إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مي زياده سيره اديبه

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مي زياده سيره اديبه

    مي زياده سيره اديبه
    ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين العام 1886
    ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد.
    تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان.
    وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. وهناك, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية,
    وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها.
    وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
    وفى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة.
    وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه,
    كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف,
    أنطون الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, وأحمد شوقي.
    وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته.
    أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة
    ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.
    نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية,
    مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف).
    أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية,
    ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية.
    وفيما بعد صدر لها:
    باحثة البادية 1920
    كلمات و إشارات 1922
    المساواة 1923
    ظلمات و أشعة 1923
    بين الجزر و المد 1924
    و الصحائف 1924
    وفى أعقاب رحيل والديها و وفاة جبران
    تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938
    إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة,
    و أوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر
    و أودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت.
    وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني
    و شخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها.
    وعادت ميّ إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954

  • #2
    نماذج من اعمال مي زيادة
    عام سعيد

    كلمة يتبادلها الناس في هذه الأيام ولا يضنّون بها إلاّ على المتشح بأثواب الحداد, فإِذا ما قابلوه جمدت البسمة على شفاههم وصافحوه صامتين كأنما هم يحاولون طلاء وجوههم بلونٍ معنويٍّ قاتم كلون أثوابه.

    ما أكثرها عادات تقيِّدنا في جميع الأحوال فتجعلنا من المهد إلى اللحد عبيدًا! نتمرّدُ عليها ثم ننفِّذ أحكامها مرغمين, ويصح لكل أن يطرح على نفسه هذا السؤال: (أتكون هذه الحياة (حياتي) حقيقة وأنا فيها خاضع لعادات واصطلاحات أسخر بها في خلوتي, ويمجُّها ذوقي, وينبذها منطقي, ثم أعود فأتمشى على نصوصها أمام البشر)?

    يبتلى امرؤٌ بفقد عزيز فيعين لهُ الاصطلاح من أثوابه اللون والقماش والتفصيل والطول والعرض والأزرار فلا يتبرنط, ولا يتزيا, ولا ينتعل, ولا يتحرك, ولا يبكي إِلاّ بموجب مشيئة بيئته المسجلة في لوائح الحداد الوهمية, كأنما هو قاصر عن إِيجاد حداد خاص يظهر فيه - أو لا يظهر - حزنه الصادق المنبثق من أعماق فؤاده.

    إِذا خرج المحزون من بيته فلا زيارات ولا نُزَه ولا هو يلتقي بغير الحزانى أمثاله. عليه أن يتحاشى كل مكان لا تخيِّم عليه رهبة الموت; المعابد والمدافن كعبة غدواته وروحاته يتأممها وعلى وجهه علامات اليأس والمرارة.

    وأما في داخل منزله فلا استقبالات رسمية, ولا اجتماعات سرور, ولا أحاديث إِيناس. الأزهار تختفي حوله وخضرة النبات تذبل على شرفته, وآلات الطرب تفقد فجأة موهبة النطق الموسيقي; حتى البيانو أو الأرغن لا يجوز لمسه إِلاّ للدرس الجدي أو لتوقيع ألحان مدرسية وكنسية - على شريطة أن يكون الموقّّع وحده لا يحضر مجلسه هذا أحد. أما القرطاس فيمسى مخططًا طولاً وعرضًا بخطوط سوداء يجفل القلب لمرآها.

    كانت هذه الاصطلاحات بالأمس على غير ما هي اليوم, وقد لا يبقى منها شيء بعد مرور أعوام, ولكن الناس يتبعونها الآن صاغرين لأن العادة أقوى الأقوياء وأظلم المستبدين.

    إن المحزون أحق الناس بالتعزية والسلوى; لسمعهِ يجبُ أن تهمس الموسيقى بأعذب الألحان, وعليه أن يكثر من التنزه لا لينسى حزنه فالحزن مهذب لا مثيل له في نفسٍ تحسنُ استرشاده, وإِنما ليذكر أن في الحياة أمورًا أخرى غير الحزن والقنوط.

    ألا رُبَّ قائلٍ يقول إن المحزون من طبعه لا يميل إِلي غير الألوان القاتمة والمظاهر الكئيبة, إِذن دعوه وشأنه! دعوه يلبس ما يشاء ويفعل ما يختار! دعوا النفس تحرّك جناحيها وتقول كلمتها! فللنفس معرفة باللائق والمناسب تفوق بنود اللائحة الاتفاقية حصافة وحكمةً.

    بل أرى أن أخبار الأفراح التي يطنطن بها الناس كالنواقيس, ومظاهر الحداد التي ينشرونها كالأعلام, إنما هي بقايا همجية قديمة من نوع تلك العادة التي تقضي بحرق المرأة الهندية حيةً قرب جثة زوجها. وإِني لعلى يقينٍ من أنه سيجىءُ يومٌ فيه يصير الناس أتم أدبًا من أن يقلقوا الآفاق بطبول مواكب الأعراس والجنازات, وأسلم ذوقًا من أن يحدثوا الأرض وساكنيها أنه جرى لأحدهم ما يجري لعباد الله أجمعين من ولادةٍ وزواجٍ ووفاة.

