اليزابيث سيدال لوحة و حكاية 3
Elizabeth Eleanor Siddal 1834-1862
هل تتذكرون تلك الجميلة مدام ريكامييه في لوحة و حكاية 2
و صديقي عاشق الفنون بأنواعها حتى إنني أحس
كأنني تلميذ صغير امام معلوماته الغزيرة
و عندما يتحدث يختفي الطفل الشقي بداخلي
و تظهر لدي ملكات اخرى
فأستمع إليه و انا مأخوذ بعالمه الساحر بين
اللوحات و الشخصيات و الموسيقى الخ
ذهبت إليه و قد حضرت له مفاجأة
فوجدت في انتظاري لوحة أخرى من لوحاته
- ماذا تعد ؟
- أعد عرضاً لمحاضرة الغد
و بدون دعوة
اتخذت موقعي و اعددت نفسي لمشاهدة العرض
و هنا استوقفتني هذه الصورة على الشاشة
فتاة جميلة جسدها طافياً في الماء
عيناها الجميلتان تنظر في الفراغ يداها مستسلمتان
لا أدري لماذا أحسست بالحزن عليها

- ماقصة هذه الفتاة؟
- هل تقصد قصة الفتاة ام قصة اللوحة
- نستمع للإثنين
أما اسم اللوحة فهي أوفيليا و أوفيليا
خطيبة و حبيبة هاملت
أشهر مسرحيات شكسبير
و الذي يعد أعظم كاتب انجليزي
أوفيليا
الرقيقة
المثالية
التي لم تستطع مواجهة الشرور
التي تعج بها الدنيا التي تحيط بها
عاشت حيرة فظيعة بين ما يقوله حبيبها
و بين الطريقة التي يفكر بها الباقون
عشقت هاملت
و ترددت في تصديق جنونه الذي اتهمه به الجميع
لكن بعد أن قتل والدها
لم تستطع مواجهة ذلك الخطأ القاتل الذي قام به حبيبها
و دنياها و أمام هذا الحدث
أدركت أنها لن تستطيع أن تستمر في حب قاتل أبيها
و في ذات الوقت
أدركت أنها لم تكن تستطيع ألا تحبه
فألقت نفسها في النهر
و قد رسم هذه اللوحة الفنان ميليس
- وماذا عن قصة صاحبة اللوحة ؟
- هي اليزابيث سيدال
1
موديل انجليزية
اكتشفها بالصدفة الفنان والتر ديفيريل عندما شاهد
فتاة جميلة في التاسعة عشر من عمرها
ذات عينين جميلتين و شعر نحاسي طويل
من خلال نافذة العرض لمحل قبعات كانت تعمل فيه
فاستأذن من صاحب المحل بأن تكون هذه الجميلة
موديلاً للوحاته
و هكذا أصبحت اليزابيث سيدال موديلاً و وجهاً
معروفاً لدى فناني ( عصبة ما قبل رافاييل )
و قد ضمت الفنانين
جون إيفرت ميليس - وليام هولمان هنت - والتر ديفيريل
- دانتي جابرييل روزيتي
- و ما هي مبادئ هذه الجماعة ؟
أسسوا هذه الجماعة كرد فعل على الأسلوب الشكلي
الصارم الذي كانت تسلكه الأكاديمية الملكية للفنون
في تدريسها للرسم
و نفياً لتأكيداتها المستمرة بضرورة بذل كل جهد
من أجل محاولة الوصول
باللوحة إلى كمال رافييل و غيره من أساتذة عصر النهضة
كان هدف عصبة ما قبل رافييل هو إعادة الفن إلى
رهافة العصور الوسطى
و السعي بدلاً من الكمال الأكاديمي إلى الإبتكار و الروحانية
ففضلوا الإبتعاد عن رسم المناظر الطبيعية و البورتريهات
و لم يرسموا إلا ما يلهمهم فاشتغلوا في معظم لوحاتهم على
تصوير مشاهد من مسرحيات شيكسبير
و أبيات من الشعر الرومانسي
و أبطال العصور الوسطى كالملك آرثر و الأجواء الدينية
المأخوذة من الإنجيل
صارت الآنسة سيدال وجهاً شهيراً يتكرر في لوحاتهم
إلى حد أنها كادت أن تكون علامة لهم يعرفون بها
فرسمها الفنان ديفيريل في شخصية فيولا في لوحة
( اثنا عشر ليلة ) المأخوذة عن رواية لشكسبير

و رسمها الفنان هانت أيضاً في شخصية سيلفيا في لوحة باسم
( فالنتاين ينقذ سيلفيا من بروتيوس )

أما ميليس فقد رسمها في لوحة تعتبر من أقوى اللوحات
لوحة ( أوفيليا )
و قد استلقت اثناء رسم ميليس لها في هذه اللوحة في حوض
ماء حتى أذنيها
و كان الوقت شتاءاً و لأجل هذا كان ميليس قد أضاء مجموعة
من المصابيح
بجوار الحوض لتدفئة الماء لكنها كفت عن الإشتعال
و لم ينتبه هو إلى هذا لانشغاله و لم تنبهه هي وظلت ساكنة
في الماء البارد !
