إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه

    [IMG][/IMG]


    اقدم لعيونكم ولزوار منتديات ألهندسة الصناعية

    وكما عودناكم كل جديد

    بمنتديات ألهندسة الصناعية





    زينب حبش فلسطينيه حتى النخاع



    كان صعب على بعد اختيار فنانه متكامله وشخصية
    فريده مثل
    زينب حبش فى اى منتدى
    ساقدم اعمالها هل اقدم جزء من اعمالها فى
    المنتدى الادبى واخر فى الثقافى ومقطتفات
    بالحوار العام واعمال فنيه بمنتدى الفنانين العرب

    فاسمحوا لى بتقديم كل اعمالها فى موضوع واحد
    بالمنتدى الثقافى

    زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه




    أشعر أحيانا بأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الكون كله من أجلى


    " الشعر غذائي الروحي، وجمال الطبيعة الهواء الذي أتنفسه ، وبراءة الطفولة النبع الذي أرتوي منه، والحرية والمحبة الجناحان اللذان أحلق بهما في فضاء هذا الكون اللامتناهي . أما الأمل، فهو مصباحي السحري الذي يضيء ابتسامتي رغم كلّ الآلام والأحزان. "
    زينب حبش



    المحطات الرئيسة في حياة الشاعرة

    - مولد الشاعرة في بيت دجن / يافا – فلسطين.

    · هجرتُها القسريّة مع أسرتها عام 1948م.

    · مراحل الدراسة، وحصولها على شهادة الثانوية عام 1961م، ثم ليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1965م، ثم ماجستير في الإدارة والإشراف التربوي عام 1982م.

    · العمل: عملت معلمة ثم مديرة مدرسة. جرت ترقيتها عام 1969م موجهة للغة الإنجليزية في منطقة القدس حتى عام 1995م. استقالت من عملها للتفرّغ للكتابة، لكن جرى تكليفها من قبل الرئيس ( أبو عمار) للعمل في وزارة التربية والتعليم الفلسطينيّة عام 1996م.

    · تأثرتْ الشاعرة بعمق بأحداث عام 1967م. جرى اعتقالها والحكم عليها عام 1968م.

    · كان للموت أثره المؤلم عليها، خاصّة وفاة أخيها الكبير ثم استشهاد أخيها الأصغر ثم ابن أخيها وتلا ذلك وفاة أبيها ثم أمها ثم ابن أخيها الشهيد خالد حبش الذي استشهد في انتفاضة الأقصى عام 2003 م.

    · تركت الانتفاضة الأمّ، التي امتدّت حوالي سبع سنوات، الأثر الكبير على أعمالها.

    · تذوّقت طعم الفرح لدى عودة الأهل من الشّتات ، خاصّة عودة أخيها يحيى ( صخر حبش) عام 1994م.

    · استاءت كغيرها من أفراد الشعب الفلسطيني بسبب المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ القرارات المّتَّفق عليها مع السلطة الفلسطينية. ولم تُفاجأ باشتعال انتفاضة الأقصى التي كانت شرارتها زيارة شارون للمسجد الأقصى. كلّ ذلك ترك أثراً عميقاً على أعمال الشاعرة.

    · الأعمال والإنجازات: خمسة دواوين شعر، ثلاثة مجموعات خواطر، مجموعتان قصصيّتان، مجموعة تمثيليات، ثلاثة كتب تربوية، مجموعة لوحات زيتية، مخطوطتان لقصّتين تسجيليتين، ومخطوطتان لديوانَي شعر ( بواكير).

    · الأنشطة وشهادات التقدير:

    (1) شهادة تقدير للمشاركة في مهرجان الشعر في القدس عام 1994م.
    (2) درع للمشاركة في المؤتمر الدولي للشعر في القدس عام 1997م.
    (3) درع للمشاركة في مهرجان حوض البحر المتوسط للفنون في بيشيلية- إيطاليا عام 2000م.
    (4) المشاركة في العديد من الندوات الشعرية في مدن وقرى الوطن ومؤسّساته.
    (5) المشاركة في مؤتمر الملتقى العربي للتربية والعلوم في بيروت 2004 .
    (6) المشاركة في مؤتمر القاهرة حول مستقبل التعليم الجامعي العربي ( رؤى تنموية ) ، 2004 .
    (7) المشاركة في مؤتمر تربوي في نيجيريا حول تسرب الطلبة، عام 2004.


    · الأنشطة المجتمعيّة للشاعرة:

    (1) عضو في اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين.
    (2) عضو في جمعيّة أصدقاء المريض في رام الله.
    (3) عضو في الهيئة الإداريّة لمؤسّسة شمل في رام الله.
    (4) عضو في جمعيّة إنعاش الأسرة في البيرة.
    (5) عضو في رابطة الفنانين التشكيليين.


    · مؤثّرات أخرى على أعمال الشّاعرة:

    (1) حبّها للموسيقى والمشي والمسرح والعناية بالحديقة المنزليّة .
    (2) زيارة المعارض والمتاحف الفنيّة والأماكن السياحيّة والأثريّة داخل الوطن وخارجه
    (3) السفر والسياحة ضمن رحلات جماعيّة. فقد تعرّفتْ على معظم الأماكن في سوريا ولبنان وهولندة ، وعلى بعض الأماكن السياحيّة في العراق وتونس وتركيّا والسعوديّة وفرنسا وسويسرة وبلغاريا ومصر والمغرب وإيطاليا. إضافة إلى كلّ المناطق في فلسطين



    أنا الرقم (7) بين تسعة أبناء وبنات. ولُدت في بيت دجن/ يافا في فلسطين. وفي عام 1948م تمّ تهجير أسرتي قسراً كغيرها من الأسر الفلسطينية، وأُسرَ أخي الكبير محمد الذي لم يكن قد تعدّى السابعة عشرة من عمره. أهم حدثٍ بالنسبة لي آنذاك، حين سلّمتني أمي أنا وأخي يحيى للقائد الفلسطيني يحيى الناطور من أجل إنقاذه من القتل على أيدي الجنود الصهاينة الذين كانوا يتعقّبونه. حَملني ذلك الرجل وتشبّث بي وأنا أبكي بحرقةٍ دون أن أعرف لماذا.

    قالوا لي: إذا سألك أحدٌ أين أمّك، فقولي إنها ماتت.

    حُمّلنا في شاحنات إسرائيلية، وألقي بنا بين الأشواك والصخور في إحدى القرى القريبة من مدينة رام الله.

    بدأتْ أسرتُنا تصحو من الصدمة، لكنّ الأملَ بالعودةِ إلى منزلنا لم يفارقْنا لحظةً واحدةً حتى يومنا هذا.

    أُطلقَ سراحُ أخي من الأسر بعد تسعة أشهر من العذاب الذي عاناه هو، والذي عانته الأسرة بكاملها، وخاصّة أمي.

    بدأ أخي عدنان (محمود) بتعليمنا ريثما تفتحُ المدارس أبوابَها لتضمّنا إليها. وأخذ أبي وأخوتي الكبار يعملون بجدّ ليتمكّنوا من توفير حاجاتِ الأسرة.

    تعلّمتُ في البداية في مدرسة الوكالة ( UNRWA ) في مدينة نابلس. وقد رقُيت فيها مرّتين ترقيةً سريعة، إلى أن أنهيتُ الصف الثاني الإعدادي. كان لهذه المدرسة الأثر الكبير في نموّ شخصيّتي وصقل موهبتي الأدبّية والفنيّة، خاصّة في مجال المسرح المدرسي. ففي تلك السنوات، تعرّفت على أُدباء وشعراء عالميين، وقرأتُ مسرحيات أحمد شوقي ودواوين فدوى طوقان ونازك الملائكة والسياب وغيرهم من الشعراء.

    ومثلتُ أدواراً رئيسةً في مسرحيّات شكسبير وطاغور وتوفيق الحكيم وغيرهم. وتعلقتُ بمطالعةِ الكتب بالعربية والإنجليزية. ثم انتقلتُ إلى المدرسة العائشية حيث لقيتُ تشجيعاً كبيراً من معلمات المدرسة، كما اكتشفتُ فيها كنزاً عظيماً هو المكتبة. قرأتُ مجموعة كاملة في علم النفس والفلسفة وغير ذلك من المواضيع.

    كان لأبي وأمي وأخوتي دورٌ كبيرٌ في تعلّقي بالشعر والأدب. ففي معظم الأمسيات، كان أبي، وأحياناً أمي، يسردُ لنا قصصاً مشوّقة لا تخلو من الأشعار، وكثيراً ما شارك الجميع بالمناظرات الشعرية، الأمر الذي دفعنا لأن نحفظ القصائد عن ظهر قلب.

    تخرجتُ من المدرسة العائشية، وحصلتُ على شهادة التوجيهي من كلية النجاح الوطنية بنابلس عام 1961م.

    كانت رغبتي أن أتخصّص بدارسة الطّبّ. إلا أن الظروف الاقتصادية للأسرة، حالت دون ذلك، فاخترت دراسة الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وحصلت على شهادة الليسانس عام 1965م. وأثناء تلك السنوات قرأت كلّ ما وصلت إليه يدي في شتى المواضيع، إضافة إلى الأدب العالمي في الشعر والمسرح والرواية والقصة القصيرة، مما أثّر على إنتاجي الأدبي فيما بعد.

    ثم حصلت على شهادة الماجستير في الإدارة والإشراف التربوي من جامعة بيرزيت عام 1982م.

    عملتُ مع وكالة الغوث الدولية في مركز تدريب المعلمات ( الطيرة) برام الله. استمرّ عملي مع الوكالة كمعلمة ومديرة مدرسة ثم موجهة للغة الإنجليزية في منطقة القدس حتى عام 1995م، حيث استقلت من عملي لأتفرّغ للكتابة. إلا أنه جرى تكليفي من الأخ الرئيس ياسر عرفات بالعمل في وزارة التربية والتعليم، مديراً عاماً موجّهاً، حيث لا أزال أمارسُ مهنتي كأمينة سرّ لجنة التربية فيها.

    كان للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة عام 1967م أثره الكبير على إنتاجي الأدبي. فقد تحوّلتُ من كتابة الشعر العاطفي والرومانسي، إلى الشعر الذي يُعبّرُ عن رفضي للاحتلال، وعن تصوير معاناة الشعب الفلسطيني، وعن أثر السجن والإبعاد القسري عليه. وعن المجازر التي اقتُرِفت بحقّه داخل الوطن وخارجه.

    جرى اعتقالي من قبل السلطات الإسرائيلية بتهمة مقاومة الاحتلال في معتقل نابلس، ثم الجلمة. وحُكم عليّ وعلى رفيقاتي بالاعتقال مع وقف التنفيذ لمدة سنتين ونصف عام 1968م.

    توالت عليّ أحداث مؤلمة ومؤثّرة سببها الموت، بدأ ذلك بوفاة أخي الكبير محمد، ثم استشهاد أخي المهندس أحمد الذي قاد عمليّة صواريخ بتاح تكفا (ملبّس )عام 1971م، وبعده استشهاد ابن أخي بسام ثم وفاة أبي وبعده أمي.

    حين انطلقتْ الانتفاضةُ الأم عام 1987م، توزّع نشاطي بين كتابة الشعر والخاطرة والقصّة القصيرة والتمثيلية، وبين المشاركة في التعليم الشعبي وإعداد الكتب والتسجيلات التربويّة حول التعلّم الذاتي، خاصة أثناء إغلاق السلطات الإسرائيلية لجميع المؤسسات التربوية في فلسطين. معظم ما كتبته في تلك الفترة كان موجَّهاً للفتيات والفتيان الذين كنت ألاقيهم أثناء عملي في المدارس.

    أما عام 1994م، فقد تذوّقتُ فيه لأوّل مرّة طعمَ الحريّة، حين تحررّتْ مدينةُ رام الله وغيرها من المدن الفلسطينيّة. وصرنا نتنقّلُ بسهولة من مكان لآخر. وفرحنا بعودة الأهل إلى الوطن بعد الغياب الطويل. وقد كان لعودة أخي يحيى وإقامته إلي جواري في رام الله أثره الكبير على نفسي. كما كان له الفضل الكبير في تشجيعي على الرسم، إذ زوّدني بأدوات ومواد الرسم، وبالكتب والمراجع التي ساعدتني على تنمية موهبتي في هذا المجال.

    كان من المُتوَقّع أن تنتهي مفاوضاتُ السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قبل منتصف العام 1999م، بالانسحاب من جميع الأرض المحتلة، وبقيام الدول الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وبتفكيك جميع المستوطنات، وبالشروع بتطبيق حق العودة لجميع الفلسطينيين المهَجّرين إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم، كما ورد في قرارات الأمم المتحدة. إلا أن المماطلة الإسرائيلية، والتراجع حتى عمّا تمّ التوقيع عليه من الاتفاقيات بين الجانبين، تسبّب في اشتعال انتفاضة الأقصى الحاليّة، في أواخر أيلول من العام 2000م.

    لم تكن الانتفاضة مفاجِئةً لي، إذ كنتُ قد توقّعتها في بعض قصائدي وأعمالي الأدبيّة والفنيّة. والحقيقة أنني تأثرت كثيراً بها. وانعكس ذلك على جميع الأعمال التي أنجزتها كالمقالات السياسية، والخواطر واللوحات، وكذلك على الدراسات والمقالات التربوية التي ركّزتُ فيها على التعليم والتعلّم في الظروف الصعبة.


    لقد بدأتْ حياتي بكابوسٍ مزعج، حين جرى اقتلاعي من منزلي عام 1948م، إلا أنني لا أزال أحلمُ بالعودة إلى ذلك المنزل، الذي تذوقّتُ فيه حلاوةَ الطفولة المبكّرة. ولا أزال أحلمُ بتحقيق العدالة والحرية والسلام، وبأن تتحوّل جميعُ الأسلحة في هذا العالم إلى أدواتٍ موسيقيّةٍ، تُعْزَفُ عليها سيمفونيّةٌ عذبةٌ للحبّ والفرحِ والحياة.


    زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه

  • #2
    إنّ الدعوة إلى طلب العلم من المهد إلى اللحد، إنما يُقصدُ بها التثقيف، والتعلّم الذاتي الشامل والدائم، الذي يستمرّ مع الفرد طيلة حياته. كما يُتيح الاطلاع على المعارف العامّة المتنوّعة لأيّ شعبٍ من الشعوب، وفي أيّ عصر من العصور. وبخاصّة في هذا العصر الذي يزخرُ بالحركات العلميّة والفنيّة، ونتاج العلماء والمفكّرين. هذه الثروة الفكرية الهائلة، هي التي تساعدُ على تكوين الشخصية الناضجة، وخلق المواطنين الأكفياء، ذوي المستوى الراقي في الوعي، والتفاعل النشط مع العالم الذي يعيشون في رحابه.
    والقراءةُ إلى جانب ذلك، تزوّدُ الفرد بالمتعة والتسلية، كما أنها تُثري الحصيلة اللغوية للقرّاء، وتنمّي، بالتالي، قدرتهم على التعبير بأسلوب جيدّ.(زينب حبش)

    يسلموووو السويدي على الموضوع الجميل
    والتعريف بالمناضلة قبل كل شئ والفنانة والشاعرة زينب حبش
    تحياتي

    تعليق


    • #3
      زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه

      دواوين الشعر

      لأنه وطني



      اريد دولة

      رأيته بالامس،رايته غدا

      أمي

      أحمد

      نحب السلام ولكن

      رام الله تتهيأ للزفاف

      لأنك زينب

      واحة الاشواق

      رباه بارك خطوه

      أغنية الى العراق

      يا غابة السحر الجميلة

      اليد الصغيرة

      الفجر القادم
      الشمعة

      الحلم

      لأنه وطني



      لأنه وطني

      إلى الحلم الذي عشقناه
      والأمل الذي أضاء قلوبنا
      إلى الدولة الفلسطينية المستقلة
      وعاصمتها القدس
      وإلى أغلى الأحبّة
      الشهداء والأسرى والجرحى
      الذين لولاهم
      لما تحقّق هذا الحلم



      بسم الله الرحمن الرحيم
      إنهم يرونه بعيدا (6)ونراه قريبا (7)
      صدق الله العظيم


      أريد دولة

      لستُ أريدُ دولةً قويةْ

      تسلُّ لقمةَ الطعام من أفواهِ شعبِها

      لتصنعَ القنابلَ الذَريةْ

      ولا

      أريدُ دولةً

      يحكمُ فيها واحدٌ

      كأنهُ الإلهُ في البرية ْ

      أريدُ دولةً نظيفةً نقيةْ

      فيها الذي نحتاجُهُ كالماءِ والهواءِ

      والحدائقَ الشعبيةْ

      فيها يصيرُ العلمُ مجانا ً

      كما الدواء ْ

      فيها ابتساماتُ الصغارِ

      تسكبُ الضياءْ

      فيها تعيشُ الأمهاتُ والآباءُ

      والأجدادُ والشبابْ

      عيشاً رغيداً ملؤه الهناءْ

      أريدُ دولةً تصنعُ خبزَها بنفسِها

      وتغزلُ الثيابْ

      أريدُ دولةً لا تفتحْ الكفَّينِ

      للقريبِ والغريبْ

      بل دولَةً غنيةً بالكبرياءْ

      تعانقُ السحابَ

      تحلبُ الغيومَ

      إذ يشحُّ الماءْ

      أُريدُ دولة ً

      صادقةً في كلِّ ما تقولُهُ

      صريحة َ الأعمالْ

      لا دولة ً

      تخدِّرُ الإنسانَ

      بالأحلامِ والأقوالْ

      أريدُ دولةً شامخةً

      غذاؤُها وماؤُها

      حلالْ

      أريدُها بسيطةً

      أريدُها جميلةً

      أريدها فتيّةْ

      كلُّ الذي أريدُهُ منها

      عبارةً صغيرةً كبيرةً

      "تمنحني الحريةْ"


      1994


      رأيته بالأمس،رأيته غدا


      رأيتهُ بالأمسِ غارقاً

      في لجّة التفكَيرْ

      رأيتهُ يصارع المصيرْ

      رأيتهُ يطارد الغربانْ

      رأيتهُ يتوهُ في مستنقعِ الأحزانْ

      رأيتهُ بالأمسِ يغُمضْ الجفونْ

      رأيتهُ يغيبُ

      في مضارب الجنون

      رأيت في كفّيه حقدهُ

      على البشر

      رأيت في عينه شعلةً

      تناطحُ القدر

      رأيتهُ يغوص في الظلام

      رأيته يحلمُ

      أن

      يحقق السلامْ

      رأيته بلأمس يقهر الردى

      رأيتهُ غدا

      يعانق الفضاءَ يحضنُ المدى

      رأيته فراشةً ونحلةً وفلّة

      رأيتهُ ابتسامةً ووردةً وقبلّةْ

      رأيتهُ يصافحُ القدَرْ

      رأيتهُ يطرّز الترابَ بالزَّهَرْ

      رأيتهُ سحابةً تعانقُ المطرْ

      رأيتْ في عينيهِ حزُمةً

      من الضياءْ

      رأيتهُ زيتونهً

      تطاول السّماء

      رأيتهُ ابتسامةً تُضيءْ

      رأيتهُ يجيءْ

      وفي يديه غابةٌ من النجومْ

      رأيتهُ يعوَم

      في واحةِ الأحلامِ في الغيومْ

      رأيتهُ يطيرُ كالملاكْ

      رأيتهُ هناكْ

      يُزيلُ من طريقنا الأشواكْ

      ويقطعُ الأسلاَكْ

      رأيتهُ يرقى إلى القممْ

      ويرفعُ العلمْ

      ويرفعُ العلمْ

      ويرفعُ العلمْ


      9/12/1998م


      أمي


      يا من تعيشينَ

      في فكري

      ووجداني

      قلبي عليكِ

      فهل تكفيكِ أحزاني

      يا ظبيةً

      في جنان الخلدِ ألمحُها

      ترنو إليًّ

      كأنيّ

      إبنُ يقظانِ

      ما زالَ صوتُك

      في سمعي

      يُلازمُني

      ولا يزالُ رضاكِ الثرُّ

      يرعاني

      إذا صحوتُ

      فأنتِ

      من يُصبّحُني

      بالخير دوماً

      وإن أمسيتُ مسّاني

      يا أنتِ

      يا من بقلبي

      لا مثيلَ لها

      ويشهدُ اللهُ

      أنّ الصدقَ عُنواني

      يُحبُّك الناسُ

      كلُّ الناَسِ

      في بلدي

      فأنتِ أمٌّ

      لقاصي الدربِ والدّاني

      أمّاهُ

      يا خيرَ أمّ في الوجودِ

      ويا ريحانةً

      حسنُها في الكونِ

      ربّاني

      أنت الحنانُ

      وأنتَ الحبُّ

      يا وطنَاً

      بظلّه يستظلُّ

      كلّ إنسانِ



      1994م


      أحمد

      إلى أخي الشهيد ،احمد حبش

      يا أحمدُ الشجاعْ

      يا باقةَ الشقيقِ والنعناعْ

      تصهلُ في ابتساماتِ البنفسجْ

      وتغوصُ مثلَ الرمحِ

      بين الرمش والرمش المسيّجْ

      تتقاذفُ الأقدارُ أحلامي وينفرطُ

      الضبابْ

      ويصيرُ قلبي غصنَ عوسجْ

      يا أحمد الدجنيُّ

      يا لعيناكَ أغنيتان

      من خمر وسكَّرَْ

      تترنّحُ الأشواقُ،تغرقُ

      عند خاصرة الوطنْ

      وتشدُّ قامَتها الزنابقُ

      تذرفُ الثلجَ المعطّرْ

      ها أنتَ تخطُر

      كالنسيمِ

      على روابينا الجميلةْ

      وتحطّ مثلَ شقائق النعمانِ

      في قلب الخميلةَْ

      وتظلُّ مثلَ البرق تلمعُ

      في مآقينا الكليلةَْ

      يا احمدُ الفضيّْ

      يا لونَ أغنيتي النقيّةِ

      يا دموعَ الكبرياء

      يا واحةً الذكرى الحميمةِ

      في ابتسامة الديّْ

      يا شامةً في وجنة التاريخِِ

      يا قمراً تألقَ في الفضاءْ

      يا أحمدُ العربيُّ

      يا عبقَ النهارْ

      يا مهجةَ البرقِ الذي

      خطفَ ابتسامات المحارْ

      خلعتْ عباءتها السَماءُ

      وعانقتْ عينيكَ

      في وَضَحِ النهارْ

      نَسَجْتكَ أحلامي حريراً

      من رموشِ العاصفةْ

      وروتكَ بالورد المعتَقْ

      أغنياتي الراعفَةْ

      يا فارساً شدَّ العنانَ

      لمهرةِ الغسقِ المقّدس

      في القلوبِ الواجفةَْ

      يا أحمدُ الثوريّْ

      يا غيمةً شربتْ مدامعَها

      وراحت تمسحُ الأحزانَ عن وجه القمرْ

      يا أحمدُ الثورُّ يا وطناً تلفّعَ بالضباب

      يا احمد الحَبشيُِّ يا فينيقَ هذا العصرِ

      يصعدُ للسماءْ

      ويعانقُ العنقاءَ يلثمُ ثغرَها صباحاً مساءْ



      1994م

      نحبّ السلام…ولكن


      نحبُ السلامْ

      نحبُ السلامَ لأن السلامَ

      هو اللهُ

      ربُّ البشرْ

      نحبّ السلامَ الذي يحملُ الحبَّ

      بين جناحيهِ

      للكونِ

      للطيبينَ من الناسِ

      للفاتحينَ الأكفَّ

      وللعاشقينَ هطول المطرْ

      نحبُّ السلامَ الذي يحملُ الخيرَ

      للفاتحينَ النوافذَ للشمسِ

      للغارقينَ بنور الإله ونورِ القمرْ

      نحبُّ السلامَ الذي يحمِلُ الأمنَ

      للخائفينْ

      نحبُّ السلامَ الذي يحمل الخبزَ

      للجائعينْ

      نحبُّ السلامَ الذي منذُ عام الطفولةِ

      عام الشبابِ

      وعام الكهولة

      لا زلتُ أحلمُ يوماً فيوماً

      وفي كلّ يوم

      أعدُّ الخيوط البوارقَ

      حُلماَ فحلماً

      ولا شيء يأتي

      ولا شيء يحملُ طعمَ السلامْ

      نحبُّ السلامَ

      ولكنّنا

      نعومُ على شاطيءِ الموتِ

      نركضُ عبرَ وميضَ السرابْ

      نصدّقُ أن الحساسينَ تغفو

      إذا الذئبُ غابْ

      نصدّقُ أن العيونَ الخبيثة َ

      تضحكُ عندَ اللقاءْ

      وأنّ حروفَ الحقيقةِ

      تَغرقُ

      في شبرِ ماءْ

      فيا أرضَنا الخالدةْ

      إذا كنت أنت الحقيقَة والزيفَ

      في لوحَةٍ واحدةْ

      إذا كنت أنت الحبيبةَ

      أنتِ الغريبةَ

      في همسةٍ واحدةْ

      فكيف أشّد الرّحال إليكِ

      وأعلمُ انّ عليك

      تدورُ الدّوائرْ؟‍‍‍‍‌‌!

      أيا وردةً

      سحقتْها أكفُّ الذينَ أفاقوا من الحلم يوماً

      على وَقْع اقدامهمْ في الهواءْ

      فيا للعجبْ!!

      فنحنُ نغني ونرقصُ

      بين الترابِ

      وبين السماءْ

      نعانقُ لا شيء

      مثلَ الهباءْ

      مساميُر عيسى تُدَقُّ بأعيُننا

      ونقولُ سلامْ

      مزاميُر داودَ تشرقُ بالدمعِ

      عندَ المساءْ

      تعاليمُ لقمان للناسِ ..

      صارتْ هراءْ

      ونحن نصدّقُ أنّ الذي لم يكن ممكناً

      عبَر كلّ السنيْن

      يصيُر بومضةِ عينٍ

      يسيراً

      كَشَربِة ماءْ

      سلامٌ عليكَ .. سلامُ عليَّ

      أيا وطناً غابَ عن مقلتيّْ

      فلا أنتَ أنتَ

      ولا الزهرُ زهرٌ

      ولا العمرُ عمرٌ

      ولا الحبُّ حبٌّ

      ولا القهرُ قهرْ

      علاماتنا في الوجوه تؤكّدُ

      أنّ السلامَ … عليه السلامْ

      وانّ السيوفَ إذا مسَّها العجزُ

      تصبحُ لا شيء عندَ الصَّدامْ

      فيا أيُّها القابعونَ بكهفِ الخرافةِ

      لا تحلُموا بالمطرْ

      ويا أيها القانعونَ بخبزِ الكفافِ

      لماذا السفْر؟

      ويا أيها الحالمونَ بجنّاتِ عدْنٍ

      أفيقوا من الحلم

      إنّ الإلهَ يوزّعَ جناتِهِ

      للذين

      منِ الصخرِ أمطارُهم تنفجرْ

      قبُل هطولِ المطْر

      ومن يعجنون براحاتهمْ

      أطيبَ الخبزِ

      من يرفعون لتاريخهم علماً

      رغمَ أنفِ القدرْ



      20/7/1995


      رام الله تتهيّأ للزفاف


      بمناسبة تحرير رام الله عام 1994 م


      مدّتْ قامتَها الفارهةَ

      وسارتْ بخطىً راقصةٍ

      تتهادى

      فوقَ بساط الأحلامِ الورديّةِ

      بعدَ صلاة الفجرْ

      ومَشتْ حافيةً عبْر النهرْ

      فانتعشتْ بخُطاها نَسماتُ الصبحِ

      الأخاذةِ

      وارتعشَتْ أطرافُ أصابعها

      حين امتدّتْ تتحسّس حَبَات الرملْ

      حينئذ زقزقَ في قلبي عُصفورُ الفرحِ

      وراحَ يُحلّق ويحلّقُ ويحلّقُ

      حتى حطَّ على شاطيء غزة

      راح الفرحُ الجذلانُ

      يُراقص حورّيات البحرْ

      ويرشقُ أعينها الخضراءَ الرائعة َ

      بزخّاتِ الفلّ

      يا غزّة ْ

      هاتي موجاتك والتصقي بالقدسْ

      هاتي موجاتك والتصقي بالحرمِ الإبراهيميِّ

      المتلفّع بالسحرْ

      هاتي صدفاتك والتصقي بكنوزِ الأرضِ الخضراءَ

      بأرجاء فلسَطينْ

      هيْا انتفضي يا زهرات السوسنِ والشقيقِِ

      وصلّي لله صلاةَ الشَكرْ

      حمداً للهْ

      فاللهُ يشاركنا الأفراحَ

      ويهدينا خُصُلاتِ الشمسْ

      وأصابعُ رام الله

      تتزّينُ بالأعلامِ وبالأحلامِ

      وبالحلقاتِ الراقصةِ على أَنغامِ النايْ

      ارقصْ

      ارقصْ

      ارقصْ

      يا شعبناً قهرَ الظلمَ

      وقهرَ الموتَ

      وقهرَ القهرْ

      ابتسمي يا زَهرات النرجسِ

      واشتعلي فرحاً يا ضَحِكاتِ الأطفالْ

      يا رام الله

      يا وردةَ عشقٍ في عُروةِ احمدْ

      يا قامةَ بسّام الشامخة

      ويا بسمةَ أمي

      يا آيةَ قرآنٍ في ثغرِ أبي

      يا رام الله

      ضُمّي بذراعيكِ الرائعتينِ

      أغاريد الامواجِ المتدفقةِ إلى صدركْ

      وابتسمي للفجرِ المتألقِ

      يسكبُ نورَ الأحلامِ الورديّةِ في ثغركْ

      رام الله السمراءُ الحلوةُ

      تكبرُ تكبرُ تكبرْ

      وتضمُّ فلسطينْ

      يافا و اللدَّ وحيفا و اللطرونْ

      الناصرة وعكا والكرملَ

      وجبالَ صفدْ

      رام الله تفتحُ كفّيها

      وتضمُّ الشعبَ المتدفقَ

      من كلّ بلدْ

      رام الله !!!

      لا زالتْ دمعهُ شوقٍ للصخرةِ

      والأقصى

      تتلألأ بين الجفنين

      لن تكتمل الفرحةُ في عينيها

      من غيِر القدسْ

      وتؤكدُ

      أن العرسْ

      سُيؤجّلُ يوماً

      أو يومينْ


      25/5/1995م



      لأنك زينب


      تحية في "عيد الحرية " من أخي يحيى "صخر أبو نزار" بمناسبة عيد ميلادي


      لعينيك

      يا أختاهُ

      ساحٌ وملعبُ

      ولحنٌ به أرضُ الكرامةِ

      تخصبُ

      وبوّابةٌ للمجدِ

      يومَ تألّقتْ

      على ثغرها

      كانت عيونُك

      ترقبُ

      وُلدت حديثاً

      منذُ أن عادَ الى الثرى

      شعاعُ المنافي

      بالتصدّي

      يُصلّبُ

      وفي موطني

      مهدُ انبعاثِ حضارةٍ

      لها أُلقٌ

      من وهجِ شعركِ يَطربُ

      هنيئاً

      بميلادٍ وعيدٍ

      به الورى

      يباركُ نشواناً

      لأنكِ زينبُ


      15/4/1996


      واحةُ الاشواق


      من اخي يحيى "صخر ابو نزار"بمناسبة عيد ميلادي

      لعينيكِ أيضاً

      كلُّ عيد سيشرقُ

      ففيك الأماني

      والحضَاراتُ

      تعبقُ

      وليس بخافٍ

      ما نراهُ

      من الهنا

      فأنتِ مداهُ

      وهو فيكِ يُحقَّقُ

      أيا زينبُ

      الأمواجُ

      والبحرُ هادرٌ

      ويا واحةَالأشواقِ

      والحبُِّ يحرقُ

      هنيئاً بعيدٍ

      لا يعودُ به الورى

      إذا لم يكنْ

      في عمقِ عينيكِ

      يغرقُ

      15/4/1998


      رباه بارك خطوه

      الى اخي يحيى (صخر ابو نزار) في عيد ميلاده


      يا ليلةَ القدْرِ التي

      بوركتِ من ربّ السماءْ

      في هذه الدنيا الرحيبةِ

      حين غابَ الأوفياءْ

      أعطيتني كنزًاً عظيماً

      فيه قلبٌ من صفاءْ

      هذا أخي يحيى الذي

      عندي بكلّ الأصدقاءْ

      رباهُ باركْ خطوهُ

      واحفظْهُ من كلِّ بلاءْ

      ليظلَّ صدراً حانياً

      للأهلِ ،نبعاً للهناءْ

      هذي فلسطينُ التي

      تحتاجُهُ صبحاً مساءْ

      ليفكَّ عنها القيدَ

      يحمي أهلَها من كلّ داءْ

      لتظلّ طولَ العمرِ

      شامخةً بثوبٍ من بهاءْ

      ويظل هذا الشعبُ

      يرفعُ رأسَهُ بالكبرياءْ



      12/11/1998



      أغنية إلى العراق



      بغدادُ

      يا نخلةً سمراءَ

      شامخةً

      يرقى إليها

      عبيرُ المجدِ والحَسبِ

      بغدادُ بغدادُ

      يا شمسَ الصباحِ

      ويا أسطورةً

      خطّها الرحمنُ

      للعربِ

      بغدادُ بغدادُ

      يا مَنْ فجّرتْ بدمي

      نبعَ الكرامةِ

      مثل البرقَ

      في السُّحُبِ

      قلبي يحلّقُ

      جذلاناً

      كأنَّ به

      مليونُ طير تُغنّي

      غُنوةَ الشُّهُبِ

      بغدادُ

      إنكِ أحلامي التي وثبتْ

      عبر الكوابيسِ

      تُشفيني

      من السّقَمِ

      أنرت قلبي

      بحبٍّ ليسَ يعرفُهُ

      قلبُ المحبينَ

      من عُربٍ

      ومن عَجَمِ

      بغدادُ

      ما بالُ صوتي

      لا يُطاوعُني

      هل تسمعينَ ندائي؟!

      آهِ يا قلمي

      سجّلْ

      بكلِّ لغاتِ الأرضِ

      قاطبةً

      لولاك بغدادُ

      ما انثالَت عُرى الظُّلَمِ

      بغدادُ

      يا من بعيني

      لا مثيلَ لها

      يا درّةَ الكونِ

      منكِ الغيثُ ينسكبُ

      بغدادُ

      يا قلبَ أمي

      حين يسألُني

      كيف العراقُ؟أجيبي؟

      هل به نصبُ؟!

      أردُّ

      والبسمةُ الجذلى

      على شفتي

      إنَّ العراقَ

      إلى العلياءِ يُجتذَبُ

      من عظمهِ

      قد بنى جسراً

      ومن دمِهِ

      فأصبحَ الدربُ نحوَ القدسِ

      يقتربُ

      بغدادُ

      لولاك

      ما جفت مدامعُنا

      انتِ التي بيديكِ

      انثالَت الكُرَبُ

      دفءٌ بكفَّيك

      يكفي الكونَ

      لو بردتْ أوصالُهُ

      أن تمسيّه

      فيلتهبَُ

      بغدادُ

      هيا ادخلي التاريخَ

      إنّ به

      شوقاً إليك

      فأنتِ الروحُ للجسدِ

      هيا اخلعي عنكِ

      ثوبَ الحزنِ

      واغتسليِ

      بالعطرِ بالوردِ بالأحلامِ

      بالرّغَدِ

      هيا البسي ثوبَ عزٍّ

      ليس يملكهُ

      إلاك بغدادُ

      طولَ الدهرِ

      والأبدِ

      يكفيك فخراً

      إذا نادى الفراتُ ضحىً

      لبّاهُ دجلة

      قبلَ الفجرِ

      بالمددِ

      25/12/1995




      يا غابة السحر الجميلة

      بمناسبة زيارتي الثانية لباريس


      تتوهَّج الأنغامُ بين أصابعي

      وتصيُر نحلا

      يا غابةَ السحر الجميلةَ

      أيُ كون فيك هلاّ؟!

      باريسُ يا اسطورةً للفنِ

      للأحلام

      يا حزني الذي فرّتْ ضفائره ْ

      فصارَ الدمعُْ في عينيهِ كحلا

      باريسُ يا فرحاً تألّقَ

      في عيونِ العاشقينْ

      باريسُ يا خدراً تناثرَ

      من عيون المتعبينْ

      باريسُ يا كلّ الذي أهواهُ

      يا فرساً تحلّقُ في السماءْ

      باريسُ يا مطراً تعَطّرَ بالضياءْ

      باريسُ يا غمازةً للمجدِ

      للشوقِ المعتّقِ

      للمرايا

      لابتساماتِ للصغارْ

      باريسُ يا ليلا تعمّدَ بالنهارْ

      هذي أنا

      في قلبك الورديّ أنعمُ بالأمانْ

      أتسلقُ الغابات في عينيكِ

      أمرحُ في حدائقِ وجنتيكِ

      أرنو إلى ظلي الذي

      ألقيتُهُ في ساعِدَيْكِ

      باريسُ هلا زرت رام الله !!

      تلكَ الطفلةَ الخجلى الجميلةْ !!

      الشمعةَ البيضاءَ

      بين مخالبِ النيرانْ؟!

      الدمعةَ المحروقةَ الأهدابِ

      والأجفانْ ؟!

      النحلةَ المعطاءَ

      رغمَ القيد والسجّانْ؟!

      الزهرةَ المسروقةَ الكفيِنِ

      في قلبِ الخميلةْ ؟!

      باريسُ يا حرّيتي

      باريسُ يا أغنّيتي

      باريسُ ضُميني قليلا

      لأعودَ للوطن المسيّجِ بالظلامْ

      لأعودَ يا قمراً تأرجحَ فوقهُ قلبي ونامْ

      لأعودَ أغمسَ ريشتي بالحبِّ

      أصنعَ من ضياء عزيمتي

      شمساً تضيء

      وتغمرُ الدنيا سلامْ

      16/9/1997



      اليد الصغيرة


      بيدي الصغيرةِ

      أصنعُ القدرا

      وبرمشِ عيني

      أقطفُ القمرا

      طفلٌ أنا ما زلتُ

      يا وطني

      لكنَّ قلبي

      يقذفُ الحجرا

      حبي لأرضي

      باتَ يُشعلُني

      ناراً تلظّى

      تنفثُ الشررا

      ليلاً نهاراً

      أنتَ تُشعلني

      وتصيرُ عندي القلبَ

      والبصرا

      9/12/1998م



      الفجرُ القادم


      يا ربوعاً

      يشتاقُ لثمَ ثراها

      كلُّ طفلٍ

      قد أنجبتهُ رُباها

      مُستَباحٌ للغيِر

      عطرُ شذاها

      وسماها وماؤُها

      وهواها

      غيرَ انّ الفؤادَ

      يعشقُ حتى

      موتَهُ فوقَ أرضِها

      وثراها

      يعجزُ القلبُ

      ان يحبَّ سواها

      تعجزُ العينُ أن ترى

      إلا ها

      يا بلاداً – لا بأسَ –

      مهما ادْلهمَّ الليلُ

      فالفجرُ قادمٌ

      لرباها


      9/12/1998



      الشمعة

      في حنايا القلبِ

      كانتْ

      شمعةٌ تمحو الظلامْ

      لكن الدمعةَ لّما

      من عيونِ الحزنِ

      سالتْ

      شهقَ النورُ

      فحطَّ الموتُ في قلبي

      ونامْ

      الحلم

      منذُ ميلاد المسيحْ

      وأنا أحلمُ

      أن يأتيْ

      الفرحْ

      منذُ أنْ صرتُ الذبيحْ

      وأنا أرسمُ أحلاميَ بالدمعِِ

      وأقواسِ قُزحْ

      لأنه وطني

      رداً على قصيدة أخي الشاعر صخر حبش
      (ابو نزار) لكنه وطني

      *كل ما كتب بين قوسين فهو مقتبس من
      قصيدة لكنه وطني



      (1)

      "نهرٌ بلا ماء"


      مدريدُ ذاكرةٌ تعودُ

      إلى أساطيِر العذابْ

      مدريدُ اغنيةٌ بلا نغمٍ

      تبيعُ الماءَ في الزمنِ السرابْ

      خلعتْ ثيابَ الأمسِ

      واتشحتْ بأثوابٍ من البلورِ

      تكشفُ ما تبقّى من مفاتنِ عُريِها

      حتى القِبابْ

      مدريدُ صارتْ لوحةً

      مدريدُ صارتْ أُحجيةْ

      فيها أفاعي السحرِ

      تلتهمُ العصا

      فيها ينافقُ من ينافقُ

      والسياطُ لمن عصا

      فيها تُقَدَّمُ وجبةٌ للعرسِ

      من صدر القبيلةْ

      وتُصَبُّ فيها الراحُ

      من ثغرِ القتيلةْ

      مدريدُ صارتْ معبراً للزيفِ

      للتجديفِ

      للماضي الذي يروي حكاياتِ

      الشجنْ

      مدريدُ صارتْ نقطةً سوداءَ

      تغرقُ في متاهاتِ الوهنْ

      لكننّا لسنا جسوراً

      تحملُ الأعباءَ والأخطاءَ

      في هذا الزمنْ

      سنظلُّ رغمَ رخاوة التاريخِ

      نصنعُ من إرادتنا الخيوطَ

      نشدُّ اوتارَ الوَهَنْ

      لتضيء جبهة نهرِنا

      فيعود يعرفُ أين يجري

      عَبَر وديانِ الوطنْ

      (2)

      "اشتعالُ الحلم"


      ها انتَ تحلُمُ

      واشتعالُ الحلم نافذةٌ

      تُطلُّ على المقدَّرِ

      لا القدرْ

      هم يحبسون الحُلْمَ في قارورةٍ خرساءَ

      سَمَّوْها القدرْ

      هم يحلُمون بأننا

      لا نملكُ الحقّ الذي

      سيضمُّنا في المؤتمرْ

      قاماتُنا قَصُرتْ

      ومن أفواهنا خطفوا الحروفَ

      وصادروا منّا الحناجْر

      وعلى الرقابِ

      تثاءبتْ كالبرقِ ،آلافُ الخناجرْ

      لكنّنا لم ننسَ ،إنْ كنّا نسينا

      حقَّ الرجوعِ لشعبنا

      حقَّ الصلاةِ

      على ثرى الأرضِ الطهورْ

      أما قبابُ القدسِ

      والأقصى

      وكل مآذنِ الوطنِ الصبورْ

      ستظلّ ،كالبركانِ،تشعلُ ومضةَ

      الإيمانِ

      والتصميمِ

      فينا



      (3)

      "كأن شيئاً لم يكن"




      - من أين أنتَ؟!

      - ومنْ تكونْ؟!

      لغزٌ تلفَّعَ بالجنونْ

      فالعصُر هذا العصرُ يغرقُ بالمجونْ

      إنْ قلتَ إنكَ من فلسطينٍ

      تهونْ

      إن قلت انك لاجيءٌ

      أيضاً تهونْ

      فالعصرُ

      عصرُ القانعينَ بأنْ يكونوا كائنينْ

      مثل البضاعةِ

      يُصنَعونَ بدولةٍ

      وبدولةٍ أخرى تراهم يُشرونْ

      العرسُ في مدريدَ

      والقبلاتُ

      والترحيبُ

      غابَ عن الذّهونْ

      والبسمةُ الخضراءُ جفّت في العيونْ

      "فكأنّ شيئاً لم يكنْ "

      ما كانْ إلا ما أرادَ الغيرُ

      للوطنِ المقدّسِ

      أن يكونْ

      لا .لن يكونْ

      فالنارُ ما زالتْ تحدّقُ في العيونْ

      والغيمُ يحملُ ذكرياتِ الأمسِ

      للأغصانِ

      حتى لا تهونُ

      والليلُ يُقسمُ والنهارُ

      بأن نكونَ

      وأن نكونَ

      وان نكونْ



      (4)

      "البحثْ عن منفى "


      -ماذا تراهم احرزوا؟!

      -وطناً بلا وطنٍ ؟!

      جاءوا من المنفى إلى المنفى ؟!

      جاءوا من السجنِ الكبيِرِ إلى الصغيِرِ ْ؟!

      بَلى …

      عادوا إلى الوطنِ المسيَّجِ

      بالدموعِ وبالدماءْ

      عادوا إلى الأمِّ التي حلُمت بهمْ

      عندَ المساءْ

      عادوا بأيديهم شموعُ الكبرياءْ

      هم يمسحونَ دموعَنا ودماءَنا

      هانحنُ نمسحُ عن جباههمُ الغبارْ

      يدُهم تصفّقُ حينَ نرفعُ كَفّنا

      ومعاً نُغني للنهارْ

      لكنهمْ جاءوا إلى أقسى المنافي!!

      كيْ يستعيدوا للزهور أريجَها

      ولكي يُعيدوا الضوءَ للعينِ التي

      فرّتْ مساءً من محاجرِها

      وطارتْ في سكونْ

      لكنهمْ جاءوا إلى جسرِ الندامةِ !!

      بلْ إلى جسرِ السلامةْ

      فالأرضُ

      هذي الأرضُ

      قد طلبتْ أهاليها

      وهاهم يعبرونْ


      (5)

      "إمامُ العاشقين"


      قلبي على الشهداءِ

      هاهمْ ينظرونَ من الأعالي

      ساخرينْ

      الكلُّ يشربُ من دمائِهِمُ

      كؤوسَ الصلحِ

      في العصرِ الجديدْ

      عصرِ الترهُّلِ والتمرْجُلِ

      عصر أسياد عبيدْ

      قالَ المخّيمُ للمخّيمِ

      إنّ قلبي لا يُريدْ

      نبضاً جديدْ

      حباً جديدْ

      قالَ المخيّمُ للمخيّمِ

      أينَ أحلامُ البنيْن؟!

      فرّوا من الزمنِ المكبّلِ

      بالتعاسةِ والأنينْ

      صنعوا من المتراسِ

      والحجرِ المجنحِ

      آيةً للعالمينْ

      واستمطروا النصرَ المراوغ َ

      أيقظوا فينا الحنينْ

      يا أيها الطفلُ الذي يغفو

      بحضنِ الياسمين

      "هيا انتشرْ في الأرضِ

      لحمتك الإرادةُ

      والسداةُ وجيبُ قلبك َ

      يا إمامَ العاشقينْ"


      (6)

      "الأرضُ والسبل"


      "لا تقذفوا وطني من الشباك

      محمولاً على حتميّة التاريخَْ"

      لا تحذفوا شعبي من التاريخِ

      في وَضحِ النهارْ

      لا تقذفوا التاريخَ من بوّابة الماضي

      ليغرقَ في متاهات الشَجاَرْ

      لا تشربوا ماءَ الخراَفةِ

      من صنابير التتارْ

      لا تجرفوا الغيمَ المجلّلَ

      بالمعاولْ

      لا تصنعوا خبزَ التقرُّبِ

      من دموعِ الأمّهاتْ

      لا تغزلوا حبلَ المودّة بالمغازلْ

      فالأرضُ تطحنُ قمَحها

      والأرض تشربُ دمعَها

      والأرضُ تصنعُ من ظلامِ الظُّلمِ

      نبعَ المعجزاتْ

      نورٌ على نورٍ يُطلُّ الغيمُ

      ينبىءُ بالمطرْ

      وسنابلُ القمحِ الطريّة ِ

      تحتمي بالأرضِ

      تحميها

      وتسكبُ في أناملها القدَرْ

      لا وقتَ للأحلامِ

      والأوهام

      في زمنِ التقوقعٍِ للمصيرْ

      " فالأرضُ لا يُعطي ملامَحها

      سوى شعب بطلْ

      والقمحُ لا يُعطي بلا أرضٍ سبلْ"

      واللهُ يُعلنُ في سماء الغيبِ حكمتهُ

      على كلّ البشرْ

      من قلب سنُبلةٍ

      تحلّقُ رايةُ النصرِ الكبيرْ



      (7)

      لأنه وطني


      هذا الذي يرنو بلا عينين

      من خلفِ المواجعِ والجراحْ

      هذا الذي يمشي بلا قدمينِ

      في سجنٍ براحْ

      هذا الذي لا حدِّ للأشواقِ في عينيهِ

      كي يلدَ الصباحْ

      لا تخذلوهُ لأنه وطني

      لا تهجروهُ فإنه سكني

      لا تتركوهُ لعاديَ الزمنِ

      يا أنتَ يا وطني

      ها نحنُ قد جئناكَ

      عبَر الموتِ

      عبرَ القهرِ

      عبرَ الأسرِْ

      ها نحنُ قد جئناكَ

      عبرَ خرافةِ التاريخِ والتزييفِ والأوهامْ

      ها نحن قد جئناكَ

      عبَر شواطيءٍ عطشى للونِ الماءْ

      ها نحنُ قد جئناكَ

      عبر ثقوب أجسادِ الفدائيينَ

      والشهداءَْ

      ها نحنُ قد جئناكَ

      رغمَ القيدِ

      رغم َالقيظِ

      رغم َالغيظْ

      في القلبِ أغنيةٌ

      وفي العينين نافذةٌ

      تصبٌّ الضوءَ شلالاً منَ الأحلامْ



      (8)

      " البحرُ سوفَ يقوم "



      من قال إنّا لا نزالُ بلا وطنْ ؟!

      من قال إنّ الموتَ أسلَمَنا

      إلى فكِّ الزمنْ؟!

      من قال إنّ ترابنا لم يغتسلْ بالكبرياءْ ؟!

      من قال إنّ القدسَ تصنعُ خبزَها

      من غيِرِ ماء ؟!

      من قال إنّ البحرَ يسقطُ

      في شرايينِ الفناءْ ؟!

      من قال إن الارضَ

      قد تعبتْ من الدّوَرَانِ

      في قلبِ الفضاء ْ!!

      لا تبتئسْ يا بحرْ

      فالقدسُ لا زالتْ تصلي الفجرَ

      في عزّ الحصارْ

      والقدسُ لا زالتْ تلمُّ الشملَ للأحبابِ

      في عزّ النهارْ

      يا أيها الشعبُ المعذَّبُ

      في ثنيّات السجونْ

      يا أيها الشعبُ الذي

      قهرَ المنونْ

      لا تبتئسْ

      "فاصخرُ آت .. والفجرُ آت

      والبحرُ سوفَ يقومُ كالبركانِ

      من تحت الرفاتْ "

      والأرضُ تنهضُ مثلَ عنقاء الرماد ْ..

