إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبدالباسط الصوفي مأساة شاعر

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبدالباسط الصوفي مأساة شاعر

    عبدالباسط الصوفي مأساة شاعر

    عبد الباسط الصوفى

    من أبرز الشعراء السوريين الشباب في الستينات

    1931 ـ 1960


    1

    ولد في مدينة حمص السورية
    لأسرة متدينة أقرب إلى مستوى الفقر
    و حصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي في 1956
    و في أواخر دراسته الجامعية بدمشق
    عملَ مذيعاً في الإذاعة السورية و مشرفاً على القسم الأدبي فيها
    بتوصية إعجاب و تقدير من الشاعر الكبير بدوي الجبل
    الذي كان وزيراً في الحكومة السورية آنذاك

    درّس بعدها اللغة العربية في مدارس محافظتي
    حمص و دير الزور حتى فبراير 1960
    حين أوفدته وزارة التربية و التعليم
    لتدريس العربية في غينيا عام 1960

  • #2
    غينيا 1960حيث خط النهاية و حتما نعود اليه

    مع كل ما توفر من تفاصيل حياة و معاناة الشاعر الشاب
    و التى أدت به للحد الفاصل ما بين الحياة و الرحيل


    1

    رقص الكون و غنّى باسماً
    مع ألحان الغواني الضاحكاتِ

    و الربيع الطلق أحيا سحره
    أجمل الذكرى و أحلى البسماتِ

    كلُّ شيء زاهرٌ مبتهجٌ
    فابتهج يا قلب و اهتف للحياةِ

    فعلام اليأسِ يا قلبي ابتسمْ
    لم يكن يأسك يوماً من صفاتي

    عاركِ الدهرَ و صارعْ موجَهُ
    يا فؤادي لا تلن للحادثاتِ


    *****

    هاهو الزهر طروباً فائحاً
    نعش القلبَ المعنَّى عطرُهُ

    فارشفِ الراحَ فؤادي هانئاً
    هو دهرٌ سيولّي شرُّهُ

    لذة العيشِ مدامٌ و هوىً
    و صباً يروي الأماني سحرُهُ

    قمْ إلى الأحلام هيّا للهوى
    فلقد طافت علينا خمرُهُ

    غنِّ أنغامَ المنى و انسَ الأسى
    فيم تشكو كالثكالى الباكياتِ


    1

    مهلا لكل من استهوته أبيات الفرح و بهجة الشباب
    و منىّ النفس بالتعرف على شاعر يحفزالفؤاد بالأمل

    فارشفِ الراحَ فؤادي هانئاً
    هو دهرٌ سيولّي شرُّهُ

    تعليق


    • #3
      و نال فى عنفوان شبابه من التقدير ما ناله
      كما أنتج مئات من القصائد الشعرية في مختلف الموضوعات
      بالإضافة إلى عشرات من المقالات الأدبية و الإجتماعية
      المنشورة في مختلف المجلاّت و الجرائد العربية

      و على صعيد الغناء : غنّى من كلماته
      المطرب نجيب السرّاج

      نشيد عربيٌّ أنت

      عربيٌّ أنت أرضاً و سما
      فاملأ الدنيا لهيباً و دما
      و انطلق للشمس في آفاقها
      و امتطِ الريح و هات الأنجما


      كما دخل شعره مناهج تدريس اللغة
      وأورد له المؤلفون قصيدته مدينتي
      و التي ألقاها في المهرجان العربي للشِعر
      سنة 1959 نقتطف منها

      مدينتي لا تملكُ الذَرّهْ
      مدينتي طيّبة حُرَّهْ
      لا تصلب الإنسان في آلةٍ
      أو تمضغ الأحقاد في فكره
      مدينتي نبضات قيثارةٍ
      حيناً و حيناً ضحكةٌ ثرّه
      قديمة كالحب ميلادها
      لما صحا دربُ الهوى مرّه

      أرجوحةٌ أفياؤُها الواجفهْ مواكبٌ أضواؤُها الزاحفه
      قد كُدِّس الوردُ بشُرفاتِها ما أرهبتْها السحبُ العاصفه
      تدفَّقتْ و الفجرُ في مهدِهِ أغنيّةً و ارتعشتْ عاطفه