مما أدى لإصابتها فيما بعد لنزلة صدرية حادة
يقولون أنها تطورت إلى التهاب رئوي أو سل
و قد بدأ نتيجة لذلك استخدامها لشراب اللاودنم
و هو سائل مستخلص من الأفيون
كان شائعاً تناوله في ذلك العصر لتخديرالأوجاع
و يذكر هنا أن أباها قد غضب غضباً شديداً لما حدث
لابنته حد تهديده
بمقاضاة الرسام ميليس مالم يدفع تعويضاً عما تسبب به
بعد ذلك أحبها الفنان روزيتي عندما وقفت كموديل للوحاته
و لم يدعها بعد ذلك ان تقف امام أحد غيره
1
و بالإضافة إلى أن روزيتي فنان فقد كان شاعراً و مترجماً أيضا
و شجعها مع صديقه الشاعر و الناقد جون رسكن
على أن ترسم بدورها و تكتب أشعارها
- إذاً كانت ترسم و تكتب الشعر أيضاً
هل كانت مشهورة ؟
- وسط هذا المجتمع الذكوري لا أعتقد انه يمكن أن تبرز لوحاتها
و غالباً كان جون رسكن يشتري أعمالها لتستطيع الصرف
على العلاج الطبي و السفر
1
مع مضي السنين اهتزت و ساءت علاقة روزيتي بإليزابيث
فقد كان متردداً في الزواج منها
هو من عائلة أرستقراطية مرموقة و كان خجلاً
من أن يعرّف أهله بامرأة بسيطة
تنحدرمن أصول متواضعة
هذا بالإضافة إلى أن صحتها كانت معتلة على الدوام
مما جعلها في احتياج دائم إليه
و تسبب هذا في انزعاجه و إرهاقه و نفوره منها
ازداد وضعهما سوءاً مع اقترابها لسن الثلاثين
فقد كانت تواجه مصيرها
كامرأة تعيش مع رجل تحبه لكنه لم يكن يريد
إلا أن يحلم بها و تظل في رأسه
بدون أن تمرض أو تشكو من شيئ
1
و لم يرغب في أن يعيشها واقعاً و يتزوجها ليحميها
من ضغائن مجتمع كان معظم أفراده ينظرون فيه
إلى حالتها باحتقار تام
و في أثناء ذلك كان روزيتي يقيم علاقات عدة مع
نساء أخريات يترددن عليه ليرسمهن
و قد وقع في غرام الملهمة الجديدة لعصبة ما قبل رافييل
الآنسة جين بيردن
1
لكنه تزوج إليزابيث برغم ذلك على مضض في عام 1860
شفقة منه عليها أكثر من كونه حباً
و في اثناء ذلك كانت اليزابيث مدمنة للاودنم وقد انجبت
طفلة ميتة عام 1861
و قد اصابها هذا بالحزن مع اكتئاب ما بعد الولادة
تدهورت حالتها بعد ذلك و يبدو انها انحدرت لهاويتها
و يقال انها ماتت منتحرة بجرعة زائدة من اللاودنم
فذات ليلة عند رجوع روزيتي إلى البيت
وجدها تحتضر
1
و قد احضر لها روزيتي أربعة من الأطباء في
محاولة لإنقاذها و لم يفيد ذلك في شئ
و ماتت في عمرها الثاني و الثلاثين
لام روزيتي نفسه على موتها و في غمرة أحزانه عليها
دس دفتراً
كتب فيه أشعاره لها بين جدائلها و هي مستلقية في التابوت
و بعدها بعام رسم لها روزيتي لوحة
بعنوان Beata Beatrix احياء لذكراها
