[]في لوحات راغب حواضري
اختزال معبر و عوالم مشتهاة
((راغب حواضري)) فنان تشكيلي سوري من مدينة حماة . درس في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق و تخرج في قسم العمارة الداخلية عام 1983 يشغل حالياً منصب أمين سر فرع حماة لنقابة الفنون الجميلة ،ويعمل في مجال اختصاصه ،وفي الوقت نفسه، يعكف على إنتاج اللوحة الفنية المتعددة التقانات اللونية ،و حتى الصياغات و الأساليب ،و هذا التململ الأسلوبي في تجربته الفنية ،يعتبر خصيصة إيجابية ،تشير إلى وجود نزعة بحث و تجريب لديه ،لا بد أن تفضي في النهاية ،إلى إماطة اللثام ،عن شخصية فنية متميزة تشير المرحلة التي يشتغل عليها حالياً إلى امتلاكه لغة تصورية خاصة ،قائمة على جملة من الخصائص و المقومات ،منها اعتماده على اللون كقيمة تشكيلية و تعبيرية رئيسية .إذ بالعجينة اللونية ،يرسم ،و يصور ،و يبني عمارة لوحته ،و بها يستحضر موضوعاتها و مضامينها المتمحورة حول الإنسان الطبيعة و التراث ،حيث يماهي بينهما ضمن توليفة أسلوبية يستفيد فيها أحياناً ،من إيقاعات التزين الزخرفي العربي الإسلامي الهندسي ،و تارة أخرى من الإيقاعات اللينية الانسيابية ،للزخرفة النباتية ،لكن من خلال رؤية مصور ،لا مزخرف .
مصور يعي جيداً ما يفعل ،الأمر الذي نبه الوقوع في مطلب طغيان النزعة الزخرفية التزيلية ،ليشرف عبر صياغة فنية رشيقة و حيوية ،عوالم اللوحة المشغولة بحس تصويري رفيع ،مفعم بتأثيرات جمعها بصره و بصيرته ،من معطيات طبيعية تراثية ،يكتنز مسقط رأسه (حماة) على مظاهر ثروة و متفردة منها .
خلال زيارتي الأخيرة لمراسم الفنانين التشكيلين المتميزة في حماة ،و منها مرسم الفنان راغب حواضري ،و اطلاعي من قرب ،على تجربته الفنية التي يعيش حالياً حالة لافتة من النشاط و الحركة و البحث ،يمكنني تصنيفها في ثلاثة اتجاهات رئيسية ،اعتماداً على طريقة اللوحة و العناصر المستخدمة في معمارها و هي:
أولاً :الأعمال التي يزاوج فيها بين مفردات إنسانية متوارية و الشكل الهندسي ،حيث تتداخل التقسيمات الكروية بتضاريس الوجه الإنساني ،ضمن تكوين مفروش على كامل مساحة اللوحة . و للتخفيف من حدة الهندسية فيها ،يطعمها بأقواس و أشكال لينة و مفردات من الطبيعة ،دون التأكيد على تكوين محدد و واضح أو الوقوع في مسلبة التناظر و التماثل و التكرار ،لنجد أنفسنا في النهاية ،أمام لوحة ينوء سطحها بحشد من العناصر و الأشكال و الرموز و الإحالات التي تتحدث عن الإنسان و علاقته بالطبيعة ،برؤية غير مباشرة و غامضة ،ذلك لأن الفنان حواضري استحضر هذه العلاقة ،عبور موشور ذاته ، و إرهاصات الداخل فيه ،أي أعاد صياغة واقعيتها معجونة بهواجسه الحسية و الفكرية ،تلميحاً و ليس تصريحاً .
ثانياً :الأعمال التي عالج فيها الوجوه الإنسانية و الطبيعية ،برشاقة و ليونة و خصوصية النبات ،حيث تحولت فيها العين إلى ورقة نبات ،و الفم إلى فستقة ،والشعر إلى حزمة من الأفنان ،و الشجر إلى حاضن حنون و رقيق ،لوجوه مسكونة بحالات تعبيرية متباينة ،تتأرجح بين الرومانسية الحالمة ،و يقظة العقل المتأملة و الصارمة .
