حــــوار مع الشـــاعر الجواهري / 6
جابر جعفر الخطاب ِ
( استراحة في مقصورة الجواهــري)
سافرت أمواج دجلة في موكب الأنسام تحمل عبق الورد وزهو المروج وخفقات سعف النخيل... كان الأصيل يرسم لوحته على قطع الغيوم المتناثرة فيكسبها حمرة مشبوبة بوهج النور المائل إلى الغروب ...لمحت مقصورة الجواهري الكبير مشرعة على ضفاف دجلة الخير عامرة بالفن والشعر وهو يقلب أوراقه ويسطر عليها أفانين قوافيه المترعة بالحب والخيال و نسائم دجلة المتراقصة تعاكس أوراق الجواهري وكأنها تحاول انتزاعها منه للذكرى وهو يصدها محاولا إفراغ ثمار قريحته المتوهجة عليها وما هي إلا لحظات وتطير بيد الريح بضعة أوراق مزينة بجواهر الشعر لتستقر على صفحة الأمواج التي تلاقفتها بشوق لا يعادله شوق مغترب يفتح ذراعيه للقاء محبيه ويرمي جسده المتعب من السفر في أحضانهم كان النهر في شوق إلى قصائد الجواهري الكبير فبعث اتسامه إلى مجلسه ومقصورته لتخطف منها أوراقا حبيبة تحملها الأمواج المسافرة إلى شواطيء بعيدة ناثرة على الضفاف وشاحا مرصعا بجواهر الكلم وعذوبة النغم فتترنم بها الحقول ويرقص على قيثارها سعف النخيل . أخذت مجلسي في مقصورته العامرة وهو يتأمل أوراقه ويدندن بقوافية المشبوبة العواطف ويرفع عينيه إلي مرحبا ببشاشة غمرت جبينه المتهلل بضياء الفرح . أرسلت نظراتي إلى أبياته الوليدة الحارة والمثقلة بهموم الناس وخلجات قلوبهم . كان في حديث هامس مع النفس ومناجاة عاطفية كأنه يجري حوارا معها مستعرضا صفحات من كتاب الزمن وسطور ذكرياته النابضة بالحياة
وإذ أنت ترعاك عين الزمان ويهفو لجرسك سمع الدنى
وتلتف حولك شتى النفوس تجيش بشتى ضروب الأسى
و تعرب عنها بما لا تنبين كأنك عن كل نفس حشا
كان شعره قناديل نور تتوهج بشعاع الحرية في دروب المعدمين
وأنت إذا الخطب ألقى الجران وحط بكلكله فارتمى
ألحت َ بشعرك للبائسين بداجي الخطوب بريق المنى
سألته بعد أن لمحت في عينيه سحابة قلق تعكس ما يجيش في قلبه من تعاطف مع هموم الناس ومعاناتهم ...
