حوار مع الشاعر الجواهري/ 7
بقلم جابر جعفر الخطاب
في ضيافة أم عوف
الضيافة طبع أصيل يلازم الإنسان العربي منذ صغره فهي الحليب الذي يرضعه من صدر أمه و هي الهواء الذي يتنفسه في مراحل العمر المتعاقبة و العربي عنوان للكرم و الضيافة في بيته و قلبه و كثيرا ما تكون القلوب مشرعة أبوابها للضيوف قبل المنازل بل إن القلب هو المنزل الحقيقي للضيف و يشمخ المضيف في الأرياف خارج البيوت علامة على الترحيب بكل قادم فيرتبط وضعه من حيث السعة والفخامة بمكانة صاحبه الإجتماعية ففي تقاليد الضيافة يتساوى الجميع بإكرام الضيف كل حسب مقدرته و عندما يكون الشِعر ضيفا في عالم
الصحراء فإن الصورة هنا تختلف لأنها ستترك بعد مغادرة الضيف سيلا من الذكريات الخالدة تجسدها لوحات فنية مرسومة بجواهر الكلم تزين بيت الشَعر أو مضيف القصب الذي ألقت فيه الشاعرية عصا الترحال ذات يوم و عندما يكون الجواهري الكبير ضيفا عند أم عوف فإن الشعر يكون ضيفا معه في ذلك العالم الفسيح الذي يثير في الإنسان مشاعر التأمل و الإستغراق في التفكير و قد يتساءل البعض من هو الضيف الحقيقي في هذه المعادلة الإنسانية هل كان الجواهري ضيفا على أم عوف أم كانت أم عوف ضيفة كريمة على الجواهري . إنني أميل إلى الرأي الأخير لأن استضافة أم عوف لأبي فرات في بيت الشَعر الذي كانت تسكنه كانت لليلة واحدة أو أكثر حسب تقاليد الضيافة العربية و بعدها غادر المكان مودعا بالحفاوة و الإكرام و لكن استضافته لأم عوف في مضيفه الشعري ما زالت متواصلة فهي تقيم به منذ عقود تنتقل من طبعة إلى أخرى فقد أسكنها دواوينه و خلدتها ذاكرة محبيه فهي ضيفة كريمة معززة بين أقلام الأدباء و الكتاب حين غمرهابكرمه الشعري وأحاطها بهالة من وميض نجوم قوافيه اللامعة. لقد رحل الجواهري عن هذه الدنيا و لكن أم عوف لم تغادر مضيفه الشعري الذي يتميز على المضايف المادية بأنه واسع الكرم يمنح ضيوفه مكانة خالدة في عوالم الأدب و يحيطهم بهالة من الحب ليحتلوا مكانة مشرقة في كتاب المجد و الحياة ..على حفيف أنسام الليل المنعشة خارج بيت الشَعر الذي تسكنه أم عوف و في لحظات التأمل و الانشراح في عالم الصحراء المنبسط حيث الهدوء يخيم على البيوت النائمة تحت وشاح القمر وجدتها فرصة سانحة للحديث . سألته و هو يطيل النظرإلى الأفق الغارق في سبات الليل العميق
1 – في شكواك من الليالي إلى أم عوف تبرز حيرة الشاعر في فهم مسيرة الزمن وما تحمله من المتناقضات فهل كانت أم عوف محللا و عرّافا يتنبأ بخبايا الأيام أم إنها
محاولة لبث الهموم و التخلص من ثقلها فماذا كانت شكواك إليها ؟
يا أم َّ عوف ٍ عجيبات ٌ ليالينا ….. يُدنين أهواءنا القصوى و يقصينا
في كل يوم بلا وعي ٍ و لا سبب ….. ينزلن ناسا على حكم و يعلينا
2- و هل تريد من الأيام أن تسير وفق مشيئتنا و تستجيب لمطالبنا ؟
يا أم َّ عوفٍ و ما يدريك ما خبأت …… لنا المقادير من عقبى و يدرينا
33- كيف وجدت بيت الشَعر في عالم الصحراء الفسيح ؟
خلت السماءَ بها تهوي لتلثمه ُ … و النجم َ يمسحُ من أعطافه ِ لينا
