فنون بلاد بابل
1
عرفت بلاد بابل عهوداً من الازدهار أدت إلى تألق الفنون فيها ومنها: فنون العمارة المدنية والدينية، والنحت والتصوير، وصناعة الحلي والخزف، والموسيقى. وتظهر آثار هذه الفنون في خرائب المدن القديمة.
والأحوال التي تتالت على بلاد بابل وعلى المدينة العاصمة بابل، في المراحل المتعاقبة من التاريخ هي على درجة من التعقيد يصعب معها تحري العلاقات الفنية في هذه البلاد
العمارة المدنية
إن العوامل الطبيعية والحروب التي تعرضت لها بلاد بابل لم تبق من آثار تلك الفنون إلا النذر اليسير، لأن الدمار الذي أصابها قضى على ما شيده حمورابي في مدينته بابل من المباني الضخمة والقصور البديعة: كالقصر الجنوبي، والقصر الرئيسي، والقصر الصيفي.
أما القصر الجنوبي فهو من أهمها، وقد دلت الحفريات على أنه يتألف من خمس ساحات يحيط بكل منها حجرات ومرافق كثيرة، ولعل أهم تلك الساحات هي الثالثة وتُعرف بساحة الاستقبال، ويوجد في ضلعها الجنوبي قاعة العرش التي زينت واجهتها المقابلة للساحة بصور جدارية بألوان زاهية، وفي الجدار المقابل لمدخل القاعة محراب كان يوضع فيه العرش. وقد عثر في الزاوية الشمالية الشرقية من القصر المذكور على بقايا بناء غريب، يتألف من أربع عشرة حجرة متشابهة في شكلها وحجمها، كل سبع منها على جانب من الممر، ويحيط بها جدار ثخين وقوي، وفي إحدى الحجرات وجد المنقبون بئراً لها ثلاث حفر متجاورة، ورأى علماء الآثار أن هذا البناء وما فيه من ممرات وكذلك البئر، كان موضع الحدائق المعلقة التي عدت إحدى عجائب الدنيا، والتي جاء على وصفها المؤرخون اليونانيون والرومان
1
الأسوار
يرى بعض المؤرخين أن لا شيء يفوق من حيث العظمة أسوار بابل الخارجية التي شيدها نبوخذ نصر الثاني (605-562ق.م) وهي تمتد ثمانية عشر كيلومتراً، مع جدران مزدوجة معززة بالأبراج، يضاف إلى ذلك أن المدينة كان يحدها سور آخر. يلج المرء إلى المدينة من أبواب ضخمة مزينة ومتينة كباب عشتار الذي يعد من أشهرها. وشُيدت ضمن السور في كل ناحية من المدينة الهياكل والقصور المتينة لتصبح عند الحاجة معاقل للدفاع
1
1
1
1
دور السكن
تقع هذه الدور في شرقي المدينة والشمال الشرقي من منطقة برج بابل (الذي سيأتي وصفه)، وهذه الدور بنيت في شوارع منظمة ومستقيمة وتتقاطع بزوايا قائمة كما ذكر هيرودوت في حديثه عنها، وهي تشبه إلى حد بعيد بيوت الطراز الشرقي القائم في العراق الذي قوامه فناء أو عدة أفنية تحيط بها الحجرات والمرافق الأخرى، وفي أكثرها عنصر أساسي هو حجرة رئيسية تقع في الجانب الجنوبي لإحدى أفنية الدار.
وقد أشارت نتائج الحفريات الأثرية إلى أن بيوت العاملين كانت تُبنى من الطين أو من الآجر ولم يكن لها نوافذ إلا نادراً. أما أبوابها فكانت تنفتح على فناء داخلي مظلل من الشمس. وذكرت الأخبار أن بيوت الأغنياء كانت مكونة من ثلاث طبقات أو أربع.
1
العمارة الدينية
أما المعابد فكانت غالباً أبنية ضخمة من الآجر مشيدة حول فناء تقام فيه الاحتفالات الدينية ويقوم إلى جانب المعبد البرج المعروف بالزقورة، وهي المعبد البرجي الذي أخذه البابليون عن السومريين، ويعد برج بابل خير نموذج عنه.