      يا دفءُ لملمْ قلبَ أطفالها و لوّنِ الدنيا رؤًى وارفه
      مدينتي تشدُّ أوتاري مجدولةً من خُصَلِ النارِ
      ضلوعها حصني و أسواري و قلبُها بيتي و ازهاري

      تمرَّدتْ، كِبْرُها جبهةٌ و لوَّحت قبضةَ أقدار
      مدينتي بعضُ حكاياتها أقام مجدي ألفُ جبّار


      نجاحات متتالية أبرزت قيمة الشاعر الشاب
      وما ينتظره فى قادم الأيام من علوّ فى مجال الشعر و الفكر
      أما جائزة مجلة الآداب الشعرية لعام 1960
      عن ديوانه أبيات ريفية
      و الذى كان بين إثنين و عشرين ديواناً قدمت للمسابقة
      فقد نالها للأسف بعد وفاته

      و صدرالديوان في آذار عام 1961 عن دار الآداب ببيروت


      1

      إن عبدالباسط شاعر غنائي وجداني أجاد التعبير عن عواطفه
      و انفعالاته الذاتية في مختلف أطوارها و تموجاتها
      إجادته التعبير عن حبه للجمال الكلي الشامل
      بواسطة الأوزان المنغمة و الكلام المجنح و الجرس المطرب

      د : إبراهيم الكيلاني
      مفكر و فيلسوف و مؤرخ عربي سوري

      تعليق


      • #4
        هكذا جذبتنى البداية الواعدة و الموهبة المتقدة
        و جمال الشعر فى قوة تدفقه و معانيه
        مثلى مثل كل من أعجب بشاعر مبدع أسهم فى بناء القصيدة الجديدة
        و كان بين من عملوا على تحديث الشعر شكلاً و مضموناً
        و قد جمع بين أصالة الشعر الكلاسيكي و تجديد الشعر
        و كان جسر العبور إلى التجديد الحقيقي في الشعر السوري الحديث
        فأزاح جانبا كل ما يندرج تحت عنوان الفخامة اللغوية المتكلفة
        و الخطابة و الشكليات ليغمر أبياته فى حالة جمالية نفسية
        و صفاء روحى عميق يستقر بهدوء فى وجدان المتلقى

        أما معايشة هذا المبدع مع أشعاره فهى قدره المحتوم لا فرار و لا فكاك
        فلا هو طالب شهرة أو مبارزات و سباق

        إنه مأسور بقيود القصيدة مضفرة بمعاناة نفسية حادة
        تفرز لوحات قاسية تلتهب بما يمور به داخله على نحو ما

        قد تبدو حياة الشاعر الشاب فى خطوطها العامة
        أقرب لحياة عادية مألوفة و لكن و آه من كلمة لكن

        فكم من مآس قد تخفيها حروف كلمة لكن

        فعبد الباسط الصوفى الذى وسع قلبه الكون
        فغنى للطبيعة التى وصفها بمصفاة الروح
        و الارض و المرأة أهازيج حب جارف
        ممتزجة بأحزانه و رهف مشاعره و إغترابه و حرمانه
        كان يكابد جانبا نفسيا آخر من الصعوبة بمكان
        أفصح عنه رويدا رويدا فى ابياته و رسائله الخاصة
        و إفادات بعض ممن إقتربوا من عالمه من شعراء و أصدقاء

        و إذا ما تابعنا ما خلفه هذا الشاعر الأديب الفيلسوف
        من خصب و إبداع و حيوية على قصر حياته
        لأدركنا كيف خسر الشعر العربي شاعرًا واعداً
        و أن الصوفي كان من الممكن أن يكون
        أحد كبار الشعراء العرب في القرن العشرين


        1

        تباعا نورد مع نماذج من شعره
        كل ما ماجت به دواخله من مشاعر محتدمة
        و أحاسيس شتى