      "ومن نشيدِالفتحِ تبتدئُ الَحياةْ"

      تعليق


      • #4
        []زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه



        قولي للرمل



        قولي للرمل

        أحلام فلسطينه

        ملحمة الحب والفداء

        في فم المجد

        الدم الفلسطيني

        وطني تقاتل أنت وحدك

        بفقدك صار للموت اشتهاء

        نابلس تصعد فوق الجراح

        يقف المجد فاغرا منك فاه

        القدس على مرمى حجر

        الموت في حضن الوطن

        الشوك في بلدي يغني

        ضمي خصور الندى

        اغنية إلى الانتفاضة


        [] قولي للرمل



        الإهداء

        إليها

        إلى التي لا تكفي كل الكلمات الحلوة

        لأن تكون أوصافاً لها

        إلى أمي ..

        بمعناها الحقيقي

        وبمعناها الرمز …




        زينب


        حالات قليلة يكون دور الشعر فيها بلورة اللحظة الحاضرة ،وتغدو الكلمة مغامرة اللغة في مجاهل جديدة للفعل ،إنّها لحظة الفعل الجماعي ،الصوت الجماعي ،الإيقاع الجماعي .. ذلكم حين يكون الجرح جماعياً ……


        الشعر في هذا الزمان تراويد جنوبيّة … تلتمس السفر في معارج الروح وتجتلي النقاء في بكائية الجرح ودمعة الكبرياء … انه خيوط إنسانيتنا المشتهاة نلفّها بعزم العشاق على بذرة بقائنا ،فإذا أيقنا أن الشراع قد عانق الرياح وأن الزيتونة الشرقية قد أوقدت قناديلها … آنئذ … نحلم بميلاد الإنسان .. ميلاد الكلمة .


        تقولين : أحلامنا كبرت

        ورغم فداحة الأحزان

        سوف تظل تكبر ….


        ونقول كلنا نعم … لأن الحلم دوحة الروح في زمن التيه والمراوغة ،الحلم يا أختاه هو حقيقتنا التي نجتليها في عيون أطفالنا ونوافذ بيوتنا "الناطرة" عودة الغياب … لا لم يعد الحلم سلوى المقعدين بل حقيقة الذين يصافحون الشمس رغم لفح الظهيرة وانثيال الدعامات …


        غناؤنا ليس ندباً … ولا هو ضجيج الإعلام الرخو ،انه من جديد صيرورة الفعل وذبذبات القلوب المسكونة بهاجس الحرية ،وشهادة لأجيالنا الآتية بأننا أوقدنا للعز مشعلاً يوم اسودت وجوه القوم ،وأظلمت نفوسهم ،وحسبنا أن قد صح منا العزم …


        عبد الكريم خشَّان

        جامعة بير زيت




        قولي للرمل

        إلى روح الشهيدة دلال المغربي

        الاسمُ دلالْ

        والعشقُ دلالْ

        والحبّ الأسطوري

        دلالْ

        من قلبك كانَ العمرُ

        زوالْ

        والفرحةُ كانتْ في العينينِ

        خيالْ

        يا أختي

        كيف أزلتِ الصخرةَ

        عن صدرِ بلالْ ؟

        يا أختي

        ليست أبا بكرٍ

        لكن الأرضَ الكانتْ تحتَ الصخرةِ تتلوى

        ولدتْ أبطالْ

        لم أبكِ أنا

        لا ….لم أحزنْ

        بيدْيك أضأتِ ظلامَ القلبِ

        فصارَ القلبُ هلالْ

        صارتْ صورتك الحلوةُ في عينيَّ

        فلسطيناً

        صارتْ قمراً …نغماً…. موّالْ

        يا أختُ دلالْ

        قولي للرملِ صباح الخيرِ

        يصيرُ الرملُ … جميعُ الرملِ

        رجالْ


        1980م


        أحلام فلسطينية

        (1)

        كما يلتحمُ القضاءُ بالقدرْ

        كما تذوبُ التربةُ السمراءُ

        حينَ تَلْثُمُ المطرْ

        كما تغيبُ النجمةُ الشقراءُ

        حينَ يضحكُ القمرْ

        أذوبُ فيكْ

        أغيبُ في عينيكْ

        أصيرُ شرياناً في قلبكَ الكبيرْ

        يا وطني

        (2)

        يا غُنوةً تعزفُها السماءْ

        فترقصُ الطيورْ

        وتفرحُ الأشجار والزهورْ

        ويركضُ الأطفال في كرومِ اللوزِ

        والزيتونْ

        وتهمسُ العيونُ للعيونْ

        (3)

        أحلمُ لو يا وطني تصيرْ

        عُشاً جميلْ

        يرنو إليهِ كلُ بلبلٍ مهاجرٍ

        من شعبكَ الأصيلْ

        (4)

        أحلم لو أصيرْ

        سنبلةً خضراءْ

        وقطرةً من ماءْ

        وقبضةً من الترابْ

        (5)

        أحلمُ لو يا وطني

        تصير موطني إلى الأزلْ

        ولو أصير وردةً حمراءْ

        تَفرِشُ دربَ القادمينْ

        بالحبّ والأملْ

        (6)

        أحلمُ لو أصيرْ

        قنبلةً تُفَجّرُ الضياء

        وتزرعُ الحنانَ والفرحْ

        في كلّ قريةٍ وكل دارْ

        في عالمٍ لا يعرفُ الشقاءْ

        والحقدَ .... والدمارْ

        (7)

        أحلمُ لو يا وطني أصيرْ

        عوداً من الثقابْ

        يلثمُ كل شمعةٍ مرفوعةِ الجبينْ

        تحلمُ أن تشدو

        لمولد ٍجديدْ

        لعالمٍ يعانقُ السحابْ

        فيغرقُ الترابُ بالأعشابْ

        (8)

        أحلمُ لو أصيرْ

        فراشةً تُلوّنُ الحقولْ

        تضحكُ للضياءْ

        تقبّلُ الأزهارَ في الصباحِ والمساءْ

        وتغدقُ العطاءْ

        تبسمُ للأطفالْ

        وترسمُ التاريخَ للأجيالْ

        (9)

        أحلمُ لو تصير الكرةُ الأرضيّةْ

        أُغنيةً شعبيّةْ

        يُطلقُها الصغارُ والكبارْ

        في رحلةِ الحياةْ

        في الأعراسِ

        في الأفراحِ

        في الأعيادْ

        وفي مواسمِ الجمالِ والحصادْ

        (10)

        أحلم لو يا وطني تصيرْ

        أغنيةً تعزفها السّماءْ

        للأرضِ

        للبشرْ

        لكل ما في الكونِ من حياةْ

        فتصدقُ الأحلامْ

        وَيَغْرقُ الظلامُ في الظلامْ

        ويفرحُ القمرْ

        ويلعبُ الأطفالُ في كرومِ اللوزِ

        والزيتونْ

        وتضحكُ العيونُ ... للعيونْ


        1980

        ملحمة الحب والفداء



        إلى روح الشهيد بسام حبش

        الذي منح وسام فلسطين

        من الأخ القائد أبو عمار

        (1)

        بسامْ

        يا فارسَ الأعراسِ في شريان أغنيةٍ

        تغنيها بناتُ الحورِ

        للبطل الذي بدمائهِ روّى عبيرَ البرتقالْ

        قالتْ صبايا الحورِ

        يا أحلى البناتْ

        هيا نرشّ الدربَ بالوردِ

        وبالمسكِ

        وأحلى الأغنياتْ

        (2)

        ومضى الموكبُ

        والفارسُ بينَ الناسِ

        أحلاهمْ

        وأعلاهمْ جبينْ

        "قالتْ بنات الحورْ مرحبابُهْ

        عريْسنا ما هو عريسْ احبابُهْ

        قالت بنات الحورْ أهلا وسهلا

        عريْسنا زينِ الشبابْ وأحلي

        يا بناتِ الحورْ رنينْ الجرسْ

        يا بسامْ عريس هيئنْ لُهْ الفرسْ"

        (3)

        كانت الزفةُ قد سارتْ

        من المهدِ

        الى اللحدِ

        وكانْ

        قمَرُ القريةِ شاحبْ

        وعلى دقّاتِ قلبِ الليلِ

        سارتْ قدمايْ

        يا عيونَ الفجرِ هِلي

        قد بدا عرسُ الشهيدْ

        احملي الأفراحَ للأهلِ

        ورشي الأرض أحلاماً

        ووردا

        لا تقولي كانَ بسامٌ حبيبَ الناسِ

        كلّ الناسِ

        قولي

        إنهُ رفةُ هُدّبٍ

        يحملُ العبءَ عَنِ الأزهارِ

        والأنهارْ

        ويرد

        ّالموتَ عن أحبابِهِ الأطفالِ

        رداً

        (4)

        هذهِ كفّي هديةْ

        احرثوها

        تجدوا النصرَ يغنّي

        في بقايا بندقيةْ

        إزرعوها

        تجدوا مرجاً من الأحلام يخضّر على الزندِ

        اشربوها

        تغرقوا في النهرِ والبحرِ

        أبحثوا عن فرحِ القلبِ يغني

        في يدي

        واسمعوا كيفَ الزغاريدُ كزخات المطرْ

        (5)

        إنهُ عمر الزمانْ

        بين دربي والنهارْ

        يقفُ التنينُ عملاقاً يسدّ الدربْ

        بين عمري والقمرْ

        يقفُ الجلادُ كابوساً يشلّ الخُطُواتْ

        بينَ دربي والحبيبْ

        يقفُ الكابوسُ جلاداً رهيبْ

        (6)

        خذ عيوني لكَ يا شعبُ

        هديةْ

        من رموشي

        تنسجُ الحُلواتُ (كنزاتٍ)

        لروادِ السجونْ

        من ضياءِ العينِ

        شمعاتٍ

        لطلابِ المدارسْ

        من جفوني

        اقطفوا الأزهارَ

        رشّوها على دربِ الفوارسْ



        (7)

        هذي أغاني القلبِ

        يا وطني

        لها لونُ الجداولْ

        لا تحصدوها اليومَ

        حتى تغمرَ الأرضَ السنابلْ

        القمحُ ينضجُ في الغدِ الآتيِ

        فخلوا أغنياتي

        لا تبذروها للرياحِ

        ففي غدٍ تأتي البلابلْ

        "وغداً لناظره قريبْ"

        (8)

        كانت شوارعنا مضيئةْ

        فلبستُ كوفيتي الكبيرةَ

        رحتُ أشدو للجراحْ

        سقطتْ على جُرحي قُرُنْفُلةٌ جريئةْ

        أخفيتُها في عُرْوَتي

        ومضيتُ أشدو للصباحْ

        (9)

        الموتُ ليسَ يطيعني

        والدربُ للأوطانِ صعبةْ

        وبنادقُ الأحباب والأعداء

        تبني بيننا سداً وغُربةْ



        (10)

        هِيَ

        رحلةُ الدّم

        كلما طالتْ تطولُ الأغنياتْ

        هيَ رحلةُ الموتِ السعيدِ

        تزفّهُ أحلى البناتْ

        هي رحلةُ الدّمِ

        يا دمائي

        يا حقول القمحِ

        يا غيماتُ

        يا زَهرَ البنفسجِ

        يا ربيعْ

        هذا زمانٌ للعطاءْ

        هذا زمانٌ للفداءْ

        (11)

        آمنتُ أن الحزنَ يفرحُ للمطرْ

        مثل السنابلْ

        آمنتُ أنّ الدمعةَ الحرّى

        لها عنفُ السلاسلْ

        (12)

        آمنتُ بالحبّ الذي

        يجري جداولَ

        في فمي

        آمنتُ أن الحبّ لا بالحبرِ يُكْتَبْ

        الحبّ يُكتبُ بالدمِ

        (13)

        آمنتُ أن الوردَ

        يضحكُ للنهارْ

        وبأنّ أعراسَ البطولةِ

        لا يشوهُها الغبارْ


        1980


        في فم المجد


        إلى روح والدي

        في فم المجدِ

        بسمةَ تتلالا

        وعلى هامه

        تظلّ سؤالا

        تجتليك القلوبُ

        قرباً وبعداً

        وتراكَ العيونُ

        رمزاً .. مثالا

        أنتَ للحبّ حزمةٌ

        من ضياءٍ

        تغمرُ القلبَ ..

        تعشقُ الأطفالاَ

        أنتَ للكبرياءِ

        خيرُ رفيقٍ

        ولحسنِ الجوارِ

        أقربُ حالا

        قلبُكَ الشهمُ

        ضمّ شعباً

        وأبقي

        لفلسطينَ حبّهُ سيالا

        أنتَ فيضُ الحنانِ

        يا خيرَ جدٍ

        يا مناراً ..

        أسطورةً ..

        يا رجالا

        لفلسطينَ

        كنتَ أفضلَ من أعطى

        أبناءهُ الأبطالا

        يفخرُ المرءُ

        حين يعطي شهيداً

        أنتَ قدّمتَ للفدا

        أجيالا

        أنتَ علمْتنا

        نسيرُ إلى المجدَ

        بخطوٍ

        لا يعرفُ الاجفالا

        في يديكَ الأحلامُ

        تُزهرُ ورداً

        والأماني

        تصيرُ ماءً زلالا

        في فم المجدِ

        صرتَ لحن خلودٍ

        أصبحَ اللحنُ وحدهُ

        تمثالا

        5/8/1984



        الدم الفلسطيني

        (1)

        تقفُ المجازرُ

        بين أحلامي آمالي الكبيرةْ

        وأرى دماءَ القلبِ

        في "صبراً"

        تناجي الدمعَ

        في عينيْ "شاتيلا"

        لا بأسَ

        ليستْ هذه الأولى

        ولن تبقى الأخيرةْ

        (2)

        أحلامُنا كبرتْ مع المأساةِ

        فالمأساةُ زادُ العمرِ

        في هذا الزمانْ

        لم يبقَ ما نخشى عليهِ

        دماؤنا تجري وتركضُ في الشوارعْ

        فتسابقُ الأنهارَ

        تظفر بالكؤوسِ الصفرِ

        تصهل

        تحملُ الراياتِ

        تغرسها على الهاماتِ

        تبصقُ

        في وجوه الجالسينَ على العروشْ

        الشاربينَ الذلّ

        في قلبِ المضاجعْ

        (3)

        أحلامنا كبرت مع المأساةِ

        والمأساةُ تكبرْ

        ودماؤنا تغزو الفضاءَ

        تعرجُ

        ترسل المطرَ المقدّسَ

        فوق أحضان الحقولْ

        الأرضُ تشربُنا

        الأرضُ تشربُنا وتشربُنا وتشربُنا

        للنبع طعمُ دمائِنا

        للخبزِ طعمُ دمائِنا

        للموزِ للتفاحَ للعنبِ المجففِ

        للسبانخ للبقولْ

        طعمٌ فلسطينيّ

        (4)

        أحلامُنا كبرتْ معَ المأساةِ

        والمأساةُ تكبر

        أعداؤنا يتناوبون الدورَ

        والمطلوبُ أنْ

        لا أن نكونْ

        دمُنا استُبيحَ

        فراحَ يروي الأرضَ

        في الوطن الحبيبْ

        في الشرقِ

        في الغربِ المراوغِ

        في بلاد العمّ سامْ

        دمُنا الزكيّ

        يصيرُ مشروباً (لذيذاً)

        فوقَ مائدةِ السلامْ

        (5)

        أحلامُنا كُبرتْ مع المأساةِ

        والمأساةُ تكُبرْ

        لكنّ أطفالَ الحجارةِ يرفُضونْ

        ويرفُضونَ ويرفضونْ

        لكن أبطالَ الحجارةِ

        يقلبونَ الدورَ

        يمحونَ المقدّرَ بالدماءْ

        "جالوتُ" عادَ إلى الحياةِ

        وعادَ "داودُ" الصغيْر

        لكنْ بألقابٍ جديدةْ

        "جالوتُ" لا تفرحْ كثيراً

        فالطفلُ أحمدُ

        سوف يفقأُ عينكَ الأخرى

        بمقلاعٍ صغيرْ

        وأخوهُ أسعدُ

        سوف يرفعُ العلم المرفرف في السماءْ

        والطفلةُ السمراءُ تحريرٌ

        ستلعبُ في شوارِعِنا السعيدةْ

        (6)

        أحلامُنا

        كبُرتْ

        ورغمَ فداحة الأحزانِ

        سوف تظلّ تكبًُرْ

        ودماؤنا صارت رياحيناً

        وعنبَرْ

        خرجَ الفلسطينيّ من قلبِ الجِراحِ

        وصاحَ في وجهِ الطغاةْ

        الله أكبرْ

        الله أكبرْ

        الله أكبرْ

        (7)

        لا بأسَ

        نحنُ اليومَ أطفالٌ

        ولكنّا سنكبُر

        وغدا

        سنصنعُ حُلمنا الغالي بأيدينا

        ونرفعُ رايةَ النصرِ المؤزّرْ

        فلتبسمي أرواح شاتيلا وصبرا

        فلتبسمي أرواَحَ كلّ الأبرياءْ

        دمكمْ يصيرُ مواكباً

        نغماً

        وألواناً

        تزيّنُ دربنا المفروشَ ألغاماً ونارْ

        دمكمْ

        يطرّزُ

        من ظلامِ الليلِ والأحزانِِ

        أغنيةََ النهارْ


        1988


        وطني تقاتل أنت وحدك



        (1)

        وطني

        حملتك في عيوني بيدراً

        يحمي السنابلْ

        وعلى رموش الشمسِ

        أشعاراً تقاتلْ

        وعلى جبينِ الفجرِ

        يا وطني

        وملءَ حقائب الأطفالِ

        أحلاماً أعلاماً

        تناضلْ

        (2)

        وطني

        سياجي أنتَ

        فيكَ أحاصِرُ المحتلْ

        أرفضُهُ

        وأشنقُ حلْمَهُ الأزلّي

        حلمهُ الفاشيَ

        أشنقُهُ

        بتغريدِ البلابلْ

        (3)

        وطني

        تقاتلُ أنتَ وحدَكَ

        أنتََ وحدَكَ

        أنتَ وحدَكَ

        بالحجارةْ

        وطني

        بكفكَ تقذفُ المقلاعَ

        في عينِ "الحضارةْ"

        (4)

        وطني

        رأيتكَ في حقيبةِ طفلةٍ

        حجرا

        رأيتكَ في مدارسنا

        رأيتكَ في معاهدنا

        رأيتكَ في مساجدنا

        رأيتكَ في كنائسنا

        رأيتك في أزقتنا

        رأيتك في الشوارعِ

        خنجراً ضجرا

        وفي قلبِ المخيمِ

        تلثُمُ القمرا

        (5)

        وطني

        خذني إلى كفّيْكَ

        سنبلةً

        تُغَردُ للصباحْ

        خذني إلى جَفنيكَ

        كفاً

        تمسحُ الحزنَ المعَتْقْ

        خذني إليكَ

        ضمادةً

        تُخفي الجراحْ

        خذني ابتسامةَ طفلةٍ

        تروي حكايةََ حُبها

        بدمٍ تدفّقْ

        (6)

        وطني

        تصير فراشةً

        فأركضُ خلفها بينَ الغيومْ

        وتصيرُ يا وطني

        شُعاعاً

        تختفي فيهِ النجومْ

        وتصيرُ بينَ مفارقِ التاريخِ

        أغنيةً

        يُغنيها الصنوبرُ للبلابلْ

        وتصيرُ تلميذاً

        يطاردُ ثلّةَ الغربانِ

        يقتحمُ القنابلْ

        آهٍ من الحبّ الذي لولاكَ

        يا وطني

        لولاكَ

        ما كنّا بلا شيءٍ

        نقاتلْ

        (7)

        آهٍ من الحبِ الذي لولاك يا وطني

        لما كنا نطاردُ جيشهم

        عَبْرَ الرصاصْ

        لولاكَ يا وطني

        لما كنا حملنا في الأكفِّ

        دماءَنا

        ولما حملنا في القلوبِ

        جراحنا

        ولما منعنا الدمعَ أن يجريْ على وَجَناتِنا

        (8)

        يا أيها الوطنُ المسافرُ في أنامَلنا

        وفي أحلامِنا

        وبين رموش أعيننا

        وفي طيّاتِ ذاكرةِ

        تخبؤها جدائلُنا

        إلى أين المفرّ منكَ؟

        إليكْ

        منكَ ... إليكَ

        منكَ ... إليكْ

        (9)

        يا موطني

        لا وقت عندي للكلامِ

        فخذْ سواري

        كل القيودِ كرهتُها

        حتى القلائدَ والخواتمْ

        خذها

        وهاتِ بها انتصاري

        (10)

        يا أيها الوطنُ الحبيبُ

        اخلعْ ثيابَكَ

        وانفض الحزنَ المعششَ

        في جداولك الصغيرةْ

        يا أيها الوطنُ الحبيبْ

        اضربْ بفأسكَ

        ينبجسْ مليونُ ينبوعٍ

        من الدم والقرُنفل

        واغمسْ بكفكَ

        واطعمِ الجوعى

        وهاتِ الفيء

        في عز الظهيرةْ

        (11)

        يا أيها الوطنُ المقدسُ

        لا تقل لي أخوةٌ

        فاللهُ واحد

        والحبْ واحدْ

        والموت واحدْ

        وأراكَ يا وطني المقدّسَ

        واحداً

        كاللهِ ... واحدْ

        بفقدك صار للموت اشتهاء

        إلى روح أبي الطاهرة

        ثمانون مضتْ

        والقلبُ طفلٌ

        وروحُكَ شمعةٌ

        تمحو الضلالا

        حديُثك عنبرٌ

        ودعاكَ مسكٌ

        وصار حنانكَ الثرّ

        مثالا

        يحبكَ كلُّ طفلِ

        كلُّ شيخ

        وكلُّ صبيةٍ

        تدعوكَ خالا

        بفقدِكَ

        صارَ للموتِ اشتهاءٌ

        وصارَ الموتُ

        ينبوعاً زلالا


        5/8/1984


        نابلس تصعد فوق الجروح

        ذكرى مجزرة نابلس/ 16/12/1988

        مدينةَ الضياءِ

        والعطاءِ

        والحنانْ

        أسطورةَ الزمانْ

        في القلبِ

        تصعدينَ

        في توهّج النهارْ

        وتحملينَ

        في يدٍ

        غصناً من الزيتونْ

        وتحملين باليد الأخرى

        حقيبةً

        مملوءةً أقمارْ

        وفوقَ وجنتيكِ

        تقطرُ الدماءْ

        تنبع الدماءْ

        تصبّ في حناجرِ البركانْ

        في القلبِ

        ترحلينَ

        يا دموعَنا

        في القلب ترحليْن

        وعَبْر غابة الدخانِ

        تعبرينْ

        وفي الضلوعِ حسرةٌ

        وفي العينينْ

        سحابةٌ

        تظلّلُ الرّدي

        وتحرقُ الجفنينْ

        يا بلدةً

        حافيةً

        تركض فوق النارْ

        يا بسمةً مسروقة ً

        في قبضةِ التتارْ

        يا نجمة ً ضائعة

        في دفتر التاريخِ والأحزانْ

        تبحثُ في سطورهِ

        عن اسم أمهّا

        ورقْم بيتها

        وعن أقارب لها

        وعن عنوانْ

        لعلّها تصعدُ

        من مناجمِ الفحمِ

        ولوعةِ الجراحْ

        إلى منابع الفجرِ

        معَ الصباحْ

        لا بأس يا حبيبتي

        فأنتِ رغم الحزنِ

        رغم َ الدمعِ

        رغمَ الموتِ

        تصعدينْ

        رغمَ الظلامِ

        تصعدينْ

        رغمَ الجنونِ القاتلِ

        اللعينْ

        أراك تصعدينْ

        ومن ظلالِ الليلِ والآلامِ

        تغزلينْ

        راياتِ نصرنا المؤزرِ المبين

        لا بأس يا حبيبتي

        يا زهرةً

        مغروسةً

        في عروة ِالبطولةْ

        يا طفلةً

        محروقةَ الخديْنِ

        والجديلةْ

        تقاتلُ المحتملّ

        بالأسنان

        بالأضراسِ

        بالحوافرْ

        يا وردةً

        تفقأ أعينَ الغربانِ

        بالأظافرْ

        أيتها المدينةُ التي

        أحببتهُا كثيرا

        وفوقِ أرضها لعبتْ

        وفوق صدرها غفوتْ

        وعندَ ظلّ صخرِها النديّ

        كم حلُمْتُ

        كم حلمتْ

        تحيتي إليك

        يا قدوةً في الحربِ والسلامْ

        يا ثورةً

        عاصفةً

        صاحيةً تظلّ لا تنامْ

        يا أنتِ يا حبيبتي

        أراكِ

        تخلعينَ ثوبَكِ القديمَ

        ترتدين ثوبَكِ الجديدْ

        وتستحمينَ

        بينبوعٍ من النبيذْ

        وتكتبين فوقَ جدرانِ البيوتْ

        بالدّمّ ِ

        تاريخاً لشعبِ

        رائعِِ الأفعالِ

        حيِّ

        لا يموتْ


        1988


        ما الذي لا يغيظكم

        تعتقلونَ كلّ ما لنا

        تعتقلونَ خبزَنا وماءَنا

        وزيتَنا وعُلبةَ الحليبْ

        تصادرونَ ما تحملُهُ جيوبنُا

        وتخنقونَ النبضَ في قلوبنا

        وتزرعون الرعبَ في الدروبْ

        وتمنعوننا من الصلاةِ في الصباحِ والمساءْ

        وتبطلونَ قيمةَ الأشياءْ

        "لا شيءَ تملكونهُ

        لا شيءْ

        نحنُ الذينَ وحدَنا

        نملكُ كلّ شيءْ

        تعتقلونَ كلّ من يسيرُ في الشوارعْ

        وتقتلونَ كلّ ما يسيُر في الشوارعْ

        من الدوابِ

        والأنعامِ

        والخراف

        والشجر

        ولا تفرقون بينَ ما تَرَوْنَهُ

        وتُطلقون حقدكم حتى على القمر

        حياتنا تُغيظكُمْ

        وموتُنا يغيظكمْ

        وَرَفةُ الأهدابِ في عيونِنا السوداءْ

        تغيظكم

        زهورُ مائِنا التي تلاعبُ الفراشَ في حاكورةِ البيتِ الصغير

        تغيظكمْ

        خرير مائنا يعانقُ الغَدير

        كأنه ينزفُ من عُروقكمْ

        وأغنياتُ الروضِ وابتسامةُ الندى

        تطيّرُ الأحلامَ من عيونكمْ

        وخربشاتُ النحلِ أشواكاً تصيرُ في حلوقكمْ

        ولحمُنا

        وعظمُنا

        وكلّ ما تضمّهُ قلوبنا

        وكلّ ما تحملُهُ عقولُنا

        وكل ذكرياتِنا

        تطيّرُ النّعاسَ من جفونكمْ

        زغرودةُ الشهيدِ في حناجرِ النساءْ

        تغيظكمْ

        ولادةُ الأطفالِ حيثُ يحبلُ المساءْ

        تغيظكمْ

        ومنظرُ الصغارِ يقرأونَ يكتبونَ يلعبونْ

        يغيظكمْ

        ورؤيةُ الشبابِ والشيوخِ يحلمونْ

        تغيظكمْ

        وثوبُ جارةٍ لنا مطرزٌ برايةِ الوطنْ

        يغيظكم

        وشارةُ النصرِ على أصابعِ الزمنْ

        تُغيظكمْ

        فما الذي – بالله – لا يغيظكمْ؟!!

        31/3/88


        يقف المجد فاغراً منك فاه

        إلى روح والدي

        يقفُ المجدُ

        فاغراً منكَ فاهُ

        يا ضياءً

        يذوبُ فيه الضياءُ

        فيكَ للموتِ

        هيبةٌ وجلالٌ

        وجمالٌ

        ورونقٌ وبهاءُ

        يا عطاءً

        في موسم الجدبِ

        وبحراً

        يرنو إليه العطاءُ

        أنتَ

        لستَ المقضيّ يوماً إليه

        حاجة

        كنتَ أنت القضاءُ

        أنتَ منا القلوبُ

        يغمرها الحبُّ

        وأنتَ الأفراحُ

        أنتَ الهناءُ

        لم تغبْ لحظةً

        عن العينِ والذهنِ

        فأنتَ الوجودُ

        أنت البقاءُ

        13/8/1984



        القدس على مرمى حجر


        ردا على عبارة الأخ القائد أبو عمار"الدولة على مرمى حجر"

        وطني

        قُبّرة تتغنى

        وتُصلي

        ليلاً .... ونهارْ

        وطني

        يا أجملَ عُصفورٍ

        يكتبُ عنا

        أحلى الأشعارْ

        وطني

        يا جنةَ فردْوسٍ

        في عَيْنَيها

        يحلو الإبحارْ

        آهٍ يا وطني

        يا وطني

        يا زينةَ كّلِ الأقطارْ

        خذني

        لرموشكَ سنبلةًً

        ولثوبكَ

        خذني زنارْ

        خذني

        لعيونكَ مكحلةًً

        ولشدوكَ

        خذني قيثارْ

        خذني

        لجبينكَ إكليلاً

        من زيتونٍ

        من شجرِ الغارْ

        يا بسمةَ وعدٍ

        يا أملاً

        يحملني

        عَبْرَ الأقمارْ

        وطني

        يا باقةَ شَقيقٍ

        تُسقى

        بدماءِ الأحرارْ

        وطني

        ياقارورةَ عطرٍ

        نزفتها

        أجسادُ الثوّارْ

        أسطورةَ هذا العصرِ

        تصيرُ

        أيا وطناً

        شقّ الإعصارْ

        حملتني

        عبْرَ الموج إليكَ

        فراشاتٌ

        ضدّ التيارْ

        لا الحقدُ القاتلُ

        أخرها

        لا الموتُ

        ولا طول المشوارْ

        وطني

        يا ناراً تتلظّى

        تحرقُ أحلامَ الأشرارْ

        مقلاعٌ

        يسبقُ مقلاعاً

        والشعبةُ

        مثل الشناّرْ

        "داودٌ"

        يقتل"جالوتاً"

        بالحجر الوطنيّ الجبارْ

        بزجاجةِ نارٍ

        حارقةٍ

        في كفّ غلامٍ

        مغوارْ

        بطفولةِ شبلٍ

        لم يحبُ

        في المهدِ

        وساحاتِ الدارْ

        باللهفةِ

        في شَفَتَي أمّي

        كثغاءِ الحَمل الثرثارْ

        يا أمي

        هاهم أولادُكْ

        جاءوا

        كالسيِل الهدّارْ

        أزهارٌ

        تعشق أزهاراً

        ونجومٌ

        تعشقُ أقمارْ

        جاءوا

        من كلّ بقاعِ الأرضِ

        ومن أعماق الأقطارْ

        في كلّ جبينٍ

        زنبقةٌ

        تروي للمجد الأخبارْ

        جاءوك

        عواصفَ من فَرَحٍ

        ونسائمَ وعدٍ

        وفَخَار

        لا تبتئسي

        فالنصرُ لنا

        يا أمي

        رغمَ الأقدارْ

        دربي

        مفروشٌ

        يا وطني

        بالشوكِ اللاهبِ والنارْ

        يحكي للعالم

        قصّةَ شعب

        عشق الحُريةََ

        فاختارْ

        يا وطني

        لا تحملْ همّاً

        فالنصرُ

        قريبُ المشوارْ

        والقدسُ

        على مرمى حجرٍ

        والدولة ُ

        صارت

        في الدارْ

        1990


        الموت في حضن الوطن


        ذكرى مجزرة عيون قارة 20/5/1990

        كنتُ وحدي

        أحملُ الحبّ بكفي ... وأسيرْ

        أحملُ الحزنَ بقلبي... وأسير

        فالدمُ المسفوحُ من جرحي غزيرْ

        والظلامُ اشتدّ

        والجوعُ مساميرٌ

        وبردُ الصبحِ في غزةَ قاتلْ

        وأنا وحدي قتيلٌ

        يرتدي زيّ مقاتلْ

        سرتُ وحدي

        أحضن الأطفالَ

        أستلهمُ من دفءِ البراءةْ

        ومعي لا شيءَ إلا أعينٌ ظمآى لوهج الشمسِ

        في يافا الحبيبة ْ

        سرتُ وحدي

        ومعي لا شيء إلا ذكرياتٌ حلوةٌ

        تروي ترابَ الأرضِ بالحبّ ِ

        وبالأحلامِ

        والشوقِ المعُتّقْ

        وبينبوعٍ من الوردِ تدَفقْ

        وابتساماتِ العصافيرِ التي

        فرّت من الأقفاص قبلَ الفجرِ

        واستولّتْ على الأفقِ الذي بالموت يغرقْ

        سرتُ وحدي

        في يدي خبزٌ وحباتٌ من الزيتونِ والصّبارِ

        والحلمِ النقيّ

        سرتُ من أيلول من عمواسَ من تل الجماجمْ

        سرتُ من صبرا وشاتيلاَ ودير ياسينَ

        حتى كفرَ قاسم

        فإذا بالموتِ يجتاحُ المواسمْ

        وإذا بالموتِ جنديٌّ

        يدرسُ العشبَ والزهرَ النديْ

        إيه يا يا كفر قاسمْ

        كيف باللهِ يكونُ الموتُ في حضنِ الوطنّ

        كيف ينشلُّ الزمنْ؟

        فيصير ُ النبضُ طلقاتٍ من اللاشىءِ

        كابوساً من الرعبِ السخيّ؟؟

        أخبريني كفرَ قاسم

        ما الذي يجعلُ أحلامي صغيرة ْ؟

        ما الذي يجعلُ أحلامَ العصافيرِ كبيرةْ؟؟

        ما الذي

        لولا غيابُ العدلِ في الدنيا

        يروّي بالدم المسفوحِ من قلبي

        ترابَ الأرضِ

        في عزّ الظهيرة؟

        زحفتْ عينايَ فوقَ الموجِ

        فارتدَّ لعينيَّ البصرْ

        طفلةٌ سمراءُ في عمرِ الزَهَرْ

        شقّت الموجَ بكّفيْها

        فصارَ البحرُ غابةُ

        والقمرْ

        حملتهُ فوقَ زنديها .... سحابةْ

        كنتُ ظمآنَ

        فجاءتني بلمح العينِ من قلبِ المطرْ

        في يدِ تحملُ ماءً

        في اليدِ الأخرى ... حجرْ


        1990



        الشوك في بلدي يغني

        الموت

        يحتضنُ الثرى

        والأرضُ

        تأبى أن تغادرْ

        سّدوا علينا

        كلّ نافذةِ

        وبابٍ

        كي نهاجرْ

        فإذا عيونُ الصبحِ

        تضحكُ

        تملأُ الدنيا

        بشائرْ

        في القلبِ تنمو

        وردةٌ

        تطفو على الجرحِ

        المكابرْ

        والشوكُ في بلدي

        يغني

        صارَ للشوكِ

        حناجرْ


        9/7/1990



        ضُمّي خصورَ الندى


        إلى صواريخ الحسين

        ضُمّي خصورَ الندى

        يا شمسُ

        واتكئي

        على الحشائشِ

        كي يلهو بكِ

        العُشُبُ

        ولملمي الدمعَ

        من أحداقِ

        أغنيتي

        واستمطري الغيمَ

        إن الأرضَ

        تلتهبُ

        إنا نحبّكِ

        يا شمسَ الصباحِ

        فهلْ

        دفءُ الحنانِ

        بكفّيْكِ

        أمِ اللهبُ

        ها أنتِ

        مثلَ عروسٍ

        تخطرين

        على سفحِ الجبالِ

        تغطي وَجْهَكِ

        السّحُبُ

        مدي يدْيكِ

        إلى قلبي

        فإِنَ بهِ

        شوقاً إليكِ

        فأنتِ الأهلُ

        والنسبُ

        هاذي بلادي

        يطيبُ الموتُ

        في يدها

        فكيفَ

        لو أن فيها العيشَ

        يجتذبُ

        أللهُ زيّنها

        واللهُ قدسها

        والأنبياءُ

        بها

        صَلّوا

        وما تعبوا

        هذي عيونُ الندى

        تبكي

        على وطنِ

        ترى العروبةََ

        ماتتْ فيهِ

        والعربُ

        تاريخُهُ

        صار كابوساً

        وحاضرُهُ

        شرٌّ

        ومستقبلُ الأجيالِ

        ينتحبُ

        صدامُ أقسمَ

        أن القدسَ

        أثمنُ

        من بترولِ مكةََ

        هلا يفهمِ

        العربُ ؟!!


        16/9/1990



        أغنية الى الإنتفاضة

        تغردُ فينا

        طيورِ الصباحِ

        وتغرقُ أحلامنا

        بالمطرْ

        ونعشقُ بالروحِ

        رفّ الحمامِ

        ونغسلُ بالحبِّ

        جُرحَ القدرْ

        ونصنعُ من دمعنا

        لؤلؤاً

        ومن دمنا شهقةً للوتْر

        ونبني على الصخرِ

        أعشاشنا

        إذا ما تهدّمَ

        بيتُ الحجرْ

        تطيرُ العصافيرُ

        في حينا

        وفي كل منقارِ طيرٍ

        حجْر

        تضيءُ البراءةُ

        في عينِ طفلٍ

        يلبي نداءَ الصبايا

        الغررْ

        وترقصُ جداتنا

        في الحقولِ

        لتعطى المواسم

        أحلى الثمرْ

        وأجدادنا

        للطفولةِ عادوا

        وقوفاً يموتونَ

        مثلَ الشجرْ

        غنيُّ عن القولِ

        فعلُ الشبابِ

        ألمْ ينحن الكونُ

        كلّ البشْر؟

        علينا السلامُ

        ومنا السلامُ

        فيا ثورتي

        هللي بالظفرْ

        [/]








        نبحر بعيدا ونأتى بكل جديد

        يتبع

        [/]

        تعليق


        • #5
          زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه



          الجرح الفلسطيني وبراعم الدم


          الإهداء

          إلى الذين يغزلون

          من قطرات دمائهم النازفة

          خيوطاً

          يرتقون بها

          رايةَ الوطن

          التي مزقتها الأنانية

          واللامبالاة

          زينب

          معرض فني يعبق بالأصالة، ويمتد عبر الزمن، يكتبُ الماضي والحاضر والمستقبل في لوحات فلسطينية مميزة خطوطها واضحة ألوانها حمراء تلثم حبات الرمل في عشق أبدي.. تعانق النجوم تدخل كل بيت … تداعب الأطفال.. تشد على الأيدي.. تضمد الجروح.. فيصير الواحد كلا، ويصير الكل واحداً، الطفل يكبر قبل الاوان ويحمل هم الوطن. وزغرودة ام الشهيد تخرسُ أصوات البنادق. وعبر أهازيج العرس الفلسطيني أسمعك تقولين:

          شهداء الأرض

          حملناهم

          يا أم

          صليبا فوق الظهر

          حين تحمل الكلمة هم الوطن.. حين تعيش جرح الوطن، وتحمل كل هذا العزم على تحقيق الحلم، فانها تدخل كل قلب لتنثر الغلال وتبعث الأمل.

          فالنجمة صارت جندياً

          والموت حتى الموت

          صار جنديا مقاتل

          أشعارك منذ عرفتها صافية نقية … تختصر المسافات وتتحدى المستحيل وتسافر عبر السنوات إلى ذلك الفرح الطفولي العميق.. إلى ذلك الحزن الفلسطيني العميق.. إلى هذا الإيمان القوي بان الفجر آت بإذن الله

          ارحام الضامن



          الحمّام تحت زخات المطر الناري


          إلى روح الشهيد بسام حبش "أول من منُح وسام فلسطين من الأخ القائد ياسر عرفات"

          (1)

          بسامْ

          يغِفو

          يحلم في حضن الوطن الدافئ

          تكحُلُ عينيه حُبيْبات الرمل السمراءْ

          تزيّنُهُ ضمّةُ شِقيقٍ فوق الصدْرْ

          ويلثُمُ شفتيِه

          آخر حرفٍ في كلمة حُبّ

          آه يا قلبْ

          تؤلمني حباتُ العرق الفضيّ

          على جبهة بسامْ

          تُفرحني شارات النصر المرسومة

          بأصابع ِ بسّامْ


          (2)

          هذا هو الفرحُ الفلسطينيّ

          والألم الفلسطينيّ

          يتعانقانِ كعاشقينْ

          يتلازمان كعاشقينْ


          (3)

          في حلقي تتعثّرُ كلماتُ الوَجْدْ

          وأنا وحدي

          أبحثُ عن فرح مغموسٍ بالدّمْ

          لأجدد حبّا مذْبوحاً في المهدْ

          آهٍ يا وطني

          آهٍ يا آخرَ لحدْ

          ورداً أحمرَ يقطرُ جسدي

          وأنا أتعبدُ

          أبحث لي عن ربّ*

          في الحكم العربي ظننتُ الرّبْ

          في الشعب العربي ظننتُ الرّبْ

          في الثورةِ

          في نفسي

          في صحبة رشاشي

          أيقنتُ بأَنّ الرّبْ

          ---------

          الرب هنا بمعنى الصاحب


          (4)


          آهٍ يا قلبْ

          دقاتك لحنٌ أسطوريٌ يطربُ كلّ الناسْ

          دقاتك نبضُ الثورةِ

          تتحدّى

          تزأرُ

          تسرحُ في غاب الموتْ

          تُغني للأطفال

          تداعبُهمْ

          وتقول لأمي لا تحزنْ

          ما زال القلب معافى يا أمي


          (5)

          الثورُ الهائجُ صارَ ملايينَ الثيرانْ

          في الجوّ

          البّر

          البحر

          وكل مكانْ

          وأنا أحمل منديلاً مغزولاًً

          من نبضات القلبْ

          وأغني

          كانت معركةً متكافئةً

          بين الثيرانِ وبيني


          (6)

          ماذا؟

          لا شيءْ

          القصة أني أغمدتُ الحربة

          في رأس التنينْ

          عدتُ

          تحممتُ بزخات المطر المنهمر على جسدي

          آهٍ ما أحلى الحمّامْ بزخاتِ المطر الناريّ

          على أنغام الخطواتِ الراقصةِ

          ببحر الليل


          (7)

          من قلب الصمتِ الأزليّ

          تبرعم نغمٌ

          يلمعُ كالنّجم الواحدْ

          (الله أكبر)

          وتردد هذا النغم السيمفونيةُ

          بين جبال النارْ

          الله .. الله .. الله

          وارتجفتْ أطرافُ الثيران الخائرة

          وكان الموتْ

          والتأم الشملْ

          وأنا يقتلني الشوقُ

          إلى أحضان أبي

          يقتلني الشوقُ

          إلى قبلة عمّي أحمدْ

          يا جسدي المجبول بحبات العرق الفضي

          تعمّد

          واغتسلي يا روحي بالمجدِ الأزلي


          28/6/1980م



          الدرب الشائك


          في دربنا الشائك

          تُزرعُ الألغامْ

          وتُحرقُ السنابلْ

          والجوعُ وحدهُ فيهِ

          هُوَ المناضلُ



          2/6/80م


          أشعار الثوار



          أقرأُ أشعارَ الثوارْ

          فيغيبُ صوابي

          أصبحُ قُنْبُلةً

          تصرخُ في وجه الكونْ

          وتُغيّرُ ترتيب الأدوارْ


          2/6/80م



          أنخاب النصر


          نيرودا

          أصرخْ معي يا شاعر النضالْ

          أصرخ ْمعي

          فالدمُ يملأُ الشوارعَ العتيقةْ

          والدمُ يملأ الكؤوسْ

          يَشْرَبُهُ المجوسْ

          نخْبَ انتصارهمْ على الأطفال



          2/6/80م




          الحرف الآخير


          أُريدُ حرفاً واحداً

          لأكمل القصيدة

          فيستجيبُ للنداءْ

          ينبوعُ نهر خالدُ

          من الدماءُ


          2/6م80م



          الى فاطمة

          مُهداة إلى كل مناضلة فلسطينية
          عانقت عيناها قضبانَ الزنازين

          (1)


          يا فاطمةَ الفقراءْ

          يا شامخة الرأس أمام قضاةِ الظُلْمْ

          لا تكتئبي

          فالله معك

          والشجرُ الأخضرُ

          والأرضُ السمراءْ

          وجميعُ الأطفالُ المحرومينْ


          (2)

          هل أقسم أني منذ رحلتِ

          رَحلْتْ

          ومعا سرنا عَبْرَ دهاليز السّجن

          وقفنا بشموخ

          وبصقنا في وجه المخبر

          ألحقنا العارَ به

          وبكل الأدوات المصنوعة خصيصاً

          لإزالتنا؟!


          (3)

          تقفين أمام الجلادينْ

          كالصخرة

          كالثورة

          صابرةً تبتلعينَ النظراتِ الحاقدة وتبتسمينْ

          فالبسمةُ زاد الثورةْ

          والبسمة فوق شفاه الثائر

          تطفئُ نورَ الشمسْ


          (4)

          يا بنت الشعبْ

          أنظرُ مثلك عبر الجدران الرّطبَةْ

          فأرى وطني مسجونا مثلي

          وأرى أرضي شاردة الذّهنْ

          وأرى شعبي يتظاهرُ في الطرقاتْ

          وأرى أُمي ترفعُ كفّيها فوق السجادة

          قائلةً:

          يا رب!!


          (5)

          آهٍ يا فاطمةَ الفقراءْ

          تحملُكِ سُويْعات ُالحزنِ إلى قلبي

          أتألّمُ

          أغرقُ في العَسَل اللامع في عَينيكِ

          أصيرُ حُبَيْبَةَ نارٍ تتوهَجُ بينَ الجفنيْنْ

          أتأرجحُ

          أتأرجحُ

          لكني لا أسقطْ

          أبقى لؤلؤةً

          تحلمُ في قلبِ الصّدفة


          (6)

          آهٍ يا فاطمةَ الثورةْ

          هاتي كفيكِ الداميتين إلى قلبي

          شُقّيْ قلبي

          تجدي نفسك في هذا القلبْ

          تجدي كلّ الشعبْ


          11/11/1979م




          الشمس التي تنفثُ السّمُ




          إلى الأب جيسي جاكسون بمناسبة زيارته لمخيم قلنديا/القدس


          (1)

          أيتها الشمسُ الجالسةُ على عرش الكونْ

          أيتها الآمرةُ الناهيةُ السكرى

          الغارقةُ بطوفان الدمْ

          كُفي عن هذا الهذيان المخمورْ

          كُفي عن قتل الفيءِ بظلّ الزيتون

          رأسي مكشوف

          وحذائي خاصم قدمي

          والرّمدُ يعششُ في عينيّ

          قروناً بعد قرونْ


          (2)

          أيتها الشمسْ

          غيبي عن حارتنا الخضراءَ

          المرويةَ بالعرقِ وبالدمعْ

          أمي لا زالت دَمعتها تلمعُ

          في عَينيها

          وأبي

          يذوي يوماً يوما

          وأنا أتساءل: يا ربي

          ماذا أعددْتَ لشمسك من نار تحرقها

          حتى تغسل عنها الآثامْ؟!

          باسمك تحلُمُ أن تحكم كل الكونْ

          باسمك تبتلع الأرض

          باسمك تمتصّ دماءَ الشعبْ

          باسمك تحرقُ

          تسرقُ

          تكسرُ و تدمرُ

          تقتلُ

          تنزعُ من قلبي الحبّ

          باسمكَ تجعلني زانيةً

          تجعلُني جاريةً

          تجعلني هاجَرْ

          وأنا يلفحُني رملُ الصحراءْ

          فأحلمُ بترابٍ رطبٍ في يافا

          أعطشُ

          أحلمُ بشرابٍ عذْبٍ من يافا

          أنعسُ

          فيصيرُ الحلمُ نسيماً

          يحكي قصة ليلى والذئبْ

          فأنامْ

          أنام بحضنِكِ يا يافا


          (3)

          الشمسُ الغارقةُ ببحرِ الدمّ الفاجرِ

          تركلُ أحلامي

          تحرقني

          تقذفُ برمادي في قاع العدمِ المجهولِ

          ببحرِ الظلماتْ

          وتُغطي بأناملها الصفراءِ المرتجفةِ

          عينَ الكونْ

          لكنّ رمادي أخضَرّ

          وغطى سطح الكرة الأرضية

          وأنامل فاجرةِ القرن العشرين

          امتدت تقتلع جذوري

          فاذا بالعين المعصوبةِ تفتحُ جَفْنيها

          وترى


          (4)

          أيتها الشمسُ الحاقدةُ البلهاءُ

          كُفّي نيرانكِ عن أرضي

          كُفّي نيرانكِ عن شعبي

          كُفي تسليط سهام البغضِ على قلبي

          فأنا للحبّ خُلقْتْ

          وأنا للإنسانيةِ

          أحلمُ أن أبقى


          (5)

          أيتُها الشمسُ الرّعناءْ

          يا من حرقتْ أفئدةَ الناس البُسطاءْ

          يا من تلتف حبالُ مشانقها

          حولَ رقابِ الأطفالْ

          وتغوصُ معاولها

          في أعماقِ التاريخ الغافي

          تغرقُهُ بدماءِ الزّيفْ

          وتلفّ عباءتها السوداءَ

          على الماضي والحاضرِ والمستقبلْ


          (6)

          أيتها الشمسَ

          أيتها الأفعى النافثة سموم الغيظ

          على زهر الزيتونْ

          ابتلعي حقدَكِ وسمومكْ

          فالزهرُ اختصرَ الزَمنَ

          وصارَ جذوراً تضربُ في أعماق الأرضْ

          يا شجر بلادي لا تحزن

          فزهورُكَ تبني تاريخكْ

          وزهورُك تروي بالمجد الأغصانْ

          يا شجر بلادي لا تحزنْ

          فالبسمةُ أقوى ... أقوى ... أقوى

          من سيف الطغيانْ

          30/9/79م



          رغم الموت لا أموت



          "مهداة الى الأخوة العمالقة الذين يتحدون الموت في زنازين العدو"



          أموت كل يوم ألف ميْتَةٍ

          في الشام

          في عمان

          في بيروتْ

          شنقاً وتعذيباً

          وفي أزقةِ البيوت

          لكنني في سجن الاحتلال

          رغم الموتِ

          والتعذيبِ

          لا أموت



          1977م



          صوت الأرض

          الى شهداء يوم الارض, وإلى كل من سقط على أرض فلسطين


          أسمع يا أمي

          صوْتَ الأرضَ

          أراها

          في كل الأشياءْ

          الأرض ... الأرضُ

          وتضحكُ

          في عينيّ

          ملايين الأسماءْ

          أسمع يا أمي

          صوتَ الأرضِ

          تُراها

          أرضي تتكلمْ؟!

