إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة العالم للشاعر المغربى علال الفاسى

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة العالم للشاعر المغربى علال الفاسى

    اجمل تحية للناس الغاليا عليا
    رسالة العالم للشاعر المغربى
    والقائد الرائع والفدائى المغربى
    علال الفاسى رحمه الله


    و ساعرفكم اولا على الشاعر الرائع

    علال الفاسي أحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين ، التي دعت إلى نوع من السلفية التجديدية لذلك يترافق اسمه مع أسماء مثل : محمد عبده و رشيد رضا ، الطاهر بن عاشور .

    ولد علال في مدينة فاس في كانون الثاني سنة 1910 من أسرة عربية مسلمة هاجرت من الأندلس إلى المغرب، واستقرت في مدينة فاس ، يقال لعائلته : الفاسي ، وأحياناً : الفهري ، نسبة إلى قبيلة بني فهر ، فأبوه عبد الواحد كان من كبار علماء المغرب ، وكان مدرساً في جامعة القرويين، وكان قاضياً ، ومفتياً ، وكذلك كان أجداده من العلماء والقضاة والمجاهدين. و من أهم ما يؤاخد حاليا على علال الفاسي موقفه من المسألة الأمازيغية بالمغرب .
    حياته و أعماله
    هو أحد رواد الفكر الإسلامي ، وبطل النضال الزعيم السياسي والمقاوم الصامد الأستاذ الخطيب الأديب محمد علال ابن العلامة الخطيب المدرس الكاتب المفتي عبد الواحد ابن عبد السلام بن علال الفهري نسبا، القصري ثم الفاسي مولدا ودارا ومنشأ. ينحدر من عائلة عربية عريقة نزحت من موطنها بديار الأندلس إلى المغرب الأقصى فرارا بدينها وعقيدتها من محاكم التفتيش الإسبانية واستوطنت بمدينة فاس تحت اسم بني الجد واشتهرت بآل الفاسي الفهري وساهمت في جميع المجالات العرفانية حيث أنجبت علماء جهابذة وفقهاء نحارير وقضاة بارزين ومؤلفين بارعين.

    ولد علال الفاسي بفاس في أواخر شوال عام1326هـ ولما وصل إلى سن التمييز أدخله والده إلى الكتاب لتلقي مبادئ الكتابة والقراءة ، وحفظ القرآن الكريم على الفقيه محمد الخمسي الذي حباه الله تعالى بالخط الجميل البارع وعلى الفقيه محمد العلمي ، إلى أن حفظه في سن مبكرة، وبعد ذلك نقله والده إلى المدرسة العربية الحرة الواقعة بحي القلقليين بفاس القديم ليتعلم مبادئ الدين وقواعد اللغة العربية ، حيث كان محل عناية فائقة خاصة عنده لكونه الولد الوحيد الذي وهبه الله له، وكان أمله الكبير أن يتخرج عالما من علماء المغرب الأفذاذ، وقد حقق الله تعالى رجاءه فكان مبرزا على أقرانه، مفخرة أسرته، بل مفخرة القرويين والمغرب ، علما ونبوغا وذكاء وعبقرية ووطنية صادقة ومقاومة مستميتة، وكان من جملة القائمين بالتدريس في تلك المؤسسة التعليمية ابن عمه الأستاذ الخطيب عبد السلام بن عبد الله الفاسي.

    وفي عام 1338هـ التحق بجامع القرويين العامر للارتواء من ينابيعه المتدفقة وجداوله الفياضة الزاخرة، فقرأ على الشريف الفقيه محمد بن العربي العلوي المختصر بشرح الدردير، والتحفة بشرح الشيخ التاودي بن سودة، وجمع الجوامع بشرح المحلي، والكامل في الأدب للمبرد، ومقامات الحريري، وعيون الأخبار لابن قتيبة.