    وتمهيدًا لذلك اليوم الآتي أحيِّي الآن كلَّ متشّحٍ بالسواد; أما السعداء فلهم من نعيمهم ما يغنيهم عن السلامات والتحيات.

    أحيِّي الذين يبكون بعيونهم, وأولئك الذين يبكون بقلوبهم: أحيِّي كلَّ حزين, وكل منفردٍ, وكل بائسٍ, وكل كئيب. أحيِّي كلاًّ منهم متمنية له عامًا مقبلاً أقلَّ حزنًا وأوفر هناء من العام المنصرم.

    نعم للحزين وحده يجب أن يقال عام سعيد

    تعليق


    • #3
      الإخاء

      إنّ كلمة الإخاء التي ينادي بها دعاة الإنسانية في عصرنا, ليست ابنة اليوم فحسبُ, بل هي ابنة جميع العصور, وقد برزت إلى الوجود منذ شعر الإنسان بأنّ بينه وبين الآخرين اشتراكًا في فكرة أو عاطفة أو منفعة, وبأنهم يشبهونه رغبات واحتياجات وميولاً. يجب أنْ يتألم المرء ليدرك عذوبة الحنان, يجب أنْ يحتاج إلى الآخرين ليعلم كم يحتاج غيره إليه, يجب أنْ يرى حقوقه مهضومة يُزدري بها ليفهم أنّ حقوق الغير مقدسة يجب احترامها, يجب أنْ يرى نفسه وحيدًا, ملتاعًا, دامى الجراح ليعرف نفسه أولاً ثم يعرف غيره, فيستخرج من هذا التعارف العميق معنى التعاون والتعاضد. كذلك ارتقى معنى الإخاء بارتقاء الإنسان.
      فى جمعيات سرية وعلنية, في جمعيات علمية وفلسفية ودينية وروحانية استُعملت كلمة الإخاء بين الإنسان والإنسان قرونًا طوالاً, حتى جاءت الثورة الفرنساوية تهدم أسوار العبودية بهدم جدران الباستيل, وتعلن حقوق الإنسان مستخلصة من بين الأخربة والدماء والجماجم, كلمات ثلاثًا هنَّ شعار العالم الراقي: حريةٌ, مساواة, إخاءٌ.
      حرية, مساواة: كلمتان جميلتان يخفق لهما قلبُ كل محب للإنسانية, لكن - لا بدَّ لكل شيءٍ من (لكن) - هل كان تحقيقهما في استطاعة البشر? ما أضيق معنى الحرية إذا ذكرنا أنّ مجموعة الكائنات تكوّن وحدة العالم, وأنّ على كلٍّ منها أنْ يصل إلى درجة معينة من النمو مشتركًا مع بقية الكائنات في إكمال النظام الشامل. وفي وسط هذا النظام القاهر نرى الإنسان وحدهُ متصرفًا في أفعالهِ بشرط أنْ يخضع للقوانين المحيطة به والنافذة فيه. هو حرٌّ بشرط أنْ تنتهي حريته حيث تبتدئ حرية جاره, وبشرط أنْ يعلم أنه حيثما وجَّه أنظاره وأفكاره وجد نظامًا معينًا; وأنّ حريته, كلَّ حريتهِ, قائمة في اختيار السير مع ذلك النظام أو ضده, واستعماله للخير أو الشر, للربح أو الخسران. فما أكثرها شروطًا تقيد هذه الحرية التي تندكُّ لأجلها العروش وتتطاحن الأمم للحصول عليها!
      أما المساواة فحلمٌ جميل ليس غير. لأن الطبيعة في نشوئها التدريجى لا تعرف إلاّ الاختلاف والتفاوت. أين المساواة بين النشيط من البشر والكسول, بين صحيح البنية والعليل وراثة, بين الذكي وغير الذكي, بين الصالح والشرير? كلا, ليست المساواة بالأمر الميسور, بل هي معاكسة لنظام حيوي إذا غولب كان غالبًا قاهرًا.