          وأرى بسماتٍ

          فوقَ الخدِ

          تُراها

          أرضي تتبسّمْ؟!

          شهداء الأرضِ

          أيا ولدي

          في موكب عرسٍ

          للثورةْ

          ودماهمْ

          تُشرقُ في الشفتينِ

          تُغنّي

          للأرض الثّرّة


          زهراتُ الموسمِ

          يا ولدي

          قطراتٌ

          من دمّ أحمرْ

          نزفتْها

          أجسادُ الثوّار

          ليصبحَ موسمنا

          أنضرْ

          دقاتُ القلبِ

          تؤكدُ لي

          أن اسمي أبداً

          لن يُقتل

          وزهورُ الشقّيقِ

          الحمراءُ

          تؤكدُ لي

          أني مِشْعَلْ

          أغنيةُ الأرضِ

          على ثغري

          وعدٌ يا أمي

          لن أنساهُ

          ونشيدُ الثورةِ

          في الزنزانةِ

          لحنٌ

          آهٍ ما احلاهْ

          أرضي

          تتنفسُ بالرئتينِ

          غداً

          وتصفق بالكفّيْنْ

          والواحدُ

          يصبحُ مكتملاًً

          مرفوعَ الهامةِ

          والعينينْ

          شهداء الأرضِ

          حملناهمْ

          يا أمِّ

          صليباً فوق الظهرْ

          والدربُ الشائكُ

          إكليلٌ

          من نورٍ

          يحملُنا للفجرْ

          من بينِ

          هراواتِ الفرسان

          كانت أعيُنُهمْ

          تتَبَسّمْ

          من بين

          سُيولِ رصاصِ الغدرِ

          دماّهم

          كانت تتكلّمْ

          حبُكَ يا وطني

          يقتلني

          ينخرُ في جسدي

          حتى العظم

          حبُك

          يجعلني معجزةً

          تتجدّدُ

          بالروحِ وبالدّمْ

          1977م



          عيناك يا وطني



          عيناكَ

          قُنبلتان تحتَ الجلدِ

          يا وطني

          أخاف عليكْ

          أخشى أن يدّمرَكَ

          الغزاةْ

          فتصيرُ يا وطني

          بلا عَيْنَيْنِ

          في قصر الطغاةْ

          عيناك

          سنبلتان فوقَ الجلد

          يا وطني

          وأحلمُ أنْ أراكْ

          مرجاً

          تزقزقُ فوقَهُ الأقمارُ

          والأطيارْ

          وأحلُمُ أن أراكْ

          عُشّاً

          يُزّينُهُ النهارْ


          5/3/77



          لماذا يطاردني الحزن


          قتل 500 فلسطيني خنقاً في أحد الملاجيء
          أثناء حصار مخيم تل الزعترْ


          يغوصُ بنا الدربُ في القاعِ

          نَغْرَقُ

          نفقدُ إحساسنا بالرجوعِ

          نضيعُ

          نحاولُ ما يأسنا أن نلملمَ

          خيطاً من الحزنِ

          خيطاً من الدّمعِ

          خيطاً من الموتْ

          آهٍ من القلبِ حينَ يجفّ من الحبّ

          آهٍ من العين حين تجفُ من الدمعِ

          آهٍ من الروحِ حين تجفّ الحياةْ

          لماذا يطاردني الحزنُ؟!

          يقهرُني

          وينشبُ في أضلُعي مِخْلَبَيْهْ



          لماذا

          يجفّ الهواءُ من الأوكسجينْ؟!

          يصيرُ التنفسُ عبئاً ثقيلا

          تصيرُ الثواني سنينْ؟!


          لماذا يطاردُني الحزنُ

          يخنُقُني

          فاغرقُ في الحزنِ

          أغرقُ في الدمعِ

          أغرقُ في الموتِ

          أغرقُ

          من قمةِ الرأسِ

          حتى القدمْ

          كأنّ السعادةَ ليستْ لنا

          كأنّ الحياةَ بأحيائِنا

          تموتُ

          تصير عدم

          لماذا تصيرُ الحياةُ عدمْ؟!

          20/9/76م


          الموت المقاتل


          كّلنا نُدركُ

          أن الحبّ قاتلْ

          كلنا ندرِكُ

          أنّ الدربَ للمحبوبِ

          ملغومٌ

          وأنّ العُمْرَ زائلْ

          يا حبيبي

          رغمَ أن الحب قاتلْ

          رغمَ أنّ الدربَ ملغومٌ

          وأن العمرَ زائلْ

          سنناضلْ

          سنناضلْ

          سنناضلْ

          وسنسقيْ الموتَ

          ترياقا

          لينضمّ إلينا

          فيصير الموتُ

          حتى الموتْ

          جندياً مقاتلْ


          13/9/76م




          حوار عائلي


          لماذا يريدون رأسي

          لماذا؟!

          لأنّ برأسِكَ يا نور عيني

          جواهِرَ تبهرُ أبصارهَمْ

          لماذا يريدونَ أن يفقأوا مُقْلَتيّ؟!

          لأنّ العصافير يا روح قلبي

          تعششُ في مُقلتيْك

          لماذا يريدونَ أن لا أغني؟!

          لأنّ الثعالبَ يُزعجُها الشدوُ

          تخشى زئيرَ الأسودْ

          لماذا وُلِدْتُ بدونِ هُويّةْ؟!

          لتحمل يا طفلي الحلوَ

          أحزانَ هذا الوجودْ

          لتصنَعَ يا طفلي الحلوَ

          أحلامَ هذا الوجودْ

          19/8/76م


          حين تضيء في القلب شمعة


          لو ان لي عينين

          تُبصران ما وراء الغيبْ

          لو ان لي يدينِ

          ترسمان أقواسَ قُزَحْ

          على جبينِ الفجرْ

          وتزرعانِ في عيون الليلْ

          باقاتِ فرحْ

          أعجبُ يا حبيبي

          كيف تصيرُ للإنسان أجنحة

          تنبت في عروقهِ

          تسَرحُ في خلايا جسمِهِ

          في عظمِهِ

          في لحمِهِ

          يلف أجواءَ الفضاءِ

          في ثوانِ!!

          أعجبُ يا حبيبي

          كيف تصيرُ للإنسانِ

          قدرةُ الإلهْ

          يرسُمُ ألفَ عالمٍ

          يشطبُ ألف عالمٍ

          ويعصرُ الزمانَ لحَظةً

          يفردُهُ

          يجعلهُ أبدْ

          أعجبُ يا حبيبي

          كيف يصير المرءُ واحداً

          أسطورةً

          ما خطها أحد!!

          6/8/76م


          إغفاءة على صدر الحبيب



          أودّ يا حبيبتي

          لو انني

          أغفو على صدرِكْ

          وأن أظلّ غافياً إلى الأبدْ

          أودّ يا حبيبتي

          لو انني

          أغفو على صدركْ

          من غيرِ أنْ يوقِظني أحدْ

          أود يا حبيبي

          لو انّنا

          نغفو معاً

          ننامُ فوقَ صدرِ حقلِنا

          نغفو من التعبْ

          يختلِطُ الترابُ بالندى المنسابِ

          من جباهِنا

          ومن مسامِنا

          ومن أكفّنِا

          ومن عيونِنا

          نحلمُ

          نضحكُ للضياءْ

          نرنو بحبّ للحشائشِ الخضراءْ

          وحينَ نصحو من أحلامنا معاً

          نبسمُ في حنانْ

          نعودُ بعدَها لنكْملَ اللقاءْ

          بالأرضْ

          نحرثُها معاَ

          نزرَعُها معاً

          نَرُشّها بالماءْ

          ونستظلّ تحت ظلّها

          ننتظرُ الحصادْ

          نحْصدُها

          نَعْرَقُ

          نغفو من التعبْ

          يختلطُ الترابُ بالندى

          تلثُمهُ الحشائشُ الخضراءْ

          تضمّهُ الحشائشُ الخضراء

          تحكي له حكايةً طويلةً

          عن اللقاءِ بالأحبابْ

          فيبسم الندى

          ويحلمُ الترابْ

          19/7/76م


          الجرح الفلسطيني
          وبراعم الدم


          (1)


          قلبي محترقٌ

          بصراخِ الغضبِ

          المصعوقِ

          المرشوم على الطّرقاتْ

          في تل الزعترِ

          في اليرموكِ

          وفي الوحداتْ

          في كلّ شوارعِ كل الأرضِ المحتلّهْ

          في كل شوارعِ كل الأرضِ الغير المحتلهْ


          (2)

          أقسم يا أهلي في تلّ الزعتَرْ

          أني أسمَعُكمْ

          وأراكمْ

          أقسمُ أني أنزِفُ

          أعطشُ

          أعرى وأجوعْ

          أتلوّى ألماً

          أتعثّرُ

          أغرقُ في بحر دم

          أغرقُ في بحر دمُوعْ


          (3)

          قلبيِ عصفورٌ

          نتفَ الريشَ

          وقاتَلَ

          قاتَلَ

          قاتَلَ حتى الموتْ

          في تلّ الزعتْر


          (4)

          من يُنْسيني الأيامِ البيضاءْ

          والأيامِ السوداءْ

          من يُنسيني العقدَ الأسطوريّ

          المتفرفط في البركِ الحمراءْ

          من يُنسيني الإخوانْ

          صعدوا

          صعدوا

          صعدوا في غيرِ أوانْ

          فانتحبتْ في وطَني كُلّ الألوانْ


          (5)

          من يُنسيني أطفالكَ يا تلّ الزعتَرْ

          والنبعةَ

          والشياحَ

          وسنّ الفيلْ

          من ينسيني الألفَ جريحٍ

          والألفَ الألفَ قتيل

          من ينُسيني أيلول

          ودير ياسينْ

          من يُنسيني الجرحى والقتلى

          المبقورينَ

          المبتورينَ

          المحروقينْ؟!

          من يُنسيني السير على الجُثثِ

          المصلوبةِ فوقَ عمودِ الشمسْ

          من ينُسيني العطشَ القاتلْ

          والجوع القاتلْ

          من ينُسيني الصمتَ العربيّ

          الصمت العربيّ

          الصمت العربيّ القاتلْ؟!

          من يُنسيني يا تلّ الزعترْ

          اللونَ الأسودْ

          واللونَ الأخضرْ

          واللون الأبيضْ

          الغارقَ في اللونِ الأحمرْ؟!


          (6)

          أطلالُكَ يا تلّ الزعترْ

          رائحةُ الموتِ الشامخ

          والمجدول بأرصفةِ الطرُقاتْ

          رائحةُ الدّمّ المحروقِ

          المغزولِ بأناتِ الجرحى

          المهروصينَ بأقدام الدباباتْ

          ستظلّ معلقةً في عُنقِ الشمسْ

          ستظلْ علامة طهرٍ

          لعروسٍ

          في ليلةِ عُرْسْ

          (7)

          آهٍ

          من يُعطيني جُرْعةَ ماءٍ

          تروي ظمئي

          من يُعطيني لقمةَ خبزٍ

          تُسكت جوعي

          من يُعْطيني قطعةَ شاشٍ

          أعصبُ جُرْحي

          من يُعطيني ثوباَ

          أكسو عورةَ جسمي

          من يُعطيني رشاشْ

          من يُعطيني إسمي

          أني أبحثُ في القطرةِ

          عن إسمي

          إني أبحث في اللقمةِ

          عن إسمي

          إني أبحث في العبثِ المتلفع باللاشيء

          عن إسمي

          عن إسمي

          عن إسمي

          ووجدتُ اسمي

          محفوراً في قلب الموتْ

          فقتلتُ الموتْ

          وأخذتُ اسمي

          لكنهم

          سرقوا اسمي

          ووجدتُ اسمي وشماً

          في كفّ الشمسْ

          فقطفتُ الشمسْ

          ونزعتُ اسمي

          لكنهمُ

          سرقوا اسمي

          ووجدت اسمي عصفوراً

          يشدو في المرجِ الأخضرْ

          ففرحتُ…فرحتْ

          لكنهمُ

          قتلوا اسمي

          فاختلط الأسودُ والأبيضُ والأخضرُ والأحمر

          صارَ اسمي علماً

          يحميني

          صار طعاماً وشراباً ودواءً يشفيني

          صار اسمي ثوباً يكسوني

          صار اسمي قنديلا

          فوقَ جبيني

          (8)

          آهٍ

          من يجعلني قطرةَ ماءٍ

          تروي طفلاً

          من يَجْعَلُني لُقمةَ خبزٍ

          لتردّ الروحَ لشيخ معصورِ البطنْ

          يتلوّى في تلّ الزعترْ

          من يجعلني قطرةَ يودٍ

          تلثُم جُرْحاً ينزفْ

          من يجعلني ضمّادةْ

          من يجعلني

          تحت الرأس المثقَلِ بالأحزانِ

          وسادةْ؟!


          (9)

          يا تلّ الزعتْر

          خذني حبّةَ رملٍ تشرب جرحَكْ

          خذني قبلةَ شوقٍ تلثُمُ كَفّيْكْ

          خذني دَمعةَ فخرٍ

          تتبسم في جَفْنَيْكْ

          يا تلّ الزعترْ

          إني أتمنّى … أتمنىّ

          لو أغفو بينَ ذراعيكْ

          أتمنى لو أحمل اسمكْ

          يا غُنوةَ مجدٍ خالدةً في ثغرِ الكونْ

          يا نغماً أسطوريّ النكهةِ واللونْ

          يا جرحاً أبدياً ينزف مسكاً

          ينزفُ عَنْبَرْ

          يا تلّ الزعترْ

          (10)

          أبكيك!

          ودموعي بركةُ نارْ

          أبكيك!

          والكبريتُ المحروقُ بحلقي

          قيد حديدْ

          وأنا أتأرجح بينَ الفخرِ وبينَ العارْ

          يخنقُني حبّكْ

          يقتلني حبّك

          يبعثني حبّكَ يا تلّ الزعتر

          من قلبِ النارْ


          1976م



          زجاجة اليود


          على هامش المجازر في تل الزعتر

          معذرةً

          يا وطني

          زجاجةُ اليودِ التي حملناها

          لنغسل القروحَ عن كفّيْكْ

          اندلقتْ

          ونحنُ في طريقنا إليكْ

          1976م


          إيفا شتالْ


          " لم تكن إيفا فتاة عربيةْ

          لم تكن إيفا سوى إنسانةً مفتوحةَ العينيْن

          عَرَفَتْ معنى القضيّةْ

          فاذا إيفا شظيّةْ

          شرفُ الثورةِ يا ايفا

          لعينيكِ هديّةْ"

          إيفا شتالْ
          يا مَوّالاً يَحْضنُ موّالْ

          ألمحُ في كفّيْكِ الحانيتينِ

          رفوف طيورٍ بريّةْ

          ألمحُ في قدمَيْكِ

          بيادرِ قمحٍ لمْ تُحصَدْ

          ألمحُ في عينيكِ الخضراوينْ

          باقاتِ ورودٍ حمراءْ

          ألمحُ في عينيك الخضراوين

          غاباتِ نخيلٍ باسقةً

          وتلال صخورٍ ورديةْ

          في عَيْنَيْكِ أرى وَطني

          في عينيكِ أرى مليونَ سماءْ

          في عينيك أرى علمي

          في عينيك

          براكينٌ

          تنزفُ ناراً

          ودماءْ

          إيفا شتالْ

          يا إيزيسَ فلسطينْ

          من بين ذراعَيْكِ خطفوا أوزريسْ

          من أحشائك خطفوا حوريس

          من أطرافِكِ خطفوا قدماً وذراعْ

          من نور البسمة في عيْنيك الحالمتينْ

          غزلوا للموتِ شراعْ

          قولي يا إيفا

          كيف بربّكِ دقوا

          كل مسامير الحقدِ بكفّيْكِ؟!

          كيف اختطفوا الضمّادةَ

          والجسدَ المجروح المثقلَ بالأحزانْ

          من بين يديْكِ؟!

          آهٍ يا إيفا

          ما أصعب أن نحملَ حزنَ الأطفالِ

          الأيتامْ!

          ما أصعب أن نحملْ أخطاءَ الكونْ!

          ما أصعب أن تنقلبَ علينا الأيامْ!

          ما أصعب أن نحمل بالكفينِ

          دماءَ الشهداءْ!!

          ما أصعب أن نُدفَنَ يا إيفا

          من غير كفنْ!!

          ما أصعب أن نحيا في وطنٍ

          من غير وطنْ!!!

          لكن الثورة تُنبئُ

          أنّ هناك مسيحاً يجمعُ شملَ المخطوفينْ

          الثورةُ تنبئُ

          أنّ هناك مسيحاً يُشفي الأرواحْ

          ويردّ النورَ الى العَيْنينِ المطفأتينْ

          الثورةُ يا إيفا

          صارتْ مريمْ

          والثوارُ

          جميعُ الثوارْ

          صاروا أبناءَ العذراءْ

          1976م

          * ايفا شتال ممرضة سويدية تزوجت من مناضل فلسطيني. استشهد زوجها اثناء حصار مخيم تل الزعتر، أما هي فقد أجهضت أثناء قيامها بواجبها وفقدت قدماً وذراعا


          زهرة الصبار



          في بلادي

          تُشرقُ الشمسُ من الغرب

          وتحمي

          زهرةُ الصبّار جدران الحدودْ

          يا حبيبي

          لا تسلني

          لم أكن أعرفُ أنّ الشوكَ

          تجنيه الورودْ


          1976م


          ليت للبرّاق


          ليت للبرّاق منْجلْ

          يحصدُ الأشواك

          من بين السنابلْ

          ليتَ للبراق معوَلْ

          يجرفُ الأقذارَ

          يحمي الأرض

          من غدر القنابلْ

          1976م


          المقتول القاتل


          في بلادي

          صارتْ النجمةُ تكوي الشمس

          في عزّ الظهيرةْ

          وحكايا المجدِ

          ترويها صغارُ الطيرِ

          للأفعى الخطيرةْ

          والسنابلْ

          خلعتْ أثوابها الخضراءَ والصفراءَ

          وانضمّتْ تُناضلْ

          في بلادي

          يا حبيبي

          أصبحَ المقتولُ

          قاتلْ

          1976م


          أطفال فلسطين

          يحصدُ الموتُ

          زهورَ اللوزِ

          لكنّ الشجرْ

          صارَ

          قبلَ الزهر

          يُعطينا الثمرْ

          1976م


          الأصابع الصغيرة


          أقرأُ

          ما تحفرُهُ الأصابعُ الصغيرةْ

          على جبين العارْ

          أقرأُ

          ما ترسمُهُ الأصابعُ الصغيرةْ

          في أعينِ النهارْ


          1976م



          النجمة والوردة


          قالت الوردةُ للنجمةِ

          من أينَ أتيتِ؟

          ردّت النجمةُ

          من قلب الترابْ

          قالت النجمةُ للوردةِ

          من أينَ أتيت؟

          ردّت الوردةُ

          من قلب السحابْ

          1976م


          أغنية البلبل


          " غنى محمود الكرد لأمه قبل استشهاده بقليل :

          يا ام الشهيد وزغرتي … كل الشباب اولادك"


          غرّدَ البلبلُ

          في العُشّ

          وطارْ

          صارَ نَجْمَةْ

          تنثُرُ الأضواءَ

          في عِزّ النهارْ

          17/6/1976م



          التاريخ المروي بالدم

          ” احمد دحدول ضربوه حتى الموت"

          لم يكُنْ أحمدُ

          معروفاً

          لغيرِ الأصدقاء

          فإذا أحمدُ

          بعدَ القتلِ

          تاريخٌ

          تُرويّهِ الدّماءْ

          17/6/1976م




          الخيانة


          أيامُنا خائنةٌ

          عديمةُ الوفاءْ

          تضحكُ في وُجوهِنا

          تعبسُ في وُجوهِنا

          تحملُ في ألوانها

          تلوّنَ الإناءْ

          6/6/1976م


          نشرة الأخبار


          " إذاعة فلسطين، إذاعة القاهرة. إذاعة سوريا.
          إذاعة الكتائب.

          إذاعة الأردن. إذاعة.. أيها يُعطي الخبر الصحيح؟!"


          نشْرةُ الأخبارِ

          حُبْلى

          تبصُقُ القيء

          على وجْهِ الحقيقةْ

          تحبلُ النشرةُ

          في كل دقيقةْ

          تجهضُ النشرةُ

          في كل دقيقةْ

          ورذاذُ القيءِ يعمي العينَ

          عن مرأى الحقيقةْ

          6/6/1976م


          برواز القضية


          " الى الأرواح الطاهرة المتأرجحة على أعمدة المشانق من أجل أن تبرز فلسطين في صورتها الحقيقية"


          غابت الشمسُ عن الوعي

          صباحاً

          حين مالتْ عُنُقي

          تحتَ عمودِ المشنقةْ

          والنّجَيْماتُ دَنَتْ مني

          ومالتْ

          فوقَ خدّ الليل

          تبكي مُطْرِقةْ

          يا رفيقَ الدربِ

          شقّ الثوبَ

          عنْ وشم العذابْ

          بينَ رمشِ العينِ والعينِ سراب

          يا رفيق الدربِ

          لا تحزنْ عليّ

          فأنا لستُ البدايةْ

          وأنا لستُ النهايةْ

          عُنُقي صارتْ سحابةْ

          ورموشُ العين غابةْ

          يا رفيقَ الدربْ

          لا تحملْ بعينيْك الكآبَةْ

          يا رفيقَ الدربِ

          غَنّي

          وَعلى الموتِ أعنّي

          فأنا لستُ القضيّة

          أنا بروازُ القضيّةْ


          6/6/1976م


          حالة ولادة متداخلة


          فترةُ الحملِ استمرتْ

          ساعةً.. أوْ بعضَ ساعةْ

          سَحَبتني بعدَها كفّكَ

          منْ رحمِ العدمْ

          لحظةُ الميلادِ مرّتْ

          كالتماعِ البرقِ في خاتم عُرسِ

          كشعاعَ يربطُ اليومَ بأمسِ

          لحظةُ الميلادِ هلّتْ

          نَغَماً الميلادِ هلّتْ

          نَغَماً أيّ نغمْ

          وغيومُ الحزنِ صارتْ

          مطراً أخضرَ يروي الليل

          أحلاماً

          وأعراساً

          ويكسو العُمْرَ طرحةْ

          صارت الدمعةُ في عيْنيّ فرْحة

          يا حبيبي

          حَمَلتني كفّك السمراءُ

          حطّت فوقَ جفنِ الليلْ

          فغفوتْ

          وغفوتْ

          وغفوتْ

          لحظةُ الصحوِ

          بأحلامي غريقةْ

          آهِ من لحظةِ ميلادٍ عميقةْ

          يا حبيبي

          أنتَ من أنتَ

          ومن صرتُ أنا؟

          أترانا حبّةٌ سمراءُ من رملٍ

          على رمشِ الحقيقة؟!

          زهرةٌ حمراءُ في قلبِ الحديقةْ؟!

          أمْ وطنْ

          فاقدَ الوعي على صدر الزمن؟

          تعليق


          • #6
            زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه



            لا تقولي مات يا أمي


            لا تقولي مات يا أمي

            فلتكملي المشوار

            أمريكا الكبرى.. والأطفال

            يمامة الأمل

            عيناك عش بلادي

            أغنية حب فلسطينية

            رفيق السجن

            قل لهم

            العشق القاتل

            على جدران زنزانة

            على أغصان زيتونة
            لماذا .. وكيف

            بيني وبينك

            الحمل الثقيل

            الثمن الغالي
            الجنسية الجديدة

            منارة

            جذر الشجرة

            القسم المعطر بالدمع

            مسيح القرن العشرين

            الصياد والحمامة

            قصتنا

            يوم حقوق الإنسان

            لأننا .. لأنكم

            أنت

            سكن الشهيد

            وأنا وحدي سأبكي
            أستار الغيب

            رائحة الموت

            أبراج الحمام

            بطاقة

            المعجزة

            الفدائي
            أغنية ووعد

            كفر قاسم والبراعم


            الميلاد الجديد


            لا تقولي مات يا أمي

            الإهداء

            إلى روح أخي أحمد

            في الذكرى الخامسة والعشرين لاستشهاده

            14/7/1996


            تنويه


            هذه ليست قصائد… إنها مشاريع قصائد لما تكتمل بعد.

            فما أصعب أن تتحول الكلمات إلى حبات من الندى المنهمر من أعماق القلب!!

            وان تتحول الحروف إلى دم متخثر يسد شرايين الإبداع!!

            فأي شهيد هذا الذي يعزي أمه حتى لا تحزن!!

            وأي فدائي هذا الذي يوصي حبيبته أن تسير على دربه!!

            وأي عشق هذا الذي نحمله كلنا ونسير به على درب الآلام!!

            هل أستطيع أن اسميها قصائد تسجيلية؟!!

            إنها لكذلك.

            فهي تمس بشكل حميم معاناة هذا الشعب، الذي نذر نفسه من اجل الحرية.

            الحرية له ولأرضه. والذي تحمل من أجل ذلك عذابات السجن والتحقيق والنفي والفراق.. والتعذيب والقتل..

            ورغم كل هذا تسمعه يقول:

            أحبها

            لأن كل من أحبهم

            ماتوا لأجلها

            أحبها

            لأن أخوتي وكل أهلي

            سُجنوا وعذبوا واستشهدوا من أجلها

            أحبها

            لأنني أموت كل يوم ألف ألف مرة

            من أجلها

            هذه القصائد… أقدمها كما هي.. بعفويتها.. بعجزها عن التعبير.. ولكن بكل الصدق الذي يغلفها.

            لتصل إلى قلب كل فلسطيني وكل إنسان.. لعله يجد فيها ما يمس وجدانه ومشاعره.


            زينب حبش

            لا تقولي مات يا أمي

            لا تقولي ماتَ يا أمي

            فإني لم أمُتْ

            قَتَلوني

            قَتَلوني

            قَتَلوني

            سَلَخوا جلْديَ عَنْ عظمي

            ولكنْ لم أمُتْ

            غُرْفَةُ التشْريحِ يا أمي

            داخَتْ

            وارتَمَتَ تَحْتَ حذائي

            آلَةُ التعذيب يا أمي

            بَكَتْ واسْتَرْحَمَتْ

            إنّهُ لا يَعترفْ

            ابعثوا غَيْري

            فقدْ شُلتْ يَدايْ

            إنّهُ لا يعترفْ

            إنهُ لا يَعترِفْ

            عمّدوني بِدِمائي

            فابتَسَمْتْ

            وَبُحبّ الأرْض يا أمي

            اعْتَرفتْ

            فقأوا عَيْنيّ يا أمي

            وقالوا لي اعْترفْ

            فَرأيْتُ الله من خَلفِ الضّبابْ

            يَمسحُ الدّمعاتِ عن وجه القَمَرْ

            لم يُمتْ إبنُكِ من فرْطِ العذابْ

            صِرتُ يا أمي قضاءً

            صَافَحَتْ كفيّ القدَرْ

            قَطّعوني

            عَلّقوني منْ يَدَيّ

            فإذا بي أقطفُ النجماتِ في كفيّ

            أحلقْ

            وأحدقْ

            في عُيونِ الشمسِ

            أشدوا

            أسبقُ الأحلامَ

            يا أمي الحبيبةْ

            إمنحيني لْحظةً … يا حُلْوَةَ العيْنينِ

            أصحو

            من سُباتي

            وسَأعْطيكِ حياتي

            حرَقوا بالنارِ… يا أمي

            جَبيني

            فابتسمتْ

            ضَحكَتْ غَمّازَتاي

            أغمدوا في الصّدر خِنجَرْ

            صرْتُ يا أمي أكبرْ

            صرتُ أكبر

            صِرتُ أكبر

            منْ عيونِ الفَجْرِ

            فرّتْ دَمْعَتانْ

            أزْهَرَتْ في الجرْح وَرْدةْ

            زَيّنتْ صَدْرَ الزَمانْ


            14/7/1976م


            فلتكملي المشوار


            لو ان لي الخيارُ يا حَبيبتي

            لو ان لي الخيارْ

            لَكُنْتُ قَدْ غَزَلتْ منْ رُموش الليلِ

            باقَتَيْ نَهارْ

            لكُنْتُ قَدْ غَمَسْتُ بالضّيِاءْ

            سَماءَنا الزّرْقاءْ

            وأرضنا السّمراءْ

            لكُنْتُ قدْ عَجَنْتُ اسْمَكِ الحبيبْ

            بحفنةٍ من دمْ

            وَقَبْضةٍ من نارْ

            لو ان لي الخيارُ

            يا رفيقيِ

            لكنتُ قد أكملْتُ وَحْديَ المشوارْ

            لكُنْتُ وَحْدي قدْ زَرَعْتُ الدّرْبْ

            قَنابلاً منْ حُبّ

            سنابلاً منْ نارْ

            لو ان لي الخيارُ

            يا حبيبتي

            لكُنْتُ قدْ حَمَلتُ الشّوْقَ

            في كَفّيّ

            باقةَ انْتصارْ

            مَعْذِرةً حبيبتي

            مَزْروعةٌ بالشوكِ والصّبارْ

            مَغموسةٌ بالنارْ

            طريقنا

            فَلْتُكملي لِوَحْدكِ المشوارْ

            فَلْتُكملي المشوارْ

            فَلْتُكملي المشوارْ

            11/11/1975م



            أمريكا الكبرى.. والأطفال


            أحبابي في بَحْرِ البقَرِ

            هاكمْ عُمري

            ما كُنْتُ لأعرفَ قَبْلَ اليومْ

            أنَ الفانتومْ

            أن النّابالمْ

            تَصنعُها أمريكا الكُبرى

            لتَدوسَ قُلوبَ الأطفال

            لتُشوّهَ أحْلامَ الأطفال

            وَلتَسرقَ ضحكاتِ الأطفالْ

            في بَلدي

            في بحرَ البقر

            يا أحبابي

            منْ خطفَ الدفترَ والأقلامْ

            منْ لَطّخَ بالدّمّ الأحْلامْ؟!

            منْ قصفَ الرّيشةَ

            في كفّ الرّسّام؟!

            منْ ردّ على كل الصّرخاتْ؟!

            منْ لملمَ أشلاْءَ الآهاتْ؟!

            منْ ردّ على كلمةْ

            ماما!

            ماما!

            غير الضّحْكاتْ؟!

            ضحْكاتِ عبيد النابالم!!

            أطفالٌ في عُمْرِ الزّهْر

            شَلّوا فكري

            قتلوا البسماتِ بعيْنيّ

            ويحي يا أحبابي الأطفالْ

            إن كنتُ سأبكي

            فَدماكمْ

            سَتظَلُ دُموعاً تَنْهالْ

            من عَينْيّ

            1970م

            * مدرسة بحر البقر للأطفال التي قصفها الجيش الإسرائيلي


            يمامة الأمل

            " الذكرى الثانية لاستشهاد أخي أحمد"

            عُيُونُكَ

            منْ وَراءِ الغْيبِ

            تأتيني

            وَتَضْحَكُ في شراييني

            وَتَحْملُ لي

            كنوزاً كُنْتُ أفقدُها

            منْ الأمل

            عُيونُكَ منْ ورَاءِ الغْيبِ

            تَبْسمُ لي

            تُحذّرُني منَ اليأسِ

            وتَحْمِلني

            على ريشاتها السوداءِ

            فوْقَ يمامةِ الأمَلِ

            تُحلقُ بي

            تُحلق بي

            وتَزْرعُني على غَيْمَةْ

            لأنزلَ قطرةّ خَصبةْ

            على أرْضي

            فأسْقيها رَحيقَ النصرِ

            منْ دمّي

            وأرتفعُ

            وأرتفعُ

            وَأضْحَكُ منْ وراءِ الغَيْبِ

            في كُلّ العُيونِ السودْ

            نموتُ لنوقِدَ الثورة

            نموتُ

            لتشمخَ الثوْرَةْ

            ونحيا في تُرابِ الأرْضِ

            أزهاراً

            وأنهاراً

            ونعْبَقُ في سماء الكوْنِ

            حُرّيّة

            وملءَ حَناجرِ الأطفالِ

            أغنيةْ

            17/7/1973م



            عيناك عُش بلادي



            " قرأت في إحدى الجرائد المحلية أنهم، هناك، يحرثون أجساد الفدائيين ويسرقون ما يجدونه فيها من بذور، ليزرعوه في أجسادهم"


            كالقناديل المضاءَة

            آه يا أحمدُ

            كانت مُقْلتاكْ

            مثلما تَنْهمرُ الدّمعاتُ

            منْ أهْداب غَيْمَةْ

            تَعْتريْ قلْبي غُمّةْ

            وَتَشلُّ النورَ في عَيْنَيّ

            تُضنينيْ

            وتجثو فوْق صَدْريْ

            آهِ يا أحمدُ

            عيناكَ هُما كُلُّ الذي

            يُرْهقُ فكريْ

            آهِ يا أحمدُ

            قلبي ينزفُ الأفْكارَ

            يَطْحَنُ الأحْلامَ

            يكْويني بنار الحقدْ

            فلماذا يا أخي

            لم تُعْطَ عَيْناك

            لجنديٍ مُقاتلْ؟!

            أو لعامل؟!

            أو لفلاحٍ فِدائيٍ مُناضلْ

            منْ بلادي؟!

            ولماذا يا أخي…

            ولماذا؟!

            ولماذا؟!

            لستُ أدْري…

            كلّ ما أدريه يا أغلى حبيب

            أن عَيْنيكَ هُما

            رغْماً عن التشْويهِ

            عُشّ لبلادي

            25/9/1975م


            أغنية حب فلسطينية


            " كمقابِرِ الشّهداءِ صَمْتُكْ"

            كمقابرِ الشّهداءِ صَمتي

            يا رفيقْ

            وَملءُ قَلبي

            أحزانٌ آلافِ السنينْ

            تَرفُ مثلَ فَراشةٍ محْروقةِ العيْنَي

            يا صَمْتي

            حَمَلتُك في شَرايينْي

            دِماءُ أخي الشهيد

            ترْويكَ

            وترويني

            عُيونُ أخي الشهيدْ

            يُكحّلها تُرابُ الأرضِ

            يزْرعُها نُجوماً في عُيون الشمسْ

            شِفاهُ أخي الشهيد

            تُقَبّلُ الأحْلامَ في قلبي

            فَتُدْميها

            وتَدُمينيْ

            تُلونُ حُبّيَ الفضّيّ

            بالحزن المدمّى

            وصوْتُ أخي الشهيدِ

            يلملمُ الدمعاتِ

            يلُثمُ جَبْهَةَ القمرِ

            وَيَغْرسُ بَسْمَةَ خضْراءَ

            في غمّازةِ القَدَرِ

            أحبكْ!

            أحبك دمعةً تشْدو

            على خدّي

            تُذَكرُني بأغْلى وَعْدْ

            أحبّك

            قُبْلةً تغْفو بحضنِ الورْدْ

            أحبّكَ

            غُنْوةً وطنيّةَ الإحساسْ

            مُلوّنةً بلونْ الدمّ

            مُطعمةً بِطَعَمْ الدمّ

            أحبّك

            زَهْرَةً نَبَتتْ على صدر الشهيدِ

            وبسْمَةَ لا تُتقنُ التّعبيرْ

            أحبّك

            آه لوْ تدْري

            أحبّكَ خنْجراً في القلبِ

            يجرحُني

            ويؤْلمني

            وَيُفعمُ بالأسى صدْري


            24/5/1975م


            رفيق السجن

            قصيدة مهداه إلي الشاعر سميح القاسم تعقيباً على قصيدته

            " ما تيسر من سورة السلاسل"

            يا صديقي

            يا رفيقَ السجن في قَاع المغارةْ

            ما الذي تَفعلُهُ القضْبانُ

            والسّجانْ

            لقلوب هيَ للحُبّ منارَةْ؟!

            ما الذي يَفْعلُهُ السّجنُ لنا

            إنْ يَكُنْ للموتِ طعمُ الفَرَحِ؟!

            ما الذي يفْعَلهُ السّوْطُ بنا

            غَيْرَ ألوانٍ لقَوس القُزَحِ؟!

            ما الذي يعنيهِ قُفْلٌ

            وَسَلاسل

            والزنّازينُ وآلاتُ العذابْ

            ما الذي يَعنيهِ

            إنْ كُنّا نُقاتلْ

            بأغانينا

            لتمْجيد الترابْ؟!!

            قتلوا في عَيْنِنا نورَ النهارْ

            قَيّدونا

            عَلقونا بالجدارْ

            فإذا نَحْنُ نرى ألف قَمَرْ

            أنتَ أصبحْتَ قَضاءً

            وأنا صرْتُ القَدَرْ

            دَمْعَةٌ حَرّى

            هَوَتْ فوْقَ جَبيني

            فَنَظَرْتْ

            فإذا السّقْفُ عُيونٌ خائفَةْ

            منْ هَديرِ العاصفَةْ

            آلةُ التّعذيبِ شُلّتْ

            والدّماءْ

            أزْهَرَتْ فوْقَ الترابْ

            جُوعُنا خُبزٌ وشْهدٌ وشَرابْ

            وتراتيلُ عِبادَةْ

            وإرادَةْ

            صَرْخَةٌ

            فَجّرْتُها في وجْه أعداءِ النهارْ

            اشنقُوني ألف مرّةْ

            وافْقأوا عَيْنَيّ إنْ شئْتُمْ

            ولكنْ

            شئتمُ … سيانَ

            أو أنْتُمْ أبَيْتُمْ

            سَتَعودُ الأرضُ حُرّةْ

            1970م


            قل لهم



            "قلْ لهُمْ"

            لوْ أغْمَضوا عَيْنَ القَمَرْ

            أيغيبُ النورُ

            عَنْ مُقْلَتِه

            "قُلْ لَهُمْ"

            لوْ كمّموا فَكَ القَدَرْ

            أيكُفُ الطّيْرُ

            عنْ غُنْوَتِهِ


            1970م


            العشقُ القاتل


            عاشِقَةٌ أنا

            والعشْقُ في بلادنا حَرامْ

            والحبُّ في بلادنا جرامْ

            والشّوْقُ للمحبوبِ في بلادنا

            حرامْ

            وَرَغْمَ أن كلّ شيءٍ في بلادنا حرامْ

            عاشقَةٌ أنا

            عاشقةٌ أنا بلا نَدَمْ

            عاشِقَةٌ حتّى جُذور الصّمْتِ

            والعَدَمْ

            أقبّلُ الترابَ في الصباحِ والمساء

            وأعبدُ الفناءْ

            من أجلِ مُقْلتي قريتنا الخضْراءْ

            عاشقَةٌ أنا كالموتْ

            أضمُّ حُبّها العظيمْ

            في طرْحَتي البَيْضاءْ

            أخافُ أن يَمَسّها النّسيمْ

            أخافُ أن تَجْرَحَها العيونْ

            أحبُّها مزارعاً وَبَيّاراتْ

            أحبُّها شوارعاً ضيّقةً عتيقةْ

            أحبُّها مجْداً وتاريخاً

            وقصصاً عَريقةْ

            أحبّها خَنادقاً

            أحبّها زُهوراً

            أحبّها صَنَوبراً وحوراً

            قصائداً أحبّها

            ورَقْصَ ميْجنا

            وزَفّةً ودْبكةْ

            وألف ألفَ ضِحْكةْ

            أحبّها لو أنها قاتلتي

            لو أنها معْصَرةٌ للموتِ

            للفناءْ

            تظلُّ عندي قريتي الخضراءْ

            تظلّ مُقْلتْي

            أحبّها

            لأنَّ كلّ منْ أحبّهمْ

            ماتوا لأجْلها

            أحبّها

            لأنّ إخوتي وكلّ أهْليْ

            سُجنوا وعُذبوا واستشهدوا

            من أجلها

            أحبها

            لأنني أموت كل يوم

            ألف ألف مرّة

            من أجلها

            عاشقةٌ أنا

            وفوقَ جَبْهتي تُعششُ النجومْ

            وفوقَ مُقلتي

            ترقُصُ منْ فرحتها الغُيومْ

            وفوقَ ذقني يضْحَكُ القمرْ

            ويَحضنُ الحياةَ

            يا حياة!!

            عُودي إلى قرْيتنا الخضراءْ

            عُودي مَعَ الصّباح والمساءْ

            عُودي مَعَ الصّيْفِ

            مَعَ الرّبيع

            والخريفِ والشّتاءْ

            عُودي !!

            فَرَغْمَ أن كُلّ شيءٍ في بلادنا حرامْ

            سَنَسْحَقُ الظّلامْ

            سَنَسْحَقُ الظّلامْ

            ومنْ عُيون الفجْرِ سَوْفَ نَصْنَعُ السّلامْ


            18/9/1974


            على جدران زنزانة



            على جُدْرانِ زنْزانةْ

            حَفَرْتُ وَطَنْ

            بقطعةِ عَظمْ

            بحُفْنَةِ دًمّْ

            على جُدْرانِ زنْزانةْ

            نَقَشْتُ عَلَمْ

            زَرَعْتُ الحبّْ

            بنْبضةِ قلْبْ

            على جُدْرانِ زنْزانةْ

            قَتلتُ الموْتْ

            فَغَنّى الطيْرْ

            وَعَمّ الخيْرْ

            على جُدران زنْزانةْ

            عزَفْتُ نغَمْ

            ففرّ البابُ

            والبوابْ


            13/1/76م


            على أغصان زيتونه



            على أغصانِ زيْتونةْ

            رأيتُ الفجْرْ

            يصيرُ فَرَحْ

            وقوْس قُزَحْ

            على أغصانِ زيْتونةْ

            رأيتُ المجدْ

            يُطرّزُ قصّةً حُلوةْ

            على ربْوةْ

            على أغصانِ زيتونةْ

            رأيتُ الأرضْ

            تَضُمّ الشعبَ في نشْوةْ

            وتُطْلِقُ في السّما غُنْوةْ


            14/1/76م



            لماذا … وكيف ؟!


            لماذا أحبكْ

            وهلْ تُسْألُ الأرُضْ

            لماذا تُحبُ الّشجرْ!

            وهل تُسْألُ الأغنياتْ

            لماذا تُراقصُ عزْفَ الوترْ!

            وهلْ يُسألُ العاشقونْ

            لماذا السهرْ؟!

            وهل تُسألُ الشْمسْ

            لماذا تكحّلُ بالضوءِ

            عيْنَ القمر!!!

            وكيفَ أحبّكْ؟

            أحبّكْ جَدْوَلَ شوقٍ

            يُلمْلمُ جَدْبَ الصحاريْ

            وَيَغْزلُ من عَطَشِ العُمْرِ

            نهراً

            أحبّكَ فجراً نَدياً

            وعطراً

            أحبّكَ كيْف؟؟

            تَعْبتُ رفيقي

            تعْبتْ

            أحبّكَ حُبَّ الفدائيّ للأرضِ

            هلاّ سألتْ!!


            11/1/76م


            بيني وبينك



            بيني وبينكْ

            آهِ ممّا بَيْننا

            حرْبٌ؟

            وقدْ نموتُ

            قبلَ أنْ تَموتَ الحربْ

            وقدْ يَضُمّنا الضّياعُ منْ جديدْ

            وتُبْعثُ المأساةُ منْ جديدْ

            وقدْ يموتُ الحبّ

            بيني وبَينكْ

            آهِ يا حبيبيْ

            مغْتَصبٌ حقودْ

            وكومةٌ منْ الأوامر العْبريّةْ

            حُكْمٌ عليّ بالإقامة الجبْريّةْ

            حُكْمٌ عليْكَ أن تظلّ خارجَ الحدودْ

            26/2/76م


            الحمل الثقيل



            يا وَطَني

            يا هَمّاً أحْمِلُهُ

            قبْلَ الميلادْ

            يا وطني

            يا حِمْلاً ظلّ على كتفي

            بعْدَ الميلادْ

            والحمْلُ ثقيلٌ

            يا وطني

            والدّرْبُ هَلاكْ

            وأنا أتعثّرُ

            أتعثّرُ

            بينَ الأشواكْ

            1986م



            الثمن الغالي



            أدْركُ أنًّ العُمْرَ

            قصير

            وأنَّ الدَّرْبَ

            طويلْ

            لكنْ لا بُدَّ لكي نحيا هذا العُمْرْ

            ولكيْ نُكملَ هذا الدَّرْبْ

            أنْ نَغْرسَ في أعْماقِ الدًّهْرْ

            قلْباً مجْروحاً بالحبَّ

            1976م


            الجنسية الجديدة


            أريدُ قلماً وبُنْدُقيةْ

            بقلمي

            أفَجّرُ البارودَ

            والقنابلَ الذّرّيةْ

            ببُنْدقيتي

            أرْسمُ أحْلاماً

            ألوّنُ الحقولَ

            أشْطُبُ الحروبْ



            وأزْرعُ الضّحْكاتِ في كلّ الدّروبْ

            أصنْعُ دُستوراً للحُبّ

            للسّلامْ

            ببُندُقّيتي

            ألغي حُدودَ الكرةِ الأرْضيةْ

            وأمنحُ الإنسانْ

            جِنْسيةً جديدةً فَتيْةْ

            تلفُّ كلَّ الكوْنْ

            منْ غيرِ ما هُوِيّةْ

            28/9/75م



            مناره


            قرَأتُ تاريخَ الشّعوبِ

            كُلّها

            يا شَعْبيَ الحبيبْ

            فَلَمْ أجدْ في كُتُب التاريخ والحضارةْ

            من مثلنا

            منْ دمهِ

            وعظمهِ

            ولحْهِ

            بَنَى لشَعْبِهِ منَارةْ

            1975م



            جذر الشجرة



            تَتَكاثرُ

            أغْصَانُ الشّجَرَةْ

            وتَهُبُّ على الأغْصانِ الرّيحْ

            لكنَّ جَميعَ الأغصانْ

            مهْما ابَتَعَدَتْ

            تَشرَبُ منْ جذْرِ الشّجرَةْ

            1975م


            القسم المعطر بالدمع



            لعُيونكِ يا بَلَدي

            غَنّيْتْ

            لعُيونِكِ يا بَلَدي صَلّيْتْ

            وَبَكيْتْ

            وقَطَعْتُ العهْدْ

            لا … لنْ أترُكَ جُرحي

            ينزفْ

            سأعيشْ

            سأعودْ

            منْ فوق الجسرِ أعودْ

            منْ تحت الجسر أعودْ

            منْ قلْب الصّخْرْ

            سأشُقُ النّهْرْ

            ولتسْقُطْ يا جسْرَ الأحزانَ

            ولتسْقُطْ يا رمزَ الطّغيانْ

            بدَمي وبَلَحمي وبعَظْمي

            سأضُمّ الفجْرْ

            بدَمي وبلحْمي وبعَظمي

            سأطَرِّزُ أقواسَ النصرْ

            14/12/73م



            مسيح القرن العشرين


            فوْقَ الجسْرِ الخَشَبيّ

            صَلَبوني

            بمساميرِ القسْوةِ والظّلْمْ

            دَقّوني

            منْ قلبِ تُرابيْ

            خَلَعونْي

            منْ بين أحبّائي الأطفالْ

            سَحَبوني

            ومسيحَ القرْنِ العشْرينْ

            جَعَلونْي

            لكني عُدْتُ إلى أرضيْ

            ورفُعْتُ لأحيا في أرضيْ

            بمئاتِ المطرودينَ منَ الأوْطانِ

            أتيتْ

            بمئاتِ المصلوبينِ على الجسْريْنِ

            رَجعْتْ

            فجذوري تجذبني

            وترابي يجذبني..

            ودُموعُ صغاري الأحبابْ

            والهلعُ الأصفرُ في عينْيْ

            أمي وأبي

            أختي وأخيْ

            ودُموعُ الحرْقةِ في عيْنَيْ زوْجيْ

            تجذبُني تجذبُني تجذبُني


            14/7/73م

            الصياد والحمامة

            " الى الجندي الذي بكى على الجسر"

            ذَكّرْتنيْ

            بقصةِ الصّيّادِ والحمامةْ

            يا أيها الجُنْديّْ

            تبكيْ

            وفي زنْدَيْكَ رشّاشٌ

            مُصوّبٌ عليّْ

            14/12/73م

            قصتنا


            " مشكلة الشرق الأوسط كما يراها أحد المبعدين"

            قِصّتُنا

            قِصّةُ كُلّ شَعْبنا

            تَلْخيصُها أنا

            14/12/73م

            يوم حقوق الإنسان



            أتَساءَلُ دوْمَاً

            ما معنى حقّ الإنسانْ؟

            عُذْراً

            فَلَقَدْ أدْركتُ الآنْ

            أن الإنسانْ

            قدْ كانْ

            واليوْمَ طواهُ النّسْيانْ


            14/12/72م


            لأننا … لأنكم



            تُعاقِبونَنَا؟

            وتطْردُوننا؟

            لأننا نُقدّسُ التّرابَ والصّخورَ في جبالنا؟

            وترْهَبوننا؟

            لأننا؟!