        يتبع

        تعليق


        • #5
          فهو الرومانسى

          1

          المنى ترقص في خديك و الأطياب تنضح
          فاضحكي للصبح يجري في مآقينا فيصدح
          و افرشي لي الدرب بالنور خضيل الوقع يمرح
          و اغمري لي جبهتي من كل لون يترنح
          أنت يا من أبدع الكون أمانيها فسبّح
          اضحكي لي اضحكي حتى أرى الآلام تفرح


          و هو المهموم بقضية العروبة و الوطن

          يا لَلنجومِ الزَّواهي غوِّرَتْ حلَكاً
          لا سامِرٌ بَعْدَنَا يشدوَ و لا سَمَرا

          القدسُ في قبضةِ الإجرامِ قد هُتِكَتْ
          و العهدُ، تحت يد السفّاح قد نُحِرا

          واستصرخَ المغربُ الدّامي فهلْ خفقتْ
          له المروءاتُ والموتورُ هل ثَأرا



          و هو المتوحد مع الطبيعة

          لكأن له من إسمه نصيب بهذه النكهة الصوفية الحالمة
          إضافة لشغف جارف بالطبيعة كملاذ و مصفاة للروح على حد تعبيره
          فى محاولة لصد أوجاع الواقع و هزات العالم الخارجي


          1



          يقول عن ذلك : و أسرع إلى المشاهد الطبيعية مصفاة الروح حسب تعبيري
          و أغيب في المشاهد الطبيعية و الساقية تتعرّج كأنها شريط أخضر
          و قد اضطجع على ضفاف الساقية حيث تتفرع الجداول الصغيرة
          لتسقي الحقول و البساتين و قد أحرك الماء بيدي
          و أنا غارق في لجة عميقة من التفكير

          ***********

          القمر رفيق أبناء الريف فى ليالى و سهرات السمر
          فى لوحة ريفية يغمرها بضيائه و سحره
          يدعوه عبد الباسط للإقتراب
          و تلمّسْ كوة أو أى منحدر و النزول من قمم الشجر
          فيقول في قصيدة مأدبة القمر :


          1

          توهَّجَتْ أكوابُنا فاقفزْ إلينا يا قمرْ
          فجَّرْتَ هذا الّليلَ ينبوعيْ ضياءٍ و صورْ
          و انزلقَتْ أقدامُكَ البيضُ على رأسِ الشَّجرْ
          من الكُوى من فرجةِ البابِ تلمّسْ منحدرْ
          و اسقطْ حبالَ فضَّةٍ مغزولةً من الشَّررْ

          فاكهةُ الصّيفِ على شبّاكِنا معلّقة
          و من عناقيدِ الكرومِ خمرُنا معتَّقة
          هذي سلالُ وردِنا مضفورةٌ مزوَّقة
          عنا أحاديث الهوى يحكونها منمّقة
          فقصّةٌ صادقةٌ و قصةٌ ملفّقة

          قالوا سرقْنا من قميصِ الفجرِ منديلَ غزلْ
          و احترقَتْ ضيعتُنا وهْجَ عناقٍ و قبلْ
          و اختبأَتْ أسرارُنا خلفَ ضلوعٍ و مقلْ
          و الّليلُ آهِ اللّيلُ في عيوننا ما أعمَقَهْ

          تعليق


          • #6
            و هو المتشائم

            عانى الصوفى منذ صباه من شعور حاد بالوحدة
            و إحساس شديد بالعزلة و كان متشائماً
            منطوياً على نفسه متبرما
            إضافة لأوجاع و إنكسارات جيل أدمته مأساة النكبة
            و مزيدٍ من القلق و الخوف و الاضطراب
            يواكب عدم إستقرار سياسي فى موطنه
            في الوقت الذي كان فيه واحداً من أبناء جيل
            التطلع القومي و النهوض البعثي

            و هكذا يصفه بعض من المقربين اليه :
            انطوائياً و انعزالياً يألف الوحدة و يأنس إلى الصمت
            تميل نفسه إلى العزلة ضمن حدود ذاته المتعبة
            بالإضافة إلى أنه كان شديد الحساسية حاد الطباع
            يتأثر بأصغر الأشياء وينفعل لأتفه الأسباب

