مدام ريكامييه لوحة و حكايه2
1777-1849م
1
قررت في ذلك اليوم الصحو الجميل
ألا أفعل شيئا سوى التنزه
تحت أشعة الشمس الجميلة
عرجت على أحد أصدقائي للتمشية معه
في ذلك اليوم المشمس
وجدته مشغولا بجمع لوحاته و أدواته
- إلى أين أنت ذاهب ؟
-إلى المتحف .. عندي مشروع تعال للذهاب معي
- كلا لا أحب المتاحف
و أكره رائحة اللوحات
كما أنني لا أفهم في تحليلاتكم الفنية هذه
- هيا يا رجل و سأعزمك على قهوة جميلة بعد ذلك
دخلت إلى ذلك المتحف البارد مع صديقي
و انا أتعجل إنتهاء هذه الزيارة المملة
و أمني نفسي بفنجان من القهوة الفرنسية الجميلة ....
قررت أن اكمل الجولة ......
لوحات لشخصيات كثيرة معظمها لا أعرف أسمائها ..
نساء جميلات ... صراع ... حزن ... ألم ....
أشكال هندسية ...
تداخلات لونية ...
بعضها مربك .. و الآخر مستفز
حاولت التفاعل مع بعضها
و الآخر جربت فهمه و لكن ...
اخذت في التثاؤب .. و فجأة توقفت ..
شعرت أن أحداً ما يراقبني ...
و استدرت ببطء ....
لم أستطع أن أقاوم هاتان العينان الجميلتان
و تلك الابتسامة الساحرة
لأسأل صديقي في همس لئلا تسمعني
- من هذه الجميلة ؟
1
إنها الطيرالمغرد الذي ألهم الفنانون في رسم لوحاتهم
و نحت تماثيلهم
مثل دافيد و جيرار و كانوفا
و ملهمة الأدباء مثل فيكتور هيجو و لامارتين و شاتوبريان
و هي القيثارة العذبة الذي يفد إلى مجلسها الأدبي
رجال السياسة فقد أسرت قلوب النبلاء و الأشراف و الملوك
حتى أن زعيم أوروبا نابليون بونابرت الأشبه بالجبل الشامخ
يفد لمجلسها ليس من أجل الاستزادة من لسانها المثقف في مجلسها الأدبي فقط
و لكن للتمتع أيضاً بجمالها الآسر الذي غارت منه حسناوات ذاك العصر
إنها مدام ريكامييه
أو جين فرانسوا جولي أديلايد ريكامييه
و تشتهر باسم جولييت ريكامييه
ولدت في ليون ( فرنسا ) عام1777
- و كيف لها تلك الشهرة ؟
كان لعائلتها صديق قديم يدعى ريكامييه
صاحب المصرف الشهير في ذلك العصر
و كان من معارضي الثورة
و أدرك أن معارضته هذه قد تقوده يوماً لحبل الموت
قام ريكامييه بخطبة جولييت من أمها
و ألحت أمها على ابنتها على أن تقترن به
لأنها ظنت بلا شك أن ريكامييه بمعارضاته للثورة
قد يقتل وترث ابنتها الملايين
تزوجها و كان يبلغ من العمر الثالثة و الأربعين
أما هي فكانت في السادسة عشر من عمرها
و عاشت حياة رغدة في قصره ، لم تستطع ان تبقى اسيرة لتلك الحياة الرتيبة
أقامت صالونا أدبيا يؤمه المشاهير و صفوة المجتمع الفرنسي
من ساسة و فنانين حالمين ,, تاليران ، باراس ، جيراندو ، شاتوبريان ،
و غيرهم ، ممن يلتقون ليلقوا بالمقطوعات الشعرية و بالفصول المسرحية
و المشاهد التمثيلية
ففي صالون مدام ريكامييه قرأ بلزاك احدى رواياته،
كما اقنعت تلك السيدة الناقد الشهير سانت بيف
بأن يكتب نقدا لمؤلفات شاتوبريان
و قال لامارتين : إن مجد فرنسا كله و سحرها
كانا قابعين في صالون مدام ريكامييه و في شخصها .