ثالثاً :الأعمال التي انساحت فيها الأشكال و العناصر فوق سطوحها ،بانسيابية و ليونة لافتة ،لتبدو و كأنها شجرة تداعبها الريح ،أو تقسيمات حقول متنوعة الزرع ،متباينة الغلال .
في أعمال هذه الفئة ،تغيب النزعة الهندسية بشكل كبير ،لصالح العناصر النباتية اللينة الطاغية و المسيطرة ،لكن دون أن يتخلى الفنان كلياً عن وجود الإنسانية التي ظلت حاضرة و واضحة إنما عاجلها بروحية النبات ،الأمر الذي خلق حالة عالية من الانسجام و التوافق بين عناصرها الشاغلة لمساحتها كاملة ،إنما بإيقاعات متنوعة ،و تقسيمات مختلفة ،حملت روح الرقش العربي ،و طلاوة وطراوة النبات و المياه وحركة النسيم المنعشة ،و لأن الألوان كدرجة و إيقاع ،واكبت هذه العناصر ،و انسجمت معها ،شكلت أعمال هذه الفئة ،وليمة لونية و خطية ساحرة ،لعين تنشد متعة التغلغل في جماليات الطبيعة و الاغتسال بها من صدأ الحياة اليومية و رتابتها المملة .
بقلم : د . محمود شاهين
عن جريدة تشرين العدد 10592
الآربعاء الموافق 9أيلول 2009 م
صفحة الثقافة
تعريف الدكتور محمود شاهين
-عميد كلية الفنون الجميلة بدمشق
-ناقد فني -وكاتب فني في عديد من الصحف العربية
-دكتوراة في النحت
-امين تحرير الحياة التشكيلية
في لوحات راغب حواضري

في لوحات راغب حواضري

[/]
اختزال معبر و عوالم مشتهاة
((راغب حواضري)) فنان تشكيلي سوري من مدينة حماة . درس في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق و تخرج في قسم العمارة الداخلية عام 1983 يشغل حالياً منصب أمين سر فرع حماة لنقابة الفنون الجميلة ،ويعمل في مجال اختصاصه ،وفي الوقت نفسه، يعكف على إنتاج اللوحة الفنية المتعددة التقانات اللونية ،و حتى الصياغات و الأساليب ،و هذا التململ الأسلوبي في تجربته الفنية ،يعتبر خصيصة إيجابية ،تشير إلى وجود نزعة بحث و تجريب لديه ،لا بد أن تفضي في النهاية ،إلى إماطة اللثام ،عن شخصية فنية متميزة تشير المرحلة التي يشتغل عليها حالياً إلى امتلاكه لغة تصورية خاصة ،قائمة على جملة من الخصائص و المقومات ،منها اعتماده على اللون كقيمة تشكيلية و تعبيرية رئيسية .إذ بالعجينة اللونية ،يرسم ،و يصور ،و يبني عمارة لوحته ،و بها يستحضر موضوعاتها و مضامينها المتمحورة حول الإنسان الطبيعة و التراث ،حيث يماهي بينهما ضمن توليفة أسلوبية يستفيد فيها أحياناً ،من إيقاعات التزين الزخرفي العربي الإسلامي الهندسي ،و تارة أخرى من الإيقاعات اللينية الانسيابية ،للزخرفة النباتية ،لكن من خلال رؤية مصور ،لا مزخرف .
مصور يعي جيداً ما يفعل ،الأمر الذي نبه الوقوع في مطلب طغيان النزعة الزخرفية التزيلية ،ليشرف عبر صياغة فنية رشيقة و حيوية ،عوالم اللوحة المشغولة بحس تصويري رفيع ،مفعم بتأثيرات جمعها بصره و بصيرته ،من معطيات طبيعية تراثية ،يكتنز مسقط رأسه (حماة) على مظاهر ثروة و متفردة منها .
