كباريه فولتير تأبين الداديه
الخميس 16 يوليو - تموز
ريان نجيب
(اصرفوا بأسنانكم..اصرخوا.. اركلوني على أسناني.. ثم ماذا!! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صوراً ببضعة فرنكات) إنها مقتطفات في العدد السابع من شهر مايو عام 1920 لمجلة “دادا” والتي صدر عددها الأول في شهر فبراير من نفس العام وكان رئيس تحريرها «تريستان تزارا» الذي يحسب له فعلياً
تشكيل حركة الدادا
1
بينما كانت الحرب العالمية الأولى في أوج اشتدادها، تنصل شاب اسمه (تريسيان تزار) عن دوره كجندي مقاتل في سلاح الجيش الروماني وقطع الطريق إلى سويسرا ـ البلد الذي وقف محايداً في الحرب- عَبرَ البحيرات والأودية وأحراش الغابات الإستوائية، أستقر به المقام في مدينة (زيورخ)، وبينما كان يتجول مفتوناً بروح المغامرة قادته خطاه إلى مقهى بشارع شبيغلغاس وهناك التقى لأول مرة برجل هزيل البنية وطويل القامة بإفراط، كان نفسه الفنان والمغني الألماني (هوغو بال)
1
وفي شقة متواضعة من الشارع كان الأخير يهم بتجهيز منشور إعلاني للصحف السويسرية يطلب فيه من الشعراء والفنانين المتواجدين في مدينة (زيوريخ) دعم الملهى الليلي الذي أطلق عليه إسم (كباريه فولتير)، والذي مثَّل فيما بعد معرض لملصقات الكثير من الفنانين من بينهم الرسام الشهير بابلو بيكاسو وسيغال ويانكو ومارتيني
تأسس (كباريه فولتير) في الخامس من شباط عام 1916 وشكل تأسيسه النواة الأولى لأشهر حركة فنية معاصرة، حيث عمد المؤسسين في اليوم الثاني لتأسيس المقهى إلى إطلاق إسم (دادا) على حركتهم في محاولة لسبر أغوار الفوضى والدمار اللذين سببتهما الحرب، وكذلك لصياغة مفاهيم جديدة غير التي أتت بها المكنة والآلة:
- (ولدت الكلمة دون أن يعرف أحد كيف تم ذلك، لقد اختيرت بالصدفة من قاموس لارويس) قال (تريسيان تزار).
وفي فرصة ثمينة للظهور حَفِلَ (كباريه فولتير)، بأغان متنوعة مما تركه الغجر والروس المحاربون وحتى رعاة الأبقار، وترك للجمهور حرية الإستمتاع والمقاطعة في جو لايخلو من الضجيج والموسيقى، وفي الليلة العاشرة من الحماس والإندفاع إلى اللاشيء، وقف تريسيان وقفة المحارب-وهو الفار من الحرب- وخاطب جمهوره بقصيدة ضمت أبياتاً طويلة ومعوجة وهي القصيدة نفسها التي ضمنها في كتاب في زيوريخ مع خمسة وعشرين قصيدة:
-آ ، او، او يو يو يو
يو يو يو
دررر دررر دررر غ رررر غ رررر
قطع من مدة زمنية خضراء تحوم في غرفتي
آ او أي أي أي أي او آ او أي أي أي أي جوف.
أسست الدادائية نفسها وكان الإقتصاد العسكري قد أثر على الشعور بالذات لدى الحركات الفنية والأدبية التحررية، ولم يكتف تجار الحروب آنذاك بالسعي لخلق عالم من الخوف والترسانة، بل ساقوا العمال كالقطعان إلى إمبراطوريات النمسا والمجر و صربيا للحرب وتحت سياط التهديد بالقتل عمت الفوضى أرجاء أوروبا، ووصم الذين لم يشاركوا فيها بالخيانة الوطنية العظمى، والموظفون خضعوا لتعليمات الإنضباط الرسمي ومجالس التأديب التي يعقبها قطع المرتبات إذا عاندوا والفلاحون أصبحوا مضطرين للعمل والقبول بتسعيرة الدولة. كل هذا لتزايد من أرباح الرأسماليين وتتضخم ولم تكتف الحرب العالمية الأولى بإبراز قضايا عسكرية وإستراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية وحسب وإنما انتقلت إلى الميدان الإجتماعي أيضاً. فقد واجهت الحكومات المتحاربة تموين عائلات الغائبين في الميدان والتعويض عن المشوهين العائدين علاوة على تفشي الإنحرافات الخلقية وشاع بين الناس التذمر الصريح والواضح.