_ و ما سبب وجود عدة لوحات مختلفة لها ؟
لقد رُسمت مدام ريكامييه بواسطة سبعة رسامين
و لكن أشهر لوحتين هما
اللوحة التي رسمها لها الفنان دافيد رائد المدرسة الكلاسيكية
و لكنها لم تكتمل
1
لوحة دافيد -متحف اللوفر-باريس
ففي عام 1800 كتبت مدام ريكامييه إلى ( دافيد )
أشهر رسامي عصره
و رائد المدرسة الكلاسيكية آنذاك تقول :
" أرجو أن تتفهم ما أرمي إليه من وراء
أن أحظى بصورة لي من عملك " ،
و كانت تربطهما علاقة وطيدة
و عندما كاد دافيد أن ينتهي من رسم لوحتها
علم أنها تجلس أمام فنان آخر من تلاميذه هو ( جيرار)
من أجل عمل صورة أخرى لها في نفس الوقت
و عندها ، أرسل دافيد للفاتنة رسالة قال فيها :
" سيدتي ، إني أعلم أن للفاتنات هوى و شغفا
و افتتانا بجمالهن .. و لكن يجب أن تعلمي أن الفنانين أيضا
يعتزون بعملهم و بكرامتهم
و أسمحي لي أن أتوقف عند هذا الحد "
و يكفيك أن إحدى اللوحتين ستكون مكتمله تماما
و لا أنتظر منك شكراً !!
و بالفعل .. فمازالت الصورة الشهيرة
حتى يومنا هذا لم تكتمل في بعض أجزائها
بالرغم من أن دافيد لم يكمل لوحته تماما الاأنها حظيت بشهرة واسعه اكثر من لوحة جيرار ..
لكنها افتقرت الى التعبيرعن الإثاره
و ابراز الجمال التي كانت اهم ما تحرص عليه ريكامييه !!
أما في لوحة جيرار اعتمد الى اضفاء الجمال و الحيويه على مدام ريكامييه
فبدت اكثر جمالا و اصغر سنا !!
و هذا ما اعجب فانتة فرنسا اللعوب !!
1
لوحة جيرار-متحف اللوفر - باريس
- جميل أن تملك المال و الجمال
- عرفت الثراء لكنها لم تعرف السعادة ....
هل تريد سماع بقية القصة ؟
- أكمل
- لم ينقطع الصالون الادبي لمدام ريكامييه
إلا عندما فوجئت بنبأ اعتقال ابيها
الذي كان يشغل منصب مدير دائرة البريد
على اثر اكتشاف مؤامرته ضد الحكومة و القنصل الاول بونابرت
حاولت مدام ريكامييه الافراج عن ابيها
من خلال الاتصال بأصدقائها من ذوي النفوذ لانقاذ ابيها من الاعدام
و لولا المارشال برنادوت ( ملك السويد فيما بعد )
لكان ابوها في عداد المحكوم عليهم بالاعدام
و يبدو ان تلك الحادثة احيت في جوليت ريكامييه الجانب الثوري
و المتمرد في شخصيتها إذ كانت احد زعماء الحزب الدستوري
و سبق ان عُدل الدستور الفرنسي عام 1789م في بهو دارها
مما كان يجعلها خاضعة بشدة للمراقبة من قبل اجهزة البوليس
و في عام 1803م وضعت على رأس القائمة السوداء
و في طليعة المعارضين لنابليون و سياسته
و ذلك على اثر القرار الذي اتخذه بونابرت بنفي صديقتها
مدام دي ستايل إلى المانيا
ومرة اخرى تخضع للمراقبة من قبل البوليس
ومما زاد الطين بلة ان مركز زوجها المالي اهتز بشدة
وفقد كثيرا من ثروته الكبيرة
وحاول نابليون في تلك الفترة ان يتقرب منها معتمدا
على الترهيب والترغيب لكنها رفضت محاولاته
وكان لابد ان تدفع ثمن صلفها وعنادها
حين اعلن رسميا افلاس زوجها
وكان السبب الاساسي رفض وزير الخزانة
وقتئذ ان يسلف السيد ريكامييه مليونا من الفرنكات
ويدور حقد الامبراطور والحاشية في الخفاء
لتحطيم تلك السيدة وأسرتها
وجاء تقرير وزير الخزانة معبراً عن روح الحق والانتقام
إذ أعلن ان الدولة لاتدين المال إلا للتجار الموثوقين!!
هكذا ببساطة يسقط احد كبار الاثرياء في باريس،
لتصاب جوليت بنوبة قاسية من الاحساس بالذنب تجاه ما أصاب زوجها
وانها سبب غير مباشر فيما حدث!!
