"طباعي لا تطيق الاحتجاز
وشكائم الكبح وسلاسل الرضا بما هو كائن"
"لي خيمةّ في كلّ باديةْ
ولي كهفّ ألوذُ بهً
ولي طللّ وشاهدُ مدفنْ
وهديرُ كلبْ حول نيران القًرى
وأنا المغني
جامعُ الأشعارً من متردّمً الشعراءً
أروي ما رأيتُ لمن رأى
وأنا ربيبُ الدمع
كلُّ أراملً الشهداءً أُماتي
على وترين أسحبُ قوسَ أغنيتي
وأضربُ نقرةَ الإيقاعً في عظمً الرباب
وأنا يقينُ الرملً:
آخرُ نفخةْ للخلقً والتكوينً
منفردّ
وباقْ
ليس يغلبنى سواي.."
1
توفى الشاعر الكبير
محمد عفيفى مطر
عن عمر ناهز 75 سنة
28-6-2010
و الذى مثلت أعماله
مرجعية جمالية لشعراء الثمانينات و التسعينات
و لاقت حضورا و تميزا مشهودا فى صدارة المشهد الثقافى
فنال عددا من الجوائز المهمة منها
جائزة الدولة التشجيعية عام 1989
جائزة الدولة التقدبرية عام 2006
جائزة طه حسين من جامعة المنيا
جائزة الشعر من المؤسسة العالمية للشعر، روتردام، هولندا
جائزة كفافيس من اللجنة الدولية لجائزة كفافي ـ أثينا القاهرة
جائزة سلطان بن على العويس الثقافية
جائزة الديوان العربي المترجم ـ اركنسو ـ الولايات المتحدة الأميركية
قالت عنه لجنة التحكيم في جائزة سلطان العويس:
إن "تجربته الشعرية أصيلة متنامية تستند إلى التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه
والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية
وتأمل الواقع الراهن والالتزام بقضاياه مما أتاح له تطوراً مفتوحاً متجدداً".
"... وانبثق محمد عفيفي مطر في الشعرية المصرية مفردا
تميز بشعرية ضد السائد أيا كان السائد وأنه خارج السرب
وامتزجت هذه الشعرية بعجين الثقافة العربية المصرية
فكانت شعرية خصوصية حتى التماهي في جوهر كل ما هو إنسان
أحمد الفيتورى"
1
ولد محمد عفيفى مطر عام 1935
فى قرية رملة الأنجب
مركز أشمون محافظة المنوفية
حصل على ليساني الآداب من جامعة عين شمس
عمل مدرسا بالسودان
ثم محررا ثقافيا فى مجلة الأقلام فى العراق .
رأس تحرير مجلة سنابل الشعرية
لثلاث سنوات مثمرة
أنبتت جيلا كاملا قبل إغلاقها .
ثم إختار حياة العزلة والتزهد
و فلاحة أرضه و تربية النحل و الحمام
1
طرح الشاعر الكبير فى أشعاره
مفهوما جديدا خاصم حالات المديح و الهجاء
و غير ذلك مما يألفه الشعراء
ملتزما بقضايا الإنسان
بادئا بقريته
و شخوصها و الأساطير الشعبية المهيمنة عليها
مارا بالأمة العربية
و تاريخها و موروثاتها
واصلا للأمة الإسلامية و ما تواجهه
فبقيت أشعاره إلى جانب الجمالية الفنية
موشاة بمعارف فلسفية شتى.