عاد (تريستان تزارا) إلى كافيه دي لاتيراس في مدينة زيورخ في التقاطع الشمالي للشارع الذي يسكن فيه وبعد ليلة طويلة من المناقشات مع رفاقه رجع إلى فراشه منهكاً وهو ينفض عن بيجامته ندفاً لشتاءٍ ساخن في الشقة رقم (11) في شارع شبيغلغاس ولم تنم أوهامه معه، وفي الجناح الآخر كان (لينين) وبعض رفاقه يعدون لثورة تهدف إلى القضاء على النظام الطبقي وإلغاء الحروب الاستعمارية.
قضى الرفاق (الدادائيون) أوقاتاً وإرهاصات، مجدوا كل شيء، وسبُّوه، استخدموا في خاماتهم الفنية المراحيض والأتربة، والكولاج، تعرضوا للنقد اللاذع ولم تثنهم العقائد عن أن يضعوا شارباً للموناليزا كما فعل الفنان مارسيل دو شامب في معرض دادائي بباريس.
(اصرفوا بأسنانكم..اصرخوا.. اركلوني على أسناني.. ثم ماذا!! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صوراً ببضعة فرنكات) إنها مقتطفات في العدد السابع من شهر مايو عام 1920 لمجلة “دادا” والتي صدر عددها الأول في شهر فبراير من نفس العام وكان رئيس تحريرها «تريستان تزارا» الذي يحسب له فعلياً تشكيل حركة الدادا، وقدمت المجلة دعوة للكثير من الكتاب للكتابة فيها أمثال أراغون، وايلوار، وبرايتون، وسوير، وساهم في عروضها التشكيلية كل من بيكاسو، ومودلياني، وكاندنيسكي ولم تتوقف مجلة «دادا» عن الصدور وكانت كعادتها تطبع بطريقة مشوهة، وفي ليلة أخرى تناول تزار بعض مقالات من صحيفة يومية تافهة وقصها قصاصات صغيرة ولا تزيد مساحة الواحدة منها عن معدل الحيز الذي تشغله كلمة ثم وضع الكلمات المقطعة في كيس فارغ وخضها جيداً ثم تركها تتناثر على الطاولة وقام بتجميعها عشوائياً:
هذه قصيدة من نضم الصدفة
وبعد ذلك بسنتين وبالتحديد في منتصف شهر مارس عام 1922 دعت حركة(الدادا) أقطابها لحضور مؤتمرها الأول والأخير وألقى تريستان خطاب المنتصر في وقفة مثيرة للتأمل:
-إن دادا تشق طريقها وهي ماضية لا في التوسع بل من أجل تخريب ذاتها وهي لا تبغي أن تتوصل إلى نتيجة أو تكسب مجداً أو فائدة عبر جميع إرهاصاتها المقرفة فقد كفت نهائيا عن الكفاح لأنها تدرك أن ذلك لا يخدم غرضاً ما.
