إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النجم الذي هوى يحيى الطاهر

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    مذكرات قميص عجوز جدا

    كنت كأى قميص عجوز،
    مجموعة من بذور القطن فى كيس ملقى
    بجوار الحصير الذى ينام عليه الفلاح المصرى
    "أمين عبد القادر"، وذات صباح ارتفع
    نباح الكلب خارج الدار كالعادة،
    وأيقظ أمين من نومه العميق،
    وقام أمين وأمسك بالكيس المملوء ببذور القطن،
    والتى هى أنا فى ذلك الحين،
    ومضى فى الطريق الزراعى نحو حقله.
    فى هذه السنة كان النيل كريماً جداً،
    مر فى موسم الفيضان على أراضى الفلاحين،
    وأهداهم كمية طيبة من الطمى،
    وكانت الأرض لينة،
    وأمسك أمين فى كفه بكمية من البذور
    ووضعها فى حفرة صغيرة،
    واستمر فى عمله حتى قبل الغروب،
    وجاء جاره "عطية" فاستأذنه "أمين"
    فى أن يستخدم زحافته لكى يسوى الأرض
    ويغطى البذور، وقال له "عطية":
    - اتفضل يا أمين ياخويا
    طفولتى . .
    عشت أياماً طيبة هنية فى بطن الأرض،
    ثم اطلقت سيقانى وتكاثرت أوراقى وكبرت،
    وطلع اللوز وكبر، وكان أكثر ما أحببته
    فى الدنيا عندما رأيتها هو الشمس .
    ثم تفتح النوار وهاجمتنى الدودة..!
    ودافع عنى "أمين عبد القادر"، دفاع الأبطال،
    وهزم الدودة، وجاء أوان الجمع
    واشترك فى جمعى بنات وصبيان كثيرون،
    وفارقت القرية بعد أن سلمنى"أمين"
    للجمعية التعاونية وقبض ثمنى.
    صباى . .
    حجزونى فى شونة الجمعية مدة قصيرة،
    تعرفت خلالها على كثير من الأصدقاء
    كل منهم حكى لى حكايته مع صاحبه الفلاح..
    ثم أخذونا فى عربات كبيرة بعد الوزن إلى
    المحطة، وركبت القطار لأول مرة فى حياتى،
    وفرحت بهذا كثيرا.
    وصلت فى صباح اليوم التالى إلى "المحلج"..
    ضربونى هناك ضرباً قاسياً، وفصلوا منا البذور،
    جمعت أنفاسى من التعب،
    وركبت العربات مرة أخرى..
    ثم دخلنا إلى مكان مررنا فيه بعمليات كثيرة
    لا يفهمها إلا العمال الأذكياء
    والمهندسون أصدقاؤهم..
    وعرفت أننى خرجت من مصنع النسيج،
    عندما رأيت نفسى قماشًا زاهياً مختلف الألوان.
    شبابى . .
    وكانت فرحتى كبيرة عندما رأيت نفسى
    قميصاً جميلاً معروضاً فى أحلى "فترينة"
    بأحد المحلات المشهورة.
    وفى يوم جمعة جاء موظف محترم
    ومعه زوجته، ووقفا أمامى،
    وأشارت إلى زوجته فوافق الزوج،
    وأشار بدوره إلى أحد عمال المحل..
    وتناولتنى الأيدى.. ووجدتنى فى النهاية
    ملفوفاً فى ورقة فى يد الموظف المحترم
    الذى ركب تاكسيًا، ورقصت من الفرحة،
    فهذه أول مرة أرى فيها "التاكسى"،
    ومن شدة الفرح نسيت أن أودع أصدقائى..
    وعندما لبسنى "الأستاذ أحمد"،
    الموظف المحترم، صاحت زوجته قائلة:
    - يا سلام .. حلو جداً.. يستاهل حفلة..!
    وأقيمت لى حفلة كبيرة كنت فيها ضيف الشرف،
    وكان صاحبى مزهواً بى
    وبنفسه إلى درجة الغرور..
    وبدأت أتعلم منه ذلك،
    وكان صاحبى أيضاً لا يحب إلا أصدقاءه الذين
    يمكنه أن يستفيد منهم شيئاً، وتعلمت منه ذلك،
    وأهملت كل القمصان القديمة المسكينة المهملة،
    وصادقت القمصان الجديدة اللامعة فقط.