«محمد عفيفي مطر
درس الفلسفة بعمق، فأصبح شاعراً للشعراء،
يفتح أمامهم آفاقاً إبداعية جديدة
ويحلق في تخوم لم يصل إليها أحد من قبل
وكنت أظن في البداية
أنه متأثر بعالم أدونيس الشعري، ومعالجته للقصيدة
ولكن مع القراءة المتأنية لشعره
والوقوف على بعض جماليات هذا الشعر
الذي تكمن وراءه نظرات فلسفية عميقة
واجتراحات وجدانية كبرى
وجدت أن مطر مدرسة شعرية قائمة بذاتها
وأنه قامة شعرية سامقة
لم يصل إليها
سوى القليل من الشعراء العرب المعاصرين
هو شاعر فيلسوف، مثقف ثقافة واسعة وعريضة
وليس من السهل على نقادنا التقليديين
متابعة أعماله وتحليلها
والوقوف على أبرز سماتها الفلسفية والفنية والأسلوبية
إنه يحتاج إلى ناقد مغامر مثله
لفك شفرة نصوصه وموسيقاها التي تخلت بعض الشيء
عن موسيقى الخليل وموسيقى التفعيلة أيضاً،
لتفسح لنفسها موسيقى من نوع خاص»
أحمد فضل شبلول
عن دراسة أعدها عن الشاعر الراحل
بمناسبة بلوغه السبيعين من عمره
و فى الإحتفال بنفس المناسبة
كان جميلا أن يحتفى الشاعر
أحمد عبد المعطى حجازى
1
_ رغم ما كان بينهما من خلاف –
بكلمة قال فيها :
": أيها الشاعر الكبير نحتفل اليوم ببلوغك السبعين
اي نحتفل بأنفسنا وقد بلغتها مثلك
أو مثل فاروق شوشة أو أبو سنة
أقصد الذين جايلوك والذين سيقرأونك في الايام القادمة
اننا نري انفسنا فيما يقوله شعراؤنا
ننصت الي انفسنا وخطرات احلامنا في سطورهم
وإذا كنا نحتفل بهم اليوم فذلك لاننا نحدق الي اجمل ما فينا.
ومطر شاعر يمثل هذا المعني ويصوره في أحسن صورة
يمثل جيله ولغته وشعبه
شاعر يجدد نفسه كلما تعلم قصيدة جديدة،
يجدد الشعر ويجدد الزمن، يكتب الكلمة بحقها
تعلم من الفلاحين المصريين الذين انحدر من أصلابهم
ان الكلمة هي الوحي وهي النهر والطمي والجميز والصلصال
باعتبارها أرواحا
فكلمات مطر ليست كلمات منتزعة من عالمها
انما هو ينقل لنا العالم بروائحه وأشواقه
واختتم حجازي كلمته قائلا لمطر:
ايها الشاعر الكبير انك تعلم ما آل إليه الشعر والفكر والكلام
نحن اليوم أحوج إليك اكثر من اي وقت مضي."
لم ينتم محمد عفيفى مطر
إلا لكل ما هو أصيل و جميل و عادل
إلا أنه تعرض لقبضة السياسة القاسية
فإبتعد عن مصر إبان حكم السادات
لمعارضته مهاهدة السلام
ثم تعرض للإعتقال قرابة عام
بعد إشتراكه فى أوائل التسعينات
فى تظاهرة ضد غزو العراق
فكانت من أشد التجارب قسوة فى حياته
تاركة على أنفه ندوب ظاهرة
بسبب ما تعرض له من تعذيب فى المعتقل
و حسبما روى كان يحاول التغلب على محنته
بتخيل أولاده
لؤي و ناهد و فرحة معه فى الزنزانة .
تضامنت معه جموع المثقفين المصريين و العرب
حتى غادر المعتقل
لكنه عانى لفترات طويلة من حياته
من التجاهل و تعمد التهميش
حتى أن دواوينه كانت تنشر و تنتشر خارج الوطن
فما زادته المحن
إلا إحتفاظا بشموخه و ثوريته .
"المرارة ترجع للسخط وليس لإحساسي بأني لم أنل حقي
فقد نلت حقي لكن ليس من المؤسسات التي لا تعنيني
فأنا الشاعر الفقير الذي لا يضر ولا ينفع
والذي لا سلطة له ولا شهرة
متواجد في أشعار كل الاجيال التالية لجيلي اكثر من أي شاعر آخر...