وهي لوحة من النوع الرمزي
1
و كان روزيتي في الواقع بدأ الصورة قبل سنوات عديدة
لكن الأمر استغرق من جديد في عام 1864
و الانتهاء منه بحلول 1870
و تمثل اليزابيث و هي في نشوة الموت و يحمل لها
رسول الموت زهرة الخشخاش
- هل يمكنني أن أبدي ملاحظة
ألا ترى أن هناك تشابه في اللوحتين
أوفيليا و بيتا بياتركس
- ماهو ؟
أنها مفتوحة اليدين في كلتا اللوحتين و كأنها ترحب بالموت
- ملاحظة دقيقة
- ماذا فعل زوجها بعد ذلك
- إنجازاته المهنية لم تعد إلا ظلاً لما كان منه من قبل
و تقلصت سمعته الأدبية و الفنية
فأصبحت لوحاته يطل منها وجه واحد
برغم اختلاف موديلاته
نفس الشعر الطويل النحاسي
نفس العينان الجميلتان لا هي خضراء و لا هي زرقاء
و فجأة صار مهووساً بدفتر الأشعار الذي دسه
في تابوت إليزابيث
و بعد تلقيه تشجيعاً من بعض رفاقه قدم طلباً
لاستخراج جثة زوجته الراحلة
من قبرها ليأخذ الدفتر و يطبع مافيه من قصائد !
بعد سبع سنين من موتها
لم يمتلك الجرأة الكافية لأن يكون حاضراً
وقت تم تنفيذ العملية و قد نفذت ليلاً
و يقال أن جثتها ظلت محتفظة بقوامها و أن
شعرها الطويل الذي كان يصل لركبتيها
عندما ماتت قد واصل نموه و ملأ التابوت
1
- هل يمكن تصديق ذلك
- كلا بالطبع بيولوجياً هذا غير ممكن
و لكن يبدو قيل له هذا حتى يقللوا من إحساسه بالذنب
أو لإحداث شهرة لفناني عصبة ماقبل رافاييل
قام روزيتي بنشر قصائده ظاناً أنها ستحقق له النجاح
لكنها لم تحدث أثراً و لم تثر صدى لا عند الجمهور و لا عند النقاد
بل على العكس قد تلقى على بعضها ردود فعل
مستاءة لما اعتبروه اباحية و جرأة
لم يتمكن روزيتي من التعايش مع فعلته
في إخراجه جثمان زوجته الراحلة
من القبر و لا مع فشله
فأدمن اللاودنم هو الآخر و حاول الإنتحار
بجرعة زائدة عام 1872
لكنه نجا بعد أن تمكنوا من إنقاذه و مات
بعد هذه الحادثة بعشرين سنة
شبحاً هزيلاً لما كانه يوماً ما
1
وفيما انشغل صديقي بترتيب أشيائه
اخذت أتأمل الصورة المعروضة على الشاشة
لهذه الفتاة التي أخذها جمالها إلى طريق شائك و مميت
و ضاعت هويتها وسط الشخصيات المرسومة
عاشتها فقط في اللوحات
لم تخترها
1
و لكنها يبدو انها اختارت دورها بنفسها في النهاية
هل ادمنت اللاودنم لتهدئة آلامها الجسدية
أم لإسكات آلامها النفسية
تعاملوا معها بمنتهى الأنانية في حياتها
و لم يحترموا مماتها فنبشوا قبرها
و انقطع استرسال التأملات على صوت صديقي
- قلت أنك اعددت لي مفاجأة
مددت إليه يدي بكروت دعوة و انا اتصنع الخجل
- قد حجزت لنا مكانين في عرض للباليه باسم (......)