    كهولتى . .
    ومرت بى أيام كثيرة سعيدة، إلى أن جاء يوم
    بدأ فيه الأستاذ "أحمد" يهملنى ويخجل منى..
    وحاولت أن أرجع إلى صداقة القمصان القديمة،
    خصوصاً بعد أن جاء قميص جديد
    بدأ يعاملنى فى جفاء، وهكذا كبر بى العمر.. ,
    وأعطتنى زوجة الأستاذ "أحمد"
    لزوجة البواب التى لفت بى ابنها الصغير،
    ثم أصبحت تمسح بى الأرض،
    وعلمتنى زوجة البواب أشياء كثيرة
    لو كنت عرفتها فى شبابى،
    لكنت متواضعاً مثلما أنا الآن،
    ومعترفاً بقيمة الآخرين..!

    نشرت هذه القصة فى مجلة سميرفى الستينيات،
    رسم لوحاتها الفنان إيهاب شاكر
    وأعادوا نشرها فى العدد 2068

    بتاريخ 26 نوفمبر 1995

    تعليق


    • #17
      "جبل الشاي الأخضر"
      أدت إلى حدوث مشاكل بين يحيى الطاهر
      وبين أهله لأنه استخدم الأسماء الحقيقية
      وروى تفاصيل حقيقية عن العائلة
      ما كان يلزم عليه أن يذكرها.

      جبل الشاي الأخضر

      كان جدي يصب الشاي في الأكواب
      من ثلاثة أباريق صغيرة،
      وقد فرغ :
      تناول إبريقًا كبيرًا مملوءً بالماء الساخن
      وملأ الأباريق الثلاثة من جديد
      وأعادها إلى المجمرة،
      من جواره أمسك بالإبريق الأكبر
      من كل الأباريق والمسمى بالأوزة لطول عنقه
      وصب منه الماء البارد في الإبريق الكبير
      حتي الحافة وأعاده أيضًا إلى المجمرة.
      كنا صامتين فجدي لم يكن قد تكلم بعد ..
      كنت أرقب المجمرة: الأباريق الصغيرة الثلاثة
      كانت ترقد في الرماد الناعم ..
      والماء كان يتقلب داخلها تحت قسوة الوهج
      ويقلقل الغطاء الحارس ..
      والماء المحترق كان يهرب من تجويف العنق
      ويصفر وكانت أفواه الأباريق الثلاثة
      تبخر الدفء في جو الغرفة الشتوي ..
      وكان الإبريق الكبير يصفر صفيرًا عاليًا
      فهو يرقد في قلب المجمرة تتحلقه عيون الجمر
      الملتهبة وتتسلقه حتى المنتصف وتتوهج على
      سطحه النحاسي اللامع شديدة الاحمرار .
      كنت أعي أنه لابد يرقبني
      وقد مسح المكان بعينيه وحاصرني
      ولاحق بصري وأمسك بالشيء الذي
      سقطت عليه عيناي ليواجهني به
      ككل مرة أمام الجميع ..
      يصعد الدم وتنتفخ به عروقي وتكاد تنفجر ..
      ويلتهب وجهي ويظل ساخنًا يتشقق
      كما يحدث لإناء الفخار داخل الفرن الحار ..
      تكون الكلمات في فمي كخيوط الصوف المغزول
      مملوءة بالوبر الجاف وقد تشابكت
      وصنعت أعدادًا هائلة من العقد ..
      أعرف أنه الخجل أمام الجميع
      أحس أنني بغير ملابسي ..
      يصرخ باعتقاده القاطع بأنني أبول على نفسي
      أثناء نومي برغم أنني لم أعد طفلاً ..
      ينسب ذلك لحبي للنار المشتعلة ..
      وولعي بالجمر الأحمر المتوقد ..
      عيون الجميع تتحلقني .. تظل تتسلقني ..
      أحسها تكويني من الجنبين ..
      تتوالى الحروق وتأكل جسمي
      ويتوالى اللسع الحار .. وأنفجر باكيًا ..
      عيناي أغمضتهما بسرعة .. وفتحتهما نصف ..
      فتحتهما عليه : جالسًا بجواري وقد أسقط علي
      عينيه الغاضبتين، همهم لم يكن جدي قد تكلم بعد،
      رمقه بغضب.
      - كامل .. أخضر ولا أحمر؟
      رد أبي في عجل وكان متحرجًا ..
      - أيوه يابا .. أحمر
      كان جدي يوزع علينا صنوف الشاي ..
      طلبت لي شايًا أخضر ..
      ولما كانت عواطف أختي والتي تصغرني
      بتسعة شهور كاملة قد طلبت لنفسها من جدها
      شايًا أحمر .. وكنت مدركًا أن الأمر
      يحتاج من جانبي لقدر من السرعة
      في التصرف لينتهي تمامًا ..
      قلت محدثًا جدي في صوت واطئ وجعلته مرحًا:
      - مش إنت زمان يا جدي كنت صغير زينا ..
      وكنت بتشرب الشاي الأحمر لكن كبرت
      وعرفت إن الشاي الأحمر بيحرق الدم
      فشربت الشاي الأخضر؟
      كان جدي يبتسم .. كنت أنظر له
      وكنت أخشى أن أقرأ وجه أبي ..

