

كم أشكر الله سبحانه وتعالى أنه حقق لى أمنيتى بأن أكون أماً،
ولا يمر يوماً إلا دعوت الله سبحانه وتعالى أن يساعدنى
ويكون عوناً لى ويُقدرنى على حمل الأمانة بصدق وتفان .
وترتد إلىَ الذكريات بما تحمله من أوقات سعيدة جميلة،
وأخرى مؤلمة حزينة،وما تحملته أمى العزيزة من أجلى
ومن أجل أخوتى وتضحياتها الجليلة،
وكيف أنها حملت الأمانة بصدق وتفان من أجلنا.

تعلمت من أمى الكثير ..
تعلمت منها ألا أؤذى مشاعر طفلتى،
فلا أنهرها مثلاً إذا انسكب الحليب من الكوب
على المفرش أو على ملابسها،
لأنها لم تتعمد أن تغضبنى.. فإن ماحدث
فهو رغم عنها وبدون قصد،
فلا داعى للغضب،والإهانات التى تؤذى أطفالنا.
تعلمت أيضاً من أمى،ألا أقارن طفلتى بالأطفال الآخرين،
لأن هذه المقارنة تملأ الطفل بمشاعر الغيرة
ويمكن أن تصل إلى الكراهية المُستترة
اتجاه طفل آخر برئ من أى ذنب.

أتذكر أننى فى سنة التخرج من الجامعة
سألت أمى سؤلاً مباشراً ..
قلت لها ،إن لم أنجح بمرتبة الشرف الأولى
هل تغضبى منى؟
وقتها سألتنى أمى، لماذا طرحت مثل هذا السؤال،
فقلت أنا قادرة على تحقيق مرتبة الشرف بإذن الله،
ولكن ذلك سيكون على حساب أمور أخرى لا أريد
أن أتنازل عنها فى الوقت الحالى مثل كذا وكذا وكذا
أتذكر أنها قالت لى: تخرجى بنجاح، وافعلى ما تشعرين
بأنه يُثريكِ ويُشعرك بالاكتمال،ولكن اجتازى امتحانك بنجاح.

وعرفت بعد ذلك أن أمى استندت فى إجابتها
على ذكرى كانت لا تزال تحملها فى أعماقها،
وهى أنها تخرجت بمرتبة الشرف،وجاء ترتيبها الثانية،
وكان تعليق والدتها هو أنها لو كانت بذلت مجهوداً إضافياً
لكان ترتيبها الأول،وكم آلم أمى هذا التعليق.

ومن ذكرياتى مع أمى الحبيبة التى تضحكنا حين نتسامر،
أنها هددتنى يوماً بكسر الرأس كما تفعل الأمهات :
لو فعلتِ كذا أو كذا سوف أكسر راسك
وأحياناً نقول سأذبحك ..
وبالطبع لا يمكن أن تكسر الأم رأس الطفل الذى حملت
وولدت أو أن تذبحه ذبح الدجاجة.
نتضاحك أنا وأمى لأنها قالت لى يوماً سأكسر راسك،
فإذا بى أفزع وأرجوها ألا تفعل لأنها لو فعلت
سوف يؤلمنى رأسى وسوف تتلوث ملابسى
بالدم وأنها سوف تغضب من ذلك.

فى ذلك اليوم عاهدت أمى نفسها
ألا تكرر مثل هذا الفعل الذى تسرب إليها
من وحى تهديد تلقته من أمها وهى طفلة..
وأنا أيضاً أعاهد نفسى ألا أزعج طفلتى أو أهددها
بمثل هذا الفعل الذى يتوراث عن الأمهات بدون قصد.
وأحمد الله كثيراً لأن أمى لم تدعِ علىَ أبداً،
بل كانت كثيرة الدعاء لى ولأخوتى وأبى، ولاتزال..
وأنا أذكرها بالدعاء فى كل صلاة.
حين يدعو والد على ولد،لايُقدر هول الأثر
الذى يتركه مثل هذا الفعل على وجدان ومشاعر
طفل أو شاب أو حتى رجل ودع الشباب.
ليتنا نتذكر أن الكلمة الطيبة لها ضعف
أثر التهديد والوعيد والدعاء على الولد.

نحن لا نُولد أمهات..
ولكننا نتعلم..
فلنطلب العلم ونستزيد،
لكى نخرج للعالم أبناء وبنات أسوياء.
والآن أدركت وفهمت بعد أن أصبحت أماً،
لماذا كانت أمى تخاف علىَ هذا القدر..
وكانت تتمنى لى كل الخير والسلامة.
ما أعظمك يا أمى ..
أتمنى أن أكون عظيمة مثلك حبيبتى ..
ولكِ منى أمى كل حب وتقدير واحترام وامتنان وعرفان
وخالص دعواتى لك بطول العمر والصحة والعافية
ورضا الله سبحانه وتعالى

نتابع


تعليق