      كلمة واحدة, تجمع بين حروفها الحرية والمساواة, وجميع المعاني السامية والعواطف الشريفة. كلمة واحدة تدلّ على أنّ البشر إِذا اختلفوا في بشريتهم اختلافًا مبينًا فهم واحد في الجوهر, واحد في البداية والنهاية. كلمة واحدة هي بلْسم القروح الاجتماعية ودواء العِلل الإنسانية, وتلك الكلمة هي الإخاء. لو أدرك البشر أخوَّتهم لما رأينا الشعوب مشتبكات بحروب هائلة صرعت فيها زهرة الشبيبة, وما زالت الدماء جارية في القارات الأربع وما يظللها من سماء ويتخللها من ماء. لو أدرك البشر أخوَّتهم لما وجدنا في التاريخ بقعًا سوداء تقف عندها نفوسنا حيارى. لو أدرك البشر أخوَّتهم لما رأينا المطامع تدفع الأمم القوية إلى استعباد الأمم الضعيفة. لو أدرك البشر أخوَّتهم لما سمعنا في اجتماعاتنا كلمات جارحات يجازف بها كلٌّ في حق أخيه, وهي من أركان أحاديث صالوناتنا الجميلة. ولكن لننزلنَّ قليلاً إِلي ما هو تحت السياسة والتاريخ والصالونات, لننزلنَّ إلى مهبط الشعب حيث الشقاء مخيم, واليأس مستديم.
      يتفجر ينبوع النهر في أعالي الجبال, فيهرول مقهقهًا على الصخور, حتى إذا ما حشر وسط الشواجن الخضراء ملأ الوادي ألحانًا وأنغامًا. يجري في الصحاري والقفار فتنقلب القفار والصحاري مروجًا خصيبة وجنات زاهرة. يسير في البادية والحضر على السواء فيروي سكان المدينة وأهل القرية بلا تفريق بين الشريف والحقير. يرضع الأشجار بتغلغله في صدر الأرض الملتهب, ويغذي الأثمار والنبات ناظمًا لآلىء في ثغور الورود. وكلما وزع من مياههِ زادت مياههُ اتساعًا وتدفقًا, فيتابع السير بعقيقه الفخم واسع العظمة رحب الجلال, حتى إذا ما جلب النفع على الكائنات, وملأ الديار خيرًا وثروة وجمالاً, رأي البحر منبسطًا لاحتضانه, فشهق الشهيق الأخير, وانصبّ في صدر البحر مهللاً مكبرًا. كذلك عاطفة الأُخوَّة لا تكون أخوَّة حقيقية إلاّ إذا خرجت من حيز الشعور إلى حيز العمل, تنفجر عذوبتها على ذرى الاجتماع, وتجري نهرًا كريمًا بين طبقات المجتمع, فتلقي بين المتناظرين سلامًا, وبين المتدينين تساهلاً, وتنقش محامد الناس على النحاس; أما العيوب فتخطّها على صفحة الماء. تساعد المحتاج ما استطاعت بلا تفريق بين المحمدي والعيسوي والموسوي والدهري. ترفع المسكين من بؤس الفاقة, وتنشر على الجاهل أشعة العلم والعرفان, وتفتح أبواب الرجاء لعيونٍ أظلمتها أحزان الليالي. فكم من درةٍ في أعماق البحر لم تُسَرَّ بها النواظر لأن يد الغوَّاص لم تصل إليها! وكم من زهرة نوَّرت في الفقر, فتبدد عطرها جزافًا في الهواء! إنما الإخاء يزيح بيده الشفيقة الشوك عن الزهرة المتروكة, ويرفع لها جدرانًا تقيها ريح السموم الفتاك. هو العين المحبة التي ينفذ نظرها إلى أعماق النفس فتري أوجاعها, وهو الهمة العاملة لخير الجميع بثقة وسرور, لأنه القلب الرحيم الخافق مع قلب الإنسانية الواجف.
      الإخاء! لو كان لي ألف لسان لما عييتُ من ترديد هذه الكلمة التي تغذت بها الضمائر الحرة, وانفتحت لها قلوب المخلصين. هي أبدع كلمة وجدت في معاجم اللغات, وأعذب لفظة تحركت بها شفاه البشر. هو اللِّين والرفق والسماح, كما أنه الحِلم والحكمة والسلام. لو كان لي ألف لسان لظللت أنادي بها (الإخاء! الإخاء!) حتى تجبر القلوب الكسيرة, حتى تجف الدموع في العيون الباكية, حتى يصير الذليل عزيزًا, حتى يختلط رنين الأجراس بنغمات المؤذنين, فتصعد نحو الآفاق أصوات الحب الأخويّ الدائم
      -------------------
      من كتاب (كلمات وإشارات), 1922