تابع ما ينشر من شعر في مصر الآن، من أسوان الى الاسكندرية
وفي الدول العربية تجد كلامي مؤثرا في كل الأجيال الجديدة
فقد شكلت أشعاري في قصائدهم وحتى في رؤيتهم للعالم
وهذا هو الجزء الأوفى الذي لا أطمع في أكثر منه".
و كانت خلاصة تجربة السجن
إحتفاليات المومياء المتوحشة عام 1992
مسجلا فيها معاناته
كنا معا
كنا معاً... بيني وبينك خطوتان
كنت صراخ اللحم تحت السوط حينها
يقطع ما توصله الأرحام
وشهقة الرفض إذا إنقطعت مسافة الكلام
بالسيف أو شعائر الإعدام
كنت أحتاج الضوء والظلام
وثغرة تنفذ منها الرياح
لليائسين من أرغفة الولاة والقضاة
والخائفين من ملاحقات العسس الليلي
أو وشاية الآذان في الجدران!
1
أنَّهُ أحدُ أصفى الأصوات الشعريَّةِ العربيَّةِ
في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين..
وأنَّهُ شاعرٌ
استطاعَ أن يجدَ المعادلة الصحيحة
التي توازنُ بينَ اللغةِ واللونِ والحسِّ الصوفيِّ
والعشقِ القتَّالِ الذي تسلَّحُ بهِ الصوفيُّونَ أبداً..
شاعرٌ استطاعَ أن يصلَ أبعدَ ممَّا وصلَ سواه.
الشاعر العراقى الكبير
عبد الوهاب البياتى
و لقد شاعت مقولة
غموض و إستغلاق
شعر محمد عفيفى مطر
على القارئ
خاصة فى أجواء النقاد و الأكاديميين
فكان الرد النقيض
انه يرى شعره واضحا وضوح الإبتذال .
و كان اللافت حقا
تقدير قيمة شاعر حفر لنفسه خطا مغايرا للمألوف
بأن توالت دراسات
لنيل الماجيستير و الدكتوراه
حول الخطاب الشعرى عنده
و إشارات الجسد فى شعره.
و الحقيقة أن الشاعر الراحل بقامته الباسقة
و تنوع ثقافاته و تمكنه من لغته الشعرية
أوصل القارئ العادى بالفعل لوصف أشعاره
بعد أن حار فى تفكيكها و سبر غورها
بالغامضة !
ـ هذا الاتهام لا أساس له من الصحة
فالتراكيب اللغوية التي يراها البعض صعبة وغامضة
هي إحدى الأساليب الشعرية
الموجودة في التراث الشعري العربي
كما أن قارئ الشعر
يجب أن يكون عارفاً بلغته وبأساليب هذه اللغة
وملماً بطرائق التعبير فيها
أما حكاية الغموض المدعاة هذه فلا داعي لها
فنحن لا نكتب (ألغازا)
فقط منهجي في الكتابة وفي القراءة
هو عدم االإستسهال .
الأرض الخلاء
بعد أن قاءت بنيها
أخرجت أحشاءها
وانتظرت أغربة الليل
وباءً فمجاعة
فاندحاراً تحت خيل الغزو
أو خيل الحرس
وانكساراً صامداً
تحت لثام اللغو أوصمت الفجيعة
بعد أعوام من الرفض الرسمى
لأعمال الشاعر محمح عفيفى مطر
صدرت الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر
عن دار الشروق بالقاهرة عام 2000
ومنها دواوينه:
ملامح من دفتر الصمت 1968
كتاب الارض والدم 1972
يتحدث الطمي.
والنهر يلبس الأقنعة.
شهادة البكاء في زمن الضحك.
رسوم على قشرة الليل.
الجوع والقمر.
رباعية الفرح
أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت
احتفاليات المومياء المتوحشة
إيقاعات فاصلة النمل
ملامح من الوجه الأمبيذوقليسي.
من مجمرة البدايات.