توقف تزارا برهة وابتلع ريقه .. حرك رأسه كثيراً ثم أطرق لالتقاط ماتبقى له من المجد وبعد نظرة جال بها على رفاقه الحاضرين - فهم ماقد يكون مباركتهم له استطرد:
-إن دادا كانت حالتنا الذهنية الساخرة وكانت للرافضين من أمثالنا نقطة الارتكاز التي تلتقي عند نعم وعند لا، وتحتوي كل المتناقضات السائدة ولأن دادا كانت لا تؤمن بشيء فقد انتهت وانتهت لأنها لم تؤمن حتى بمبادئها
جارى اعادة رفع صور الموضوع تابعونا لاحقا
الخميس 16 يوليو - تموز
ريان نجيب
(اصرفوا بأسنانكم..اصرخوا.. اركلوني على أسناني.. ثم ماذا!! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صوراً ببضعة فرنكات) إنها مقتطفات في العدد السابع من شهر مايو عام 1920 لمجلة “دادا” والتي صدر عددها الأول في شهر فبراير من نفس العام وكان رئيس تحريرها «تريستان تزارا» الذي يحسب له فعلياً
تشكيل حركة الدادا
1
بينما كانت الحرب العالمية الأولى في أوج اشتدادها، تنصل شاب اسمه (تريسيان تزار) عن دوره كجندي مقاتل في سلاح الجيش الروماني وقطع الطريق إلى سويسرا ـ البلد الذي وقف محايداً في الحرب- عَبرَ البحيرات والأودية وأحراش الغابات الإستوائية، أستقر به المقام في مدينة (زيورخ)، وبينما كان يتجول مفتوناً بروح المغامرة قادته خطاه إلى مقهى بشارع شبيغلغاس وهناك التقى لأول مرة برجل هزيل البنية وطويل القامة بإفراط، كان نفسه الفنان والمغني الألماني (هوغو بال)
1
وفي شقة متواضعة من الشارع كان الأخير يهم بتجهيز منشور إعلاني للصحف السويسرية يطلب فيه من الشعراء والفنانين المتواجدين في مدينة (زيوريخ) دعم الملهى الليلي الذي أطلق عليه إسم (كباريه فولتير)، والذي مثَّل فيما بعد معرض لملصقات الكثير من الفنانين من بينهم الرسام الشهير بابلو بيكاسو وسيغال ويانكو ومارتيني
تأسس (كباريه فولتير) في الخامس من شباط عام 1916 وشكل تأسيسه النواة الأولى لأشهر حركة فنية معاصرة، حيث عمد المؤسسين في اليوم الثاني لتأسيس المقهى إلى إطلاق إسم (دادا) على حركتهم في محاولة لسبر أغوار الفوضى والدمار اللذين سببتهما الحرب، وكذلك لصياغة مفاهيم جديدة غير التي أتت بها المكنة والآلة:
- (ولدت الكلمة دون أن يعرف أحد كيف تم ذلك، لقد اختيرت بالصدفة من قاموس لارويس) قال (تريسيان تزار).
وفي فرصة ثمينة للظهور حَفِلَ (كباريه فولتير)، بأغان متنوعة مما تركه الغجر والروس المحاربون وحتى رعاة الأبقار، وترك للجمهور حرية الإستمتاع والمقاطعة في جو لايخلو من الضجيج والموسيقى، وفي الليلة العاشرة من الحماس والإندفاع إلى اللاشيء، وقف تريسيان وقفة المحارب-وهو الفار من الحرب- وخاطب جمهوره بقصيدة ضمت أبياتاً طويلة ومعوجة وهي القصيدة نفسها التي ضمنها في كتاب في زيوريخ مع خمسة وعشرين قصيدة:
-آ ، او، او يو يو يو
يو يو يو
دررر دررر دررر غ رررر غ رررر
قطع من مدة زمنية خضراء تحوم في غرفتي
آ او أي أي أي أي او آ او أي أي أي أي جوف.
أسست الدادائية نفسها وكان الإقتصاد العسكري قد أثر على الشعور بالذات لدى الحركات الفنية والأدبية التحررية، ولم يكتف تجار الحروب آنذاك بالسعي لخلق عالم من الخوف والترسانة، بل ساقوا العمال كالقطعان إلى إمبراطوريات النمسا والمجر و صربيا للحرب وتحت سياط التهديد بالقتل عمت الفوضى أرجاء أوروبا، ووصم الذين لم يشاركوا فيها بالخيانة الوطنية العظمى، والموظفون خضعوا لتعليمات الإنضباط الرسمي ومجالس التأديب التي يعقبها قطع المرتبات إذا عاندوا والفلاحون أصبحوا مضطرين للعمل والقبول بتسعيرة الدولة. كل هذا لتزايد من أرباح الرأسماليين وتتضخم ولم تكتف الحرب العالمية الأولى بإبراز قضايا عسكرية وإستراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية وحسب وإنما انتقلت إلى الميدان الإجتماعي أيضاً. فقد واجهت الحكومات المتحاربة تموين عائلات الغائبين في الميدان والتعويض عن المشوهين العائدين علاوة على تفشي الإنحرافات الخلقية وشاع بين الناس التذمر الصريح والواضح.