1 – في شعرك اقتحام لمعارك غير متكافئة فأنت تشهر سيوف قصائدك في وجوه الطغاة دون خوف أو وجل وهم يملكون ما يملكون من وسائل القهر والاستبداد فيسلبون حياتك طعمها ومذاقها
بماذا يخوفني الأرذلون ومم تخاف صلال الفلا
أيسلبُ منها نعيم ُ الهجير ونفح الرمال وبذخ العرا
2 – ولكنك جعلت من أشعارك علامات فارقة تطارد المصطلين بها في كل زمان ومكان
وأبقيت من ميسمي في الجباه وشما كوشم بنات الهوى
فوارق لا يمّحي عارها ولا يلتبسن بوصف سوى
بحيث يقال إذا ما مشى الصلي ُ بها إن وغدا بدا
وحيث ُ يُعَيرُ أبناؤه ُ بأن لهم والدا مثل ذا
3—بماذا تحدث نفسك عندما يضمك مجلس الصحب والخلان ؟
تسامي فإن جناحيك لا يقرّان إلا على مرتقى
كذلك كلُ بنات الطماح والهم ِ مخلوقة للذرى
4- كيف تصف الزعامات المصطنعة والمحاطة بهالة من الضجيج الإعلامي الزائف ؟
ومحتقب ٍ شرّ ما يُجتوى مشى ناصبا رأسه ُ كالِلوا
مشى ومشت خلفه عصبة ٌ تقيسُ خطاه ُ إذا ما مشى
ويجمع بين ظلال القصور وعصر الخمور ورشف اللمى
ولم أدر ِ كيف يكون الزعيم ُ إذا لم يكن لاصقا بالثرى
5- ماذا تقول في دعاة الأدب الذين يجعلون من أقلامهم وسيلة للتكسب والارتزاق
والتزلف لأصحاب الجاه والسلطة ؟
ومنتحلين سمات الأديب يظنونها جببا تُرتدى
يرون وريقاتهم بُلغة ً من العيش لا غاية ً تبتغى
فهم والضمير الذي يصنعون لمن يعتلي صهوة ٌ تُعتلى
6 – هل تشعر بالحنين إلى ليل دجلة الساحر وبغداد في لحظات الصحو والخيال ؟
سلام على قمر فوقها عليها هفا وإليها رنا
تدغدغ أضواؤه ُ صدرها وتمسح طياتها والثِنى
كأن يدا طرزت فوقها من الحسن مَوشية ً تجتلى
7- ألا تخشى سهام عيون المها وهي تخترق القلوب النابضة بالحب ؟
فيا ليتهن الذي يعتدي ويا ليتك َ الرجلُ المُعتدى
ويا ليت بلواك َ قبّ ُ الصدور ولعس الشفاه وبيض الطلى
8 – ولمن تحب أن ترفع شكواك في محكمة الحب ؟
ويا ليت أنك َ لا تشتكي ظماءك إلا ّ لهذي اللّمى
9 – أنت توقع لهن ّ على بياض وتستعذب العيش بين غضبهن ورضاهن
وليت َ بهن ّ ولا غيرهن َ تنقلُ في غضب ٍ أو رضا
بهن ّ َ ولا بغلاظ الرقاب فباح الوجوه خباث ِ الكلى
10 – استوقفك حتى نقيق الضفادع على ضفاف دجلة هل هو عودة إلى زمن
الزهو والشباب ؟
سلام على جاعلات النقيق على الشاطئين بريد الهوى
تقافز كالجن بين الصخور وتندس تحت مهيل النقا
11 – الطبيعة في الريف العراقي تتميز بالبساطة والجمال ماذا تثير فيك مشاهدها الخلابة ؟
سلام ٌ على عاطرات الحقول تناثرُ من حولهن القرى
وألقت عليها الغيوم اللطاف نسجا كعهد الغواني وهى
12 – للقمر في ليل بغداد صورة لا تفارق مخيلتك وما زلت تختزنها
رغم قطار السنين العابر على سكة الحياة
