الفنان نزار سليم
حياة بين الفن و السياسة

كتب علي ابراهيم الدليمي
ولد فناننا الراحل نزار سليم في 15 / 3/ 1925 في انقرة (تركيا) من ابوين عراقيين وقد احب وتعلق بالرسم منذ صغره وخصوصاً بعدما اصدر مع اخوته مجلة (الصبا) في مرحلة الدراسة الابتدائية وكانت هذه المجلة تخط
وترسم باليد .. وقد انحدر نزار وترعرع من بيئة فنية مختلطة في مجال الفنون والادب والمسرح اذ وجد نفسه ضمن محيط عائلي مشبع بمثل هذا الزخم من الفنون .. فوالده (الحاج سليم) الذي يعد من رعيل الرسامين الاوائل في العراق وحافظاً للقرأن ومقرئاً جيد للمقام وشقيقه النحات الخالد (جواد سليم ) صاحب (نصب الحرية) ببغداد فقد كان نحاتاً بارزاً ورساماً بارعاً وعازفاً للكيتار وشقيقه الفنان (سعاد) من الرسامين الرواد وممثل ورياضي ورسام كاريكاتوري معروف وشقيقته الرائدة (نزيهة).ومن تشعباته الفنية هذه نستخلص ان نزار قد سبق جيله بل وبرز بين عائلته (كما اراد ) في التعبير عن توجيه متقدم لم يتوفر لدى فناني جيله لهذا التشعب .. ولم يبال للخطر الذي كان سيحلق في اعماله من جراء التنوع وتوزيع جهده ما بين مواهبه هذه وقد كتب في احدى صفحات مذكراته متحدثاً عن (التعددية الابداعية) في حياته فيقول : عوالم نفسي متعددة الجوانب يراها البعض غير مستقرة على حال متضاربة واراها متكاملة منسجمة تعمق في ابعاد التجربة وتلونها فلا تبقيها على رتابة اوضيق فأنا ارسم واكتب (واكركت) واقرأ واستمع للموسيقى واجمع بين هذا وذاك ولاافرط في اي جانب من هذه الجوانب .

ويقول في مقدمة دليل معرضه التكريمي 1979 ... يستغل الفنان جميع حواسه او يوظفها مرة واحدة باللمس والسمع والذوق والبصر بتكامل وكثافة خلال تجربة المعايشة المستمرة والكينونة المنتامية موظفاً طاقته الخاصة في الحاسة المطابقة لاداة تعبيره المختارة بالصوت، الكلمة، اللون او الشكل ) .
وهكذا وظف نزار طاقته الفنية ووضعها في خدمة خوالجه من خلال اللوحة المعبرة والرسم الهزلي والقصة بكلماتها الوالقعية والصادقة .
درس نزار الفن الصيني التقليدي على يد استاذ متخصص اسمه (شو )لمدة (6) اشهر في بكين وساعده ذلك على اكتساب خبرة في انجاز اعماله الانطباعية ومواضيعه البغدادية ذات الطابع الشعبي اذ استلهم اعماله الفنية من الطبيعة المتعلقة برسوم المناظر والشخوص (البورتريت ) وقد اهتم بتصوير الواقع الاجتماعي كالبيئة المحلية الطبيعية والحياة والقضايا العامة.
اضافة لذلك فقد درس الرسم في معهد الفنون الجميلة ببغداد لمدة ثلاث سنوات ولكنه ترك المعهد بعد تعيينه في وزارة الخارجية للعمل في دمشق بعد ان تخرج من كلية الحقوق عام 1952 بدرجة (ليسانس).. (لقد كان نزار يدرس الرسم في المعهد
اضافة لدراسته في كلية الحقوق ).