وجاء في سفر التكوين أن نفراً من ذرية نوح حاولوا بناء برج مرتفع في بابل يرقون به إلى السماء، فعاقبهم الله على عجرفتهم. وقد شاهد بعض المؤرخين الإغريق البرج المذكور بعد أن صار خرابة. وذكر هيرودوت أن هذا البرج كان مؤلفاً من سبع طبقات يمكن الوصول إليها عن طريق درج ملتف خارجي، كما ذكر الجغرافي اليوناني Strabon سترابون أن برج بابل كان على شكل هرم مربع القاعدة، ويحتمل أن يكون قد انطوى على قبر رمزي للإله مردوخ، الأمر الذي حمل المؤرخين على اعتبار هذا البرج جزءاً من معبد «مردوخ»، وقد ورد اسمه في النصوص المسمارية على الشكل الآتي: «إيتمنأ نكي» أي المعبد الذي أساسه الأرض والسماء. وجاء في أحد الرقم المسمارية أن مقاييس هذا البرج وُضعت استناداً إلى الأرقام المقدسة، وأن طول ضلع قاعدته المربعة تسعون متراً، وارتفاعه مماثل لضلع قاعدته، وكان معبد القمة فوق الطبقة السابعة من البرج، وقد ذكره هيرودوت، ووصف الطاولة الذهبية والسرير الذي تنام عليه امرأة يختارها الكهنة لإجراء طقوس الزواج المقدس في ختام احتفالات رأس السنة، وقد هُدم هذا البرج على يد الملك احشويرش عام 479ق.م، والبرج المذكور كانت كل طبقة من طبقاته مخصصة لكوكب من الكواكب السبعة المعروفة عند البابليين وملونة بلون يرمز إلى واحد منها، كما كانت هذه الكواكب تشير إلى أيام الأسبوع. ويرى بعض المؤرخين أن الزقورة استخدمت كذلك لرصد الكواكب.
فن النحت:
مارس النحات البابلي النحت على الحجر، والمعدن، والعاج. ولعل أروع الأمثلة على هذا الفن «نصب تشريع حمورابي» الذي نُقش بالخط المسماري نحو سنة 1760ق.م، على مسلة من حجر البازلت بارتفاع مترين وربع، وحملت نحتاً بارزاً يمثل حمورابي واقفاً أمام إله الشمس الجالس على عرشه يملي القوانين على الملك الكاهن المتأله.
وقد نقلت المسلة إلى سوزا عاصمة العيلاميين في نهاية الألف الثاني ق.م وهي اليوم موجودة في متحف اللوفر في باريس، وكذلك نصب «نبو ـ آبال ـ ادّين» الذي عثر عليه في سيبار، وفيه يبدو الإله شمش جالساً على عرش وقد ارتدى ثوباً طويلاً (كوناكس) من جلود الخراف وعلى رأسه تاج تزينه ثلاثة أزواج من القرون، وفوق رأسه رموز الكواكب الثلاثة القمر والشمس والزهرة، وأمام قرص الشمس المحمول على المذبح ثلاثة أشخاص هم: الكاهن الأكبر الذي يمسك بإحدى يديه يد الملك «نبو ـ آبال ـ ادّين»، وأما الشخص الثالث فهو آلهة ترتدي الكوناكس رافعة يديها طلباً للشفاعة من الإله، وهنا يظهر اهتمام النحات البابلي بالتفاصيل بدقة متناهية شكلاً ومضموناً، وهذه هي إحدى ميزات الفن البابلي القديم، لأنه يعتمد على الواقعية في التعبير. ومن أمثلة النحت عندهم تمثال أسد بابل، في مدخل المدينة، وهو ينقض على أحد أعداء المدينة.