وما برح القمرُ المستدير يسبح ُ في فلك ٍ من سنا
تلوذ النجوم بأذياله ِ هفت إن هفا ورنت إن رَنا
*********
بدأ الغروب يرسم لوحته الوردية على الأفق ومالت الشمس إلى مخدعها وهي تسحب شالها الذهبي من صفحة الأمواج لتودع يوما حافلا بالعمل والحياة . ارتسمت على وجه شاعرنا الكبير علامات التعب من رحلته مع القوافي والألحان المنبعثة من أوتار قلبه النابض بالحب لدجلة الخير والسلام ...حمل أوراقه المتناثرة وهو يرسل نظراته إلى الأمواج المترنمة بألحان قوافيه الشادية
ودجلة تمشي على هونها. وتمشي رخاءا عليها الصَبا
تريك العراقي في الحالتين يسرف في شحه ِ والندى
المصدر ديوان الجواهري الجزء الثالث المقصورة
جابر جعفر الخطاب ِ
( استراحة في مقصورة الجواهــري)
سافرت أمواج دجلة في موكب الأنسام تحمل عبق الورد وزهو المروج وخفقات سعف النخيل... كان الأصيل يرسم لوحته على قطع الغيوم المتناثرة فيكسبها حمرة مشبوبة بوهج النور المائل إلى الغروب ...لمحت مقصورة الجواهري الكبير مشرعة على ضفاف دجلة الخير عامرة بالفن والشعر وهو يقلب أوراقه ويسطر عليها أفانين قوافيه المترعة بالحب والخيال و نسائم دجلة المتراقصة تعاكس أوراق الجواهري وكأنها تحاول انتزاعها منه للذكرى وهو يصدها محاولا إفراغ ثمار قريحته المتوهجة عليها وما هي إلا لحظات وتطير بيد الريح بضعة أوراق مزينة بجواهر الشعر لتستقر على صفحة الأمواج التي تلاقفتها بشوق لا يعادله شوق مغترب يفتح ذراعيه للقاء محبيه ويرمي جسده المتعب من السفر في أحضانهم كان النهر في شوق إلى قصائد الجواهري الكبير فبعث اتسامه إلى مجلسه ومقصورته لتخطف منها أوراقا حبيبة تحملها الأمواج المسافرة إلى شواطيء بعيدة ناثرة على الضفاف وشاحا مرصعا بجواهر الكلم وعذوبة النغم فتترنم بها الحقول ويرقص على قيثارها سعف النخيل . أخذت مجلسي في مقصورته العامرة وهو يتأمل أوراقه ويدندن بقوافية المشبوبة العواطف ويرفع عينيه إلي مرحبا ببشاشة غمرت جبينه المتهلل بضياء الفرح . أرسلت نظراتي إلى أبياته الوليدة الحارة والمثقلة بهموم الناس وخلجات قلوبهم . كان في حديث هامس مع النفس ومناجاة عاطفية كأنه يجري حوارا معها مستعرضا صفحات من كتاب الزمن وسطور ذكرياته النابضة بالحياة
وإذ أنت ترعاك عين الزمان ويهفو لجرسك سمع الدنى
وتلتف حولك شتى النفوس تجيش بشتى ضروب الأسى
و تعرب عنها بما لا تنبين كأنك عن كل نفس حشا
كان شعره قناديل نور تتوهج بشعاع الحرية في دروب المعدمين
وأنت إذا الخطب ألقى الجران وحط بكلكله فارتمى
ألحت َ بشعرك للبائسين بداجي الخطوب بريق المنى
سألته بعد أن لمحت في عينيه سحابة قلق تعكس ما يجيش في قلبه من تعاطف مع هموم الناس ومعاناتهم ...