و اعتقد إنني لن أفهمه وحدي
نظر صديقي للدعوة ثم ابتسم ابتسامة عريضة
أما سر الإبتسامة
فهذا ما سوف تعرفونه في لوحة و حكاية 4
قوي قلبك
فهي ليست لأصحاب القلوب الضعيفة
Elizabeth Eleanor Siddal 1834-1862
هل تتذكرون تلك الجميلة مدام ريكامييه في لوحة و حكاية 2
و صديقي عاشق الفنون بأنواعها حتى إنني أحس
كأنني تلميذ صغير امام معلوماته الغزيرة
و عندما يتحدث يختفي الطفل الشقي بداخلي
و تظهر لدي ملكات اخرى
فأستمع إليه و انا مأخوذ بعالمه الساحر بين
اللوحات و الشخصيات و الموسيقى الخ
ذهبت إليه و قد حضرت له مفاجأة
فوجدت في انتظاري لوحة أخرى من لوحاته
- ماذا تعد ؟
- أعد عرضاً لمحاضرة الغد
و بدون دعوة
اتخذت موقعي و اعددت نفسي لمشاهدة العرض
و هنا استوقفتني هذه الصورة على الشاشة
فتاة جميلة جسدها طافياً في الماء
عيناها الجميلتان تنظر في الفراغ يداها مستسلمتان
لا أدري لماذا أحسست بالحزن عليها

- ماقصة هذه الفتاة؟
- هل تقصد قصة الفتاة ام قصة اللوحة
- نستمع للإثنين
أما اسم اللوحة فهي أوفيليا و أوفيليا
خطيبة و حبيبة هاملت
أشهر مسرحيات شكسبير
و الذي يعد أعظم كاتب انجليزي
أوفيليا
الرقيقة
المثالية
التي لم تستطع مواجهة الشرور
التي تعج بها الدنيا التي تحيط بها
عاشت حيرة فظيعة بين ما يقوله حبيبها
و بين الطريقة التي يفكر بها الباقون
عشقت هاملت
و ترددت في تصديق جنونه الذي اتهمه به الجميع
لكن بعد أن قتل والدها
لم تستطع مواجهة ذلك الخطأ القاتل الذي قام به حبيبها
و دنياها و أمام هذا الحدث
أدركت أنها لن تستطيع أن تستمر في حب قاتل أبيها
و في ذات الوقت
أدركت أنها لم تكن تستطيع ألا تحبه
فألقت نفسها في النهر
و قد رسم هذه اللوحة الفنان ميليس
- وماذا عن قصة صاحبة اللوحة ؟
- هي اليزابيث سيدال
1
موديل انجليزية
اكتشفها بالصدفة الفنان والتر ديفيريل عندما شاهد
فتاة جميلة في التاسعة عشر من عمرها
ذات عينين جميلتين و شعر نحاسي طويل
من خلال نافذة العرض لمحل قبعات كانت تعمل فيه
فاستأذن من صاحب المحل بأن تكون هذه الجميلة
موديلاً للوحاته
و هكذا أصبحت اليزابيث سيدال موديلاً و وجهاً
معروفاً لدى فناني ( عصبة ما قبل رافاييل )
و قد ضمت الفنانين
جون إيفرت ميليس - وليام هولمان هنت - والتر ديفيريل
- دانتي جابرييل روزيتي
- و ما هي مبادئ هذه الجماعة ؟
أسسوا هذه الجماعة كرد فعل على الأسلوب الشكلي
الصارم الذي كانت تسلكه الأكاديمية الملكية للفنون
في تدريسها للرسم
و نفياً لتأكيداتها المستمرة بضرورة بذل كل جهد
من أجل محاولة الوصول
باللوحة إلى كمال رافييل و غيره من أساتذة عصر النهضة
كان هدف عصبة ما قبل رافييل هو إعادة الفن إلى
رهافة العصور الوسطى
و السعي بدلاً من الكمال الأكاديمي إلى الإبتكار و الروحانية
ففضلوا الإبتعاد عن رسم المناظر الطبيعية و البورتريهات
و لم يرسموا إلا ما يلهمهم فاشتغلوا في معظم لوحاتهم على
تصوير مشاهد من مسرحيات شيكسبير
و أبيات من الشعر الرومانسي
و أبطال العصور الوسطى كالملك آرثر و الأجواء الدينية
المأخوذة من الإنجيل
صارت الآنسة سيدال وجهاً شهيراً يتكرر في لوحاتهم
إلى حد أنها كادت أن تكون علامة لهم يعرفون بها
فرسمها الفنان ديفيريل في شخصية فيولا في لوحة
( اثنا عشر ليلة ) المأخوذة عن رواية لشكسبير

و رسمها الفنان هانت أيضاً في شخصية سيلفيا في لوحة باسم
( فالنتاين ينقذ سيلفيا من بروتيوس )

أما ميليس فقد رسمها في لوحة تعتبر من أقوى اللوحات
لوحة ( أوفيليا )
و قد استلقت اثناء رسم ميليس لها في هذه اللوحة في حوض
ماء حتى أذنيها
و كان الوقت شتاءاً و لأجل هذا كان ميليس قد أضاء مجموعة
من المصابيح
بجوار الحوض لتدفئة الماء لكنها كفت عن الإشتعال
و لم ينتبه هو إلى هذا لانشغاله و لم تنبهه هي وظلت ساكنة
في الماء البارد !