النقش على الأختام الأسطوانية:
تكون موضوعاتها عادة ذات طابع سياسي، أو ديني، أو اجتماعي، وتتميز عادة بدقة التفاصيل وعمق التعبير وروعة الزخرفة، ويرى الباحث فيها مصدراً غنياً لكثير من العادات والتقاليد. وقد عثر على عدد من الأختام منها ختم أسطواني يعود إلى ديوان أختام ملوك بابل ويقسم إلى عشرة أقسام، وفي وسطه ما يشبه غزالين متعانقين تحيط بهما كتابات وزخارف غاية في الدقة إلى جانب رمزيّ الإله مردوخ والإله نابو القائمين على قاعدتين ظاهرتين في الجانب الأيمن من الأسطوانة.
التصوير:
لم يعر البابليون التصوير الأهمية التي أعاروها للفنون الأخرى، إذ كان التصوير عندهم من الفنون الثانوية، وقد استخدموه في بعض الأحيان في تزيين الجدران، كما في قاعة العرش في القصر الجنوبي. ولم يعثر المنقبون في خرائب المدن البابلية على الرسوم الملونة كالتي عُثر عليها في مقابر المصريين والكريتيين، وقد رأوا فيه فناً متمماً لفنون العمارة. في حين عدّ السومريون فن التصوير من الفنون المهمة، وكدليل على ذلك، الصورة الجدارية التي عثر عليها اندره بارو في قصر مدينة ماري التي تمثل تتويج ملك ماري وهي اليوم في متحف اللوفر.
الخزف:
عثر علماء الآثار في المدن البابلية القديمة على أنواع من الخزف منها:
الخزف الصرف: هو ما صنع من الطين المشوي، وقد عثر على نماذج كثيرة منه، وكان أكثرها يمثل الشياطين كالشيطان «بازوزو»، وهي تماثيل صغيرة الحجم لا يزيد طولها على 9سم، وليس لها قيمة فنية عالية، كما عثر على تماثيل أخرى من الغضار في أساسات بعض المباني لحمايتها من الكوارث، وأبرز مثال عليها ما كان على هيئة غلغامش.
الخزف المطلي بالمينا:
هو غاية في الجمال، وقد كثر استعماله في العصر البابلي الحديث، ولم يستعمل الفنان فيه إلا ألواناً محددة على جدران المباني، وما زالت بقايا بعض المباني في بابل تحتفظ بجانب من هذا الخزف وخاصة ما كان منها على باب عشتار وعلى جدران المباني على طريق المواكب، وقد زينت هذه الجدران بصور بعض الحيوانات بأوضاع مختلفة، إضافة إلى زخارف أخرى تثير اهتمام المشاهد، وكلها في الواقع تنم على ذوق رفيع وإحكام في الصنعة.
الحلي:
لم تكن المرأة البابلية أقل من أخواتها في بلاد الرافدين من حيث حبها وولعها بالحلي. وقد عثر على نماذج منها تشبه إلى حد بعيد النماذج الممثلة في زخارف النقوش الجدارية الآشورية. وهي على شكل أساور ينتهي طرفاها بانتفاخ ملحوظ، وأقراط على شكل هلال القمر أو مضلعة في أكثر الأحيان، وتضم عدداً كبيراً من الحبيبات الذهبية الدقيقة جداً، وهناك أقراط أخرى على شكل مسلة تتدلى منها قطع متحركة من الذهب الخالص، كما عثر على مشابك ونماذج من الصدف أو من الأحجار الكريمة التي تعرف «بعين الهر» يحيط بها إطار من ذهب ترتبط به أزرار من الذهب أو اللازورد، وكل هذه القطع توحي بذوق متميز كانت تتمتع به المرأة البابلية ومهارة فائقة كان يمتاز بها صناع تلك الحلي.
الموسيقى:
يبدو أن البابليين تذوقوا حلاوة الموسيقى وأحسوا بأثرها في النفس البشرية. لذا بادروا إلى تأسيس فرق موسيقية اختصت بالغناء والعزف على مختلف الآلات التي عُرفت لديهم، وهذه الفرق كانت تقيم الحفلات الموسيقية وتشترك في الاحتفالات الملكية والدينية، وكانوا يغنون تارة بشكل جماعي وأخرى بشكل فردي، وذلك في المعابد والقصور وكذلك في حفلات الموسرين، أما الآلات التي اكتشفت فهي: المزامير ومزامير القرب والناي والقرون والصُّناجات والدفوف والطبول والقيثارة والبوق
1
عرفت بلاد بابل عهوداً من الازدهار أدت إلى تألق الفنون فيها ومنها: فنون العمارة المدنية والدينية، والنحت والتصوير، وصناعة الحلي والخزف، والموسيقى. وتظهر آثار هذه الفنون في خرائب المدن القديمة.
