إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشاعر اللبنانى وديع سعادة ملف كامل

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    المياهُ المياه

    الجهات موحشة

    وكثيرة



    كيفَ أعودُ إلى أهلي مليئًا هكذا

    بالهبوب

    أنتظرُ الطيورَ المهاجرة

    لأعيدَ محبَّتي إلى الجبال

    سأغادر

    لكنّي أعود

    لأُلقي حطبي

    الغابة وهبتني نهارًا آخر

    استضافني البطيء الزاحف على الأوراق

    ومرّ السمّنُ السرّي

    فوق رأسي

    كنتُ ريَّانًا مليئًا بالغيوم

    فانحنيتُ على نبعي

    ودلقتُ الدموع



    نامتْ أورور على حقلٍ يباس

    ولم ترَ جسدًا يصعد إلى السماء

    ولا ملحًا يمشي

    ما رأتْ أورورُ غيرَ أقدامٍ

    وملحٍ في البحر



    لو انَّ هذا البحرَ

    مبلّل

    لو انَّ هذا الخشب اليابس يابسٌ حقًّا

    بماذا

    يمسحُ الإنسان نفسه لينام؟



    طوى النسرُ جناحيه على النبع القديم

    عائدًا إلى النعاس

    عصفورة حكيمة

    تعرفُ أنّ ما رآه

    كان حزنًا غابرًا


    في الجبال

    عشبٌ كاسد



    ها أنا أمشي وحيدًا تحت المطر

    :أمشي وحيدًا وأهتف

    هذي هي الأرض، هذي هي الأرض

    مولود جديد

    يتعرّض الآن للهواء



    يا حارسة البوّابة يا امرأة المزلاج يا صاحبة القفل المقدّس)

    ماء سيّدك في داخلي إنّه في داخلي

    فليمْض إلى الأرض

    وطأتُ المدينةَ الموفُورة

    غابةَ الظِلِّ الوارف

    والمياه الأولى

    الخضراءَ المتباعدةَ الركبتين

    وعندما ارتفعتُ ارتفعتْ معي كلُّ الأسماك

    اضطربَ الغمرُ زال عن البحر وجهُ المرح

    واستبدَّ الهلع

    (بالأنهار العالية



    قطرةً قطرة

    ينزل الموتى على بابي

    ومركبٌ يتوقّف لأجلي تحت الشمس

    وجالية فقيرة من الرعشات

    تعودُ إلى الرمل



    أيها الماء الأبديّ

    أنا المغسُول في نهر الخلود

    كنت جميلاً كغابة)

    (أبيض كالشمس في الماء

    أرعى غَنمي على رأس الجبل

    وأمامَ الجميلة

    (كنهرٍ يبتعدُ عن النبع)

    فارقتُ الحياة



    أنا الآن الريشةُ الزرقاء)

    (يتركها العصفور للشوك



    رميتُ إبرةَ الرعب كطاووس صغير

    أنا فطرٌ عاشق

    تحتَ السَّهْم



    لا شيءَ هنا

    لا شيء غيرُ عشب الصمت

    لماذا أنْهَرُ غزلانَ غفلتي

    على مهل فلترعَ هذه الخرافُ

    على مهلٍ فلترعَ

    وتَسْتَلْقِ

    لستُ الراعي و لستُ الغنم لكني

    أحنو على المياه

    تركتُ جرَّتي في العين

    ورجعْتُ

    الشمسُ أشرقت عليَّ طويلاً

    وأرسلتُ ثغائي كلَّهُ

    خَزَفًا إلى الجبال



    الشبكة

    تصفّي نفسَها من الملح

    ماذا ينفعُ أن أرمي محبَّتي على الماء

    أن اُعَرِّضَ ملائكتي للأحلام

    ليلي للملائكة

    أنْ أفتحَ إناءَ عشقي

    وأُفسد سهوي



    الزمنُ يشفي وجهَهُ

    ببطء

    ويمسحُ الشوقَ عن شواطئي

    تعليق


    • #17
      [] مقعد راكب غادر الباص

      1987



      حياة


      تمتدُّ إليَّ يدها


      باحثةً في أحشائي


      عن مدينة


      وأنا ولدٌ أرعن، راكبٌ درَّاجة


      يهرِّب زنزاناته في الليل


      يمشي مخمورًا


      حاملاً رجلاً مجنونًا منذ الصباح على ذراعه


      ذاهبًا نحو مصحّ


      محتفظًا من كل ماضيه بـ: أحشاء


      ومفتاح


      لا يجد له بيتًا،


      الرحلةُ وضعتْه هنا


      لينظر إلى الشجر


      ولتسقطَ منها ورقتان


      على كتفه.


      البواخر راسية في الميناء


      البواخر راسية في الميناء


      لاعبو ورق، نشارة خشب، أمواج


      وقططٌ صغيرة تنظر إلى الحمَّالين


      نوعٌ نادر من الارتعاشات يقف في هذا الشارع


      في الصباح مثلاً، حين تمرُّ الصنارات في اتجاه البحر، تبدأ المعامل في العواء


      ترتدي النساء ثيابهنّ


      ورجال الأعمال


      الذين تركوا الشارع محمرًّا وراءهم


      يبتسمون لسمكة كبيرة نائمة على الفرْش


      الهواء يهبُّ الآن


      أمرٌ غريب!


      ربما في الملجأ السرِّي، هنا، حيث يستلقي كلبٌ على الباب


      رأينا ذلك الرجل يلعب دورَ التلَّة


      التي تنظر إلى البحر


      أمام البواخر


      أمام البستان الجميل.


      أعتقد أن المروحة تدور يا ألن غينسبرغ


      إسمعْ يا ألن


      أنا على الرصيف وقد نفد تبغي


      أفتحُ عينيَّ وأغمضهما


      وأحيانًا أستعيد تلك الليلة حين مسحنا اللعاب عن أفواه الأموات


      ثم نزلنا السلّم معًا


      وتمشينا على البحر


      المروحة تدور الآن


      وأحبّ أن أعتقد الهواء سنونوة لطيفة وأنا أسند نفسي على الزواية مراقبًا تنمُّلَ ركبتيَّ


      المروحة تدور الآن في رأسي يا ألن


      وفمي الذي يشبه كشك جرائد


      يتحلَّى بالصمت


      بضعُ أسنانٍ ماتت فيه كما يموت الحيوان


      وحدث أني في أحد الأيام


      اكتشفتُ الصبر تحت شجرة


      وتحدَّثت عن الروح في عربة بسيطة


      ونحن نسير بمحاذاة النهر


      الدخانُ يا ألن


      الدخان، ورنَّاتٌ جميلة!


      وفي الجهة الأخرى، على الشاطئ


      الرملُ يقف وحده


      وأحيانًا تُخرج له الأسماكُ حجرًا


      ليجلس عليه،


      هل هذا منظرٌ لائق؟


      في يدي يومٌ قتيل


      وأريد أن أدفنه بهدوء.
      [/]

      تعليق


      • #18
        [] نقطة بعيدة

        ملحٌ قليل ينام

        في يدي التي أستمتع بصمتها الدائم

        ملح

        كأنَّ يدي كانت في الماضي بحرًا

        ورأسي

        الموجود معي الآن

        يمشّط شعره في قارَّة بعيدة

        أحلام

        بعد منتصف الليل

        في قرية

        عابرٌ في شارع بسيط

        فيه دكَّان

        ونقطة بعيدة

        أعتقد أنها مقعد.

        ظله

        ينحدر ظلُّه مع سيل طويل

        متدفقًا من قرى بعيدة

        يفكّر في جذع شجرة ربما

        أو صيّاد سمكٍ نهريّ

        يوقف تقدُّمه المجنون نحو محبة فقدتْ رأسها

        اليومَ أيضًا،

        يتدفَّق بعيدًا

        ناظرًا صوب حياته مثل حريق

        شبَّ فجأةً في نزهة،

        وينحدر ظلُّه

        يوقظ بضعَ نسائم على التلَّة

        وينحدر

        في قرية مجهولة

        قرية مجهولة تمامًا

        لا يشعر بها سكَّانها حتى باللمس.

        أذهب هادئًا إلى المرآة

        عملٌ ناعم أن تنظر إليَّ

        وتبتسم إذا ابتسمت

        وأرجوك لا تقرع الباب

        إني واقف على النافذة أتأمل الجسر

        العملُ الشريف، أنا فعلته اليوم:

        نظرتُ إلى البحر.