    وقرأ على الشريف المفتي الحسين العراقي الألفية بشرح المكودي، والتفسير، وعلى القاضي أحمد بن المامون البلغيثي أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي، وعلى محمد ابن عبد المجيد أقصبي كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، وعلى القاضي عبد الله الفضيلي جمع الجوامع بشرح المحلي ، والمختصر بشرح الزرقاني ، والخرشي والرهوني وبناني ، وعلى الفقيه الرباني أحمد العمراني و الفقيه الشيخ أبي شعيب الدكالي صحيح الإمام البخاري، وعلى الفقيه محمد بن عبد الرحمن العراقي ألفية ابن مالك والاستعارة،

    وعلى الفقيه المعقولي القاضي العباس بناني منظومة السلم بشرح الشيخ بناني ، وعلى الفقيه المحدث محمد بن الحاج السلمي التفسير، وعلى الفقيه محمد بن حعفر الكتاني دروسا من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وسرد الكتب الستة على أبيه وعمه القاضي عبد الله الفاسي . وعلى الشريف السلفي علي الدرقاوي زاد المعاد في هدي خير العباد، وأدب الدنيا والدين، والشمائل المحمدية، وتابع دراسته إلى أن انتهى الموسم الدراسي فظفر بالفوز مكللا بأكاليل النجاح حاصلا على الشهادة العالمية ، وبعد التخرج صار يقوم بدروس تطوعية في مختلف العلوم بجامع القرويين .

    وفي عام 1380هـ عين وزيرا للدولة مكلفا بالشؤون الإسلامية ثم انسحب من الحكومة صحبة رفاقه في حزب الاستقلال وذلك في عام 1382هـ وعين أستاذا بكلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين بظهر المهراز وكليتي الحقوق والآداب لجامعة محمد الخامس بالرباط، وبدار الحديث الحسنية بنفس المدينة ، وكان عضوا مقررا عاما في لجنة مدونة الفقه الإسلامي التي شكلت في فجر الاستقلال . وقد أجيز من قبل والده وعمه الفقيه عبد الله الفاسي وشيخيه العلامتين أبي شعيب الدكالي محمد بن جعفر الكتاني ، إجازة رواية كتابية . و خلف رحمه الله كثيرا من المؤلفات في شتى الموضوعات منها - الحماية في مراكش ممن الوجهتين التاريخية والقانونية - الحركات الاستقلالية في المغرب العربي - السياسة البربرية في المغرب - النقد الذاتي - المغرب العربي من الحرب العالمية الأولى إلى اليوم - حديث المغرب في المشرق - عقيدة وجهاد - منهج الاستقلالية - مفاصد الشريعة الإشلامية ومكارمها - دفاع عن الشريعة - الجواب الصحيح والنصح الخالص في نازلة فاس وما يتعلق بمبدإ الشهور الإسلامية العربية - معركة اليوم والغد - كيلا ننسى - محاضرتان عن مهمة علماء الإسلام - المثل الأعلى في الصدق والثبات وحسن الإنابة - نضالية الإمام مالك ورجال مذهبه - واقع العالم الإسلامي - الإنسية المغربية - صحراء المغرب المغتصبة - الإسلام وتحديات العصر - دفاعا عن الأصالة - في المذاهب الاقتصادية - لفظ العبادة : هل يصح إطلاقه لغير الله - مجموعة أبحاث في الأدب والإجتماع - هل الإنسان في حاجة إلى الفلسفة ؟ - تاريخ التشريع الإسلامي - شرح مدونة الأحوال الشخصية - بحث مفصل عن النظريات الفلسفية المختلفة ومقابلتها بالحرية الإسلامية - مستندات لتاريخ المقاومة المغربية

    هذا زيادة على مجموعة أخرى من الخطب والمحاضرات والمذكرات السياسية والقصائد الشعرية والبحوث والمقالات المنشورة في أمهات الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الدورية. كما أصدرمجلة "البينة"، وجريدة "صحراء المغرب"، و "الحسنى"، كما خط قلمه مجموعة من الكتب باللغة الفرنسية. وقد أسهم رحمه الله بنصيبه في ميدان الشعر الفسيح ونبغ في قرضه في سن مبكرة فنظم كثيرا من القصائد الطوال والمقطعات والأراجيز في مختلف الموضوعات ، من دينية وسياسية واجتماعية وتاريخية ووطنية ثائرة وحماسية نارية مما أهله لأن يلقب بحق وعن جدارة شاعر الشباب ، ويتوج بتاجه الرفيع. يقول رحمه الله في قصيدة "إما حياة
    وإما ممات":

    إلى كم نعيش بدون حياة وكم ذا ننام عن الصالحــــــات؟
    فـوا حسرتاه على حالـنا وماذا استفـــدنا من الحســرات؟
    عرانا الذهــول وياليتــنا عرانا الذهـــــول عن المهلكات؟
    أنبقـى بلا عمـــل نافـــع ونرضى جميعــا بهذا السبـــات؟
    وافته المنية، رحمه الله تعالى، بمدينة بوخاريست عاصمة رومانيا، إثر نوبة قلبية، عشية يوم الإثنين 20 ربيع الثاني عام 1394 هـ\1974م، و نقل جثمانه إلى أرض الوطن، فدفن بمقبرة الشهداء بحي العلو في مدينة الرباط