      تعليق


      • #4
        اليقظة

        فليحي الاستقلال التام!
        فلتحي الحرية!
        فلتعش مصر حرة مستقلة!
        فليحي الوطن!

        انتبهنا يومًا على وقع هذه الأهازيج غير المألوفة التي سرعان ما اهتدت إلى مصبّها في القلوب, كالماء يفيض فيتدفق على منحدر هُيئ له منذ أجل مديد.
        الأفواج, أفواج المتظاهرين, تتقاطر من كل صوب. والأعلام التي طال عليها العهدُ في الحقائب تخفق فوق الرؤوس خفوق الألوية المنتصرة. وهتاف المئات والألوف ينتظم متجمعًا في نبرة واحدة وقياس واحد, كأنه من صوتٍ واحد ينطلق. والأصداء الشائعة يصدمها هنا وهناك ترجيعُ المواكب الجائبة أنحاء المدينة في هرج وتهليل. والجوّ يدوي بارتطام الأصوات, وقرع الطبول, وعزف الآلات, وزغردة النساء بين الهتاف والتصفيق.
        وتمشت روحُ النشوة إلى الضيف والنزيل فأذابت ما بين الأجناس والشعوب والمذاهب من جليد, وألغت حاسة التفرق وسوءِ التفاهم ضامَّة النفوس كما في اعتناق من التعاطف وحسن الوئام.
        لمن يهتف الأجانب? وأي الألوية ينشرون? وعلام تنثر أياديهم الرياحين وفرائد العطور?
        أتراهم يحتفون بعيد الوطنية الشاملة لظهور طلائع الوطنية عند شعب يستفيق فتحييه حتى جنودُ الإنجليز وضباطهم بالإشارة والتلويح, ويُحييه الجميع بالأصوات والألوان والأزهار?
        نعم. في ذلك اليوم من أواسط شهر مارس سنة 1919 وقد عبق الهواءُ ببشائر الربيع, ونوَّرت البراعم الزهية على الغصون, وسَرت في الأجساد نفحة التجديد كرسول من حياة الأرواح, في ذلك اليوم الغني بتنبهِ الأرض بعد هجود الشتاءِ استيقظت أمة الوادي الجاثم بين البحر والصحراءِ.
        استيقظت الأمة وهتفتْ. فإذا في صوتها غضبة الأسود, ومفاداة الأبطال, وعزم الرجال, ومرح الأطفال, وحنو النساء, وصدق الشهام.
        []***[/]
        وتصرَّمت أيام الفرح والهناء بعد أيام الاحتجاج والمطالبة, فسارت الجماهير وراء نعوش الموتى.
        سارت كاسفة لدى زوال صور الحياة, متهيبة حيال جلال الموت. لا إن العاطفة المستجدَّة ظلت تجيش وتطمي حينًا بعد حين. وبصوت المفجوع الذي تزكى منه التضحيةُ الحمية, تهتف الجماهير وراء الإعلام المنكسة:
        فليحى الوطن!
        فلتحى مصر!
        فليحى ذكر شهداء الحرية!
        يا للرعشة العجيبة تعرو النفس لنداء الحماسة والاستبسال! إن القلب عنده جازعٌ والطرف دامع, أمام مشاهد الفوز ووراء نعوش الضحايا على السواء.
        وكأني خلال الألفاظ المتكررة في الفضاء المجوف, سمعتُ مصر الفتاة تقول:
        لقد كنتَ, أيها القطر, مسرحًا خاليًا منذ أجل طويل,
        مسرحًا زيناته هذه السماءُ الزرقاء وهذه الصحراءُ العفراء وهذا الليل الناعم السحيق المغري إلى تلمس الأسرار, وهذه الشمس المشرقة أبدًا كمجد لا ينقضي.
        - كلّك, يا هذه الأجواء والمروج والبقايا والأمواه, إنما كنتِ مسرحًا خاليًا ينتظر.
        لقد مللتِ شلال الذراري المتلاحقة في ربوعك صامتة خانعة تجهل اسم الأمل والقنوط.
        وانتظرتِ طويلاً طويلاً, انتظرت صوتًا يليق بعلواء تاريخكِ العظيم.
        وها قد آن الأوان فهببتُ فاسمعي!
        اسمعي صوتي يخاطب الرعاة بين النخيل, والكهان في الهياكل, والفراعنة والبطالمة في البلاطات والقصور.
        يخاطب الغزاة والفاتحين من عتاة العهد القديم والعهد الجديد,
        قائلاً إن كل ما حلّ بي من نكبات وعلل أخرسني حيناً ولكنه لم ينل من حيويتي!
        لقد استيقظتُ, أيتها الأمم, استيقظ الشعبُ الصريع المستعبد!
        استيقظ وأرسل كلمته الأولى:
        كلمةً أسنى من الربيع, وأبقى من الارض, ترنّ في قلبي فأزيد وثوقًا بما أريد وأبتغي.