            معْذرةً

            لأنكّمْ

            لأنكّمُ تَرَوْنَ موْتكمْ وذُلّكُمْ وقهْركُمْ

            يشعّ منْ عُيوننا

            14/12/73م



            أنت


            غَنّيْتُ للسّجيْنِ

            للشّريدْ

            غَنيْتُ للشّهيدْ

            غَنيْتُ للأبطالِ

            للأحْرارْ

            صَليْتُ للثوارْ

            ولم أكُنْ أعلمُ يا أخي الحبيبْ

            أنّ السّجينْ

            أنْ الشّهيدْ

            وأنّ كلّ مَنْ مِنْ أجلهمْ صَليتْ

            همْ يا حبيبي أنتْ

            1971م


            سكن الشهيد


            في الجنةِ أنتْ

            في أحلى زَهَراتِ بلاديْ

            في ضحكةِ عُصفورٍ شاديْ

            في لوْنِ الأرضْ

            في كلّ النسَماتِ الحلوةْ

            في رَفّةِ أهْدابِ الغُنْوَةْ

            في نَعَسِ الليلْ

            في روْعَةِ آذانِ الفجْرِ

            وعبيرِ الفُلّ



            25/6/72م


            وأنا وحدي سأبكي


            عِندما تَنْسابُ عَبْرَ الكوْنِ

            أرواحُ الحزانى

            تغرقُ الأحْلامُ في عينِ القمرْ

            عندما يَنهَلّ قلْبٌ

            ذائبٌ حُزناَ ولوْعَةْ

            تنزوي النجماتُ

            يحتارُ الشجرْ

            وأنا وحْدي سأبكي

            أستار الغيب

            في ذهني كلُّ حكايا الكونْ

            في ذهني كلُّ حكايا الموتْ

            والحبّْ

            والوجدْ

            والشوقُ القاهرُ والأحزانْ

            في ذهني تتأرجحُ كلُّ الأزمانْ

            الماضي والحاضرُ والغدْ

            وأنا أتَعَذّبُ

            أتلوى في كفّ الموتْ

            تقتلني الذكري

            تقتُلني

            يسحقني الصمتْ

            وأحاولُ- عَبثاً - أن أجلو

            أستارَ الغيبْ

            18/9/74م



            رائحة الموت



            ما أفظعَ رائحةَ الموتْ

            ما أفظعَ طعمَ الموتْ

            لونَ الموتْ

            شكلَ الموتْ

            لمسَ الموتْ

            ما أفظعَ أن تحيا

            لحظاتِ الموتْ

            5/5/75م



            أبراج الحمام


            يا سادتي الكرامْ

            لو أنني أحنيتُ هامتي للريحِ

            منذُ ألفِ عامْ

            لما تكاثرت في الكونِ أبراجُ الحمامُ


            8/9/75م


            بطاقة

            للسيد بسام الشكعة

            بيدٍ أحملُ قنديلاً

            وبالأخرى أقاتلْ

            فأنا ألفُ شهيدٍ

            وأنا ألفُ مناضلْ

            26/9/75م


            المعجزة




            تتوالى ضَرَباتُ السّوْطِ

            على ظَهْرِكَ

            يا شعبيْ الصّامدْ

            وتشُقّ جِراحاَ

            وأراكَ… كَعَهْديْ

            جَبّارْ

            من جُرْحِكَ

            أشرَقتَ صباحاً

            وصَنَعْتَ نهارْ

            وفتحتَ جِراحَكَ

            فابتَلَعتْ كلَّ الضّرباتْ

            يا موسى

            إذهبْ بعَصاكْ

            ليستْ مُعجزةً أن تبتلعَ عَصاكَ

            حِبالَ السّحرةْ

            إذهب يا موسى بعصاكْ

            فَجراحيْ

            قادرةٌ أن تبتلعَ حبالَ السّحَرةْ

            وأن تَبْتلعَ عَصاكَ

            1975م


            الفدائي


            صباحُ الخير يا حلوةْ

            صباحُ الخير

            أتَيْتُكِ

            قبلَ أن تصْحو

            صِغارُ الطير

            أتيْتُكِ

            يا سؤالاً ظلّ يُحرجُني

            ويا أسطورةً للحُبّ

            تَجذبُني

            وتُرْعُبني

            فأنتِ الحبّ

            والمحْبوبُ

            أنتِ الموتُ والبعْثُ

            أطيرُ إليكِ

            أهربُ منْكِ

            أهْواك وأخشاكِ

            وأحْلُمُ

            لوْ أبيع العُمْرَ والدّنيا

            لأغْرسَ وَرْدَةً حَمْراءَ

            في شَعْرِكْ

            لأغْرسَ بَسْمَةً خَضْراءَ

            في ثَغْرِكْ

            صباحُ الخيْر يا حُلْوَةْ

            صباحُ الخيْر

            أتيْتُكِ

            حاملاً كَفَنيْ

            أتيْتُكِ

            عاشقاً موْتي

            أتيْتُكِ يا عروسَ الشّرْقْ

            لأحملَ عَنْكِ عبءَ الموْتْ

            فَظَلّي حُلْوَتي

            ظَلّي

            وَقولي للصبّايا

            إنني أنتِ

            1976م


            أغنية ووعد



            إيزيسُ

            يا إيزيسْ

            هلْ قيّدوا رجْليْكِ في جدارِ الموتِ

            في الأسلاكِ

            في الأشواكِ

            في حُدودِ الغيْبِ

            في أسطورةٍ مَنْسيةِ التّاريخِ والمكانِ والعُنوانْ؟!


            هلْ علّقوا زنْدَيكِ

            في جَدائلِ الأحْزانْ؟!

            هلْ غيّبوا في مُقلَتَيْكِ خنْجَراً وبُنْدُقيّةْ

            وقبْضَةً من نارْ؟!

            هل عَلّموكِ

            أنّهم هُمْ وَحْدَهُمْ بَشَرْ؟!

            وأنّ هذا الكونَ كونَهُمْ

            والأرضَ أرضُهُمْ

            والخيرَ… كلّ الخيْرِ

            خَيرُهُم

            والشّمسَ والقمر؟؟

            إيزيسُ

            يا إيزيسُ

            منْ شَعْريَ الطويلْ

            غَزَلتُ جيتارا

            ومنْ رُموش مُقْلَتيّ أوتْارا

            منْ قَلْبي الناصعِ يا إيزيس

            رَسَمتُ أقمارا

            ومنْ نَدى الحنانِ في عَيْنيّْ

            فًجّرْتُ أنْهارا

            لَعَلهُ رفيقي الحبيبْ

            تجْذِبُهُ الأنغامُ والألحانْ

            تجْذبُهُ الأنهارُ الأقمارْ

            يجذبُهُ الحنانْ

            لَعَلهُ رفيقيَ الغَريبْ

            يعودْ

            للأرضْ

            فَبَيننا يَربْطُ رَغْمَ البُعْدْ

            يَرْبطُ يا إيزيسُ رغمَ القيْدْ

            أغنيةٌ … ووعْدْ

            1976م


            كفر قاسم …. والبراعم


            " لم تعد كفرُ قاسم تلك القرية الوادعة، الغافية في حضن فلسطين

            لقد كبرت فصارت وطناً … صارت رمزاً"

            قَتَلوها

            كُفر قاسمْ

            ذَبحوا أبناءَها في حِجْرها

            سَلبوا مَنْها الأساورْ

            والخواتمْ

            شَنَقوها

            كُفر قاسمْ

            وَعَلى شَجْرةِ جُمّيزٍ قديمةْ

            عَلقوها

            وَرَوَوْا منْ ماءِ عَيْنَيْها

            الجرائمْ

            قُبلةً في الثّغْرِ كانتْ

            كُفرُ قاسمْ

            ورْدَةً في شَعْرِ نَخْلةْ

            بسْمةً في خَدّ طِفْلةْ

            صدْرُها بُرْجُ حمائمْ

            لمْ تموتيْ

            كُفْر قاسمْ

            صرْتِ جُرْحاً في حقيقةْ

            كَبُرَ الجرْحُ وروّى

            كلّ أغصان الحديقةْ

            شربَتْ.. حتى ارتوتْ منهُ

            البراعمْ

            1976م


            الميلاد الجديد


            " إلى روح الطفل علي عفانة.. والى جميع الناس الذين تحوّلوا إلى أطفال بعمر علي في فلسطين المحتلة"


            بزُهورِ الأرضِ البرّيّةْ

            يا أحبابي

            رشّوا قبْرَهْ

            بِتُرابِ الأرضِ البُنّيّةْ

            يا أولاديْ

            غَطّوا صَدْرَهْ

            يا طفْليْ الغاليْ

            يا أمليْ

            بدُموع عُيونيْ

            عَطّرتُكْ

            هِبَةً منْ قلْبي

            قدّمْتُكْ

            زَهْرةَ شَقّيقِ بَرِّيّةْ

            أغنيّةَ حُبِ وطنيّةْ

            للأقصى… لرَبيع الثورَةْ

            للأرضِ السّمراءِ الثّرَةْ

            أبشرْ

            يا أغلى منْ روحيْ

            فالناسُ

            جَميعُ الناس هُنا

            قدْ صاروا أطفالاً

            خَلَعوا العُمْرَ المنْسيّ الضائعَ بينَ رُكامِ الموْتْ

            عادوا يا طفليْ مِثْلكَ أطفالاً

            في أعينهم تتألقُ آمالُ المستَقْبلْ

            في أعيُنهم أقمارٌ… ووُعودٌ

            في أيديهمْ مشْعلْ

            ماتَ الماضيْ والحاضرُ يا ولديْ

            وُلدَ المسَقْبَلْ

            تعليق


            • #7
              زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه


              حفروا مذكراتي على جسدي


              فهرسة الأشعار

              حديثنا اليومي

              على حطام لوحة

              الام الفلسطينية

              رسالة وجواب

              أحب إلي

              حفروا مذكراتي على جسدي

              من أجل عينيك

              قصة القدس الحزينة

              حكاية غدر

              لن أهاجر

              الريح الغضوبة

              صوت الثورة

              فجر الانتصار


              معذرة

              احكم ماشئت

              طريق المجد

              من أجل إحلال السلام

              الأقصى يحترق

              لن تقاوموا الضياء

              أمنية الشهيد

              تفاؤل

              زيت الثورة

              مغرس الزيتون

              التربة السمراء

              البسمة الحنون

              باقة صمود





              حفروا مذكراتي على جسدي


              الإهداء

              إلى أمي ............

              المناضلة الأولى ......

              التي علمتني معنى الفداء

              وإلى رفيقاتي في النضال والمعتقل

              هبة الخياط ونائلة العطعوط وسعاد العبوة

              في الذكرى الثلاثين

              لاحتلال كامل الأرض الفلسطينية

              زينب


              تنويه



              تلك الأحداث..... لا تزال منقوشة في ذاكرة الزمان .

              فالأحلام الوردية التي حملتنا على ظهرها كطائر خرافي ..

              وحلقت بنا إلى الأعالي قبل الخامس من حزيران عام 1967 ..

              سقطت فجأة

              والشموع التي أضاءت قلوبنا بنشوة العودة إلى الوطن..

              انطفأت.

              وخلفت لنا حرقة في الحلق.. واحمراراً في العينين...

              وظلمة رهيبة، حولت كامل الوطن إلى زنزانة رطبة في معتقل كبير.

              إلا أن إرادة الشعب، والقوة المعنويةَ الكامنة فيه ...

              تفجرت.

              ونسفت كل أوهام المحتل.

              فبدأ التحدي .. وبدأ النضال.

              وتغيرت ا لأحاديث...

              وتعانقت الأرواح داخل الوطن وخارجه ..

              لتغزل معاً ملحمة الحب والفداء ..

              في سيمفونية فلسطينية خالدة

              فامتزج الحزن بالغضب...واليأس بالأمل.

              وفهمنا معنى الصمود.

              وتحول السجان إلى سجين

              وصار الشهداء والمعتقلون والجرحى شموعاً وضاءة تنير لنا الطريق ..

              وتحرق أوهام المحتلِ وهماً وهماً.

              أذكر أكثر ما اذكر .. الأم الفلسطينية ..

              التي تجسدت في شخص أمي

              يا أمهاتنا

              انتن

              من سيصنع التاريخ.......

              في بلادنا.......

              وأذكر رفيقاتي في النضال والمعتقل..

              هبة الخياط ونائلة العطعوط وسعاد العبوة

              وأذكر أغنياتنا التي فتتت جدران الزنازين..

              وصمودنا الذي حول كل واحدة منا إلى شجرة متجذرة في أعماق الأرض ..

              مغروسة إني هنا

              في التربةِ السمراءْ

              زيتونةٌ من زيتها

              ثورتنا تُضاء

              واذكر بكل الإجلال والاحترام... أخواتي واخوتي ..

              الذين لا يزالون يفتتون بأغنياتهم...

              ما تبقى من أوهام المحتلين.

              زينب حبش

              حديثنا اليومي



              الذِكرَياتُ وَالحَنينُ لم تَعُدْ

              حدَيثنا اليَومي

              وَالعطرُ

              وَالكوافيرُ

              وَالحَريرْ

              لا... لَم تَعُد حَديثَنا اليوَمي

              والأُغنياتُ الحُلوَةُ الملآى حَنان

              لا... لَم تَعُد حَديثنا اليَومي

              حَديثنا

              مُمَوسَقٌ برَنة السِلاحْ

              مُوَشحٌ بِرَايةِ الكِفاحْ



              حَديثُنا اليوَمي

              مُعَطرٌ بحلم الانتصارْ

              بِرَوعَةِ الرجوعِ للديار



              نابلس أيار 1967م



              على حطام لوحة



              يا لَوحتي الجميلةْ

              لي فيك أحلامٌ

              وآمال كَبيرةْ

              لي ألفُ سمفونيةٍ مُثيرةْ

              لي قصةٌ يا لوحتي طويلةْ

              لكنهمْ

              بالدم خَربشوكِ

              بالضَغينةْ

              بالحقْدِ

              بالساديةِ اللعينةْ

              وَيَوْمَهَا

              لم يَتْركوا يا لَوحَتي القَلْبَ الجريحْ

              فَعَلى بَقايا سِدرْةِ كبيرةْ

              دَقوا صليبيْ

              قربَ جثمانِ المسيحْ


              نابلس /1968


              الأم الفلسطينية




              "إلى كل أم في عيد الأم"



              يا أمهاتنا

              أنْتنَ

              مَنْ سَيصنْعُ التاريخَ

              في بِلادنا




              نابلس 1969




              رسالة وجواب

              "إن من يبحث في غير أرضه عن السعادة، لا يستحق الحياة"



              تَعاليْ إليَ

              حَياتيْ بدونِكِ جَدْبٌ وَنارْ

              وَإني ليَحرقني الإنتظارْ

              إلى شَفَتيْكِ

              إلى ومضة الحبِ في مقلتيكِ

              إلى شَعْركِ الثرِ

              للبَسمَاتِ

              تُروَيْ فؤَاديْ رواءَ هنيْ

              تَعَاليْ إلى

              لنحيا حَياةً سَعيدَةْ

              عَلى بقْعَةٍ في بِلادٍ جَديدةْ

              بلادٍ بَعيدةْ

              عَنْ الحَربِ

              عَنْ طَلَقاتِ البَنادقْ

              سَئمْتُ حَيَاةَ الخَنادِقْ

              سَئمْتُ

              سَئمْتُ

              فَفي أرضِنا

              يَعيشُ الشبابُ بِدونِ هُويةْ

              يَموتْ الشبابُ بِدونِ هُويةْ

              نَموتُ

              نَموتُ

              وماَ مِنْ جَنى


              بِماذا تراني أرد عَليْكْ

              على الكلماتِ التي فَاجأَتْنيْ

              وكانَتْ سموماً على شَفَتَيكْ

              فَأذْهَلُ

              أَذْهَلُ

              أذهلُ منْكْ

              ويَغْرَق باليأسِ منْكَ فؤاديْ

              وَأنتَ تُحدثنيْ عَنْ بلاديْ

              وَعنْ عَبَثِ الحبِ بَيْنَ رباها

              وَسخْريَة المَموتِ منْ أجلها

              وَعنْ يَأسِك المرِ منْ أهْلها

              وَمِمن يَعيشون فَوْقَ ثَراها

              بماذا أردُ عَلَيْكْ ؟!!

              يَعزُ عَلي

              أرى حبكَ الثرَ للأرْضِ

              يَذْويْ .. وَيَذْويْ

              يَعزُ عَلَي

              أرى الكبرياءَ التي كنْتُ أهوى بِعيَنْيكَ

              تَذْويْ .. وَتَذْويْ

              يَعزُ عَلَي

              أراكَ

              أرى البَطَلَ الشهْمَ

              يَذوي

              وَيَصغرُ

              يصغر

              في مقْلتَي


              نابلس /1969 م



              أحب إلي




              لَسجنٌ في ربا حَيفا

              مَعَ التعْذيبِ

              وَالقسْوةْ

              أحَبُ إليَ

              مِنْ قَصْر

              عَلى رَبْوَةْ

              بعيداً عن ثرى وطني



              نابلس 6/4/69م



              حفروا مذكراتي على جسدي



              ضَرْبَةٌ في الرأسِ

              أولى ذكرياتيْ

              وحديدٌ

              وَسلاسِلْ

              ودَمٌ في الوجهِ سَائِلْ

              على العْينِ عصابةْ

              كالسحابةْ

              حمَلوني فَوْقَ سَيارةِ شرطةْ

              شَتموني بِعباراتٍ بَذيئةْ

              يا أخا الْ ...

              أَواهُ

              يا أختيْ البَريَئةْ

              آهِ مِنْ قيْدِ الحَديدْ

              آهِ منْ حقْدي الشديدْ

              عَلقوني مِنْ ذراعيْ

              خَلَعوا عَني ثيابيْ

              جَعَلوا مِنيَ أرْجوحَةَ لعْبِ

              مَزقوا بالسوْطِ أعْصابيْ

              وَقَلبيْ

              مَزقوا ...

              أَواه ما أقسى عَذابيْ

              خَلعوا مِنيْ الأظافرْ

              حَرقونيْ بالسجائِرْ

              سَلخوا جِلدي المكابرْ

              وَجَدوا تَحتَ عِظاميْ

              ألفَ ثائِرْ

              ألفَ ثائِرْ

              كانَ ليْ يَوْماً يَدانْ

              شَلتْ الأولىْ

              وبالأخْرى أردُ الضرَباتْ

              ما أَشد الضرَباتْ

              غَيْرَ أَني مثْلما قالوا

              عَنيدْ

              وَفؤادِيْ مِنْ حَديدْ

              وَاعْترافيْ

              لَمْ يَكنْ إلا بَحبِ الأرضِ

              رَغْمَ الهَذيانْ

              جاءَ دَوْرُ الكَهْربَاءْ

              آهِ ما أَقْسى عَذاب الكَهْرباءْ

              لم أكنْ أُدرِكُ أَن الموْتَ يولدْ

              يَتَكاثَرْ

              كانَ في اللحظةِ مِليونُ وفاةْ

              كانَ في اللحظةِ مِليونُ جَهنَمْ

              يا جَهنَمْ

              إرِفعيني مِنْ يَدِ الغَدْرِ

              إليْكِ

              إرِفعينيْ

              عَلنيْ أنسى عَذابيْ فيْ يَدَيْكِ

              يا حَبيبيْ

              وَأَتَتْني يَوْمَها إحْدى الصبايا

              البغايا

              يا حَبيبيْ

              وَدَنتْ من جسميَ المَنهوكِ

              تصْليهِ سَعيرا

              وَنفُورا

              يا حَبيبيْ أَنا لَكْ

              هَذهِ الحَسناءُ تَأْتيكَ بِكلْمةْ

              - - - -- - !

              - - - -- - !

              - - - -- - !

              - - - -- - !



              لَستُ أَدريْ ما الذيْ قلْتُ

              وَلكني صَحَوْتْ

              وَغَفَوْتْ

              وَصَحَوْتْ

              كنْتُ عرياناً تُغَطينيْ الدماءْ

              كنْتُ أُهذيْ بَاباءْ

              وَسَمِعْتْ

              - ضَرَبَ الحَسناءَ

              - ماذا؟!!

              - وَالملازِمْ ...

              - وَأَخي وَالحارسَ الجِنْجيْ !!

              - ألفدائيُ العَنيفْ!!

              - إنه أسطورةٌ مِنْ كِبْرِياءْ !!

              - أترى مَاتَ ؟

              - تَعالوا

              - أَنا خائِفْ

              - أَنا خائِفْ

              - أَنا خائِفْ

              فابتسَمْتْ

              وَغَفَوْتَ



              نابلس في 1969 م



              من أجل عينيك


              يا بلاديْ

              كنْتِ في عَيْنيَ غْنوَةْ

              تَغمرِينْ القَلْبَ نشوَة

              كنْتِ أحلى

              كنْتِ أغْلى مِنْ جِنانِ الخْلدْ

              لَكنْ

              يا بلاديْ



              يا ضياءً مَقْدسياً في جفونيْ

              صِرتِ في عَيْنَيَ أحْلى ألف مَرةْ

              صِرتِ أغلىْ ألفَ مَرةْ

              صِرتِ لما

              فقأوا مِنْ أجلِ عَيْنَيْكِ

              عيونيْ



              نابلس في 1969 م


              قصة القدس الحزينة


              أول زيارة لمدينة القدس بعد احتلال 1967


              أصدِقائيْ

              يا أحَب الأصدقاء

              لا تلومونيْ إذا كنْتُ حَزينَةْ

              فأنا الحزْنُ خِماريْ

              مُدْ غَزا الأعداءُ داريْ

              وأحالوا بَلْدتيْ الخَضراءَ

              أَطْلالاً قَديمةْ

              دَمروا فيها الحَياةْ

              دَنسوا فيها مَحَاريْبَ الصْلاةْ

              وَالوجوهُ الحلوَةُ السمراءُ

              قَدْ صارت سَقيمَةْ

              وابتساماتُ الصغارْ

              مَزقوها

              بالمَدفِعْ

              بَالقنابل

              بَالرصاصْ

              حَرقوا الفَرْحَةَ في عينِ الصغارْ

              بالمَدفِعْ

              بَالقنابل

              بَالرصاصْ

              زَرَعْوا بالرعْبِ أحلامَ الصِغارْ

              بالمَدفِعْ

              بَالقنابل

              بَالرصاصْ

              بَلديْ الْقدسُ أَنا

              والقدسُ أنغامُ حَزينَةْ

              وَالدموعُ الصفْرُ تَجتاحُ المَدينَةْ

              لستُ أَدريْ إخوتيْ الأحبابَ

              من أَينَ سأَبْدَأ

              قصةَ القدسِ الحَزينَةْ

              طفْتُ فيها اليومَ

              في كل طريقْ

              لَمْ أدَعْ في القدسِ حارَةْ

              كلها

              كلها يا إخْوَتي كانتْ تنادينيْ

              بدَمعاتٍ حَزينَةْ

              فإذا بالدورِ قَدْ صارتْ حجارَةْ

              والعماراتُ الجميلَةْ

              قَدْ أحالوها قَذارَةْ

              طفْتُ في القدسِ

              وَلي فيها صَديقْ

              آهِ هذا الوقْتَ

              ماَ أغلى الصديقْ

              وعَلى البابِ...

              اعذروني ...

              أي بابْ!

              لم يَعدْ يا إخوَتي للبَيتِ بابْ

              لم يَعدْ للبَيتِ آثارٌُ

              سوى ذَر الترابْ

              لم يَعُدْ للحيِ

              كل الحيِ

              آثارُ

              سوى ذرِ الترابْ

              وعلى القربِ

              رجالٌ يَنْدبونْ

              وَنساءٌ نائحَاتٌ

              وَصغارٌ يَلعبونْ

              حَوْلَ جدْرانٍ قَديمةْ

              وَصديقي أَيْنَ !

              وَالجيرانُ

              وَالأصحابُ

              وَالآلافُ ممنْ يَسْكنونْ

              ذَلكَ الحي الخَرابْ !!*

              وَقيلَ لي حكاية صَغيرةْ

              كاَنتْ بهذا البَيْتِ

              لما كانَ بَيْتْ

              امرَأَةٌ فقيرةْ

              قَدْ فَقَدَتْ لسنها

              ألسمعَ وَالبَصَرْ

              وَيَوْمَها

              إذ دَمروا البيوتَ بالقنابلْ

              ظَلتْ بقَلبِ البَيْتِ

              لَمْ تَفر

              تَفتتْ

              كأي قطعةٍ في البيْتِ

              أَوْ حَجرْ

              وَيَوْمَها

              لَكمْ بكى عَلى أَشلائها الذبابْ

              وّحَوْلها

              تزَمْجرُ الذئابْ

              وَتَقْذفُ الدموعَ والقَنابلْ

              وَتمْزجُ الصلاةَ

              بالرذَائلْ

              طفْتُ في القدسِ

              بدمعٍ لا يجف

              وَبأبْوابِ المساجدْ

              وَالكنائسْ

              خلْتُ أني كنْتُ أخطاْتُ المكانْ

              أتراهمْ قَدْ أحالوا

              بلاجاً للسباحَةْ ‍

              أَمْ "بيوتاً" للمناجاةِ

              وأعمالِ الوقاحةْ

              ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍كمْ بَكَتْ روحيْ دموعاً

              منْ عَذابْ

              دَمْعيَ الطاهرَ

              إنزلْ

              لا تجف

              طَهرِ الحيطانَ والأبْوابَ

              في كل المساجدْ

              وَالكنائسْ

              وَاحْمل الرشاشَ يا قَلْبي

              ودسْ فوْقَ العَذابْ

              اخوتي الأحبابَ

              من خلف الحدودْ

              لا تلوموني

              فما زلتُ حَزينةْ

              وإليكُم في الختامْ

              كل أشواقي وآلامي الدفينةْ

              وَيمينُ الثأر

              أَنْ نسقيْ العَدو

              فَوْقَ ما ذقْناهُ من هَمٍ وَقَتْلٍ وَسَقامْ

              وَلْترفْرفْ بَعْدَ ذا رايُ السلامْ ...

              والسلامْ



              نابلس 2/11/1967م



              حكاية غدر




              لماذا تَأخرْتَ يَوْماً عَلَيَ

              وكنْتُ أعدُ الثوانيْ

              وَأَحْسبُ أنيْ

              سأسمعُ أَجراسَ بابي تُغَنيْ

              وَأَني

              سَألقاكَ بالبابِ

              تَرنو إليَ

              وتَرْشقُ بالشوقِ في مًُقلتي



              ولكن بابي

              طواهُ ذهولٌ وصُمت

              وَلف غناهُ شحوبٌ وَمَوْتُ

              فأَيْنَ ترَاكْ

              وَماذا هناكْ

              وَماذا عَساهُ يكونُ اعتراكْ

              لكي تَتَأخرَ يَوْماً عَلْيَ

              لماذا تَأخرْتَ

              ماذا جرى ؟‍‍‍‍

              لَقَدْ فَرَ من مُقْلتي الصفاءْ

              وَغادَرَ دَربْي عَبيرُ الهَناء

              وَخَوْفٌ عَنيفٌ بقلبيْ سَرى

              وَهمْ يهمِسونْ

              لقدْ أخذ اليومَ بعضَ الرجالْ

              هنالكَ عندَ الحدودْ

              جنودٌ يهود

              وتأسرني كلماتُ الحكايَةْ

              تراهمْ؟

              تراكَ ؟‍

              وَأَصرخُ : لا ‍‍‍

              فهم يَكذبونْ

              فلا أنتَ من هؤلاءِ الرجالْ

              ولا أنتَ ..

              لا أَنْتَ ممنْ ؟
              إلهي

              لقدْ شُل فكْريْ

              وَما عدْتُ أَدريْ

              سوى أنني قاربٌ منْ مُحالْ

              يسيرُ ببحرِ ضَياعْ

              بدونِ شراعْ

              ولا نغمٌ غيرَ تلكَ الحكايةْ

              وَأنْ قدْ تأخرتَ يَوْماً عَلي


              نابلس في 17/8/ 1967م


              لن أهاجر




              لا الموتُ يرعبني ْ

              ولا الإرهابُ

              والمليونُ عَثْرَةْ

              لا السجنُ

              لا الضربُ المبرحُ

              لا

              ولا أقْسى الكلامْ

              يا مَنْ "تغطوْنَ" القَنابلَ والمدافعَ

              بالسلامْ

              صبوا مَدَافعَكمْ

              وَشدوا كل عمدانِ المشانقْ

              لن تُرهبوني بالقنابلِ

              أو بنيرانِ البنادقْ

              سَأظَلُ أَحضنُ بَلدتي الخضراء

              في قلبي وَعَيْنيْ

              سأظل أحميها

              أطهرها

              وأحْرسُها بعَيْنيْ

              لا . لن أهونَ أمامكمْ

              يا ميتونْ

              لا. لن أهونَ

              وعزةِ العربِ الأباةِ

              لن أهونْ

              فأنا فتاةُ الثأرِ

              إني هامتي فَوْقَ المجرةْ

              أنا رَمْزُ كل صبيةٍ

              عربيةِ التصميمِ حرةْ

              لن تسلبوها بلدتي

              لن تسرقوا منْ كرمَتيْ

              سأعيشُ فَوْقَ حطامْ داريْ

              سَيَضمُ جرْحيْ

              جرْحَ جاريْ

              وَجميعنا

              سنظلُ فَوْقَ ترابِ عزتنا

              سَنبقى

              بالإحتقارِ ترشكمْ نَظَراتنا

              بالإحتقارِ

              وَسَترتَمونَ

              عُراةَ خزْيِكمُ

              بأحضانِ الصغارِ


              نابلس في 25/10/1976م


              الريح الغضوبة




              اعصْفي يا ريح ما شئْتِ

              فلنْ أحْني جبينيْ

              واصرخي

              عَضيْ ابتساماتيْ

              فلن تستصرخيني

              فجبيني فوْق هامِ الشمسِ

              تكسوهُ الكرامَةْ

              وَبعينيَ

              ألَفُ الكوْنَ

              في ضَيّ ابتسامَةْ

              اعصفيْ يا رياحُ

              فالأحزانُ فرتْ من طريقيْ

              والظلامُ انهارَ

              واحلوْلى شٌروقيْ

              لسْتٌ أَخشاك

              وإنْ كنتُ وَحيدةْ

              فوراءَ الجسرِ أحبابٌ

              أمدوني سعادةْ

              وإرادةْ

              اعصْفي يا ريحُ ما شئتِ

              فلنْ تذوي شموعيْ

              واقذفي بالحقدِ

              بالشرِ

              فَفيْ الغْيبِ دموعيْ

              اغضبيْ

              ثوريْ

              فلن ألقيْ سلاحي

              فعلى دربِ الزنودِ السمرْ

              أعلنتُ كفاحيْ

              يا بلاديْ

              يا ربوعاً شلْتها طيَ فؤاديْ

              بعد أيامٍ

              سيأتيك الربيعْ

              وَجبينُ الفجرِ قدْ هَلَ ينادي

              يا بلاديْ

              اضحكي للفجرِ

              للطفل الوديعْ

              واسحقيْ الريحَ الغضوبَةْ

              يا عروبةْ


              نابلس 1967م


              صوت الثورة

              إلى صانعي النصر في مصانع النصر



              "إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتحْ"

              بهذي الآية ِ المعطاءِ

              أبدأكمْ تحياتيْ

              بنصرِ الله

              بالفتحِ القريبِ بخفقِ راياتيْ

              على الكرملْ

              على يافا

              على حيْفا

              على كلِ الذرى الخَضْراءْ

              إليكمْ منْ هنا

              من تربْتي السمراءِ

              باقاتٌ منَ الزهرْ

              أقطفها وأجدْلها

              أكاليلاً من النصرِ

              لأغلى أخوة في الكونِ أحمْلُها

              أزَينكمْ..

              أزينكمْ بها؟ عفواً

              أزينهُا أكاليل البطولةِ

              بالجباه السمْر

              ومن؟ أنفاسكمْ والجرحْ

              أرويها

              أعطرها بأغلى عطْر

              إليكم إخوتي

              يا إخوتي

              يا فتح

              إذاعتكمْ مَساءَ اليومِ

              قد كانت

              تنادينيْ

              وصوتكمُ

              وصوتكمُ الذي أهواهُ

              كان اليومَ يدعونيْ

              إلى الثْورَةْ

              إلى أنْ اغرسَ البسمات بالثوْرة

              وأن أمضي بجبهتيَ العريضةِ

              نحو دَربِ النصرْ

              فلسطينيةَ الخطوة ْ

              فلسطينية الغنوَةْ

              فلسطينيةَ التصميم والنخوةْ

              وها أنا يا رفاق الدربْ

              بخطواتي

              أطرز أرضيَ الخضراءَْ بالحبِ

              بغنواتي

              أروّيْ ترْبتي السمراءَ بالخصب

              بأحلاميْ

              أرش سَماءَها بالروحِ

              بالكلِ الذي عنْدي

              أكحل عينها السمراءَ بالمجدِ

              واعبدُها

              وأعبدها

              بلادي حلوة البلدان

              وأنتم حَولَ مْعصمها

              سوارٌ من دم أحمرْ

              يزينها

              وَيرْعاها

              وبالحرية الحمراءِ يروْيها

              وَيَرشق جيدَهاَ المياسَ

              بالعنَبر

              ومَا لَو قيلَ أن أبي

              وأن أخي

              وأن ابني دَعاهُ الفجْرْ

              ليعطيَ روحَه الحلوة ْ

              كأغلى مهْرْ

              لأحْلى حلُوةِ تهواهُ

              يهَواها؟؟؟


              نابلس 25/6/68

              فجر الانتصار

              الصْمتُ

              والقضْباُن

              والبرودَةُ المميتةْ

              وَنْظرةُ السجانةِ المَقيتةْ

              ولوْعَةُ الفؤادِ والعذابْ

              وصحنُ" البلاستيكِ"

              قربَ البابْ

              ترنو جَمُيعها

              جميعُها .. إلي

              وَمقلْتيْ

              ترنو إلي اللاشيءْ

              لنْ اعترف

              أحضرْ جميعَ مخبْريكَ

              لنْ أعترفْ

              لنا وَسائلٌ كثيرة للاعترافْ

              لنْ أعترفْ

              بالضرْبِ بالتعذيبِ بالتشويْه

              لنْ أعترفْ

              بالحرق بالسجائرْ

              لن أعترفْ

              بالكهرباءْ

              لنْ أعترفْ

              بالاغتصابْ

              هَاتوا جميعَ ما لديكمْ

              منْ وَسائلِ العذابْ

              لن تسمعوا مني سوى

              لنْ أعترفْ

              ألقوا بها في السجنْ

              في الزنزانةِ الرهيبةْ

              ألقوا بها

              للقَمْل

              للديدَان

              للرطوبةْ

              حقا أنا في السجنْ

              في زنزْانةٍ في السجنْ؟

              هذي أنا

              هذا حذائي

              هذه نظارتي

              في زمرةِ الطابورِ من إخوانيَ الثوارْ

              قُيدتْ يدَايْ

              يا إخوتي في السجنْ

              يا أحبتيْ

              لا بأس من تهديدهمْ

              فهمُ ضِعافْ

              لا باس من تعذيبهمْ

              فهمُ ضعافْ

              رغمْاً عَن الرشاشِ في زنودِهم

              فهمُ ضعافْ

              وأنا

              وأنتَ

              وكُلنا

              ما زالَ فينا أعيٌن سَوداءُ

              تندرُ بالدمارْ

              يا ظلمةَ السجنِ الرهيبةَ

              منكِ أقسمُ

              أننيْ

              سأحيكُ فجرَ الانتصارْ



              سجن نابلس المركزي 1968


              معذرة


              رأيتُ الدمعَ في عينيكِ يا أمي

              ينادينيْ

              وكنتُ أحسُ أن الحزن

              أضناكِ

              وأن السهْدَ والخوفَ العَميقَ عَلَي

              أشقاكِ

              وكنتُ إذا غَفَتْ عَيناي

              في الأحلامِ ألقاكِ

              فمعذرة

              إذا ما شلْت منْ عَيْنَيكِ

              تلكَ البسمَةَ الحلوةْ

              وإذ حطمتُ أحلامي

              لأهْدي بَلدتي غُنْوَةْ


              سجن الجلمة 1968


              احكم ما شئت



              الى القاضي العسكري

              من أجلِ عيونكِ يا بلديْ

              أحْببْ بَالسجْنْ

              أحببْ بالنفيْ

              أحبْبْ بالموتْ

              من أجلَ عيونكِ يا أغلى دُرةْ

              سَأقاومُهُمْ حتى في السجنْ

              حتىْ لَو طردُوني لأقاصيْ الكونْ

              سأقاومهمْ

              لأعيدَ اللونَ لتربتكِ الثرةْ

              يا بلديْ

              يا أغلى درةْ

              احكمْ ما شئتَ فلن أهتم

              احْكم بالسجنْ

              احكم بالنفيْ

              احكمْ بالموتْ

              فبلاديْ بالوردِ غنيةْ

              وشذاها يعبقُ حُرية

              رَغْماً عنكمْ

              رَغماً عنْ نصركمُ المزعومْ

              فغَداً.. سيطلُ الفجرْ

              وغدَاً..سيهَلُ النصْرْ

              فاحكمْ ما شئْتَ

              فَلَنْ أَهْتَمْ


              نابلس1968


              طريق المجد


              (هذة القصيدة أهداها إلى أخي يحيى (صخر حبش أبو نزار بمناسبة اعتقالي في السجون الإسرائيلية )

              قصيدتي طَويلةْ

              حروفهُا مجدولةٌ كَعالمِ الجديلةْ

              أكتبها بأدمعٍ ذليلةْ

              أكتبها لأختي الجميلةْ

              إلى التي منها

              عَرَفتُ ما هي َ البطولة ْ

              ما هيَ الرجولةْ

              أنا هنا ألهو بمزهريةْ

              وكأسي الظمآنُ في يدية

              أسْكبهُ

              أحلمُ

              أهربُ من قضائي

              وَهيَ هناكْ

              أختي معَ المساء

              كنْتُ أنا ألهو بمزهريةْ

              وهي التي تحضنُ بندقيةْ

              نهاريْ الأسودُ كان يجريْ

              خلفيْ

              يشدني بشعريْ

              يرْكُلُني

              يسألني عن اسميْ

              أنا الذي عشتُ بدونِ إسمِ

              هويتي مَجهولةْ

              إسمي الذي نسيتهُ

              سَمعْتهُ الأمْسيةْ

              أسم أختي الحبيبةْ

              سَمعتها تصيحُ منْ زنزانةٍ رَهيبةْ

              أنا فلسطينيةْ

              أنا فلسطينيةْ

              صَوْتكِ يا أختُ

              يناديني

              يَسْألني عَن لَوْن عُيونيْ

              عن شَعريْ

              عنْ إسمي يسألْ

              إني لن أنسى

              لوْ أقْتلْ

              أني ما زلْتُ فلسْطينيْ

              هَبت عاصفةٌ

              فُتحَ البابْ

              هَرَب البَوابْ

              الماردُ غابْ

              الماردُ كان سَرابْ

              إنَ الأطفالَ رجالْ

              أبطالْ

              لم يفسد أيامهم مالْ

              ألسنةٌ تحْفرُ رْمحْ

              تصنعُ فتْحْ

              ألسنة تصدحُ بالموال

              ثورةْ ثورْة حتى النصرْ

              ثورةْ ثورْة حتى النصرْ

              قصيدتيْ

              ليْست كما ذكرتهُا

              طَويلَةْ

              لأن قصةَ الكفاحْ

              قصةَ البطولةْ

              طريقنا للمجدِ

              يا جميلةْ

              طويلةٌ

              طويلةْ


              عمان 1968


              من أجل إحلال السلام


              في السجنِ ألقونيْ

              وَشدوا ساعدي

              منْ أجلِ إحلالِ السلامْ

              قتلوا أبيْ

              ذبحوا صغيريْ

              عذبوا إبني الفتي

              منْ أجل إحلال السلامْ

              وَفتاتي السمراءُ عفراءَ الجبينْ

              تمشيْ بلا قدَميْن خلفَ الجسرِ

              أعياها الحنينْ

              طردتْ منَ الوطنِ الحبيبِ

              بلاَ رفيقٍ

              أوْ صَديقْ

              في مقلتيْها ألفُ قافلةٍ

              من الحزنِ العميقْ

              حَباتُ مَسبحةٍ الإلهِ

              تبعثرتْ فوْقَ الرغامْ

              لا شيءَ يَرْبطُنا ببعضٍ

              غَيَر أن هكذا

              منْ أَجْلِ إحلالِ السلامْ

              بيتي تهدم

              غَيْرَ أنيْ

              رحْتُ أبسمُ بازدراءْ

              رغماً عنْ اللكماتِ

              كاَنتْ جبهتيْ فوقَ السماءْ

              رَغْماً عَن التعذيب في "صرفند"

              لمْ أنْيس بكلمْةْ

              لمْ أكترثْ أبداً بهم

              لمْ تستسغْ عينيْ البكاءْ

              فالله كان بمقلتيْ نوراً

              وَفي شفتَي

              بَسمةْ

              وإذا سَألت

              لِمَ اختطفتم ترْبتيْ منْ ساعدي؟

              وَلَم اغتصبتمْ بَسْمتيْ

              وَسَعادتي

              منْ مقلَتي؟

              قالوا " بلطفِ"

              إنهُ

              من أجل إحلالِ السلامْ



              نابلس 1969م


              الأقصى يحترق

              يوم احتراق الأقصى في 21/8/1969


              المسجدُ احترقْ

              وملأتْ عُيوننا سحابةُ الدخانْ

              والمنبرُ المقدس ُ انفلق

              والمسلمونَ في البقاع يرقصون

              والمسلمونَ يحلمونْ

              والمسلون بالكلامِ يسحرونْ

              ويسْحرونْ

              كلامهم حبرٌ على ورقْ

              أحلامهم حبرٌ على ورقْ

              وكلماتُ اللهِ من على الجدرانِ

              تنزلقْ

              يا ويحنا

              يا ويحنا

              النارُ تأكل الكلامَ والأحلامْ

              النارُ تقذفُ النابالمْ

              النارُ تركلُ الإنجيل والقرآنْ

              وتبصقُ الدخانْ

              على الذين يحلمون بالسلامْ

              وهاهو التتارْ

              يرقصُ فوقِ أرضنا الخضراءْ

              يغضبُ كل حلوة ٍ عذراءْ

              وينفثُ المزمارَ في ابتهاجْ

              على بقايا آية معلقة ْ

              في المسجد الأقصى

              وفوقَ صخرة الإسراء والمعراجْ

              ويرقصُ التتارْ

              ويحرقُ المساجدْ

              ويسرقُ المعابدْ

              ويهدمُ البيوتَ فوقَ أهلها الصغار والكبارْ

              إن الذي أخشاهُ أن نعود للأوهام ْ

              وأن نعيش مثلَ إخوان لنا

              عاشوا على الأوهام

              بما يزيدُ عن عشرينَ عامْ



              نابلس 25/8/1969


              لن تقاوموا الضياء


              قَلبي عَليكمْ

              يا شبابَ بلدتيْ

              قلبي عَلى الحلواتِ

              منْ صَبايا بَلدتيْ

              في السجنِ تَقْبعَونْ

              في غُرفة التعذيبِ تصرخون.....

              وتصمدونْ

              وانتمُ يا حُفنةَ الذئابْ

              لن تُرهبونا بالعذابْ

              لنْ تُرهبونا بالتفننِ بالعذابْ

              جزءٌ منَ الترابِ الأسمرِ المعطاءْ

              نحنُ

              جزءٌ منَ الزهورِ في جبالنا الشماءْ

              نحنْ

              نبعٌ غزيرُ الماءِ والغناءْ

              نحنُ

              فَلْتَضْربوا .. وَتعذبوا

              لكنكمْ

              لَنْ تقلعوا الترابَ

              منْ بلادنا

              لنْ تسرِقوا منَ الزهورِ

              عِطْرَها

              لَنْ تمنعوا النسْماتِ

              منْ مَسيرها

              لَنْ تَطْردوا الجبالْ

              لَنْ تَستَطيعوا أن تقيدوا الجَمال

              لَنْ تَشْنقوا النبعَ الغزيرَ

              لَنْ تُقاوموا الضياءْ

              لَنْ تُقاوموا الضياءْ


              نابلس /1969م


              أمنية الشهيد


              رَباهْ

              لي عندَكُمْ رَجاءْ



              ماذا تريدُ أيُها الشهيدْ

              أطْلبْ

              فَكلُ ما تُريدْ

              دَيْنٌ عَلينا

              حَقهُ الوفاءْ

              رَباهْ

              ما كْنتُ يَوْماً جاحدَ النعيمْ

              لكننيْ

              أوَدُ أنء تُعيدَنيْ

              من جنتي الغناءْ

              يَوْماً .. وَلو

              لأرضَنا الخَضْراءْ



              أما تزالُ عنْدَ حبكَ القديمْ

              للأرضْ

              وَالموْتِ في سَبيلها ؟؟

              المَوتُ يا رباهُ في سَبيلها

              أغلى عَليَ منْ كنوزِ الأرض

              أحْلى منَ الورودْ

              أشهى منَ الجنانِ والخلودْ

              المَوتُ في سَبيلها

              حلمٌ بديعْ

              المَوتُ نَفحَة الحياةِ للربيعْ

              المَوتُ نَفحَة الحياةِ

              وَيَبْسِمُ الإلهْ

              وَيَبْسِمُ الإلهْ



              نابلس /1969م


              تفاؤل


              لا زلْتُ يا بَلَديْ أغَنيْ

              أغْنياتٍ للقَمرْ

              لا زلْتُ أحْلُمُ رَغْمَ أحزانيْ

              بأفراحٍ زُمَرْ



              لا زلْتُ يا بلديْ الحَبيبْ

              رَغمَ الظلامْ

              لا زلتْ أحْلُمُ بالسلامْ


              نابلس 2/4/69م



              زيت الثورة




              مَغروسةٌ إني هنا

              في التربةِ السمْراءْ

              زيتونةٌ

              منْ زَيْتِها

              ثورتنا تُضاءْ

              مغرس الزيتون

              يا مَوْطِني

              يا مَغْرسَ الزْيتونْ

              إن لَمْ أكنْ أنا هنا

              فَمنْ تُرى يكونْ؟؟؟

              التربة السمراء

              التربةُ السمراءُ

              مَنْ يَحضنها

              ان لَمْ أكن أضمها

              براحتي

              وَرَوْعةَ الجَمال في بلادنا

              مَن الذي يَحرُسُها

              إن كنْت لا أحْرُسها

              بمقلَتي

              البسمة الحنون

              والبسمةُ التي بها

              تُلَمْلَمُ الجِراحْ

              لَمنْ تُرى تكونْ

              إن لم تكن نابعةً

              منْ قَلبيَ الحَنونْ

              باقة صمود

              وَزَهْرةُ الزنبقِ

              واللاتنَسنْي

              وَالفل والأقاحْ

              مَنْ الذي يَرشُها

              إن لَمْ أكن أرشها

              بروَعْةِ الصمودِ

              وَالكف

              تعليق


              • #8
                زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه



                أحلام فلسطينية





                فهرسة الأشعار

                احلام فلسطينية

                الدرب الشائك

                أشعارالثوار

                الحرف الآخير

                من أجل عينيك

                أحب ّإليّ

                الأم الفلسطينية

                على حطام لوحة

                تفاؤل

                حوار عائلي

                أطفال فلسطين

                المقتول القاتل

                التاريخ المروي بالدم

                الأصابع الصغيرة

                أغنية البلبل

                برواز القضية

                أحلم وأحلم

                جذر الشجرة

                لماذا وكيف؟

                بيني وبينك

                طريق الحياة

                الجنسية الجديدة

                منارة

                أحلامي

                قل لهم

                الموت في حضن الوطن

                مدينة الأحلام

                أنا

                أغنية حب إلى الثلج

                محمد الدرة

                كلمات مضيئة

                شهيداً... شهيداً... شهيداً






                أحلام فلسطينية


                احلام فلسطينية

                (1)

                كما يلتحمُ القضاءُ بالقدرْ
                كما تذوبُ التربةُ السمراءُ
                حينَ تَلْثُمُ المطرْ
                كما تغيبُ النجمةُ الشقراءُ
                حينَ يضحكُ القمرْ
                أذوبُ فيكْ
                أغيبُ في عينيكْ
                أصيرُ شرياناً في قلبكَ الكبيرْ
                ياوطني

                (2)
                يا غُنوةً تعزفُها السماءْ
                فترقصُ الطيورْ
                وتفرحُ الأشجارُ والزهورْ
                ويركضُ الأطفالُ في كرومِ اللوزِ
                والزيتونْ
                وتهمسُ العيونُ للعيونْ
                (3)
                أحلمُ لو يا وطني تصيرْ
                عُشاً جميلْ
                يرنو إليهِ كلُ بلبلٍ مهاجرٍ
                من شعبكَ الأصيل
                (4)
                أحلم لو أصيرْ
                سنبلةً خضراءْ
                وقطرةً من ماءْ
                وقبضةً من الترابْ
                (5)
                أحلمُ لو يا وطني
                تصير موطني إلى الأزلْ
                ولو أصير وردةً حمراءْ
                تَفرِشُ دربَ القادمينْ
                بالحبّ والأملْ
                (6)
                أحلمُ لو أصيرْ
                قنبلةً تُفَجّرُ الضياء
                وتزرعُ الحنانَ والفرحْ
                في كلّ قريةٍ وكل دارْ
                في عالمٍ لا يعرفُ الشقاءْ
                والحقدَ .... والدمارْ
                (7)
                أحلمُ لو يا وطني أصيرْ
                عوداً من الثقابْ
                يلثمُ كل شمعةٍ مرفوعةِ الجبينْ
                تحلمُ أن تشدو لمولد جديدْ
                لعالمٍ يعانقُ السحابْ
                فيغرقُ الترابُ في الأعشابْ
                (8)
                أحلمُ لو أصيرْ
                فراشةً تُلوّنُ الحقولْ
                تضحكُ للضياءْ
                تقبّلُ الأزهارَ في الصباحِ والمساءْ
                وتغدقُ العطاءْ
                تبسمُ للأطفالْ
                وترسمُ التاريخَ للأجيالْ
                (9)
                أحلمُ لو تصير الكرةُ الأرضيّةْ
                أُغنيةً شعبيّةْ
                يُطلقُها الصغارُ والكبارْ
                في رحلةِ الحياةِ
                في الأعراسِ
                في الأفراحِ
                في الأعيادْ
                وفي مواسمِِِِِِ الجمالِ والحصادْ
                (10)
                أحلم لو يا وطني تصيرْ
                أغنيةً تعزفها السّماءْ
                للأرضِ
                للبشرْ
                لكل ما في الكونِ من حياةْ
                فتصدقُ الأحلامْ
                وَيَغْرقُ الظلامُ في الظلامْ
                ويفرحُ القمرْ
                ويلعبُ الأطفالُ في كرومِ اللوزِ
                والزيتونْ
                وتضحكُ العيونُ ... للعيونْ

                1980


                الدرب الشائك


                في دربنا الشائك
                تُزرعُ الألغامْ
                وتُحرقُ السنابلْ
                والجوعُ وحدهُ فيهِ
                هُوَ المناضلُ

                1980


                أشعار الثوار


                أقرأُ أشعارَ الثوارْ
                فيغيبُ صوابي
                أصبحُ قُنْبُلةً
                تصرخُ في وجه الكونْ
                وتُغيّرُترتيبالأدوارْ

                الحرف الآخير

                أُريدُ حرفاً واحداً
                لأكمل القصيدةْ
                فيستجيبُ للنداءْ
                ينبوعُ نهرٍ خالدٍ
                من الدماءْ



                1986 م


                من أجل عينيك


                يا بلاديْ
                كنْتِ في عَيْنيَ غنوَةْ
                تَغمرِينْ القَلْبَ نشوَةْ
                كنْتِ أحلى
                كنْتِ أغْلى مِنْ جِنانِ الخلدْ
                لَكنْ
                يا بلاديْ
                يا ضياءً مَقْدسياً في جفونيْ
                صِرتِ في عَيْنَيَ أحْلى ألف مَرةْ
                صِرتِ أغلىْ ألفَ مَرةْ
                صِرتِ لما
                فقأوا مِنْ أجلِ عَيْنَيْكِ
                عيونيْ



                1969 م



                أحبّ إليّ


                لَسجنٌ في ربا حَيفا
                مَعَ التعْذيبِ
                وَالقسْوةْ
                أحَبُ إليَ
                مِنْ قَصْرٍ
                عَلى رَبْوَةْ
                بعيداً عن ثرى وطني.