ولعفيفي مطر عدة كتب للأطفال بعنوان
«مسامرات للأطفال كي لا يناموا»
فضلاً عن كتاب عن محمود سامي البارودي «الشاعر الفارس»
وكتاب عن «قصيدة الحرب في الشعر العربي»
وعدد من المترجمات للشاعر اليوناني إليتيس
والشاعرة السويدية إديث سودر جران
وغيرها من المؤلفات التي وضعت عفيفي مطر
في مقدمة رواد شعر الحداثة في مصر والعالم العربي.
جدير بالذكر
إنتاج قناة النيل الثقافية لفيلم وثائقى
يحمل إسم إحدى قصائده
رباعية الفرح
يجسد حياة الشاعر و تجربته الشعرية
وأخرجه أحمد القلش، وكتبه السيناريست علي عفيفي .
وداعا ..محمد عفيفى مطر
مثقفا رفيع الطراز
و إنسانا حمل هموم إنسانيته و بلده
حتى غادر العالم الذى ظل يناضل فيه
من أجل المبادئ و الأخلاق رافضا أى تزلف للسلطة
مناصرا للعدالة و الحرية.
فى عيد ميلاده السبعين قال محمد عفيفى مطر:
لقد كانت السنوات الأخيرة
علي خلاف ما يقوله العرب
عن العشر الفاصلة بين الستين والسبعين:
دقاقة الرقاب
لما يتوالي فيها من وهن الشيخوخة
وضعف الجسد والذاكرة وخمود الروح،
فقد كانت ـ رغم كل شيء ـ
سنوات فتح من البهجة العجيبة بالكتابة لم أعهدها من قبل.
ثم ملوحا بالرحيل :
1
حياتي مغسولة بعرقي
ولقمتي من عصارة كدحي وكريم استحقاقي
لم أغلق بابا في وجه أحد، ولم أختطف شيئا من يد أحد
ولم اكن عونا علي كذب أو ظلم أو فساد .
رحم الله الشاعرالكبير و الإنسان النبيل .
تحياتى .
وشكائم الكبح وسلاسل الرضا بما هو كائن"
"لي خيمةّ في كلّ باديةْ
ولي كهفّ ألوذُ بهً
ولي طللّ وشاهدُ مدفنْ
وهديرُ كلبْ حول نيران القًرى
وأنا المغني
جامعُ الأشعارً من متردّمً الشعراءً
أروي ما رأيتُ لمن رأى
وأنا ربيبُ الدمع
كلُّ أراملً الشهداءً أُماتي
على وترين أسحبُ قوسَ أغنيتي
وأضربُ نقرةَ الإيقاعً في عظمً الرباب
وأنا يقينُ الرملً:
آخرُ نفخةْ للخلقً والتكوينً
منفردّ
وباقْ
ليس يغلبنى سواي.."
1
توفى الشاعر الكبير
محمد عفيفى مطر
عن عمر ناهز 75 سنة
28-6-2010
و الذى مثلت أعماله
مرجعية جمالية لشعراء الثمانينات و التسعينات
و لاقت حضورا و تميزا مشهودا فى صدارة المشهد الثقافى
فنال عددا من الجوائز المهمة منها
جائزة الدولة التشجيعية عام 1989
جائزة الدولة التقدبرية عام 2006
جائزة طه حسين من جامعة المنيا
جائزة الشعر من المؤسسة العالمية للشعر، روتردام، هولندا
جائزة كفافيس من اللجنة الدولية لجائزة كفافي ـ أثينا القاهرة
جائزة سلطان بن على العويس الثقافية
جائزة الديوان العربي المترجم ـ اركنسو ـ الولايات المتحدة الأميركية
قالت عنه لجنة التحكيم في جائزة سلطان العويس:
إن "تجربته الشعرية أصيلة متنامية تستند إلى التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه
والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية
وتأمل الواقع الراهن والالتزام بقضاياه مما أتاح له تطوراً مفتوحاً متجدداً".