        كلمة هي تتمة للماضي, وعهد للمستقبل. كلمة هي المنبه, والغاية, والوسيلة.
        كلمة عميقة رحيبة كالحياة: الحرية!
        - عرفت أوروبا العرب بفتوحاتهم الواسعة. ولم تكن لتصدق في بادئ الأمر أن سكان البادية يحسنون شيئًا غير النهب والسلب والتخريب. على أنها ألفَت مع الزمن وجودهم في الأندلس. ولما أن رأت أسبانيا مستمتعة بعيشٍ رغيد في أمان وسلام, أرغم أهلها على الإقرار بأن العرب بارعون في فنون السلم كما أنهم متفوقون في فنون الحرب. وما تأسست جامعة قرطبة العظيمة وطارت شهرتها إلى ما وراء جبال البرنات, حتى توارد علماء الفرنجة يطلبون العلم على علماء المسلمين.
        - ومعلوم أن أوروبا مدينة للعرب بكتب جمة نقلها اليهود من العربية إلى العبرية ثم ترجمت إلى اللاتينية ومنها إلى اللغات الأوروبية الحديثة. كما أن فلسفة أرسطو لم تصل إلى علماء القرون الوسطي إِلاّ عن طريق العرب وبعد تراجم أربع: من اليونانية إِلي السريانية, فالعربية, فالعبرانية, فاللاتينية.
        وقد نشر الأستاذ سلامة موسى في جريدة (البلاغ) المصرية مقالاً عن (العلوم والحضارة, ونصيب العرب فيها) نقلاً عن مجلة (كونكست) الإنجليزية, جاءَ فيه: (إن العلم الحقيقي دخل أوروبا عن طريق العرب لا عن طريق الإغريق, فقد كان الرومان أمة حربية وكان الإغريق أمة ذهنية; أما العرب فكانوا أمة علمية.
        (فإنهم غزوا ممالك الشرق مثل الهند وفارس وبابل, وتعلموا منها كلَّ ما استطاعت هذه البلاد أن تقدمه لهم. ولم يقتصر علمهم على الصنائع اليدوية مثل النسج والدباغة والصباغة التي اشتهر بها الشرق. ولكنهم تعلموا أيضًا جميع ما يمكن تعلمه من الهندسة والطب والميكانيكيات.
        (وقد أحرق البطريرك كيرلس مكتبة الإسكندرية في القرن الخامس, فهجر آلاف من العلماء تلك المدينة إلى فارس واستوطنوها. فلما ظهر العرب عادوا فجمعوا تلك المعارف المشتتة, بل أضافوا إِليها).
        (ثم انتشروا في الغرب, وجازوا البحر إلى أسبانيا حيث لا يزال شاهداً على عبقريتهم مسجدا قرطبة والحمراء. وقد كان سكان مدينة قرطبة يزيدون عن المليون في القرن الثالث عشر. وكانت شوارعها مبلطة ومضاءَة. وكان فيها ما لا يحصى من الحمّامات. وكان فيها نحو مائة مستشفى عمومي. ولعل القارئ يدرك قيمة ذلك إذا عرف أن شوارع باريس لم يوضع عليها البلاط إِلا في ختام القرن الخامس عشر ولم يكن في لندن في نصف القرن السادس عشر مصباح واحد في شوارعها. أما الحمامات والمستشفيات فلم تعرفهما هاتان المدينتان إِلا بعد قرون.
        (فنحن مدينون للعرب باستكشافاتهم العلمية أكثر مما نحن مدينون لهم بثقافتهم أو فنونهم. فهم روَّاد الزراعة العلمية والتربية العلمية للدواجن. وقد زادوا معلوماتنا عن الكيمياء ونواميس البصر, وعرفوا حمض الكبريت وحمض النيترات. وهم الذين علمونا الحساب والجبر وأضافوا الصفر إلى الأعداد الهندية التسعة. وكان الناس قبلاً يعتمدون على الهندسة في تقديراتهم, فاخترعوا الحساب الأعشاري. وكان علماء العرب يعتمدون على المشاهدة في أبحاثهم بخلاف الإغريق فإِنهم كانوا يعتمدون على الفلسفة. ولكن العلم لا يرقى إلاّ بالمشاهدة والتجارب. وقد استعمل العرب المغناطيس كما أنهم استخدموا البوصلة في الملاحة) اهـ.
        كذلك أدَّى العرب إِلي الإنسانية ما على الأمم الكبيرة من واجب النفع والإفادة. انتشرت لغتهم وحضارتهم أيما انتشار فكانوا صلة أمينة, صلة خير وضياءٍ بين العصور الخالية والقرون الحديثة. ولما هبط الصليبيون الشرق عادوا إِلي بلادهم يحملون بعض أنظمة العرب التي اطلعوا عليها في رحلتهم. فاقتبسلها الأوروبيون وقدروها قدرها. وعلى ذلك الأساس العربي المتين أقامت أوروبا صرح مدنيتها الحديثة
        -------------------
        من كتاب (بين الجزر والمد), 1924

