صرخة" غيرت وجه الفن
---------------------
موضوع جميل أحببت ان يستفيد منه الكل وهو للكاتب سيد هويدي
صرخة" غيرت وجه الفن
تاريخ الفن طويل، يرجع إلى محاولات الإنسان الأول ورسومه على جدران وسقوف الكهوف، حين سجل برأس الحجر الصوان المدبب تخطيطاته التي عكست رغباته سواء في الصيد، أو تسجيل قصة صراعه المميت مع إحدى فرائسه، أو تصوير أحلامه وأمانيه.
مما لا شك فيه أن هذه الرسوم تكشف عن دوافع الإنسان الأول في التعبير عن ذاته، على الرغم من ذلك يجد الباحثون والمهتمون صعوبة بالغة في تحديد وبلورة الموضوع الذي تحتويه هذه الأعمال، بشكل لا يشفي غليل الباحث، نظرا لصعوبة المهمة، فقد عمل الفنان الرسام الأول تحت وطأة ظروف مضنية، بسبب وجود معظم الكهوف تحت الأرض، وتعذر الوصول إليها، ومنها ما يقع على بعد نصف ميل من المدخل عند المنحدر الصخري، كما أن بعض الكهوف جد منخفضة ومعتمة، مما يدل على أن الرسام لا بد أنه كان يستلقي على ظهره ليرسم أو يلون، وفي أغلب الظن كانت المشاعل هي وسيلة الإضاءة، سواء كانت مشاعل مدخنة أو زيتية مترجرجة كإحدى الوسائل البدائية جدا، ناهيك عن أن أغلب السطوح كانت غير مستوية. وإذا كانت المعلومات المتوافرة قليلة عن فن فناني الكهوف فالتساؤلات كثيرة ومتنوعة، وللبحث عن أجوبة مقنعة كرّس الأب "هنري برويل " أفضل سنوات حياته لا للاكتشافات وحسب، بل إلى استنساخ الصور التي اكتشفها عن فن ما قبل التاريخ بدقة متناهية، وأسكنها مجلداته الرائعة التي تحتوي على اكتشافات نادرة. والاستنتاجات التي توصل إليها الأب "برويل " أن هذه الصور التي طرحها للعالم لا تمثل الإنجازات الفنية الأولى لرجال الكهوف، لكنها ترجع إلى خمسين ألف سنة قبل الفترة التي كشف فيها إنسان العصر المجدلاني عن موهبته الفنية، بما يفيد أنها تعود إلى مائة ألف سنة. وفي كثير من الصور التي اكتشفها الأب، وجد أن التكوين الصخري كان يعود عليه الإنسان الأول ليجد فيه وحيا بما يريد أن يرسم، فيطوره إلى نماذج أخاذة من اللون والخط، ويؤكد حدس الأب "برويل " قوله: إن أغلب الصور جاءت بشكل غير اعتيادي وتكشف عن أوضاع صعبة في تنفيذها، فهي ليست مرسومة على سطوح ملساء وإنما هي على سطوح شديدة الخشونة، وعلى الحيطان والأرض والحافات المتحررة، بل وفي أماكن يتعذر بلوغها في بعض الأحيان. ويذهب الأب برويل في احتماله هذا إلى أن رجل الكهوف لجأ إلى طرق مبسطة أخرى في الرسم عندما كان يلتقط تكوينات حجرية غريبة، تبدو أشكال مشابهة لأشكال الحيوانات التي يصطادها، إذ إنه سرعان ما يمسك بهذا الاكتشاف المثير، ومع ما يملك من أدوات بدائية، ثم يعمل على تقريب الشكل من شبيهه، بالإضافة إلى أنه في حالات أخرى كان الإنسان الأول يضع كف يده اليسرى على الحائط ويرسم حدودها، أو يغمس الكف ذاتها بالأصباغ ويضغطها على الحائط لخلق "سيلويت ".
الرسم بالحديد
أما المواد التي استخدمها أسلاف ميكل أنجلو، رافاييل، جوجان، فان جوخ، بيكاسو، فقد جاءت بعد تجارب متأنية ومضنية، توصلوا من خلالها - كما يقول الأب "برويل "- إلى أن حجر الصوان المدبب، أشد الأدوات ملاءمة لرسم الخط على الوسائط سواء كانت عظما، أو حجرا أو سطوحا جدارية، كما استخدموا الفحم للرسوم الكبيرة، أما الأحمر والبني والأصفر فقد أمكن استخراجها من الأوكر "وهو مادة ترابية فيها الكثير من خام الحديد"، وبالنسبة لباقي الألوان المختلفة يتم توفيرها من المواد الطبيعية الأخرى، حيث كانت الأصباغ تخلط مع دهن الحيوانات، ثم تحفظ في عظام مجوفة، والألوان تفرش على السطوح بأصابع الرسام، أو بفرشاة تصنع من شعر الحيوانات المذبوحة، أو بالعيدان الطرية بعد إزالة الألياف عنها.