    الدى ابدع فى شعره وفى عدة مجالات
    اتمنى لكم اوقاتا سعيدة ومواضيع مفيدة

  • #2
    يمتاز الأستاذ علال الفاسي
    ـ رحمه الله ـ، في مجال عطائه الشعري، بعمق شاعريته وصدقها، وطول نفسه الشعري، يدل على ذلك ويصدقه: كثرة شعره وغزارته، واستمرار إنتاجه من صباه إلى آخر حياته.
    والمتأمل في شعر علال ـ على اختلاف أبنيته ومعانيه ومضامينه ـ يجد أنه من حيث المضمون لا يخرج عن المجال الديني والسياسي والاجتماعي إلا قليلاً. وتبعاً لذلك، فإنه من حيث الشكل، لا يكاد يجد فيه أثراً للجمال الفني ورونق الشعر وبهائه، إلا في قصائد معدودة، معظمها ـ أو كلها ـ من قبيل ما خرج عن شعره الديني والسياسي والاجتماعي. وسبب ذلك أن الرجل لم يستخدم شعره لذات الشعر، ولم يجعل منتهى شاعريته أن تخدم الجمال الفني وتبدع فيه، بل إنه جعل غايته فيه خدمة المبدإ الذي يومن به والفكرة التي يعتقد صوابها، والمعنى الذي ينقدح في قلبه وعقله. فهو إذاً شاعر المبدإ، وشاعر الفكرة، وشاعر المضمون، يهمه أن يبلغ غايته ـ في شعره ـ بعبارة واضحة مباشرة، يدركها الجميع، ويعيها الجميع، ويستجيب لها الكثير. وبعبارة جامعة: إنه شاعر رسالة.
    إن العالم الحقيقي الذي يرث سر النبوة وتركتها، هو الذي يجاهد بعلمه ويسهم به في إصلاح المجتمع وبنائه على أساس قيم الإسلام ومبادئه وفضائله ومكارمه، باذلاً في سبيل ذلك فكره ووقته وماله ونفسه. وكذلك كان الأستاذ علال مجاهداً بعلمه على جبهات متعددة، وأشكال مختلفة؛ بنضاله السياسي، وإصلاحه الاجتماعي، وتدريسه، وتأليفه، وخطابته، وشعره. فالشعر ـ إذاً ـ جبهة من جبهات جهاده العلمي، وأداة من الأدوات التي اعتمدها في أداء رسالة العالم، ومن ثم لم يهتم بمظاهر الجمال الفني، والرونق الأدبي، إلا ما جاء من ذلك عفواً وسجية، وكأنه أحس ذلك واستعد له منذ طفولته حين قال في إحدى قصائده المبكرة

    وما أنا ذو الشعر الذي طار صيته
    فآتي بالسحر الحلال تحديا
    ولكـنـني طـفــل تـسيـل دمـوعـــه

    وردده من لا يزال مناغيا
    وأنظم من شعري عقوداً غواليا
    فينـظـمـهــا للقـارئــين قــوافـيـــا



    ولقد كان الشعر أول وسيلة سلكها علال الفاسي في طريقه الجهادي والحركي والنضالي، وكان الشعر أول وسيلة اشتهر بها في مجتمعه وبين قومه، شاباً يحب الإصلاح والتغيير والبناء والتجديد لوطنه وأمته، واستمر يعتمد هذه الوسيلة إلى آخر حياته... خمسون عاماً ـ إذاً ـ كانت مملوءة بالعطاء الشعري الذي وقفه على خدمة دينه ووطنه وأمته.
    ومنذ أن فتح عينيه في الدنيا، وجد نفسه في مجتمع يعبث به الاستعمار، وينعم بخيراته، ويستنزف دماء أبنائه ويستعبدهم، فأدرك خطورة الوضع ومرارة الواقع، فأعد نفسه وجندها لخوض المعركة وأداء الرسالة، وكانت صرخته الأولى هي تلك القصيدة التي بث فيها لوعته وتحسره على أمته المنكودة، وأمله في تحريرها من سلطة الاستعمار، واستعداده لإنقاذها بما يملك من نظر بعيد، ونفس لا تقبل الضيم ولا ترضى الظلم. يقول([3]) في مطلع هذه القصيدة وهو حينئذ ابن سبع عشرة سنة:

    أبعد مرور الخمس عشرة ألعب
    ولي نظر عال ونفس أبية
    وعندي آمال أريد بلوغها
    ولي أمة منكودة الحظ لم تجد
    قضيت عليها زهر عمري تحسرا
    ولا راق لي نـوم وإن نمـت سـاعـة

    وألهو بلذات الحياة وأطرب
    مقاماً على هام المجرة تطلب
    تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب
    سبيلاً إلى العيش الذي تتطلب
    فما ساغ لي طعم ولا لذ مشرب
    فـإنـي عـلى جـمر الغـضا أتـقـلب


    وإلى جانب تحسره على أمته المنكودة المنكوبة، فهو يتألم ويتضجر من أصحاب النفوس الصغيرة الذين يشغلهم متاع الدنيا عن أن يفكروا لتخليص البلاد من حكم المستعمر، ويجاهدوا في سبيل ذلك. ومن ثم فهو يتوجه إلى الشباب مثله ويعقد آماله عليهم في تحرير البلاد والعقول وردها إلى قوتها ومجدها. يقول في القصيدة نفسها


    وما ساءني في القوم إلا عقولهم
    وكنت أرى تحت العمائم حاجة
    بـلـوت بـني أمـي سـنيـن عـديــدة

    وظنهم أن المعالي تذهب
    فما هي إلا أن يروم المرتب
    فـألفـيت أن النـشء للخـير أقـرب



    ولما كان الشباب هو البديل المرتقب، والمادة الصالحة لحمل راية الجهاد، والمعول عليه في الشدائد والصعاب، راح الشاعر علال يشحذ عزائمهم وينهض هممهم ويذكي فيهم روح الجهاد ويعدهم ليوم الكريهة بالتكوين العلمي والثقافي من جهة، والتحميس العاطفي من جهة ثانية. يقول في قصيدة أخرى مبكرة يخاطب بها الشباب وهو دون العشرين من عمره

    كل صعب على الشباب يهون
    قدم في الثرى وفوق الثريا
    قد حسبناهم رجالاً فكانوا
    مثلوا ما مضى لهم من فخار
    لــيرى كـيـف ضـاع عــزم وعــز

    هكذا همة الرجال تكون
    همة قدرها هناك مكين
    ولهم في الحياة مغزى ثمين
    ليرى ما أتاه دهر خؤون
    وعــرا بـعــــده فــتـــور وهـــون

    تعليق


    • #3
      وفي سياق هذه الروح الحماسية التي يزرعها في الشباب، يذكرهم بجهاد الآباء وقوتهم وجرأتهم على الأعداء فيقول

      أين ضاعت عزائم ونفوس
      أين آباؤنا وأين حماهم
      أين من دوخوا الفرنج ودالت
      لتـسـل عـنـهـم الفـرنـجـة تخـبـــر

      أين ضاعت معارف وفنون
      أين ساحاتهم وأين الحصون
      لهم الهند عن رضى والصين
      ك إذا اشـتـدت الحـروب الـزبــون



      ثم يمضي في قصيدته مخاطباً الشباب

      يا شباب البلاد أحييتمونا
      قـد بعـثـتـم رجـاءنــا فـأديـمــــوا

      فلنا فيكم رجاء متين
      سـيركم واعـملـوا ولا تسـتكيـنـوا


      يا شباب البلاد فيكم أحيي
      يا شبـاب الـبــلاد فيـكـم أحـيــي

      همماً علقت عليها الظنون
      كل شـهـم بــمـا يـفـيــد يــديــن


      ويقول في صرخة حماسية مبكرة يبث فيها توجهاته النضالية وطموحه الجهادي، معولاً فيها على الشباب، معبراً فيها عن عقيدته التي يجاهد من أجلها ومبدئه الذي لا يتزحزح عنه، وهو ابن سبع عشرة سنة([8]):

      ولي أمة غصبت حقها
      وأنفخ في نفسها نهضة
      وألقي على نشئها نظرة
      فتبلغ ما أبتغيه لها
      فلي مبدأ سوف أخدمه
      وليس علي إذا غضبوا
      سيكفيني الله شرهم
      وإنــي عـلـى مـبــدئــي ســائــــر