        تعليق


        • #5
          أنتَ أيها الغريب

          أنا وأنت سجينان من سجناء الحياة, وكما يُعرَف
          السجناء بأرقامهم يُعرَف كلُّ حي باسمهِ.
          - بنظرك النافذ الهادئ تذوقتُ غبطة من لهُ عينٌ
          ترقبه وتهتم به. فصرت ما ذكرتك إلاّ ارتدت نفسي
          بثوب فضفاض من الصلاح والنبل والكرم, متمنية أن
          أنثر الخير والسعادة على جميع الخلائق.
          لي بك ثقةٌ موثوقة, وقلبي العتيُّ يفيض دموعًا.
          سأفزع إلى رحمتك عند إخفاق الأماني, وأبثك شكوى
          أحزاني - أنا التي تراني طروبة طيارة.
          وأحصي لك الأثقال التي قوست كتفيَّ وحنت
          رأسي منذ فجر أيامي - أنا التي أسير محفوفة
          بجناحين متوجة بإكليل.
          وسأدعوك أبي وأمي متهيبة فيك سطوة الكبير
          وتأثير الآمر.
          وسأدعوك قومى وعشيرتى, أنا التي أعلم أن
          هؤلاء ليسوا دوامًا بالمحبين.
          وسأدعوك أخي وصديقي, أنا التي لا أخ لي ولا
          صديق.
          وسأطلعك على ضعفي واحتياجي إلى المعونة, أنا
          التي تتخيل فىَّ قوة الأبطال ومناعة الصناديد.
          وسأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان, ثم أبكى
          أمامك, وأنت لا تدري .
          وسأطلب منك الرأي والنصيحة عند ارتباك فكري
          واشتباك السبل.
          كل ذلك, وأنت لا تعلم!
          سأستعيد ذكرك متكلمًا في خلوتي لأسمع منك
          حكاية غمومك وأطماعك وآمالك. حكاية البشر
          المتجمعة في فرد أحد.
          وسأتسمع إلى جميع الأصوات علِّي أعثر على
          لهجة صوتك.
          وأشرِّح جميع الأفكار وأمتدح الصائب من الآراء
          ليتعاظم تقديري لآرائك وأفكارك.
          وسأتبين في جميع الوجوه صور التعبير والمعنَى
          لأعلم كم هي شاحبة تافهة لأنها ليست صور تعبيرك
          ومعناك.
          وسأبتسم في المرآة ابتسامتك.
          فى حضورك سأتحول عنك إلى نفسي لأفكر فيك,
          وفى غيابك سأتحول عن الآخرين إليك لأفكر فيك.
          سأتصورك عليلاً لأشفيك, مصابًا لأعزيك,
          مطرودًا مرذولاً لأكون لك وطنًا وأهل وطن, سجينًا
          لأشهدك بأي تهور يجازف الإخلاص, ثم أبصرك
          متفوقاً فريدًا لأفاخر بك وأركن إليك.
          وسأتخيل ألف ألف مرة كيف أنت تطرب, وكيف
          تشتاق, وكيف تحزن, وكيف تتغلب على عاديّ
          الانفعال برزانة وشهامة لتستسلم ببسالة وحرارة إلاّ
          الانفعال النبيل. وسأتخيل ألف ألف مرة إلى أي درجة
          تستطيع أنت أن تقسو, وإلى أي درجة تستطيع أنت أن
          ترفق لأعرف إلى أي درجة تستطيع أنت أن تحب.
          وفى أعماق نفسي يتصاعد الشكر لك بخورًا لأنك
          أوحيت إليّ ما عجز دونه الآخرون.
          أتعلم ذلك, أنت الذي لا تعلم? أتعلم ذلك, أنت
          الذي لا أريد أن تعلم?
          ------------------
          من كتاب (ظلمات وأشعة), 1923

          تعليق


          • #6
            العزيزة شريرة

            أحببت كثيرا هذا الاختيار ...

            مى زيادة
            فكم أشعلت مى خيالى فى بدايات الشباب
            و هز وجدانى تواصلها عل البعد مع جبران خليل جبران
            و كل تلك الأسماء المرموقة اللامعة فى ندوة الثلاثاء
            ممن أحبوها و الهمتهم روائع أقلامهم .
            و اليوم ...تلقين االأضواء على بعض
            من أعمالها القيمة


            تأثرت بشدة من ضعفها فى
            أنت ايها الغريب
            و احتياجها لمن تقوى به فى وجه الحياة
            رغم كل من عرفتهم
            فى حضورك سأتحول عنك إلى نفسي
            لأفكر فيك
            وفى غيابك سأتحول عن الآخرين إليك
            لأفكر فيك.
            سأتصورك عليلاً لأشفيك
            مصابًا لأعزيك
            مطرودًا مرذولاً
            لأكون لك وطنًا وأهل

            كل الشكر لك شريرة .

            تعليق


            • #7
              اشكرك شريرة لامتاعنا
              بالموضوع الجميل عن مى زيادة

              تعليق


              • #8
                الغالية زهرة الكاميليا
                اكثر ما جذبني لاقرأ لمي زيادة هو رسائلها لجبران
                والحب الجميل رغم البعد
                الحب الادبي الرائع


                على أجنحة متكسرة انسابت مفردات الإعجاب لتنسج أروع وأجمل قصة حب
                رومانسية بين "مي زيادة" وجبران خليل جبران.
                ثلاثة وعشرون عاماً بقي الحب مخبأ في العيون وفي قلبيّ العاشقين وبين
                سطور الرسائل التي حملتها طيور الدوري عبر أشجار الأرز والسرو وبين الوديان
                لتوصلها من عاشق لآخر. كان جبران يسأل مي عن رنة التوجع في كلماتها الجميلة...
                كيف لا وهي تعيش لوعة الحب الممنوع آنذاك وعندما اعترفت كان ذلك على الورق قائلة:
                ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب واستدركت في لحظتها وقالت:
                كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا؟ الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به ولو كنت
                الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً... نعم هذا الخجل الجبلي الجميل الذي يعطي لحب "مي"
                قدسية ويضعه في محراب يصلي به العاشقان في مدى الأزمنة.

                ولعل هذا التواصل الروحي هو الذي أوحى لجبران بذلك الحلم الذي رسم فيه معالم النهاية
                بتراجيدية لحياة حبيبته مي زيادة عندما كتب لها "مي.. يا ماري.. يا صديقتي استيقظت
                من حلم غريب، ولقد سمعتك تقولين لي في الحلم كلمات حلوة ولكن بلهجة موجعة،
                والأمر الذي يزعجني ويزعجني جداً، هو أنني رأيت في جبهتك جرحاً صغيراً يقطر دماً".
                وبعد عشرين عاماً تتحقق نبوءة جبران... أي نفحة روحية تلك التي تجعل الحبيب قادراً
                على مشاهدة مصير الحبيبة، وأي شعلة حملت نبأ هذا الحب الأسطوري وطارت به في