ونزلت جولييت إلى حضيض الفقر
ومع كثرة المصائب رحلت جولييت
سويسرا لقصر صديقتها دي ستايل
المطل على بحيرة ليمان
فالتقت هناك بالبرنس أوجست البروسي فأحبها وصارحها بذلك
وكانت جولييت في عمرالثلاثين ، فبادلته العاطفة ذاتها
وطلب منها البرنس أن ترسل رسالة لزوجها حتى يطلقها ليتزوجا
1
البرنس أوجست-أمير بروسيا
فأرسلت خطاباً لزوجها حتى يطلقها ، فأرسل لها خطاباً يصفها فيه بأنها
قاسية القلب وأنه في أثناء ثرائه استخدمت ثروته لخدمة ذاتها
والآن بعد أن أصبح معدماً فقيراً نبذته
حن قلبها عليه ورفضت التخلي عنه
وتوالت الأعوام القاحلة في حياتها واستمر نابليون في اضطهادها
فنفاها خارج فرنسا
ولما سقطت دولة الطاغي بونابرت عادت باريس
وهي تشارف الأربعين
اعتزلت الوجود بلجوئها لأحد الأديرة
ولم تتوقف عن عقد صالونها الأدبي فيه
وعاد رجال العلم والأدب يفدون إليها
ومنذ قرار النفي الى وفاتها عاشت مدام ريكامييه
سنوات عديدة تعاني الوحدة وآلام الفقد
حيث ساءت صحتها بعد وفاة مدام دي ستايل اعز صديقاتها
كما فقدت زوجها الذي كان بمثابة الاب لها
والذي عملت جاهدة على الوفاء له
فعرض عليها أحد رجال العلم من الذين يفدون عليها
الزواج ويدعى شاتوبريان يكبرها بتسع سنوات
ولكنه كان متقلب في حبه لها
أحبته جولييت بجنون وساهمت في مساعدته
في حياته السياسية والأدبية
ورغم تقلبه الدائم في حبها كتب مذكرات
تفصح عن مدى هيامه وإعجابه وتقديره لها
طبعت تلك المذكرات بعد وفاته باسم
( مذكرات من العالم الآخر)
1
شاتوبريان
فأمسكت بمرآه تنظر لخريطة وجهها المجعد الذي أذبله الزمن
بما يحمله من نوائب لها
وشاهدت عينيها التي كادت المصائب تعتمها وقالت :
" إن حبك لي هو آخر زهرة تينع في طريق حياتي ،
ولكن أصوات من سبقوني إلى عالم الأبدية ترن في أذني طالبة مني
أن ألبث كما كنت ... مدام ريكامييه
فأية فائدة لنا من ضم قلبينا ونحن على أبواب القبر "
وذبلت زهرتنا الجميلة وهي في عمر السبعين
وأصبحت ضعيفة النظر حتى كادت تصبح كفيفة
ومات لديها جميع الأحباب وبقيت وحيدة
إلى أن انتهت مصابة بالعمى ثم الموت مصابة بداء الكوليرا سنة 1849
1
-انتهت القصة هيا لنذهب
وفي طريقنا للخروج توقفت فجأة أمام لوحة وأشرت لصديقي
-أليست هذه تشبه.....؟؟؟
1
- نعم إنها لوحة للفنان السيريالي رينيه ماجريت لمدام ريكامييه
-ماذا يقصد ؟
- ربما أراد الفنان ماغريت من خلال لوحته أن يقول
إن تلك القطعة من القماش هي كلّ ما تبقى من تلك السيّدة
التي كانت أثناء حياتها ملء السمع والبصر
ومحطّ إعجاب الناس واهتمامهم.
إن رينيه ماجريت لايفصح تقريبا عن مكنون لوحاته
سبقني صديقي لطريق الخروج سريعا وتركني
واسئلة كثيرة تعصف برأسي عن هذه الجميلة
التي كانت اشبه بسمكة تقاوم التيار والعواصف
بحثا عن مكان آمن إلى ان تجد نفسها فجأة
خارج المياه تجتر الاسى والحزن.