      سأخدمها بسنا الخدمات
      تروق على سائر النهضات
      ترقي البنين وتعلي البنات
      وما يرتجيه جميع الحماة
      وأبلغه رغم أنف العداة
      وكانوا الوشاة وأردى الوشاة
      وهل مثلهم يرد العزمات
      فـــإمــا حــيـــاة وإمـــا مـمــات


      وفعلاً، فقد ظل علال الفاسي سائراً على مبدئه، مستمسكاً بعقيدته ومدافعاً عنها،مجاهداً في سبيل دينه إلى آخر حياته، لم يغير من ذلك ولم يبدل، ولم تؤثر فيه التهديدات ولا الإغراءات، يصدق هذه الاستمرارية والثبات على المبدإ قصائده وصرخاته التي جادت بها قريحته في آخر حياته، من ذلك قوله في قصيدته التي نظمها قبل وفاته بنحو عام

      بني العرب الكرام ألا رجوعاً
      كـفـى استبدادكم في الحكم نهجاً

      عن الطغيان والنظم الشديده
      على ما سـنـت الــدول الـعـتـيـده


      على نهج اليمين بما لديه
      وفي نهج اليسار لقد قبلتم
      ألا عودوا إلى الإسلام إنا
      نجدد أمرنا منه ونحيي
      فمنه نعيد للإنسان طرا
      ونبني منه حكماً مستقيماً
      ديمقراطية الإسلام أسمى
      يراقبها الضمير وروح شعب
      فلا ترضى بغير العدل حكماً
      وليس لها سوى تدبير عيش
      وصون الدين والدنيا جميعاً
      بني قومي نصحتكم هلموا
      وجـدوا في نـضـالـكــم تـجـــدوا

      من التأييد للفكر البليده
      جحوداً منه واخترتـم جموده
      نراه حل أزمتنا المبيده
      معالمه المنيرة والمشيده
      كرامته وعزته المريده
      على أسس منظمة جهيدة
      حكومات بما التزمت عهوده
      عليها في تصرفها شهيده
      توطد من شرائعه قيوده
      وحفظ مصالح الشعب الأكيده
      وحفظ كياننا بيد حديده
      إلى الإسلام والتزموا بنوده
      حيـاتـكـم كـمـا بــدأت سـعيــده

      تعليق


      • #4
        فانظر إلى هذه الصرخة التي أسمعها قومه وهو في آخر عهده بالدنيا، وقارنها بصرخاته الأولى المبكرة التي دوى بها في مجتمعه وهو فتى ابن سبع عشرة سنة، تجد أنها متكاملة متناغمة، ينظمها نسق واحد وعقد واحد ويستوعبها وعاء واحد ومعدن واحد أصيل.
        لقد شب علال وتربى على الإيمان بالمبدإ والثبات عليه، وربى الشباب على الثبات والصبر، وظل في شعره يدعو إلى ذلك. من ذلك مثلاً قوله في قصيدته التي قالها وهو ابن 23 سنة([10]):

        ثق يا بلادي أني ما أزال على
        أنا الأبيّ الذي لا يستكين إلى
        ما أن تلـين قنـاتـي عـنـد معـضلـةٍ

        ما كان عندي من عزم وإيقان
        ضيم ولا يختشي من كيد إنسان
        ولا يضعضـع ركـني عنـد بـهـتـان
        أنا الوفيُّ لشعبي والمدافع عن
        لا يحسب القوم أن النفي يرجعني
        أو أن عزمي يهوي في مؤامرة
        ما النفي ما السجن بل ما الموت في وطنٍ
        وطدت نفسي على ما كان من زمنٍ

        قومي بكل يد عندي وعرفان
        عن مبدإ حل في روحي وجسماني
        قد دبرت من فرنسي وإسباني
        ما زلت أرعاه إخلاصاً ويرعاني
        فلست أخشى على عزمي وإيمانـي


        وبهذه الثقة والثبات والرسوخ على المبدإ يخاطب قومه وأبناء وطنه من منفاه وهو ابن 28 سنة في قصيدة أخرى قائلاً([11]):

        ويا وطني إن صرت عنك مغربا
        لقيت بك الآلام لكنني على
        وحسـبي هنـاءً أن أكـون مـعـذبـا

        فحبك في قلبي يقيم على المدى
        هواك مقام مخلص لك في الفدا
        لتنـعم بالـعيـش الهــنـيء وتسـعـدا


        ولا يفوته في هذه القصيدة أن يذكر أبناء قومه بما تحملوه من أمانة، وأنه متأكد من ثباتهم على المبدإ، وله يقين وثقة بالله أنه سيحقق آماله:

        ولي ثقة في الشعب لابد أنه
        سيبقى على ما قد رفعنا أساسه
        وَعِـنْـدِيَ في الله اليـقــينُ بــأنَّــــهُ

        سيعمل للمبدا الذي قد تقلدا
        ويسلك في النهج الذي قد تعبدا
        يحــقـق أمــالاً ويـبلــغ مـقـصـــدا


        وإلى جانب رسوخه وثباته على القيم والمبادئ، وصبره وتحمله من أجل ذلك، فهو عزيز النفس، أبيّ، لا يقبل الضيم ولا يرضى بالدّنية، مستعد لتحمل الشدائد والمحن المادية والمعنوية دون أن يرضى بأن يكون محل إشفاق وعطف ولا أن يشمله جميل أحد أو صنيعه:

        إني لأقبل موت الجوع معتزماً
        ولست أقـبـل في الـلأْوَاءِِ أحملـهـا

        كي لا أكون محل البذل والصدقة
        أنـي أكـون محل العطـف والشفقـة


        وهو يوطن نفسه للدفاع عن وطنه وبذل ما يملك في سبيل حمايته وجلب كرامته حتى ولو تخلى عنه الجميع. فهو مستعد ليفدي بلاده بنفسه وروحه ولا يقبل أن يشاركه في هذه المكرمة أحد:

        إني لأقبل بذل النفس في وطني
        ولست أقبل فيبذلي مشاركة
        أموت للمغرب الأقصى على ثـقـة

        كي ما يتم به كوني فنتحد
        بل أبتغي بـفداه الدهر أنفرد
        أن لن يموت معي من موطني أحـد



        فهو ـ إذاً ـ لا يسمح لنفسه أن تكون دون منزلة العزة والإباء والاستعلاء في الحق والقوة والثقة بالنفس التي مأتاها الثقة بالله عز وجل. وقد أدرك برسوخه في هذه المنزلة واستقراره في هذا المقام، أنه لم يخلق لنفسه، وإنما خلق لدينه ووطنه، خلق من أجل الجهاد والتضحية لترسيخ القيم الإسلامية في مجتمعه وبنائه عليها بناء محكماً مرصوصاً لا تمتد إليه الأيدي ولا تؤثر فيه المعاول. وقد بث هذه المعاني السامية في كثير من قصائده، منها قوله في قصيدة : "نموت ويحيى الوطن"([12]):

        لذة الموت حياة الوطن
        هو بغياي التي أطلبها
        أنـا لم أخلــق لنـفسـي إنمــا

        وفداه من صروف الزمن
        وهو لي كل فخار أبتني
        أنـا مخـلـوق لأجــل الـوطـن


        وهي معان كبيرة وقيم سامية استقاها من معدن الإسلام ورضع لبانها من ينابيعه، واستخلصها من قيمه وفضائله ومكارمه، واستوعبها من مادته ومضامينه، فصاغ نفسه منها، وبنى ذاته على أساسها، وراح يبثها في قومه ويبني نفوسهم عليها، إعداداً لأمة الجهاد التي تدافع عن دينها ووطنها، وتحمي دماءها وأعراضها وأموالها من يد العدو الغاشم، والمستعمر الظالم، ونظمه وقوانينه وقيمه التي ميع بها الأخلاق وأفسد بها المبادئ والمثل، وعلمانيته التي مزق بها شمل الدين والأمة، وحال بها بين الدين والدنيا، وبين الشريعة وحكم الحاكمين، فأصابها بذلك وهن وضعف وخور عميق راحت تلتمس جبره في الحلول الغربية الملفقة، وترجو ضماد جراحها في الاستسلام لهيمنة الغرب والانحناء أمام سوطه وقضيبه! فأدرك علال أن من لوازم رسالته ورسالة غيره من العلماء: تحريك الأمة المنكودة المستعمرة، وتحريضها على الجهاد والدفاع عن كرامتها وسيادتها، ودفعها بقوة إلى التحرر من سلطة الاستعمار وطغيانه المادي والمعنوي.
        لقد أدرك علال أن أمته غزيت غزوين خطيرين: غزواً مادياً عسكرياً سياسياً، وغزواً فكرياً عقدياً ثقافياً إعلامياً؛ وأن التخلص من الغزو الأول رهين بقومة الأمة، وجمع شملها، ووحدة بنائها، وترصيص صفها، لأن في ذلك قوتها وصلابتها، ولأنها بذلك عزَّت وانتصرت في سابق مجدها. ومن ثم ركز السيد علال في تخطيطه لتحرير بلاده من هذا الغزو العسكري والسياسي على الدعوة إلى الوحدة والتعاون والانصهار في قيم الإسلام ومبادئه، والتجند الجماعي لحماية الإسلام وتحقيق مصالحه. يقول مقرراً هذه المعاني في قصيدته الملحمية التي نظمها بمناسبة ذكرى معركة وادي المخازن([13]):