وقد مكث بالعمل في وزارة الخارجية حتى عام 1971، ثم نقل الى وزارة الاعلام بدرجة مستشار دبلوماسي، فشغل مديرية الترجمة لفترة قصيرة ثم مديراً عاماً للفنون التشكيلية في بداية تأسيها عام 1972، وهو الذي وضع اللبنات الاولى والمهمة في تأسيسها، ووضع الهيكل التنظيمي والعام لهذه الدائرة 1976 وقد اصبــح مستشاراً فنياً في وزارة الاعلام عام 1976 حتى احيل على التقاعد عام 1981.
وخلال هذه السنوات التي قضاها ما بين العمل في وزارة الخارجية ووزارة الاعلام لم ينقطع نشاطه الفني في مجال الرسم والكتابة، فقد صدر له مؤلف عام 1977 عن "الفن العراقي المعاصر" الذي طبع بعدة لغات رئيسة منها الانكليزية والفرنسية والعربية، واقام ستة معارض شخصية واشترك في كثير منها في المعارض التي اقيمت داخل القطر وخارجه ومن اهم معارضه الشخصية.
المعرض الاول في بون عام 1955
المعرض الثاني في بغداد عام 1956
المعرض الثالث في الخرطوم عام 1958
المعرض الرابع في ستوكهولم عام 1967
المعرض الخامس بغداد عام 1971
المعرض السادس في بغداد عام 1979
ومعرضه الاخير الذي لم يحضره فقد كان بمناسبة اربعينية وفاته وكان معرضاً شاملاً لأعماله وقد اقيم على قاعة جمعية التشكيليين العراقيين في المنصور بتأريخ 1982/6/24 . اضافة لجانب الرسم الزيتي والمائي والنحت نمت عند نزار روح الهزل والسخرية وكان شقيقه الفنان "سعاد" المعلم الاول له بهذا المضمار.

لقد اهتم نزار بالرسم الكاريكاتوري وله في هذا المجال اعمال منشورة وغير منشورة كثيرة، اذ بدأ ينشر رسوماته الكاريكاتورية في ملحق جريدة الاهالي، كما نشر السياسية منها في جريدة البلاد عام 1956 تحت عنوان "حدث في الاسبوع الماضي "، كما نشرها في جريدة "اليوم " الليبية بتوقيع "ابو راء " وكان ان اخذت رسوماته هذه حيزاً كبيراً في الصحف.. حتى استطاع ان يقدم بالرسم الكاريكاتوري الكثير من المحاولات النقدية الساخرة واللاذعة، وكانت تحمل موضوعات مختلفة منها السياسية الساخنة ومنها الظواهر المدانة في المجتمع ومنها الاجتماعية والطريفة، وقد نشر سلسلة من رسوماته هذه في جريدة الجمهورية عام 1972 بعنوان "مروريات" و"رمضانيات".. وقد اختير كواحد من احسن مائة رسام كاريكاتوري في العالم، نتيجة استفتاء عالمي اجرته دار الدعاية الشهيرة "كبرفو" في بلغاريا.. واستطاع ان يأسس جماعة فنية خاصة بالكاريكاتور ضمت نخبة طيبة من الرسامين العراقيين الشباب والكفوئين بهذا المجال، اذ شاركت هذه الجماعة في عدة مسابقات ومهرجانات دولية خاصة بالدعابة والهزل، وقد حصدت عدة جوائز.
لقد ترك فناننا الراحل مشروع كتاب عن "فن الكاريكاتور" ورسومات كثيرة تتجاوز الالفين، كان ينوي ان يطبعها في كتاب قبل رحيله.. كما عثر على مخطوطات اخرى مهمة تندرج في اطار المسرحية والقصة والمذكرات والمقالة والملحمة، فمنها القصص القصيرة ومسرحيات مختلفة ومقالات نقدية في الفن التشكيلي ومشروع كتاب عن الفن العربي الحديث.. ولكن لا ندري اين مصيرها الآن؟!
وفي يوم 13 من آيار عام 1982 سكنت روح فناننا الكبير اثر مرض عضال لم يمهله كثيراً عــن عمر ناهز 57 عاماً.
مع اطيب التحيات
حياة بين الفن و السياسة