        رأيتُ في الشارع ناسًا معطَّلين

        ثم دخلتُ الحانة

        شربتُ قنينة بيرة، وخرجتُ برأسٍ سكّير

        متصورًا أن الله كان في الأصل عصفورًا

        يزقزق للشعوب

        إذا كانت الأمكنة ترقص في الخارج

        لماذا لا تذهب وترقص معها

        ألا تحبّ الموسيقى؟

        صفوفٌ من البط

        أريد أن أراها

        وأنا مدعوّ

        مدعوٌّ اليوم

        كي أمشي كالدمية

        ومن فتحات ثوبي يخرج لحم

        يمكنك أن ترى مثله عند الجزَّار

        ألوّحُ به وأفكِّر أنَّ العالم

        ربما تنقصه عظْمةٌ ليمشي

        ثم أذهبُ هادئًا إلى المرآة

        وأمشّطُ شعري.
        [/]

        تعليق


        • #19
          [] أمتعة رخيصة
          [/]
          []
          [/]
          [] في هذه اللحظة
          [/]
          [] وأنا أتحدث مع المساء كعاملَين خارجين من مصنع
          [/]
          [] يظهر أمامي مستقبل غريب
          [/]
          [] يكفي أن أنظر إليه حتى
          [/]
          [] يتدلَّى في الوديان،
          [/]
          []
          [/]
          [] في هذه اللحظة مستقبل يتدلَّى
          [/]
          [] أرسمُ له شبكةً في الوادي ليصل سليمًا
          [/]
          [] أو على الأقل حقيبته التي أنا فيها
          [/]
          [] وهكذا أصل
          [/]
          [] عظْمةً ساخنةً تخرج من ثكنة و تتنزَّه
          [/]
          [] تخبرني عن حياتها
          [/]
          [] عن جلدها النادر
          [/]
          [] وأطفالها المولودين في الغربة مني
          [/]
          [] ترسل لي كل مساء كلماتها حافية من بلد بعيد
          [/]
          [] لتسألني: ماذا ستفعل الليلة
          [/]
          [] ماذا ستفعل الليلة يا وديع
          [/]
          [] بحياتي!
          [/]
          []
          [/]
          [] ومن فمي الذي تستلقي فيه صرخات
          [/]
          [] الذي تستلقي فيه أمتعة رخيصة
          [/]
          [] تخرج كلمة وداع صغيرة
          [/]
          [] لا يسمعها حتى الجالسون في أذني.
          [/]
          []
          [/]
          []
          [/]
          []
          [/]
          [] نزهة المساء
          [/]
          []
          [/]
          [] غالبًا
          [/]
          [] وأنا أسير على إسفلت من لَحْم العابرين
          [/]
          [] تأخذني نجمةٌ بيدي في نزهة المساء
          [/]
          [] الوقت الذي يجرفون فيه النهار
          [/]
          []
          [/]
          [] نجمةٌ بين جبلين مطفأين:
          [/]
          [] فقيرين في حانة يريدان أن يؤوياني، وذهبتُ
          [/]
          [] وها أنا
          [/]
          [] في مصحٍّ فوقه نجمة!
          [/]
          []
          [/]
          [] هل كان عليَّ أن أمشي كل هذا الوقت لأصل إلى هنا؟
          [/]
          [] ولماذا؟
          [/]
          [] ألم يكن أبي يتبع العمَّال مسوقًا بسوط؟
          [/]
          [] لماذا إذن خرجت لأنزّه الكلاب غير المروَّضة في رأسي
          [/]
          [] بينما حياتي تموت من الجوع
          [/]
          [] وأطفالي ينظرون صامتين
          [/]
          []
          [/]
          [] إنني، بالكاد، أقود عمياني إلى البحر.
          [/]
          [] سنواتٌ كثيرة، ومكان
          [/]
          [] يرقص فيه المجانين مع الغرقى على ضوء سيكارة
          [/]
          []
          [/]
          [] الصمت كنزي الوحيد
          [/]
          [] ويده المرتجفة وراء الباب تقودني بلمسها.
          [/]
          []
          [/]
          []
          [/]
          []
          [/]
          [] العودة
          [/]
          []
          [/]
          [] الباب وحده في الليل
          [/]
          [] والليل في العاصفة
          [/]
          [] والعاصفة نحلةٌ تحوم حول ذراعي
          [/]
          [] وذراعي مستندة
          [/]
          [] على سطح سفينة
          [/]
          [] ذراعٌ بدأتْ زحفها منذ أول ريح حتى وصلتْ إليَّ
          [/]
          [] وبما أني وصلتُ أخيرًا
          [/]
          [] بما أني وصلتُ إلى قريتي
          [/]
          [] في صندوق كان قلبًا
          [/]
          [] أشكرُ الحمَّال الذي رافقني كرصاصة
          [/]
          [] تخاوت الآن مع الجرح
          [/]
          [] وأتأمَّلُ درفتين خشبيتين
          [/]
          [] تنزلان إلى الوادي.
          [/]
          []
          [/]
          []
          [/]
          []
          [/]
          [] الريح تعبث بشعري
          [/]
          []
          [/]
          [] الريح تعبث بشَعري
          [/]
          [] وأنا بين ضفتين أرسل للأولى يدي اليمنى وللثانية يدي اليسرى
          [/]
          [] لكنهما تخرجان من كتفيَّّ – هكذا ببساطة
          [/]
          [] وتختفيان!
          [/]
          []
          [/]
          [] رأسٌ
          [/]
          [] (ليس غريقًا تمامًا
          [/]
          [] وفي الوقت نفسه غريق تمامًا)
          [/]
          [] تعبثُ الريح بشعره الأسود
          [/]
          [] جالبةً من الجبال ربما، أو من السواحل
          [/]
          [] سمكًا غريبًا يحدّق بي
          [/]
          [] وأكتشفُ أنه رأسي!
          [/]
          [] ولكن المهمّ الآن
          [/]
          [] أين ذراعاي؟
          [/]
          [] هل رأى أحدُكم
          [/]
          [] أو أصطاد بالصدفة
          [/]
          [] شيئًا يسبح كالذراع؟
          [/]

          تعليق


          • #20
            [] صحراء


            مع ذلك فعلتْ يدي واجباتها


            وكدحتْ كالحفَّار في صحراء


            وبينما أهرّب الرمال التي كانت في الماضي أمواتًا


            تغرز أظافرها في كتفي وتعيدني إلى صوابي


            إلى تاريخها المصنوع من طحن اللحوم


            وإلى ذراع الهدنة


            في جزيرة تهبُّ عليها رياح الجرحى


            حاملةً الطعامَ للجنود


            جمعتُ ثروتي بالغزو و الحيلة


            ودحرجتُ عقدًا طويلاً من اللآلئ


            حتى وصلَ إلى عنق الحياة


            أقول لها تعالي، تقدَّمي يا حياة هذا لكِ


            لؤلؤ نادرٌ من خليج بعيد لا تعرفينه، وهو لكِ أنت تعالي


            وتهرب مني


            حياةً ألمّعُ لها لؤلؤًا وتهرب مني!


            صحراء شاسعة


            ليس فيها أحياء ولا أموات


            وعليَّ أن أتابع الحفر حتى يأتي ميت!


            النهار في رحلته الوحيدة


            قبل أن تأخذني الرحلةُ بصبرها الطويل لأمشي معها


            على خيطٍ بين جبلين شاهقين


            كانت الحياة لا تزال في كهف


            تنتظرني لأفكَّ أزرارها


            وأمتصَّ حلمتيها اللتين يجري فيهما نهرُ الجنون،


            وبينما المنارة تختارني وحدي


            وتجنّد لي أضواءها منذ ملايين السنين


            اكتشفتُ أنَّ الفندق الذي فجَّرته قذيفةٌ هذا الصباح


            كنتُ نائمًا فيه!


            ريشةٌ شاردة في الفضاء، أركضُ وراءها


            قبل أن تتحوَّل إلى طير!


            وفي ساعةٍ هَجرَها سكَّانُها


            ونُقلت أمتعتُها في سفينة مع الفجر


            حملتُ الحقيبة وخرجت


            إلى الإبرة


            التي تخيط جلْدَ عميانها بالطريق.


            بلدان غريبة


            هناك بلدان غريبة تنبت خلسةً في رأسي


            بلدانٌ تستيقظ من ليل طويل وتفرك عيونها


            بدهشة أعمى وحيد من سنوات


            وصلَ فجأةً غريقٌ إلى ساحله


            وأتخيَّلُ أني رأيتُ علامتي


            في الحُفَر التي تركتها البلدان بعد رحيلها، وهناك


            أيامٌ أصل إليها على حمَّالة


            ومقاهي المدن جميعها تقريبًا في فمي


            وفيها رعاة بقر


            ورغم أني نسيتُ معطفي على كرسيّ المقهى


            فإني مع ذلك أرتديه الآن في الشارع


            والمطرُ كلمة خرافيّة


            والأمكنةُ تعني: مغول ورائي


            ولأني طردت نفسي من جنَّة الكلمات


            إلى صمت يقف في منتصف الطريق كيدٍ مبتورة


            أحاول أن أتملَّق بالإشارة عودَ كبريت


            مترددًا بين أن يضيء أو يبقى في علبته


            وبينما يصل إليَّ إيقاعُ الحياة من بعيد


            كأصوات طبول في أفريقيا


            أتأمَّلُ المدن التي مات جميع سكَّانها بالصبر


            وأتابع الطريق


            عابثًا بزرّ قميصي.