        بـني وطـني مـاذا دهـاكـم فصرتـم
        أعيدوا لهذا الشعب ماضي مجد
        ولا تدعـوا الأعـداء تعبـث بـيـنـنـا

        إلى فرقة مبغوضة وتطاحن
        وكونوا لنصر الحق خير مثابن
        وتخـلـق فـيـنا موجبـات الـتـبـايــن


        فمغربنا في حاجة لاتحادنا
        ألسنـا بني الإسـلام والوطـن الـذي

        لنكسب حقاً ضائعاً في التشاحن
        توحـد بـالإسـلام بـين الأمـاكـن؟


        وهذه الوحدة التي يدعو إليها مشروطة عنده بتوحيد العقيدة والتوجهات الكبرى، وتوحيد الأغراض الكبيرة التي تتطلع إليها النفوس. وفي ذلك يقول ضمن ملحمته السابقة([14]):

        إذا نحن وحدنا العقيدة واستوَتْ
        أصيخوا بني قومي لدعوة ناصح
        فهـذا نـداء الحـق مـن كـل جانب

        مطامحنا نلنا السها بالميامن
        حريص على الإصلاح بالحق آمن
        يــردده أبــطــال وادي المـخــازن


        وأما التحرر من الغزو الفكري والثقافي والعقدي فطريقه أشق، ومصاعبه أشد. لذلك جاءت صرخاته فيه أعمق وأعلى صوتاً، لأن الأمة قد تحقق التحرر والاستقلال السياسي، لكنها تبقى مستعمرة فكرياً مشدودة إلى جهة المستعمر منبهرة به منصهرة في بوتقته ذائبة في شخصيته وذاته! وهذا أشد وأنكى من الغزو الأول. لذلك دعا الشاعر علال إلى التخلص من ضواغط الغرب وكسر قيوده، والتحرر الكامل من التبعة له. ونعى على أذنابه الذين ورثوا مخلفاته واستحفظوا على تركته ومتابعة سبيله التي سلكها بيده. وشنع على النابتة التي نبتت في أحضان الاستعمار وشبت على عينه ونُشِّئَتْ في حجره ويده! في مثل هؤلاء يطلق شاعرنا صرخته الشعرية، وأغرودته الشعورية الوجدانية التي سماها: ”أغنية من الباطن“ نفث فيها زفراته التي انبعثت من أعماقه وأطلق فيها ثورة بركانية على نفر من أبناء المغرب وَالوا الأجنبي المحتل، واستمرأوا الذل والهوان، وعقدوا أنفسهم على الهزيمة، ورضوا بالفشل، واستسلموا لليأس، وقبلوا أن يكونوا من الأتباع الأذلة الذين لا يرون إلا ما يراه السادة الحاكمون حقاً كان أو باطلاً، هذه الفئة التي يوجه إليها صرخته وثورته هجرت لغتها، وانبهرت بلغة المحتل، فأصبح لسانها غريباً في وطنها وعن أمتها، وهي أيضاً رضيت بحكم الأجنبي، وتخلت عن فكرة التحرير، فانساقت وراء ما يريده المحتل، مبررة ذلك بأسماء براقة من التقنية والتحرر والتقدمية…. وأكثر من ذلك فهي قد رضيت أن تكون حرباً على كل ما من شأنه أن يؤكد شخصية الأمة ويبعث فيها روح المقاومة للمعتدين والمحتلين، فحاربت بذلك دين الأمة الذي تؤمن به وتحتكم إليه، وزرعت في البلاد مقابل ذلك قوانين المستعمرين وأحكامهم ونظمهم، وقاومت المعاهد الإسلامية وخصوصاً جامعة القرويين التي كانت رمز الحفاظ على كيان الأمة، ونشرت مقابل ذلك مدارس التبشير وشجعت المذاهب المنحرفة التي تدين بالولاء للمحتلين كالبهائية والصهيونية. وفي الأخير، ينفي الشاعر علال أن تكون هذه الفئة ذات انتماء قومي مغربي وديني إسلامي، ويصفها بالخروج عن الأمة، ويعتبرها عدواً مع الأعداء، ويدعو إلى نبذها ومقاطعتها. يقول الشاعر علال في أغرودته هذه([15]):
        قولوا لنا:
        هل أنتم من قومنا؟
        من شعبنا، من أرضنا؟
        قولوا لنا:
        هل أنتم من ديننا؟
        من جنسنا من أهلنا؟
        أم أنتم الإفرنج من أبناء غال؟
        وتراثكم من غيرنا؟
        قولوا لنا:
        إن كنتم من قومنا، فعلام لا ترضون أن تتكلموا بلساننا؟
        وعلام في كل المجالس تنطقون
        تتحدثون وتدرسون وتكتبون
        كأعاجم لا يعرفون من الكلام
        سوى لغات الفاتحين؟
        وتفرنسون شبابنا وبرامج التعليم
        ومناهج التفكير والأبحاث والتدوين
        وعلام لا ترضون بالعربية الفصحى
        لغة الإدارة والدراسة والشؤون
        قولوا لنا:
        مع ذلك هل أنتم لنا
        من قومنا
        قولوا لنا.
        * * *