والأحوال التي تتالت على بلاد بابل وعلى المدينة العاصمة بابل، في المراحل المتعاقبة من التاريخ هي على درجة من التعقيد يصعب معها تحري العلاقات الفنية في هذه البلاد
العمارة المدنية
إن العوامل الطبيعية والحروب التي تعرضت لها بلاد بابل لم تبق من آثار تلك الفنون إلا النذر اليسير، لأن الدمار الذي أصابها قضى على ما شيده حمورابي في مدينته بابل من المباني الضخمة والقصور البديعة: كالقصر الجنوبي، والقصر الرئيسي، والقصر الصيفي.
أما القصر الجنوبي فهو من أهمها، وقد دلت الحفريات على أنه يتألف من خمس ساحات يحيط بكل منها حجرات ومرافق كثيرة، ولعل أهم تلك الساحات هي الثالثة وتُعرف بساحة الاستقبال، ويوجد في ضلعها الجنوبي قاعة العرش التي زينت واجهتها المقابلة للساحة بصور جدارية بألوان زاهية، وفي الجدار المقابل لمدخل القاعة محراب كان يوضع فيه العرش. وقد عثر في الزاوية الشمالية الشرقية من القصر المذكور على بقايا بناء غريب، يتألف من أربع عشرة حجرة متشابهة في شكلها وحجمها، كل سبع منها على جانب من الممر، ويحيط بها جدار ثخين وقوي، وفي إحدى الحجرات وجد المنقبون بئراً لها ثلاث حفر متجاورة، ورأى علماء الآثار أن هذا البناء وما فيه من ممرات وكذلك البئر، كان موضع الحدائق المعلقة التي عدت إحدى عجائب الدنيا، والتي جاء على وصفها المؤرخون اليونانيون والرومان
1
الأسوار
يرى بعض المؤرخين أن لا شيء يفوق من حيث العظمة أسوار بابل الخارجية التي شيدها نبوخذ نصر الثاني (605-562ق.م) وهي تمتد ثمانية عشر كيلومتراً، مع جدران مزدوجة معززة بالأبراج، يضاف إلى ذلك أن المدينة كان يحدها سور آخر. يلج المرء إلى المدينة من أبواب ضخمة مزينة ومتينة كباب عشتار الذي يعد من أشهرها. وشُيدت ضمن السور في كل ناحية من المدينة الهياكل والقصور المتينة لتصبح عند الحاجة معاقل للدفاع
1
1
1
1
دور السكن
تقع هذه الدور في شرقي المدينة والشمال الشرقي من منطقة برج بابل (الذي سيأتي وصفه)، وهذه الدور بنيت في شوارع منظمة ومستقيمة وتتقاطع بزوايا قائمة كما ذكر هيرودوت في حديثه عنها، وهي تشبه إلى حد بعيد بيوت الطراز الشرقي القائم في العراق الذي قوامه فناء أو عدة أفنية تحيط بها الحجرات والمرافق الأخرى، وفي أكثرها عنصر أساسي هو حجرة رئيسية تقع في الجانب الجنوبي لإحدى أفنية الدار.
وقد أشارت نتائج الحفريات الأثرية إلى أن بيوت العاملين كانت تُبنى من الطين أو من الآجر ولم يكن لها نوافذ إلا نادراً. أما أبوابها فكانت تنفتح على فناء داخلي مظلل من الشمس. وذكرت الأخبار أن بيوت الأغنياء كانت مكونة من ثلاث طبقات أو أربع.
1
العمارة الدينية
أما المعابد فكانت غالباً أبنية ضخمة من الآجر مشيدة حول فناء تقام فيه الاحتفالات الدينية ويقوم إلى جانب المعبد البرج المعروف بالزقورة، وهي المعبد البرجي الذي أخذه البابليون عن السومريين، ويعد برج بابل خير نموذج عنه.