            أحاول


            أحاول


            باليد التي خرجت مني إلى ذراعٍ أخرى


            أن أوقف سيارة تأخذني في هذا الليل


            إلى بيتي.


            ضمير الغائب


            بعدما قال وداعًا وخرج


            بقي منه ظلٌّ صغير تصنعه لمبةُ البيت


            فمشى وراءه.


            اجتاز البوابة ثم، فجأة، أطفأوا الضوء


            ففقد طريقه.


            في الصباح


            حين فتحت الخادمة النافذة


            رأت ظلاًّ ينام


            وحده على الإسفلت.


            النظرة


            كان يقعد على الدرجة السفلى، ينظر إلى الثلج ينزل أمام رواقه


            ينظر إلى الطريق


            متبينًا سيارات سريعة


            آملاً أن يلوّح له راكبٌ ما


            أن تتوقف سيارة، ينزل واحدٌ منها وينظر إليه.


            تذكَّر فجأة ثلج ماضيه، حين كانت حياته في ذاك الليل


            تجلس في الوسط، بين المقعد والكرات الصغيرة على الزجاج


            تذكَّر هواءً قارصًا، وهمَّ أن يُحضر بطَّانيته


            لكنَّ قلبه كان يقول له


            إنَّ راكبًا سينزل الآن، ويتَّجه إليه.


            في الصباح، لعب الأولاد طويلاً بكرات الثلج أمامه


            وكان ناصعًا


            وبعينين مفتوحتين، تمثاله.


            الهجرة


            حين ذهبوا لم يقفلوا أبوابهم بالمفاتيح


            تركوا أيضًا ماءً في الجرن، للبلبل والكلب الغريب الذي تعوّد أن يزورهم


            وبقي على طاولاتهم خبز، وإبريق، وعلبة سردين.


            لم يقولوا شيئًا قبل أن يذهبوا


            لكنَّ صمتهم كان كعقد زواج مقدَّس


            مع الباب، مع الكرسي، مع البلبل والإبريق والخبز المتروك على الطاولة.


            الطريق التي شعرت وحدها بأقدامهم لا تذكر أنها رأتهم بعد ذلك


            لكنها تتذكر ذات نهار


            أن جسدها تنمِّل من الصباح إلى المساء بقمح يتدحرج عليه


            ورأت في يومٍ آخر أبوابًا تخرج من حيطانها وتسافر،


            ويذكر البحر


            أنَّ قافلة من السردين كانت تتخبَّط فيه وتمضي


            إلى جهة مجهولة.


            ويقول الذين بقوا في القرية


            إنَّ كلبًا غريبًا كان يأتي كل مساء


            ويعوي أمام بيوتهم.
            [/]

            تعليق


            • #21
              [] ذاك المساء، على حجر[/]
              []


              [/]
              [] كان كلُّ شيء في منتهى الرقة. العمَّالُ المتعبون،
              ظلال الحمائم، الملابس على الحبال البعيدة.
              [/]
              []
              [/]
              [] شعر أن حياته أيضًا كانت رقيقة معه ذاك المساء.
              مشى معها إلى أقرب حجر، وقعد.
              [/]
              []
              [/]
              [] تذكَّر آخر أغنية تعلِّمها في المدرسة،
              ورقص مع الشارع مع حديد المحلات المقفلة،
              وبلاطات الرصيف، التي كانت تخرج من طينها القديم وتبتسم.
              [/]
              []
              [/]
              [] مشى مع القيثارات[/]
              []
              [/]
              [] التي رقصت معه كلَّ الليل حتى[/]
              []
              [/]
              [] أصبحَتْ ضلوعَه.[/]
              []
              [/]
              [] على شعره نسمة هواء.[/]
              []
              [/]
              [] في عينيه نجوم في عنقه عقد.[/]
              []
              [/]
              [] همَّ أن يقول لأحد قربه: هذا العقد هدية من عيد ميلادي.[/]
              []
              [/]
              [] لكنه التفت إلى الحجر الوحيد[/]
              []
              [/]
              [] لَمَسَهُ بلطف[/]
              []
              [/]
              [] وأغمض عينيه.[/]
              []






              [/]
              [] رفقة[/]
              []


              [/]
              [] كان لا يخرج إلاَّ في الأيام المشمسة ليكون له رفيق:[/]
              []
              [/]
              [] ظلُّه الذي يتبعه دائمًا.[/]
              []
              [/]
              [] ينظر وراءه ليتحدَّث إليه، ليبتسم له.[/]
              []
              [/]
              [] يلتفت بخفَّةٍ لئلا يغافله على دَرَج ويتسلَّل إلى بيت[/]
              []
              [/]
              [] يخبره حكايات مشوِّقة لئلا يضجر منه هذا [/]
              []
              [/]
              [] الظلّ ويهرب،[/]
              []
              [/]
              [] في الصباح يُعِدُّ كوبين من الحليب، على الغداء يُعِدُّ صحنين،[/]
              []
              [/]
              [] وكان يعود إلى بيته عند غياب الشمس[/]
              []
              [/]
              [] يقعد على حجر[/]
              []
              [/]
              [] ويبكي حتى الصباح.[/]
              []






              [/]
              [] الحشد[/]
              []


              [/]
              [] تلمَّس قماش المقعد وعرف أنه ليس وحده[/]
              []
              [/]
              [] أحسَّ بفرحٍ غريب وهمَّ أن يغنِّي،[/]
              []
              [/]
              [] لأوَّل مرة يشعر بجسد هذا المقعد،[/]
              []
              [/]
              [] بالأيدي التي صنعته وربما هي معه الآن،[/]
              []
              [/]
              [] بالمدينة التي جاء منها، بالحمَّالين الذين أوصلوه إلى الغرفة،[/]
              []
              [/]
              [] بالذين جلسوا عليه من عهد بعيد،[/]
              []
              [/]
              [] وها هم جميعهم، واحدًا بعد واحد،[/]
              []
              [/]
              [] يدخلون.[/]
              []


              [/]
              [] نظر إلى يديه، ثم إلى الحشد[/]
              []
              [/]
              [] فإلى المقعد بلومٍ شديد وخرج[/]
              []
              [/]
              [] صافقًا الباب وراءه.[/]
              []






              [/]
              [] المتعبون[/]
              []


              [/]
              [] المتعَبون يجلسون في الساحة[/]
              []
              [/]
              [] ينصتون إلى عبور النسمات، التي كانت في الأرجح بائعين متجوّلين[/]
              []
              [/]
              [] أو متسكّعين، فقدوا أقدامهم[/]
              []


              [/]
              [] للمتعبين ساحة[/]
              []
              [/]
              [] بلاطاتها، مع الأيام، اكتسبت صفات إنسانية[/]
              []
              [/]
              [] حتى أنها إذا غاب واحدٌ منهم[/]
              []
              [/]
              [] تبكي.[/]
              []


              [/]
              [] المتعبون في الساحة، وجوههم ترقُّ يومًا بعد يوم[/]
              []
              [/]
              [] وشَعرهم يلين[/]
              []
              [/]
              [] في هواء الليل و الأضواء الخفيفة،[/]
              []
              [/]
              [] وحين ينظرون إلى بعضهم ترقُّ عيونهم أيضًا[/]
              []
              [/]
              [] إلى درجة أنهم يظنون أنفسهم زجاجًا[/]
              []
              [/]
              [] وينكسرون.[/]
              []






              [/]
              [] الربيع أخضر، السماء زرقاء[/]
              []