                الأفق بعيداً، لا شك أنها "الشعلة الزرقاء"،
                الكتاب الذي تحدث لأول مرة عن تلك القصة الملحمية وحمل رسائل مي زيادة وجبران
                خليل جبران لتسمو بلغة الأدب العربي وتسمو بلغة الحب الإنساني العميق،
                وفيما يلي الرسائل بتواريخها ودون تدخل منا، ننشرها كما هي موضحين للقارىء كيف
                ومتى نشأ هذا الحب ولماذا لم يلتق المحبان :

                جبران ما معنى هذا الذي أكتبه؟؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي،
                وأني أخاف الحب أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير، الجفاف والقحط واللاشيء
                بالحب خير من النزر اليسير.
                كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط فيه؟؟ لا أدري،
                الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به، لأنك لو كنت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً
                بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلاّ بعد أن تنسى.
                مي زيادة
                بتاريخ
                1924/1/15-

                ــــــــــ

                يا ماري...كنت في السادس من هذا الشهر أفكر فيك كل دقيقة بل كل لحظة، وكنت أترجم
                كل ما يقوله لي القوم إلى لغة ماري وجبران... وأنت تعلمين طبعاً أن كل يوم من أيام السنة
                هو يوم مولد كلواحد منا.

                إن "الامريكيين" أرغب شعوب الأرض في إرسال الهدايا والحصول عليها، ولسر خفي عني
                يعطف "الأميركيون" عليّ، وفي السادس من هذا الشهر أوقعني عطفهم في عرفان الجميل
                ولكن يعلم الله أن الكلمة الحلوة التي جاءتني منك كانت أحب لدي وأثمن عندي من كل ما
                يستطيع الناس جميعهم أن يفعلوا أمامي، الله يعلم ذلك وقلبك يعلم.
                ولقد هيأ لي اننا جلسنا أنا وأنت، بعيدين إلاّ عما بنا وتحدثنا طويلاً، وقلنا ما لا يقوله سوى
                الحنين، وقلنا ما لا يقوله سوى الأمل، ثم حدقنا بنجم بعيد وسكتنا، ثم عدنا إلى الكلام
                فتحدثنا حتى الفجر.

                والله يرعاك ويحرسك يا مريم، والله يسكب أنواره عليك، والله يحفظك لمحبك.
                جبران خليل جبران
                بتاريخ 12كانون الثاني عام 1925
                هذا الكلام الرقيق صادر عن اثنين من أهم كتّاب العربية في النصف الأول من هذا القرن.
                المرأة التي كتبت تعلن خوفها من الحب، الكاتبة الرومانطيقية البائسة التي كانت من
                أوائل طالبات جامعة القاهرة والتي كان عذابها كبيراً، حيث قضت آخر سنّي عمرها في
                مصح عقلي في لبنان، هذه المرأة فتنت آنذاك أهم رجالات الأدب والثقافة في عاصمة
                الشرق -القاهرة- بدءاً من لطفي السيد وانتهاءً بِ طه حسين، مروراً بالعقاد وبآخرين أقل
                شهرة.

                أما الرجل، فهو جبران خليل جبران الشاعر الرومانطيقي الأكثر شهرة بين أبناء جيله،
                والرسام والناثر، والثائر والمجدد...الذي طبقت شهرته الآفاق، والذي استطاع بتجديده في
                النثر العربي والشعر أن يغطي بظله معظم شعراء المهجر في عشرينات هذا القرن، ويكفي
                أن نقول أن كتابه "النبي" الذي كتبه بالانجليزية ما زال حتى الآن من أكثر الكتب مبيعاً في
                الولايات المتحدة الأميركية

                تعليق


                • #9
                  شكرا ملك على المرور الجميل تحياتي

                  تعليق


                  • #10
                    شكرا شريرة على الموضوع القيم
                    وللعلم فقد