      تعليق


      • #18
        قلت مخاطبًا جدي :
        طيب ليه عواطف الصغيرة تشرب الشاي الأحمر
        والله العظيم ثلاثة يا جدي دمها كله حيتحرق ..
        أصل دماغها ناشفة من نوع الحجر وعايزة الكسر
        كانت عواطف متذمرة ..
        وكان جدي يبتسم مازال ..
        أما أبي فقد فاجأني :
        - مفيش غيرك اللي دماغه ناشفة وعايزة الكسر ..
        نظرت إلى يده ممسكة بالكوب ممتلئًا
        حتى منتصفه بالشاي الأحمر
        أدركت أنني تعجلت، خاطبته :
        - أصلها مش بتسمع الكلام .
        قال أبي في أمر قاطع :
        - روح شوف البهايم في الحوش ..
        خلي نوال أختك تجيب اللبن بسرعة ...
        ونظر إلى عمتي "شرقاوية" وقال في أمرٍ أخف:
        - خدي البنت ونضفي شعرها في الشمس بره ..
        خليها تغسله بعد كده .
        كنت قد جريت حتى السقيفة وتخطيت السقف
        العاري النائم تحت الشمس الحرة من الغيوم
        – قبل أن تصل عمتي"شرقاوية" ممسكة
        أختي عواطف بيدها وكانت أختي عواطف
        متململة فأخرجت لها لساني
        وجريت باتجاه الحوش ..
        كنت أسمع عواطف تشتمني.
        - إن شاء الله ضربة دم يابو ..
        كانت تفهم أنني سأضربها فلم تكمل ..
        نظرت لها وأبديت الشر ... قلت :
        - طيب يا أم قملة ..
        كنت أسمعها تبكي مجرورة خلف عمتي
        وأنا أدفع باب الحوش :
        كانت نوال أختي والتي تكبرني
        بتسعة شهور كاملة راقدة فوق ظهر جاموستنا ..
        وكانت نائمة بصدرها
        وقد حضنت عنق الجاموسة بكلتا ذراعيها ..
        وكانت تمرجح ساقيها وتحك فخذيها
        ببطن الجاموسة الأسود السخين ..
        كنت أري أصابع قدمها التي تواجهني
        كخمسة مسامير دقت أسفل بطن الجاموسة.
        صرخت معلنًا عن وجودي فقفزت نوال
        على الأرض مفزوعة ودلقت
        ماجور اللبن المملوء ..
        وجريت أنا لأنقل الخبر لأبي وجدي .
        مررت بالسقف: كانت الشمس الحرة من الغيوم
        قد ألهبته بالسخونة .. وكانت عواطف
        وعمتي "شرقاوية" محتميتين بظل الجدار القصير
        وكانت عواطف راقدة فوق حجر عمتها ..
        وكان رأسها نائمًا بين الفخذين ..
        وكانت عمتي تقلب شعر عواطف
        وتدهنه بالجاز الأبيض
        من كوز صفيح يجاورهما ..
        في الغرفة كان جدي يصب لنفسه
        كوبًا من الشاي الأخضر ..
        وكانت أمي موجودة ترضع رمضان
        أخي الصغير جدًا ..
        قلت لأبي إن نوال دلقت اللبن
        وإنني وجدتها فوق ظهر الجاموسة
        وإنها كانت تحرك ساقيها ..
        وقلت إن أصابع قدميها العشرة كانت
        كعشرة مسامير من الحديد دقت
        أسفل بطن الجاموسة ..
        اصفر وجه أمي وسحبت ثديها من
        فم الولد رمضان فبكى ..
        وأرقدت هي ثديها تحت ثوبها الأسود
        "الباتستا" أما أبي فقد قام منتصبًا
        كالقصبة المشدودة المسنونة الرأس،
        وكان جدي يدوس شفته السفلى تحت أسنانه،
        أما أمي فقد خرجت من الغرفة
        ولاحظت أنها راغبة في البكاء ..