            في ظلام الفناء راح كئيباً
            يدفن البيض من أماني شبابهْ

            وتمر الأنسام يودعها النجوى
            فتبكي أسى لمر انتحابهْ

            لمس الحب قلبه و احتواه
            يرسل الغمغمات في محرابهْ

            و بجفنيه من بقايا الأماني
            حلم حائر على أهدابهْ

            و الزمان الغضوب يسخر منه
            فمضى خائر القوى في ركابهْ

            أغمض الليل جفنه و بدا الفجر
            و مازال ممعناً في بكائهْ


            ***************

            فى رسالة من الشاعر تحمل كل الضجر
            و فرط التحسس من كل ما يحيط به :

            لم أستطع أن أدرس إلا بصعوبة كبيرة
            أليست هذه مهزلة يا صديقتي
            أن يعيش الإنسان في جو يبعث فيه كل العواصف القاتمة
            ويضطر إلى ذلك اضطراراً
            تمنيت أن تشاهدي الموقف و تسألي نفسك
            أتضحكين أم تبكين
            كيف أمسك رأسي الثقيل بكلتا يدي
            و أضغط على جبيني و تندفع شفتي السفلى إلى الأمام بقرف
            و أسير بضع خطوات ثم أتهالك على الطاولة
            فترقص السطور أمام عيني و توشك السيكارة أن تنتهي
            فأصلها بأخرى و يتناثر الرماد على ثيابي فأتركه على حاله
            ولم لا ألست يا صديقتي لفافة بشرية تحترق
            و لا أجد من ينفضني و لو عن طريق السخرة

            و يتابع قائلاً في وصف صراخ الأطفال :

            اعتدت أن أطالع في مقهى صغير يبعد عن الضجة
            فلم يكن لي أن أختار إن الأطفال في البيت يصرخون دائما
            و تخترق أصواتهم الحادة رأسي من جميع جوانبه


            1

            و لكنني لم ألقِ السلاح فقد حاولت و كم أغلقت عليّ الغرفة
            و جمعت الوسائد في المنزل و وسطت رأسي بينها
            و لكن عبثاً لا بد أن رئاتهم قد خلقت من فولاذ
            يلعبون و يزعقون و يخرج زعيقهم كصفير القاطرة
            و مهما كان السبب سخيفاً فإنهم يبكون

            لذا هرب الشاعر الشاب إلى المقاهى
            كمتنفس يبعده عن ضجيج الصغار و صراخهم

            و لكن هذه المقاهي الشرقية المفعمة بالدخان و الضجيج و السآمة
            يعلو الصدأ رويداً رويداً على النفوس الرهيفة الموهوبة
            و تعلو طبقات الصدأ و تتآكل النفس الإنسانية
            و في الحانة تنتهي قصة كل ليلة
            و ليس هذا عالمي الذي أبحث عنه إني غريب غريب يا صديقتي
            و أشعر بغربتي في كل دقيقة و لم أستطع التنفس بسهولة
            إني غريب غريبٌ يا صديقتي، أنتحر ببطء،
            و أُدفن حيّاً في أحشاء هذه المقاهي و الحانات
            إن مملكتي ليست من هذا العالم

            صراع حاد و توتر لا يهدأ بين ذاته المرهفة
            و الواقع الصعب المضطرب الذي أظهر الحياة له
            وحشاً نهماً يأكل أقدام السائرين :‏

            هو الدّرب يأكل أقدامنا‏
            و تطوي الرّمال الخطا الدّاميه
            و يلتهم الشوك من كفّنا
            و تنهّد في شهقة الهاوية

            إلى أين أمضي و حولي الحياة‏
            دروبٌ و أوهام يأسٍ مرير

            فإلى أين المسير و الحياة
            تمتد دروباً موحشة موحشة‏

            لمن بسمتي حين يبكي الغروب
            لمن دمعتي حين يشدو الضمير

            و كيف و أين المسير تقود ركاب العدم‏
            على نفثات الحنين‏ و في سخريات الندم‏


            ******************

            مع اضطراب الخارج و صراع الداخل المتأزم
            لم يجد ملاذا إلا الهروب إلى حضن أمه الأرض
            يتلمس فيه بعضاً من دفء و شيئاً من أمان
            فيتصور نفسه على سرير الهجعة الأخيرة
            و إلى جانبه أمه تحتضنه :‏