1 – في شعرك اقتحام لمعارك غير متكافئة فأنت تشهر سيوف قصائدك في وجوه الطغاة دون خوف أو وجل وهم يملكون ما يملكون من وسائل القهر والاستبداد فيسلبون حياتك طعمها ومذاقها
بماذا يخوفني الأرذلون ومم تخاف صلال الفلا
أيسلبُ منها نعيم ُ الهجير ونفح الرمال وبذخ العرا
2 – ولكنك جعلت من أشعارك علامات فارقة تطارد المصطلين بها في كل زمان ومكان
وأبقيت من ميسمي في الجباه وشما كوشم بنات الهوى
فوارق لا يمّحي عارها ولا يلتبسن بوصف سوى
بحيث يقال إذا ما مشى الصلي ُ بها إن وغدا بدا
وحيث ُ يُعَيرُ أبناؤه ُ بأن لهم والدا مثل ذا
3—بماذا تحدث نفسك عندما يضمك مجلس الصحب والخلان ؟
تسامي فإن جناحيك لا يقرّان إلا على مرتقى
كذلك كلُ بنات الطماح والهم ِ مخلوقة للذرى
4- كيف تصف الزعامات المصطنعة والمحاطة بهالة من الضجيج الإعلامي الزائف ؟
ومحتقب ٍ شرّ ما يُجتوى مشى ناصبا رأسه ُ كالِلوا
مشى ومشت خلفه عصبة ٌ تقيسُ خطاه ُ إذا ما مشى
ويجمع بين ظلال القصور وعصر الخمور ورشف اللمى
ولم أدر ِ كيف يكون الزعيم ُ إذا لم يكن لاصقا بالثرى
5- ماذا تقول في دعاة الأدب الذين يجعلون من أقلامهم وسيلة للتكسب والارتزاق
والتزلف لأصحاب الجاه والسلطة ؟
ومنتحلين سمات الأديب يظنونها جببا تُرتدى
يرون وريقاتهم بُلغة ً من العيش لا غاية ً تبتغى
فهم والضمير الذي يصنعون لمن يعتلي صهوة ٌ تُعتلى
6 – هل تشعر بالحنين إلى ليل دجلة الساحر وبغداد في لحظات الصحو والخيال ؟
سلام على قمر فوقها عليها هفا وإليها رنا
تدغدغ أضواؤه ُ صدرها وتمسح طياتها والثِنى
كأن يدا طرزت فوقها من الحسن مَوشية ً تجتلى
7- ألا تخشى سهام عيون المها وهي تخترق القلوب النابضة بالحب ؟
فيا ليتهن الذي يعتدي ويا ليتك َ الرجلُ المُعتدى
ويا ليت بلواك َ قبّ ُ الصدور ولعس الشفاه وبيض الطلى
8 – ولمن تحب أن ترفع شكواك في محكمة الحب ؟
ويا ليت أنك َ لا تشتكي ظماءك إلا ّ لهذي اللّمى
9 – أنت توقع لهن ّ على بياض وتستعذب العيش بين غضبهن ورضاهن
وليت َ بهن ّ ولا غيرهن َ تنقلُ في غضب ٍ أو رضا
بهن ّ َ ولا بغلاظ الرقاب فباح الوجوه خباث ِ الكلى
10 – استوقفك حتى نقيق الضفادع على ضفاف دجلة هل هو عودة إلى زمن
الزهو والشباب ؟
سلام على جاعلات النقيق على الشاطئين بريد الهوى
تقافز كالجن بين الصخور وتندس تحت مهيل النقا
11 – الطبيعة في الريف العراقي تتميز بالبساطة والجمال ماذا تثير فيك مشاهدها الخلابة ؟
سلام ٌ على عاطرات الحقول تناثرُ من حولهن القرى
وألقت عليها الغيوم اللطاف نسجا كعهد الغواني وهى
12 – للقمر في ليل بغداد صورة لا تفارق مخيلتك وما زلت تختزنها
رغم قطار السنين العابر على سكة الحياة
وما برح القمرُ المستدير يسبح ُ في فلك ٍ من سنا
تلوذ النجوم بأذياله ِ هفت إن هفا ورنت إن رَنا
*********
بدأ الغروب يرسم لوحته الوردية على الأفق ومالت الشمس إلى مخدعها وهي تسحب شالها الذهبي من صفحة الأمواج لتودع يوما حافلا بالعمل والحياة . ارتسمت على وجه شاعرنا الكبير علامات التعب من رحلته مع القوافي والألحان المنبعثة من أوتار قلبه النابض بالحب لدجلة الخير والسلام ...حمل أوراقه المتناثرة وهو يرسل نظراته إلى الأمواج المترنمة بألحان قوافيه الشادية
ودجلة تمشي على هونها. وتمشي رخاءا عليها الصَبا
تريك العراقي في الحالتين يسرف في شحه ِ والندى
المصدر ديوان الجواهري الجزء الثالث المقصورة
تعليق