"... وانبثق محمد عفيفي مطر في الشعرية المصرية مفردا
تميز بشعرية ضد السائد أيا كان السائد وأنه خارج السرب
وامتزجت هذه الشعرية بعجين الثقافة العربية المصرية
فكانت شعرية خصوصية حتى التماهي في جوهر كل ما هو إنسان
أحمد الفيتورى"
1
ولد محمد عفيفى مطر عام 1935
فى قرية رملة الأنجب
مركز أشمون محافظة المنوفية
حصل على ليساني الآداب من جامعة عين شمس
عمل مدرسا بالسودان
ثم محررا ثقافيا فى مجلة الأقلام فى العراق .
رأس تحرير مجلة سنابل الشعرية
لثلاث سنوات مثمرة
أنبتت جيلا كاملا قبل إغلاقها .
ثم إختار حياة العزلة والتزهد
و فلاحة أرضه و تربية النحل و الحمام
1
طرح الشاعر الكبير فى أشعاره
مفهوما جديدا خاصم حالات المديح و الهجاء
و غير ذلك مما يألفه الشعراء
ملتزما بقضايا الإنسان
بادئا بقريته
و شخوصها و الأساطير الشعبية المهيمنة عليها
مارا بالأمة العربية
و تاريخها و موروثاتها
واصلا للأمة الإسلامية و ما تواجهه
فبقيت أشعاره إلى جانب الجمالية الفنية
موشاة بمعارف فلسفية شتى.
«محمد عفيفي مطر
درس الفلسفة بعمق، فأصبح شاعراً للشعراء،
يفتح أمامهم آفاقاً إبداعية جديدة
ويحلق في تخوم لم يصل إليها أحد من قبل
وكنت أظن في البداية
أنه متأثر بعالم أدونيس الشعري، ومعالجته للقصيدة
ولكن مع القراءة المتأنية لشعره
والوقوف على بعض جماليات هذا الشعر
الذي تكمن وراءه نظرات فلسفية عميقة
واجتراحات وجدانية كبرى
وجدت أن مطر مدرسة شعرية قائمة بذاتها
وأنه قامة شعرية سامقة
لم يصل إليها
سوى القليل من الشعراء العرب المعاصرين
هو شاعر فيلسوف، مثقف ثقافة واسعة وعريضة
وليس من السهل على نقادنا التقليديين
متابعة أعماله وتحليلها
والوقوف على أبرز سماتها الفلسفية والفنية والأسلوبية
إنه يحتاج إلى ناقد مغامر مثله
لفك شفرة نصوصه وموسيقاها التي تخلت بعض الشيء
عن موسيقى الخليل وموسيقى التفعيلة أيضاً،
لتفسح لنفسها موسيقى من نوع خاص»
أحمد فضل شبلول
عن دراسة أعدها عن الشاعر الراحل
بمناسبة بلوغه السبيعين من عمره
و فى الإحتفال بنفس المناسبة
كان جميلا أن يحتفى الشاعر
أحمد عبد المعطى حجازى
1
_ رغم ما كان بينهما من خلاف –
بكلمة قال فيها :
": أيها الشاعر الكبير نحتفل اليوم ببلوغك السبعين
اي نحتفل بأنفسنا وقد بلغتها مثلك
أو مثل فاروق شوشة أو أبو سنة
أقصد الذين جايلوك والذين سيقرأونك في الايام القادمة
اننا نري انفسنا فيما يقوله شعراؤنا
ننصت الي انفسنا وخطرات احلامنا في سطورهم
وإذا كنا نحتفل بهم اليوم فذلك لاننا نحدق الي اجمل ما فينا.