                    أتقنت خمس لغات هي العربية ، والفرنسية ، والإنجليزية ، والإيطالية ، والألمانية
                    وكانت نابغة زكية تقول عن نفسها
                    ( ولدت في بلد وأبي من بلد وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد فلأي هذه البلاد أنتمي . إنما أريد وطناً لأموت من أجله أو لأحيا به.)
                    وكانت البداية بالنسبة لها في الحفل الكبير الذي أقيم في بهو الجامعة المصرية لتكريم الشاعر خليل مطران بمناسبة الإنعام عليه بوسام رفيع .. وهناك ألقت مي كلمة الكاتب المغترب جبران خليل جبران نيابة عنه.. وبعد أن عقبت على كلمة جبران . اشتعل حماس الجمهور لهذه الأديبة الشابة .. وصارت منذ تلك اللحظة حديث الناس. وكتبت مي ديوان شعر بعنوان "زهرات حلم " باللغة الفرنسية .. وكان هذا الديوان أول إنتاج أدبي لها أصدرته باسم مستعار هو " إيزيس كوبيا " وليس باسم مي . كان ذلك عام 1911 .. أي بعد ثلاث سنوات من إقامتها بمصر ولكن كيف ولدت فكرة الصالون في خاطر مي ؟ تأثرت مي بتجربة شهيرة في مطلع النهضة الأوربية خاصة في عصر لويس الرابع عشر في فرنسا حيث كان صالون مدام ريكاميه .. وكانت سيدة على جانب كبير من العلم والذكاء جعلت من إحدى غرف بيتها منتدى لتحريك الأفكار وتبادل الرؤى الثقافية والفكرية وعرفت هذه الغرفة بـ " الغرفة الزرقاء" . كما كان هناك صالون آخر شهيراً هو صالون مدام دوستايل وفي عام 1912 قدمت جريدة "الاهرام" لها شقة من مبانيها القديمة بشارع علوى تقديراً لظروف معيشتها البسيطة حيث كان دخلها من الكتابة وصحيفة (المحروسة التابعة لوالدها) ليس بالقدر الذي الذي يسمح لها بالسكن بشقة في وسط البلد . وفي هذه الشقة بدأت " مي" إقامة أول صالون ثقافي .. وعندما لمست تعلق القلوب والعقول بها أعلنت في تلك الليلة دعوتها لجميع الحضور للاجتماع في بيتها كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع . وكانت هذه اللحظة من ليلة 24 إبريل عام 1913 مولداً لصالون مي . يصفها المفكر الكبير محمود عباس العقاد فيقول: كل ما تتحدث به مي ممتعا كالذي تكتبه بعد روية وتحضير ، فقد وهبت ملكة الحديث في طلاوة ورشاقة وجلاء ، ووهبت ما هو أدل على القدرة من ملكة الحديث وهي ملكة التوجيه وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثقافة والمقال ، فإذا دار الحديث بينهم جعلته مي على سنة المساواة والكرامة وأفسحت المجال للرأي القائل الذي ينقضه أو يهدمه وانتظم هذا برفق ومودة ولباقة ولم يشعر أحد بتوجيه الكلام منها ، وكأنها تتوجه من غير موجه ، وتنتقل بغير ناقل وتلك غاية البراعة في هذا المقام. وهذه قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي يصف فيها أيضاً افتتانه بمي كأديبة وكامرأة: أسائل خاطري عما سباني *** أحسن الخلق أم حسن البيان ؟ رأيت تنافس الحسنين فيها *** كأنهما لمية عاشقان إذا نطقت صبا عقلي إليها *** وإن بسمت إليَّ صبا جناني
                    الفصل الأخير في حياة مي كان حافلاً بالمواجع والمفاجآت ! بدأ بفقد الأحباب واحداً تلو الآخر .. والدها عام 1929 . جبران عام 1931 . ثم والدتها عام 1932 وفي هذا الفصل كانت الأمور متشابكة معقدة في حياة هذه الأدبية العظيمة ، دخلت مستشفى للأمراض العقلية بحجة وهمية وخرجت منها ظافرة في عام 1938 ، وبعدها رفعت قضية حجر عليها بأسباب واهية منها أنها تنوي التبرع بمحتويات مكتبتها النفيسة إلى الأمة المصرية وبالنسخ المزدوجة إلى الأمة اللبنانية .. وبعد معاناة عادت إلى مصر في عام 1939، و أصابتها وعكة صحية فنقلت إلى مستشفى المعادي بالقاهرة حيث بذلت جهود مكثفة من الأطباء لإنقاذ حياتها .. لكن القدر كان قد كتب كلمته .. ونفذت إرادة الله .. وفاضت روح مي الطاهرة في التاسع عشر من أكتوبر عام 1941 .
                    أهم أعمالها :
                    باحثة البادية - عائشة التيمورية - بين المد والجزر - سوانح فتاة - الصحائف - كلمات وإشارات - ظلمات وأشعة - ابتسامات ودموع - أزاهير حلم " شعر بالفرنسية" - المساواة - وردة اليازجي - غاية الحياة - الحب في العذاب - رجوع الموجة . ليالي العصفورية
                    كذلك تركت عدداً كبيراً من المقالات في مختلف الجرائد والمجلات التي كانت تصدر في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي ومنها : مجلة "الزهور" و "المقتطف " و " الهلال" و " النهضة النسائية " و " المرأة المصرية ".. كما كتبت في صحيفة " المحروسة " و" الأهرام " وكان عام 1930 و 1931 من أخصب أعوام مي في الكتابة .. ومن بين أهم المقالات التي نشرتها بجريدة الأهرام في هذه الفترة مقال تحت عنوان : " جبران خليل جبران يصف نفسه في رسائله" ونشر بعد أحد عشر يوماً من وفاة جبران 1931

                    تعليق


                    • #11
                      مشكور العمدة على المرور و الاضافة الجميلة
                      تحياتي

                      تعليق

                      مواضيع تهمك

                      تقليص

                      المنتدى: المكتبة الالكترونية نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 04:01 PM
                      المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 03:44 PM
                      المنتدى: التعريف بالهندسة الصناعية نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 07-30-2025 الساعة 03:38 PM
                      المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-10-2025 الساعة 01:22 AM
                      المنتدى: الجوال والإتصالات نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 07-04-2025 الساعة 12:04 AM
                      يعمل...
                      X