عاد (تريستان تزارا) إلى كافيه دي لاتيراس في مدينة زيورخ في التقاطع الشمالي للشارع الذي يسكن فيه وبعد ليلة طويلة من المناقشات مع رفاقه رجع إلى فراشه منهكاً وهو ينفض عن بيجامته ندفاً لشتاءٍ ساخن في الشقة رقم (11) في شارع شبيغلغاس ولم تنم أوهامه معه، وفي الجناح الآخر كان (لينين) وبعض رفاقه يعدون لثورة تهدف إلى القضاء على النظام الطبقي وإلغاء الحروب الاستعمارية.
قضى الرفاق (الدادائيون) أوقاتاً وإرهاصات، مجدوا كل شيء، وسبُّوه، استخدموا في خاماتهم الفنية المراحيض والأتربة، والكولاج، تعرضوا للنقد اللاذع ولم تثنهم العقائد عن أن يضعوا شارباً للموناليزا كما فعل الفنان مارسيل دو شامب في معرض دادائي بباريس.
(اصرفوا بأسنانكم..اصرخوا.. اركلوني على أسناني.. ثم ماذا!! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صوراً ببضعة فرنكات) إنها مقتطفات في العدد السابع من شهر مايو عام 1920 لمجلة “دادا” والتي صدر عددها الأول في شهر فبراير من نفس العام وكان رئيس تحريرها «تريستان تزارا» الذي يحسب له فعلياً تشكيل حركة الدادا، وقدمت المجلة دعوة للكثير من الكتاب للكتابة فيها أمثال أراغون، وايلوار، وبرايتون، وسوير، وساهم في عروضها التشكيلية كل من بيكاسو، ومودلياني، وكاندنيسكي ولم تتوقف مجلة «دادا» عن الصدور وكانت كعادتها تطبع بطريقة مشوهة، وفي ليلة أخرى تناول تزار بعض مقالات من صحيفة يومية تافهة وقصها قصاصات صغيرة ولا تزيد مساحة الواحدة منها عن معدل الحيز الذي تشغله كلمة ثم وضع الكلمات المقطعة في كيس فارغ وخضها جيداً ثم تركها تتناثر على الطاولة وقام بتجميعها عشوائياً:
هذه قصيدة من نضم الصدفة
وبعد ذلك بسنتين وبالتحديد في منتصف شهر مارس عام 1922 دعت حركة(الدادا) أقطابها لحضور مؤتمرها الأول والأخير وألقى تريستان خطاب المنتصر في وقفة مثيرة للتأمل:
-إن دادا تشق طريقها وهي ماضية لا في التوسع بل من أجل تخريب ذاتها وهي لا تبغي أن تتوصل إلى نتيجة أو تكسب مجداً أو فائدة عبر جميع إرهاصاتها المقرفة فقد كفت نهائيا عن الكفاح لأنها تدرك أن ذلك لا يخدم غرضاً ما.
توقف تزارا برهة وابتلع ريقه .. حرك رأسه كثيراً ثم أطرق لالتقاط ماتبقى له من المجد وبعد نظرة جال بها على رفاقه الحاضرين - فهم ماقد يكون مباركتهم له استطرد:
-إن دادا كانت حالتنا الذهنية الساخرة وكانت للرافضين من أمثالنا نقطة الارتكاز التي تلتقي عند نعم وعند لا، وتحتوي كل المتناقضات السائدة ولأن دادا كانت لا تؤمن بشيء فقد انتهت وانتهت لأنها لم تؤمن حتى بمبادئها
جارى اعادة رفع صور الموضوع تابعونا لاحقا
تعليق