الغالي احمد البحراني مع اطيب تحية

ما عادت بابل مسقط راس الفنان, بكتبها المقدسة واساطيرها سجادته لصلاة منفاه, لقد انكسر عشقه عندما قرر الرحيل خارج الاسطورة, كسر ضلع كلكامش ليواصل نشيده في ارض واسعة, صحراء لا يعرف دروبها غير
المنفي عن ارضه, هربا من زنزانة وطن يتمزق, حمل بابله خارج قبو مظلم الى حيث تكون الارض خارج الجرح , لم يستدرجه بكاء عشتار لموت تموز, بل حمل غناء مدينته الموجع وحرمان محبيها الى ارض بيضاء
تدل عليه.
سنوات وهو يتنقل بين مدينة واخرى, يتذكر العراق في نشيده الملحمي, ليس هناك ما هو اجمل من صحرائه ولا من ثمراته المحرومة وأحلام روحه المتعبة. لقد تركت بابل بصمتها وجعلته يرتجل عشقه نظيفا من الماضي.
تشكل تجربة احمد البحراني ( 1965) في السنوات الاخيرة اتجاها جديدا يأخذ بالنحت العراقي الى مسارات هي الاكثر تجريدية مما نشاهده عند جميع اقرانه ولعل في مغادرته العراق مع بداية التسعينات وترحاله بين اوربا والعالم العربي عاملا اساسيا في تخلصه من تأثيرات نهج التجربة العراقية وبشكل خاص اسماعيل فتاح.
يحتوي قاموس البحراني على تأكيد لابجدية الشكل الهندسي من حيث تكرارات اشكاله المعروفة كالمربع والدائرة, وهو غالبا ما يعمل على تقطيع اوصالها لكي تتلاقى حدودها حينا اوتتباعد حينا آخر¸وما بين هذه الاشكال تظهر امتدادات لعوالم ذات ذات لمحة مبهمة وخاطفة بالحرف العربي ومساراته الجمالية¸انه لا يشير الى حرف ما بل يخلق ثنائية بصرية ذات طبقات تتشعب تأويلاتها الى شكل حروفي ما.
تفرض الصفائح المعدنية مادة النحت الاساسية لديه نمطا عيانيا غالبا ما يحاول اخضاعها بعناد ملحوض ٍ الى حساباته القصدية في خلق تلك التأويلات الجمالية التي تتنوع كثيمة توصل للمشاهد حركة تحمل في ثناياها بصمات جمالية ورمزية تفسر
دون مرجعية لما يحيط بنا من اشكال طبيعية.
هذه المهمة الجمالية الصعبة تضع البحراني
امام مهمة ليست بالسهلة, فهو يحاور ما هو غير عيناني او ملموس كما هو في
التجربة التشخيصية ومع ذلك يفترض في اشكاله قدر من التواصل مع الاخر, تواصل
يتبدل بفعل مسيرة الضوء وانعكاساته على المادة المستعملة في رصد يعطي للمكان الذي
تعرض فيه اعماله اهمية خاصة.
ضياء العزاوي

مواليد- العراق – بابل 1965
تخرج من معهد الفنون الجميلة- بغداد – 1988
عمل محاضرا لمادة النحت في معهد الفنون الجميلة – بغداد 1992-1994
المعارض الشخصية
2004- كرين ارت- دبي
- قاعة بيسان – برعاية المركز الثقافي الفرنسي –قطر
- قاعة البدع- المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث- قطر
– حدائق الفردان برعاية مجموعة الفردان- قطر
- منزل السفير الفرنسي – قطر
1999 – المركز الثقافي الفرنسي – صنعاء
1998 – قاعة العفيف- صنعاء
معارض جماعيه متعددة داخل العراق وخارجه
نفذ عدد من ألأعمال في مواقع عامه
له مقتنيات في عدة متاحف ومقتنيات شخصية في عدد من دول العالم





أحمد البحراني
للحديد قدرة على الإحساس والحركة
مي مظفّر
منذ بضعة أعوام بدأت أعمال أحمد البحراني
تشق طريقها في حضور لافت من خلال منحوتات تجريدية ذات طابع خاص، لتحتل مكانة مميزة بين أعمال أسلافه من النحاتين العراقيين، ولتبعث روحا وهّاجة في بحر هذا الجانب من النشاط الفني الذي شابه الركود. فمن شأن هذه الأعمال التجريدية أن تحمل مسيرة النحت في العراق إلى أبعاد جديدة بعد أن استطاعت أن تفلت من مؤثرات الأسلاف من النحاتين العراقيين المعاصرين، وأن تبتعد عن مدار التكوينات القائمة على أشكال الكائنات الحية. لقد توصل البحراني إلى إبداع تكوينات مجردة قائمة، كما يبدو، على تصور ذهني وتتسم بالوضوح والبساطة. فالمدهش في أعمال أحمد البحراني النحيتة، سواء أكانت ثلاثية الأبعاد أم ذات بعدين، أنها تتحدى الفضاء بقدر ما تتحدى المادة، وتخترق وجدان المشاهد بهالة من جمال هادئ ينبثق من أشكالها المختزلة.