مما أدى لإصابتها فيما بعد لنزلة صدرية حادة
يقولون أنها تطورت إلى التهاب رئوي أو سل
و قد بدأ نتيجة لذلك استخدامها لشراب اللاودنم
و هو سائل مستخلص من الأفيون
كان شائعاً تناوله في ذلك العصر لتخديرالأوجاع
و يذكر هنا أن أباها قد غضب غضباً شديداً لما حدث
لابنته حد تهديده
بمقاضاة الرسام ميليس مالم يدفع تعويضاً عما تسبب به
بعد ذلك أحبها الفنان روزيتي عندما وقفت كموديل للوحاته
و لم يدعها بعد ذلك ان تقف امام أحد غيره
1
و بالإضافة إلى أن روزيتي فنان فقد كان شاعراً و مترجماً أيضا
و شجعها مع صديقه الشاعر و الناقد جون رسكن
على أن ترسم بدورها و تكتب أشعارها
- إذاً كانت ترسم و تكتب الشعر أيضاً
هل كانت مشهورة ؟
- وسط هذا المجتمع الذكوري لا أعتقد انه يمكن أن تبرز لوحاتها
و غالباً كان جون رسكن يشتري أعمالها لتستطيع الصرف
على العلاج الطبي و السفر
1
مع مضي السنين اهتزت و ساءت علاقة روزيتي بإليزابيث
فقد كان متردداً في الزواج منها
هو من عائلة أرستقراطية مرموقة و كان خجلاً
من أن يعرّف أهله بامرأة بسيطة
تنحدرمن أصول متواضعة
هذا بالإضافة إلى أن صحتها كانت معتلة على الدوام
مما جعلها في احتياج دائم إليه
و تسبب هذا في انزعاجه و إرهاقه و نفوره منها
ازداد وضعهما سوءاً مع اقترابها لسن الثلاثين
فقد كانت تواجه مصيرها
كامرأة تعيش مع رجل تحبه لكنه لم يكن يريد
إلا أن يحلم بها و تظل في رأسه
بدون أن تمرض أو تشكو من شيئ
1
و لم يرغب في أن يعيشها واقعاً و يتزوجها ليحميها
من ضغائن مجتمع كان معظم أفراده ينظرون فيه
إلى حالتها باحتقار تام
و في أثناء ذلك كان روزيتي يقيم علاقات عدة مع
نساء أخريات يترددن عليه ليرسمهن
و قد وقع في غرام الملهمة الجديدة لعصبة ما قبل رافييل
الآنسة جين بيردن
1
لكنه تزوج إليزابيث برغم ذلك على مضض في عام 1860
شفقة منه عليها أكثر من كونه حباً
و في اثناء ذلك كانت اليزابيث مدمنة للاودنم وقد انجبت
طفلة ميتة عام 1861
و قد اصابها هذا بالحزن مع اكتئاب ما بعد الولادة
تدهورت حالتها بعد ذلك و يبدو انها انحدرت لهاويتها
و يقال انها ماتت منتحرة بجرعة زائدة من اللاودنم
فذات ليلة عند رجوع روزيتي إلى البيت
وجدها تحتضر
1
و قد احضر لها روزيتي أربعة من الأطباء في
محاولة لإنقاذها و لم يفيد ذلك في شئ
و ماتت في عمرها الثاني و الثلاثين
لام روزيتي نفسه على موتها و في غمرة أحزانه عليها
دس دفتراً
كتب فيه أشعاره لها بين جدائلها و هي مستلقية في التابوت
و بعدها بعام رسم لها روزيتي لوحة
بعنوان Beata Beatrix احياء لذكراها
وهي لوحة من النوع الرمزي
1
و كان روزيتي في الواقع بدأ الصورة قبل سنوات عديدة