ومع كل هذا وتحت ظروف حياتية صعبة وبمثل هذه المواد والعوائق كان الفنانون الأوائل ينجزون أول رسوم خطية جدارية في العالم.
وإذا كان البعض يرجح أن الفن كان قد بدأ بالدافع الفطري للتزين، كالوشم مثلا أو كرسم النقوش على الجسد، وبالرسوم المحفورة على حجر الصوان والخشب والعظم، والحجر، وكذلك صنع التماثيل من الطين والنحت، أو بالتعبير رقصا عن الحركة والعواطف، إلا أن البروفيسور "بالدوين براون " أستاذ الفنون الجميلة في جامعة أدنبرة، يذهب إلى أن هذه الرسوم استخدمت كضرب من السحر يتفوق فيه الفنان على زملائه!! لكنه يرجع ويتساءل هل كانت الصور الأصغر تستخدم كوسائل في تلك العصور، قبل أن تنشأ الكتابة؟.
بينما م.ج سيبرنغ في كتابه "طفولة الفن " يسوق لنا سببا طريفا عن دوافع الإنسان الأول في الرسم حين يعيد إلى أذهاننا أن الكثير من القبائل المتوحشة في الوقت الحاضر تعتبر ظل الإنسان شيئا نابعا منه، وكذلك فهم يعتبرون أن الصورة نابعة من الشيء المشخص، وأن مالك الصورة ينال سطوة على ذلك الشيء المصور، وجريا على هذا الأساس فإن إنسان العمر الحجري الذي يمتلك صورة حيوان متوحش يعتقد بأنها تمنحه السيطرة عليه، ويشير سيبرنغ إلى أن الكثير من الحيوانات في رسوم الكهوف تصور بسهم أو برمح يخترقها.
---------------------
موضوع جميل أحببت ان يستفيد منه الكل وهو للكاتب سيد هويدي
صرخة" غيرت وجه الفن
تاريخ الفن طويل، يرجع إلى محاولات الإنسان الأول ورسومه على جدران وسقوف الكهوف، حين سجل برأس الحجر الصوان المدبب تخطيطاته التي عكست رغباته سواء في الصيد، أو تسجيل قصة صراعه المميت مع إحدى فرائسه، أو تصوير أحلامه وأمانيه.
مما لا شك فيه أن هذه الرسوم تكشف عن دوافع الإنسان الأول في التعبير عن ذاته، على الرغم من ذلك يجد الباحثون والمهتمون صعوبة بالغة في تحديد وبلورة الموضوع الذي تحتويه هذه الأعمال، بشكل لا يشفي غليل الباحث، نظرا لصعوبة المهمة، فقد عمل الفنان الرسام الأول تحت وطأة ظروف مضنية، بسبب وجود معظم الكهوف تحت الأرض، وتعذر الوصول إليها، ومنها ما يقع على بعد نصف ميل من المدخل عند المنحدر الصخري، كما أن بعض الكهوف جد منخفضة ومعتمة، مما يدل على أن الرسام لا بد أنه كان يستلقي على ظهره ليرسم أو يلون، وفي أغلب الظن كانت المشاعل هي وسيلة الإضاءة، سواء كانت مشاعل مدخنة أو زيتية مترجرجة كإحدى الوسائل البدائية جدا، ناهيك عن أن أغلب السطوح كانت غير مستوية. وإذا كانت المعلومات المتوافرة قليلة عن فن فناني الكهوف فالتساؤلات كثيرة ومتنوعة، وللبحث عن أجوبة مقنعة كرّس الأب "هنري برويل " أفضل سنوات حياته لا للاكتشافات وحسب، بل إلى استنساخ الصور التي اكتشفها عن فن ما قبل التاريخ بدقة متناهية، وأسكنها مجلداته الرائعة التي تحتوي على اكتشافات نادرة. والاستنتاجات التي توصل إليها الأب "برويل " أن هذه الصور التي طرحها للعالم لا تمثل الإنجازات الفنية الأولى لرجال الكهوف، لكنها ترجع إلى خمسين ألف سنة قبل الفترة التي كشف فيها إنسان العصر المجدلاني عن موهبته الفنية، بما يفيد أنها تعود إلى مائة ألف سنة. وفي