4- غمرتك موجة من الأسى و الحسرة على زمن الشباب و أنت تخاطب أم عوف فما سرّ ُ ذلك ؟
يا أم َّ عوف ٍ و ما آه ٌ بنافعة ٍ .... آه ٍ على عابثٍ رَخص ٍ لماضينا
على خضيل ٍ أعارته ُ طلاقتها ….. شمسُ الربيع و أهدته ُ الرياحينا
5 – و كيف كانت انطلاقتكم في عهد الشباب و عنفوانه ؟
مثل َ الطيور و ما ريشت قوادمنا …... نطيرُ رهوا بما اسطاعت خوافينا
من ضحكة السَحَر المشبوب ضحكتنا ….... و من رفيف الصبا فيه أغانينا
6 – البراءة و العفوية و حسن النوايا سمات بارزة في حياة الماضي فهل كنتم مدركين لما تقومون به أم هي انطلاقة الشباب و تدفقها ؟
يا أمّ عوف بريئات ٌ جرائرنا ….. كانت و آمنة ُ العقبى مهاوينا
نستلهم الأمرَ عفوا لا نُخَرجهُ ….. من الفحاوي و لا ندري المضامينا
7 – و هل كان للتقاليد الإجتماعية سلطان على نوازعكم الشبابية ؟
نأتي المآتيَ من تلقاء أنفسنا ….. فيما تُصَرفنا منها و تثنينا
إن نندفع فبعفو ٍ من نوازعنا ….. أو نرتدع فبمحضٍ من نواهينا
8 – الشباب ميدان فسيح فيه الأمل و الإحباط فكيف كنتم تتخلصون من شراك المواقف الصعبة التي توقعكم بها مغامراتكم ؟
إذا ارتكسنا أغاثتنا مغاوينا …… أو ارتكضنا أقلتنا مذاكينا
كانت محاسننا شتى و أعظمها …. أنا نخاف عليها من مساوينا
9 – و بأي شيء كنتم تبررون ضياع الفرص من أيديكم ؟
كنا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ ….…. لا بد ّ َ من سَحَر ٍ ثان ٍ يواتينا
لا بدّ َ من مطلع للشمس يُفرحنا ….. و من أصيل ٍ على مهل ٍ يحيينا
10 – عندما لامس الحب قلوبكم هل استطعتم التعبير عنه ؟
لا نعرفُ الودّ َ إلا أنه دنفٌ …… من الصبابة يعتاد المحبينا
فلا نصابح ُ إلا من يماسينا ……. و لا نراوحُ إلا من يغادينا
11 – الصراع بين الخير و الشر عبر التاريخ كيف تفسرونه ؟
من عهد آدم َ و الأقوام ُ مُزجية ٌ ….. خوف الشرور الضحايا و القرابينا
أكلما ابتدع الإنسان ُ آلهة ً ……. للخير ِ صيـّرها شرٌ ثعابينا
12 – أحسست بالراحة النفسية في حديثك مع أم عوف عن الحياة الهادئة
في الصحراء و ما تسببه المدن من صخب العيش و ضجيج الحضارة
يا أم عوف سئمنا عيش حاضرة ٍ …… تَرُبُ سقطين شريرا و مسكينا
وحشٌ و إن روّضّ َ الإنسيُ جامحها …… قفرٌ و إن مُلئت وردا و نسرينا
13 – و لكنها عامرة بالجمال و ميادين الأنس و الثقافة و العمل
ضحّاكة ُ الثغر بهتانا و حاملةً …… في الصدر للشر أو للبؤس تِنـّينا
و خانقا من قراميد ٍ يحَوطنا ……. حوط َ السجون مناكيدا مساجينا
14 – التقاليد الإجتماعية في الحواضر هل هي بمستوى عمقها في الصحراء
أم دونها في الإلتزام و التطبيق ؟
فما نصدق ُ أفواها بألسنة ٍ ……... ما لم يُقمنَ عليهن البراهينا
و لا بأفئدة ٍ حتى تعاهدنا ……. بأن أنياطها ليست ثعابينا
لا يلمسُ الروح فينا من يصاحبنا …… و لا تحد حدود ً مَن يعادينا
15 – بماذا كنت تناغي عالم الصحراء و قد سكن الليل و توهجت نجومه في دارة القمر المنير ؟
يا رملة الله ردّي عن تحيتنا ……. بخير ما فيك ِ من لطف ٍ و حيينا
و سامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ …….. و طارحينا فقد عَيّت قوافينا