        تعليق


        • #19
          وفي لحظة كان أبي قد عاد وصرخ بأنها
          غير موجودة .. وزعق طالبًا أمي ..
          وصرخ فيها طالبًا منها أن تحضر نوال
          من تحت باطن الأرض ..
          وفي غمضة العين كانت أمي قد أحضرت نوال
          وهي تجرها ونوال تصرخ
          بصوتها العالي الباكي لأمها وأبي بأنني كذاب ..
          صرخت فيها بدوري :
          أنا مش كذاب .. إنت اللي كذابة .
          سقط كف أبي علي صدغي بقسوة أوقعتني
          وصنعت خيطًا من الدم كان دافئًا ..
          كنت ملقى على أرض الغرفة
          التربة المرشوشة بالماء ..
          وكان أبي يسحب نوال من ضفيرتيها
          ويجرجرها على الأرض ..
          كانت عمتي "شرقاوية" قد جاءت
          وكانت أختي عواطف منكمشة
          وملتصقة وممسكة بثوب عمتها ..
          وكان جدي ممسكًا بسيخ ينتهي بخلقة
          وخطاف يقلب به الجمر ..
          كان يأمر أبي في غيظ :
          - اضرب .. اضرب يا كامل
          كنت أشعر بطعم الطين في فمي
          وجانب وجهي نائم على السطح الترابي
          الذي لم يعد جافًا .. وكان الدم يسيل
          من جانب فمي ولا يتوقف ..
          وكان ساخنًا مازال ..
          وكانت نوال أختي معلقة من عراقيبها
          بحبل مشدود إلى وتد ثبت بجدار الغرفة
          وكان أبي يصعد ويهبط بكل جسمه كثورٍ
          مذبوح .. كان يرفع يده ويهوي
          بعصاة لينة رفيعة ويضرب الجسم العاري ..
          والدم كان يشخب من الجسد العاري
          ويغطي وجهي ولا يجعلني أرى ..
          كانت أمي تصرخ .. وكان صوتها باكيًا ..
          وكان أخي رمضان علي صدرها لاشك يبكي ..
          وكانت تخاطب أبي :
          جوِّزها يا كامل .. كفاية يا كامل وتتجوز .
          كنت مغمض العينين وكنت أبكي ..
          وكنت مازلت على الأرض نائمًا
          ولم أعد منتبهًا للدم يطفر حارًا من جانب فمي ..
          ولم أع بعد لماذا طلبت أمي من أبي
          أن يكف عن ضرب نوال وأن يزوجها..
          لكني كنت أتمنى لو يتم ذلك ..
          أن تتزوج نوال وأن يكف أبي عن ضربها
          وأن تخرج من هذا البيت .
          كانت أمي قد لامتني وأرقدتني على الفراش
          الأرضي وغطتني بالحرام الصوف ..
          ولكني كنت أرتعش .. كانت تقدم لي الكوب ..
          وكنت قد طلبت أن أشرب .
          زعق أبي :
          - إيه ده ؟...
          قالت أمي :
          - ميه ورماد ..
          صرخ أبي ...
          - ارميه يا بهيمه .. ادي الولد ميه بسكر ..
          واعصري كمان لمونتين ...
          قالت أمي :
          - مفيش لمون عندنا .
          قال أبي :
          - أطلع أنا أجيب لمون ..
          وإنت دوبي السكر في المية .
          كنت أدرك أنني سأنام وكنت عطشًا ..
          وكنت أدرك أن أحلامًا كثيرة ستأتي ..
          وكانت كل الأصوات قد غابت ..
          وربما كانت نوال تئن بصوت واطئ ..
          واطئ ولا يمكنني أن أسمعه ..
          ولا يمكنني أن أسمع خطو قدميه
          الحافيتين تنغرسان في الرمل الساخن الجاف
          – وقد هبط من فوق ظهر ناقته "عاتكة"
          وبلغ الجبل وصعده .. يجمع من حوافيه أعشاب
          الشاي الأخضر .. الخضراء ..
          ويأتي معه أيضًا بحبات الليمون الخضراء

          تعليق


          • #20
            واحدة من أجمل نصوصه
            بل بالفعل واحده من أجمل القصص العربيه
            وهو ضمن المجموعة القصصية