كتب علي ابراهيم الدليمي
ولد فناننا الراحل نزار سليم في 15 / 3/ 1925 في انقرة (تركيا) من ابوين عراقيين وقد احب وتعلق بالرسم منذ صغره وخصوصاً بعدما اصدر مع اخوته مجلة (الصبا) في مرحلة الدراسة الابتدائية وكانت هذه المجلة تخط
وترسم باليد .. وقد انحدر نزار وترعرع من بيئة فنية مختلطة في مجال الفنون والادب والمسرح اذ وجد نفسه ضمن محيط عائلي مشبع بمثل هذا الزخم من الفنون .. فوالده (الحاج سليم) الذي يعد من رعيل الرسامين الاوائل في العراق وحافظاً للقرأن ومقرئاً جيد للمقام وشقيقه النحات الخالد (جواد سليم ) صاحب (نصب الحرية) ببغداد فقد كان نحاتاً بارزاً ورساماً بارعاً وعازفاً للكيتار وشقيقه الفنان (سعاد) من الرسامين الرواد وممثل ورياضي ورسام كاريكاتوري معروف وشقيقته الرائدة (نزيهة).ومن تشعباته الفنية هذه نستخلص ان نزار قد سبق جيله بل وبرز بين عائلته (كما اراد ) في التعبير عن توجيه متقدم لم يتوفر لدى فناني جيله لهذا التشعب .. ولم يبال للخطر الذي كان سيحلق في اعماله من جراء التنوع وتوزيع جهده ما بين مواهبه هذه وقد كتب في احدى صفحات مذكراته متحدثاً عن (التعددية الابداعية) في حياته فيقول : عوالم نفسي متعددة الجوانب يراها البعض غير مستقرة على حال متضاربة واراها متكاملة منسجمة تعمق في ابعاد التجربة وتلونها فلا تبقيها على رتابة اوضيق فأنا ارسم واكتب (واكركت) واقرأ واستمع للموسيقى واجمع بين هذا وذاك ولاافرط في اي جانب من هذه الجوانب .

ويقول في مقدمة دليل معرضه التكريمي 1979 ... يستغل الفنان جميع حواسه او يوظفها مرة واحدة باللمس والسمع والذوق والبصر بتكامل وكثافة خلال تجربة المعايشة المستمرة والكينونة المنتامية موظفاً طاقته الخاصة في الحاسة المطابقة لاداة تعبيره المختارة بالصوت، الكلمة، اللون او الشكل ) .
وهكذا وظف نزار طاقته الفنية ووضعها في خدمة خوالجه من خلال اللوحة المعبرة والرسم الهزلي والقصة بكلماتها الوالقعية والصادقة .
درس نزار الفن الصيني التقليدي على يد استاذ متخصص اسمه (شو )لمدة (6) اشهر في بكين وساعده ذلك على اكتساب خبرة في انجاز اعماله الانطباعية ومواضيعه البغدادية ذات الطابع الشعبي اذ استلهم اعماله الفنية من الطبيعة المتعلقة برسوم المناظر والشخوص (البورتريت ) وقد اهتم بتصوير الواقع الاجتماعي كالبيئة المحلية الطبيعية والحياة والقضايا العامة.
اضافة لذلك فقد درس الرسم في معهد الفنون الجميلة ببغداد لمدة ثلاث سنوات ولكنه ترك المعهد بعد تعيينه في وزارة الخارجية للعمل في دمشق بعد ان تخرج من كلية الحقوق عام 1952 بدرجة (ليسانس).. (لقد كان نزار يدرس الرسم في المعهد
اضافة لدراسته في كلية الحقوق ).