لكن الأمر استغرق من جديد في عام 1864
و الانتهاء منه بحلول 1870
و تمثل اليزابيث و هي في نشوة الموت و يحمل لها
رسول الموت زهرة الخشخاش
- هل يمكنني أن أبدي ملاحظة
ألا ترى أن هناك تشابه في اللوحتين
أوفيليا و بيتا بياتركس
- ماهو ؟
أنها مفتوحة اليدين في كلتا اللوحتين و كأنها ترحب بالموت
- ملاحظة دقيقة
- ماذا فعل زوجها بعد ذلك
- إنجازاته المهنية لم تعد إلا ظلاً لما كان منه من قبل
و تقلصت سمعته الأدبية و الفنية
فأصبحت لوحاته يطل منها وجه واحد
برغم اختلاف موديلاته
نفس الشعر الطويل النحاسي
نفس العينان الجميلتان لا هي خضراء و لا هي زرقاء
و فجأة صار مهووساً بدفتر الأشعار الذي دسه
في تابوت إليزابيث
و بعد تلقيه تشجيعاً من بعض رفاقه قدم طلباً
لاستخراج جثة زوجته الراحلة
من قبرها ليأخذ الدفتر و يطبع مافيه من قصائد !
بعد سبع سنين من موتها
لم يمتلك الجرأة الكافية لأن يكون حاضراً
وقت تم تنفيذ العملية و قد نفذت ليلاً
و يقال أن جثتها ظلت محتفظة بقوامها و أن
شعرها الطويل الذي كان يصل لركبتيها
عندما ماتت قد واصل نموه و ملأ التابوت
1
- هل يمكن تصديق ذلك
- كلا بالطبع بيولوجياً هذا غير ممكن
و لكن يبدو قيل له هذا حتى يقللوا من إحساسه بالذنب
أو لإحداث شهرة لفناني عصبة ماقبل رافاييل
قام روزيتي بنشر قصائده ظاناً أنها ستحقق له النجاح
لكنها لم تحدث أثراً و لم تثر صدى لا عند الجمهور و لا عند النقاد
بل على العكس قد تلقى على بعضها ردود فعل
مستاءة لما اعتبروه اباحية و جرأة
لم يتمكن روزيتي من التعايش مع فعلته
في إخراجه جثمان زوجته الراحلة
من القبر و لا مع فشله
فأدمن اللاودنم هو الآخر و حاول الإنتحار
بجرعة زائدة عام 1872
لكنه نجا بعد أن تمكنوا من إنقاذه و مات
بعد هذه الحادثة بعشرين سنة
شبحاً هزيلاً لما كانه يوماً ما
1
وفيما انشغل صديقي بترتيب أشيائه
اخذت أتأمل الصورة المعروضة على الشاشة
لهذه الفتاة التي أخذها جمالها إلى طريق شائك و مميت
و ضاعت هويتها وسط الشخصيات المرسومة
عاشتها فقط في اللوحات
لم تخترها
1
و لكنها يبدو انها اختارت دورها بنفسها في النهاية
هل ادمنت اللاودنم لتهدئة آلامها الجسدية
أم لإسكات آلامها النفسية
تعاملوا معها بمنتهى الأنانية في حياتها
و لم يحترموا مماتها فنبشوا قبرها
و انقطع استرسال التأملات على صوت صديقي
- قلت أنك اعددت لي مفاجأة
مددت إليه يدي بكروت دعوة و انا اتصنع الخجل
- قد حجزت لنا مكانين في عرض للباليه باسم (......)
و اعتقد إنني لن أفهمه وحدي
نظر صديقي للدعوة ثم ابتسم ابتسامة عريضة
أما سر الإبتسامة
فهذا ما سوف تعرفونه في لوحة و حكاية 4
قوي قلبك
فهي ليست لأصحاب القلوب الضعيفة
تعليق