16 – منظر الطبيعة بعد المطر كيف خاطبته وبماذا أوصيته ؟
و يا بساطا من الخضراء طرزهُ …….…. صوبُ الغمام أفانينا أفانينا
أوصِ ِ المروج َ بنا خيرا لعل بها ……. من ضَنكة ِ الروح فينا ما يداوينا
*******
بدأت خيوط الليل تنسحب من صفحة السماء وتعالى صياح الديكة معلنا انبثاق فجر جديد ودبت الحركة بين قطيع الأغنام.. أفاقت الصحراء من غفوتها لترتدي ثوب الصباح المثقل بأنسامه الباردة والمنعشة وهي تلثم جبين الناهضين إلى العمل نهضت أم عوف مع تباشير الفجر الأولى لتتفقد أغنامها كانت مسرعة الخطى وهي تلتف بعباءتها كأنها قائد يتصدر جنوده تفقدت شؤون خيمتها وألقت تحية الصباح على ضيفها الذي بهرته الطبيعة الساحرة ببساطتها وعفويتها بعيدا عن أجواء المدن الغارقة بالصخب والضجيج ودخان المعامل كانت نظراته موزعة بين معالم الصحراء الجميلة والقلوب النابضة بالود وكرم الضيافة في عالم تحكمه القيم الأصيلة والعلاقات الإجتماعية العريقة في التعاضد والتسامح تفجرت عواطفه شعرا وهو يوشك أن يغادر هذه الواحة الممرعة بالزهو والأصالة والهدوء وقد انتزعت قلبه الذي أبى أن يفارقها
جئنا مغانيك ِ نسّاكا يُبَرِحُهُم ….… لُقيا حبيب أقاموا حبهُ دينا
ولاءمتنا شعاب ً منك طاهرة ٌ …… كما تضم المحاريبُ المصلينا
لم ألف ِ أحفلَ منها وهي موحشة ً …. بالمؤنسات ِ ولا أزهى ميادينا
حتى كأن الفجاج الغبرَ تفهمنا …… والمبهمات ِ من الوادي تناغينا
حتى كأنا وضوءُ الفجر يفرشُه…… نمشي على غيمة ٍ منه ُ تماشينا
********
المصدر ديوان الجواهري الجزء الرابع
بقلم جابر جعفر الخطاب
في ضيافة أم عوف
الضيافة طبع أصيل يلازم الإنسان العربي منذ صغره فهي الحليب الذي يرضعه من صدر أمه و هي الهواء الذي يتنفسه في مراحل العمر المتعاقبة و العربي عنوان للكرم و الضيافة في بيته و قلبه و كثيرا ما تكون القلوب مشرعة أبوابها للضيوف قبل المنازل بل إن القلب هو المنزل الحقيقي للضيف و يشمخ المضيف في الأرياف خارج البيوت علامة على الترحيب بكل قادم فيرتبط وضعه من حيث السعة والفخامة بمكانة صاحبه الإجتماعية ففي تقاليد الضيافة يتساوى الجميع بإكرام الضيف كل حسب مقدرته و عندما يكون الشِعر ضيفا في عالم
الصحراء فإن الصورة هنا تختلف لأنها ستترك بعد مغادرة الضيف سيلا من الذكريات الخالدة تجسدها لوحات فنية مرسومة بجواهر الكلم تزين بيت الشَعر أو مضيف القصب الذي ألقت فيه الشاعرية عصا الترحال ذات يوم و عندما يكون الجواهري الكبير ضيفا عند أم عوف فإن الشعر يكون ضيفا معه في ذلك العالم الفسيح الذي يثير في الإنسان مشاعر التأمل و الإستغراق في التفكير و قد يتساءل البعض من هو الضيف الحقيقي في هذه المعادلة الإنسانية هل كان الجواهري ضيفا على أم عوف أم كانت أم عوف ضيفة كريمة على الجواهري . إنني أميل إلى الرأي الأخير لأن استضافة أم عوف لأبي فرات في بيت الشَعر الذي كانت تسكنه كانت لليلة واحدة أو أكثر حسب تقاليد الضيافة العربية و بعدها غادر المكان مودعا بالحفاوة و الإكرام و لكن استضافته لأم عوف في مضيفه الشعري ما زالت متواصلة فهي تقيم به منذ عقود تنتقل