رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف
بعد وفاة أبي طالب، والسيدة خديجة رضي الله عنها،
بدأ ساعد الكُفَّار يشتد، وبـطشهم بالمسلمين يزداد ويقوى،
لذلك رأى الرسول عليه الصلاة والسلام أنَّ الموقف يتطلب محاولة
نشر الدعوة الإسلامية في بلدِ آخر غير مكة، فخرج إلى الطائف
حيث قبيلة ثقيف، رجاء أن ينـصروه على قومه ويمنعوه منهم حتى
يبلغ رسالة ربه.
ذهب الرسول صلَّى الله عليه وسلم إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة،
وفور وصولهما إليها عَمَدَا إلى حيث كان يجتمع سادة ثقيف، فجلس
إليهم الرسول صلَّى الله علية وسلَّم وأخذ يخاطبهم في الأمر الذي
جاء من أجله وهو دعوتهم إلى الإسلام والوقوف إلى جانبه، ولكن
تصدَّى له ثلاثة أخوة من أشرافهم وقاطعوه وهو يتحدث، وكذَّبوه
وأثاروا الحاضرين ضد دعوته، وأغروا به سفهاءهم، فجعلوهم
يرمونه بالحجارة ويسبونه بكلماتٍ أشدَّ وقعاً من الحجارة،
حتى دميت قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أُصيب وشَجَّ
في رأسه، فانصرف صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكة محزوناً،
ولكن ثقيفاً لم تتركه وشأنه إذ أوعزت إلى الصبية والعبيد والسفهاء
أن يلحقوا بهما ويؤذوهما وهما في طريق العودة إلى مكة،
فضربوهما بالحجارة حيث سال منهما الدم، ولم ينجهما من هذا
الموقف إلاَّ وصولهما إلى بستان له سور، لعتبة وشيبة ابنا ربيعة
وهما فيه، فدخلاه. ولمَّا رأى صاحب البستان ذلك الموقف أمر عبيده
أن يردوا النَّاس عن النبي صلَّى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة.
فلمَّا اطمأن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم دعا بهذا الدعـاء المشهور:
" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس.
يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟
إلى بعيدٍ يتجهمني؟ أم إلى عدوٍ ملّكْتَه أمري؟
إن لم يكن بك علي غضبٌ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات،
وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنْزِل بي غضبك،
أو يحل عليَّ سخـطك، لك العُتْبى حتى ترضى،
ولا حول ولا قوة إلا بك ".
أكل الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وزيد بن حارثة من ثمار البستان،
ونالا قسطاً من الراحة، ثُمَّ واصلا سيرهما.
وفي الطريق أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يفكـر في صعوبة
موقفه لدى وصوله إلى مكـة. فبعث زيد إلى مكـة ليستنجد ببعض
ذوي النفوذ من مضايقة قريش له عند دخوله فأجابه لهذا الطلب
المطعم بن عدي، وخرج مسلحاً هو وأهل بيته، والتقوا بالرسول
صلَّى الله عليه وسلَّم، ودخل معهم حتى أتى الكعبة حيث طاف بها
سبعاً، وعاد صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته...
الإسراء والمعراج
أراد الله سبحانه وتعالى أن يُرِي للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم
بعض آياته، لِيُسَرّى عنه بعد وفاة زوجته السيدة خديجة رضي الله
عنها، وعمه أبي طالب، وبعد أن عاد صلَّى الله عليه وسلَّم من
رحلة الطائف، وقد خذله أهلها.
في هذه الفترة الحرجة جاء الإسراء والمعراج تثبيتاً للرسول عليه
الصلاة والسلام وعوناً له على مقاومة كفار مكـة، وتكريماً له في
أعقاب سنين طويلة من العمل والصمود من أجل الدعوة الإسلامية.
أُسْرِي بالرسول صلّى الله عليه وسلَّم ليلاً من المسجد الحرام بمكة
المكرَّمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، راكباً على البراق،
وكان معه جبريل عليه السلام، فنزل هناك وصلَّى بالأنبياء إماماً،
ثُمَّ عُرِجَ به صلَّى الله عليه وسلَّم إلى السماء، حيث فرض الله عليه
وعلى أمته الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة.
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى الإسراء في كتابه الكريم فقال:
{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}
[سورة الإسراء، الآية الأولى].
اشتدَّ تكذيب قريش للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عندما أخذ يُحَدّث
الناس بحديث الإسراء والمعراج، وذهبوا إلى صديقه أبو بكر
الصديق، وأخبروه الخبر، فردَّ عليهم أبو بكر قائلاً:
" والله لئن كان قوله لقد صدق، فوالله إنه ليخبرني أن الخبر
يأتيه من السماء فأُصَدّقه ".
وعندما سألت قريش الرسول صلَّى الله عليه وسلم أن يصف لهم
بيـت المقدس، أطلعه الله عليه جلياً واضحاً حتى عاينه، وجعل
يخبرهم به ويصفه لهم ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً، كما
أخبرهم عن عيرهم التي رآها في مسراه، وعن وقت قدومها، فكان
الأمر كما قال صلَّى الله عليه وسلِّم، فلم يزدهم ذلك إلاّ عناداً وكفراً.
تعليق