              [/]
              [] لا يمكنه فعل شيء[/]
              []
              [/]
              [] الهرَّة وحدها تجلس قربه[/]
              []
              [/]
              [] يدغدغها، يداعب صوفها الناعم، يقول لها كلمة[/]
              []
              [/]
              [] لا تعني شيئًا ولكن فقط كي يسمع صوته.[/]
              []
              [/]
              [] شعاع ضعيف يدخل غرفته ويقعد على الكنبة[/]
              []
              [/]
              [] يبقى لحظة قرب ساقه، ثم يرحل[/]
              []
              [/]
              [] وبين وقت و آخر تنتابه هبَّات هواء[/]
              []
              [/]
              [] لا يعرف إن كان عليه أن يستعملها لقول شيء ما[/]
              []
              [/]
              [] أو للتنفُّس[/]
              []
              [/]
              [] العلامة الوحيدة للحياة في الخارج بقعةُ رطوبة صغيرة على الحائط[/]
              []
              [/]
              [] لكن، معه تبغ لهذا النهار[/]
              []
              [/]
              [] أيضًا صورة في محفظته يدخّن غليونًا[/]
              []
              [/]
              [] يمكنه أن يستعيض عن الحياة بالصور، وراح يغنِّي:[/]
              []
              [/]
              [] الربيع أخضر، السماء زرقاء[/]
              []
              [/]
              [] في الصباح تطلع الشمس في الليل يطلع القمر[/]
              []
              [/]
              [] الجهات أربع و الفصول أربعة[/]
              []
              [/]
              [] ومن الجهات والفصول تأتي الأرانب والرياح والغناء[/]
              []
              [/]
              [] وعلى التلَّة حجر، على التلَّة حجر.[/]
              []
              [/]
              [] ثم لمس هرَّته بحنان[/]
              []
              [/]
              [] داعب صوفها الناعم[/]
              []
              [/]
              [] وعاد إلى النوم.[/]

              تعليق


              • #22
                [] بسبب غيمة على الأرجح

                1992




                [/]
                [] ظلال[/]
                []


                [/]
                [] زحلوا نحوَ الماءِ[/]
                []
                [/]
                [] منحدرين من جبالهم ظلالاً ناعمةً[/]
                []
                [/]
                [] لئلاَّ يوقظوا العُشب.[/]
                []
                [/]
                [] خيالاتُهم حينَ مرَّتْ على الحقولِ[/]
                []
                [/]
                [] فارقَهُمْ بعضُها ونامَ هناك[/]
                []
                [/]
                [] وخيالاتٌ تشبَّثَتْ بالصخورِ وانمغطَتْ[/]
                []
                [/]
                [] وأعادتْهم إليها.[/]
                []


                [/]
                [] زحلوا حتَّى وصلوا[/]
                []
                [/]
                [] إلى الماءِ مُنهكين[/]
                []
                [/]
                [] وفوقَهم كانتِ الشمسُ تبحثُ عن إبرةٍ[/]
                []
                [/]
                [] لتُعيدَ وَصْلَهُم بالظلال.[/]
                []






                [/]
                [] نظرة[/]
                []


                [/]
                [] يتركونَ عيونَهُمْ و يمشون[/]
                []
                [/]
                [] متَّكئينَ على نظراتٍ قديمة[/]
                []
                [/]
                [] مُسجّىً على أجسادهم صمتٌ[/]
                []
                [/]
                [] مُسجَّاةٌ نسائمُ موتى[/]
                []
                [/]
                [] أرواحُ أمكنةٍ أُبيدَتْ[/]
                []
                [/]
                [] وفي بالهم إذا مرَّ غيمٌ[/]
                []
                [/]
                [] ينزِلُ المطرُ على حقولهم البعيدة.[/]
                []


                [/]
                [] يمشونَ[/]
                []
                [/]
                [] وحينَ يتعبون يفرشون نظرةً[/]
                []
                [/]
                [] وينامون.[/]
                []






                [/]
                [] زنابق[/]
                []


                [/]
                [] لم يكن الموتُ يرقص في الساحاتِ وَحْدَها[/]
                []
                [/]
                [] بل قُرْبَ الزهور[/]
                []
                [/]
                [] قرب عُرْفِ الديكِ وفمِ السمكِ والحَبَق[/]
                []
                [/]
                [] ويمشي مع ماءِ العَيْن[/]
                []
                [/]
                [] إلى طاولاتهم.[/]
                []
                [/]
                [] كان الموتُ يرقصُ[/]
                []
                [/]
                [] وفي الساحاتِ كانوا[/]
                []
                [/]
                [] يمتزجونَ بالأسفلتِ[/]
                []
                [/]
                [] والمُنْحَنُونَ على الزهورِ تحمِلُهُمْ[/]
                []
                [/]
                [] الطلَقاتُ إلى فوق[/]
                []
                [/]
                [] ويصيرونَ في الفضاءِ[/]
                []
                [/]
                [] زنابقَ.[/]
                []






                [/]
                [] الموتى نيام[/]
                []


                [/]
                [] كانوا عراةً[/]
                []
                [/]
                [] ولهم أولادٌ[/]
                []
                [/]
                [] يدغدغونَ شَعرَهُم في المساء[/]
                []
                [/]
                [] وينامون[/]
                []
                [/]
                [] كانوا عراةً و بسطاءَ[/]
                []
                [/]
                [] يعرَقونَ طوالَ النهارِ مُبْتَسِمينَ[/]
                []
                [/]
                [] وفي عودتهم يقفون أمام الواجهات[/]
                []
                [/]
                [] يقيسونَ بأنظارهم ثيابًا لأولادهم[/]
                []
                [/]
                [] ويمشون.[/]
                []


                [/]
                [] كانوا يتقدَّمون خطوتيْنِ ويلمِسونَ[/]
                []
                [/]
                [] قبلَ نسمةِ الفجرِ جذوعَ الشجر[/]
                []
                [/]
                [] وتحتَ نظراتهم تُثْمِرُ غصونٌ[/]
                []
                [/]
                [] في ثلجِ كانونَ الثاني[/]
                []
                [/]
                [] وكانت مناجلُهم تحنُّ إلى الحقول[/]
                []
                [/]
                [] والهواءُ بينَ القُرى مُتأهِّبًا دائمًا لندائهم[/]
                []
                [/]
                [] حينَ فجاةً تحوَّلَ قمحُهُم إلى ضلوعٍ[/]
                []
                [/]
                [] وصارَ النسيمُ عُشبًا ينمو على أجسادهم.[/]
                []


                [/]
                [] كانوا عراةً[/]
                []
                [/]
                [] وكانتِ الشمسُ كُلَّ مساء[/]
                []
                [/]
                [] ترُدُّ غِطاءَها الحريريَّ الخفيف[/]
                []
                [/]
                [] على أرواحهم.[/]

                تعليق


                • #23
                  [] الموت، فجرًا
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] يفتحونَ أبوابَهم قبلَ أن تطلعَ الشمسُ
                  [/]
                  [] يفتحون الدَّرفتيْنِ
                  [/]
                  [] لتدخلَ الشمسُ كلُّها.
                  [/]
                  [] النسيمُ في الفجرِ
                  [/]
                  [] سَقيُ الزهورِ في الفجر
                  [/]
                  [] حُبُّ الحياةِ فجرًا،
                  [/]
                  [] وفجرًا
                  [/]
                  [] دخلَ شعاعٌ
                  [/]
                  [] من بين خشبِ الباب
                  [/]
                  [] وصنعَ زيحًا أبيضَ
                  [/]
                  [] على رموشٍ مغلقة.
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] زيارة ليلية
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] كانوا يُخْبرونَ أطفالَهم حكايات
                  [/]
                  [] عن الملاكِ الحارسِ والزرْع
                  [/]
                  [] والبلبلِ الذي جاءَ هذا الصباح
                  [/]
                  [] وغنَّى في شجرةِ التوت، على شبَّاكهم
                  [/]
                  [] يُخبرونهم عن عِنَبٍ
                  [/]
                  [] سيبيعونه و يشترون
                  [/]
                  [] لهم ثيابًا جديدة
                  [/]
                  [] عن كنزٍ
                  [/]
                  [] يكون غدًا تحتَ وسادتهم إذا ناموا،
                  [/]
                  [] لكنَّهُم وَصَلُوا
                  [/]
                  [] قطعوا الحكاياتِ
                  [/]
                  [] تركوا بقعًا حمراءَ على الجدار
                  [/]
                  [] وخَرَجوا.
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] صيادون
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] قبلَ أنْ يُسْقِطوا بعضَهُم بعضًا تدرَّبُوا
                  [/]
                  [] سنواتٍ طويلةً
                  [/]
                  [] على صَيْدِ الحِجالِ
                  [/]
                  [] على رَمْي الحصى في الفضاء
                  [/]
                  [] ونَقْشِها بالرصاص
                  [/]
                  [] تدرَّبُوا على نَتْفِ الجوانحِ
                  [/]
                  [] وجَعْلِها مكانس
                  [/]
                  [] وحاولوا في سواعدِهم
                  [/]
                  [] زَرْعَ ريشٍ
                  [/]
                  [] ليصيروا طيورًا
                  [/]
                  [] وتساقطوا
                  [/]
                  [] مثلَ الطيورْ.
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] سماء سرية
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] وَجَدُوهُ
                  [/]
                  [] يدُهُ زرقاءُ ومُنْبَسِطَة
                  [/]
                  [] كجناحِ وَرْوارٍ
                  [/]
                  [] وفمُهُ مفتوحٌ قليلاً
                  [/]
                  [] كأنَّهُ كانَ يريدُ
                  [/]
                  [] أن يغنِّي.
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] شيء على العتبة
                  [/]
                  []
                  [/]
                  [] كان ميِّتًا لكنَّهُ كان
                  [/]
                  [] يُحِسُّ أناملَهُم على جبهتِهِ
                  [/]
                  [] أسْبَلوهُ وسطَ الدار
                  [/]
                  [] على فراشٍ استأجروهُ وكانَ
                  [/]
                  [] يُحِبُّ أن يشتري مثلَهُ،
                  [/]
                  [] أسبَلوهُ وألبسوهُ ثيابًا
                  [/]
                  [] رأى مثلها في واجهاتِ المدينة
                  [/]
                  [] وحينَ حملوه
                  [/]
                  [] تركَ وهو يغادرُ البيتَ
                  [/]
                  [] شيئًا غريبًا على العتبة
                  [/]
                  [] وكانوا كُلَّما دخلوا
                  [/]
                  [] يرتجفونَ ولا يعرفونَ السبب.
                  [/]