من طبعة إلى أخرى فقد أسكنها دواوينه و خلدتها ذاكرة محبيه فهي ضيفة كريمة معززة بين أقلام الأدباء و الكتاب حين غمرهابكرمه الشعري وأحاطها بهالة من وميض نجوم قوافيه اللامعة. لقد رحل الجواهري عن هذه الدنيا و لكن أم عوف لم تغادر مضيفه الشعري الذي يتميز على المضايف المادية بأنه واسع الكرم يمنح ضيوفه مكانة خالدة في عوالم الأدب و يحيطهم بهالة من الحب ليحتلوا مكانة مشرقة في كتاب المجد و الحياة ..على حفيف أنسام الليل المنعشة خارج بيت الشَعر الذي تسكنه أم عوف و في لحظات التأمل و الانشراح في عالم الصحراء المنبسط حيث الهدوء يخيم على البيوت النائمة تحت وشاح القمر وجدتها فرصة سانحة للحديث . سألته و هو يطيل النظرإلى الأفق الغارق في سبات الليل العميق
1 – في شكواك من الليالي إلى أم عوف تبرز حيرة الشاعر في فهم مسيرة الزمن وما تحمله من المتناقضات فهل كانت أم عوف محللا و عرّافا يتنبأ بخبايا الأيام أم إنها
محاولة لبث الهموم و التخلص من ثقلها فماذا كانت شكواك إليها ؟
يا أم َّ عوف ٍ عجيبات ٌ ليالينا ….. يُدنين أهواءنا القصوى و يقصينا
في كل يوم بلا وعي ٍ و لا سبب ….. ينزلن ناسا على حكم و يعلينا
2- و هل تريد من الأيام أن تسير وفق مشيئتنا و تستجيب لمطالبنا ؟
يا أم َّ عوفٍ و ما يدريك ما خبأت …… لنا المقادير من عقبى و يدرينا
33- كيف وجدت بيت الشَعر في عالم الصحراء الفسيح ؟
خلت السماءَ بها تهوي لتلثمه ُ … و النجم َ يمسحُ من أعطافه ِ لينا
4- غمرتك موجة من الأسى و الحسرة على زمن الشباب و أنت تخاطب أم عوف فما سرّ ُ ذلك ؟
يا أم َّ عوف ٍ و ما آه ٌ بنافعة ٍ .... آه ٍ على عابثٍ رَخص ٍ لماضينا
على خضيل ٍ أعارته ُ طلاقتها ….. شمسُ الربيع و أهدته ُ الرياحينا
5 – و كيف كانت انطلاقتكم في عهد الشباب و عنفوانه ؟
مثل َ الطيور و ما ريشت قوادمنا …... نطيرُ رهوا بما اسطاعت خوافينا
من ضحكة السَحَر المشبوب ضحكتنا ….... و من رفيف الصبا فيه أغانينا
6 – البراءة و العفوية و حسن النوايا سمات بارزة في حياة الماضي فهل كنتم مدركين لما تقومون به أم هي انطلاقة الشباب و تدفقها ؟
يا أمّ عوف بريئات ٌ جرائرنا ….. كانت و آمنة ُ العقبى مهاوينا
نستلهم الأمرَ عفوا لا نُخَرجهُ ….. من الفحاوي و لا ندري المضامينا
7 – و هل كان للتقاليد الإجتماعية سلطان على نوازعكم الشبابية ؟
نأتي المآتيَ من تلقاء أنفسنا ….. فيما تُصَرفنا منها و تثنينا
إن نندفع فبعفو ٍ من نوازعنا ….. أو نرتدع فبمحضٍ من نواهينا
8 – الشباب ميدان فسيح فيه الأمل و الإحباط فكيف كنتم تتخلصون من شراك المواقف الصعبة التي توقعكم بها مغامراتكم ؟
إذا ارتكسنا أغاثتنا مغاوينا …… أو ارتكضنا أقلتنا مذاكينا
كانت محاسننا شتى و أعظمها …. أنا نخاف عليها من مساوينا
9 – و بأي شيء كنتم تبررون ضياع الفرص من أيديكم ؟
كنا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ ….…. لا بد ّ َ من سَحَر ٍ ثان ٍ يواتينا
لا بدّ َ من مطلع للشمس يُفرحنا ….. و من أصيل ٍ على مهل ٍ يحيينا
10 – عندما لامس الحب قلوبكم هل استطعتم التعبير عنه ؟