                1969 م

                الأم الفلسطينية

                يا أمهاتنا
                أنْتنَ
                مَنْ سَيصنعُ التاريخَ
                في بِلادنا.

                1969 م

                على حطام لوحة

                يا لَوحتي الجميلةْ
                لي فيك أحلامٌ
                وآمالٌ كَبيرةْ
                لي ألفُ سيمفونيةٍ مُثيرةْ
                لي قصةٌ يا لوحتي طويلةْ
                لكنهمْ
                بالدم خَربشوكِ
                بالضَغينةْ
                بالحقْدِ
                بالساديةِ اللعينةْ
                وَيَوْمَهَا
                لم يَتْركوا يا لَوحَتي القَلْبَ الجريحْ
                فَعَلى بَقايا سِدرَة كبيرةْ
                دَقوا صليبيْ
                قربَجثمانِالمسيحْ

                1968 م

                تفاؤل

                لا زلْتُ يا بَلَديْ أغَنيْ
                أغْنياتٍ للقَمرْ
                لا زلْتُ أحْلُمُ رَغْمَ أحزانيْ
                بأفراحٍ زُمَرْ
                لا زلْتُ يا بلديْ الحَبيبْ
                رَغمَ الظلامْ
                لازلتْأحْلُمُبالسلامْ

                1969 م

                حوار عائلي

                لماذا يريدون رأسي
                لماذا؟!
                لأنّ برأسِكَ يا نور عيني
                جواهِرَ تبهرُ أبصارهَمْ
                لماذا يريدونَ أن يفقأوا مُقْلَتيّ؟!
                لأنّ العصافير يا روح قلبي
                تعششُ في مُقلتيْك.
                23
                لماذا يريدونَ أن لا أغني؟!
                لأنّ الثعالبَ يُزعجُها الشدوُ
                تخشى زئيرَ الأسودْ.
                لماذا وُلِدْتُ بدونِ هُويّةْ؟!
                لتحمل يا طفليَ الحلوَ
                أحزانَ هذا الوجودْ.
                لتصنَعَ يا طفليَ الحلوَ
                أحلامَ هذا الوجودْ.

                1976 م

                أطفال فلسطين

                يحصدُ الموتُ
                زهورَ اللوزِ،
                لكنّ الشجرْ
                صارَ
                قبلَ الزهرِ
                يُعطيناالثمرْ

                1976 م

                المقتول القاتل

                في بلادي
                صارتْ النجمةُ تكوي الشمسَ
                في عزّ الظهيرةْ.
                وحكايا المجدِ
                ترويها صغارُ الطيرِ
                للأفعى الخطيرةْ.
                والسنابلْ
                خلعتْ أثوابها الخضراءَ والصفراءَ
                وانضمّتْ تُناضلْ.
                في بلادي
                يا حبيبي
                أصبحَ المقتولُ
                قاتلْ.

                1976 م

                التاريخ المروي بالدم
                (احمد دحدول ضربوه حتى الموت)

                لم يكُنْ أحمدُ
                معروفاً
                لغيرِ الأصدقاءْ
                فإذا أحمدُ
                بعدَ القتلِ
                تاريخٌ
                تُرَوّيهِالدّماءْ

                1976 م

                الأصابع الصغيرة

                أقرأُ
                ما تحفرُهُ الأصابعُ الصغيرةْ
                على جبين العارْ
                أقرأُ
                ما ترسمُهُ الأصابعُ الصغيرةْ
                فيأعينِالنهارْ

                1976 م

                أغنية البلبل
                (إلى محمود الكرد)

                غرّدَ البلبلُ
                في العُشّ
                وطارْ
                صارَ نَجْمَةْ
                تنثُرُ الأضواءَ
                فيعِزّالنهار

                1976م

                برواز القضية

                غابت الشمسُ عن الوعيِ
                صباحاً
                حين مالتْ عُنُقي
                فوقَ عمودِ المشنقةْ
                والنجّ يْماتُ دَنَتْ مني
                ومالتْ
                فوقَ خدّ الليلِ
                تبكي مُطْرِقةْ
                يا رفيقَ الدربِ
                شقّ الثوبَ عنْ وشمِ العذابْ
                بينَ رمشِ العينِ والعينِ سرابْ
                31
                يا رفيقَ الدربِ
                لا تحزنْ عليّ
                فأنا لستُ البدايةْ
                وأنا لستُ النهايةْ
                عُنُقي صارتْ سحابةْ
                ورموشُ العينِ غابةْ
                يا رفيقَ الدربْ
                لا تحملْ بعينيْك الكآبَةْ
                يا رفيقَ الدربِ
                غَنّي
                وَعلى الموتِ أعنّي
                فأنا لستُ القضيّةْ
                أنابروازُالقضيّةْ

                1976 م

                أحلم وأحلم

                لستُ أحلمُ بالقصورِ
                ولبسِ الحريرْ
                ولا بالحليّ والمجوهراتْ
                ولا بالسفرِ حولَ الكرةِ الأرضيةْ
                أحلمُ
                بالتجوالِ في حديقةِ منزلي
                أحلمُ برؤيةِ أطفالِ وطني يلعبونْ
                ويضحكونْ
                وأحلمُ بشربِ فنجانٍ من القهوةِ
                في شرفةِ منزلي
                33
                أحلمُ
                برؤيةِ السعادة تقفزُ من عَينَي أمّي
                وأحلمُ برؤيةِ أخوتي وأخواتي البعيدينْ
                واحلمُ برؤيةِ أطفالهم الصغارْ
                يتسابقونَ إلى ذراعَيها
                أحلمُ
                بيتنا الجميلْ بأن أمشي في شارعِ
                دونَ الخوفِ من سياراتِ الجيشِ
                التي تتعمّد قتلَ المشاةْ
                34
                أحلمُ
                أن أقودَ سيارتي
                في شو راعِ رام اللهْ
                دونَ أن يوقفني الجنودْ
                الذين يعلنون الشارعَ
                منطقةً عسكريةْ
                وأحلمُ أن أنامَ بهدوءْ
                دونَ القلقِ من رجالِ المخابراتِ المسلحينْ
                الذين يقتحمونَ المنازلَ في منتصفِ الليلْ
                أنيتسللواإلىغرفةِنومي

                1988 م

                جذرا لشجرة

                تَتَكاثرُ
                أغْصَانُ الشّجَرَةْ
                وتَهُبُّ على الأغْصانِ الرّيحْ
                لكنَّ جَميعَ الأغصانْ
                مهْما ابَتَعَدَتْ
                تَشرَبُمنْجذْرِالشّجرَةْ

                1975 م

                لماذا وكيف؟

                لماذا أحبكْ؟
                وهلْ تُسْألُ الأرُضْ
                لماذا تُحبُ الّشجرْ!
                وهل تُسْألُ الأغنياتْ
                لماذا تُراقصُ عزْفَ الوترْ!
                وهلْ يُسألُ العاشقونْ
                لماذا السهرْ؟!
                وهل تُسألُ الشْمسْ
                لماذا تكحّلُ بالضوءِ
                عيْنَ القمر!!!
                وكيفَ أحبّكْ؟
                أحبُكْ جَدْوَلَ شوقٍ
                يُلمْلمُ من عَطَشِ العُمْرِ
                نهراً
                أحبُكَ فجراً نَدياً
                وعطراً
                أحبّكَ كيْف؟؟
                تَعْبتُ رفيقي
                تعْبتْ
                أحبّكَ حُبَّ الفدائيّ للأرضِ
                هلاّ سألتْ!!

                1976 م

                بيني وبينك

                بيني وبينكْ
                آهِ ممّا بَيْننا
                حرْبٌ؟
                وقدْ نموتُ
                قبلَ أنْ تَموتَ الحربْ
                وقدْ يَضُمّنا الضّياعُ منْ جديدْ
                وتُبْعثُ المأساةُ منْ جديدْ
                وقدْ يموتُ الحبّ
                بيني وبَينكْ
                آهِ يا حبيبيْ
                مغْتَصبٌ حقودْ
                وكومةٌ منْ الأوامرِ العبريّةْ
                حُكْمٌ عليّ بالإقامةِ الجبْريّةْ
                حُكْمٌعليْكَأنتظلّخارجَال حدودْ

                1976 م

                طريق الحياة

                طريق الحياة
                أدْركُ أنًّ العُمْرَ
                قصير
                وأنَّ الدَّرْبَ
                طويلْ
                لكنْ لا بُدَّ لكي نحيا هذا العُمْرْ
                ولكيْ نُكملَ هذا الدَّرْبْ
                أنْ نَغْرسَ في أعْماقِ الدّهْرْ
                قلْباًمجْروحاًبالحبْ

                1976 م

                الجنسية الجديدة

                أريدُ قلماً وبُنْدُقيةْ
                بقلمي
                أفَجّر البارودَ
                والقنابلَ الذّرّيةْ
                ببُنْدقيتي
                أرْسمُ أحْلاماً
                ألوّن الحقولَ
                أشْطُبُ الحروبْ
                وأزْرعُ الضّحْكاتِ في كلّ الدّروبْ
                أصنْعُ دُستوراً للحُبّ والسّلامْ
                ببُندُقّيتي
                ألغي حُدودَ الكرةِ الأرْضيةْ
                وأمنحُ الإنسانْ
                جِنْسيةً جديدةً فَتيّةْ
                تلفُّ كلَّ الكوْنْ
                منْغيرِماهُوِيّةْ

                1975 م

                منارة

                قرَأتُ تاريخَ الشُعوبِِ
                كُلّها
                يا شَعْبيَ الحبيبْ
                فَلَمْ أجدْ في كُتُب التاريخ والحضارةْ
                من مثلنا
                منْ دمهِ
                وعظمهِ
                ولحْهِ
                بَنَىلشَعْبِهِمنَارةْ

                1975 م

                أحلامي

                منذُ ميلاد المسيحْ
                وأنا أحلمُ
                أن يأتيْ
                الفرحْ
                منذُ أنْ صرتُ الذبيحْ
                وأنا أرسمُ أحلاميَ بالدمعِِ
                وأقواسِقُزحْ

                2002 م

                قل لهم

                «قلْ لهُمْ »
                لوْ أغْمَضوا عَيْنَ القَمَرْ
                أيغيبُ النورُ
                عَنْ مُقْلَتِهِ؟
                «قُلْ لَهُمْ »
                لوْ كمّموا فَكَ القَدَرْ
                أيكُفُ الطّيْرُ
                عنْغُنْوَتِهِ؟

                1970 م

                الموت في حضن الوطن
                (ذكرى مجزرة عيون قارة 1990 / 5/ 20 )

                كنتُ وحدي
                أحملُ الحبّ بكفي ... وأسيرْ
                أحملُ الحزنَ بقلبي... وأسير
                فالدمُ المسفوحُ من جرحي غزيرْ
                والظلامُ اشتدّ
                والجوعُ مساميرٌ
                في غزةَ قاتلْ وبردُ الصبحِ
                وأنا وحدي قتيلٌ
                يرتدي زيّ مقاتلْ
                سرتُ وحدي
                أحضن الأطفالَ
                أستلهمُ من دفءِ البراءةْ.
                ومعي لا شيء إلا
                أعينٌ ظمآى
                لوهج الشمسِ
                في يافا الحبيبة.
                سرتُ وحدي
                ومعي لا شيءَ إلا ذكرياتٌ حلوةٌ
                تروي ترابَ الأرضِ بالحبّ وبالأحلامِ
                والشوقِ المعتّقْ
                وبينبوعٍ من الوردِ تدَفقْ
                وابتساماتِ العصافيرِ التي
                فرّت من الأقفاصِ قبلَ الفجرِ
                واستولّتْ على الأفقِ الذي بالموت يغرقْ
                سرتُ وحدي
                في يدي خبزٌ وحباتٌ من الزيتونِ والصبّار
                والحلمِ النقيّ
                سرت وحدي
                سرتُ من أيلول من عمواسَ
                من تلّ الجماجمْ
                سرتُ من صبرا وشاتيلاَ
                ودير ياسينَ
                حتى كفرَ قاسمْ
                فإذا بالموتِ يجتاحُ المواسمْ
                وإذا بالموتِ جنديٌّ
                يدوسُ العشبَ
                والزهرَ النديّ
                إيه يا يا كفر قاسمْ
                كيف باللهِ يكونُ الموتُ في حضنِ الوطنّ
                كيف ينشلُّ الزمنْ؟
                فيصير النبضُ طلقاتٍ من اللاشىءِ
                كابوساً من الرعبِ السخيّ؟؟
                أخبريني كفرَ قاسم
                ما الذي يجعلُ أحلامي صغيرة ؟
                ما الذي يجعلُ أحلامَ العصافيرِ كبيرةْ؟؟
                ما الذي
                لولا غيابُ العدلِ في الدنيا
                يُروّي بالدمِ المسفوحِ من قلبي
                ترابَ الأرضِ
                في عزّ الظهيرة؟
                زحفتْ عينايَ فوقَ الموجِ
                فارتدَّ لعينيَّ البصرْ
                طفلةٌ سمراءُ في عمرِ الزَهَرْ
                شقّت الموجَ بكفّيْها
                فصارَ البحرُ غابةْ
                والقمرْ
                حملتهُ فوقَ زنديها .... سحابةْ
                كنتُ ظمآنَ
                فجاءتني بلمح العينِ من قلبِ المطرْ
                في يدِ تحملُ ماءً
                في اليدِ الأخرى ...حجرْ

                1990 م

                مدينة الأحلام

                (مهرجان حوض البحر المتوسط-بيشيلية-إيطاليا)
                7/9/2000

                بيشيلية
                يا مدينةَ الأحلام
                يا غنوةَ الأمواج
                يا عصفورةَ الأفراح
                ويا وردةَ العشق المعتّق
                بيشيلية
                يا طفلة بريئة
                تغفو في ذراعَي
                مهرجان البحر المتوسط
                يا قديسة
                تُصلي في ابتسامات الصغار
                بيشيلية
                يا أمٌ رؤوم
                أنجبتْ
                كل هؤلاءِ الأبناءِ الطيبينْ
                الذين أحببتهم كثيراً
                وأحببت ابتساماتهم الساحرة
                التي كانت تَغرق فيها عيناي
                حين عدتُ إلى رام الله
                وجدتكِ في حقائبي
                وحين نظرتُ في المرآة
                رأيتكِ في وجنتيّ
                وحين سرتُ في الشوارعْ
                كنتِ تسيرين إلى جانبي
                وحين وضعتُ رأسي على وسادتي
                كنتُ أضعهُ في حضنكِ الدافئْ
                بيشيلية
                من الذي نقشك وشماً
                في قلبي؟
                من الذي حوّلك
                نغماً عذباً
                تشربُ منه أحلامي؟
                ومن الذي حوّل أهلك الرائعين
                إلى أقارب وأصدقاء حميمين
                يملأون حديقتي؟
                بيشيلية
                رأيتُ فيك الأمنَ
                الذي لم أعرفه يوماً
                والحرية
                التي حُرمت منها
                والسلامَ
                الذي أحلُمُ بهِ
                والحبَ
                الذي يتعطّش إليه جميعُ الفلسطينيينْ
                ورأيتُ فيك البساطةَ
                التي تفوق كلَّ جمالْ
                فهل تسمحين لي أن أحلُمَ
                بأن أرى في وطني
                كلّ الجمالِ الذي رأيتهُ فيكِ ؟ !

                2000 م

                أنا
                (حين كنت في الرابعة عشرة من عمري، كتبت في مذكراتي اليومية:
                ( كنت لا شيء، فأصبحت شيئاً ، ولكني سأصبح كل شيء.)

                فمن أنا؟
                وما أنا؟
                سؤالان كبيران نضجا
                على نار عمري الهادئةْ
                فأنا هي أنا.
                أنا هذه السماء الممتدة
                التي تفتح ذراعيها لكل الطيورْ.
                وأنا هذا البحرُ بكلّ كنوزهِ
                وهذهِ الأرضُ
                بكلّ سحرِها وغموضِها.
                أنا الشمسُ ، وأنا القمرْ.
                أصغُرْ
                فأتحوّلُ إلى قطرةِ ندى
                تتألّقُ على ثغرِ زهرةِ بنفسجْ
                وأكبرُ
                فأقطفُ النجومَ براحتيّ
                أنا كلّ ما رأيتهُ
                وكلّ ما سأراهْ.
                كلّ ما رأيتهُ في اليقظةْ
                وكلّ ما رأيتهُ في المنامْ.
                كلّ ما رأيتهُ في الحقيقةْ،
                وكلّ ما رأيتهُ في الخيالْْ
                أنا كلّ الذينَ أحببتهمْ
                وكلّ الذينَ
                سأحبّهمْ.
                أنا كلُّ المدنِ التي سافرتُ إليها
                وكلّ المدنِ التي سأسافرُ إليها.
                تتّسع عينايَ لكلّ الوجودْ،
                وتمتدّ ذراعايَ لتحتضنا الكونْ،
                ويكبرُ قلبي ليسعَ العالمْ.
                كلّ هذهِ الأشجار لي.
                وكلّ هذهِ الطيور التي تزقزقُ عليها،
                تُغنّي لي.
                ما أن أغلقَ البابَ خلفي
                حين أخرجُ من منزلي،
                حتى تتفتّحَ لي
                أبوابُ الفرحِ والحريّةِ المطلقةْ.
                وحين أعودْ
                يضحكُ البابُ فرحاً بعودتي
                وتتهلّلُ زهورُ الحديقةِ
                التي أسقيها بيديّ كلّ صباحْ.
                حين أدخلُ المنزلَ
                أدخلُ جنّتيَ الصغيرةْ.
                نعم
                فالبيتُ هو جنّتي الصغيرةْ.
                فيه أستمعُ إلى الموسيقى العذبةْ.
                فيه أرسمُ وطناً وألوّنه على ذوقي.
                وفيه أصنعُ أحلاماً وأشجاراً وقصائدَ وأساطيرْ.
                في هذهِ الجنّةِ الصغيرةْ،
                أشعرُ
                بأنّ اللهَ سبحانهُ قد خلقَ الكونَ كلَهُ
                من أجلي.
                فأقفُ بخشوعٍ على عتبةِ الخالقْ
                بملابسي النقيّةِ البيضاءْ.
                وأشكرهُ على نِعَمهِ التي لا تُحصى
                وأتلو كلامَهُ الذي يفوقُ كلّ كلامْ.
                فأشعرُ بأنني قريبةٌ منهُ
                وبأنهُ قريبٌ مني
                فيمتلئُ قلبي بالطمأنينةِ والفرحْ.
                حتى أنني لو فتحتُ عينيّ
                لغرقَ العالمُ
                العالمِ كلّ
                فيهما.
                هذهِ هيَ أنا
                فهل حقاً أنا كلّ هذه الأنا؟!!
                يا للروعة!!

                2001 م

                أغنية حب إلى الثلج

                أيها الأبيضُ النقيّ
                نقاءَ الملائكةْ
                الضاحكُ كالأطفالْ
                الشامخُ كثوبِ عروسْ
                الرائعُ كقصيدةْ
                والهشّ كقبضةِ وليدْ
                والقاهرُ كالقضاءْ
                والمبدعُ كزهرةِ ياسمينْ
                والأنيقُ كزنبقةْ
                والرشيقُ كراقصةِ باليهْ
                والمتحفّزُ كشمعةْ.
                فيكَ أرى أجملَ أحلامي.
                أرى حبّيَ الطاهر،
                وأرى شهقةَ الفرحِ في عينيّ.
                وأرى لوحاتٍ أسطوريةً من الفنّ المدهشْ.
                أرى أشخاصاً وأشكالاً وأزهاراً
                وطيوراً وحدائقا.
                كأنني أعيشُ في عالمٍ آخرْ
                هل أنا في المريخ؟!
                أم أنني في سابعِ سماءْ؟!
                كأنني أقفُ
                على عتباتِ العرشْ
                فأرى نورِ اللهْ
                وعظمةَ الخالقْ
                وأرى قدرةَ الربّ
                وألمسُ رقتَهُ
                ولطفَهُ
                وحنانَهُ
                وأرى ابتسامتَهُ
                التي لا شبيهَ لها.
                أودّ لو أمسك بكَ
                وأودّ لو أضمُّك إلى صدري
                وأودّ لو أتذوّق طعمَكْ
                وأودّ لو أقبلكْ
                وأودّ لو أغسل قلبي بنقائكْ
                وأودّ لو أنك تتغلغلُ إلى مسامّي
                وأن تبعث في قلبي
                الحبَ
                والفرحَ
                والحياةْ.
                أودّ لو أغفو على ريشِ مخدّاتكْ.
                وأودّ لو أغطي جسدي
                بملاءاتكَ البيضاءْ.
                وأودّ لو أستمدّ الدفءَ
                من فروكَ الناعمْ.
                كل شيءٍ يخضعُ لكْ.
                يستقبلكَ بحبّ ما بعدهُ حبّ.
                الأرضُ تحضنكَ بذراعَيها،
                والأشجارُ تستسلمُ لك،
                والزهورُ تغمضُ عيونَها وتنامُ في حضنِكْ،
                والأسوارُ تدعكَ تتسلقُها بأمانْ،
                والشوارعُ تُعطيكَ وحدكَ حريةَ المرور.
                كلُّ شيءٍ يُعطيكَ نفسَهُ
                وكأنكَ الحبّ الخالدْ.
                أيها الأبيضُ كفرسٍ عاشقْ
                دعني أمتطي صهوتكْ.
                انطلقْ بي إلى اللامكانْ
                خذني إلى غاباتكَ المسحورةْ
                حلّق بي في عالمِ الشعرْ
                وغنّ لي أغنيةَ البراءةْ
                وأسمعني موسيقاك العذبةْ.
                أيها الرقيقُ كفراشةْ
                إليكَ روحي
                امتصَّ رحيقَها
                واجعلها جزءاً منكْ.
                أيّها النعمةُ الإلهيةْ
                هيا انتشرْ في كلّ ربوعِ الوطنْ
                وتحوّلْ إلى ماءٍ عذبْ.
                فإنّ شعبَ فلسطينْ
                عطشانٌ إلى الماءْ
                ومتعطشٌّ إلى الفرحِ
                والحريةْ.
                وها أنتَ قد جئتَنا
                يا من تملكُ كلّ الذي نريدْ.

                1988 م

                محمد الدرة

                هكذا … وبلا رتوشْ
                يتحوّلُ محمدُ الدرّةْ،
                هذا الطفلُ الأسمرُ الجميلْ
                إلى وطنٍ بكاملهْ.
                كلما رأيتك يا محمدْ
                تتلوّى من الألمْ،
                وتحاولُ أن تقلّصَ جسدكَ الصغيرْ،
                كي لا تصيبكَ
                رصاصاتُ الموتْ
                أبكي
                وكلما رأيتكَ تصرخُ
                مستنجداً بأبيكْ،
                الذي تحوّلَ إلى تمثالٍ
                من العجزِ المطلَقْ،
                أبكي.
                وكلما رأيتُ حباتِ اللؤلؤْ
                تتناثرُ من عينيكَ الجميلتينْ،
                أبكي.
                وكلما رأيتُ رأسكَ يسقطُ
                على صدرِ أبيكْ،
                أبكي.
                وكلما رأيتُ يدكَ الصغيرةَ
                تمسحُ الدموعَ
                التي انهمرتْ
                على وجهكَ المتغضّنْ،
                أبكي.
                وكلما رأيتُ جسدكَ
                يفترشُ الترابَ
                فيكبرُ ويكبرُ
                أمامَ عينيّ،
                أبكي.
                لقد كبرتَ يا محمدْ
                فأصبحتَ بحجمِ الوطنْ.
                صارَ جسدكَ الصغيرْ
                يٌغطي فلسطينَ بكاملها،
                ودماؤكَ
                التي سالت شلالاً
                على الأرضْ،
                غرقَ بها الوطنْ،
                من البحرِ إلى النهرْ
                ومن رأسِ الناقورةِ إلى رفحْ.
                لم أحزنْ لاستشهادكْ
                بقدرِ حزني للطريقةِ
                التي استشهدتَ بها.
                هكذا في عزّ الظهرْ،
                وعلى مرآى من كلّ إنسانٍ
                على وجهِ الأرضْ.
                أليسَ هذا ما حصلَ لنا جميعاً
                في الماضي؟!
                أليسَ هذا ما يحصلُ لنا
                كلّ يومْ ؟!
                أليس هذا ما يمكنُ أن يحصلَ لنا
                في المستقبلْ ؟!!
                العالمُ كلّهُ يتفرّجُ علينا
                ونحنُ نٌقتَلُ بدمٍ باردْ
                في كل المجازر السابقة،
                وفي كلّ المجازرِ التي تجري،
                وفي كلّ المجازرِ التي ستأتي.
                وأبوكَ رجلٌ عاجزْ
                لا حولَ لهُ ولا قوّةْ.
                حتى أنه راحَ يلوّحُ بيدهِ المشلولةِ
                يستجدي القاتلَ
                ليكفّ عن قتلِ ولدهِ الحبيبْ.
                كلما رأيتكَ يا محمدْ
                أبكي عليّ.
                فأنتَ
                أنا.
                وأنتَ
                كلّ أهلي.
                وأنتَ كلّ الشعبِ الفلسطيني
                في هذا الكونْ.
                وكلما رأيتُ أباكْ،
                أبكي على الأمّةِ العربيةْ،
                التي تُحبنا كثيراً كثيراً.
                ولكنها عاجزةٌ
                عن رفعِ الظّلمِ عنا.
                وكلما رأيتُ شعوبَ العالمِ الحرْ
                تتضامنُ معنا،
                أبكي كثيراً كثيراً
                على كلّ القيمِ الإنسانيةْ،
                التي تٌمحى بممحاةٍ صغيرةٍ
                اسمها الفيتو الأمريكي.

                2000 م

                كلمات مضيئة

                بالحبّ،
                نحمي أرواحَنا من التّلف.
                بالعمل،
                نؤكّد جدوى وجودنا.
                بالعطاء،
                نأخذُ استحقاقاتِنا.
                بالفرح،
                نقاومُ جيوشَ الملل.
                بالبسمة،
                نحافظُ على مشاعرِ مرايانا.
                بالضّحك،
                نصارعُ الموت.
                بالحنان،
                نعبّرُ عن إنسانيّتِنا.
                بالدهشة،
                نخلّدُ براءةَ طفولتِنا.
                بالأمل،
                نطردُ جرادَ اليأس.
                بالصّمت،
                نؤكّدُ صدقَ مشاعرِنا.
                بالموسيقى،
                نتحوّلُ إلى فَراش.
                لأجلِ الحريّة،
                نضحي بكنوزِ الأرض.
                بالكلمةِ الصّادقة،
                نفتحُ القلوب.
                بالانتماء،
                تتوحّدُ أرواحُنا.
                بالوفاء،
                نستحقّ الخلود.
                بالشهامة،
                تتألّقُ أجسادُنا.
                بالحقّ،
                نهزمُ القوّة.
                بالشجاعة،
                ندوسُ على الجبن.
                بالمستقبل،
                نُحافظُ على الماضي.
                بالرّسم،
                نلوّنُ الحياة.
                بالشّعر،
                نجسّدُ الخيال.
                بالمثابرة،
                نستدرجُ المستحيل.

                2001 م

                شهيداً... شهيداً... شهيداً

                أسبوعان كاملان،
                ونحنُ نتأرجحُ
                بينَ الموتِ والحياة.
                ندعو .. ونُصلي
                ونبتهلُ
                إلى الحيّ الذي لا يموت.
                إلى أن خرجتَ علينا
                من مشفى بيرسي الفرنسيّ
                موشحاً بعلم فلسطين،
                وغارقاّ في بحر النشيدِ الوطنيّ،
                فأغرقتنا بفيضٍ من الدموع.
                زاركَ صديقكَ الحميم، الدكتور جاك شيراك،
                مرتين.
                في المرةِ الأولى،
                حاولَ جاهداّ أن يمنحكَ
                إكسيرَ الحياة.
                وفي المرةِ الثانية،
                كنتَ غافياّ تُحلّق في أحلامكَ العذبة،
                حلمِ التحرير،
                وحلمِ العودة،
                وحلمِ الصلاةِ
                في المسجدِ الأقصى المبارك.
                تحدّثَ إليكَ هامساّ
                « أنا صديقكَ الدكتور شيراك. »
                مسّتْ كلماتهُ وجدانَكَ
                وأعادتكَ إلى الحياة،
                ففتحتَ عينيكَ
                وابتسمت.
                يحقّ لك أن تبتسمَ أيها الرئيس.
                فقد منحكَ صديقكَ الفرنسيّ،
                الدولةَ التي بها حلُمت.
                بعلمها ذي الألوانِ الأربعة،
                وبنشيدِها الوطنيّ
                ومنحنا نحنُ الفلسطينيين
                هذا الحبَّ الكبير،
                الذي خفقتْ لهُ جوانحُنا
                وخفّفَ عن قلوبِنا
                صعوبةَ الموقف.
                صحيحٌ أنّ الدموعَ تفجّرتْ
                من العيون.
                ولكننا شعرنا أنّ التكريمَ
                الذي حظيتَ به
                امتدّ ليشملنا جميعاّ.
                وأنّ الفخرَ الذي أحسسنا بهِ
                ملأ قلوبَ الفلسطينيينَ فرداّ فرداّ
                على امتداد الكون.
                وأنّ فلسطينَ
                التي حلُمنا بتحريرِها
                قد تحرّرتْ بكَ أنت.
                وأنّ حلمكَ بالشهادةِ الأولى
                قد تحقّق.
                ومع الطائرةِ التي حلّقتْ بكَ
                إلى أرضِ الكنانة،
                حلّقتْ أرواحُنا
                ثم حطّتْ معكَ
                على أرضِ المطار.
                ها أنتَ تحظى
                بالشهادةِ الثانية.
                وتتقدمُ الملوكَ
                والرؤساءَ
                على عربةِ مدفع،
                تتقدّمها الخيولُ العربيةُ الأصيلة.
                لكم شعرنا بالسموّ والعظمة!
                فما كانَ لأحدٍ
                لا قبلكَ
                ولا بعدكَ
                أن حظيَ
                أو سيحظى
                بما حظيتَ به.
                هل شعرتَ مثلنا
                بروعةِ المفاجأة؟
                هل رقصَ قلبكَ فرحاً
                وأنتَ تسمعُ النشيدَ الوطنيّ
                تعزفهُ الجوقةُ الموسيقيّة في مصرَ الحبيبة؟
                وهل انتبهتَ إلى السجادةِ الحمراء
                التي لا تُفرَدُ
                إلا للعظماءِ
                ورؤساءِ الدول؟
                كلّ هؤلاءِ الأصدقاء
                جاءوا إليكَ من أنحاءِ العالم،
                لا ليلقوا نظرةَ الوداع
                على جسدكَ المسجّى،
                فحسبْ،
                وإنما ليغترفوا حزمةَ ضوءٍ
                من روحكَ المناضلة،
                المصرّة على انتزاعِ الحريّةِ والكرامةِ
                لأرضِكَ وشعبِك.
                لقد تمنى كلُ من رآكَ
                لو أنّ جنازتَهُ
                تكونُ بمثلِ هذهِ المهابةِ
                وهذهِ العظمةِ
                وهذا التقدير.
                ثمّ ها أنتَ تحطّ علينا كطائرِ الرعد،
                لتحظى بالشهادةِ الثالثة
                التي تمنيتَها،
                « شهيداّ.. شهيداّ.. شهيداّ »
                في الشهادةِ الأولى،
                وحّدتَنا جميعاّ.
                وفي الشهادةِ الثانية،
                وحّدتَ العالمَ معنا وبنا.
                وفي الشهادةِ الثالثة،
                أيقظتَ فينا الإحساسَ بالمسؤولية،
                لنحقّقَ كلّ ما حلمتَ به.
                في الأولى،
                احتضنتكَ فرنسا.
                وفي الثانية،
                احتضنتكَ مصر،
                وفي الثالثة،
                احتضنتكَ حبيبتكَ الغاليةُ فلسطين.
                لقد كانتْ شهادةَ المحبةِ والتقديرِ
                من شعبكَ العظيم،
                هذا الشعب الذي طالما وقفَ معكَ
                كما وقفتَ معهُ
                في أصعبِ أيامِ الشدّة.
                عذراً أبا عمار
                لقد كان طوفانُ المشاعرِ التي حملها لك شعبكَ
                أكبرَ بكثير من أن يسمحَ بجنازةٍ رسميّة.
                فكانت الجنازةُ عفويّة.
                تحكّمتْ بها المشاعرُ الصادقة،
                المتدفقةُ من القلوبِ النقيّة.
                حاولَ الشبابُ
                أن يحملوكَ إلى القدس،
                وحاولوا
                إعادةَ الحياةِ إليك،
                فاستبدلوا العلمَ
                بالكوفيّة.
                حتى أفراد الشرطة،
                الذين كانَ عليهم
                أن يحفظوا النظام،
                راحوا يشاركونَ الشبابَ
                بالهتافاتِ
                المنطلقةِ من الحناجر:
                « بالروحْ.. بالدمْ
                نفديكَ يا أبو عمار »
                « بالروحْ.. بالدمْ
                نفديكِ يا فلسطين »
                وانطلقوا بك بطريقةٍ
                أذهلتنا جميعاّ.
                ها أنت تحظى بعناقِ أرضِك
                المضمّخة بترابِ القدس.
                فنمْ قريرَ العين،
                ريثما نوقظكَ من غفوتِكَ قريباّ
                لنمشي معا وسوياً
                إلى القدس،
                ولنصلي معاً وسوياً،
                في المسجدِ الأقصى المبارك
                الذي ينتظرُكَ شهيداً حياًّ.
                ألم تكن عبارتكَ الخالدة:
                « للقدس رايحين،
                شهداء بالملايين ؟»
                نعم يا أبا عمار
                ها أنتَ تعودُ إلى القدسِ شهيداً،
                تتقدّمُ كلّ الشهداءِ الذينَ سبقوكَ،
                والذينَ سيلحقونَ بك.
                لا أقولُ وداعاً يا أبا عمار،
                وإنما أقولُ إلى اللقاء.
                يا معجزةَ هذا العصرِ وكلّ عصر.
                2004 م

                تعليق


                • #9
                  أخى الغالى
                  السويدى
                  إضافة إلى صفات
                  زينب حبش
                  لنا أن نضيف ...
                  و إنسانة فلسطينية
                  فهكذا هم أهل فلسطين
                  تماما كما عبرت الكاتبة الرائعة
                  بأشعارها و عمق مشاعرها
                  هكذا هو الألم ..و القهر ..
                  و السجن و الحرمان ..
                  و هكذا هو رغم كل شئ
                  الأمل

                  لا تبتئسْ يا بحرْ
                  فالقدسُ لا زالتْ تصلي الفجرَ
                  في عزّ الحصارْ
                  والقدسُ لا زالتْ تلمُّ الشملَ للأحبابِ
                  في عزّ النهارْ
                  يا أيها الشعبُ المعذَّبُ
                  في ثنيّات السجونْ
                  يا أيها الشعبُ الذي
                  قهرَ المنونْ
                  لا تبتئسْ
                  "فاصخرُ آت .. والفجرُ آت
                  والبحرُ سوفَ يقومُ كالبركانِ
                  من تحت الرفاتْ "
                  والأرضُ تنهضُ مثلَ عنقاء الرماد ْ..
                  "ومن نشيدِالفتحِ تبتدئُ الَحياةْ"



                  شكرا جزيلا لك السويدى
                  لإهدائنا صوت
                  من أصوات فلسطين الحبيبة
                  و غد فلسطين الحرة قادم لا محالة

                  دمت بكل خير

                  تعليق


                  • #10
                    زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه



                    التفكير الإبداعي


                    الإهداء

                    إلى الطلبة الأوائل

                    في مؤسسات التعليم العالي في فلسطين

                    وإلى جميع الطلبة

                    في المدارس الفلسطينية

                    وإلى أولياء الأمور

                    والمؤسسات الوطنية

                    على اختلاف تخصصاتها


                    المحتوى
                    1- المقدمة
                    2- لماذا التفكير الإبداعي؟
                    3- ماذا نعني بالتفكير الإبداعي؟
                    4- ماذا نعني بالإبداع؟
                    5- ما أشكال الإبداع وما أنواعه؟
                    6- هل هناك علاقة بين التفكير الإبداعي والذكاء؟
                    7- هل يقتصر الذكاء ( التفكير) على شعب دون آخر أو فرد دون آخر؟
                    8- هل يمكن تعليم التفكير الإبداعي؟
                    9- ما أهمية تعليم مهارات التفكير.
                    10- هل للوراثة والبيئة تأثير على الإبداع؟
                    11- هل هناك علاقة بين الإبداع والقيادة؟
                    12- هل يقتصر الإبداع على الفرد دون الجماعة؟
                    13- هل للسن تأثير على الإبداع؟
                    14- هل هناك علاقة بين التفكير الإبداعي والأخلاق؟
                    15- هل للتربية أثر على الإبداع؟
                    16- ما هي معوقات التفكير الإبداعي؟
                    17- ما هي مواصفات الشخصية المبدعة؟
                    18- الخلاصة
                    19- التوصيات
                    20- المراجع بالعربية والإنجليزية؟

                    المقدمة

                    ميّز الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل. والعقل هو مركز التفكير. وأياً كانت اللغة أو الوسيلة التي يستعملها الفرد، فهي تنتقل إلى العقل ليحلّلها ويفسّرها.

                    ولقد ساوى الله بين جميع البشر أن زوّدهم بهذا الجهاز المدهش، ودعاهم إلى توظيفه في حياتهم، باعتباره أداة للتعلّم تلازمهم طيلة حياتهم. كما شجّع على التعلّم في كثير من الآيات.

                    " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" ( آية 9، سورة الروم)

                    ونبه إلى القدرات الكبيرة للعقل، الذي لا حدود للمعرفة لديه:

                    "... وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" ( آية 85، سورة الإسراء)

                    وفي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أنّ الإنسان لم يستعمل سوى جزءاً قليلاً من قدراته العقلية، وأن المجال أمامه واسع لتعلّم المزيد.



                    كما أنها دعوة عامة لمواصلة البحث والتعلّم، لا لفئة بعينها، وإنما لجميع البشر في كلّ زمان ومكان.

                    والعلم لا يتم إلا بالتعلّم . والتعلّم يعني التفكير. والتفكير يقود إلى الإبداع.



                    "... وفي أنفسكم أفلا تبصرون" ( آية 21، سورة الذاريات)

                    "... الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" ( آية 191، سورة آل عمران)



                    لماذا يدعونا الخالق إلى التفكير؟؟

                    وهل هناك إبداع مهما بلغت درجته، يصل إلى إبداع الخالق في كلّ ما خلقه؟!

                    أليس التفكّر في ما خلق الله دعوة إلى التفكير الإبداعي؟



                    ولما كان التفكير مطلباً أساسياً في تقدّم الإنسان وتطوّره منذ بدء الخليقة حتى نهايتها، كان لا بدّ من مواكبته لكل عصر من العصور. وبالتفكير نبني على الماضي ونبتكر من أجل الحاضر والمستقبل.





                    وإذا ما تأملنا الثورة التقنية العلميّة في عصرنا الحالي، وفيما واكبها من حاجة ماسّة إلى مواصلة البحث والتقدّم في جميع المجالات، تحتّم علينا أن نفكّر جدياً في تطوير القدرات المبدعة عند الأفراد منذ المراحل المبكرة في حياتهم. وهذا الأمر يتطلب تطوير المناهج التعليمية وتحسينها باستمرار، وأن تتبنى المؤسسات التربوية تنمية مهارات التفكير وتحفيزها والارتقاء بها لدى جميع فئات الطلبة، باعتبارها وسيلة لتحقيق غايات وأهداف ملحّة ، لا كأهداف بحدّ ذاتها.

                    كما أن التغيير السريع الذي يشهده العصر الحاضر ما هو إلا مقدمة لتطوّر أسرع وأشمل، ينتظر عالم المستقبل . حيث ستقوم الآلات والعقول الالكترونية بالأعمال الروتينية، وتترك للإنسان الأعمال الابتكارية والإبداعية. وهذا يتطلب منا أن نراجع أنفسنا، وأن نغير أسلوب تفكيرنا، بحيث يُؤهلنا إلى التعامل مع علوم المستقبل واكتشافاته وإبداعاته.



                    هناك العديد من المبدعين على مدار التاريخ. منهم مبدعون في مجال محدّد، ومنهم مبدعون في مجالات متعدّدة. ومنهم من قدّم إنجازات مبدعة في سنّ مبكرة أو في سنّ متقدّمة. ومنهم من أبدعوا في الفن أو الموسيقى أو في العلوم والتكنولوجيا.

                    وما نطمح إليه في عصرنا الحاضر، أن نجعل من التفكير الإبداعي مطلباً عامّاً لا خاصاً. بحيث يشارك فيه جميع الأفراد في مختلف المجالات، لا أفراد بعدد الأصابع فقط، ليتحوّل العالم كله إلى خلية نحل نشطة، وسيمفونية خالدة، يشارك فيها كلّ حسب دوره وقدراته الإبداعية.






                    2-لماذا التفكير الإبداعي؟



                    كانت الحاجة إلى التفكير الإبداعي ملحة في كل عصر من العصور الماضية.ولولا المبدعون لما أصبح لدينا هذا الكم الهائل من الاختراعات والاكتشافات، والإنجازات العلمية والأدبية والفنيّة التي نقشت أسماء مبدعيها في الذاكرة الإنسانية على مدى العصور.

                    وما أحوجنا في هذا العصر -عصر العلم والتكنولوجيا والعولمة وتفجّر المعلومات- إلى أن نواكب هذا التقدّم السريع بالمشاركة الفاعلة في المعرفة والتعلم والإنجاز، لنقدّم للعالم إبداعات خاصّة بنا، وناتجة عن أعظم ثروة نمتلكها ، وهي العقل.

                    سمعت من أحد الزملاء الذين زاروا دولة ماليزيا، أن وزير التربية والتعليم حث طلبة الجامعات على اختراع حاسوب قليل الثمن وخفيف الوزن ، ليكون بديلاً عن الكتب والقرطاسية التي يستعملها الطلبة في المدارس وتكلف الدولة مبالغ باهظة سنوياً.

                    إنها دعوة عامة للتفكير والابتكار والإبداع.



                    ولا يتعارض هذا مع ما يدعو إليه ماتشادو (1989) ، وبما توّصل إليه الكسندرو روشكا(1989)، من أن الذكاء حقّ طبيعي لكل فرد. وأن الإبداع يمكن أن يكون جماعياً. كما لا يتعارض مع أفكار هبارد (1996) حول إمكانية تعليم جميع الأفراد ورفع قدراتهم، ودرجة ذكائهم إلى أعلى مستوى.



                    ولقد دعاني هذا الموضوع إلى تأمّل الآيات الأولى التي نزلت على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، (اقرأ باسم ربك الذي خلق(1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علّم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) ) صدق الله العظيم ( آية 1-5 من سورة العلق).

                    " اقرأ " ، تعني فكّر. فالقراءة لا تعني شيئاً إن لم تكن وسيلة للتفكير والفهم.

                    والقراءة هنا هي قراءة سمعيّة، تتم عن طريق حاسّة السمع. فالنبيّ محمّد أمّيّ، لا يعرف قراءة المادة المكتوبة. ولكنه قادر على القراءة السمعيّة التي تحوّلت بها الألفاظ والعبارات إلى قوالب صوتية وألفاظ مسموعة، يستحيل على غير الأذن أن تستعملها وتنقلها إلى مراكز الترجمة والتفسير في الدماغ. ( حبش ،1998، ص17)

                    ثم تُشير الآية الثانية إلى موضوع خلق الإنسان، والذي يتضمن العقل والحواس، التي بها يستطيع الإنسان أن يتعلّم.

                    أما الآية الثالثة، فتُظهر الصفة الإلهيّة أي " الأكرم" ، بخلقه الإنسان على أحسن صورة وأتمهّا .

                    أمّا " الذي علّم بالقلم"، فهذه إشارة إلى أنّ الخالق العظيم قد طلب من جميع عباده تعلّم القراءة والكتابة. بينما تؤكد الآية الخامسة، "علّم الإنسان ما لم يعلم"، أن الله سبحانه قد منح الإنسان العقل والحواس ليتعلّم كلّ ما يريد تعلّمه.



                    يقول الباحثون: إن 95% من الجهد المبذول للقراءة، يقوم به العقل، أو ما يحصل داخله (أي عملية التفكير). أما الباقي، 5%، فتقوم به إحدى الحواس التي زوّدها الله سبحانه لعباده. (الحاج خليل 1988)



                    وسواء اعتمدت القراءة على أي حاسة من الحواس الخمس، فإن الجهد الأكبر لعملية القراءة يقوم به العقل ، الذي هو مركز التفكير.



                    وإذا أردنا أن نُنشئ جيلاً مُفكراً، علينا أن نُنشئ جيلاً قارئاً ومحللاً وناقداً منذ السنوات الأولى لذلك الجيل.



                    نشر باير ( 1997) كتاباً حديثاً موضوعه ( وسائل تحسين التفكير في مدارسنا)، استعرض فيه مجموعة من الإرشادات والتوجيهات العامة، موجهة إلى المعلمين، لتقديم فرص تعليمية / تعلميّة أفضل للطلبة، تدربهم على استخدام مهارات التفكير المختلفة: التحليل والمقارنة والتفسير والتقويم. مع التعرف على برامج التفكير الأكثر فعاليّة، والأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بجميع الطلبة وليس الاقتصار على فئة قليلة منهم.



                    وقد أصدر بنتلي ( 1998) كتاباً حول التعلم خارج أسوار الفصل الدراسي نظام مدرسي لعالم مُتغيّر).

                    وأهم ما ورد فيه هو طبيعة التعلم الفعّال الذي يواكب ويساير القرن الحادي والعشرين. وذلك عن طريق توثيق العلاقة بين المدرسة والمجتمع والتكامل بينهما. ويؤكد على تطبيق الطلبة لما يتعلمونه ، وانعكاسه على حياتهم الشخصية وعلى بيئتهم، ولا يقتصر على الامتحانات فقط. مما يتطلب الإعداد الجيد للطلبة لممارسة التعلم المستمرّ وحلّ المشكلات التي تواجههم طيلة حياتهم.



                    ومن أجل أن يكون التفكير أكثر عمقاً وفاعليه، دعت ويليامز (1987م) في كتابها "التعليم من أجل العقل ذي الجانبين" إلى العمل على تنشيط قوّة الجانب الأيمن من العقل لدى الطلبة، ليُحقّقوا التوازن في مهارات التفكير، وليُنشّطوا إلى درجة عالية، قدراتهم الإبداعيّة.

                    ومن الأنشطة التي يمكن أن يُوظَّف بها جانبا العقل، الأيمن والأيسر : التفكير البصري، والخيال، والمجاز ( التشبيه)، واستخدام جميع الحواس، والاستماع إلى الموسيقى، وإجراء التجارب المخبريه، والقيام بالرحلات الميدانية. وهذه الأنشطة مفيدة لجميع فئات الطلبة وفي جميع المراحل الدراسية.



                    ومن الجدير ذكره، أن معظم المواد المدرسية وأساليب التعليم والتقييم تركّز على المواد والمعلومات المرتبطة بالجانب الأيسر ، وتهمل إلى حدّ كبير المواضيع المرتبطة بالجانب الأيمن، وهو الجانب الإبداعي.



                    أما ما قام به هبارد (2002م) من أبحاث في مجال الإنسان والحياة، فهي تُعدّ أول تقنية عملية وفعّالة تتناول العقل البشري. وهو يُشبّه قدرات العقل المثالي بالكمبيوتر ذي الكفاءات المتعدّدة. ويعتقد هبارد أن العقل الذي تمتلكه، هو العقل " الذي يُمكن أن تسترد قدراته، وذلك عن طريق علم الديانتكس ( Dianetics )، أي تغلب قوّة العقل على الجسد". وهو يُعرّف الديانتكس بأنه:

                    " علم فكري منظّم، مبني على مبادئ محدّدة، يكشف لنا عن وجود حقائق طبيعية، تؤدي بالفرد أو المجتمع إلى ممارسة سلوكيات معينة. كما يمكن بواسطة هذه الحقائق التنبؤ بهذه السلوكيات" .

                    هذا العقل المثالي، هو هبة الله سبحانه لجميع خلقه من البشر، وهو الذي يُميزهم عن سائر المخلوقات.

                    إلا أن الأحداث والمؤثرات النفسيّة والجسديّة التي تمرّ بالإنسان، والتي تسبّب له الحزن أو الألم النفسي والجسدي، هي التي تؤثر على العقل، وتقلل من قدراته وكفاءاته.

                    كيف؟

                    يقسم هبارد العقل إلى قسمين: أحدهما يُسمى الذهن التحليلي، والآخر الذهن التفاعلي.