كثير من الصور التي اكتشفها الأب، وجد أن التكوين الصخري كان يعود عليه الإنسان الأول ليجد فيه وحيا بما يريد أن يرسم، فيطوره إلى نماذج أخاذة من اللون والخط، ويؤكد حدس الأب "برويل " قوله: إن أغلب الصور جاءت بشكل غير اعتيادي وتكشف عن أوضاع صعبة في تنفيذها، فهي ليست مرسومة على سطوح ملساء وإنما هي على سطوح شديدة الخشونة، وعلى الحيطان والأرض والحافات المتحررة، بل وفي أماكن يتعذر بلوغها في بعض الأحيان. ويذهب الأب برويل في احتماله هذا إلى أن رجل الكهوف لجأ إلى طرق مبسطة أخرى في الرسم عندما كان يلتقط تكوينات حجرية غريبة، تبدو أشكال مشابهة لأشكال الحيوانات التي يصطادها، إذ إنه سرعان ما يمسك بهذا الاكتشاف المثير، ومع ما يملك من أدوات بدائية، ثم يعمل على تقريب الشكل من شبيهه، بالإضافة إلى أنه في حالات أخرى كان الإنسان الأول يضع كف يده اليسرى على الحائط ويرسم حدودها، أو يغمس الكف ذاتها بالأصباغ ويضغطها على الحائط لخلق "سيلويت ".
الرسم بالحديد
أما المواد التي استخدمها أسلاف ميكل أنجلو، رافاييل، جوجان، فان جوخ، بيكاسو، فقد جاءت بعد تجارب متأنية ومضنية، توصلوا من خلالها - كما يقول الأب "برويل "- إلى أن حجر الصوان المدبب، أشد الأدوات ملاءمة لرسم الخط على الوسائط سواء كانت عظما، أو حجرا أو سطوحا جدارية، كما استخدموا الفحم للرسوم الكبيرة، أما الأحمر والبني والأصفر فقد أمكن استخراجها من الأوكر "وهو مادة ترابية فيها الكثير من خام الحديد"، وبالنسبة لباقي الألوان المختلفة يتم توفيرها من المواد الطبيعية الأخرى، حيث كانت الأصباغ تخلط مع دهن الحيوانات، ثم تحفظ في عظام مجوفة، والألوان تفرش على السطوح بأصابع الرسام، أو بفرشاة تصنع من شعر الحيوانات المذبوحة، أو بالعيدان الطرية بعد إزالة الألياف عنها.
ومع كل هذا وتحت ظروف حياتية صعبة وبمثل هذه المواد والعوائق كان الفنانون الأوائل ينجزون أول رسوم خطية جدارية في العالم.
وإذا كان البعض يرجح أن الفن كان قد بدأ بالدافع الفطري للتزين، كالوشم مثلا أو كرسم النقوش على الجسد، وبالرسوم المحفورة على حجر الصوان والخشب والعظم، والحجر، وكذلك صنع التماثيل من الطين والنحت، أو بالتعبير رقصا عن الحركة والعواطف، إلا أن البروفيسور "بالدوين براون " أستاذ الفنون الجميلة في جامعة أدنبرة، يذهب إلى أن هذه الرسوم استخدمت كضرب من السحر يتفوق فيه الفنان على زملائه!! لكنه يرجع ويتساءل هل كانت الصور الأصغر تستخدم كوسائل في تلك العصور، قبل أن تنشأ الكتابة؟.
بينما م.ج سيبرنغ في كتابه "طفولة الفن " يسوق لنا سببا طريفا عن دوافع الإنسان الأول في الرسم حين يعيد إلى أذهاننا أن الكثير من القبائل المتوحشة في الوقت الحاضر تعتبر ظل الإنسان شيئا نابعا منه، وكذلك فهم يعتبرون أن الصورة نابعة من الشيء المشخص، وأن مالك الصورة ينال سطوة على ذلك الشيء المصور، وجريا على هذا الأساس فإن إنسان العمر الحجري الذي يمتلك صورة حيوان متوحش يعتقد بأنها تمنحه السيطرة عليه، ويشير سيبرنغ إلى أن الكثير من الحيوانات في رسوم الكهوف تصور بسهم أو برمح يخترقها.
تعليق