            أنا قرب السرير أنسج يا أمّ
            أمانيّ من شحوب المساء‏
            وغداً أنزوي و تمشين للقبر
            و تصحو الخطا على أشلائي‏
            أيّ نجم هناك في الأفق النائي
            ترامى على ذيول المساء


            و يسترسل الصوفى فى أشعاره تباريح روحه
            ممتلئا بصرخات غضب و يأس
            و آهات جريح بلا دواء و ما من شفاء

            أنا لا شيءَ و لا شيءَ سأحيا عبدَ وهمي
            عبثاً أنظر في الأعماق لا أُبصر شَيَّا
            و المدى الشاحبُ ما مات رؤىً في مقلتيّا
            هكذا أمضي مع الدهر و لا أشكو المُضِيّا
            أتخطّى الزمنَ الموغلَ إيقاعاً خفيّا
            أنا لا شيءَ و لا شيءَ وجودُ الكون فيَّا ‏

            *************

            من لقلب الحزين حطمه الدهر
            و ألقاه في خضم شقائهْ

            صارع الموج هازئاً لا يبالي
            وهو يلقى الإعصار من أنوائهْ

            باسماً للخطوب حتى
            تلاشى العزم منه و راح في إغمائهْ

            والليالي يعصفن عصف المنايا
            راقصات غضبي على أشلائهْ

            *************


            متحسرا على حاله و ما آل إليه

            يا طيور الغاب يا حسن الربيع الساحر
            أنسيتنّ فتى كان كزهر عاطر
            فتحت أكمامه أيدي الصباح الزاهر
            أنسيتن فتى كان جمال الخاطر
            ما له بات كئيباً كالطريد السادر
            ما دهاه من تصاريف القضاء الجائر
            يا طيور الغاب هل تجدي دموع الحائر
            ما نجا الإنسان من عسف الزمان الغادر

            تعليق


            • #7
              ثم بداية النهاية

              حين نبض القلب لعشق ممنوع مستحيل
              قصة حبه الأول التعيس
              إضافة مخيفة منذرة لأصعب إنكساراته
              ففى اجواء البيت الاسرى المتدين التصوف
              لم يكن مقبولا بأى شكل من الأشكال
              الترحيب بحبيبة على غير دينه
              فإنطفات فى مخيلته كل الأمال و أغلقت ابواب الرجاء
              حتى و إن عبرت فى حياته القصيرة أخريات
              فقد بقيت حبيبته هى الداء الذى نخر
              فى روحه المجهدة حتى النهاية

              كيف لا أشكو و دائي ليس يشفيه دواءْ
              لست أدري هل لداء الحب يا قلب شفاءْ
              جف سحري و شبابي و مضى نحو الضناءْ
              كيف لا أندب عهداً عشت فيه بصفاءْ
              و به حقق حلمي فتذوقت الهناءْ
              و نسيت الدهر و البؤس و ألوان الشقاءْ
              آه لو عاد و أحيا السحر فينا و البهاءْ
              حطم الدهر الأماني فهي يا قلبي هباءْ


              **********

              بدأ هذا الحب في سن المراهقة و كانت حبيبته جارة له
              و لقلة فرص اللقاء راح شاعرنا يصور مشاعره المشبوبة
              فى رسائل حارة صادقة بينما فيما يبدو كانت الفتاة فى المقابل
              تكن له إعجابا متحفظا عبر رسائلها مما يرجح أن شعره الغزلى
              و إهتمامه المفرط بها لم يتجاوز مجرد إرضاء غرورها

              نالا البكالوريا و أتيحت لهما فرص اللقاء فى مدرسة تعليمية
              فى حمص بين المعلمين و تواصلت رسائله إليها بين الرجاء و اليأس :