                    ومنذ بداية تكوين الشخص، أي منذ أن كان جنيناً، حتى آخر لحظه في حياته، يتم تسجيل جميع الأحداث المفرحة والمحزنة، السعيدة والتعيسة، وكذلك جميع الحوادث التي تؤثر عليه جسدياً ونفسياً، مثل حوادث الحرب والمشاهد المؤلمة المرتبطة بها، أو الوقوع عن الدراجة أو حادث سير يترك لديه أثراً جسدياً مؤلماً، كالكسور وغير ذلك. أو أية أحداث أخرى مثل فقد شخص عزيز.

                    جميع الأحداث السارّة، تدخل كشريط إلى الذهن التحليلي. أما الأحداث المؤلمة والمحزنة، فتدخل جميعها إلى الذهن التفاعلي. وبالتالي تؤثر على قدرات الشخص من جهة، كما تؤثر على الوضع الصحي والنفسي لذلك الشخص من جهة أخرى.

                    وفي هذا الصدد، يعتقد هبارد أن 70% من الأمراض الجسدية والنفسية، تعود إلى تأثير الذهن التفاعلي على الأشخاص. من هذه الأمراض، الصداع المزمن، والروماتيزم، والربو، والحساسية وغيرها.

                    إلا أنه يُمكن معالجة تأثير الذهن التفاعلي على الشخص. وذلك بالاستماع إليه، والعودة به إلى المسار الزمني الذي سُجلت فيه الأحداث المؤلمة والمحزنة. بهذه التقنية، يُمكن التخفيف من حدّتها ومن ثم إبطال مفعولها.

                    وفي الحالة التي تزول فيها جميع الأحداث المؤلمة والمحزنة من الذهن التفاعلي للشخص، يتحوّل إلى إنسان صافٍ. عندئذٍ، يسترجع جميع قدراته ويكتشف أنّ لديه من القدرات والإمكانات ما يفوق تصوّره.

                    هذا الشخص الصافي، لا يتأثر فيما بعد بأيّة أحداث مهما كانت، إذ تصبح لديه القدرة على تحملها واستيعابها عن طريق الذهن التحليلي.

                    أما اليوم، فيعتبر الديانتكس ظاهرة عالميّة، يستخدمها الملايين في أكثر من 150 بلداً، وبأكثر من 50 لغة.

                    وتشمل أعمال هبارد التي عالجت موضوع الإنسان والعقل البشري، على عشرات الملايين من الأعمال المنشورة، ككتب أو كمخطوطات، بالإضافة إلى أكثر من 3000 محاضرة مُسجلة.

                    وإن أكثر الشهادات التي تحقّق رؤية هبارد، هي ملايين الأشخاص الذين يعملون اليوم على نقل ميراثه نحو القرن الحادي والعشرين، والذين تزداد أعدادهم مع كل صباح فجر جديد. ( هبارد، 2002 ).



                    أما سكوت وات (2005م)، فهو يدعو كلّ فرد إلى أن يضاعف ذكاءه ، ويقوي قدراته الذهنية، ويُظهر الطاقات الكامنة في عقله. ففي كتابه الشهير عالمياً " كيف تُضاعف ذكاءك" يُشير وات إلى أن غالبية البشر، تميل إلى استخدام نحو 10% أو أقل من قدراتهم العقلية، تاركين بذلك مخزوناً هائلاً من الطاقة العقلية المعطلة. وفي كتابه هذا، يكشف عن الأساليب التي تساعد على استغلال تلك الطاقة ومضاعفة الأداء العقلي. ومن أهم المكتسبات التي يُحقّقها الفرد، إنجاز أعماله في وقت قصير، والقراءة السريعة مع الفهم السريع، وحلّ المشكلات الصعبة، والتأثير على الناس الآخرين وتحديد الأهداف العظيمة ثم تحقيقها بسهولة. إلى غير ذلك. وهو يستشهد بتجارب عمليّة مشوّقة تشدّ القارئ وتحفزه على متابعة القراءة . ومن ثم ، تدفعه إلى تجريب تلك الأساليب .



                    ويرى ماتشادو (1989م) أنه يمكننا أن نقيس تقدّم الأمة وفقاً للنسبه بين عدد المبدعين فيها وعدد سكانها قاطبة. وأن تطوير كل الناس أمر ممكن. فثروة الأمة هي ثمرة عقول مواطنيها.

                    فكلما تضخّم عدد الأذكياء المبدعين، فإن البشرية ستتقدّم أسرع. ويقول: " إن الغد يعتمد على تربية اليوم بالنسبة لكل الناس، وإنه لا شيء ، على الإطلاق يمكنه أن يكون أكثر أهميّة من هذا، وهو البدء في بناء المستقبل منذ الآن". ( ماتشادو، 1989، ص10).



                    والأهم من هذا، فهو يؤكد أن بمقدور كل من الفرد والشعب أن يكون سيّد قدره. "فالأمم التي لا تصمّم على الإصلاح الجذري لأنظمتها التربوية ، ستؤول إلى مستعمرات على نحو قاطع. فليس هناك من قطر لا يكون بالكفء لأنه مستعمر، بل إنه مستعمر لأنه ليس بالكفء" .( ماتشادو،1989، ص121).

                    وهذه دعوة عامّة للتفكير الإبداعي الذي يحرّر الإنسان من قيود الجهل والتخلف في أيّ زمان ومكان.



                    إننا نعيش في عالم لا مجال فيه للضعفاء، ولا أمل فيه للجهلاء. ولا نملك إلا أن نأخذ بمعايير العالم الذي نعيش فيه. لذا لا بدّ أن نكون أقوياء، ووسيلتنا لذلك هي العلم، فالعلم والمعرفة أصبحا يشكلان قوّة العالم الجديد. ( بهاء الدين ، 2003).



                    وإذا أردنا لأبنائنا تنمية مواهبهم وإبداعاتهم، فعلينا أن نوفر لهم المناخ الديمقراطي والبيئة الغنيّة، التي تترعرع فيها قدراتهم الكامنة في جميع المجالات.




                    3-ماذا نعني بالتفكير الإبداعي؟



                    كلنا نذكر اسحق نيوتن الذي سقطت عليه التفاحة. لو أنه لم يفكّر تفكيراً إبداعياً، لما كان السباق في اكتشاف قانون الجاذبية. ذلك التفكير الإبداعي، ابتعد به عن التفكير العادي الذي قد يستخدمه أي شخص آخر، سقط عليه شيء ما من أعلى، واكتفى بالقراءة السطحية له دون أن يستنتج أفكاراً مبدعة تكون قد تولدت منه . أما نيوتن فقد تعمق في التفكير الناقد لما حصل، فراح يتساءل، ويحلل، ويُخمّن، ويتحقق… الخ. إلى أن وصل إلى اكتشافه الكبير الذي تعلمه جميع الطلبة في كل أنحاء العالم. واستخدمه الملايين حتى وقتنا الحالي، في مجالات الصناعة والبحث والتجارب العلمية المختلفة.

                    إذاً ، هو لم يكتفِ بـ "ماذا حدث"؟ ، وإنما راح يفكر بـ "لماذا حدث" ؟ "وكيف حدث"؟

                    في الحقيقة ، من الصعب تعريف " التفكير الإبداعي" بكلمات محدّدة. فكما لا نستطيع تعريف الشعر أو الجمال أو العبقرية إلى غير ذلك من المفاهيم العظيمة، يصعب كذلك تعريف الإبداع، أو التفكير الإبداعي.

                    ولكن ، ربما استطعنا من خلال النماذج والأمثلة أن نقترب من المعنى ولو قليلاً.



                    يُعرّف التفكير الإبداعي بأنه الاستعداد والقدرة على إنتاج شيء جديد. أو أنه عمليّة يتحقق النتاج من خلالها . أو أنه حلّ جديد لمشكلة ما، أو أنه تحقيق إنتاج جديد وذي قيمة من أجل المجتمع. ( روشكا، 1989، ص19)



                    ويعّرف كذلك بأنه التفكير الذي يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل ، وينفي الأفكار الوضعيّة المقبولة مسبقاً. وبأنه يتضمنّ الدافعية والمثابرة والاستمرارية في العمل، والقدرة العالية على تحقيق أمر ما. وهو الذي يعمل على تكوين مشكلة ما تكويناً جديداً ( سعادة وزميله ، 1996).



                    أما Gilford ( 1967) ، فهو يعرف التفكير الإبداعي بأنه تفكير في نسق مفتوح، يتميز الانتاج فيه بخاصية فريدة تتمثل في تنوّع الاجابات المنتجة، التي لا تحدّدها المعلومات المعطاة. في الوقت الذي رأى فيه Livin (1976) التفكير الإبداعي، بأنه القدرة على حلّ المشكلات في أي موقف يتعرّض له الفرد، بحيث يكون سلوكه دون تصنّع، وإنما متوقع منه ( قطامي 2005). بينما يُعرّف بأنه نشاط عقلي مركب وهادف، توجهه رغبة قويّة في البحث عن حلول، أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة أو مطروحة من قبل ( جروان،1999).



                    أما سعاده وزميله (1996)، فقد اقترحا تعريفاً للتفكير الإبداعي بأنه " عملية ذهنية يتفاعل فيها المتعلم مع الخبرات العديدة التي يواجهها، بهدف استيعاب عناصر الموقف من أجل الوصول إلى فهم جديد أو انتاج جديد، يحقّق حلاً أصيلاً لمشكلته ، أواكتشاف شيء جديد ذي قيمة بالنسبة له أو للمجتمع الذي يعيش فيه".



                    وهناك من يعتقد أنه لا بدّ من وجود عوامل أساسيّة مستقلة للقدرة الإبداعية، والتي بدونها لا نستطيع التحدث عن وجود إبداع، وأهمها:



                    1- الطلاقة، أي القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية في وقت قصير نسبياً. فالشخص المبدع لديه درجة عالية من القدرة على سيولة الأفكار، وسهولة توليدها، وانسيابها بحرية تامة في ضوء عدد من الأفكار ذات العلاقة.

                    2- المرونة: ويُقصد بها القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغيير الموقف. وهذه تتجلى لدى العباقرة، الذين يُبدعون في أكثر من مجال أو شكل، خاصة لدى الفنانين والأدباء الذين ينجحون في مجالات إبداعية متنوعة، ولا تقتصر على إطار واحد. كالشاعر الذي يُبدع في كتابة الرواية والمسرحية أو الفن التشكيلي. وهي تلك المهارة التي يتم استخدامها لتوليد أنماط أو أصناف متنوعة من التفكير، وتنمية القدرة على نقل هذه الأنماط، وتغيير اتجاه التفكير ، والانتقال من عمليات التفكير العادي إلى الاستجابة ورد الفعل وإدراك الأمور بطرق متفاوته أو متنوعة ( سعادة 2003)..

                    3- الحساسية للمشكلات، فالشخص المبدع لديه القدرة على رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد. فهو يحسّ بالمشكلات إحساساً مرهفاً. وهو بالتالي أكثر حساسية لبيئتهِ من المعتاد، فهو يرى مالا يراه غيره، ويرقب الأشياء التي لا يُلاحظها غيره، كمنظر غروب الشمس أو شروقها، على سبيل المثال.

                    4- الأصالة، يمكن تعريف مهارة الأصالة كإحدى مهارات التفكير الإبداعي، بأنها تلك المهارة التي تستخدم من أجل التفكير بطرق واستجابات غير عادية، أو فريدة من نوعها ( سعادة 2003) ، أي أن المبدع لا يُكرّر أفكار الآخرين، فتكون أفكاره جديدة، وخارجه عما هو شائع أو تقليدي.

                    5_ الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته ، فالمبدع لديه القدرة على التركيز على هدف معيّن، وعلى تخطي أي معوقات ومُشتتات تُبعده عنه. وهو قادرٌ أيضاً على أن يعدّل ويبدّل في أفكاره لكي يُحقق أهدافه الإبداعية بأفضل صورة ممكنة (حبيب،2003).



                    وهذه السمات تكاد تكون عامة لدى معظم المبدعين في أيّ مجال من المجالات المختلفة، سواء في المجال الفني أو العلمي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك.



                    أما Parks & Swart (1994) فهو يرى أن خارطة التفكير تشتمل على ثلاثة أنواع وهي: الفهم والتوضيح، والتفكير الإبداعي، والتفكير الناقد.

                    التفكير الإبداعي، هو الذي يفسح المجال للخيال، ويولد أفكاراً جديدة وخلاقة. بينما يقوم الفهم والتوضيح بتوظيف مهارات التحليل، ويُعمّق القدرة على استخدام المعلومات.

                    أما مهارات التفكير الناقد، فهي التي تُمكّن الفرد من التحقّق من معقولية المعلومات وصحّتها . وهي التي تقود إلى الحكم الجيّد.

                    وهذه المهارات جميعها، تعمل معاً من أجل اتخاذ القرارات أو حلّ المشكلات. الأمر الذي يجعل الفرد لا يستغني عن أيّ منها حين يحاول توليد حلول جديدة للمشاكل التي يواجهها.



                    أما Fisher (2005)، فهو يرى أن معرفتنا عن التفكير تنبع من المنحى الفلسفي والسيكولوجي، فمن خلال الفلسفة وعلم المنطق، تمّ تطوير أسس التفكير الناقد. أما علم النفس المعرفي، فقد اهتمّ بدراسة الدماغ وبكيفية تطوير أفكار إبداعية.



                    ويتفق Fisher & Swart (2005) مع Parks(1994)، بأن الأنشطة العقلية مثل حلّ المشكلات واتخاذ القرارات تحتاج إلى توظيف مهارات التفكير الناقد والإبداعي معاً.



                    والواقع أن مهارات ومهام التفكير مترابطة ومتداخلة. فالمبدع الذي يهدف إلى إنتاج شيء أصيل ومتميّز، كقصيدة أو مقطوعة موسيقية، يحتاج إلى التأمل، وإلى مهارات التفكير الناقد للحكم على جودة ما أنتجه.

                    لكي تنجز عملاً إبداعياً، لا بدّ من أن تكون ناقداً بدرجة أو بأخرى. ولا بدّ لنا كمربين، من التركيز على التفكير الإبداعي والتفكير الناقد في آن واحد. فالتفكير الإبداعي، كما أوضح جان بياجيه ، يهدف إلى تربية أفراد قادرين على القيام بأعمال جديدة ومبادرة، ولا يكتفون بإعادة ما توصل إليه من سبقهم أو بتقليدهم, أي أفراد مبدعين ومخترعين ومكتشفين. أما التفكير الناقد، فهو الذي يهدف إلى الارتقاء بالتفكير إلى التساؤل وتفحّص كل شيء قبل قبوله والتسليم به.



                    ومن الجدير ذكره، أننا بحاجة ماسة إلى جيلٍ يفكر بحساسية مرهفة في مجالات متعدّدة في حياتنا اليومية، مثل المحافظة على الممتلكات العامة وعلى النظافة العامة، وعلى احترام حقوق الآخرين، وعلى النهوض بالمجتمع لتتحقق له ولجميع أفراده الحياة الكريمة.




                    4- ماذا نعني بالإبداع؟



                    هل يقتصر الإبداع على فن أو نشاطٍ معين؟ أم أنه يشمل جميع أنواع الفنون والاختراعات العلمية والاكتشافات وغير ذلك؟



                    الحقيقة أنه يمكن للفرد أن يكون مبدعاً في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة. وأن هذه المجالات كثيرة ومتعددة. فهناك الإبداع العلمي والإبداع الأدبي والثقافي، والإبداع الاقتصادي والإبداع الاجتماعي… إلى غير ذلك.

                    والإبداع ليس البدعة التي نهى عنها الإسلام. إنه العمل الذي يجد المبدع في إنجازه سعادة كبيرة، والذي يقضي فيه وقتاً طويلاً و متواصلاً من أجل الهدف النبيل الذي يخدم به الآخرين أو يُمتّعهم أو يبعث السعادة إلى قلوبهم.

                    إن أيّ حلّ جديد لمشكلة مستعصية ، يكمن خلفها إبداع ومثابرة وصبر وعمل شاق ومتواصل من أجل الوصول إليها.

                    وإن أي قصيدة أو لوحة فنية أو قطعة موسيقية، تحمل في ثناياها إبداعاً مميزاً. وكذلك الأمر في اكتشاف أو اختراع أي أداة أو مادة تخدم البشر وتسهّل حياتهم اليوميّة.

                    ونحن لا نبالغ لو قلنا إن الإبداع كالذكاء ، يكمن في قلب كلّ إنسان خلقه الله سبحانه . وقد يلمع فجأة في إجابة ذكية، أو سؤالٍ من نوعٍ خاص يحمل حلاً مبدعاً لقضية معقدة.

                    والإبداع الحقيقي لا يعني التكيّف مع البيئة، وإنما أن نكيف البيئة حسب حاجاتنا ورغباتنا.

                    ولكي يكون الإنسان مبدعاً، فإن عليه أن يحلم أحلاماً خيالية واسعة ( سعادة 2003).



                    يعرّف Parsks & Swart (1994) الإبداع بأنه القدرة على توليد الأفكار واستخدام الإمكانيات وتوظيف الخيال لتكوين أفكار أو أشياء جديدة غير مألوفة سابقاً. ويشير إلى أن قدرة الأفراد على توليد الأفكار الجديدة تعتمد على الخبرة السابقة التي تشكل القاعدة بالنسبة لها. ومن ثمّ على القدرة في تمحيص هذه الأفكار وإعادة صياغتها بحيث تصبح أفكاراً خلاقة وأصيلة، وتتميز بأنها نتيجة التفكير الإبداعي لأولئك الأفراد.



                    أما Torrance ( 2003)، فهو يرى أن الإبداع يعني التوصل إلى حلول جديدة، وعلاقات أصيلة، بالاعتماد على مُعطيات محدّدة.

                    وذلك بعد أن يتحسّس الفرد مشكلة ما، أو نقصاً في المعلومات أو الفكرة. ويُضيف بأن عملية الإبداع تشمل البحث عن إمكانيات مختلفة، والتنبؤ بتبعات ونتائج هذه الإمكانيات، واختيار فرضيات وإعادة صياغتها حتى يتم التوصل إلى الحلّ الأفضل.

                    ويرى Fisher (2005) أنه عند مناقشة موضوع الإبداع، فلا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار جوانبه كلها: الفكرة أو الناتج الإبداعي، وميول وقدرات الشخص المبدع، والبيئة التي تنمّي الإبداع.

                    فالعمل الإبداعي برأيه، سواء كان فكرة، أو عملاً فنيّاً، أو عملاً علمياً، يكون أصيلاً ومميّزاً. ولا يُعتبر أي عمل أعيد إنتاجه عملاً إبداعياً، مهما كان متقناً ودقيقاً.

                    فالإبداع هو مجموعة من التوجهات والميول الوجدانية والقدرات العقلية التي يمتلكها الشخص، والتي تمكنه من إنتاج أفكار أصيلة.



                    وعلى سبيل المثال، فإن التلميذ الذي يحلّ مسألة في الرياضيات بطريقة جديدة ومستقلة، وغير معروفة لديه سابقاً، يُعتبر مبدعاً.

                    والمعلّم الذي يستعمل أساليب جديدة وتقنيات جديدة في مساعدة الطلبة على التعلم وعلى الإبداع، يُعتبر معلماً مبدعاً.



                    وما نحتاجه حقّاً، هو أن يُعيد كلّ معلّم النظر في أسلوبه وفي طريقة تفكيره، وفي معاملته لطلابه، وبأن لا يكتفي بإعادة وتكرار ما هو معروف لديه ولديهم. وإنما يحثّهم باستمرار على التفكير والاكتشاف والخلق والإبداع، الذي يساعدهم على الارتقاء بقدراتهم العقليّة ويزيد من درجة ذكائهم. فالعملية التعليميّة/ التعلميّة المطوّرة، أصبحت ضرورة من أهم ضرورات تنمية الثروة البشرية في وقتنا الحاضر. كما أن استعمال الأساليب المبتكرة التي تخاطب كلّ أنواع الذكاء والحواس هي التي تمهّد الطريق إلى الإبداع.








                    5- ما أشكال الإبداع وما أنواعه؟



                    هل يقتصر الإبداع على شكل أو نوع معين؟



                    لقد قيل إنه توجد أنواع من الإبداع بقدر ما تشتمل عليه الطبيعة الإنسانية من خصائص جسميه ونفسية وعقلية وانفعالية … الخ. فالإبداع العلمي يختلف عن الإبداع الفني، كما يختلف الإبداع في المجال الواحد، حيث تتمايز الأنواع والأشكال المختلفة للإبداع وفقاً لنوع العلم أو نوع الفن. ( روشكا، 1989، ص 108).

                    ويُمكننا إدراج بعض الإبداعات تحت الإبداع العلمي والتقني، والبعض الآخر تحت الإبداع الفني.

                    هناك بعض الاختلافات التي تنتج عن وجود أو عدم وجود الاستعدادات والاهتمامات الخاصة في طبيعة النشاط، والمعلومات والتقنيات ووسائل التعبير.

                    أما في مجال فن العمارة، فيلتقي الإبداع العلمي مع الإبداع الفني.

                    ومن الأمثلة على الإبداعات العلمية والتقنية، جميع المكتشفات والاختراعات والأبحاث والتجارب العلمية والتقنية ، سواء كانت بشكل فردي أو جماعي.

                    أما الإبداعات الفنية ، وهي كثيرة، فيندرج تحتها الموسيقى والتمثيل والتجسيد المسرحي والدرامي، وكذلك جميع الفنون الأدبية، كالشعر والقصة والرواية والمسرحية وغير ذلك، إضافة إلى جميع أنواع الفن التشكيلي كالرسم والنحت والتصوير. إضافة إلى باقي الفنون الأخرى المتعلقة بالمواضيع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.

                    ليس غريباً أن يشمل الإبداع جميع ما يُمكن أن يُقدّمه الفرد أو الجماعة من أعمال جديدة تتميّز بالأصالة والذوق الرفيع ، والتأثير في الآخرين. حتى أن المرء يُعبّر عن إعجابه بها بكلمة : مبدع ، ورائع بطريقة تلقائية.




                    6- هل هناك علاقة بين التفكير الإبداعي والذكاء؟



                    لا شك بأن العلاقة بينهما عميقة، وتكاد أن تكون ملتحمة. فالمبدع مفكر وذكي. إلا أن "الإبداع يتصف كذلك بالمثابرة والعمل الجاد لشخص نشيط ومرن وذي فعالية عالية".(روشكا،1989 ، ص72).

                    ولا بدّ من وجود دافعية كشرط أساسي للقيام بأيّ نشاطٍ عقليّ مبدع، كالحماس والحساسية والإنجذاب لما هو غامض، وحبّ السؤال ، والرغبة في التميّز والخلق. ( ابراهيم، 1978 ، ص95).

                    وإن أي عمل إبداعي ، ما هو إلا " عملية خلق شاقة، يقوم بها المبدع لكي يحتفظ بتكامله الشخصي أو بتكامل مجتمعه." ( ابراهيم، 1978، ص107).

                    وإذا كان التفكير الإبداعي يتصف بقيمته العالية ونتائجه المفيدة للفرد والمجتمع ، فهو إذن يقتصر على استخدام الذكاء بطرقٍ إيجابية تخدم الشخص نفسه من جهة ، والآخرين المحيطين به والذين يشاركونه العيش على هذا الكوكب، من جهة أخرى. بينما يمكن استخدام الذكاء بطرق سلبية.

                    فالذي يفكر بصنع الأسلحة المدمرة، هو شخص ذكي. ولكنه بدلاً من توظيف ذكائه في إبداع صناعات لفائدة البشرية ورفاهيتها ، نراه قد صنع أدواتٍ لتدميرها.

                    لذا، فالذي يميّز بين التفكير الإبداعي والذكاء، أنّ الأوّل يقترن بالقيم الإنسانية والمثل والأخلاق. أما الثاني ، فقد ينحرف عنها أحياناً.



                    وفي حياتنا اليومية، هناك الكثيرون من الأذكياء الذين يوظفون ذكاءهم في التزوير والخداع والسرقة وغيرها من الجرائم ، بحيث لا يتركون أثراً يشير إليهم. أما التاريخ، فهومليء بالأشخاص الذين وظفوا ذكاءهم بتشويه الحقائق من أجل مكاسب شخصية أو شهرة واسعة، فدمروا، وقتلوا ونهبوا خيرات غيرهم من الشعوب. وهؤلاء إن كان التاريخ يذكرهم، فمن أجل أن يستحقوا اللعنة على مدى العصور.

                    في حين أنّ المفكرين المبدعين الذين قدّموا للإنسانية أعمالاً ذات قيمة عالية، فإن الأجيال تشكرهم وتقدّم لهم التقدير الذي يستحقونه.






                    7- هل يقتصر الذكاء ( التفكير) على شعبٍ دون آخر أو فردٍ دون آخر؟



                    هذا ما يجيب عنه المفكر لويس البرتو ماتشادو، " أوّل وزير للذكاء في العالم" فيقول: " ليس هناك شعبٌ أذكى من شعبٍ آخر، كما زعم دعاة العنصرية والفوقيّة على الدوام، وبنوا أمجادهم على ظلم باقي الشعوب " . ( ماتشادو ، 1989، ص 32).

                    وهذا المفكر الذي عُيّن وزيراً للذكاء في فنزويلا، يؤكد أنه يمكن تعليم الذكاء لجميع أفراد الأمة. وأن تعليم الذكاء مساوٍ لتعليم التفكير. ومن أجل ذلك، يجب إعادة النظر في جميع مناهج التعليم وأساليبه، في عصر تفجّرت فيه المعرفة، لدرجة أنه يصعب حتى على المتخصص، متابعة ميدان تخصصه. الأمر الذي يُحتّم علينا اختيار ما هو أساسي لتزويد المتعلم به.

                    ويؤمن ماتشادو كذلك بأن الثروة الحقيقية هي التي تكمن في العقل وقدرات التفكير . يقول: " ثروة العقول هي الثروة الحقيقية للأمة. فالأمة الذكيّة هي الأمة التي تفكر. ومثل هذه الأمة قادرة على توفير الحياة الكريمة لأبنائها. وقادرة أيضاً على درء الطغيان. فالأمة الذكية تلفظ الطغيان متى حلّ بها. وإن لم تستطع ذلك، فيجب تجريدها من صفة الذكاء". (ماتشادو، 1989، ص13).



                    ويلخص ماتشادو مسلماته بما يلي:

                    يمكن لكل فرد أن يكون ذكياً.

                    فالذكاء مهارة قابلة للتعلّم، وهو حق طبيعي لكل فرد.



                    ويؤكد ماتشادو على ثلاثة أمور أساسية، يراها مرتبطة معا وفي غاية الأهميّة، هي: الحرية، والعدالة، والذكاء. كما يُصرّ على الدور التربوي في بناء مجتمع حرّ، وعادل، وذكي.

                    ويؤكد كذلك، " أن العبقريّ ليس رجلاً خارقاً، إذ يمكن لكل رجل عاديّ أن يكون ذلك الرجل الخارق". ( ماتشادو، 1989، ص17).

                    أما مفهوم الذكاء عند ماتشادو، فهو التفكير . فالذكي هو الذي يفكر. وإن طريق الذكاء هو كل ما يجعل المرء يفكر على نحو أفضل.

                    وهذا يشمل المهارات الدراسية والقدرة الجيدة على حلّ المشكلات اليومية، والمحاكمة العقلية، وقدرة التحكم بالذات وغير ذلك.




                    8- هل يمكن تعليم التفكير الإبداعي؟



                    معظم الدراسات والأبحاث تؤكد أنّ تعليم التفكير أمر ممكن.



                    وفي هذا المجال، أعدّ معهد وايتمان في سان فرانسيسكو المشروع الرئيس للتفكير، "وهو مشروع صُمّم لتنمية النماذج التربوية والتعليمية، التي ستسهم في إعداد الأفراد للتفكير بطريقة إبداعية، في المستقبل وفي العالم" ( حبيب، 2003، ص71).



                    وهذا أمر هام جداً، إذ لا يجب أن نكتفي بأن نساعد بعض الأفراد على اكتساب مهارات التفكير العليا، وإنما علينا أن نساعد جميع الأفراد على ذلك.



                    لذا، فإن من الأهمية بمكان البدء بالنشء، وذلك بإتاحة الفرصة لهم ، لممارسة التفكير الفعّال والمبدع، الذي يعود عليهم وعلى مجتمعهم، وعلى الإنسانية كلها بالخير، من خلال المناهج التي يتعلمونها يومياً.



                    فهم بناة المستقبل وقادته ، وبأيديهم المشعل ، الذي ينيرون به الطرق لمن يسيرون معهم، ولمن يتبعونهم. وهم أيضاً الذين يملكون أدوات التغيير في كلٍ من مجتمعهم المحلي ومجتمعهم الإنساني.



                    وفي هذا المجال، يؤكد روث ( H.Roth) قائلاً: " ينبغي على المدرسة أن تكون المكان الذي يتمّ فيه تطوير المواهب وتحريضها، وأن علاقة المواهب بالتعليم أكثر أهمية من ارتباطها بالنضج وبالوسط المحيط، وهذا ما يجعل طرائق التعليم تضطلع بدور جديد يتصف بالدلالة والنموذجية". ( روشكا، 1989، ص 198).



                    ومن الجدير ذكره، أن الإبداع في سن مبكرة، يكون مؤشراً لإبداع حقيقي في وقت لاحق.

                    ولكن ، هل يمكننا تعليم التفكير ؟ وكيف ؟

                    يجيب ماتشادو عن هذا السؤال، فيقول

                    نعم. يمكن لكل فرد أن يكون ذكياً. فالتفكير مهارة. أي أنه قابل للتعلم والاكتساب. وتعلم التفكير هو تعلم الذكاء، وإن التربية هي طريق الأمة لرفع درجة ذكائها.

                    ويؤيد ماتشادو في آرائه حول الذكاء، دي بونو. فهو يقول : إن التفكير مهارة، ومن ثمّ فإنه قابل للتعلم.

                    أما المربي الكبير ل. رون هبارد، فيؤكد بدوره أنه يجب علينا أن لا نكتفي بعددٍ قليل من المتعلمين الأذكياء، وإنما علينا أن نغيّر نظام التعليم من أساسه، ليتحقق التعليم للجميع في القرن الحادي والعشرين. ( هبارد ، 1996، ص5)

                    والتعليم الذي يدعو إليه رون هبارد يشمل تعلّم الذكاء وتعلم الأخلاق والقيم الإنسانية، على حدٍ سواء.




                    9- ما أهمية تعليم مهارات التفكير؟



                    قال الفيلسوف ديكارت : " أنا أفكر ، إذن أنا موجود ". وكأنه أراد أن يقول بكلمات أخرى ، إن الذي لا يفكر هو شخص غير موجود. ولذا ، ربط التفكير وأهميته بالوجود، أي بالحياة في هذا العالم.



                    تُعرّف مهارات التفكير الإبداعي بأنها تلك المهارات التي تمكّن المتعلم من توليد الأفكار والعمل على انتشارها ، واقتراح فرضيات محتمله، كما تساعده على دعم الخيال في التفكير ، والبحث عن نواتج تعلم إبداعية جديدة ( سعادة 2003).



                    وتكمن أهمية تعلّم مهارات التفكير بأن على كلّ فرد أن يفكر ليتعلّم ويفهم ويطبق ما يفهمه في حياته.

                    والتفكير يبدأ لدى الأطفال في سنّ مبكرة، أي أنه يبدأ مع الطفل منذ نشأته في المنزل، قبل وصوله مرحلة المدرسة.

                    والطفل الذي يجد الرعاية الكافية والمناسبة في سنواته الأولى، يكون مهيأً للإبداع في واحدة أو أكثر من مجالات الإبداع المختلفة، لدى نموّه.



                    ومن أجل ذلك، دعا ماتشادو (1989) لبناء برنامج تعليم شامل للذكاء في فنزويلا، بحيث غطّى مستشفيات الولادة، والجمهور والمدارس والجامعات والقوى المسلحة، وأفراد الخدمة المدنية. واهتم المشروع بالطفل حتى وهو جنين في رحم أمه. فهو يُدرّبها كيف تعتني بجنينها وطفلها. فالأعوام الستة الأولى من عمر الطفل ذات قيمة كُبرى في حياته المستقبلية.

                    ويقول : " كل الأطفال العاديين موهوبون. والأطفال الموهوبون مجرّد أطفالٍ عاديين، لاقوا العناية الفائقة. فإذا سمحنا للقلّة أن تُطوّر ذكاءها، فإنها ، لا مناص، ستحتكر القوّة. وهناك الطغيان الأعظم." ( ماتشادو، 1989، ص20).

                    وهو يرى أن:

                    " الخالق وهبنا العقل كطريق يُنير العدل.

                    فالخالق لا يُميّز بين الناس

                    والامتيازات من صنع البشر أنفسهم".( ماتشادو، 1989، ص20).



                    كما دعا سعاده (2003) إلى تدريس مهارات التفكير للطلبة في جميع المراحل الدراسية.



                    ونُلاحظ كذلك، أن التجارب السابقة والاهتمامات بتعليم التفكير، بدأت بتوجيه الأمهات لرعاية أطفالهن، وهم أجنّة في بطونهن. وهذا يعني أهميّة توعية الأمهات أولاً، ثم المعلمين والمعلمات على اختلاف المراحل التي يُعلمون فيها، سواء كان ذلك في رياض الأطفال أو المدارس أو الكليات المتوسطة، أو حتى في الجامعات.



                    وللإجابة عن السؤال المطروح، ما أهمية تعليم مهارات التفكير؟ نرد على ذلك بأن المتغيرات السريعة، وتدفق المعلومات التي لا حدود لها في عصرنا الحالي، تدعونا جميعاً لأن نُفكر بطرق وأساليب جديدة، تتواكب مع هذه المتغيرات والمستجدات . والتي تُشير إلى الحاجة الماسّة إلى المبدعين، لا على مستوى الأفراد فحسب، وإنما على المستوى العام. خاصة وأن غالبية علماء النفس والباحثين التربويين، أصبحوا يُسلّمون بأن القدرة على التفكير الابتكاري شائعة بين الناس جميعاً. وأن الفرق بينهم، يكمن في درجة أو مستوى هذه القدرات. ( عبادة ، 2005، ص6).



                    لذا ، فإن تعليم مهارات التفكير يُعتبر ضرورة مُلحّة، وحاجة أساسية من حاجات كلّ فرد، كحاجته إلى الماء والهواء والغذاء. وكما أن الفرد بحاجة إلى تعلم مهارات القراءة لكي يقرأ ويفهم ويتعلم بنفسه، وإلى تعلم مهارات الكتابة ليعبر عن أفكاره بنفسه، وإلى تعلّم مهارات القيادة ليقود سيارته بنفسه، فهو قبل كلّ ذلك، يحتاج إلى تعلّم مهارات التفكير ليفكر بنفسه، وليحلّ مشاكله الحياتية بنفسه.



                    ليس هذا فحسب ، فهي تساعده على المشاركة في صنع القرار، كما تساعده في تحديد الأولويات والبدائل ، والمشاركة في وجهات النظر عن طريق طرح الأفكار والآراء أثناء الحوار والمناقشة . والأهم من ذلك، أنها تهيئ الفرد للتكيف مع المتغيرات الضرورية للانخراط في العمل والحياة داخل مجتمعه الخاص والمجتمع الإنساني، على حدّ سواء. كما تُهيئه للقيام بالأدوار القيادية والنجاح فيها. وتُساعده على التفكير المستقل، وعلى السرعة في التفكير، وعلى استقبال أفكار الآخرين وفهمها وتقبلها أو مناقشتها بطريقة علميّة ومنطقية، بحيث يتقبلها الآخرون بعقول متفتحة.










                    10- هل للوراثة والبيئة تأثير على الإبداع؟



                    يعتقد بعض الباحثين أن الأثر الكبير على الذكاء يكمن في البيئة، أي التربية. وبما أن العلاقة بين الذكاء والإبداع علاقة متينة، إذن فما ينطبق على الذكاء ينطبق على الإبداع.

                    وهناك من يعتقد أن للوراثة أثراً كبيراً على الإبداع، بدليل أن هناك العديد من الأطفال يُبدعون في المجالات التي ُيبدع فيها آباؤهم وأمهاتهم.



                    وسواء كان للوراثة أو للبيئة تأثير على الإبداع، فإن ما يهمنا هو ما نستطيع أن نوفره للشخص لكي يصبح مُبدعاً، أو ليطوّر إبداعاته.



                    فمما لا شكّ فيه أن التفكير الإبداعي يحتاج إلى بيئة مشجعة ومحفزة، سواء ورث الطفل ذلك أم لم يرثه.

                    وهناك مقولة، تؤكد ، بأن في قلب كل فرد روحاً مبدعه. فإذا ما توفرت البيئة الملائمة، والمشجعة على الإبداع، فإن تلك الروح تتألق وتزدهر.



                    ومن أجل ذلك، فإن الأطفال بحاجة لأن تكون البيئة المدرسية والأسرية، غنيّة بكل ما يحتاجونه، وبكل ما من شأنه أن يدفع بهم إلى النمو نفسياً وعقلياً وجسدياً ووجدانياً واجتماعياً، ليبدعوا في واحدة أو أكثر من مجالات الإبداع المتعدّدة.



                    وهم يحتاجون بشكل خاص، إلى نظام مدرسي، ومنهاج مدرسي يُعطيهم ويُعطي معلميهم مساحة كافية من الحرية، التي تسمح لهم بالطلاقة في التفكير، وبإجراء التجارب، وبالتأمل، وبالمطالعة الحرة، وبإعداد البحوث والدراسات، وبالاكتشاف، وباللعب ، وبالاستماع إلى الموسيقى، وبالاستمتاع بقراءة الشعر وممارسة الرسم والكتابة الإبداعية، وبتبادل الأفكار والآراء عن طريق النقاش الهادف والعصف الفكري، الذي يُحوّل الأطفال إلى شعلة من النشاط الذهني المتوقد، والعيون البرّاقة، والقلوب السعيدة أثناء مشاركتهم الفاعلة في جميع الأنشطة والأعمال المدرسية التي يقومون بها برغبة ومحبة.



                    يقول رون هبارد (1996) " إن أفضل أساليب التعلّم هي أن يشعر الطفل بأنه يحبّ كل عمل يقوم به، وكل شخص يشاركه في ذلك العمل".

                    وسواء كان الطفل مبدعاً بالوراثة أم بتأثير البيئة، فلا بدّ له لكي يستمرّ ويطوّر تفكيره الإبداعي، من بيئة ثرية تشحن قدراته وترتفع بها إلى الأعلى. " فالمطلوب في هذا العصر مبدعون ومبتكرون ومكتشفون، وأناس لديهم القدرة على التخيّل وسرعة التغيير ". (بهاء الدين، 2003، ص 178).




                    11- هل هناك علاقة بين الإبداع والقيادة؟



                    في كتابه ( المائة )، يشير الكاتب (هارت، 1985) إلى الإسهامات الخالدة التي قدمها هؤلاء الأشخاص المائة للثقافة الإنسانية، لا في عصرهم فحسب، وإنما في العصور التي تلته.

                    إن هؤلاء الأفراد البارزين من المبدعين والقادة، يشتركون في امتلاكهم لخاصيّة العبقرية. وهذه العبقرية تقاس من خلال مقدار التأثير الذي خلفته على المعاصرين واللاحقين.

                    وتعريف العبقرية لا يميزّ بين الإبداع والقيادة. فحين نضع أشهر المبدعين وأشهر القادة تحت الفحص، فإن ذلك الفرق بين الإبداع والقيادة يختفي، لأن الإبداع يُصبح شكلاً من أشكال القيادة. فالمبدعون هم قادة ثقافيون.



                    وقد كان لأفكار آينشتاين النظرية تأثيرها البالغ على زملائه من علماء الطبيعة بشكل خاص، وعلى المجتمع العلمي بشكل عام. وكذلك كان تأثير بيتهوفن على الموسيقى وميكل أنجلو على النحت وشكسبير على الدراما، تأثيراً كبيراً في زمانهم هم، وفي الأجيال التالية لهم.

                    فالمبدعون المشهورون، هم قادة في الشؤون الفنية والعلمية.

                    (سايمتن،1993، ص15).



                    ونحن لو استعرضنا الإنجازات التي قدّمها المبدعون على مدار التاريخ، لأدركنا تأثيرها المباشر وغير المباشر على الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل. حتى أننا نكاد نراهم ونسمعهم ونتمثلهم أمامنا.

                    وسواء كان هؤلاء الأشخاص مبدعين في المجال السياسي أو الفني أو العلمي أو غير ذلك، فإن تأثيرهم علينا يظلّ كبيراً.

                    وأهم ما يميزّ هؤلاء المبدعين، أنّ تأثيرهم لا يقتصر على شعب دون آخر، وإنما يمتدّ ليشمل جميع شعوب العالم.

                    ولو تتبعنا التاريخ، لعرفنا كم كان للعرب تأثير على الثقافة الأوروبية في مجال الطب والفلك والموسيقى والرياضيات وغيرها من الفنون. وفي الوقت نفسه، تأثرنا نحن العرب بالإنجازات التي حققها مبدعون عالميون من شعوب أخرى.

                    وأيّ إنجاز يُقدَّم للبشرية ويجري تعميمه، يتحوّل إلى فكر أو علم أو فن، يمتزج في العقل الإنساني للفرد، حيث يتحول إلى جزء حميم من فكر وعلم وثقافة ذلك الفرد.

                    وأي اختراعٍ مبدع، يتحوّل إلى أداة يستخدمها الآخرون، أو يقودهم إلى تطويره والبناء عليه في مزيد من الاختراعات التي تخدم البشرية كلها.




                    وليس غريباً إذن أن يُعتَبر المبدعون قادة الحاضر والمستقبل، للأجيال المتعاقبة. وكلما كان إنجازهم أكثر أهميّة، كان حضورهم أكثر تأثيراً. حتى أن برامز، وهو أحد المبدعين في الموسيقى، فسّر توقفه عن كتابة إحدى سيمفونياته مدّة اثني عشر عاماً بقوله:" إنك لن تستطيع أن تعرف كيف يشعر أمثالنا، عندما نسمع وقع أقدام عملاق مثل بيتهوفن خلف ظهورنا" (سايمتن، 1993، ص15).



                    مما يشير إلى أن هؤلاء المبدعين يظلون حاضرين في أذهان من يتأثرون بإنجازاتهم على مدى الزمان والمكان.




                    12- الإبداع الفردي والجماعي:



                    هل يقتصر الإبداع على الفرد دون الجماعة؟

                    لقد كان المفهوم سابقاً بأن الإبداع يكون فردياً لأن الذي يقوم به فردٌ واحدٌ.

                    أما فيما بعد، فقد تغير هذا المفهوم، خاصة في مجال البحث العلمي. حيث أنه يمكن لمجموعة من المبدعين إنجاز اكتشافات أو اختراعات قدّموها معا،ً بجهودهم وأفكارهم وبالتعاون فيما بينهم.

                    كما يُمكن لمجموعة من الفنانين التشكيليين أن يشتركوا في إنجاز جدارية ضخمة. وهكذا.

                    إذن، فالإبداع يُمكن أن يكون فردياً كما في الشعر، أو جماعياً، بحيث يشارك فيه مجموعة من الأشخاص المبدعين كعمل مشترك، كما في الهندسة أو الفن التشكيلي أو الأبحاث الطبية. وقد يُشارك فيه عدد كبير من الأشخاص، كما في العروض الرياضية، أو عزف السيمفونيات العالمية أو المسرح أو الأفلام ذات المستوى الرفيع.



                    ونحن في فلسطين قد أبدعنا في جميع هذه الأنواع ، خاصة خلال الانتفاضة الأم وانتفاضة الأقصى الحالية. فلأوّل مرّة في تاريخ الشعوب المستعمَرة أو المُحتلَّة، نجد شعباً بكامله يتحوّل إلى خلية نحل، فيتعاون ويقدّم كلّ أشكال الإبداعات والتضحيات من أجل هدف واحد نبيل مشترك، هو الدفاع عن الحريّة.



                    ولم تقتصر إبداعات الشعب الفلسطيني على نوعٍ محدّد من الإبداع، فهناك الإبداع في رتق النسيج الاجتماعي، وهناك الإبداع الفني والأدبي، وهناك الإبداع النضالي الذي شارك فيه الطفل إلى جانب العجوز، والمرأة إلى جانب الرجل. والذي تحوّل إلى سيمفونية خالدة في قلوب جميع شعوب العالم.




                    13- هل للسن تأثير على الإبداع؟



                    اخترع باسكال آلة حاسبة وهو في الثامنة عشرة من عمره. كما اخترع سكاي دايتون، أحد الطلبة في مدرسة دلفاي بلوس انجلوس، شبكة ( earthlink ) الدولية وهو دون الثامنة عشرة. وكان قد بدأ شركته بموظفين اثنين أو ثلاثة، وهي الآن تضمّ أكثر من (1200) موظفاً وموظفة.

                    صحيح أن العديد من الاكتشافات والاختراعات تمت في سنّ مبكرة من مكتشفيها. إلا أن هذا لا يتعارض مع وجود عمالقة في الأدب والموسيقى وغير ذلك، ممن كانوا يزيدون عن السبعين والثمانين من أعمارهم ، أمثال غوته وبيتهوفن ومارك توين من الأجانب، وعمر الخيام وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم من العرب والمسلمين.

                    أي أن الإبداع يمكن أن يحصل في فترات عمرية واسعة، فهو قد يبدأ من الخامسة عشرة أو أقل، ويمتّد إلى التسعين. إذ لا توجد حدود معينة في ذلك . وأفضل مثال على ذلك الفنان الإسباني الكبير بابلو بيكاسو، الذي واصل نشاطه الإبداعي في الفن التشكيلي إلى ما بعد التسعين، وكذلك الكاتب العربي الكبير نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل للآداب.

                    وتشير معظم الدراسات والأبحاث إلى أن سمات الإبداع تظهر لدى الأطفال قبل المرحلة الثانوية. ثم تقوى وتزدهر في المرحلة الجامعيّة. أما النتاجات الإبداعية في مجال الشعر والموسيقى، فيمكن أن تظهر في سن مبكرة. وعلى سبيل المثال، فقد قاد موزارت أوبرا في ميلانو وهو في الرابعة عشرة من العمر، أما إينسكو، فقد ألف " أسلوب القصيدة الرومانية وهو في سن الخامسة عشرة.

                    ومن جهة أخرى، فقد أبدع فيردي أوبرا فالستاف وهو في سن الثمانين، أما غوته ، فقد أتمّ الجزء الثاني من كتاب فاوست وهو في الثانية والثمانين.

                    إلا أن المعطيات التي أوردها ليمان وآخرون، تبين أن النتاجات الإبداعية تنمو باستمرار حتى الثلاثين إلى الأربعين من العمر، ثم تهبط تدريجياً.

                    إلا أن هذا لا ينطبق على جميع المجالات، ولا على جميع الحالات.

                    (روشكا، 1989، ص 148-149).



                    أما د. بهاء الدين (2003)، فهو يدعو إلى الاهتمام بالطفولة المبكرة، وذلك بأن يبدأ التعليم قبل السن المدرسي. خاصة تعليم اللغات والموسيقى والمهارات اليدوية الدقيقة. كما يدعو إلى استخدام أساليب مبتكرة تخاطب كلّ أنواع الذكاء وكل حواس الطفل وعواطفه. وذلك من أجل التمهيد لتنمية قدراته على الإبداع والانطلاق بها فيما بعد.

                    وفي ضوء ما تقدّم، يتضح أن هناك مجالات يبدأ فيها الإبداع لدى الأفراد في سن مبكرة، وقد يستمر إلى سن متأخرة أو لا يستمرّ. بينما هناك مجالات يظهر فيها الإبداع في سن متأخرة، خاصة في المجال السياسي.



                    وما يهمنا نحن، أن ننمي الإبداع لدى جميع الأطفال من خلال برامج تعليميّة تحفزهم وتتيح لهم فرصة الإبداع في المجالات المختلفة، وذلك بإثراء البيئة التعليميّة/ التعلميّة، وبتطوير المناهج، بحيث تلبي حاجاتهم وتقوّي دافعيّتهم للبحث والاكتشاف، وتنمي مواهبهم وتصقلها وتفتح لهم باب الخلق والإبداع على مصراعيه.






                    14- التفكير الإبداعي والأخلاق



                    هل يرتبط التفكير الإبداعي دائماً بالأخلاق؟



                    الجواب ، نعم. فالتفكير الإبداعي يرتبط في جميع الحالات بالقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية.

                    فاكتشاف الذرة مثلاً، عمل إبداعي دون أي شك. خاصة إذا جرى استعمالها في المجالات التي تخدم الإنسانية وتُساعد على رفاهية البشر وسعادتهم. أما إذا استُعملت لتدميرهم، فإنها تُعتبر عندئذٍ عملاً ذكياً، لكنه لا أخلاقيّ.

                    ومثل ذلك اكتشاف الديناميت. فهو قد يُستعمَل لتفتيت الصخور من أجل استعمالها في بناء المنازل السكنية والمدارس والمصانع والمستشفيات، ولكن إذا استُعمل لتدمير هذه المنشآت، فإنه يُصبح عملاً ذكياً لا أخلاقياً.

                    وما نحتاجه في زماننا الحالي، هو الكثير من التفكير الإبداعي المرتبط بالأخلاق، وبالقيم الإنسانية، في جميع المجالات.

                    فأي اكتشافٍ أو اختراع غير مرتبطٍ بهذه الأخلاق والقيم، قد يؤدي إلى نشر الأوبئة وتدمير البيئة والقتل الجماعي للشعوب.



                    اختار مايكل هارت في كتابه " المائة" ، أهمّ الشخصيات الخالدة على مدى التاريخ، ممن كان لهم أثر عالمي، سواء كان ذلك الأثر علميّاً أم فنياً أم سياسياً أم دينياً. وقد كان على رأس القائمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فأثره لا زال عميقاً متجدداً، ليس فقط على العرب والمسلمين، وإنما امتد ليشمل الناس كافة .



                    ليس غريباً أن تشمل القائمة عدداً كبيراً من المبدعين في العلوم كإسحاق نيوتن وألبرت أينشتين ومايكل فرادي وغيرهم. وفي الأدب كويليام شكسبير وفي الموسيقى مثل بتهوفن وباخ. وفي الفن كمايكل أنجلو وبيكاسو. وفي التاريخ كعمر بن الخطاب الذي ساعد بذكائه وعبقريته على نشر الإسلام وتمكينه من البلاد الأخرى.

