاة والدا ،
فأنتج هذان وولد هذا ،
قال : فكان لهذا واد من الإبل ،
ولهذا واد من البقر ،
ولهذا واد من الغنم ،
قال : ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ،
فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ،
فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ،
أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ،
بعيرا أتَبَلَّغُ عليه في سفري ، فقال : الحقوق كثيرة
فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يَقْذَرُك الناس ؟!
فقيرا فأعطاك الله ؟!
فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ،
فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ،
قال : وأتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل ما قال لهذا ،
ورد عليه مثل ما رد على هذا ،
فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ،
قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته ،
فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ،
فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ،
أسألك بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ،
فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ،
فخذ ما شئت ودع ما شئت ،
فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله ،
فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ،
فقد رُضِيَ عنك ، وسُخِطَ على صاحبيك ).

تابعونى
فلنبدأ القصة

تعليق