لا نعرفُ الودّ َ إلا أنه دنفٌ …… من الصبابة يعتاد المحبينا
فلا نصابح ُ إلا من يماسينا ……. و لا نراوحُ إلا من يغادينا
11 – الصراع بين الخير و الشر عبر التاريخ كيف تفسرونه ؟
من عهد آدم َ و الأقوام ُ مُزجية ٌ ….. خوف الشرور الضحايا و القرابينا
أكلما ابتدع الإنسان ُ آلهة ً ……. للخير ِ صيـّرها شرٌ ثعابينا
12 – أحسست بالراحة النفسية في حديثك مع أم عوف عن الحياة الهادئة
في الصحراء و ما تسببه المدن من صخب العيش و ضجيج الحضارة
يا أم عوف سئمنا عيش حاضرة ٍ …… تَرُبُ سقطين شريرا و مسكينا
وحشٌ و إن روّضّ َ الإنسيُ جامحها …… قفرٌ و إن مُلئت وردا و نسرينا
13 – و لكنها عامرة بالجمال و ميادين الأنس و الثقافة و العمل
ضحّاكة ُ الثغر بهتانا و حاملةً …… في الصدر للشر أو للبؤس تِنـّينا
و خانقا من قراميد ٍ يحَوطنا ……. حوط َ السجون مناكيدا مساجينا
14 – التقاليد الإجتماعية في الحواضر هل هي بمستوى عمقها في الصحراء
أم دونها في الإلتزام و التطبيق ؟
فما نصدق ُ أفواها بألسنة ٍ ……... ما لم يُقمنَ عليهن البراهينا
و لا بأفئدة ٍ حتى تعاهدنا ……. بأن أنياطها ليست ثعابينا
لا يلمسُ الروح فينا من يصاحبنا …… و لا تحد حدود ً مَن يعادينا
15 – بماذا كنت تناغي عالم الصحراء و قد سكن الليل و توهجت نجومه في دارة القمر المنير ؟
يا رملة الله ردّي عن تحيتنا ……. بخير ما فيك ِ من لطف ٍ و حيينا
و سامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ …….. و طارحينا فقد عَيّت قوافينا
16 – منظر الطبيعة بعد المطر كيف خاطبته وبماذا أوصيته ؟
و يا بساطا من الخضراء طرزهُ …….…. صوبُ الغمام أفانينا أفانينا
أوصِ ِ المروج َ بنا خيرا لعل بها ……. من ضَنكة ِ الروح فينا ما يداوينا
*******
بدأت خيوط الليل تنسحب من صفحة السماء وتعالى صياح الديكة معلنا انبثاق فجر جديد ودبت الحركة بين قطيع الأغنام.. أفاقت الصحراء من غفوتها لترتدي ثوب الصباح المثقل بأنسامه الباردة والمنعشة وهي تلثم جبين الناهضين إلى العمل نهضت أم عوف مع تباشير الفجر الأولى لتتفقد أغنامها كانت مسرعة الخطى وهي تلتف بعباءتها كأنها قائد يتصدر جنوده تفقدت شؤون خيمتها وألقت تحية الصباح على ضيفها الذي بهرته الطبيعة الساحرة ببساطتها وعفويتها بعيدا عن أجواء المدن الغارقة بالصخب والضجيج ودخان المعامل كانت نظراته موزعة بين معالم الصحراء الجميلة والقلوب النابضة بالود وكرم الضيافة في عالم تحكمه القيم الأصيلة والعلاقات الإجتماعية العريقة في التعاضد والتسامح تفجرت عواطفه شعرا وهو يوشك أن يغادر هذه الواحة الممرعة بالزهو والأصالة والهدوء وقد انتزعت قلبه الذي أبى أن يفارقها
جئنا مغانيك ِ نسّاكا يُبَرِحُهُم ….… لُقيا حبيب أقاموا حبهُ دينا
ولاءمتنا شعاب ً منك طاهرة ٌ …… كما تضم المحاريبُ المصلينا
لم ألف ِ أحفلَ منها وهي موحشة ً …. بالمؤنسات ِ ولا أزهى ميادينا
حتى كأن الفجاج الغبرَ تفهمنا …… والمبهمات ِ من الوادي تناغينا
حتى كأنا وضوءُ الفجر يفرشُه…… نمشي على غيمة ٍ منه ُ تماشينا
********
المصدر ديوان الجواهري الجزء الرابع
تعليق