                    إلا أن الغريب أن تضمّ القائمة أشخاصاً كهتلر، باعتباره عبقرية شريرة إلى جانب المبدعين والعباقرة الذين قدّموا إنجازاتهم لكلّ بني البشر.



                    لقد أصبح الربط بين التفكير الإبداعي والأخلاق مهمّة عالميّة، لا تقتصر على دولة دون دولة، أو شعبٍ دون شعب . وإنما يجب على جميع دول وشعوب العالم، أن تتنبّه إلى ضرورة التخلص مما هو ضار ومؤذٍ بالنسبة لها أو لغيرها. والى تحويل أية اختراعات أو اكتشافات إلى ما هو مفيد لها ولغيرها. وبهذا يتجنب الجميع الكوارث والمآسي التي قد تُسببها تلك الاكتشافات والمخترعات.



                    وفي هذا الشأن، يجدر بهيئة الأمم، أن تُعيد النظر في مهامها، وأن تقصرها على تحقيق العدالة والحرية والسلام والسعادة لجميع شعوب الأرض.



                    كما يجدر بنا جميعاً كمربين، أن نُنشئ أطفالنا على ممارسة الأخلاق الحميدة، والمبادئ الإنسانية وعلى قيم الحق والخير والجمال ، التي تكون بمثابة الحاضنة لأفكارهم وإبداعاتهم في الحاضر والمستقبل.




                    15- الإبداع والتربية:



                    هل للتربية أثر على الإبداع؟



                    إنّ التربية الحقة هي التي تقود إلى الإبداع، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار دورها الفاعل في تربية التلاميذ والطلبة كلهم، انطلاقاً من المقولة التالية:" إن تربية الإبداع ممكنة لأي شخص طبيعي عادي من وجهة نظر عقلية. وتوجد اليوم براهين كثيرة على أن أي شخص عادي يُمكن تطوير الإبداع لديه بقليل أو كثير ، بهذا الاتجاه أو ذاك." ( روشكا، 1989، ص207).

                    ونحن حين نذكر التربية، فإننا نعني بذلك التربية الشاملة للفرد عن طريق المؤسسة التربوية والبيت والمجتمع. إذ أن جميع هذه الجهود، يجب أن تتضافر جميعها، وأن تنصهر معاً لتُشكّل قوّة الدفع لأي طفلٍ أو فردٍ في تنمية قدراته والانطلاق بها إلى أقصى درجة.



                    ومن أجل ذلك أفرد سعادة (2003) دراسة خاصة حول تدريس مهارات التفكير ومهارات التفكير الإبداعي ، تتضمن مئات الأمثلة التطبيقية، ليستفيد منها المربون، وأولياء الأمور والطلبة على اختلاف المراحل الدراسية التي وصلوا إليها.



                    ونحن إذ نُؤكّد على دور المدرسة ، بشكل خاص، فلأنها الحاضنة الرئيسة ، إلى جانب البيت، التي تضع في أعلى قائمة اهتماماتها ، التربية المتكاملة للنشء ، عبر العمل والممارسة ، لأن ذلك هو الأداة الأساسية للتطوير المتكامل للشخصية، عقلياً ونفسياً وجسمياً وانفعالياً واجتماعياً ووجدانياً. وهذا يُؤكّد الأهميّة الكبرى لفعالية الإمكانات التربوية، التعليمية والتعلمية، التي تساعد على تكوين الاستعدادات والخصائص والاهتمامات والإبداعات المختلفة لدى جميع فئات الطلبة.



                    ومن أجل ذلك ، يُفترض في النظام التربوي أن يتميّز هو نفسه بالإبداع . أي يواكب العصر المتغير الذي نعيشه، والذي يتطلب من الفرد التسلح بالمهارات والقيم والأخلاق التي تساعده على ممارسة حياته بشكل جيد، وعلى اكتساب المعرفة التي يحتاجها بسهولة ، داخل المؤسسة التربوية وخارجها.



                    وهنا يكمن دور المؤسسات التربوية على اختلاف مستوياتها الأكاديمية. بحيث تقوم بإعداد وتشجيع وخلق المناخ الملائم لإذكاء دافعية الطلبة على الإبداع في شتى المجالات. وبأن تتبنى الأساليب الاستكشافية بدلاً من الشرح والتفسير، وبأن تركز على الفهم والتطبيق بدلاً من الحفظ. وبأن تستفيد من التجارب المتراكمة في العالم كافة، وفق منظور بنائي نقدي. وبأن تهتم بتطوير وتكوين الشخصية المبدعة لدى جميع فئات الطلبة، وبتنمية القدرات الإبداعية لديهم نحو ما هو مفيد وذو قيمة. وتنمية مشاعرهم نحو العمل من أجل رفاهية الإنسانية وسعادتها.

                    كلنا يعرف أن العديد من المكتشفات والمخترعات يُمكن أن تُستخدم من أجل الإنسان ومصلحته، وفي الوقت ذاته، يُمكن استخدامها من أجل تدميره ووقف تطوره.

                    فالطاقة النووية مثلاً، يمكن استخدامها من أجل تدمير البشرية، كما يُمكن استخدامها من أجل السلام والصداقة وسعادة البشرية. ( روشكا، 1989، ص 37). ولن يتمّ ذلك إلا إذا توفرت التربية الحقيقية وترسّخ مفهومها النبيل لدى جميع المتعلمين.



                    ويؤكد الباحثان، كليمان وشيرياك " بأن تطبيق الطرائق الحديثة في التعليم والتعلم، تستلزم من التربوي الهدوء والصبر إزاء النتائج التي يتم الحصول عليها عبر الاكتشاف الموّجه . وبأن تنظيم هذه الطرائق في إطار عمل الجماعات في التعليم والتعلم عبر الاكتشاف، هو تنظيم مُفيد ويمكن تعميمه. ( روشكا،1989، ص 208).



                    أما التعليم التقليدي، فإنه يُعيق العبقرية ولا يدعمها.

                    وقد نبهت حبش (2002،ص9) إلى ضرورة الانتقال من أساليب التعليم التقليدي إلى أساليب حديثه وفعّالة، تساعد كلاً من المعلمين والطلبة على حدّ سواء، فتقول: " لم تعد عملية التعليم / التعلم مجرّد عملية تلقين من جانب المعلم، وحفظ من جانب الطالب. وإنما عملية تواصل وتفكير مشترك بين المعلم والطالب. وإلى تفاعل عميق مع البيئة الخاصة والعامة، القريبة والبعيدة، في الماضي والحاضر والمستقبل".



                    ويمكن الاستشهاد بألبرت أينشتين. ففي ملاحظاته في سيرته الذاتية كتب، " لقد كان على المرء أن يحشو عقله بكل هذه المواد، سواء كان يحبها أم لا". ( سايمتن،1993، ص105). ثم يُشير إلى أساليب التدريس التي تخنق حبّ الاستطلاع المقدّس لدى الطلبة. ويُضيف، " هذه النبتة الصغيرة الطرية، تحتاج أكثر ما تحتاج إلى الحرية فضلاً عن الحوافز. ومصيرها التلف لا محالة، إن لم تحصل على هذه الحرية. ومن الخطأ القاتل أن نعتقد أن متعة الرؤية والبحث يُمكن أن تتعزّز من خلال وسائل القهر والشعور بالواجب. " (سايمتن،1993، ص105).



                    وكذلك فقد أشارهبارد (1996)، إلى أن 95% مما تعلمه في المدرسة، كان مجرّد حشو للمعلومات التي لم يستخدمها طيلة حياته. ولذلك، فمن أولويات المؤسسة التربوية الحديثة، أن تهيئ الطلبة، على اختلاف فئاتهم، إلى الحياة وإلى المستقبل . ومن أجل ذلك، يقع على عاتقها أن تعلم الطلبة كيف يتعلمون، وكيف يوظفون ما يتعلمونه في حياتهم الخاصة والعامة.



                    أما ماتشادو (1989) ، فهو يعتبر أن المهمة الأساسية للدولة هي التربية. وبأن الحكم هو التربية. وليس بالمستطاع أن تكون هناك مهمة للحكومة أعظم شأناً من الكفاح لرفع ذكاء الشعب.



                    وقد أشارت حبش( 1998) في كتابها ( تعلم كيف تتعلم بنفسك )، إلى ضرورة أن "نُعلّم التلاميذ كيف يتعلمون . وذلك بأن نُنمي فيهم القدرة على التعلّم الذاتي المستقلّ، الذي يستمرّ معهم مدى الحياة". ومن أجل ذلك، ركزت على المهارات القرائية الأساسية التي تُساعد على التعلم السريع والفعّال لكل ما يريد الطالب أن يتعلمه ويوظفه في حياته.



                    إن التعليم بمعناه العصري هو التعلّم مدى الحياة، وتمكين الإنسان من خبرات التعلم الذاتي، فقد أصبح من المستحيل أن نُحمّل أبناءنا خزائن المعلومات المتاحة لهم . فهذا فوق قدرة أي بشر. وأصبح الخيار الأوحد هو أن نُسلحهم بمفاتيح هذه الخزائن فقط، وأن نُعلمهم طريقة استخلاص المعلومات وطريقة تنظيمها وطريقة توظيفها. ومن أجل ذلك، لا بدّ من تغيير أفكار المعلمين وسلوكياتهم وخبراتهم، وتدريبهم تدريباً جيداً بحيث يتم إعدادهم لمهام ومسؤوليات جديدة ومُتغيرة . ( بهاء الدين 2003).



                    إن التربية الحقيقية هي التي تُساعد كل طفل على الارتقاء بقدراته وبذكائه إلى أقصى درجة، وذلك عن طريق إفساح المجال له لاكتساب المهارات والقيم الإنسانية وممارستها والتدرب عليها وتوظيفها في حياته اليومية. وهي التي تكتشف إبداعات الطلبة منذ سن مبكرة، فترعاها، وتُهيئ لها البيئة التي تُساعد على نُموّها. ومن ثم تُشجّعها وتُكافئها وتفخر بها.




                    16- ما هي معوّقات التفكير الإبداعي



                    يعتقد البعض أن الافتقار إلى الصحة النفسيّة أو الجسدّية واحدٌ من معوّقات التفكير الإبداعي، وحتى التفكير العادي. حيث ينصبّ تفكير الفرد على نفسه وعلى حاجته للعلاج.

                    وهناك من يعتبر أن للمناخ الطبيعي أو البيئة التي يعيش فيها الفرد أثراً سلبياً عليه، إن لم تتوفر فيهما الشروط اللازمة لتنمية مهارات التفكير لديه.



                    كما أن هناك من يعتقدون أن الوضع الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ المتردي، من أهم معوّقات التفكير الإبداعي. وكذلك الحياة في ظلّ القمع وعدم الاستقرار والإحساس بالأمن. أما حالات الرعب والقلق، فهي وحدها تؤدي إلى الارتباك والضغط النفسي.

                    كلّ هذه الأمور أو حتى بعضها، كفيل بأن يؤدي إلى عدم التركيز، وإلى التشتت الذهني للأفراد والجماعات.



                    كما أن هناك عقبات تواجه التفكير الإبداعي مثل التربية التقليدية السلبية، التي لا تسمح بالاطلاع على ثقافات الآخرين وجهودهم العلمية والأدبية والفنية. ولا تتيح الفرصة لأبنائها للتفكير النشط والإبداع في المجالات المختلفة .



                    وأحياناً تكمن مثل هذه العقبات في الشخص نفسه، خاصة إذا اتصف بالكسل والخمول أو الشعور بالنقص، والاعتقاد بالأفكار والآراء البالية، وضعف الثقة بالنفس، والافتقار إلى المرونة، وضعف الحافز الذاتي، وضعف الحساسيه نحو المشكلات والمواقف المختلفة، أو الانشغال الزائد في الأعمال الروتينية المملة. الأمر الذي يساعد على إضعاف الروح الإبداعية، وربما العمل على قتلها ( سعادة 2003).



                    وهناك من هم على عكس ذلك تماماً، ممّن يعتقدون أن التفكير الإبداعيّ ينبع من قلب الظروف الصعبة ، التي تجعل الفرد المبدع قادراً على ابتكار الأساليب والوسائل للتخلص من تلك الظروف، أو للتكيّف معها بطرق مدهشة .

                    وعلى سبيل المثال، حين أصيب رون هبارد بالشلل التام وشبه العمى، قرّر أطباؤه أنه حالة يائسة لا يُمكن شفاؤها. وبأن الشيء الوحيد الذي ظل سالماً من جسده هو عقله.

                    رفض رون هبارد الاستسلام لتقارير الأطباء، وراح يُفكر بالطرق التي تساعده على الشفاء من مرضه.

                    واستمرّ في القراءة والبحث ( رغم ضعف نظره الشديد)، إلى أن استطاع أن يساعد نفسه على الشفاء من العاهتين المستعصيتين: الشلل، وضعف النظر.

                    وهو لم يكتفِ بشفاء نفسه فحسب، وإنما ساعد الكثيرين من الأشخاص على الشفاء من حالات مشابهة.

                    وكلنا يعرف أن بيتهوفن أبدع سيمفونيته التاسعة بعد أن فقد حاسّة السمع.

                    وهناك العديد من الحالات التي يُبدع فيها ذوو الإعاقات الجسدية، مُتحدّين إعاقاتهم ومُركّزين على مجالاتٍ يُبدعون فيها.

                    إذن ، ما السرّ وراء ذلك؟





                    نحن نقول عادة: الحاجة أمّ الاختراع. إذن حيثما تكون هناك حاجة مُلحّة لاختراع شيء ما يساعد على تلبيتها، أو حيثما يشعر بعض الأفراد بأن لديهم القدرة والرغبة لسدّ تلك الحاجة، يكون هناك إبداعٌ حقيقيّ.



                    وفي الوقت نفسه، إذا توفرت البيئة الغنية لجميع الأفراد لأن يُوظّفوا مهارات التفكير لديهم، وإذا وجدوا التشجيع والحوافز والمكافآت والتقدير، سواء كان ذلك بطريقة مادية أو معنوية، فإن ذلك يشحذ تفكيرهم إلى أقصى درجة، ويدفعهم إلى اكتشاف وإنجاز واختراع ما لم يكن يخطر لهم أو لغيرهم على بال .



                    وحيث أن حاجتنا لا تقتصر على بضعة أفراد فحسب ليتفوّقوا في بعض مجالات الإبداع ، وإنما إلى شعبٍ مُبدع ومُفكّر. الأمر الذي يتطلب منا كمربين وكحكومة وكأولياء أمور، أن نُهيئ البيئة التي تُساعد على الإبداع لكلّ من الأطفال والراشدين، على حدّ سواء.




                    17- الشخصية المبدعة



                    هل هناك مواصفات خاصة بالشخصية المبدعة؟



                    ذكرنا سابقاً أن الذكاء مرتبط بالإبداع . إذن فالمبدع شخص ذكي.

                    كما ذكرنا أن الإبداع مرتبط بالقيم والأخلاق. إذن فالمبدع شخص يتحلى بالأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية.

                    كما ذكرنا أن الإبداع يحتاج إلى العمل الدؤوب والمتواصل. إذن ، فالمبدع شخص نشيط ومثابر، وهو كذلك ذو ثقة عالية بنفسه، يتحمل المسؤولية، ويبحث دائماً عمّا هو جديد. كما أنه يبتعد عن التقليد والمحاكاة، ويبتكر ما هو أصيل.



                    والمبدع شخص خلاّق بالمعنى الدقيق للكلمة. قد يستفيد من تجارب الآخرين، إلا أنه يُضيف إليها من ابتكاراته الخاصة. وهو عنيد ومغامر. يحلم ، ويعمل جهده على تحقيق أحلامه. وهو دائم التفكير ودائم العمل، ولا يثنيه عن الوصول إلى أهدافه أي عائق مهما كان.



                    وفي دراسة حول مشاهير المبدعين، تبين أن 90% منهم تميّز بدرجة عالية من الذكاء وحب الاستطلاع، الذي لا يكفّ عن طرح التساؤلات. ( سايمتن ، 1989، ص77).

                    ثم إنّ هناك الدافعيّة والرغبة في التفوق والشهرة والتوق للإنجاز والنجاح والفوز.



                    أما جيلفورد، فهو يربط بين الشخصية المبدعة وبعض الخصائص، كالمرونة والطلاقة والأصالة والتفكير التباعدي، أي المنطلق. ( روشكا، 1989، ص54)

                    بينما يرى غيره أهمية الدافعية والمزاج واستقلالية التفكير.

                    كما يرى آخرون أن هناك علاقة كبيرة بين الإبداع والصحة النفسية للشخص المبدع.



                    وإذا تتبعنا بعض خصائص المبدعين، فإنهم يقضون ساعاتٍ وربما أياماً متواصلة في العمل. وبأنهم قارئون من الدرجة الأولى.



                    أياً كان الأمر، فلا شك أن المبدع يحتاج إلى بيئة تحفزه على الإبداع، وأشخاص يُشجّعونه ويُقدّرون أعماله، ويساعدونه على المضي في أبحاثه وإنجازاته، وعلى نشرها وتعميمها والاستفادة منها.

                    وهناك مؤشرات تُساعد أي شخص على الإبداع في مجالٍ من مجالات الحياة المختلفة. منها، الذكاء والثقافة والرغبة في العمل والنشاط المتواصل . وكذلك، الدافعية الداخلية والخارجية. كما تساعد البيئة في تكوين وترسيخ الإبداع، خاصة في البيت والمدرسة. وذلك بإتاحة الفرصة للأطفال للبحث والتجريب والدراسة بشكل مستقلّ أو بشكل جماعي.



                    ومن الجدير ذكره أن هناك الشخصية متعددة الإبداعات. وهي الشخصية التي لا تُبدع في مجال واحد فحسب، وإنما في عدّة مجالات في آن واحد. ونحن نطلق عليها الشخصية العبقرية.

                    مثال ذلك، ليوناردو دافنشي، الذي كان رساماً ورياضياً وميكانيكياً ومهندساً ومكتشفاً في الفيزياء. ( روشكا، 1989، ص99).

                    كما أن هناك كثيراً من العباقرة العرب والمسلمين الذين نبغوا في الطب والفلك والموسيقى والشعر وغيرها من الفنون، مثل : الرازي وابن سينا وابن جني وعمر الخيام وغيرهم.

                    ويُمكن أن نستنتج بأن العبقريّ النوعيّ هو ذلك الذي يملك طاقة عالية، وقدرة مُركّبة وغنية في سرعة الانتقال من مجال إلى آخر . ومثل هذا المُركّب هو الذي يقود إلى الإنجاز الإبداعيّ في أكثر من مجال، دون الإقلال من قيمة وثراء المجال الأساسيّ للمبدع. ( روشكا، 1989، ص 102-103).



                    وبشكل عام، فإن الشخصية المبدعة أو العبقرية تتسّم بالجرأة في قول الحقيقة ، والشجاعة ، والثقة بالنفس. ولا يهمها أن تجد معارضة لما تُقدّمه من إنجاز أيّاً كان نوعه. فهي تُدرك جيداً أن ما تُقدّمه هو جديد، ويحتاج إلى وقت حتى يدرك الآخرون قيمته وأهميته.



                    كما أنّ الشخصيّة المبدعة تتسم بالشعور بالسعادة لما تقوم به من أعمال أياً كانت صعوبتها . وهي مهذبة في التعامل مع الآخرين، وتتصف بالصدق والعدالة ومراعاة القيم الإنسانية، وتتمتع بالروح المرحة، والتفاؤل، وبقدر كبير من الحضور الشخصي.








                    18- خلاصة

                    كل فرد منا يولد مزوّداً بدماغ إلكترونيّ حيّ، ذي إمكانات لا حدود لها. وكل اختراع أو اكتشاف، ما هو إلا نتيجة لدراسة تأمليّة من أحد الأفراد أو مجموعة من الأفراد الذين لهم القدرة على الإبداع. أما السّر الحقيقيّ، فإنه يكمن في التربية. فالذين أبدعوا ، تعلموا مُسبقاً كيف يُفكرون. وهذا مكمن الإبداع .



                    وإذا اجتمع الذكاء مع القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، فعندئذٍ فقط، تتحقّق العدالة والحرية والسلام والسعادة لجميع البشر.



                    ولأهمية الأخلاق في حياتنا جميعاً، خاطب الخالق سبحانه النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: " وإنك لعلى خلقٍ عظيم". صدق الله العظيم. ( آية 4 سورة القلم).

                    وهذا ما يجدر بنا جميعاً أن نتّصف به.



                    والإنسان المبدع، هو الإنسان الذي يجد سعادة كبيرة في تقديم إنجازاته للآخرين، كهدفٍ نبيلٍ يخدمهم به أو يُمتّعهم ويبعث السعادة إلى قلوبهم.



                    والإبداع لا يقتصر على مجالٍ محدّد، وإنما يشمل جميع مجالات الحياة. وهذه المجالات كثيرة ومُتعدّدة، منها الإبداع العلمي والتقني والفني والأدبي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي إلى غير ذلك.



                    وإن أي حلّ جديد لمشكلة مُستعصية، يكمن خلفها إبداعٌ ومثابرةٌ وصبرٌ وعملٌ شاقّ ومُتواصل، من أجل الوصول إليه وتحقيقه.



                    وما أحوجنا في هذا العصر، إلى أشخاص مُبدعين، لحلّ الصراعات الدامية التي تسود الكرة الأرضية، من أقصاها إلى أقصاها. وما أحوجنا إلى عقول مُبدعة، لتوقف هذا النزيف المتواصل منذ عشرات السنين على هذه الأرض المقدّسة. وما أحوج شعبنا الفلسطيني إلى مُبدعين ذوي أخلاق وقيم إنسانية، ليُطبقوا العدالة، وليساعدوه في الحصول على حقوقه الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. ليُمارس حياته بسعادة، وليُساهم بإبداعاته الخلاقة واللامحدودة ، في دفع مركبة التقدم والازدهار الإنسانيّ إلى الأمام.




                    19- الاقتراحات والتوصيات:



                    لكي نساعد أطفالنا وشبابنا على الارتقاء بقدراتهم وإمكاناتهم الإبداعية إلى أعلى درجة، ولكي نساهم في تربية جيل متميّز يستطيع أن يخطو نحو المستقبل بخطوات واثقة، فإنني أتوجه إلى أولياء الأمور وإلى المربين وإلى مؤسساتنا التربوية والوطنية، بالاقتراحات والتوصيات الآتية:



                    1- استخدام الطرق المبدعة في عملية التعليم/التعلم لجميع المراحل، ابتداء من رياض الأطفال حتى طلبة الدراسات العليا. بحيث يتم التركيز على تعلم المهارات من أجل المستقبل.



                    2- إتاحة الفرصة لجميع فئات الطلبة لمعرفة: كيف يُفكرون وكيف يتعلمون وكيف يستمتعون بكل ما يتعلمونه، وكيف يُطبقون أساليب تحسين الإبداع وأساليب العصف الذهني واستثارة التفكير الناقد والتفكير الإبداعي. ومن ثمّ مكافأة السلوك الإبداعي للطلبة، وإعلان ذلك في وسائل الإعلام.



                    3- حث الطلبة على ممارسة مهارات القيادة ،واستراتيجيات التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي. وذلك عن طريق تفعيل مهارات التفكير من خلال أساليب التدريس ودمج التفكير في جميع البرامج المدرسية.



                    4- تشجيع الطلبة على استخدام مهارات القراءة ، والأساليب الفعّالة في التعلم الذاتي المستقل، و استخدام جميع أنماط التكنولوجيا المتوفرة التي تُساعدهم على التعلم مدى الحياة.



                    5- استمرار تطوير المناهج من أجل تعليم التفكير، وإمكانية الجمع بين استراتيجيات التفكير، والتفاعل مع العديد من المواقف الحياتية. وذلك من خلال إعادة هيكلة المناهج التعليمية في صورة جديدة، تُساعد على تدريب الطلبة على استخدام تطبيقات مهارات التفكير والاستكشاف والمناقشة والتحليل والدفاع عن الآراء والمعتقدات الشخصيّة والعمليات العقلية المعرفية.





                    6- ضرورة الاهتمام بعمليتي القراءة الإبداعية والكتابة الإبداعية، لأنهما من أعقد الأنشطة العقلية. إذ تتطلب كلٌّ منهما: التمييز السمعي والبصري، حلّ المشكلات ، والتقويم ، وإصدار الأحكام، والتخيّل والإستنتاج، وتوظيف اللغة في مواقف جديدة، للتعبير عن أفكار جديدة، خالية من الأخطاء الإملائية، وغير ذلك مما يتعلق بالنحو والصرف وقواعد اللغة.



                    7- خلق بيئة تُشجّع على التفكير الناقد، وتخصيص وقت للمناقشة. وإعداد الطلبة ليُصبحوا أصحاب قدرة كبيرة على التفكير الناقد، والقراءة الناقدة. وذلك بتضمين المناهج المدرسية تعيينات خاصّة بذلك، بحيث تشمل الحكم الجيد، واتخاذ القرار الصحيح، والقدرة على تكوين المفاهيم وعمليات التصنيف وتعزيز دور الإبداع. حيث أن تعليم التفكير الناقد يُشجّع الطلبة على التساؤل والبحث والاستفهام والمناقشة والتحليل واكتشاف نقاط القوة والضعف في التفكير، وتقويم المشكلات والعقبات والتعامل معها بعقلية مُتفتحة وناضجة.



                    8- إعداد برامج تثقيفيّة، وبثّها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، يتّم التركيز فيها على ممارسة التفكير الإبداعي، وعلى تعزيز المثل العليا والقيم الإنسانية والأخلاقية، التي يكتسبُ منها الصغار والكبار مهارات التفكير الإبداعي والسلوك الجيّد.






                    20- المراجع بالعربية والإنجليزية



                    1- القرآن الكريم، القدس: مطبعة دار الأيتام الإسلامية الصناعية، 1964.



                    2- د. ابراهيم ، عبد الستار. آفاق جديدة في دراسة الإبداع. الكويت: وكالة المطبوعات، 1978.



                    3- د. بهاء الدين، حسين كامل. مفترق الطرق. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003.



                    4- جروان ، فتحي عبد الرحمن . تعليم التفكير: مفاهيم وتطبيقات . العين، دولة الإمارات العربية المتحدة: دار الكتاب الجامعي، (1999)م.



                    5- حبش، زينب. تعلم كيف تتعلم بنفسك. القدس: اتحاد الكتاب الفلسطينيين، 1998م.



                    6- حبش، زينب. آفاق تربوية في التعليم والتعلم الإبداعي. رام الله: مؤسسة العنقاء للتجديد والإبداع،2002م.



                    7- د. حبيب، مجدي عبد الكريم. اتجاهات حديثة في تعليم التفكير. القاهرة: دار الفكر العربي، 2003م.



                    8- د. حميدة، فاطمة إبراهيم. التفكير الأخلاقي. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1990.



                    9- خليل، د. محمد الحاج. تعلم كيف تتعلم سريعاً بالقراءة الفعالة. عمان: دائرة التربية والتعليم لوكالة الغوث الدولية ومعهد التربية/ اليونسكو، 1988



                    9- روشكا، الكسندرو. الإبداع العام والخاص . ترجمة : د. غسان عبد الحي أبو فخر. الكويت: عالم المعرفة، 1989م.



                    11- سايمتن، دين كيث . ترجمة : د. شاكر عبد الحميد. العبقرية والإبداع والقيادة. الكويت: عالم المعرفة، 1993م.



                    12- د.سعادة،جودت أحمد، وقطامي، يوسف. (أ). " قدرة التفكير الإبداعي لدى طلبة جامعة السلطان قابوس: دراسة ميدانية". سلسلة الدراسات النفسية والتربوية الصادرة عن جامعة السلطان قابوس ، المجلد الأول، العدد الأول ص.ص. 12-53، (1996)م.



                    13- د. سعادة، جودت أحمد. تدريس مهارات التفكير. رام الله : دار الشروق للنشر والتوزيع، 2003م.



                    14- د. عبادة، أحمد. قدرات التفكير الابتكاري. القاهرة: مركز الكتاب للنشر، 2005م.



                    15- قطامي ، نايفة. تعليم التفكير للمرحلة الأساسية. عمان : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (2005)م.



                    16- ماتشادو، لويس البرتو . ترجمة : د. عادل عبد الكريم ياسين. الذكاء حق طبيعي لكل فرد. قبرص: دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، 1989م.



                    17- هارت، مايكل. ترجمة : أنيس منصور . الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله. الاسكندرية: المكتب المصري الحديث، ط6 1985م.



                    18- وات، سكوت. كيف تضاعف ذكاءك. ترجمة: مكتبة جرير. الرياض: مكتبة جرير، 2005م.



                    19- ويليامز، ليندا فارلي. التعليم من أجل العقل ذي الجانبين. ترجمة خبراء معهد التربية للأونروا/ اليونسكو. بيروت: مطابع الأونروا، 1987م.





                    20- Hubbard, L.Ron. Dianetics- Developed Science: L. Ron Hubbard. Bridge Publication, Inc. , India 2002



                    21- Hubbard, L.Ron. Humanitarian Education. Los Angeles: L. Ron Hu bbard library, 1996.

                    تعليق


                    • #11
                      زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه

                      قصص اطفال
                      مغامرات حديدون



                      أوصَتْ الأرنبةُ ابنَها حديدون أنْ لا يخرجَ من المنزِلِ في غِيابِها، حتّى لا تُؤذيهِ حَيواناتُ الغابَةِ. ولكنّهُ شعرَ بالمللِ، فأخْرجَ رأسَهُ الصّغيرَ، وراحَ يَلتفِتُ يَمْنةً ويَسرةً. لمْ يرَ سِوى الحشائِشَ والزُّهورَ الجميلةَ. قفزَ قفْزةً صَغيرةً إلى الأمامِ. فشاهدَ الأَشْجارَ العاليةَ والفَراشَ المُلوّنَ. نسيَ وصيّةَ أمّهِ، وراحَ يَقْفزُ إلى الأَعْلى لِيلْحقَ بإِحدى الفَراشاتِ. لمْ يسْتطعْ. رأى العَصافيرَ تُحلِّقُ ثمَّ تحُطُّ على أَغصانِ الأشجارِ. حاولَ أنْ يُحلِّقَ مِثلَها فلمْ يسْتطعْ. نظرَ إلى الزُّهورِ المُتَناثرةِ بينَ الحَشيشِ. وَضعَ أنفَهُ الصَّغيرَ على إحداها وَشمّها. رائحتُها جَميلةٌ. قفزَ منْ زهرةٍ إلى زهرةٍ كما فعلتْ الفَراشاتُ، ثمَّ قضمَ بعضَ الحشائشِ بِفمِهِ المشقوقِ: آهٍ كمْ هيَ لذيذة!

                      وَفجأةً. لمحَ على البُعدِ مَخلوقاً كبيراً يُلاحقُ شيئاً آخرَ صغيراً جداً.

                      - يا لَلهوْلِ! ما هذا؟ إنّهُ ليسَ مِثلَ أُمّي، وَذلكَ الشَّيءُ الصَّغيرُ ليسَ مِثلي، كما أنَّ ذنبَهُ رفيعٌ وطويلٌ.

                      وقبلَ أنْ يسترسلَ في تَساؤُلاتِهِ، دخلَ المخلوقُ الصَّغيرُ بيتَ حديدون في لمحِ البصرِ.

                      أمَّا المخلوقُ الكبيرُ، فراحَ ينظرُ إلى حديدون بعينينِ مُخيفتينِ.

                      - هلْ رأيتَ فأراً يمرّ منْ هُنا؟ مِيا..و..!

                      أدركَ حديدون على الفورِ أنَّ المخلوقَ الصَّغيرَ الذي دخلَ بيتَهُ اسمُهُ فأرٌ. ولكنَّهُ نظرَ إلى القطِّ وقالَ:

                      - لا. لمْ .. أ..رَ.. شيئاً.. بِِ .. هذا .. ال.. اسمِ.

                      - مِياوْ ... مِيا ا ا ا وْ...إذا عرفتُ أنكَ تُخبِّؤُهُ في بيتِكَ، فإنني سآكلُكَ بدلاً منهُ . مِيا ااا وْ... !


                      ارتجفَ حديدون ولمْ يدرِ ماذا يفعلُ. وحينَ رأى ذنَبَ المخلوقِ الكبيرِ يَهتزُّ أدركَ أنَّ هُناكَ عداوةً بينَ الفأرِ الصَّغيرِ وبينَهُ. وقالَ بصوتٍ مخنوقٍ:

                      - هلْ .. تسمحُ .. أنْ .. أسألَكَ .. سُؤالاً؟

                      - ماذا؟ ما هُوَ سُؤالُكَ؟ مِيا ... وْ.

                      - هلْ ... هُـ ... وَ .. ابنـُ ... كَ؟

                      ضحكَ القطّ منْ غَباءِ حديدون.

                      - أيُّها الغبيّ، أنا قِطّ، أمّا هوَ فليسَ سوى فأرٍ أُحاولُ اصطيادَهُ لآكلَهُ.

                      ازدادَ ارتجافُ حديدون:

                      _ "حمداً للهِ أنني لستُ فأراً".

                      وحينَ تذكَّرَ تَهديدَ القطِّ بأنَّهُ سيأكُلُهُ إذا وجدَ الفأرَ في بيتِهِ، احتارَ ماذا يفعلُ. هلْ يهربُ إلى البيتِ؟ هلْ يظلّ واقفاً أمامَ هذا القطِّ المُخيفِ؟ أمْ ماذا؟

                      راحتْ نَظراتُهُ تتوزّعُ مرّةً على بابِ البيتِ، ومرّةً أُخرى على القطِّ.

                      وَفجْأةً، لمعتْ في ذهْنِهِ فِكرةٌ.

                      - أنتَ سألتَني إذا كنتُ قدْ رأيتُ فأراً يمرّ مِنْ أمامي. والحقيقةُ أننَّي لمْ أرْ في حَياتي أيَّ فأرٍ. فأنا صغيرٌ، ولمْ أتعلَّم أَسماءَ المخلوقاتِ بَعد. ولهذا قلتُ لكَ لمْ أرَ شيئاً بهذا الاسمِ. أمَّا حينَ قلتَ لي إنهُ ليسَ ابنُكَ، فإنَّني سأقولُ لكَ الحقيقةَ. فقدْ رأيتُ شيئاً صغيراً، رأسُهُ صغيرٌ وذنبُهُ طويلٌ، راحَ يَجري أمامي ويتَّجِه نحوَ تلكَ الشَّجرةَ البعـ..ييـ دَةَ.


                      فرحَ القطّ. وقبلَ أنْ يتأكَّدَ مِنْ صِدقِ الأرنبِ الصَّغيرِ، انطلقَ يجري نحوَ الشَّجرةِ البعيدةِ التي أشارَ إليها حديدون.

                      لمْ يُصدِّقْ حديدون عَينيهِ. يا لَلرَّوْعةِ! لقدْ نجحتْ الحيلةُ. ثمَّ انطلقً إلى البيتِ ليُخبرَ الفأرَ الصَّغيرَ. إلا أنَّهُ بحثَ عنهُ فلمْ يجدْهُ. وأخيراً رآهُ مُنزوياً خلفَ البابِ ينظرُ إليهِ بِخوفٍ وَريبةٍ. فابتسمَ في وجهِهِ.



                      اطمأنَّ الفأرُ، وخرجَ منْ مكانِهِ. حدّثهُ حديدون عمّا حصلَ بينَهُ وبينَ القطّ.

                      - أشكرُكَ يا عزيزي، فقدْ أنقذتَ حياتي.



                      في تلكَ الأثناءِ كانتْ أمُّ حديدون في طريقِها إلى البيتِ، وكانتْ تحملُ سلّةً فيها بعضُ الطَّعامِ. وحينَ اقتربتْ مِن المنزلِ، سمعتْ ضجّةً وضحكاً، وأصواتاً غريبةً. فتحتْ البابَ بهدوءٍ. ونظرتْ إلى ابنِها وإلى الفأرِ الصَّغيرِ بِدهشةٍ.

                      قفزَ حديدون نحوَها وراحَ يُحدّثُها عمّا حصلَ معَهُ في ذلكَ اليومِ. ابتسمتْ الأمُّ. أمَّا الفأرُ، فراحَ يُحدّقُ في وَجْهِها مُندهِشاً مِن جمالِها وأناقتِها.

                      نظرتْ أمُّ حديدون إلى الفأرِ الصَّغيرِ بِحنانٍ:

                      - ما اسمُكَ يا حَبيبي؟

                      - اسمي فرفور. هكذا دَعتْني أُمِّي قبلَ أنْ ...

                      بكى فرفور. مسحتْ أمُّ حديدون الدُّموعَ التي جرتْ على خدّهِ.

                      - لا تحزنْ يا بُنيَّ. فأنتَ مُنذُ هذهِ اللحظةِ ستكونُ ابني، وسيكونُ حديدون أخاكَ.

                      فرحَ حديدون. فقبَّلَ أُمَّهُ.

                      أعدّتْ أمُّ حديدون الطعامَ الذي أحضرتْهُ. فأكلَ منهُ الجميعُ. وفي المساءِ، أعدّتْ مكاناً خاصَّاً لفرفور لينامَ فيهِ.



                      في صباحِ اليومِ التالي، طلبَ حديدون مِن أمِّهِ أنْ تسمحَ لهُ ولفرفور بالتَّنزُّهِ في الغابةِ. فأوْصتْهُما أنْ يكونا حَذِرَينِ وأنْ لا يَبتعدا عَن البيتِ.

                      شكرَها حديدون وفرفور، وقبَّلاها قبلَ أنْ يُغادرا البيتَ.



                      - انتظرْ يا فرفور حتَّى أكشفَ لكَ الطَّريقَ.

                      نظرَ في جميعِ الجِهاتِ، ثمَّ أشارَ لهُ أنْ يتبعَهُ.

                      تردّدَ فرفور. ولكنَّهُ حينَ رأى حديدون يقفزُ أمامَهُ بينَ الزُّهورِ والحشائشِ، شعرَ بالأمانِ، فانطلقَ نحوَهُ.

                      اختارا منطقةً قريبةً منَ البيتِ لِيلْعبا ويَتسابقا. وبينما هُما يَلْهُوانِ ويضْحكانِ، سَمعا أنيناً ضعيفاً لِحيوانٍ صغيرٍ.

                      رفعَ حديدون أُذُنيْهِ إلى الأعلى. وراحَ فرفور يشمُّ رائحةَ المكانِ. أحسًّ بالخطرِ. فالرّائحةُ تُؤكِّدُ أنَّ هُناكَ قِطَّاً قريباً منهُ. ولكنَّهُ حينَ رأى حديدون يتَّجهُ نحوَ الصَّوْتِ، تَجرّأَ وركضَ خلفَهُ.

                      - يا لَلهولِ! إنَّها قطّةٌّ صغيرةٌ حديثةُ الولادةِ.

                      انظرْ يا فرفور. يا لَلمسكينةِ ! فهيَ لا تستطيعُ أنْ تفتحَ عَيْنَيْها. وقدمُها الصغيرةُ مُقيَّدةٌ بِبعضِ الأسلاكِ وَالخيطانِ. تُحاولُ المسكينةُ أنْ تتخلّصَ مِنها ولكنَّها لا تَستطيعُ.

                      اندفعَ فرفور نحوَ القطَّةِ، وقضمَ الخيطانَ وأزاحَ الأسلاكَ. عندئذٍ فتحتْ عَيْنَها الخضراوينِ الجميلتينِ، وابتسمتْ لفرفور تشكرُهُ.

                      _ مِياوْ ... مِياوْ...

                      - لا بُدَّ أنَّها جائعةٌ. هيَّا نأخذْها إلى البيتِ لِنقدّمَ لها بعضَ الطَّعامِ. هلْ تعرفُ يا فرفور ما هوَ طعامُ القطَّةِ؟

                      ارتجفَ جسدُ فرفور. ولكنُّهُ تَمالكَ نفسَهُ:

                      - بما أنَّها .. لا .. تزالُ صغيرة.. فهيَ ... تشربُ.. الحليبَ.

                      - حمداً للهِ أنّهُ يوجدُ لدينا بعضُ الحليبِ. ولكنْ انظرْ إليها، أليسَ هُناكَ شبَهٌ كبيرٌ بينَها وبينَ القطِّ الذي كانَ يُطاردُكَ؟

                      - أجلْ هُناكَ شَبهٌ كبيرٌ. رُبَّما تكونُ ابنتَهُ أو قريبتَهُ.

                      حكَّ حديدون رأسَهُ.

                      - بمَ تُفكّرُ يا حديدون؟

                      - أفكِّرُ بهذهِ القطَّةِ المِسكينةِ. هلْ سَتُلاحقُكَ في المُستقبلِ يا تُرى؟

                      - لا أدري. ولكنْ دعْنا نُساعدْها الآنَ.



                      حينَ وصَلا البيتَ، كانتْ أمُّ حديدون بانتظارِهما . وحينَ رأتْ القطَّةَ الصَّغيرةَ تَعرجُ وهيَ تسيرُ بَينهُما، سألتْ بانزِعاجٍ:

                      - مِن أينَ أتيْتُمْ بهذهِ القطَّةِ؟ وَماذا أصابَها؟

                      - وجدْناها تموءُ وتتخبَّطُ في كَوْمةٍ منَ الخيطانِ والأسلاكِ. ولولا فرفور لما استطاعتْ المَشيَ على قدميْها.



                      احتارتْ أمُّ حديدون ماذا تفعلُ. هلْ تسمحُ للقطَّةِ أنْ تعيشَ مَعها ومعَ حديدون وفرفور؟ أمْ تَكْتفي بتَقديمِ الطَّعامِ لَها ثمَّ تَدعُها وشأنَها؟!

                      - يا إلهي! ماذا لو جاءَ ذلكَ القطُّ الذي حدَّثَني عنهُ حديدون يبحثُ عنْها؟



                      ماءَت القطَّةُ مُواءً حزيناً. فأيقظتْ أمَّ حديدون منْ أفكارِها، وجعلتْها تَحمِلُها بينَ ذِراعَيْها وتعودُ بِها إلى البيتِ.

                      أحضرَ حديدون ضمّادةً لِتَضعَها أمُّهُ على قدمِ القطَّةِ التي لا تزالُ تنزفُ . أمَّا فرفور، فأحضرَ لها بعضَ الطَّعامِ.

                      - ماذا نُسمِّيها يا أُمِّي؟

                      - سَنُسمِّيها بَسبوسة الصغيرة.

                      ضمّدتْ أمُّ حديدون قدمَ بَسبوسة، ثمَّ قدّمتْ لَها الطَّعامَ. وبعدَ ذلكَ، راحتْ الصَّغيرةُ تقفزُ وتضحكُ معَ حديدون وفرفور.



                      لمْ تنمْ أمُّ حديدون جيِّداً وهيَ تُفكِّرُ بالصِّغارِ الثَّلاثةِ.

                      - كيفَ أحْميهمْ منَ الأخطارِ التي تُحيطُ بهمْ في هذهِ الغابةِ الكبيرةِ؟



                      ارتجفَ جسدُها وهيَ تَستعرضُ الحَيواناتِ والزواحفَ والطيورَ المُفترسةَ. ثمَّ تذكَّرتْ العِداءَ القديمَ بينَ القِطَطِ والفئرانِ. وها هي تسمحُ لفرفور وبسبوسة الصغيرةِ أنْ يَعيشا تحتَ سقفٍ واحدٍ.

                      - لا. هذا لنْ يستمرَّ. سأجدُ طريقةً أتخلَّصُ بِها منَ القطَّةِ.

                      ولِشدَّةِ دَهْشتِها، استيقظتْ صباحَ اليومِ التَّالي على أصواتِ الصِّغارِ الثَّلاثةِ، وهُمْ يَلْعبونَ ويَضْحكونَ في باحةِ المنزلِ.

                      فابتسمتْ بارتياحٍ:

                      - يا لَلأطفالِ الصِّغارِ! إنَّهُمْ لا يُفكِّرونَ إلا باللعبِ.

                      تعليق


                      • #12
                        مراقب عام منتدانا الرحالة
                        رائع ما جلبته لنا من كنوز إبحارك
                        وشخصية رائعة
                        مش عارفة أقول الفنانه ولا الشاعرة ولا المجاهدة
                        موضوعك الجميل لا يقرأ مرة واحدة ابدا
                        فهو كالشجرة المثمرة نقتطف منها كل يوم ثمرة
                        فالاشعار كثيرة والموضوعات شيقة
                        ولى عودة مرات ومرات
                        لا ستمتع بجمال ما كتبت هذه الرائعة
                        زينب حبشى
                        دمت بخير تتحفنا بكل جميل ورائع
                        تقبل مرورى الاول

                        تعليق


                        • #13
                          ما شاء الله عليها
                          تسلم بحارنا الغالي
                          السويدي
                          لتعريفنا بهذه الشاعره والفنانة الرائعة
                          زينب حبش

                          صباحُ الخير يا حلوةْ

                          صباحُ الخير

                          أتَيْتُكِ

                          قبلَ أن تصْحو

                          صِغارُ الطير

                          أتيْتُكِ

                          يا سؤالاً ظلّ يُحرجُني

                          ويا أسطورةً للحُبّ

                          تَجذبُني

                          وتُرْعُبني

                          فأنتِ الحبّ

                          والمحْبوبُ

                          أنتِ الموتُ والبعْثُ

                          أطيرُ إليكِ

                          أهربُ منْكِ

                          أهْواك وأخشاكِ

                          وأحْلُمُ




                          بارك الله فيك

                          تعليق


                          • #14
                            زينب حبش شاعرة كاتبة باحثة وفنانه تشكيليه

                            أغنية حب للوطن

                            فهرسة الأشعار

                            أغنية حب للوطن

                            شعب الانتفاضة

                            كل الناس خُلقوا من التراب

                            15 تشرين ثاني

                            لن تكون جديراً بحبي

                            أغنية حب للحجر

                            أحلم ... وأحلم

                            حين أغمض عينيّ

                            لعنة العصر

                            الشمعة

                            ما أجملك في غيابك

                            قل له يا آبا عمار

                            لحظة من فضلك

                            زيتونه تقاتل غابة

                            الجنازة

                            الحريّة

                            يا إلهي

                            حين يصبح الحبيب وطناً

                            الانتفاضة في عيدها الرابع

                            خطوة أخرى

                            الزوبعة

                            أنت وحدك حبيبي



                            أغنية حب للوطن
                            الإهداء ...
                            إليك أيها الوطن
                            الذي لا وطن
                            يستحق أن يكون وطناً
                            إلا إياه
                            زينب حبش

                            "إذا زلزلت الأرض زلزالها
                            وأخرجت الأرض أثقالها
                            وقال الإنسان مالها
                            يومئذ تحدث أخبارها
                            بأن ربّك أوحى لها"
                            صدق الله العظيم
                            (سورة الزلزلة آية 1-5)

                            أغنية حب للوطن



                            أيها الوطن المتلفع بالضباب

                            المتشح بغيمه

                            والمتكئ على قوس قزح

                            والغارق في لجة الحلم

                            تعد خيوطه خيطا خيطاً



                            منذ الأزل القريب وأنت تسكن فينا

                            يسلمك جيل إلى جيل

                            وتحملك غيمة إلى حضن غيمة

                            وتتسارع خطى الزمن لتلحق بك

                            حتى لا تتوه في الزحام

                            أيها الوطن المحكوم عليه بالحياة

                            في غابة الموت

                            يحصدون سنابله بمناجل الحقد

                            ويخنقون بيوته بأصابع الديناميت

                            ويحكمون على أشجاره بالنوم في العراء



                            أهٍ أيها الوطن الشلال

                            غزير أنت

                            تتدفق من جراحنا المفتوحة لدمائك النازفة

                            نشربك حتى تظل فينا شمعةً تضيء

                            ونتوضأ بك لنصلي جماعة


                            يحلو لي الغناء حين اصعد إليك

                            فأنت همزة الوصل بين السماء وبيني

                            وأنت حزمة النور السرمدي

                            في زمن الجهل والظلم والظلام

                            عبثاً يحاولون أن يطفئوا نور قلبك



                            من غيرك وقف عارياً

                            في ليل المطر العاصف ؟!

                            من غيرك غيّر سرعة الريح

                            بيده التي جمدها الثلج ؟!

                            ومن غيرك ضرب بعصاه الكرة الأرضية

                            فصارت حيةً تسعى؟!!



                            أيها الوطن الذي لا وطن يستحق أن يكون وطناً

                            إلا إياه

                            ألمس عشبك فأصير سمكة

                            وأنام على صدرك

                            فأصير زهرة شقيق تلعب مع النحل والفراش



                            أيها الوطن العذب

                            الذي تمارس عليه كل أصناف العذاب

                            جميلا تظل في ذاكرة الزمن

                            رائعا تتألق في صفحات التاريخ

                            مدهشاً تتهادى على بساط الخلود



                            أيها الوطن المجبول بالدم والعرق

                            المغزول بأنات الجرحى

                            والمطرز على ثيابنا بخيوط الشمس

                            والمرسوم على قلوبنا بألوان قوس قزح

                            لك المجد .. لك المجد



                            قدرك أن نكون لك

                            وقدرنا أن تكون لنا

                            فيا لها من معجزة إلهية

                            نموت كلنا من أجل أن تحيا أنت

                            وترفض أنت الحياة

                            إن لم نغفُ كل ليلةٍ على ركبتيك


                            1/2/89م




                            شعب الانتفاضة



                            كل عام وأنتِ بخير

                            يا أجمل ما صنعناه بأيدينا

                            كم حلوة أنت

                            وكم جميلة !