داخل قاعة العرض تتوزع أعمال البحراني، بعضها قائم على الأرض والبعض الآخر معلق على الجدران، في نسق يتداخل مع المكان ليصبح هذا الأخير جزءا مكملا لكائناته الحديدية الصلبة، بل كأن المكان وجد ليحتويها.
تبدو أشكاله وكأنها لا تنتمي إلا لمرجعيتها الهندسية أو شبه الهندسية، مع أنها مفعمة بدلالات لا تكشف عن نفسها إلا لدى التمعن بها واستقرائها. كما أن أسلوبها ينم عن قدرة في الأداء تتحكم بها معرفة مستمدة من أصول هذا الفن العريق، ومن أسس الصنعة التي تتلمذ عليها البحراني يوم كان طالبا في معهد الفنون الجميلة في بغداد.
اعتمد البحراني على مخيلة غنية بمشاهد وأحداث راكمتها سنوات الطفولة والنشأة الأولى على ضفاف الفرات في مسقط رأسه. وهو إذ يعي ما وصل إليه النحت العالمي من مفاهيم وتقنيات حديثة حررت النحت من موروثه التقليدي، فإنه ينطلق بصياغة أفكاره مطوعا مادة الحديد، كتلة كانت أم صفائح مرققة، لتستجيب لأفكار وصور محفورة في ذاكرته التي راح يستعيدها في مكان آخر بعيد، ويعيد صياغتها بلغة فنية معاصرة.
ومع أنها أعمال توظف تقنيات النحت الحداثي الغربي ونظرياته، فهي تستمد من شخصية الفنان جوهرها وخصوصيتها. إنها أشكال لا تتنكر لقوالبها الهندسية الصارمة، كما لا تتنكر لمرجعيتها المستمدة من عناصر الطبيعة المرنة. فإذا كانت الدائرة والمستطيل والمربع أطرا عامة، فإن الأرض والفضاء والبحر مصادر أساسية لمضامين هذه التكوينات. ثمة شرائط معدنية متموجة تتشكل في حزَم تحتضن الأرض في الوقت الذي تمتد فيه باتجاهات عمودية لتشق الفضاء كما لو كانت شرائط من نور يتدفق، أو موجات مائية تتردد في بحرها الافتراضي. وذلك ما يجعلها أعمالا قادرة على التكيف مع المكان، بل قادرة على أن تكون جزءا من الطبيعة أو عنصرا مكملا لها. كما أن التداخل في الكتل المكعبة، والدوائر المسطحة أو الأخرى المفرغة يبعث فيها حركة ما، ويوحي بالمرونة. وذلك ما يجعل هذه الأعمال المجردة الخالية من استعارات اللون ومؤثراته أشكالا قادرة على مخاطبة العين والوجدان معا. أما الأعمال المعلّقة على الجدران فهي لدى الفنان سطوح يدوّن فوقها أشكالا ورموزا على شكل وحدات منسقة تعتمد التكرار والتشابه، ذات مرجعيات شعبية أو دينية موروثة تحمل الأثر الإنساني. ومن خلال معاملة السطح مع الحفاظ على طبيعة المادة، تتداخل تقنية الظل والضوء في الجداريات لتوجد جماليات تعبيرية شديدة التأثير. ولعل البحراني أراد أن يرسم وينحت ويكتب في آن واحد، مستعيرا رموزه من البيئة التي نشأ فيها، ومن طمي الفرات مفرداته التي كان يطلق عليها الأسماء والصفات يوم كان طفلا ليس لديه من وسائل اللهو غير جرف النهر يستجيب لمخيلته الخلاقة.
من اللعب بالطين إلى اللعب بالحديد تمضي المسيرة الفنية لأحمد البحراني نحو مستقبل يبشر بعطاء غني. فمن شأن هذا التوازن ما بين توظيف الوسائل والتقنيات العالمية للتعبير عن مضامين ضاربة في جذور المكان، استطاع الفنان أن يشكل اختراقا لا شك فيه لأعمال النحاتين العراقيين على امتداد تاريخهم الحديث، وأن يصنع تفرده الذي مع أنه ما زال في بداياته فإنه إنجاز ضخم قادر على فرض نفسه على حاضر الفن العربي ومستقبله.