ومطر شاعر يمثل هذا المعني ويصوره في أحسن صورة
يمثل جيله ولغته وشعبه
شاعر يجدد نفسه كلما تعلم قصيدة جديدة،
يجدد الشعر ويجدد الزمن، يكتب الكلمة بحقها
تعلم من الفلاحين المصريين الذين انحدر من أصلابهم
ان الكلمة هي الوحي وهي النهر والطمي والجميز والصلصال
باعتبارها أرواحا
فكلمات مطر ليست كلمات منتزعة من عالمها
انما هو ينقل لنا العالم بروائحه وأشواقه
واختتم حجازي كلمته قائلا لمطر:
ايها الشاعر الكبير انك تعلم ما آل إليه الشعر والفكر والكلام
نحن اليوم أحوج إليك اكثر من اي وقت مضي."
لم ينتم محمد عفيفى مطر
إلا لكل ما هو أصيل و جميل و عادل
إلا أنه تعرض لقبضة السياسة القاسية
فإبتعد عن مصر إبان حكم السادات
لمعارضته مهاهدة السلام
ثم تعرض للإعتقال قرابة عام
بعد إشتراكه فى أوائل التسعينات
فى تظاهرة ضد غزو العراق
فكانت من أشد التجارب قسوة فى حياته
تاركة على أنفه ندوب ظاهرة
بسبب ما تعرض له من تعذيب فى المعتقل
و حسبما روى كان يحاول التغلب على محنته
بتخيل أولاده
لؤي و ناهد و فرحة معه فى الزنزانة .
تضامنت معه جموع المثقفين المصريين و العرب
حتى غادر المعتقل
لكنه عانى لفترات طويلة من حياته
من التجاهل و تعمد التهميش
حتى أن دواوينه كانت تنشر و تنتشر خارج الوطن
فما زادته المحن
إلا إحتفاظا بشموخه و ثوريته .
"المرارة ترجع للسخط وليس لإحساسي بأني لم أنل حقي
فقد نلت حقي لكن ليس من المؤسسات التي لا تعنيني
فأنا الشاعر الفقير الذي لا يضر ولا ينفع
والذي لا سلطة له ولا شهرة
متواجد في أشعار كل الاجيال التالية لجيلي اكثر من أي شاعر آخر...
تابع ما ينشر من شعر في مصر الآن، من أسوان الى الاسكندرية
وفي الدول العربية تجد كلامي مؤثرا في كل الأجيال الجديدة
فقد شكلت أشعاري في قصائدهم وحتى في رؤيتهم للعالم
وهذا هو الجزء الأوفى الذي لا أطمع في أكثر منه".
و كانت خلاصة تجربة السجن
إحتفاليات المومياء المتوحشة عام 1992
مسجلا فيها معاناته
كنا معا
كنا معاً... بيني وبينك خطوتان
كنت صراخ اللحم تحت السوط حينها
يقطع ما توصله الأرحام
وشهقة الرفض إذا إنقطعت مسافة الكلام
بالسيف أو شعائر الإعدام
كنت أحتاج الضوء والظلام
وثغرة تنفذ منها الرياح
لليائسين من أرغفة الولاة والقضاة
والخائفين من ملاحقات العسس الليلي
أو وشاية الآذان في الجدران!
1
أنَّهُ أحدُ أصفى الأصوات الشعريَّةِ العربيَّةِ
في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين..
وأنَّهُ شاعرٌ
استطاعَ أن يجدَ المعادلة الصحيحة
التي توازنُ بينَ اللغةِ واللونِ والحسِّ الصوفيِّ
والعشقِ القتَّالِ الذي تسلَّحُ بهِ الصوفيُّونَ أبداً..
شاعرٌ استطاعَ أن يصلَ أبعدَ ممَّا وصلَ سواه.
الشاعر العراقى الكبير
عبد الوهاب البياتى
و لقد شاعت مقولة
غموض و إستغلاق
شعر محمد عفيفى مطر
على القارئ
خاصة فى أجواء النقاد و الأكاديميين
فكان الرد النقيض
انه يرى شعره واضحا وضوح الإبتذال .
و كان اللافت حقا
تقدير قيمة شاعر حفر لنفسه خطا مغايرا للمألوف
بأن توالت دراسات
لنيل الماجيستير و الدكتوراه
حول الخطاب الشعرى عنده
و إشارات الجسد فى شعره.