وجاء في سفر التكوين أن نفراً من ذرية نوح حاولوا بناء برج مرتفع في بابل يرقون به إلى السماء، فعاقبهم الله على عجرفتهم. وقد شاهد بعض المؤرخين الإغريق البرج المذكور بعد أن صار خرابة. وذكر هيرودوت أن هذا البرج كان مؤلفاً من سبع طبقات يمكن الوصول إليها عن طريق درج ملتف خارجي، كما ذكر الجغرافي اليوناني Strabon سترابون أن برج بابل كان على شكل هرم مربع القاعدة، ويحتمل أن يكون قد انطوى على قبر رمزي للإله مردوخ، الأمر الذي حمل المؤرخين على اعتبار هذا البرج جزءاً من معبد «مردوخ»، وقد ورد اسمه في النصوص المسمارية على الشكل الآتي: «إيتمنأ نكي» أي المعبد الذي أساسه الأرض والسماء. وجاء في أحد الرقم المسمارية أن مقاييس هذا البرج وُضعت استناداً إلى الأرقام المقدسة، وأن طول ضلع قاعدته المربعة تسعون متراً، وارتفاعه مماثل لضلع قاعدته، وكان معبد القمة فوق الطبقة السابعة من البرج، وقد ذكره هيرودوت، ووصف الطاولة الذهبية والسرير الذي تنام عليه امرأة يختارها الكهنة لإجراء طقوس الزواج المقدس في ختام احتفالات رأس السنة، وقد هُدم هذا البرج على يد الملك احشويرش عام 479ق.م، والبرج المذكور كانت كل طبقة من طبقاته مخصصة لكوكب من الكواكب السبعة المعروفة عند البابليين وملونة بلون يرمز إلى واحد منها، كما كانت هذه الكواكب تشير إلى أيام الأسبوع. ويرى بعض المؤرخين أن الزقورة استخدمت كذلك لرصد الكواكب.
فن النحت:
مارس النحات البابلي النحت على الحجر، والمعدن، والعاج. ولعل أروع الأمثلة على هذا الفن «نصب تشريع حمورابي» الذي نُقش بالخط المسماري نحو سنة 1760ق.م، على مسلة من حجر البازلت بارتفاع مترين وربع، وحملت نحتاً بارزاً يمثل حمورابي واقفاً أمام إله الشمس الجالس على عرشه يملي القوانين على الملك الكاهن المتأله.
وقد نقلت المسلة إلى سوزا عاصمة العيلاميين في نهاية الألف الثاني ق.م وهي اليوم موجودة في متحف اللوفر في باريس، وكذلك نصب «نبو ـ آبال ـ ادّين» الذي عثر عليه في سيبار، وفيه يبدو الإله شمش جالساً على عرش وقد ارتدى ثوباً طويلاً (كوناكس) من جلود الخراف وعلى رأسه تاج تزينه ثلاثة أزواج من القرون، وفوق رأسه رموز الكواكب الثلاثة القمر والشمس والزهرة، وأمام قرص الشمس المحمول على المذبح ثلاثة أشخاص هم: الكاهن الأكبر الذي يمسك بإحدى يديه يد الملك «نبو ـ آبال ـ ادّين»، وأما الشخص الثالث فهو آلهة ترتدي الكوناكس رافعة يديها طلباً للشفاعة من الإله، وهنا يظهر اهتمام النحات البابلي بالتفاصيل بدقة متناهية شكلاً ومضموناً، وهذه هي إحدى ميزات الفن البابلي القديم، لأنه يعتمد على الواقعية في التعبير. ومن أمثلة النحت عندهم تمثال أسد بابل، في مدخل المدينة، وهو ينقض على أحد أعداء المدينة.
النقش على الأختام الأسطوانية:
تكون موضوعاتها عادة ذات طابع سياسي، أو ديني، أو اجتماعي، وتتميز عادة بدقة التفاصيل وعمق التعبير وروعة الزخرفة، ويرى الباحث فيها مصدراً غنياً لكثير من العادات والتقاليد. وقد عثر على عدد من الأختام منها ختم أسطواني يعود إلى ديوان أختام ملوك بابل ويقسم إلى عشرة أقسام، وفي وسطه ما يشبه غزالين متعانقين تحيط بهما كتابات وزخارف غاية في الدقة إلى جانب رمزيّ الإله مردوخ والإله نابو القائمين على قاعدتين ظاهرتين في الجانب الأيمن من الأسطوانة.