عمّان: شباط 2006م

ما عادت بابل مسقط راس الفنان, بكتبها المقدسة واساطيرها سجادته لصلاة منفاه, لقد انكسر عشقه عندما قرر الرحيل خارج الاسطورة, كسر ضلع كلكامش ليواصل نشيده في ارض واسعة, صحراء لا يعرف دروبها غير
المنفي عن ارضه, هربا من زنزانة وطن يتمزق, حمل بابله خارج قبو مظلم الى حيث تكون الارض خارج الجرح , لم يستدرجه بكاء عشتار لموت تموز, بل حمل غناء مدينته الموجع وحرمان محبيها الى ارض بيضاء
تدل عليه.
سنوات وهو يتنقل بين مدينة واخرى, يتذكر العراق في نشيده الملحمي, ليس هناك ما هو اجمل من صحرائه ولا من ثمراته المحرومة وأحلام روحه المتعبة. لقد تركت بابل بصمتها وجعلته يرتجل عشقه نظيفا من الماضي.
تشكل تجربة احمد البحراني ( 1965) في السنوات الاخيرة اتجاها جديدا يأخذ بالنحت العراقي الى مسارات هي الاكثر تجريدية مما نشاهده عند جميع اقرانه ولعل في مغادرته العراق مع بداية التسعينات وترحاله بين اوربا والعالم العربي عاملا اساسيا في تخلصه من تأثيرات نهج التجربة العراقية وبشكل خاص اسماعيل فتاح.
يحتوي قاموس البحراني على تأكيد لابجدية الشكل الهندسي من حيث تكرارات اشكاله المعروفة كالمربع والدائرة, وهو غالبا ما يعمل على تقطيع اوصالها لكي تتلاقى حدودها حينا اوتتباعد حينا آخر¸وما بين هذه الاشكال تظهر امتدادات لعوالم ذات ذات لمحة مبهمة وخاطفة بالحرف العربي ومساراته الجمالية¸انه لا يشير الى حرف ما بل يخلق ثنائية بصرية ذات طبقات تتشعب تأويلاتها الى شكل حروفي ما.
تفرض الصفائح المعدنية مادة النحت الاساسية لديه نمطا عيانيا غالبا ما يحاول اخضاعها بعناد ملحوض ٍ الى حساباته القصدية في خلق تلك التأويلات الجمالية التي تتنوع كثيمة توصل للمشاهد حركة تحمل في ثناياها بصمات جمالية ورمزية تفسر
دون مرجعية لما يحيط بنا من اشكال طبيعية.
هذه المهمة الجمالية الصعبة تضع البحراني
امام مهمة ليست بالسهلة, فهو يحاور ما هو غير عيناني او ملموس كما هو في
التجربة التشخيصية ومع ذلك يفترض في اشكاله قدر من التواصل مع الاخر, تواصل
يتبدل بفعل مسيرة الضوء وانعكاساته على المادة المستعملة في رصد يعطي للمكان الذي
تعرض فيه اعماله اهمية خاصة.
ضياء العزاوي

مواليد- العراق – بابل 1965
تخرج من معهد الفنون الجميلة- بغداد – 1988
عمل محاضرا لمادة النحت في معهد الفنون الجميلة – بغداد 1992-1994
المعارض الشخصية
2004- كرين ارت- دبي
- قاعة بيسان – برعاية المركز الثقافي الفرنسي –قطر
- قاعة البدع- المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث- قطر
– حدائق الفردان برعاية مجموعة الفردان- قطر
- منزل السفير الفرنسي – قطر
1999 – المركز الثقافي الفرنسي – صنعاء
1998 – قاعة العفيف- صنعاء
معارض جماعيه متعددة داخل العراق وخارجه
نفذ عدد من ألأعمال في مواقع عامه
له مقتنيات في عدة متاحف ومقتنيات شخصية في عدد من دول العالم





أحمد البحراني
للحديد قدرة على الإحساس والحركة
مي مظفّر
منذ بضعة أعوام بدأت أعمال أحمد البحراني
تشق طريقها في حضور لافت من خلال منحوتات تجريدية ذات طابع خاص، لتحتل مكانة مميزة بين أعمال أسلافه من النحاتين العراقيين، ولتبعث روحا وهّاجة في بحر هذا الجانب من النشاط الفني الذي شابه الركود. فمن شأن هذه الأعمال التجريدية أن تحمل مسيرة النحت في العراق إلى أبعاد جديدة بعد أن استطاعت أن تفلت من مؤثرات الأسلاف من النحاتين العراقيين المعاصرين، وأن تبتعد عن مدار التكوينات القائمة على أشكال الكائنات الحية. لقد توصل البحراني إلى إبداع تكوينات مجردة قائمة، كما يبدو، على تصور ذهني وتتسم بالوضوح والبساطة. فالمدهش في أعمال أحمد البحراني النحيتة، سواء أكانت ثلاثية الأبعاد أم ذات بعدين، أنها تتحدى الفضاء بقدر ما تتحدى المادة، وتخترق وجدان المشاهد بهالة من جمال هادئ ينبثق من أشكالها المختزلة.