و الحقيقة أن الشاعر الراحل بقامته الباسقة
و تنوع ثقافاته و تمكنه من لغته الشعرية
أوصل القارئ العادى بالفعل لوصف أشعاره
بعد أن حار فى تفكيكها و سبر غورها
بالغامضة !
ـ هذا الاتهام لا أساس له من الصحة
فالتراكيب اللغوية التي يراها البعض صعبة وغامضة
هي إحدى الأساليب الشعرية
الموجودة في التراث الشعري العربي
كما أن قارئ الشعر
يجب أن يكون عارفاً بلغته وبأساليب هذه اللغة
وملماً بطرائق التعبير فيها
أما حكاية الغموض المدعاة هذه فلا داعي لها
فنحن لا نكتب (ألغازا)
فقط منهجي في الكتابة وفي القراءة
هو عدم االإستسهال .
الأرض الخلاء
بعد أن قاءت بنيها
أخرجت أحشاءها
وانتظرت أغربة الليل
وباءً فمجاعة
فاندحاراً تحت خيل الغزو
أو خيل الحرس
وانكساراً صامداً
تحت لثام اللغو أوصمت الفجيعة
بعد أعوام من الرفض الرسمى
لأعمال الشاعر محمح عفيفى مطر
صدرت الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر
عن دار الشروق بالقاهرة عام 2000
ومنها دواوينه:
ملامح من دفتر الصمت 1968
كتاب الارض والدم 1972
يتحدث الطمي.
والنهر يلبس الأقنعة.
شهادة البكاء في زمن الضحك.
رسوم على قشرة الليل.
الجوع والقمر.
رباعية الفرح
أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت
احتفاليات المومياء المتوحشة
إيقاعات فاصلة النمل
ملامح من الوجه الأمبيذوقليسي.
من مجمرة البدايات.
ولعفيفي مطر عدة كتب للأطفال بعنوان
«مسامرات للأطفال كي لا يناموا»
فضلاً عن كتاب عن محمود سامي البارودي «الشاعر الفارس»
وكتاب عن «قصيدة الحرب في الشعر العربي»
وعدد من المترجمات للشاعر اليوناني إليتيس
والشاعرة السويدية إديث سودر جران
وغيرها من المؤلفات التي وضعت عفيفي مطر
في مقدمة رواد شعر الحداثة في مصر والعالم العربي.
جدير بالذكر
إنتاج قناة النيل الثقافية لفيلم وثائقى
يحمل إسم إحدى قصائده
رباعية الفرح
يجسد حياة الشاعر و تجربته الشعرية
وأخرجه أحمد القلش، وكتبه السيناريست علي عفيفي .
وداعا ..محمد عفيفى مطر
مثقفا رفيع الطراز
و إنسانا حمل هموم إنسانيته و بلده
حتى غادر العالم الذى ظل يناضل فيه
من أجل المبادئ و الأخلاق رافضا أى تزلف للسلطة
مناصرا للعدالة و الحرية.
فى عيد ميلاده السبعين قال محمد عفيفى مطر:
لقد كانت السنوات الأخيرة
علي خلاف ما يقوله العرب
عن العشر الفاصلة بين الستين والسبعين:
دقاقة الرقاب
لما يتوالي فيها من وهن الشيخوخة
وضعف الجسد والذاكرة وخمود الروح،
فقد كانت ـ رغم كل شيء ـ
سنوات فتح من البهجة العجيبة بالكتابة لم أعهدها من قبل.
ثم ملوحا بالرحيل :
1
حياتي مغسولة بعرقي
ولقمتي من عصارة كدحي وكريم استحقاقي
لم أغلق بابا في وجه أحد، ولم أختطف شيئا من يد أحد
ولم اكن عونا علي كذب أو ظلم أو فساد .
رحم الله الشاعرالكبير و الإنسان النبيل .
تحياتى .
تعليق