                  تعليق


                  • #24
                    ورقة

                    حَمَلوه صامتِين
                    وتركوهُ هناك، في الساحةِ
                    في حَقْلِ الصُّلبانِ والشواهد
                    في الساحةِ الفسيحةِ مع رفاقِهِ
                    النائمين.
                    قال: "سأعودُ،
                    المفتاحُ تحتَ أصيصِ الزهور"
                    وورقةٌ منها كانت
                    لا تزال في يدِه.

                    عائد

                    استلقَى
                    نصفُهُ تحتَ السقف
                    ونصفُهُ تحتَ السماء.
                    تحلَّقَ حولَهُ كثيرونَ
                    اليومَ عاد
                    جاؤوا به مُلَوَّنًا بالدمِ والتراب
                    أسْبَلُوهُ على الشرفةِ
                    وكانت نقاطُ ماء
                    تنزلُ من غيمةٍ
                    على قدميه.

                    كلمات

                    الكلماتُ التي قالَها
                    على المقاعدِ، في الخزانةِ،
                    على الأسِرَّةِ، والجدار
                    جلَبُوا خادمةً نظَّفَتِ البيتَ
                    نظَّفَتِ الأثاثَ والأواني والحجارة
                    جلَبُوا طِلاءً
                    جلَبوا أصواتًا جديدةً
                    وظلُّوا يسمعونَها.

                    غياب

                    ذاكَ النهار
                    تحتَ سنديانةِ الساحة
                    ظَلَّ فقط مقعدان حجريّان فارغيْن،
                    كانا صامِتَيْن
                    ينظران إلى بعضهما
                    ويَدْمَعان.

                    شجرة

                    مَشَى خطوتيْن ولمسَ
                    نبتةً زرعَها البارحةَ
                    خرجَ نَسْغٌ من يديه إلى عروقِها
                    خرجَتْ من عينيه أوراقٌ إلى غصونها
                    وحينَ أرادَ العودة
                    لم يَبْرَحْ مكانَهُ،
                    كانت قدماهُ تحوَّلَتا
                    جذورًا.

                    رحيل

                    لمسَ بابَ البيتِ وخرج
                    تاركًا على القِفْلِ بعضَ أنفاسِهِ
                    رآهُما ينظرانِ إليه:
                    القفلُ الذي كان يحبسُ خلفَهُ عُوَاءَ الليل
                    والبابُ الذي كان الصباحُ
                    يطلعُ من شقوقِهِ،
                    رآهُما يتحلَّلان ويعودان
                    يباسًا على الطريقِ وكتلةً صدِئَة
                    ورأى الحيطانَ ترجعُ إلى الجبالِ
                    أحجارًا وحيدةً وحزينة
                    والمَحْدَلَةَ على السطحِ تعودُ
                    صخرةً في غابةٍ بعيدة
                    والسقفَ الذي يَدْمَعُ دمعتيْن في الشتاء
                    يهطلُ مثلَ جُرْفٍ يائس.
                    لمسَ بابَ البيتِ ورحلَ
                    تاركًا زهرةً في فتحةِ القفل
                    وفوقَ السطحِ غيمةً
                    من نظراتِهِ.

                    إذا
                    آخرُ ما رآه
                    هِرَّةٌ ودَّعَتْهُ على البابِ
                    الذي أقفلَهُ ثُمَّ عادَ
                    وفتحَهُ
                    ليدخلَ الجيرانُ كالعادة
                    إذا جاؤوا.

                    تعليق


                    • #25
                      ذاك النهار

                      حينَ كانوا يَجْرُفُونَ حجارةَ بيتِهِ
                      لم يكن له أنْ يَنقُلَ حتَّى أعضاءَهُ وذكرياتِهِ من رُكامِها
                      الركامُ ذاكَ، كانَ حياتَهُ
                      وارتطمَتْ حياتُهُ به
                      في جُرْفِ ذاكَ النهار
                      مراراً.

                      كانوا يجرفونَ أيَّامَهُ كما يجرفونَ الثلوج
                      وناسٌ و حقولٌ تذوبُ
                      في عينيه ويَدمعها
                      نقطةً نقطة
                      على أغراضِ البيتِ، على المِعْوَلِ، على خابيةِ الزيْت
                      وعلى جرَّةِ الماءِ التي ملأَها هذا الصباحَ وكانَ
                      سيسقيهم ماءً باردًا.


                      رفاق

                      جلسَ على الشرفةِ
                      مُحاولاً أنْ يصافحَ أصابعَ ريحٍ
                      تَلْهو بشَعْرِهِ،
                      قالَ: يدٌ
                      حينَ هزَّتْ الريحُ الوردةَ
                      حينَ ابرقَتِ السماءُ قالَ: نظرةٌ
                      وقالَ لا بُدَّ بسمة
                      افلتَتْ من ثغرٍ ذاتَ يومٍ في الهواء
                      وقد تَصِلُ الآنَ
                      وتجلسُ معي.
                      جلسَ على الشرفةِ
                      مُحاولاً أن يستعيدَ وجوهًا
                      ليملأَ حواليهِ
                      المقاعدَ الفارغة.

                      قال

                      قالَ كانتا شبيهتيْنِ: الحَبَقَةُ في الركنِ
                      وأمُّهُ
                      ما كانَ الناسُ يُمَيِّزُونَ بينهما
                      يقولونَ صباحَ الخيرِ لأمِّهِ
                      تردُّ الحبقةُ
                      يقولونَ للحبقةِ
                      تردُّ أمُّهُ
                      وقال: ما كلُّ الذي كانَ في يديها عروقٌ
                      بل شُرُوشٌ من نباتِها
                      وكانت راحتاها ورقتيْن
                      عيناها زهرتيْن
                      وحينَ تمرُّ في الحيِّ تفوحُ
                      كلُّ الحقولِ من ثيابِها.
                      وقال كانا توأميْن: والدُهُ و الشجرة
                      يُلقي ذراعَهُ عليها
                      وتُلقي غصنَها عليه
                      تخضرُّ حينَ تراهُ
                      وتصفرُّ حينَ يمرضُ
                      وإذا ضربتْها الريحُ
                      تُصيبُهُ رجفة.
                      قالَ ومشى
                      صَوْبَ البابِ
                      لفَّ سيكارةً
                      ومضى.



                      حياة

                      كانَ، تقريبًا، يبدِّدُ الوقتَ
                      رسمَ إناءً
                      رسمَ زهرةً في الإناء
                      وطلعَ عطرٌ من الورقة،
                      رسمَ كوبَ ماء
                      شربَ رشفةً
                      وسقى الزهرة،
                      رسمَ غرفةً
                      وضعَ في الغرفةِ سريرًا
                      ونام
                      ... وحينَ استفاقَ
                      رسمَ بحرًا
                      بحرًا عميقًا
                      وغَرِقَ.


                      وجهه

                      رسمَ وجهَهُ ورآه
                      يشبهُ وجهًا آخرَ
                      أضافَ خطوطًا وملامحَ
                      أضافَ تعرُّجاتٍ
                      ساحاتٍ
                      طُرُقاتٍ
                      ... مزَّقَ الورقةَ
                      واختفى.


                      أسماء الموتى

                      أسبلَ أصابعَ يدِهِ وعدَّ أسماءَ موتاه
                      وعدَّ أصابعَ يدِهِ الأخرى
                      أضافَ عددَ الألوانِ حواليه
                      غصونَ الشجرةِ أمامَ البيت
                      نباتَ الدربِ
                      أوراقَ الغابة

                      .. وقبلَ أن ينامَ
                      أضافَ اسمَه.


                      غريق

                      رفعَ يدَهُ
                      كأنَّهُ كانَ يريدُ
                      أنْ يقولَ كلمة.