            حكايات للأمير حتى ينام

            قصة الصعيدي الذي هده التعب
            فنام تحت حائط الجامع القديم
            صحا على صرخة، ووجدها فوق رأسه تبكي،
            تلبس الأسود، تحمل بين يديها طفلاً ميتاً.
            قالت: يا فلان يا بن فلانة هل ضاقت بك الدنيا
            الواسعة فلم تجد غير هذا المكان
            تزاحمنا فيه أنا وأولادي..
            لقد قتلت ابني يا قليل النظر..
            وحتى يخفّ حزني على ولدي عليك
            أن تفارق بيوتها قبل أن يدركك صبح.
            لتّ الصعيدي في الكلام وعجن
            قال: أتيت إلى المكان ولم يكن بالمكان غيري.
            فصرخت فيه : لو لم أكن جنية مؤمنة،
            بنت جنية مؤمنة، بنت جني مؤمن،
            لركبت كتفيك عامين قمريين
            كما تُركب الدواب يا دابة.
            ضرط الصعيدي ضرطتين،
            ولمّ ذيل ثوبه وأطبق عليه بأسنانه
            وانطلق يسابق الريح وهو لا يصدق أنه
            أفلت من شر جنية تسكن الخفاء،
            ولا يراها ابن آدم إلا حين تريد هي
            لابن آدم أن يراها..
            بعد وقتٍ صدّق أنه نجا
            وسأل نفسه: كيف أبارح أم القرى
            التي تلمّ عظام جدودي ؟..
            سأذهب إلى حامل البخاري،
            حافظ كتاب الله المُهاب من الجن
            وأشتكي الجنية..
            وقال :
            وجدته قاعداً تحت العنبة وأمامه الحطب مشتعل،
            جعلت المسافة بيني وبينه قصبة ونصف قصبة
            وقلت السلام عليكم، ولما لم أسمع رده
            تقدمت وجعلت المسافة بيني وبينه قصبة
            وقلت السلام عليكم، ولما لم أسمع رده
            تقدمت وجعلت المسافة بيني وبينه نصف قصبة
            ورددت السلام فلم يرد
            بينما النار التي أشّعها لا تزال مشتعلة،
            قلت ــ وقد فهمت: انتهى كل شيء إذن..
            جاء الطوّاف قبلي وقضى الأمر،
            وحفنتُ من تراب الأرض بالكفين
            وكشحته على النار فخمدت، وقعدت أبكي.
            ( كانت اليد الكبيرة يا أميري
            قد رسمت له الطريق
            ــ خطين حديديين تجري فوقهما القطارات..
            وأعمدة خشب تشد أسلاك التلغراف )
            ولما وجد الصعيدي الطريقَ مرسومة
            أمامه مشي فيها، ظل يمشي
            وبلاد الله تترى حتى بلغ أم المدن،
            فدخلها حافياً متورم القدمين
            في اليوم الخامس من ذي الحجة
            وكان العام عام الذئب والدببة،
            وفي بحرٍ من الحديد والنار
            رأى الإنسان يحجل ويطلب الصدقة
            ورآه على البسكليت ورآه يدب
            ورآه بالأتوبيس وبالتروللي وبالتروماي
            ورآه يطير ورآه يسوق العربة،
            وقف يتفرج ويتعجب ونسي زمانه

            تعليق


            • #21
              حتى جاء الرجل وسأله عن شخصيته.
              قال : فلان أبا فلان.
              قال الرجل: أنا أسأل عن بطاقتك ؟
              قال: معي بطاقة.
              قال الرجل: هات، وأخذ الرجل البطاقةــ
              وقال: أنت المرسوم أمامي...
              يبقى الكلام المكتوب وتلك معضلة فأنا لا أقرأ،
              قال الصعيدي لنفسه: ما دام لا يقرأ..
              وما دام الكلام المكتوب كله عني أنا..
              وأنا الذي قلت هذا الكلام لكاتب البطاقات
              فكتب كاتب البطاقات بطاقتي..
              إذن تلك فرصتي للتباهي،
              وقال للرجل: أنا أقرأ،
              ومضى ينظر في البطاقة
              ويتذكر كل ما قاله لكاتب البطاقة
              ويقوله للرجل. باغته الرجل ولطمه على فمه
              ليسكت فسكت، وظل الرجل يضربه
              بالكف على القفا وهو ساكت،
              ولم يكف الرجل عن ضربه
              حتى وقع الصعيدي في أول يومٍ له
              بأم المدن على الأرض مغشياً عليه،
              أفاق فوجد حواليه ناساً يجهلهم
              ويجهل قدر الشر
              وقدر الخير في نفوسهم
              ( الشر مطوي داخل كل نفس
              ولا يعلم مراحل النفوس يا أميري إلا الله )
              كان عليه أن يتكلم معهم ليعرف مقاصدهم فتكلم،
              وكان عليهم أن يردوا على كلامه فردوا،
              وفهم الصعيدي أن الناس حوله
              ( متفرج ومشفق ومصلح وناصح )...