خلال زيارتي الأخيرة لمراسم الفنانين التشكيلين المتميزة في حماة ،و منها مرسم الفنان راغب حواضري ،و اطلاعي من قرب ،على تجربته الفنية التي يعيش حالياً حالة لافتة من النشاط و الحركة و البحث ،يمكنني تصنيفها في ثلاثة اتجاهات رئيسية ،اعتماداً على طريقة اللوحة و العناصر المستخدمة في معمارها و هي:
أولاً :الأعمال التي يزاوج فيها بين مفردات إنسانية متوارية و الشكل الهندسي ،حيث تتداخل التقسيمات الكروية بتضاريس الوجه الإنساني ،ضمن تكوين مفروش على كامل مساحة اللوحة . و للتخفيف من حدة الهندسية فيها ،يطعمها بأقواس و أشكال لينة و مفردات من الطبيعة ،دون التأكيد على تكوين محدد و واضح أو الوقوع في مسلبة التناظر و التماثل و التكرار ،لنجد أنفسنا في النهاية ،أمام لوحة ينوء سطحها بحشد من العناصر و الأشكال و الرموز و الإحالات التي تتحدث عن الإنسان و علاقته بالطبيعة ،برؤية غير مباشرة و غامضة ،ذلك لأن الفنان حواضري استحضر هذه العلاقة ،عبور موشور ذاته ، و إرهاصات الداخل فيه ،أي أعاد صياغة واقعيتها معجونة بهواجسه الحسية و الفكرية ،تلميحاً و ليس تصريحاً .
ثانياً :الأعمال التي عالج فيها الوجوه الإنسانية و الطبيعية ،برشاقة و ليونة و خصوصية النبات ،حيث تحولت فيها العين إلى ورقة نبات ،و الفم إلى فستقة ،والشعر إلى حزمة من الأفنان ،و الشجر إلى حاضن حنون و رقيق ،لوجوه مسكونة بحالات تعبيرية متباينة ،تتأرجح بين الرومانسية الحالمة ،و يقظة العقل المتأملة و الصارمة .
ثالثاً :الأعمال التي انساحت فيها الأشكال و العناصر فوق سطوحها ،بانسيابية و ليونة لافتة ،لتبدو و كأنها شجرة تداعبها الريح ،أو تقسيمات حقول متنوعة الزرع ،متباينة الغلال .
في أعمال هذه الفئة ،تغيب النزعة الهندسية بشكل كبير ،لصالح العناصر النباتية اللينة الطاغية و المسيطرة ،لكن دون أن يتخلى الفنان كلياً عن وجود الإنسانية التي ظلت حاضرة و واضحة إنما عاجلها بروحية النبات ،الأمر الذي خلق حالة عالية من الانسجام و التوافق بين عناصرها الشاغلة لمساحتها كاملة ،إنما بإيقاعات متنوعة ،و تقسيمات مختلفة ،حملت روح الرقش العربي ،و طلاوة وطراوة النبات و المياه وحركة النسيم المنعشة ،و لأن الألوان كدرجة و إيقاع ،واكبت هذه العناصر ،و انسجمت معها ،شكلت أعمال هذه الفئة ،وليمة لونية و خطية ساحرة ،لعين تنشد متعة التغلغل في جماليات الطبيعة و الاغتسال بها من صدأ الحياة اليومية و رتابتها المملة .
بقلم : د . محمود شاهين
عن جريدة تشرين العدد 10592
الآربعاء الموافق 9أيلول 2009 م
صفحة الثقافة
تعريف الدكتور محمود شاهين
-عميد كلية الفنون الجميلة بدمشق
-ناقد فني -وكاتب فني في عديد من الصحف العربية
-دكتوراة في النحت
-امين تحرير الحياة التشكيلية
في لوحات راغب حواضري

في لوحات راغب حواضري

[/]
تعليق