والآن سوف نتركها لتستقبل زواراً آخرين
ربما يستمعون لقصتها
أو يعجبون فقط ويمشون
-انتظر
متى سنذهب إلى المتحف مرة أخرى؟
1777-1849م
1
قررت في ذلك اليوم الصحو الجميل
ألا أفعل شيئا سوى التنزه
تحت أشعة الشمس الجميلة
عرجت على أحد أصدقائي للتمشية معه
في ذلك اليوم المشمس
وجدته مشغولا بجمع لوحاته و أدواته
- إلى أين أنت ذاهب ؟
-إلى المتحف .. عندي مشروع تعال للذهاب معي
- كلا لا أحب المتاحف
و أكره رائحة اللوحات
كما أنني لا أفهم في تحليلاتكم الفنية هذه
- هيا يا رجل و سأعزمك على قهوة جميلة بعد ذلك
دخلت إلى ذلك المتحف البارد مع صديقي
و انا أتعجل إنتهاء هذه الزيارة المملة
و أمني نفسي بفنجان من القهوة الفرنسية الجميلة ....
قررت أن اكمل الجولة ......
لوحات لشخصيات كثيرة معظمها لا أعرف أسمائها ..
نساء جميلات ... صراع ... حزن ... ألم ....
أشكال هندسية ...
تداخلات لونية ...
بعضها مربك .. و الآخر مستفز
حاولت التفاعل مع بعضها
و الآخر جربت فهمه و لكن ...
اخذت في التثاؤب .. و فجأة توقفت ..
شعرت أن أحداً ما يراقبني ...
و استدرت ببطء ....
لم أستطع أن أقاوم هاتان العينان الجميلتان
و تلك الابتسامة الساحرة
لأسأل صديقي في همس لئلا تسمعني
- من هذه الجميلة ؟
1
إنها الطيرالمغرد الذي ألهم الفنانون في رسم لوحاتهم
و نحت تماثيلهم
مثل دافيد و جيرار و كانوفا
و ملهمة الأدباء مثل فيكتور هيجو و لامارتين و شاتوبريان
و هي القيثارة العذبة الذي يفد إلى مجلسها الأدبي
رجال السياسة فقد أسرت قلوب النبلاء و الأشراف و الملوك
حتى أن زعيم أوروبا نابليون بونابرت الأشبه بالجبل الشامخ
يفد لمجلسها ليس من أجل الاستزادة من لسانها المثقف في مجلسها الأدبي فقط
و لكن للتمتع أيضاً بجمالها الآسر الذي غارت منه حسناوات ذاك العصر
إنها مدام ريكامييه
أو جين فرانسوا جولي أديلايد ريكامييه
و تشتهر باسم جولييت ريكامييه
ولدت في ليون ( فرنسا ) عام1777
- و كيف لها تلك الشهرة ؟
كان لعائلتها صديق قديم يدعى ريكامييه
صاحب المصرف الشهير في ذلك العصر
و كان من معارضي الثورة
و أدرك أن معارضته هذه قد تقوده يوماً لحبل الموت
قام ريكامييه بخطبة جولييت من أمها
و ألحت أمها على ابنتها على أن تقترن به
لأنها ظنت بلا شك أن ريكامييه بمعارضاته للثورة
قد يقتل وترث ابنتها الملايين
تزوجها و كان يبلغ من العمر الثالثة و الأربعين
أما هي فكانت في السادسة عشر من عمرها
و عاشت حياة رغدة في قصره ، لم تستطع ان تبقى اسيرة لتلك الحياة الرتيبة
أقامت صالونا أدبيا يؤمه المشاهير و صفوة المجتمع الفرنسي
من ساسة و فنانين حالمين ,, تاليران ، باراس ، جيراندو ، شاتوبريان ،
و غيرهم ، ممن يلتقون ليلقوا بالمقطوعات الشعرية و بالفصول المسرحية
و المشاهد التمثيلية
ففي صالون مدام ريكامييه قرأ بلزاك احدى رواياته،
كما اقنعت تلك السيدة الناقد الشهير سانت بيف
بأن يكتب نقدا لمؤلفات شاتوبريان
و قال لامارتين : إن مجد فرنسا كله و سحرها
كانا قابعين في صالون مدام ريكامييه و في شخصها .