              تعليق


              • #22
                قالوا: لا عليك..الرجل شرطة،
                وقالوا: أنت هنا ولست هناك، ونصحوه أن
                يغير محل إقامته وقالوا: بسيطة..
                شُجّ حاجبك الأيسر، وقالوا ما دمت من
                صعيد مصر فقل لنا إلى أي طائفة
                من الصعايدة تريد أن تذهب ؟
                وعدّدوا له قومه (باعة خضار وبوابون
                وعمال بناء وباعة جوّالون)..
                قال لهم: لا مال معي أشتري به الشيء لأبيعه،
                وقال لا أملك غير بدني..
                قالوا: اذهب إلى عمال البناء،
                ووصفوا له الطريق. ذهب إلى عمال البناء
                وكان النهار قد انقضى فوجدهم قد أشعلوا النار
                وتحلّقوها. ردّ السلام
                وقال: أنا ابن فلان. قالوا: أهلاهً أنت منّا.
                وحكى حكايته. قالوا له: ما حدث لك يا فلان
                حدث لعبد الحليم أفندي. تحسس جرح وأنّ،
                قال: ليت أمي ما تزوجت أبي
                وكان قاعداً فرقد. أقاموه،
                وسقوه العدس الساخن ودعكوا قدميه بالماء
                الساخن والملح، ولاموه، لأنه أتى بمفرده،
                وقالوا له: الأرض مرسومة يا فلان..
                ونحن لا نمشي هنا فرادى.
                وإذا مشينا فنحن قوم نعرف الحد
                ولا نتجاوز الحدود، واعتذروا عن
                ضيق ذات اليد، وقالوا: اليوم يوافق
                قبل نهاية الأسبوع بيوم،
                وها نحن لا نملك المال لنشتري البن لجرحك،
                وقام واحد منهم ودفس الرماد في جرحه،
                ووعدوه بشراء البن لما يقبضوا راتب الأسبوع.
                وقالوا له: لما ينتهي نهار الغد ينتهي الأسبوع.
                ولما انتهى الأسبوع اشترى الصعايدة
                البن ودفسوه في جرح الصعيدي،
                واشتروا "منديل محلاوي" وربطوا به الجرح.
                وتتالت الأسابيع وجاء الشهر
                وشُفي الصعيدي من جرحه وأورام قدميه
                وطابت له الحياة مع أهله الصعايدة
                إلا أنه في الليالي المقمرة كان يتجنبهم
                وينام مبكراً قبل أن تطلع القَمَرة.
                وظل يتنقّل معهم من مكان لمكان،
                ويبني معهم العمارات من الطوب والحديد
                والرمل والإسمنت ويغني مواويل حمراء
                ومربعات زرقاء واللوبالي الأخضر،
                لكنه لم يسمع صوت سواقي أم القرى.
                ومن زملاء العمل اختار له معارف من
                أبناء المدن الحِرفيين سكان الحارات
                (الحدّادون..النجارون..
                عمال رصف البلاط.. النقّاشون)
                ويزورهم في بيوتهم، ويشرب معهم
                ومع نسوتهم الشاي ويأكل مع أطفالهم البطاطا.
                دعوه مرة إلى حفل ختان أحياه
                مطرب بأرغول وراقصة لحمها أبيض
                تدق الصاجات فيقوم ناس ويقعد ناس.
                قام مع القائمين وقعد مع القاعدين
                وكان قد شرب الحشيش مع من شربوا الحشيش،
                وتذكر أم القرى البعيدة فترحم على روح جدوده
                وهاجت شجونه وتقدم من الميكروفون
                وأمسك بشلن ورق
                وأمر المطرب بالغناء لأم القرى،