              عزيزتي س حينما تنطلق العاصفة من الأفق البعيد
              أو يسرع الراعي بقطيعه الى كهفه المظلم
              تسرع نفسي كذلك الى كهفها السحيق و تنزوي في ركن بعيد
              تناجي أشباحها الثائرة
              حينما تنطلق العاصفة تختفي تحت أجنحتها ذكرياتي خائفة مذعورة
              حاملة قصة حياتي الى الأجيال لقد حملت ذاتي أفتش لها عن وجود عميق
              وانطلقت باحثة عن الأبدية
              هناك لم أجد في مخيلة الزمن إلا صورتك تنطبع على صفحات روحي
              فتملؤه كما تملأ الألحان أرواح الهائمين

              في رسالته إلى ليلى كما يسميها و لكنه يذكر أن اسمها
              يبدأ بحرف س الذى بقى لغزا

              يقول في إحدى هذه الرسائل و هي رسالته الأولى لها
              مؤرخة في 16 أغسطس 1954 حمص :

              إن حبك يا ليلى قد فتح أمامي هذه الآفاق
              التي كنت أظنها موصدة في وجهي إلى الأبد
              لقد جعلتني أقف و بدون انتظار على حقيقة العظمة الكامنة
              في الطاقة الروحية للإنسان و التي قد تنطلق بتحسسها العنيف للجمال
              فتخلق التوازن الدائم بين المتناقضات
              أجل يا حبيبتي إنني وجدت في حبك ما كنت أبحث عنه
              لقد استطعت أن أتحرر من وحدتي و أبدأ تجربتي لإدراك الجمال
              و الاندماج الحار في العالم لقد تفجّرت نفسي بكل ما فيها
              و انقلبت إلى تناغم و ترنيم لست بحاجة يا ليلى إلا لقلبك الكبير
              لا لست مغاليًا حين أسجد خاشعًا أمام المرأة الوحيدة
              التي استطاعت أن تحرر قلبي

              و في رسالة أخرى يقول :

              لقد ملكت ذكراك اليوم عليّ كل شيء كم أحبك يا ليلى
              هذا الحب الذي يسميه المراهقون جنونًا و عبادة
              و يسميه الكبار حبًا يطغى على كل شيء
              أردت أن أطرد بقسوة صورتك من مخيلتي لكني لم أستطع
              كنت أجد فيها العزاء و السلوى لي أنا الطفل المتألم
              أتذكرك في الليل فأنفجر باكياً


              1

              و مرت الشهور و الأعوام و هذا الشعور يقوى و يملأ كل وجودي
              و أبداً كنتِ المرأة الوحيدة التي تراميت على طيفها
              و كم كانت تمر الساعات الطوال و أنا في غمرات عنيفة من الألم المرير
              أتقلب على الفراش و في سكون الليل عندما يرقد القطيع
              ينبعث من أعماقي صوت خافت محموم ينادي باسمك
              و الدموع تنهمر بغزارة فتبلل وسادتي الملتهبة
              و كنت كلما أراكِ فلا أظفر إلا بنظرة حائرة
              و كثيراً ما يدفعني الحنين إلى البحث في عيونك
              عن سر تلك النفحة الروحية التي جعلتني أقدسها و أعبدها
              و لعلك كنت تدهشين من تصرفاتي الغريبة


              1


              و في الرسالة الثانية إليها كتب يقول :

              هل تجدين الثقة في نفسك لتنطلقي من مجتمع المرأة الشرقية
              في هذا العالم الذي خلقته أنا من دموعي و آلامي
              إلى تلك المثل العليا التي وجدتها في أعماقي
              أليس الألم هو ينبوع حي من ينابيع الحياة كما يقول نيتشه
              هل تمدين يدك إليّ أنا التائه الضارب في بيدائي
              لأجد في صدرك الحنان الحنان العميق
              حنان الأم نحو طفلها المريض و حنان الصديق نحو صديقه المتألم
              و حنان الأخت نحو أخيها الحائر
              إنني في اضطراب جامح و قلق مستمر
              لا أجد ذلك التركيز المنطقي في عواطفي
              و هذا هو مركب النقص الذي أقع فيه والذي يلمسه كل من أعجب بي

              و في رسالة ثالثة كتب شاكيا لوعة الحب قائلا :

              كيف لا أشكو و دائي لا يشفيه دواء



              يتبع

              تعليق

              مواضيع تهمك

              تقليص

              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
              يعمل...
              X