_ و ما سبب وجود عدة لوحات مختلفة لها ؟
لقد رُسمت مدام ريكامييه بواسطة سبعة رسامين
و لكن أشهر لوحتين هما
اللوحة التي رسمها لها الفنان دافيد رائد المدرسة الكلاسيكية
و لكنها لم تكتمل
1
لوحة دافيد -متحف اللوفر-باريس
ففي عام 1800 كتبت مدام ريكامييه إلى ( دافيد )
أشهر رسامي عصره
و رائد المدرسة الكلاسيكية آنذاك تقول :
" أرجو أن تتفهم ما أرمي إليه من وراء
أن أحظى بصورة لي من عملك " ،
و كانت تربطهما علاقة وطيدة
و عندما كاد دافيد أن ينتهي من رسم لوحتها
علم أنها تجلس أمام فنان آخر من تلاميذه هو ( جيرار)
من أجل عمل صورة أخرى لها في نفس الوقت
و عندها ، أرسل دافيد للفاتنة رسالة قال فيها :
" سيدتي ، إني أعلم أن للفاتنات هوى و شغفا
و افتتانا بجمالهن .. و لكن يجب أن تعلمي أن الفنانين أيضا
يعتزون بعملهم و بكرامتهم
و أسمحي لي أن أتوقف عند هذا الحد "
و يكفيك أن إحدى اللوحتين ستكون مكتمله تماما
و لا أنتظر منك شكراً !!
و بالفعل .. فمازالت الصورة الشهيرة
حتى يومنا هذا لم تكتمل في بعض أجزائها
بالرغم من أن دافيد لم يكمل لوحته تماما الاأنها حظيت بشهرة واسعه اكثر من لوحة جيرار ..
لكنها افتقرت الى التعبيرعن الإثاره
و ابراز الجمال التي كانت اهم ما تحرص عليه ريكامييه !!
أما في لوحة جيرار اعتمد الى اضفاء الجمال و الحيويه على مدام ريكامييه
فبدت اكثر جمالا و اصغر سنا !!
و هذا ما اعجب فانتة فرنسا اللعوب !!
1
لوحة جيرار-متحف اللوفر - باريس
- جميل أن تملك المال و الجمال
- عرفت الثراء لكنها لم تعرف السعادة ....
هل تريد سماع بقية القصة ؟
- أكمل
- لم ينقطع الصالون الادبي لمدام ريكامييه
إلا عندما فوجئت بنبأ اعتقال ابيها
الذي كان يشغل منصب مدير دائرة البريد
على اثر اكتشاف مؤامرته ضد الحكومة و القنصل الاول بونابرت
حاولت مدام ريكامييه الافراج عن ابيها
من خلال الاتصال بأصدقائها من ذوي النفوذ لانقاذ ابيها من الاعدام
و لولا المارشال برنادوت ( ملك السويد فيما بعد )
لكان ابوها في عداد المحكوم عليهم بالاعدام
و يبدو ان تلك الحادثة احيت في جوليت ريكامييه الجانب الثوري
و المتمرد في شخصيتها إذ كانت احد زعماء الحزب الدستوري
و سبق ان عُدل الدستور الفرنسي عام 1789م في بهو دارها
مما كان يجعلها خاضعة بشدة للمراقبة من قبل اجهزة البوليس
و في عام 1803م وضعت على رأس القائمة السوداء
و في طليعة المعارضين لنابليون و سياسته
و ذلك على اثر القرار الذي اتخذه بونابرت بنفي صديقتها
مدام دي ستايل إلى المانيا
ومرة اخرى تخضع للمراقبة من قبل البوليس
ومما زاد الطين بلة ان مركز زوجها المالي اهتز بشدة
وفقد كثيرا من ثروته الكبيرة
وحاول نابليون في تلك الفترة ان يتقرب منها معتمدا
على الترهيب والترغيب لكنها رفضت محاولاته
وكان لابد ان تدفع ثمن صلفها وعنادها
حين اعلن رسميا افلاس زوجها
وكان السبب الاساسي رفض وزير الخزانة
وقتئذ ان يسلف السيد ريكامييه مليونا من الفرنكات
ويدور حقد الامبراطور والحاشية في الخفاء
لتحطيم تلك السيدة وأسرتها
وجاء تقرير وزير الخزانة معبراً عن روح الحق والانتقام
إذ أعلن ان الدولة لاتدين المال إلا للتجار الموثوقين!!
هكذا ببساطة يسقط احد كبار الاثرياء في باريس،
لتصاب جوليت بنوبة قاسية من الاحساس بالذنب تجاه ما أصاب زوجها
وانها سبب غير مباشر فيما حدث!!