                      معهم

                      تركوا في الساحةِ ندىً من قُراهُمْ
                      واختفوا وراءَ الجبلِ،
                      ورقَ خَسٍّ، نقاطَ زيتٍ، ريشَ دجاج
                      ونسائمَ تباطأَتْ
                      من ظلالِهِمْ.
                      حملوا غلالَهُمْ من الجبال
                      فلشوها على الأسفلت
                      باعوُها
                      وعادوا،
                      والريشُ الذي تركوهُ في الساحةِ طار
                      وعادَ معهم.


                      أمي

                      وضعَتْ آخرَ نقطةِ ماءٍ في دَلْوِها على الحَبَقَة
                      ونامت قُرْبَها
                      عبَرَ القمرُ وجاءتِ الشمس
                      وظلَّتْ نائمةً
                      الذين كانوا يسمعونَ صوتَها كُلَّ صباح
                      لفنجانِ قهوةٍ
                      لم يسمعوا صوتَها
                      نادوها من سُطَيْحاتِهِمْ، نادوها من الحقولِ
                      لم يسمعوا صوتَها
                      وحينَ جاؤوا
                      كانت نقطةُ ماءٍ لا تزالُ
                      تَرْشَحُ من يدِها وتزحفُ
                      إلى الحبقة.

                      أبي

                      قبلَ أنْ يصيرَ وجهُهُ غابةً
                      مَرَّ شجرٌ كثيرٌ على يديه،
                      كانَ كالدروبِ التي
                      يَقْعُدُ على سُلَّمِهِ وينظرُ إليها
                      كحجارةِ بيتِهِ التي ظنُّوا أنَّها ستميلُ
                      ورقيقًا كعُشْبٍ وأيضًا
                      كالبواشِقِ المهاجرة.

                      لم يَقُلْ شيئًا قبلَ أنْ تحوَّلَ
                      وجهه غابةً
                      فقط شجراتٌ قليلةٌ منها صارتْ بيضاءَ
                      حينَ الثلجُ على الجبلِ المُقابلِ كان يرحل
                      وشجراتٌ مَدَّتْ جذورَها وطلع
                      دَغْلٌ صغيرٌ من ترابِهِ.

                      بيننا

                      نجلسُ صامتِينَ حالمِينَ طافحِينَ
                      بأفكارٍ تُصَفِّقُ كأوراقِ اللَّوْزِ بيننا
                      نُفكِّكُ أعضاءَنا ونصفُّها واحدًا واحدًا على الطاولةِ
                      العيونَ في الوَسَط
                      الأصابعَ على الحافَّة
                      القلوبَ خَدَمًا يتجوَّلُونَ بيننا
                      ونستضيفُ أحلامًا تدخلُ من الأبوابِ
                      وأحلامًا من ثقوبِ الجدار
                      ونُعِدُّ مأدبةً لضيوفٍ
                      يتدفَّقونَ عائدينَ
                      من الموتِ إلينا.
                      كانَ بيننا، ذاتَ يومٍ، قَسَمٌ ألاَّ نفترِقَ
                      شرَّعْنا الأبوابَ والنوافذَ
                      دَعَوْنا الجيرانَ والمارَّةَ والنسيمَ
                      ورطوبةَ العُشْبِ كي تدخلَ
                      وتتدفَّأَ عندنا،
                      كانَ بيننا قلبُ لَوْزٍ
                      اقتسمناهُ على الطريق
                      ودخلْنا.

                      تعليق


                      • #26
                        ذكرى صياد سمك

                        وَصَلْنا إلى البحرِ سُكارى
                        مُزَوَّدِينَ بخيالاتِ سُفُنٍ وسمك
                        وارتمينا على الصخرةِ التي
                        قبلَ يومين
                        صرعوا رفيقنا عليها.
                        كُنَّا صامتِين
                        ثُمَّ فَلَشْنا أكياسَنا
                        ورميْنا الصنانيرَ
                        رميناها على عَجَلٍ حتَّى أنَّ بعضَها
                        نسيناهُ بلا طُعْمٍ وأخرجنا سمكًا
                        اختلطَتْ دماؤهُ بخيطِ دمٍ
                        مُسْبَلٍ منذُ تلكَ الليلةِ بين الصخرةِ والبحرِ
                        يصطادُ السمك.
                        كُنَّا سُكارى
                        وقفْنا على الصخرةِ التي صَرَعوا رفيقَنا عليها
                        اصطدْنا سمكًا
                        وغنَّيْنا.

                        مكان الوردة

                        تقريبًا مع الليلِ وصَلْنا
                        وأنزَلْنا أغراضَنا أمامَ الباب،
                        تقريبًا أمامَ بيتِنا
                        أمامَ ذكرى حجارةٍ
                        وماء،

                        أنزَلْنا أغراضَنا
                        شَمَمْنا مكانَ الوردةِ
                        ونِمْنا.


                        وجهة

                        تَبِعَتْنا الحِبالُ في اتِّجاهِ البحرِ، مع غسيلٍ نَسِيْناهُ
                        منشورًا عليها
                        وكَبا منَّا رفاقٌ
                        بينَ شجرِ التِّينِ
                        كَبا رفاقٌ بينَ العَتَبَةِ والبابِ، وتحتَ الرفوف
                        مشيْنا وترَكْنا
                        على الحِبالِ ثيابًا
                        وعلى الجدرانِ قِطَعًا كانت لأجسادِنا
                        وحينَ دخَلْنا البحرَ
                        نبتَتْ لبعضِنا حراشِفُ
                        وبعضُنا تشبَّثَ بالصخورِ
                        وصارَ صَدَفًا.

                        بقع زيت

                        لم نُوقِظِ النسائمَ النائمةَ
                        فقط مشيْنا
                        يُرافِقُنا مِلْحُ الفجر
                        وأصواتُ الكلاب،
                        ترَكْنا جُزَرًا بكاملِها هناك
                        ……………………………
                        وأبديَّةً ثكلى،
                        بُقَعُ زيتٍ مَشَتْ معنا على ثيابِنا
                        وشَحْمُ أحلام
                        وكانَ في قلوبِ بعضِنا عرباتٌ مُخَلَّعَةٌ
                        ومواشٍ نافقةٌ،
                        رافقتنا أصواتُ الكلابِ حتَّى غِبْنا
                        وعلى الدروبِ، تحتَ أقدامِنا
                        اكتشفنا نوعًا نادرًا
                        من الأنين.
                        هَايْ، أنتَ
                        ها أنا الآنَ وَصَلْتُ
                        جديدًا طازجًا مثلَ فاكهةٍ لم تَسْمَعْ بها
                        اعْطِني سيكارة،
                        معي حكاياتٌ غريبة
                        عن ملوكٍ ومعارِكَ ومزهريَّات
                        عن شعوبٍ اكتشفَتْها الرياحُ بالصُّدْفَة
                        وأسماكِ أرواح
                        على الرمالِ
                        حكاياتٌ لكَ أنتَ وَحْدَكْ
                        اعطِني سيكارة،
                        ومعي أيضًا تلالٌ من السنواتِ
                        أريدُ أن أبيعَها
                        تلالٌ مُشْرِفَةٌ على محيطاتٍ
                        يرقصُ فيها الحيتانُ
                        مع الغَرْقَى
                        مُشْرِفَةٌ على خُلْجانٍ يمكنُ فيها بناءُ منتجعاتٍ
                        لأعمارٍ أخرى، جميلةٍ
                        تلالٌ، تلالٌ
                        إدْفَعْ ما شئتَ
                        وخُذْها.

                        لم نُوقِظِ النائمِينَ ولم نَقُلْ كلمةً
                        فقط سمِعْنا الكلماتِ الأخيرةَ للأبوابِ
                        التي كانت تئزُّ عند دخولنا وخروجنا
                        ومشيْنا
                        تركْنا صُوَرًا على الحائطِ
                        رائحةَ زيتونٍ في الزاويةِ
                        أعضاءَ حكاياتٍ على المناشِرِ مَشْكُوكةً مع التبغِ
                        ورأسَكَ يا رياض الذي صار
                        نيازِك.