وقد مكث بالعمل في وزارة الخارجية حتى عام 1971، ثم نقل الى وزارة الاعلام بدرجة مستشار دبلوماسي، فشغل مديرية الترجمة لفترة قصيرة ثم مديراً عاماً للفنون التشكيلية في بداية تأسيها عام 1972، وهو الذي وضع اللبنات الاولى والمهمة في تأسيسها، ووضع الهيكل التنظيمي والعام لهذه الدائرة 1976 وقد اصبــح مستشاراً فنياً في وزارة الاعلام عام 1976 حتى احيل على التقاعد عام 1981.
وخلال هذه السنوات التي قضاها ما بين العمل في وزارة الخارجية ووزارة الاعلام لم ينقطع نشاطه الفني في مجال الرسم والكتابة، فقد صدر له مؤلف عام 1977 عن "الفن العراقي المعاصر" الذي طبع بعدة لغات رئيسة منها الانكليزية والفرنسية والعربية، واقام ستة معارض شخصية واشترك في كثير منها في المعارض التي اقيمت داخل القطر وخارجه ومن اهم معارضه الشخصية.
المعرض الاول في بون عام 1955
المعرض الثاني في بغداد عام 1956
المعرض الثالث في الخرطوم عام 1958
المعرض الرابع في ستوكهولم عام 1967
المعرض الخامس بغداد عام 1971
المعرض السادس في بغداد عام 1979
ومعرضه الاخير الذي لم يحضره فقد كان بمناسبة اربعينية وفاته وكان معرضاً شاملاً لأعماله وقد اقيم على قاعة جمعية التشكيليين العراقيين في المنصور بتأريخ 1982/6/24 . اضافة لجانب الرسم الزيتي والمائي والنحت نمت عند نزار روح الهزل والسخرية وكان شقيقه الفنان "سعاد" المعلم الاول له بهذا المضمار.

لقد اهتم نزار بالرسم الكاريكاتوري وله في هذا المجال اعمال منشورة وغير منشورة كثيرة، اذ بدأ ينشر رسوماته الكاريكاتورية في ملحق جريدة الاهالي، كما نشر السياسية منها في جريدة البلاد عام 1956 تحت عنوان "حدث في الاسبوع الماضي "، كما نشرها في جريدة "اليوم " الليبية بتوقيع "ابو راء " وكان ان اخذت رسوماته هذه حيزاً كبيراً في الصحف.. حتى استطاع ان يقدم بالرسم الكاريكاتوري الكثير من المحاولات النقدية الساخرة واللاذعة، وكانت تحمل موضوعات مختلفة منها السياسية الساخنة ومنها الظواهر المدانة في المجتمع ومنها الاجتماعية والطريفة، وقد نشر سلسلة من رسوماته هذه في جريدة الجمهورية عام 1972 بعنوان "مروريات" و"رمضانيات".. وقد اختير كواحد من احسن مائة رسام كاريكاتوري في العالم، نتيجة استفتاء عالمي اجرته دار الدعاية الشهيرة "كبرفو" في بلغاريا.. واستطاع ان يأسس جماعة فنية خاصة بالكاريكاتور ضمت نخبة طيبة من الرسامين العراقيين الشباب والكفوئين بهذا المجال، اذ شاركت هذه الجماعة في عدة مسابقات ومهرجانات دولية خاصة بالدعابة والهزل، وقد حصدت عدة جوائز.
لقد ترك فناننا الراحل مشروع كتاب عن "فن الكاريكاتور" ورسومات كثيرة تتجاوز الالفين، كان ينوي ان يطبعها في كتاب قبل رحيله.. كما عثر على مخطوطات اخرى مهمة تندرج في اطار المسرحية والقصة والمذكرات والمقالة والملحمة، فمنها القصص القصيرة ومسرحيات مختلفة ومقالات نقدية في الفن التشكيلي ومشروع كتاب عن الفن العربي الحديث.. ولكن لا ندري اين مصيرها الآن؟!
وفي يوم 13 من آيار عام 1982 سكنت روح فناننا الكبير اثر مرض عضال لم يمهله كثيراً عــن عمر ناهز 57 عاماً.
مع اطيب التحيات
تعليق