ونزلت جولييت إلى حضيض الفقر
ومع كثرة المصائب رحلت جولييت
سويسرا لقصر صديقتها دي ستايل
المطل على بحيرة ليمان
فالتقت هناك بالبرنس أوجست البروسي فأحبها وصارحها بذلك
وكانت جولييت في عمرالثلاثين ، فبادلته العاطفة ذاتها
وطلب منها البرنس أن ترسل رسالة لزوجها حتى يطلقها ليتزوجا
1
البرنس أوجست-أمير بروسيا
فأرسلت خطاباً لزوجها حتى يطلقها ، فأرسل لها خطاباً يصفها فيه بأنها
قاسية القلب وأنه في أثناء ثرائه استخدمت ثروته لخدمة ذاتها
والآن بعد أن أصبح معدماً فقيراً نبذته
حن قلبها عليه ورفضت التخلي عنه
وتوالت الأعوام القاحلة في حياتها واستمر نابليون في اضطهادها
فنفاها خارج فرنسا
ولما سقطت دولة الطاغي بونابرت عادت باريس
وهي تشارف الأربعين
اعتزلت الوجود بلجوئها لأحد الأديرة
ولم تتوقف عن عقد صالونها الأدبي فيه
وعاد رجال العلم والأدب يفدون إليها
ومنذ قرار النفي الى وفاتها عاشت مدام ريكامييه
سنوات عديدة تعاني الوحدة وآلام الفقد
حيث ساءت صحتها بعد وفاة مدام دي ستايل اعز صديقاتها
كما فقدت زوجها الذي كان بمثابة الاب لها
والذي عملت جاهدة على الوفاء له
فعرض عليها أحد رجال العلم من الذين يفدون عليها
الزواج ويدعى شاتوبريان يكبرها بتسع سنوات
ولكنه كان متقلب في حبه لها
أحبته جولييت بجنون وساهمت في مساعدته
في حياته السياسية والأدبية
ورغم تقلبه الدائم في حبها كتب مذكرات
تفصح عن مدى هيامه وإعجابه وتقديره لها
طبعت تلك المذكرات بعد وفاته باسم
( مذكرات من العالم الآخر)
1
شاتوبريان
فأمسكت بمرآه تنظر لخريطة وجهها المجعد الذي أذبله الزمن
بما يحمله من نوائب لها
وشاهدت عينيها التي كادت المصائب تعتمها وقالت :
" إن حبك لي هو آخر زهرة تينع في طريق حياتي ،
ولكن أصوات من سبقوني إلى عالم الأبدية ترن في أذني طالبة مني
أن ألبث كما كنت ... مدام ريكامييه
فأية فائدة لنا من ضم قلبينا ونحن على أبواب القبر "
وذبلت زهرتنا الجميلة وهي في عمر السبعين
وأصبحت ضعيفة النظر حتى كادت تصبح كفيفة
ومات لديها جميع الأحباب وبقيت وحيدة
إلى أن انتهت مصابة بالعمى ثم الموت مصابة بداء الكوليرا سنة 1849
1
-انتهت القصة هيا لنذهب
وفي طريقنا للخروج توقفت فجأة أمام لوحة وأشرت لصديقي
-أليست هذه تشبه.....؟؟؟
1
- نعم إنها لوحة للفنان السيريالي رينيه ماجريت لمدام ريكامييه
-ماذا يقصد ؟
- ربما أراد الفنان ماغريت من خلال لوحته أن يقول
إن تلك القطعة من القماش هي كلّ ما تبقى من تلك السيّدة
التي كانت أثناء حياتها ملء السمع والبصر
ومحطّ إعجاب الناس واهتمامهم.
إن رينيه ماجريت لايفصح تقريبا عن مكنون لوحاته
سبقني صديقي لطريق الخروج سريعا وتركني
واسئلة كثيرة تعصف برأسي عن هذه الجميلة
التي كانت اشبه بسمكة تقاوم التيار والعواصف
بحثا عن مكان آمن إلى ان تجد نفسها فجأة
خارج المياه تجتر الاسى والحزن.
والآن سوف نتركها لتستقبل زواراً آخرين
ربما يستمعون لقصتها
أو يعجبون فقط ويمشون
-انتظر
متى سنذهب إلى المتحف مرة أخرى؟
تعليق