                تعليق


                • #23
                  وتكلم في الميكروفون فلعلع صوته:
                  السلام على الصعايدة الرجال يبنون العمارات
                  ويعمّرون أم المدن.
                  قام واحد من الحرفيين أهل الحيّ
                  ودفع للمغني والراقصة ربع جنيه
                  وتكلم في الميكروفون وقال: السلام على
                  أرباب الحرفة الرجال من أبناء أم المدن
                  فهم الذين يعمّرون أم المدن.
                  وعلى كلام الحرفي قعدت الراقصة
                  تعجن لحمها الأبيض وغنى المغني أغنية.
                  وكادت تنشب مشادّة بين الحِرفي والصعيدي،
                  لولا الصعيدي العاقل الذي قام
                  ودفع للراقصة والمغني نصف جنيه
                  وقال في الميكروفون: السلام على الجميع..
                  السلام على كل الحاضرين من صعايدة
                  وأهل حرفة.. السلام على الرجال
                  يبنون العمارات ويعمّرون أم المدن.
                  وقام حرفي خفيف الدم وحيّى الصعيدي العاقل
                  ودفع نصف جنيه للراقصة والمغني،
                  وقال في الميكروفون: الصعايدة
                  ونحن نبني العمارات ونعمر أم المدن
                  ولا نسكن في العمارات..
                  السلام على سكان العمارات.
                  فضحك الكل، وهكذا انتهت الليلة بخير..
                  ومن تلك الليلة وصاحبنا الصعيدي
                  يكلم نفسه: نحن الصعايدة نبني العمارات..
                  ونحن وأهل الحرفة لا نسكن العمارات،
                  لكننا نحن الصعايدة نترك الصعيدي منا
                  – وهو أكبرنا سناً- على باب كل عمارة نبنيها،
                  وسأل نفسه: متى يأتي دوري لأستريح
                  وأقعد على دكة..
                  ظل صاحبنا يضرب في المُقبل بعدما
                  طرح ونسي الحاضر،
                  قال: الطيب محمد وقع من فوق إلى تحت
                  فقُصفت رقبته وفقد دوره..
                  ومحمود الساكت فقد دوره
                  لما قبض عزرائيل روحه وهو نائم..
                  كذا عبد الباري حين أراد أن يتمخّط
                  وهو قاعدٌ بيننا فتمخط روحه..
                  يأتي دوري لأصير بواباً
                  قبل عبد الحارس وعبد الملك،
                  وبعد حجاج ومحمود الظني وعبد الحاكم.
                  وفي نهارٍ مشمس،
                  وكان يطلع الدعامات الخشبية
                  المربوطة بالحبال وعلى كتفيه حمولة
                  الرمل والإسمنت ــ طرح صاحبنا وضرب
                  ونسي الحاضر، قال : لما ننتهي من بناء
                  هذه العمارة سيقعد على بابها عبد الحاكم،
                  ونمضي لنبني العمارة التي سأقعد على بابها أنا
                  فوق دكة من الخشب.

                  في هذا النهار يا أميري
                  ضيع الصعيدي عمره
                  كما ضيعت بائعة اللبن الحمقاء اللبن.

                  تعليق


                  • #24
                    مجموعة نادرة
                    من صور الأديب
                    يحيى الطاهر عبد الله
                    مع الأصدقاء فى حديقة الحيوان
                    و تظهر فى الصور ابنته أسماء




                    يحيى الطاهر وابنته والشعراء بهاء جاهين ومحمد كشيك



                    يحيى الطاهر وابنته أسماء
                    والأصدقاء عمر الصاوى، محمد كشيك وحسين حمودة




                    يحيى الطاهر مع الأصدقاء محمد كشيك
                    وحسين حمودة ومحمد الحلو




                    يحيى الطاهر وزوجته مديحة تليمة وابنته أسماء
                    والشعراء محمد كشيك وعمر الصاوى ومحمد الحلو
                    وبهاء جاهين والدكتور حسين حمودة


                    تعليق


                    • #25


                      مع ابنته أسماء



                      يحيى الطاهر و ابنته أسماء والشاعر عمر الصاوى



                      يحيى الطاهر
                      والشاعر عمر الصاوى والدكتور صلاح الراوى




                      يحيى الطاهر والمهندس علاء سويف



                      يحيى الطاهر
                      فى مناقشة رسالة الماجستير
                      للأستاذة والأديبة رضوى عاشور
                      فى حضور الشاعر مريد البرغوثى
                      والأستاذ الدكتور عبد المنعم تليمة