                        تعليق


                        • #27
                          [] الرغبات ترتدُّ على أصحابها.
                          فلأمشِ بلا رغبة فوق هذا الجسر النحيل
                          لأنَّ أيَّ سهم سيُسقطني.
                          أيُّ سهم وربما هبوبُ نسيم.
                          صائدو الرغبات طرائدُها،
                          يَسقطون الواحد تلو الآخر كأنَّما العبور فقط لغير الراغبين.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] فلأمشِ، ولكن ببطءٍ، بلا رغبة. فلأمش فارغًا،
                          ربما أصلُ سليمًا. الحمولة تزيد من ثقلي،
                          فيهوي سريعًا هذا الجسر.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] على الذين يريدون العبور أن يتجرَّدوا،
                          لا من ثيابهم وحدها بل من نفوسهم أيضًا!
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] ... لذلك، لا عبور.[/]
                          []


                          [/]
                          [] كنتُ، فقط، أحاول العبورَ بالكلمات
                          إرسالَ صوتٍ ليعبر عنّي فوق هذا الجسر.
                          لكنَّ الصوت لم يكن يعبر، وكان صداه يرتدّ، ليقتلني!
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] كنتُ تقريبًا ميّتًا دائمًا. كنت مجموعة موتى
                          ضحيةَ كل صوت وكل صدى.
                          ميّتٌ حين أُرسل الكلام وميّت حين أتلقّى صداه.
                          ولأني تكلمت كثيرًا، متُّ كثيرًا...
                          والآن أريد الصمت، أريد أن أحيا.
                          [/]
                          []


                          [/]
                          [] أضعُ أمامي المرآة وأنظر، أنا الميّت!...
                          ماذا لا أرى غير عينيَّ، وغير يديَّ ووجهي وروحي؟
                          النسماتُ هناك، وارتطامُ الفضاء بها.
                          الشَعرُ قربَ الضباب. الجنون قرب الماء.
                          الغناء تحت الغيمة. البحر فوق القلب.
                          النبع ناحيةَ الغبار. الوقت مع الحجر.
                          الدمُ مع الآية. الضوءُ النائسُ في خيمة الثعبان.
                          [/]
                          []


                          [/]
                          [] صوتي هناك يحاول وحدَه عبُورَ الجسر،
                          حَذِرًا مرعوبًا، موازيًا طرفيه،
                          متجرّدًا من كلّ ثقلٍ حتى من صداه... يحاول، علَّه يعبر.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] صوتي هناك وأنا هنا.[/]
                          []
                          [/]
                          [] حتى لو عبر، هو هناك وأنا هنا.
                          مفصولان مقطوعان مقطَّعان
                          لا كلام بيننا ولا قرابة ولا نظرة.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] كان ذات يومٍ، ربما، صوتي. لكنه وحده هناك،
                          على ذاك الجسر، ووحدي هنا، في خيمة الثعبان.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] لا عبور، حتى بالكلمات! لكأنَّ الخطوة الأولى هي الأخيرة.
                          لكأنَّ الوقوف هو كلُّ المسافة، كلُّ الطريق!
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] كانا، ذات يوم، رفيقين، الصوتُ والثعبان.
                          لعبا على التلال، تراشقا بنقاط الندى التي تكاد لا تُرى.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] كان الصوت والثعبان رفيقين يتراشقان بالندى...
                          وأصابت الصوتَ نقطة، فاستردَّه الفضاء!
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] عاش وحيدًا هناك. وكانت دموعه تنزل،
                          تقطع المسافات النائية، إلى فم الثعبان.
                          [/]
                          []
                          [/]
                          [] للصوت رفيق واحد: الثعبان. يلعبان معًا، ويَقتُلان معًا!.[/]
                          []


                          [/]
                          [] يا طالعةً، رديئةً، من فمي.[/]
                          []
                          [/]
                          [] يا طالعةً لكي تلعبي مع الثعبان وتقتليني.[/]
                          []
                          [/]
                          [] لديَّ ندىً. على العشب في حديقتي الخلفية.[/]
                          []
                          [/]

                          تعليق


                          • #28
                            [] ليكنْ تراشقكما بالندى في الليل. فلا يراكِ الفضاء فيستدعيكِ.
                            والعَبا همسًا. واقتلا همسًا. فربما الجيران يريدون أن يناموا.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] كنا ننام تحت صوف الهندباء، ننام صامتين.
                            عوض الأصوات نُطْلق حياءَ الوقت،
                            فيمشي بين النعوش و الذاكرة. وعلّنا نطير،
                            نشرب خمرًا من حناجر عصافير ميّتة.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] الآن، خيمةُ الثعبان. الغصنُ اليابس أمامها،
                            من بقايا غابة سحيقة، يَفتح و يُغلِق الباب.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] الآن شمالُ الخرابِ جنوبُ الرماد،
                            المشنقةُ التي احتفظت بالقميص!.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] الغصن أعلى قليلاً من قامتي. لذلك لن أصطدم به،
                            سأدخل، من دون أن أحني رأسي.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] الآن وقتُ العظام. وقتُ البياض في الجسد.
                            وقتُ المنسحب على مهلٍ من اللحم.
                            الذي يُرمى و ينزوي، شاهدًا وحده أنه كان،
                            أنه لم يكن. وقتُ غبار العدم. وقتُ العدم بلا غبار.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] المنسحبُ بخفّةٍ من يد الوقت، من طيف المكان، من ظلّ الملاك.[/]
                            []
                            [/]
                            [] الذي كان سنبلةً بحبوبِ عيونٍ غريبة.
                            المنسحبُ من الحقل أبيضَ، ناصعًا،
                            إلى الحدّ الذي لا تطاله الرؤية، إلى حدّ العدم.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] لم يكن لدى العظام كلام. كان هناك شيءٌ هيوليٌّ لزج،
                            حائرٌ معدَم، تريد الجهْرَ به. تبحث له عن لغةٍ علَّه يحيا فيها.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] في ذاك المكان النائي. على سرير صغير،
                            بدأت حيرةُ العظام. هناك بدأ خَرَسُها و بحثُها عن لغة.
                            في ذاك المكان حيث اللغة لم تكن وُلدت بعد،
                            و حيث كانت شجرة، تَسقط أوراقُها واحدةً بعد أخرى، بصمت.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] لم يكن للكلمات مكان.. في البدء لم يكن كلام،
                            كان الصمت. وحين انبثقت الكلمات بدأ طريقُ الموت.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] أحملُ الآن هذه العظام الحائرة البيضاء،
                            وأرميها في صمتها الأول.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] أضعها في انعدام اللغة، في السرير الصغير.[/]
                            []
                            [/]
                            [] كلُّ ما تعلَّمتُه من كلمات، ما رفعتُه من آبار الأجداد،
                            ما برقَ و ما انحجب وما أُرسلَ في الجهات، أعيده إلى صمته.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] أمدُّ إشارات يدي إلى الأصوات التي صارت بعيدة،
                            وأُعيدها إلى الحنجرة.
                            أفرشُ لها قميصًا تحت صوف الهندباء، وأنام قربها.
                            [/]
                            []
                            [/]
                            [] في هذا المكان الضيّق،
                            حيث يلعب النيامُ والموتى الورق، ويتبادلون الأدوار.
                            مُقَطَّعِينَ مُخَلَّعِينَ واثبينَ
                            على عُكَّازاتٍ في الشوارعِ
                            نَصِلُ بأعضاءٍ ناقصةٍ حيثُ نذهبُ وحينَ نغادرُ
                            نتركُ بعضَ أعضاءٍ
                            لنا عيونٌ وأقدامٌ
                            لا تزالُ هناك
                            لذلكَ، حينَ نمشي، لا تشعرُ الدروبُ بنا
                            وإذا انهمرَ مطرٌ تكونُ في مكانٍ آخر
                            تَدْمَعُ عيونٌ
                            اعطني سيكارة
                            ……………………………………..
                            تُولَدُ الكنوزُ والسماواتُ والبهاءُ،
                            شوقي صديقي
                            لكنَّهُ بعدَ قليلٍ سيصيرُ سِكَّةَ حديد
                            أريدُ فقط قبلَ ذلكَ أن أشربَ سيكارةً معه
                            كلُّ قطاراتِ سِيدْني تمرُّ في رأسِهِ عَبْرَ "سيدنهام"
                            وهو على وشك أن ينفجرَ اعطني سيكارةً،
                            وخضْرُ الذي رمى بندقيَّتَهُ في الجبالِ ونَزَلَ
                            صارَ رسالةً بلا عنوان
                            ينقلونَهُ من بريدٍ إلى بريد
                            ولا يَصِل،
                            من الدُّخانِ تُولَدُ الطريقُ
                            تُولَدُ العناوينُ و البيوتُ
                            وأصحابُها

                            [/]

                            تعليق


                            • #29
                              سيكارةً
                              سأُرْسِلُ لكَ حينَ أعودُ هِضابًا
                              من التبغِ عن مناشِرِنا
                              سلالَ فاكهةٍ وبَيْضٍ
                              من دجاجاتٍ نُرَبِّيها على حُبوبِ أحلامٍ
                              وتبيضُ كنوزًا سأُرْسِلُ لكَ بعضَها أيضًا
                              وذاتَ يومٍ اخترَعْنا
                              عروقًا للصمتِ
                              مشَيْنا نَشُكُّها في أجسادِ الدروبِ
                              مشَيْنا في هواءٍ قارصٍ لِنُبَكِّلَ أزرارَ الطُّرُقِ
                              وكانَ لَحْمُ صدورِها يرتجفُ
                              أمامَ عيونِنا
                              رأينا تحتَ الجسورِ أحشاءَ حياةٍ
                              وشظايا عيونٍ
                              تبحثُ عن نظراتِها
                              إسْمَعْ، رأينا الحياةَ
                              ترتجفُ تحتَ شجرةٍ
                              وهَمَّ بعضُنا أنْ يخلعَ قميصَهُ
                              ويُغطِّيها،
                              مشَيْنا بصدورٍ عاريةٍ وكانَ الهواءُ
                              صديقَنا
                              يأتينا بزهورٍ
                              ويلعبُ بشَعْرِنا
                              كانَ الهواءُ يحملُ لنا نظراتٍ
                              ضيَّعَها أصحابُها
                              وهُمْ يحدِّقونَ في الشفق.