التصوير:
لم يعر البابليون التصوير الأهمية التي أعاروها للفنون الأخرى، إذ كان التصوير عندهم من الفنون الثانوية، وقد استخدموه في بعض الأحيان في تزيين الجدران، كما في قاعة العرش في القصر الجنوبي. ولم يعثر المنقبون في خرائب المدن البابلية على الرسوم الملونة كالتي عُثر عليها في مقابر المصريين والكريتيين، وقد رأوا فيه فناً متمماً لفنون العمارة. في حين عدّ السومريون فن التصوير من الفنون المهمة، وكدليل على ذلك، الصورة الجدارية التي عثر عليها اندره بارو في قصر مدينة ماري التي تمثل تتويج ملك ماري وهي اليوم في متحف اللوفر.
الخزف:
عثر علماء الآثار في المدن البابلية القديمة على أنواع من الخزف منها:
الخزف الصرف: هو ما صنع من الطين المشوي، وقد عثر على نماذج كثيرة منه، وكان أكثرها يمثل الشياطين كالشيطان «بازوزو»، وهي تماثيل صغيرة الحجم لا يزيد طولها على 9سم، وليس لها قيمة فنية عالية، كما عثر على تماثيل أخرى من الغضار في أساسات بعض المباني لحمايتها من الكوارث، وأبرز مثال عليها ما كان على هيئة غلغامش.
الخزف المطلي بالمينا:
هو غاية في الجمال، وقد كثر استعماله في العصر البابلي الحديث، ولم يستعمل الفنان فيه إلا ألواناً محددة على جدران المباني، وما زالت بقايا بعض المباني في بابل تحتفظ بجانب من هذا الخزف وخاصة ما كان منها على باب عشتار وعلى جدران المباني على طريق المواكب، وقد زينت هذه الجدران بصور بعض الحيوانات بأوضاع مختلفة، إضافة إلى زخارف أخرى تثير اهتمام المشاهد، وكلها في الواقع تنم على ذوق رفيع وإحكام في الصنعة.
الحلي:
لم تكن المرأة البابلية أقل من أخواتها في بلاد الرافدين من حيث حبها وولعها بالحلي. وقد عثر على نماذج منها تشبه إلى حد بعيد النماذج الممثلة في زخارف النقوش الجدارية الآشورية. وهي على شكل أساور ينتهي طرفاها بانتفاخ ملحوظ، وأقراط على شكل هلال القمر أو مضلعة في أكثر الأحيان، وتضم عدداً كبيراً من الحبيبات الذهبية الدقيقة جداً، وهناك أقراط أخرى على شكل مسلة تتدلى منها قطع متحركة من الذهب الخالص، كما عثر على مشابك ونماذج من الصدف أو من الأحجار الكريمة التي تعرف «بعين الهر» يحيط بها إطار من ذهب ترتبط به أزرار من الذهب أو اللازورد، وكل هذه القطع توحي بذوق متميز كانت تتمتع به المرأة البابلية ومهارة فائقة كان يمتاز بها صناع تلك الحلي.
الموسيقى:
يبدو أن البابليين تذوقوا حلاوة الموسيقى وأحسوا بأثرها في النفس البشرية. لذا بادروا إلى تأسيس فرق موسيقية اختصت بالغناء والعزف على مختلف الآلات التي عُرفت لديهم، وهذه الفرق كانت تقيم الحفلات الموسيقية وتشترك في الاحتفالات الملكية والدينية، وكانوا يغنون تارة بشكل جماعي وأخرى بشكل فردي، وذلك في المعابد والقصور وكذلك في حفلات الموسرين، أما الآلات التي اكتشفت فهي: المزامير ومزامير القرب والناي والقرون والصُّناجات والدفوف والطبول والقيثارة والبوق
تعليق