                            يا من أكملت هذا اليوم

                            عامك الأول



                            تسيرين بقدميك الحافيتين

                            بين الأشواك والألغام

                            وتطاردين الجراد المفترس

                            بيدٍ تدمرين دبابة

                            وباليد الأخرى

                            تمسحين دمعةً فرت من عين طفلٍ جريح

                            أجهضت كثير من الأمهات

                            وأنت لم تجهضي

                            فلا الغاز السام ولا الرصاص ولا القنابل

                            نفعت معك

                            يا أقوى من كل أسلحة الدمار



                            وضعت طفلتك الحلوة

                            في اللحظة الحرجة

                            من ظلام الأمس خرجت

                            إلى انبلاج فجر هذا اليوم

                            خرجت قوية فتية

                            فباركها الناس الشرفاء

                            حمداً لله على سلامتك



                            أيها الجسر الذي يحملنا من زنازين الحزن

                            إلى كروم الفرح

                            ومن الكوابيس الليلية

                            إلى أحلام الورود

                            ومن ظلمةِ اليأس إلى الأمل



                            بساط الريح أنت

                            تحملين على جناحيك شعباً بكامله

                            وتحلقين مخترقة كل الأجواء

                            وتحطين بهدوء ملائكي

                            على كتف القمر



                            إنك الشعلة المقدسة

                            التي بدفئها يذوب صقيع السنين

                            وبضوئها تغتسل القلوب



                            ستظلين خالدة في نفوسنا

                            يراك الطفل

                            فيركض إلى كتبه وواجباته المدرسية

                            ويراك الفلاح

                            فيغذ الخطى إلى حقله

                            ويراك الطبيب

                            فتتدفقين في شرايينه حناناً وإنسانية

                            ويراك الغني والفقير والعامل والموظف

                            والأم والأب والمعلم والمغني والطفل والشيخ

                            والشاب والصبية

                            فيقفون رافعين أيديهم بالتحية وإشارة النصر



                            مدينون لك نحن بحياتنا الحرة

                            ومدينون لك نحن بكبريائنا الشامخة

                            ومدينون لك نحن بالبسمة التي تشع من عيوننا

                            فيا أنت ... يا نحن

                            السنا نستحق أن ننسب إليك !!


                            9/12/88م


                            كل الناس خُلقوا من التراب



                            يا عصفور الفرح الجذلان

                            احملني على جناحك، وحلق حول الكرةِ الأرضية

                            أريد أن أقبل كل فلسطيني في هذا الكون

                            وأقول له مبروك



                            في قلبي تتفجر ينابيع النور .. وتزقزق الحساسين

                            وتتفتح زهور البنفسج

                            هل كنا نحبك يا فلسطين كل هذا الحب

                            ونحن ندري ؟!



                            أود لو أقفز كطفلة .. ولو أركض كغزال

                            لأصعد إلى تلالك الخضراء

                            ولأقبل العشب المتألق تحت أشعة شمسك الدافئة

                            ولأعد حبات رملك الذهبية حبةً حبة



                            كل الناس خلقوا من التراب إلا أنت

                            فأنت خلقت من لحمنا ودمنا

                            وكل بلاد العالم تحسدك

                            لأنك الأحلى والأجمل والأكثر جاذبية



                            يا قوس قزح

                            احملني على كتفك المائل لأصعد إلى القمر

                            إنه أرجوحتي التي طالما حلمت بها

                            وها هي ساعة الفرح جاءت ليتحقق الحلم


                            20/11/88م



                            15 تشرين ثاني



                            هاأنت تأتي

                            تخترق الحواجز الشائكة

                            وتعبر البحور السبعة

                            كما الجني

                            وتحمل لنا على كفك

                            قلبك الفدائي



                            هاأنت تنطلق كالسهم

                            تخرج من قلب الظلام

                            كنور سرمدي

                            لتضيء العالم بملايين الشموع

                            وهاأنت تتصدر بقامتك الفارهة

                            كل العناوين



                            الأرض في هذا الوطن

                            تشتاق عشّاقها

                            وهي الآن تخلع ثيابها البالية لتستحم

                            ولتلبس في الأيام القادمة أجمل الثياب

                            إنها ثياب العرس المزركشة



                            ما أجملك يا فلسطين

                            وأنت تمشين في ثياب عرسك شامخة الرأس

                            مكحولة العينين

                            تضحكين كطفلة

                            ما أجملك حين تحتضنين عشاقك المخلصين

                            وما أروعك حين تعطرينهم بعطرك المقدس



                            أه أيتها الحلوة

                            يا من أصبحت لنا بعد طول غياب

                            هاأنت تتجددين ..ونحن أيضا نتجدد



                            الحرية هي أنتِ

                            والنقاء والطهارة هما أنتِ

                            والحلم المجنح الذي واصل الطيران على مدى نصف قرن

                            هو أنت

                            فلا غرْوَ إذا أن يحط على كتفك عصفور الفرح

                            ليقول لك أبشري .. إنهم قادمون

                            إنهم يغتسلون مثلك بماء المطر المقدّس

                            ليزيلوا عن أرواحهم عرق السفر والمعاناة

                            وسيأتونك بأجمل زينتهم

                            حاملين الحلوى لك والرايات

                            حاملين بأيديهم فرح السنين

                            ليكللوك بقوس قزح

                            18/11/88


                            لن تكون جديراً بحبي



                            لن تكون صديقي

                            إلا إذا أتيتني بقلبٍ شجاعٍ كفدائي

                            حنون كأم

                            بريء كطفل

                            نقيّ كعين صقر

                            كبير كأفق

                            مشرقٍ كشمس

                            معطاء كينبوع

                            متفانٍ كشمعة



                            ولن تكون حبيبي

                            إلا إذا أحسست أنني وحدي

                            حين أكون معك

                            وأنني معك

                            حين أكون وحدي



                            ولن تكون جديراً بحبي

                            إلا إذا كان حبك للوطن

                            يفوق كلّ حب

                            وعطاؤك للوطن

                            ما بعده عطاء

                            14/1/88


                            أغنية حب للحجر


                            أنت !

                            أيها المتحفّز كطلقة

                            المندفع كفدائي

                            المحلق كملاك

                            والواقف كعمود من الرخام

                            أغنيك أغنية حبّي

                            يا فارساً يركب صهوة حصانه الأبيض



                            لعبتي الجميلة أنت

                            حين كنت أركلك بقدمي الصغيرة

                            لأصوب هدفاً في مسابقة "الإكس"

                            وكنت تطاوعني

                            وتذعن لركلاتي .. كمحب عاشق



                            وكنت دائما الرقم السابع في لعبة الحجارة السبعة

                            كنت دائما الحجر الأخير

                            المتربع على أكتاف رفاقه

                            كهتاف المظاهرات الشجاع



                            أيها الحجر الصغير الكبير

                            المتشكل كجنّي

                            من أجلك

                            كادت الدماء تنبع في الصحراء

                            لولا يد النبي محمد

                            وهاأنت تصير القبلة التي ينظر إليها المصلون

                            في جميع أنحاء العالم



                            مرّة تمّد يدك الصغيرة

                            لتمنع حافلة كبيرة من الانزلاق

                            ومرّة تصير مزهرية جميلة

                            تضم بين أصابعها زهور النرجس وقرن الغزال



                            وها أنت تقف بين حجرين

                            لتصبح موقداً

                            تطبخ عليه الأم حجارة صغيرة

                            لتلهي أطفالها الجياع

                            قبل أن يزورهم متخفياً عمر



                            طعاماً تصير

                            أملاً

                            مستقبلاً

                            فرحا وقوس قزح

                            أيها الجنيّ الخالد المخلّد

                            منك نحتوا كل أنواع التماثيل

                            فخلدوا بواسطتك الخلود



                            وها أنت تتأرجح في المقلاع

                            وتنقضّ على الفريسة الشاذة

                            في الكف تصير قمراً

                            برتقالة تطفيء الظمأ

                            صاروخاً موجهاً تصير

                            فتسقط الطائرات في نابلس وبيت أمر ومخيم بلاطة

                            تتكّور مع رفاقك الصغار

                            فتصير رُدفة على الرغيف المصنوع من القمح

                            وحين تتعب

                            تصير مخدة للصخرة الكبيرة

                            فترتاح على خدها

                            قبل أن تنام

                            وتصير الواجب المدرسي

                            الذي لا يهمله حتى التلاميذ الكسالى

                            فأنت الشيكولاته والساندويتش

                            وأنت ديوان الشعر

                            ودفتر المذكرات اليومية

                            أنت كل هذه الأعداد اللامعدودة

                            أيها الجّني الحبيب

                            فكيف إذا لا أحبك

                            كيف لا أعطيك قلبي

                            إذا كنت أنت

                            من يمنحني الحرية .. والحب .. والفرح

                            30/10/88


                            أحلم ... وأحلم




                            لست أحلم بالقصور

                            ولبس الحرير

                            ولا بالحلي والمجوهرات

                            ولا بالسفر حول الكرة الأرضية



                            أحلم –فقط-

                            بالتجوال في حديقة منزلنا

                            واحلم برؤية أطفال وطني يلعبون

                            واحلم برؤيتهم يضحكون



                            أحلم برؤية أمي منشرحة الصدر

                            وأحلم برؤية أخوتي وأخواتي

                            واحلم برؤية أطفالهم الصغار

                            يتسابقون إلى ذراعَيّ



                            وأحلم بان أمشي في شارع بيتنا الجميل

                            دون الخوف من سيارات الجيش

                            التي تتعمد قتل المشاة



                            واحلم أن أقود سيارتي

                            في شو راع المدينة

                            دون أن يوقفني الجنود

                            بحجة إعلان الشارع

                            منطقة عسكرية



                            واحلم أن أنام بهدوء

                            دون القلق من اقتحام الجنود

                            لغرفة نومي



                            30-9-88



                            حين أغمض عينيّ


                            حين أغمض عينيّ

                            أراك

                            فتصير أنت أنا

                            ونصير معاً دمعة ً على خدّ طفلة حلوة

                            خطفوا منها لعبتها

                            وخبأ وها في جدائل الشمس

                            حين اغمض عينيّ

                            تصير يدك سنبلة ذهبية

                            تتأرجح مع النسيم الطريّ

                            فتنبع من بين أصابعنا

                            زهور السوسن

                            أيها الوجه الذي أرى فيه شعبي

                            بكل حالاته النفسية

                            أراه محتلا ً

                            واراه حزيناً

                            واراه متجعداً من الألم



                            أيها الوطن الهارب من بين أصابعي

                            كحبات الزئبق

                            إنك مسئوليتي التي لا مفرّ منها

                            فحين أغمض عينيّ

                            تتحول صورتك وتتشكل

                            فأراك في كل ما أراه

                            وتصير أنت الحلم .. وأنت الخيال

                            أنت الحزن.. وأنت الفرح


                            فيا أيها الحلم المتهلل

                            والمتأرجح على قوس قزح

                            أما آن لك أن تترجّل ؟!

                            أما آن لك أن تقف

                            على هذه الأرض؟!


                            الأرض

                            أيتها الكلمة السحرية

                            التي تتمطى بين تلافيف دماغي

                            وتعبق رائحتها في خياشيمي

                            فتصعقني

                            كسمكة طوربيدٍ متّهورة



                            الأرض

                            أيتها السمكة الإنسية الجنية

                            التي تعيش في قرارة نفسي

                            وتسبح في عيني

                            أنت وحدك حبي الكبير

                            وأنت وحدك حبيبتي



                            29-9-88


                            لعنة العصر


                            يا أخي

                            لماذا تشيح بوجهك عني؟!

                            أنا لم آت من المريخ

                            ولا من القمر

                            جئت إلى هنا من اللامكان

                            وخرجت من العدم

                            وأتيت لأقول كلمة الحق


                            إن الإنسان في هذا العصر

                            قد مات

                            لم يمت في معركة شريفة

                            مات منتحراً بجريمة الخيانة

                            نازفاً دمه الملوّن بالكذب والخداع

                            مغمضاً عينيه عن الحقيقة



                            الإنسان في هذا العصر المزهوّ بالقوة والعنجهيةّ

                            والذي يزّيف المفاهيم من أجل منفعته الخاصة

                            ليس هو الإنسان الذي أراده الله

                            وخلقه على أجمل صورة

                            لقد شوّه نفسه بنفسه

                            وادّعى ما ليس فيه

                            فحلّت عليه اللعنة


                            الإنسان الذي يقول :"أنا "

                            مليون مرة

                            قبل أن يذكر الآخرين

                            هو الإنسان المطرود

                            من جنة الخلد


                            والإنسان الذي يرى الجرائم تقترف إمام عينيه

                            ولا يقول للمجرم :"توقف"!

                            هو أكثر إجراماً من المجرم نفسه

                            فلعل المجرم قد فقد وعيه لدى اقترافه الجرم

                            أما المتفرج

                            فلا شك انه يعي تماماً ما يحصل أمام ناظريه

                            ولكنه لا يكترث

                            طالما أن الأمر لا يعنيه

                            والإنسان الذي يدّعي الكرم

                            ويقدّم للآخرين الهبات والهدايا من ممتلكات الغير

                            ما هو إلا لصّ يحق للعدالة أن تقطع يديه معاً

                            والإنسان اللص في هذا العصر

                            يتشكل كما يتشكل الجنّ

                            قد يكون مثقفاً

                            وقد يكون عالماً أو رئيس دولة

                            إن هذا اللصّ " المحترم" هو أخطر أنواع اللصوص

                            فهو يسرق بأسلوب شرعي

                            يحميه القانون

                            ويحميه المنصب

                            وتحميه جميع الأعراف الدولية

                            وإنسان هذا العصر

                            صار يدّعى الألوهية

                            فهو الذي يحيى ويميت

                            وهو الذي يعزّ ويذلّ

                            وهو الذي يحرّم ويحلّل

                            والقوة –في عرفه-هي مفتاح كل القيم والقدرات

                            أنا قوّي ..إذا أنا الحاكم وأنا الآمر وأنا الناهي

                            وأما سواي فهم مجرد أتباع يأتمرون بأمري


                            القّوة هي لعنة العصر

                            ولو أدرك هؤلاء المتلفعون بوشاح القوة

                            أي كارثة ستجلبها لهم

                            لنبذوها،وفروا من أمام نظراتها القاتلة

                            فالقوّة – لو يعلمون-

                            ما هي إلا أفعى تلتف حول عنق ضحيّتها

                            فلا تتركه إلا بعد أن تفرغ سّمها القاتل

                            في أوصاله

                            هكذا شاءت مشيئة الله سبحانه

                            ولو تأملنا ما حصل لأقوى الدول في الماضي

                            لكانت لنا عبرة

                            ولكن أهم ميّزات القّوة

                            أنها تسلب من صاحبها نعمة البصر

                            البعض يرى القّوة في الأسلحة المدمرة

                            وفي الجيوش التي لا تُقهر

                            وأنا أراها في ابتسامة طفل ..وفي كف أم...وفي عيني

                            محبّ

                            هذه هي القّوة المبدعة

                            القوة الخلاّقة

                            التي غرسها الله سبحانه في قلوبنا

                            قبل أن يقبض قبضة من التراب ويقول لها كوني آدم

                            القّوة الحقيقية في أن نحّب الغير

                            وأن نعطف على الغير

                            وأن نتمنى الفرح والسعادة والخير لكل إنسان

                            حينئذ فقط يحّق لنا أن نفخر بأننا أقوياء

                            ويحق لنا أن نحصل على شهادة إنسانيتنا

                            فالحب وحده هو القوة

                            ليس القوة فحسب...وإنما الجمال والوداعة والخير

                            وسّر الوجود

                            في هذا الكون

                            3-11-88


                            الشمعة


                            الحياة لا تُطاق

                            لولا هذه اللحظات المشرقة

                            من إحساسنا بالحب

                            إنها الشمعة التي لا تحترق إلا لتضيء

                            ولا تضيء

                            إلا إذا احترقت



                            والحب شمعتي المقدّسة

                            التي تسقط دموعها الساخنة

                            على يدي

                            لا بدّلنا من الاحتراق بدموع الشموع

                            إذا أردنا السير في الطرق الوعرة

                            كالثائر القابض على بندقيته

                            في عتمة الليل

                            وبرودته الموحشة



                            أقبض عليك يا شمعتي

                            لن أفكر بنهايتك

                            لأن نهايتي ونهايتك متلازمتان

                            فحين تذوبين

                            وتنطىء فتيلتك الذابلة

                            تكون روحي قد صعدت إلى السماء

                            11-9-88


                            ما أجملك في غيابك




                            أيها البعيد القريب

                            أيها الغائب الحاضر

                            أيها الغامض الواضح

                            كيف تكون بعيداً وغائباً وغامضاً

                            وأنت أقرب إليّ من بؤبؤ عينيّ

                            وأنت حاضر في ذهني

                            وواضح كوضوح الشمس؟



                            صحيح أن الشمس والقمر

                            لا يلتقيان

                            ولكن

                            هل يحق لأحدهما إنكار الآخر

                            وهل يحقّ لأحدهما

                            أن لا يعترف بتأثير الآخر عليه؟

                            لا قيمة لأحدهما دون الآخر



                            ولو استمر غياب أحدهما

                            لكانت الحياة لا تطاق

                            ما أجملك في غيابك ‍‍

                            لأنه يعني الوجود السرمديّ في ذاكرتي

                            أيها المعجزة التي قلبت كل المفاهيم



                            أراك كما أرى الملائكة الذين لم أرهم

                            وأومن بوجودك

                            كما أومن بوجود الجنة والنار

                            وتركض بين رموش عيني

                            كما تركض الغزلان في غابة كثيفة



                            يحلو لي أن أراقبك

                            بصمت

                            وفي داخلي ملايين الشلالات المتدفقة

                            على صخور الحقيقة اللامرئيه

                            أنت وحدك الحقيقة

                            وأنت وحدك البهار

                            الذي يجعل للحياة طعمها الشهيّ



                            هناك تقف

                            على الطرف الآخر من حدود الزمن

                            تنظر إليّ بشوق ولهفة

                            وأنظر إليك بحنان فطريّ

                            فيذوب الزمن

                            وتختزل المسافات

                            وتتلاشى تضاريس الطبيعة

                            حينئذ ٍ

                            يغوص كلّ منا في عينيّ الآخر

                            بكلّ فرح الحياة وعنفوانها

                            وبكل ما تعنيه كلمة الحرية

                            من معانٍ

                            فأنت حريتي التي أصبو إليها

                            وأنا حريتك التي تشعر معها بالأمان

                            10-9-88


                            قل له يا آبا عمار


                            إلى روح الشهيد أبو جهاد

                            هكذا إذاً..

                            هكذا يسقط الجبل

                            وبعده أربعة وعشرون قمراً



                            في صدرك

                            سبعون فراشة ً تعبت من الطيران

                            فهدّت دفعّة ً واحدةً

                            واختبأت في كفيك

                            سبعون لؤلؤة فرت من قلب صدفاتها

                            واحتمت بقلبك

                            سبعون دمعة حملها البحر إلى مقلتيك



                            أيها الشهيد البطل

                            أيها الكبير بحجم الثورة

                            أيها الرقيق كنسمات الربيع

                            أنت فينا استراحت روحك

                            وعلى تلالنا الخضراء تغفو عيناك

                            وعلى صدر فلسطين

                            يرتاح رأسك



                            آتٍ إلينا أنت مع النصر

                            آتٍ مع الفجر الجديد

                            لم تبتعد عنا

                            فينا أنت تمضي

                            فيا قطرات دمه المتناثرة في أرجاء تونس

                            لملمي بعضك وتعاليْ

                            يا دماءه الطاهرة

                            بالله عليك لا تجفّي



                            يا يده الحانية

                            ظلي ساخنة ً نابضة ً كعروق الثورة

                            فالقسم والعهد يغليان في شرايينك

                            والقسم والعهد

                            أن تظل الثورة شمعتك المضاءة

                            تضمهّا كفّك

                            أنت أيها الجبل

                            الذي نصعد إليه حين نطلب الراحة

                            أيها الغابة التي تعشش فيها رفوف الحساسين

                            من قال إنك تركتنا

                            من يجرؤ أن يقول

                            إنك سلكت طريقاً آخر

                            أيها الفاتح باب الحرية

                            قم وانفض عنك غبار السفر

                            يكفيك يا من لا تنام إلا بعد أن تطمئن علينا

                            وتغطينا حتى لا نبرد

                            يكفيك هذه الساعات من النوم

                            فالقرنفل يشتاق إليك

                            والحجارة المقدّسة تنتظرك بعيون متلهفة

                            والأطفال ...كل الأطفال

                            يحضرون لك مفاجآت جريئة

                            وجدران البيوت المتعثرة بالجرافات والقنابل

                            تمد إليك أيديها

                            لتنهض من جديد

                            والأشجار المقلوعة من جذورها

                            تنتظرك

                            لتعيدها إلى مسقط رأسها

                            والشهداء

                            يريدونك أن تقرأ الفاتحة على أرواحهم

                            ليعودوا إلى الحياة من جديد

                            والجرحى يحملقون في السقف

                            علك تنزل إليهم مع الأحلام

                            والمعتقلون‍‍

                            يقسمون أنهم إن لم تأت بنفسك إليهم

                            فانهم سيخلعون أبواب المعتقلات

                            ويجرون إليك

                            ليحملوك إلى أرض الوطن

                            فاتحاً منتصراً

                            أيها النائم بعيداً قريباً

                            وحّد الله واصح مع الفجر

                            وحّد الله وقم لتتسحّر

                            أنت تحبّ قمر الدين

                            وتحب البرتقال الفلسطينيّ

                            وتشتهي خبز الطابون المقمر

                            مع الزيت والزعتر والزيتون

                            كل شيء جاهز

                            بقي أن تأتي يا من انتظرناك طيلة أمس

                            لماذا لا ترد

                            يا أبا عمار .. لماذا لا يردّ؟‍

                            قل له إنّ العصافير الفلسطينية

                            قد حفظت النشيد الوطني جيّداً

                            قل له إن رايات الفتح تنتظره

                            ليرفعها بيده على أسوار القدس

                            قل له إن أزهار الربيع

                            أجّلت مشاويرها حتى يأتي

                            قل له يا أبا عمار

                            قل له يا أبا عمار إنّا بانتظاره

                            18-4-88


                            لحظة من فضلك


                            تتسارع دقات الساعة

                            وتتسارع الأحداث الدامية

                            بخطىً حثيثة

                            تتسابقان

                            فلا الزمن يسبق الأحداث

                            ولا الأحداث تسبق الزمن

                            أما نحن

                            فننصهر وحدنا بهما

                            ونصير الزمن والحدث وساحة السباق

                            في آن واحد



                            أنت‍ !!

                            أيها الواقف على عتبة قلبي

                            لحظة من فضلك

                            قف مكانك

                            فلا طاقة لك بالضياع

                            في غابة الحزن

                            أنا وحدي اعرف كيف أطرد ثعابين الرعب

                            ووحدي اعرف كيف أحوّل براكين الحقد

                            إلى شلالات من الماء النقيَ

                            وحين أحقق ما أريد

                            سأدعوك إلى ينابيع الفرح

                            التي يغتسل بها قلبي

                            27-4-89


                            زيتونه تقاتل غابة


                            إلى روح الشهيد عمر القاسم



                            أيها الطفل أخضر العينين

                            كأنك ما تغيرت

                            زيتونةٌ تقاتل غابة

                            صنوبرةٌ تواجه إعصاراً

                            بلبٌل يناطح زخّات الرصاص

                            مئذنةٌ تعشش في عينيها العصافير

                            بركةٌ تسبح فيها الأسماك

                            ينبوعٌ تشرب منه الحساسين

                            مرجٌ تلعب فيه الغزلان

                            غيمةٌ يتكئ عليها القمر



                            قل لي يا عمر

                            هل لا تزال القيود

                            حول قدميك ومعصميك؟‍

                            وهل لا تزال البنادق مصّوبة ً

                            نحو قلبك؟



                            قل لهم:

                            إنك بابتسامة واحدة

                            قهرت أسلحتهم

                            وبخفقة قلب خالدة

                            صرت أنت الحّرية والفرح والحياة



                            يا عمر

                            يا الوطن والشعب والأرض

                            قل لي بربك

                            كيف تكون كلّ هذه العناصر

                            ممزوجةً معاً

                            وتدّعي بأنك وحيد؟؟



                            كيف تتجرأ وتدّعي أنك لم تخلف أطفالاً

                            وكل الأطفال الذين لم يولدوا بعد

                            هم أطفالك؟؟

                            ألا تدرك

                            يا أبا القاسم

                            أنك خلّفت جيلاً بكامله؟



                            لم أر إنساناً

                            يحمل بقلبه حباً للأطفال

                            كما أنت

                            ولم أسمع عن عاشق

                            غنّى لحبيبته إحدى وعشرين سنة

                            خلف القضبان

                            كما أنت

                            ولم أعرف سفينةً

                            تمخر عبر محيطٍ من سمك القرش

                            كما أنت

                            فيا شمس حزيران الحارقة

                            لملمي خناجرك الحّادة وانسحبي

                            فعمر سيمّر من هنا

                            يا قدس

                            افتحي ذراعيك لأحلى الشباب

                            ضميه إلى صدرك

                            وكوني له الأم والأخت والحبيبة

                            5-6-89م



                            الجنازة



                            هل كانت جنازة ؟

                            لا

                            كان القائد يتقدم جيش الشعب المتدفق

                            من بين أصابع المدينة المقدسة

                            من؟

                            عمر؟أحمد؟بسام؟صلاح الدين؟

                            اختلطت الأسماء ..وامتزجت

                            فصار الشهداء يحلقون رفوفاً من الحساسين

                            قفزتُ في الهواء ونظرت في النعش

                            فرأيتهم

                            رأيت كلّ الشهداء

                            يضّمهم إلى صدره .. عمر القاسم



                            ما الذي تغير يا عمر؟

                            ما الذي حدث؟

                            وما الذي جعلك تقف على سنامٍ من الأكفّ

                            يرفعها جمل المحامل؟

                            وكيف خرجت من جسدك لتتحرّر وتحرّرنا معك؟؟



                            ها أنت تتقدمنا مسرعاً في خطاك

                            ونحن كلنا نتبعك بثقة لا حدود لها

                            تتشابك الأذرع في عناق حميم لديانات السماء

                            وتمتزج الأناشيد بالأغاني والزغاريد

                            لتنطلق من الحناجر سيمفونية أخاذة



                            كلّ النّغمات تتحول إلى سمكات ملوّنه

                            تسبحُ جذلى في بحر الحبّ لهذا الوطن

                            فيدقّ طبلُ المعركة

                            وترتفع الأصابع لتعلن النتيجة الحتمية

                            وتصدح رفوف العصافير مغرّدة

                            نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموتَ من أرضنا

                            نهتف..ونغني..ونصفق

                            قبضاتنا تناطح السحاب

                            وأقدامنا تهزّ الأرض

                            ومن عيوننا تتدفق قطعان اللآلئ



                            هكذا بدأت المعركة

                            الطائرات المروحية تحلّق فوق رؤوسنا

                            وتقذف قنابل الغاز

                            والجنود المدججون بالسلاح

                            يلتفون حولنا كحزام النار

                            وعشرات المصوّرين يتسابقون في التقاط المشاهد

                            التاريخية



                            هم يحملون السلاح

                            ونحن تحملنا أرواح كلّ الشهداء

                            كنا ابتساماتهم التي بها نناضل

                            وقبضاتهم التي بها نقرع ُباب الحرية

                            وحين تظهر الأعلام الزرقاء فوق مركز الشرطة

                            يجفل الحصان .. ويجمح

                            فيصرخ أحدهم :

                            دبكة يا شباب

                            لحظة ...

                            يا أم الشهيد وزغردي كل الشباب أولادك

                            ويا أخت الأسير تمردي الموت ولا المذلة

                            حيّا الله الأم الصابرة حيا الله الأخت الثائرة

                            لحظة ...

                            وتتحول المعركة إلى موكب عرسٍ وموكب فرح

                            ويصير القائد عريساً جميلاً

                            فتزغرد النسوة

                            وتغني الصبايا

                            ويصفق الأطفال

                            ويعلو هدير الموج طوفاناً من المشاعر اللاهبة

                            هل نرفعها هنا ؟

                            صبراً يا أحبائي .. صبراً

                            ولا تكفّوا عن الغناء

                            فيتدفق الحب مّرة أخرى

                            بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي

                            ويستمر الموكب

                            الناس في المدينة يقفون على جانبي الطريق بغير

                            أوامر رسمية

                            ويطلقون من الشرفات أذرعهم ،يلتقطون الصور والأنفاس

                            وعند البريد ..تطالعنا وجوهٌ صفراء

                            فنراها ولا نراها



                            الموكب يغذّ المسير

                            وهناك

                            عبر مفترق الطرق...

                            يرفع القائد يده معلناً لحظةَ التحرير

                            فتخرج العصافير الملّونة من أقفاصها تحلّق وتحلق..

                            فترفرف بلا وعي

                            تصفقّ بأجنحتها الحمراء والبيضاء والسوداء والخضراء

                            تصفق جذلى كأطفال فلسطين حين يفرحون

                            عندئذ

                            يبتسم القائد

                            فتنشق السماء برقاً.. ورعداً.. ومطراً

                            وتطلق الأرض صيحة ميلاد جديد

                            فتنطلق الزغاريد من كل الحناجر

                            وتتعانق صيحات الشعب لتغتسل بزخات الرصاص

                            هكذا أيها العريس الجميل يزفك حتى أعداؤك

                            هكذا أيها القائد تدخل القدس من أوسع أبوابها

                            وترتفع على باب الأقصى

                            رايات النصر

                            6-6-89


                            الحريّة




                            يحلو الانصهار في الأحداثِ

                            بحيث تصبح أنت وهي شيئاً واحداً

                            ويحلو الزواج على هذه الأرض

                            كزواج

                            ذلك الذي يولّد أفكاراً.. وأشعاراً

                            وذلك الذي يولّد وروداً وشقائق نعمان

                            وذلك الذي يولّد أطفالاً عظماء

                            ولكّن أحلاها

                            هو ذلك الزواج

                            الذي يولّد طفلة صغيرة حلوة

                            اسمها الحرّية

                            4-6-89


                            يا إلهي



                            يحلو لي أن أكتب عن الحزن هذه اللحظة

                            فالفرح هرب مني واختبأ بين رموش الشمس

                            ولم يخلف لي سوى مرارة الحزن السرمدي



                            يحملني الحزن على سلّم من الشوك

                            ويصعد إلى حواسي

                            فيعطلها

                            ويجعل الأغاني التركية تتناغم مع مشاعري

                            فأصير لحناً حزين الطعم واللون والرائحة



                            يتخدر جسمي بالألم

                            وتتصدع ذاكرتي بمعاول الضياع

                            يا إلهي

                            لولا إيماني العميق بك

                            لتلاشيت كما تتلاشى قطرات الندى

                            10-11-89


                            حين يصبح الحبيب وطناً




                            الحب فراشة ليلكيّة

                            حين تمسك بها بين إصبعيك

                            تُفقِدُها الحرية

                            وتسلبها الجمال

                            وإذا تركتها..

                            تحلّق وترفرف بجناحيها الجميلتين

                            وتغيب عن عينيك

                            دون أن تلاحظ ذلك

                            ولكنّ غيابها

                            لا يمنعك من رؤيتها بقلبك



                            حين يصبح الحبيب وطناً

                            والوطن حبيباً

                            يصيرانِ شيئاً واحداً

                            عندئذٍ

                            تفرحُ الحرية

                            وتعزف الحياة نغماتها

                            على خيوط الشمس



                            آه أيها الموت

                            المعشش في الأصابع الباردة

                            اخرج ولا تعد

                            فمن بين أصابعي

                            تتدفق ينابيع الحبّ الصافية

                            ليشرب منها حبيبي



                            12-9-88


                            الانتفاضة في عيدها الرابع



                            مرحى لك.. ألف مرحى

                            يا من تطفئين هذا اليوم

                            شمعاتك الأربع



                            من كان يصدق

                            أن العين تفلت من محجرها

                            وتصير حجارة تقاتل في وضح النهار



                            من كان يصدّق

                            أن الحياة تخرج من قلب الموت

                            بمثل هذه النعومة



                            ها أنت تخطرين فوق أجسادنا

                            التي منها صنعنا لك جسراً

                            لتعبري برّ الأمان



                            وها أنت تهتزين بزعانفك

                            كسمكة الطوربيد

                            فيهتز العالم.. كلّ العالم



                            وها أنت

                            تصيرين رعشة الحياة الكريمة

                            في أحلامنا المتعبة



                            يعصرك الموت بأصابعه المتشنجة

                            فتصيرين صخرة

                            وتنفث أنابيب الغاز سمّها في عينيك

                            فتتحوّلين إلى ريح



                            أغلقوا في وجهك كلّ المدارس

                            فصرتِ أنتِ العلم

                            وسدّوا عليك ِ منافذ الحياة

                            فصرتِ أنتِ الحياة

                            من قال إن أرض فلسطين

                            بلا شعب

                            ومن قال إن خلايا النحل

                            لا تتجدّد



                            تتساقط أحلام العوسج

                            تحت أقدامك

                            وتنطفئ شموع القناديل كلها

                            إلا شمعاتك



                            يا خبزنا الذي منه نعيش

                            وماءنا الذي منه نشرب

                            ودفاترنا وأقلامنا

                            التي بها نتعلم أصول الكلام



                            تكتبين على جدران الدول

                            ملحمة البطولة

                            وتخربشين بأصابعك الفتية

                            زيف التاريخ

                            بقدمك الصغيرة

                            تفتحين كل الأبواب

                            وباسمك وحدك

                            تعقد المؤتمرات في أنحاء الكون



                            يسمونك انتفاضة

                            وأنا أسميك الروح القدس

                            يا إبنة الألف شهيد

                            وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين



                            في خديك المتوردتين

                            تتألق دماؤنا

                            ومن عينيك الواسعتين

                            تنطلق مواكب الشهداء



                            ها أنت بأعوامك الأربعة

                            تكملين بناء الوطن

                            وما علينا نحن الحساسين

                            إلا أن نسقف السطح

                            فهيا

                            هيا افتحي ذراعيك واستقبلينا

                            هيا افتحي ذراعيك

                            لتحملي بهما أحلى الهدايا



                            من أجلك وحدك

                            ينزل المطر

                            ومن أجلك وحدك

                            تركض الأعشاب في الشوارع



                            أيتها الريح المقدسة

                            يا من تحملين لقاح الحرّية

                            إلى كلّ الشعوب



                            يا ريشاً يكسو أحلامنا

                            ويا زيتاً

                            يضيء لنا الدروب



                            يا زهرة ياسمين غضّة

                            تناطح السحاب

                            ويا ابتسامة طفل جريح

                            يفتح أصابعه بإشارة النصر



                            هل أقول مبروك عليك

                            أم مبروك علينا

                            هذا الغيم الأخضر

                            المنسكب

                            من بين أصابعك

                            9-12-91


                            خطوة أخرى



                            أيها المتكئ أمامي

                            على سياج الوطن

                            تحرّك

                            خطوة واحدة فقط

                            وتصير أنت السياج الحقيقي له

                            خطوة أخرى

                            وتصير دقة من دقات قلبه

                            خطوة أخرى

                            وتصير بؤبؤ عينية



                            ها أنت تتقدم

                            تخلع معطف السنين الثقيل

                            عن كتفيك

                            وتنفض غبار السفر إلى اللامكان

                            ها أنت تتقدم

                            بخطى خفيفة وروح مرحة

                            اركض

                            اركض لتسابق الزمن

                            في هذا العصر السريع

                            عصر التكنولوجيا والكمبيوتر



                            يا أنت

                            يا من لا تصل إليك يدي

                            هل تمدّ إليّ يدك؟

                            هل تمدها..وتمدها..وتمدها

                            لتمسك بها يدي التي بانتظارها؟

                            15/9/92م



                            الزوبعة

                            ذكرى مذبحة الحرم الإبراهيمي (25/2/94)

                            (1)



                            ها هي الزوبعةُ تغرقُ بيديها الكبيرتين

                            كلّ مشاعري

                            ثم تلقي بها إلى الأعلى

                            مشاعري تتناثر

                            تروح هنا... وهناك

                            وقبل أن تسقط على الأرض

                            تعود يدا الزوبعة...

                            فتحملانها .. وتلقيان بها من جديد

                            منذ أن دبّت قدماي الصغيرتان

                            على هذه الأرض الرخوة

                            والزوبعة اللعينة تلازمني

                            كأنها قدري

                            ترفضُ أن تراني على حال.



                            (2)

                            إنه مجنون

                            ذلك الذي دخل الحرم الإبراهيمي

                            فجر يوم الجمعة

                            وأطلق الرصاص على المصلين

                            وهم في أقرب موضع من الله

                            - لم يكن جباناً ذلك الذي تحدّى الله

                            وتحدى مئات المصلين

                            أراد أن يكون شمشوناً

                            فيدمّر المعبد على من فيه

                            فلماذا تتهمونه بالجنون؟!



                            (3)

                            - تعالوا نتفاهم ... تعالوا نتصالح

                            - على ماذا؟

                            - نحن تعتذر عن ذلك العمل البشع

                            الذي حصل داخل الحرم.

                            - ولماذا لا تعتذرون عن العمل الأكثر بشاعة

                            - الذي حصل خارج الحرم؟!

                            تقولون:-

                            إن عدد القتلى في الداخل

                            مساوياً لعدد القتلى في الخارج

                            فما الفرق إذا بين جولدشتاين والقتلة الآخرين؟!



                            (4)

                            قال لكم كيسنجر:

                            " اقتلوهم....

                            ولكن ليس أمام شاشات التلفاز

                            هذا هو مفتاح اللغز

                            ليس المهم أن تقتل

                            المهم أن لا يراك الآخرون

                            وأنت تقوم بجريمة القتل



                            (5)

                            - وهذا القتل المفرّق في غزة ونابلس

                            ورام الله وجنين

                            وغيرها .. وغيرها؟!!

                            أهو غير محسوب؟!

                            - نحن لا نحاسب على المفرّق

                            الحساب فقط على "الجملة"

                            - ولكن متى؟؟

                            فقط حين يشاهدكم الآخرون

                            والا, لماذا لم تعتذروا عن مذبحة دير ياسين

                            ومذبحة كفر قاسم ومذبحة صبرا وشاتيلا

                            وقبية ونابلس والأقصى وعيون قارة؟!!

                            ولماذا لم تعتذروا عن الأربعمائة مُبعد

                            الذين ألقي بهم في العراء تحت الثلج

                            ليموتوا متجمدين؟!!



                            (6)

                            القضية مغايرة

                            ولولا أن القاتل كان شجاعاً لدرجة الموت

                            كجدّه شمشون

                            لما اعترفتم به

                            ولكنتم أجريتم تحقيقاً في ملابسات القضية

                            ثم استنتجتم

                            أن الفاعل واحد من حركة حماس

                            أراد بذلك أن يخرب العملية السلمية

                            هكذا ...

                            وبكل بساطة

                            والا لماذا انهلتم عليه بكل عبارات الشتم والتجريح؟!

                            ألا تفعلون مثله كل يوم؟!!



                            (7)

                            لسنا في محكمة

                            نحن أمام قضية شعب لا أفراد

                            نحن الستة ملايين فلسطيني

                            المزَوْبَعين (بتأثير الزوبعة)

                            في كل بقعة أرضٍ في هذا الكون

                            نتساءل:-

                            أما أن لهذه الزوبعة العينة أن تهدأ؟!

                            أما آن لنا أن نترجّل, ولو مرة واحدة

                            على أرض واحدة

                            هي فلسطين؟!



                            (8)

                            - لا .. هذا مستحيل

                            - لماذا مستحيل؟!

                            - هذه الأرض لا تكفي لشعبين ولا لدولتين

                            - وما فائدة المحادثات السلمية إذاً؟!!

                            - فائدتها أن الذين في الخارج

                            - سيتقرر بقاؤهم في الخارج

                            - وان الذين في الداخل ...

                            - لا ضرورة لإكمال العبارة.

                            - فالذين في الداخل

                            - ستتخلصون منهم بالمفرّق والجملة

                            - أليس هذا ما يحدث؟!!





                            (9)



                            قلت مرة للمحقق:-

                            لماذا يجب أن أموت أنا

                            لكي تعيش أنت؟!

                            ولماذا يجب أن تموت أنت

                            لكي أعيش أنا؟!

                            لماذا لا يعيش كلانا؟!

                            بُهت المحقق .. ولم يرد على كلامي



                            (10)

                            ها أنتم تتخلون عن واحدٍ منكم

                            يعيش بين ظهرانيكم

                            وفي الوقت ذاته

                            تتمسكون بمن عاشوا قبلكم بألفي عام

                            كيف تختزلون الزَمن؟؟

                            فتحذفون مئات الأجيال منكم ومنا؟!!



                            (11)

                            لو افترضنا أن هتلر لم يتقيأكم

                            على شواطئ المتوسط

                            هل كنتم ستتذكرون موسى نبيكم؟!

                            ألا ترون أن ما تفعلونه بنا

                            هو أسوأ بكثير مما فعله فرعون بأجدادكم؟!



                            (12)

                            قال شامير:

                            لو بقيت في الحكم

                            لجعلت فترة المفاوضات تمتد إلى عشرين عاماً

                            أنه يقولها بصدق

                            تماماً كما فعلها جولدشتاين في الحرم الإبراهيمي

                            بدون رتوش

                            وبدون مكياج

                            وما يفعله المفاوض الإسرائيلي

                            قد يجعل المفاوضات تمتد إلى مائة عام

                            ولكن, دون أن يعلن عن ذلك



                            (13)

                            المعادلة واضحة

                            الانسحاب يعني الانسحاب الجسدي والمعنوي

                            من الأرض المحتلة

                            ولكنكم تبحثون في أي شيء عداهما

                            تبحثون في الجمارك

                            وفي الطوابع

                            وفي العملة المتداولة

                            وربما ستبحثون في عدد الوجبات

                            وفي كمية المياه

                            التي يسمح للفلسطيني بتناولها

                            لتتحكموا فيما بعد

                            بعدد الحاويات اللازمة

                            وأنابيب المجاري اللازمة

                            ولا ضرورة لذكر كل ما يمكن أن تبحثوا فيه

                            المهم, أن الشيء الوحيد الذي لا تبحثون فيه

                            هو الانسحاب عن الأرض



                            (14)



                            أريحا لا تعني أريحا

                            بعضكم يقول: إنها المدينة فقط

                            وبعضكم لا يعجبه ذلك, فيقول:-

                            يكفي شارعان في المدينة

                            وهل أريحا بكل قضائها

                            تساوي شارعاً واحداً

                            في مدينة واحدة؟!!



                            (15)

                            وغزة

                            هذا الشريط الرفيع

                            الممتد على ساحل البحر ...

                            هذا الشيء البشع

                            الذي تمنى رابين أن يستيقظ يوماً

                            فيرى البحر قد ابتلعه

                            هو أيضاً لا تريدون الانسحاب منه

                            ففيه من المستوطنات

                            ما يكفي لأن يكون أكثر من مسمار جحا

                            أكثر بكثير.



                            (16)

                            تقولون

                            أمن المستوطنات أولاً

                            وأمن إسرائيل أولاً

                            ولكنكم تقولون أيضاً غزة وأريحا أولاً.

                            فماذا تعني هذه "الأولاً" عندكم؟!

                            ألا يحتاج الفلسطينيون إلى الأمن

                            أولاً وأولاً وأولاً



                            (17)

                            شهريار أصيبَ بعقدة الخيانة من زوجته

                            فقتلها

                            وصار يقتل كل يوم إمرأة.

                            لم يسأل نفسه يوماً:

                            ما ذنب هؤلاء النساء البريئات

                            من جريمة الخيانة؟

                            وأنتم عقدتكم مذابح هتلر ومذابح أوروبا المزعومة

                            فإذا بكم تسقطونها علينا

                            دون أن تتساءلوا:

                            ما ذنب هذا الشعب البريء من دمائكم!!

                            شهريار شفي من عقدته

                            خلال ألف ليلة وليلة

                            شفته شهرزاد

                            وأنتم

                            من يشفيكم من عقدتكم؟!

                            وبعد كم ألف ليلة وليلة؟!!!



                            (18)

                            تقولون:

                            الفلسطيني الجيّد

                            هو الذي يهاجر طواعية

                            أما الفلسطيني الأكثر جودة

                            فهو الفلسطيني الميت

                            المهاجر قد يحن إلى الأرض ويعود

                            لهذا ...

                            فأنتم في قرارة أنفسكم

                            تحبوننا قتلى

                            ولكي تتأكدوا من ذلك ...

                            تحبون أن ترونا نتخبط في برك من دمائنا

                            وأفضل الحلول لديكم هي المجازر الجماعية

                            مفعولها أقوى

                            ولكل مجزرة هدفها

                            وقبل أن تفكروا بالهدف

                            تجهزون المبرر



                            (19)

                            تسمون جيشكم جيش دفاع

                            وتعملون بالحكمة القائلة:-

                            "أفضل الدفاع هو الهجوم".

                            أذاً

                            فأنتم حين تهجمون لا تهجمون

                            بل تدافعون



                            (20)

                            تقتلون القتيل منا

                            وتمشون في جنازته

                            وترفضون أن يكون لنا جنازات

                            نمشي نحن فيها



                            (21)

                            لماذا تظاهر أهالي قرية راهط بهذا الشكل؟!

                            لأن الأمر هز مشاعرهم

                            كما هز مشاعر غيرهم

                            ولكن مشاعرهم كانت اكبر من الحدث!!

                            لقد كانوا يندبون أرواحهم

                            إلى جانب أرواح المصلين

                            كيف؟

                            ألم تسمع بالمعزي الذي يبكي

                            أكثر من أهل الميت؟!

                            إنه يبكي على نفسه

                            ولماذا تبكون على أنفسكم؟!

                            نبكي لأننا اكتشفنا أننا كلنا قتلى

                            كنا نحميكم من أنفسنا طيلة نصف قرن

                            فإذا بنا نكتشف فجأة أننا نغوص بدمائنا

                            ونغوص بفقرنا وجهلنا

                            في مستنقعات التخلف

                            رحمك الله يا محمد*

                            يظنون أنهم بك قد قتلوا الإسلام



                            (22)

                            ولكن أين ذهب التعايش بيننا؟!

                            تسميه التعايش؟!!

                            أي تعايش هذا الذي يربط

                            بين القاتل والقتيل؟!!

                            كنا نظن أنكم الجسر

                            الذي سيحملنا إلى العالم العربي بكامله

                            - هذا الجسر ليس سوى كومة قش

                            - أهي الكراهية؟!

                            - لا.وهل تسمون مشاعرنا تجاهكم كراهية؟؟

                            والا، ماذا تسمون مشاعر إيهود أولمرت الذي

                            رفض تأجيل عيد المساخر في القدس

                            مراعاة لمشاعر المواطنين العرب؟؟

                            يمكنك أن تسميه نوعاً من الحبّ المتبادل

                            كلّ طرف يحبّ الآخر بطريقته الخاصة

                            رابين أحب أهالي غزّة حتى الغرق

                            في جوف البحر

                            وجولدا مائير أحبّت الشعب الفلسطيني

                            حتى التلاشي

                            ونحن نحبكم بالمثل

                            فهل تسألني بعد إن كنا لا نحبكم؟!!



                            (23)

                            ها أنتم تقفون بملابسكم الأنيقة

                            في قلب تل أفيف

                            تحملون اللافتات الحضارية

                            هكذا وقفتم بعد مذبحة صبرا وشاتيلا

                            وهكذا ستظلون تقفون

                            بعدد المجازر الآتية عبر الزمان



                            (24)

                            رابين خرج من المجزرة كالشعرة من العجين:

                            "نحن أيضاً نتعرض يومياً للإرهاب الفلسطيني

                            كلّ أسبوع نودّع عزيزاً"

                            إذا ... واحدة بواحدة

                            ولكن...

                            لماذا تعاقبوننا جميعاً

                            إذا تعرّضتم لخطر بعضنا؟؟!

                            وتعاقبوننا جميعاً

                            إذا تعرّضنا لخطر بعضكم؟!!







                            (25)

                            سألني أحدهم:

                            - كم مرّة اعتقلت؟!

                            - بعدد أيام عمري.

                            - كيف؟!

                            - لأنني كنت معتقلاً في رحم أمي

                            - وصرت معتقلاً في السّرير

                            - ثم معتقلاّ في المنزل ..والشارع..والمدرسة..والجامع ة

                            - وما الفرق؟!

                            - الفرق كبير

                            - أنا لا فرق عندي

                            كلّ ما يميّز مكاناً عن آخر

                            هم الأشخاص الذين يرافقونك

                            وكلّ ما يميز زنزانة عن أخرى

                            هو حجمها

                            فهي قد تكون بحجم يساوي ربع حجمك

                            وقد تمتد لتشمل العالم .. كلّ العالم.

                            -أنت تذهلني

                            وما يذهلني أنا

                            هو هذا الجسد الذي يضيق عن روحي

                            أشعر بأن جسدي نفسه قد تحول إلى زنزانة

                            تضغط جدرانها على روحي

                            فتكاد تزهقها

                            ألا من زوبعة تجتاح جسدي

                            فتبعثر أعضاءه وخلاياه؟!

                            ألا من زوبعة تجتاح العالم .. كلّ العالم

                            ثم تعيد صياغته من جديد؟!!!

                            3-5/3/1994م



                            -------------

                            *محمد شهيد قرية لاهط خلال المظاهرة التي انطلقت عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي.



                            أنت وحدك حبيبي


                            ماذا يعني أن يتوهج القلب

                            بحب الوطن؟!



                            معناه أن تلمس ترابه

                            بخشوع ورهبة

                            وأن تصلي شكراً لله

                            حين يتعفر بذراته جبينُك



                            معناه أن تمشي مستنشقاً هواءه برئتيك

                            ومالئا بروعة جماله مقلتيك

                            وأن تذوب فيه وتتلاشى

                            فتصير أنت هو .. وهو أنت



                            معناه أن تمسح بكفّيك

                            الحزن المعشش في مقلتيه

                            وأن تسمع دقات قلبه بأذنيك

                            معناه أن تنام على صدره لترتاح

                            بل أن تدعه ينام هو على صدرك

                            ليشعر بالأمان


                            معناه أن تتّحول إلى شجرةٍ تغني له بحفيف أوراقها

                            حتى ينام

                            وأن تصير فراشة ملونة

                            تحمل له على جناحيها أحلام المستقبل

                            وأن تصير نحلةً تقدّم له عسلها الصافي كلّ صباح

                            معناه أن تنسى كل أحبائك

                            ليظل هو الحبيب الوحيد

                            في قلبك



                            آهٍ أيها الوطن

                            أنت وحدك .. أنت وحدك

                            حبيبي

                            تعليق


                            • #15
                              مشكور استاذي السويدي لتعريفك انا
                              بالفنانة الفلسطينية الرائعة
                              زينب حبش
                              كل الشكر
                              تقبل مروري

                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                              يعمل...
                              X