                              معنا أساورُ معنا شوارعُ معنا ظلال
                              معنا هواءٌ و قَصَب
                              وفي حقائبِنا حفيفُ صُوَرٍ وضمَّاداتُ حنين
                              وعُكَّازاتُ أصواتٍ تركضُ من جبلٍ إلى جبل،
                              مَشَيْنا
                              وكانت ورقةُ لوزٍ أمامَ الباب
                              نظرْنا إليها
                              وتابَعْنا.

                              أنيسُ بعينيه الغَيْمَتَيْنِ فوقَ سهلِ برتقال
                              بعروقِ أصابعِهِ الماضيةِ نَحْوَ أن تصيرَ
                              أقلامًا ناشفةً
                              وبقمحِ أحلام
                              يَنْقُدُها طيرٌ عن فمِهِ،
                              وغَسَّانُ بعُودٍ عزَفَ عليهِ كُلَّ الطريق
                              حتَّى صارَتِ الشوارعُ أوتارَه.
                              لم يكن عندنا غيرُ
                              رائحةِ تبغٍ وزيتونٍ
                              حمَلْناها على ثيابِنا ومضَيْنا
                              مَشَيْنا خفيفينَ
                              لئلاَّ نُزْعِجَ ندى الطريقِ
                              ولم نَحْنِ غُصْنًا
                              لم نُوقِظِ النسيمَ
                              لم نُوَدِّعِ الأصدقاءَ لم نَقُلْ كلمة
                              فقط
                              مَشَيْنا

                              تعليق


                              • #30
                                لحظات ميِّتة

                                1

                                إختفى الشعاعُ فجأةً. أعتقدُ أنَّ غيمةً تعبرُ فوقَ البيت.
                                أشعَّةُ الشمسِ تختفي فقط لسببيْن:
                                إمَّا يحْجُبُها الغيمُ أو يكونُ الوقتُ ليلاً.
                                وبما أنَّ الآنَ صباح، الأرجحُ أنَّ غيمةً تعبرُ.

                                رُبَّما قريبًا ستُمْطِرُ. حينئذٍ أستطيعُ من نافذتي أن أتأمَّلَ المطر.
                                الحياةُ جميلةٌ إلى درجةِ أنَّ الواحدَ يستطيعُ،
                                إذا ساعدَتْهُ الظروفُ، أنْ يتأمَّلَ المطر. بُرجي مائيٌّ،
                                وأظنُّ أنَّ كوكبًا في الفضاءِ يذوبُ أحيانًا ويسيلُ هنا أمامي.
                                وَهْمٌ لطيفٌ احملُهُ وأتقدَّمُ إلى النافذة. أفتحُ الزجاجَ
                                وأنظرُ إلى السيَّاراتِ والاسفلتِ الجافِّ والعُمَّالِ المُتْعَبِين.
                                لماذا يتعبُ هؤلاء العُمَّال؟ أنا نفسي كنتُ أتعبُ أحيانًا
                                ويَنْضَحُ منِّي العَرَقُ، لكنَّني كنتُ أندمُ بعدَ ذلك واستريحُ سنوات.
                                عَرَقُ الجباهِ مقيتٌ، لا بل مُخْجِلٌ. وشيءٌ مقزِّزٌ أنْ تنهضَ من
                                النومِ لتعريقِ نفسك. تَمُرُّ سيَّارةٌ وتتركُ وراءَها غُبارًا خفيفًا.
                                هِرَّةٌ نائمةٌ في الزاويةِ تفتحُ عينيها ثُمَّ تُغْمِضْهُما. أُغْلِقُ النافذةَ وأعودُ ببطء.

                                اليومَ أيضًا سأستريح. يمكنني أن أعيشَ كُلَّ شيءٍ ببهاءٍ كُلِّيٍّ
                                وأنا أجلسُ هنا على الكَنَبَةِ أو أتمشَّى على البلاطِ وأنظرُ إلى الجدران.
                                أربعُ أو خمسُ ساعاتٍ من الحياةِ في اليومِ تكفي. بعدَ ذلكَ قد أخرجُ،
                                أتمشَّى قليلاً في المدينةِ، ألتقي أصدقاءَ بالصدْفَةِ، أشتري قنِّينةَ عَرَقٍ وأعود.
                                قد يحدثُ أيُّ شيءٍ بغتةً. زيارةُ غريبٍ، موتُ صديقٍ،
                                قشعريرةٌ مفاجئةٌ لرجلٍ يمشي في الشارع. هكذا بمحضِ الصدفة.
                                وحينئذٍ لن يتغيَّرَ شيء. قد أخرجُ إلى الشرفةِ، أُلقي نظرةً على حوضِ الزهور
                                وأدخلُ من جديد. قد أبتسمُ وقد لا يتبدَّلُ ملمحٌ في وجهي.
                                وجهي مستديرٌ وجامدٌ كشيءٍ أخذ شكله نهائيًّا،
                                وأنفي مُسْتَدِقٌ قليلاً كمنقادِ طيرٍ مقصوص. عينايَ سوداوان.
                                وحينَ أفتحُ فمي يخرجُ منه لهاثٌ بسيط. رُبَّما أيضًا كلماتٌ قليلة.
                                قليلةٌ وخافتةٌ حتَّى أنَّني أحيانًا لا أسْمَعُها أنا نفسي.
                                في الواقعِ ليس عندي أبدًا ما أقوله.
                                مع ذلكَ أجدُ نفسي مِرارًا مُضْطرًّا للكلام.
                                لا أعرفُ لماذا عليهم أن ينتظروا كلامًا في كُلِّ مرَّة يجلِسون معي،
                                وبعد ذلك أمرضُ. يُخيَّلُ إليَّ أنَّ الحياةَ صديقٌ صامتٌ،
                                وإذا تَكَلَّمَتْ يُصابُ أحدٌ بالسرطان. أعرفُ صديقًا ماتَ لهذا السبب.
                                هل الحياةُ مريضةٌ هكذا بسبب الأصوات؟ تمرض وتموتُ لأنَّ البشرَ يتكلَّمون؟
                                بين غرفةِ النومِ وغرفةِ الجلوس ترتفعُ يدي لترتِّبَ شَعري. مسافةٌ قصيرةٌ،
                                مع ذلكَ يُخيَّلُ إليَّ أنَّ شاحناتٍ سريعةً وأصواتًا غريبةً تقطعُها،
                                ويجبُ فعلُ أيِّ شيءٍ للوصول إلى مقعد. أُمَرِّرُ يدي على شَعري،
                                وهي التي لا تحملُ شيئًا يمكنُها بسهولةٍ أن ترتفعَ إليه.
                                شَعري طويلٌ، وكَكُلِّ الذين ينامونَ يتشعَّثُ في الليل،
                                غير أنِّي أُمَرِّرُ يدي عليه دائمًا ليبقى صديقي.
                                يصبحُ العالمُ أجملَ هكذا، حين يكونُ الشَّعْرُ صديقًا.
                                العالمُ قريبٌ من القلبِ مع الأعضاءِ الصديقة.
                                حينَ تُحِبُّكَ أعضاؤكَ ينقصُ عددُ الأعداء.
                                حتَّى أظافرُكَ التي تجمعُ الغبارَ، تكونُ تجمعُ شيئًا مُحَبَّبًا.
                                أتقدَّمُ خطوتين وأصلُ إلى النافذة. لا يزالُ العمَّالُ أنفسَهُمْ
                                والأسفلتُ والسيَّارات، والقطَّةُ تنامُ في الزاوية.
                                أصواتٌ تَصِلُ إليَّ من وراءِ الزجاج وأشعرُ أنَّها أصواتٌ جميلة.
                                حتَّى الناسُ يبدونَ رقيقِين من بعيد

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                                المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                                المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                                يعمل...
                                X