داخل قاعة العرض تتوزع أعمال البحراني، بعضها قائم على الأرض والبعض الآخر معلق على الجدران، في نسق يتداخل مع المكان ليصبح هذا الأخير جزءا مكملا لكائناته الحديدية الصلبة، بل كأن المكان وجد ليحتويها.
تبدو أشكاله وكأنها لا تنتمي إلا لمرجعيتها الهندسية أو شبه الهندسية، مع أنها مفعمة بدلالات لا تكشف عن نفسها إلا لدى التمعن بها واستقرائها. كما أن أسلوبها ينم عن قدرة في الأداء تتحكم بها معرفة مستمدة من أصول هذا الفن العريق، ومن أسس الصنعة التي تتلمذ عليها البحراني يوم كان طالبا في معهد الفنون الجميلة في بغداد.
اعتمد البحراني على مخيلة غنية بمشاهد وأحداث راكمتها سنوات الطفولة والنشأة الأولى على ضفاف الفرات في مسقط رأسه. وهو إذ يعي ما وصل إليه النحت العالمي من مفاهيم وتقنيات حديثة حررت النحت من موروثه التقليدي، فإنه ينطلق بصياغة أفكاره مطوعا مادة الحديد، كتلة كانت أم صفائح مرققة، لتستجيب لأفكار وصور محفورة في ذاكرته التي راح يستعيدها في مكان آخر بعيد، ويعيد صياغتها بلغة فنية معاصرة.
ومع أنها أعمال توظف تقنيات النحت الحداثي الغربي ونظرياته، فهي تستمد من شخصية الفنان جوهرها وخصوصيتها. إنها أشكال لا تتنكر لقوالبها الهندسية الصارمة، كما لا تتنكر لمرجعيتها المستمدة من عناصر الطبيعة المرنة. فإذا كانت الدائرة والمستطيل والمربع أطرا عامة، فإن الأرض والفضاء والبحر مصادر أساسية لمضامين هذه التكوينات. ثمة شرائط معدنية متموجة تتشكل في حزَم تحتضن الأرض في الوقت الذي تمتد فيه باتجاهات عمودية لتشق الفضاء كما لو كانت شرائط من نور يتدفق، أو موجات مائية تتردد في بحرها الافتراضي. وذلك ما يجعلها أعمالا قادرة على التكيف مع المكان، بل قادرة على أن تكون جزءا من الطبيعة أو عنصرا مكملا لها. كما أن التداخل في الكتل المكعبة، والدوائر المسطحة أو الأخرى المفرغة يبعث فيها حركة ما، ويوحي بالمرونة. وذلك ما يجعل هذه الأعمال المجردة الخالية من استعارات اللون ومؤثراته أشكالا قادرة على مخاطبة العين والوجدان معا. أما الأعمال المعلّقة على الجدران فهي لدى الفنان سطوح يدوّن فوقها أشكالا ورموزا على شكل وحدات منسقة تعتمد التكرار والتشابه، ذات مرجعيات شعبية أو دينية موروثة تحمل الأثر الإنساني. ومن خلال معاملة السطح مع الحفاظ على طبيعة المادة، تتداخل تقنية الظل والضوء في الجداريات لتوجد جماليات تعبيرية شديدة التأثير. ولعل البحراني أراد أن يرسم وينحت ويكتب في آن واحد، مستعيرا رموزه من البيئة التي نشأ فيها، ومن طمي الفرات مفرداته التي كان يطلق عليها الأسماء والصفات يوم كان طفلا ليس لديه من وسائل اللهو غير جرف النهر يستجيب لمخيلته الخلاقة.
من اللعب بالطين إلى اللعب بالحديد تمضي المسيرة الفنية لأحمد البحراني نحو مستقبل يبشر بعطاء غني. فمن شأن هذا التوازن ما بين توظيف الوسائل والتقنيات العالمية للتعبير عن مضامين ضاربة في جذور المكان، استطاع الفنان أن يشكل اختراقا لا شك فيه لأعمال النحاتين العراقيين على امتداد تاريخهم الحديث، وأن يصنع تفرده الذي مع أنه ما زال في بداياته فإنه إنجاز ضخم قادر على فرض نفسه على حاضر الفن العربي ومستقبله.
عمّان: شباط 2006م
تعليق