                      تعليق


                      • #26
                        يحيى الطاهر عبد الله
                        الذي
                        تتضبب صورته وملامحه ككائن ومواطن،
                        يحضر أكثر ككاتب،
                        ظهر من العدم، برق بضوء لامع،
                        ثم خفت راحلًا في هدوء،
                        لتبق منه ومضات سريعة
                        خلدت شاعر القصة القصيرة
                        وفيلسوفها في وجدان الثقافة العربية
                        بعد رحلة قصيرة في الحياة.
                        مات يحيى لكن أدبه لايزال يحيا
                        بل ويزداد رفعة وسطوعا وتألقا
                        بمرور الأيام والأعوام.
                        نعم كان يحيى متميزاً إلى حد التفرد
                        فى قدرته على الاتحاد الحميم بأهل قريته ،
                        والتوغل ببصيرة ثاقبة فى نفوسهم
                        بدءا من أرق أوتار الحب ، والحزن ، والشجن ،
                        وحتى أدق الهواجس المضمرة ،
                        والرغبات المكتومة ، والشهوات المكبوحة ،
                        وكان قادراً على تطوير الشكل الفني للقصة
                        أو الرواية بحيث ترقى إلى مستوى
                        تجسيد عالمه الفني ،
                        وبحيث يتناسب الشكل مع خصوصية البيئة
                        والإنسان ، والتاريخ ، والموروث ، الثقافي ..
                        لكنه فى محاولات التطوير كان يضيف
                        بجهده الخلاق مساحة جديدة لنفس الأرض
                        ولعل طموح يحيى الذى
                        سخر من أجله كل طاقاته الروحية ،
                        ومواهبه وذكاء بصيرته ودقة حسه المرهف
                        هو أن يتمكن بفنه من ترقية الحس بالانتماء
                        عند القارئ العربي حتى يبلغ مستوى الولاء
                        العميق للقاعدة العريضة من جماهير البسطاء
                        هل هذا لأنه كان أعمق من أن يكون
                        مصدقا لكل ما يري وما يسمع،
                        حتى لو كان ما يسمعه هو صوته
                        بوصفه مواطنا مجروحا من الفقر المادي
                        والروحي، وانعدام المنطق، وسطوة التفاهة،
                        أم لأن علينا أن نصدق الكتابة لا الكاتب.
                        لم يكن أثمن ما في يحيى هواجس المواطن،
                        ولا أحلامه في العرس الجماعي،
                        ولا تجريبه القصصي، وإنجازاته في
                        البحث عن شكل،
                        أثمن ما في يحيى الطاهر عبدالله،
                        هو كيمياء كتابته.
                        كتب يحيى كتابه وانغلق القوس،
                        قوس الحياة، وقوس الكتابة.

                        طيب الله أوقاتكم
                        تحياتي

                        تعليق


                        • #27
                          يرحل الكاتب ويبقى فنه
                          تاريخا وحديثا يطول
                          بين محبي الفن الراقي
                          يحيى الطاهر
                          نجم افل سريعا
                          كعادة نجوم الفن الجميل
                          رحل تاركا نجماته تُضيء
                          لترصدها عيون الجميلة
                          مُحبة الفن والادب
                          اماني الغالية
                          فتهدينا البعض منها
                          يتلألأ ونسعد بضيه
                          تسلمي حبيبة قلبي
                          انتظرت ميلاد الوليد حتى آن آوانه
                          في انتظار ميلاد جديد
                          دمتِ بكل خير

                          تعليق


                          • #28
                            ماذا لو لم نفقده مبكرا؟
                            ماذا لو عاش فترة أطول؟
                            اكان أخذ القصة القصيرة إلي
                            عوالم أخري لا نملك الان
                            الا ان نتخيلها فحسب !!
                            نورتي موضوعي
                            هالة حبيبتي

                            تعليق


                            • #29
                              موضوعى جميل ودسم
                              ملئ باعذب الكلمات
                              ومنه تعرفنا على هذا الفنان الاكثر من رائع
                              معكى ندخل موضوع
                              نخرج منه بجرعه ثقافية جميلة
                              امانى الحبيبة
                              تسلم ايدك ومجهودك
                              لاخراج الموضوع بهذا الجمال
                              شكرا لكِ

                              تعليق


                              • #30
                                حبيبتي الغالية
                                نااانو
                                لا أظن ان الحديث عن أديب مثله
                                من الممكن أن ينتهي
                                أو أن هذا الموضوع
                                من الممكن أن يوفيه حقه
                                كاتب عاش قصصه و أصبح جزء منها
                                و أصبحت هي جزء من واقعه .
                                شكرا لمرورك الجميل
                                ان شاء الله
                                موضوعات أخري قيد الاعداد

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                                المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                                المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                                يعمل...
                                X