        إن كنتم من شعبنا فعلام لا تتحررون
        تتحالفون مع الأجانب في ابتزاز متاعنا، أموالنا، خيراتنا
        وتدافعون عن الرواسب، رأس مال الأجنبي
        وتفضلون تراثه ورجاله ومعلميه
        وتخلدون الهيمنات الأجنبية والتسلط باسم ما تدعونه بالتقنيه
        تتحالفون لأنكم تخشون شعباً أنتم منه؟ كذلك تدعون
        قولوا لنا. مع ذاك هل أنتم لنا، من شعبنا قولوا لنا.


        * * *

        إن كنتم من أرضنا فعلام لا تستعجلون
        رد الأراضي من يد المستعمرين
        وإلى يد الفلاح مزدرع الحقول
        بفتات ما يرضى به المستعمرون
        وذوو الحمى من قومنا، والغاصبون الأرض للفلاح باسم الحوز، حوز الظالمين
        وعلام لا تستعجلون خروج جيش الأجنبي
        وتحررون قواعد الوطن العزيز
        قولوا لنا: إن كنتم من أرضنا فَعَلاَمَ لا تتقدمون، وتنظمون نضالنا
        لنرد ما أخذوه، من أقطارنا، صحرائنا
        ولنخرج الإسبان من تلك المدائن سبتة ومليلية ومن العيون
        ولنسترد لأرضنا وادي الذهب
        ومن الجيوب لدى الشمال وفي الجنوب
        مع ذاك هل أنتم لنا؟
        من أرضنا

        تعليق


        • #5

          قولوا لنا: إن كنتم من ديننا فعلام لا تتحاكمون إلى شريعة ديننا
          وتفضلون الأجنبي إذا تشرع أو حكم؟
          وتقاومون معاهد الإسلام
          وعلومه وثقافة الإسلام في أسمى أصالة
          وتراثنا السامي وجامعة بناها الأولون
          وتتابعت في رفع رايتها القرون
          وتفجرت منها العلوم وكل شيخ قائم بالدرس، بالتفكير والإبداع
          والتنوير والتبشير بالدين الحنيف
          ويرفع ألوية الحضارة في أفريقيا
          وينقل معرفة الجدود إلى أوربا الجاحدة
          وتشجعون مدارس التبشير والتنصير
          ومعاهد المتهودين
          ومراكز البعثات
          وتسامحون مبشري الزيغ الجديد
          زيغ البهائية الحقود
          حلف الصهاينة الكنود
          ودعاة كل الهرطقات وكل تحريف وهدم
          والريب والتجريد والعدمية
          مع ذاك هل أنتم لنا؟ من ديننا؟
          قولوا لنا: هل أنتم من ديننا؟ من قومنا؟ من شعبنا؟ من أرضنا؟ قولوا لنا!
          * * *

          وقد أدرك شاعرنا علال بوعيه السياسي والاجتماعي والثقافي أن العدو المحتل بات مؤكداً عنده أن مأتى الاحتلال ومدخل الغزو في الأمة الإسلامية كافة هو ضربها في دينها وقرآنها ولغتها، وإحداث قطيعة بينها وبين هذه الأصول التي بها ترتبط حضارتها وقوتها وكيانها. فراح يصرفها عن ذلك ويربطها بنواقضه، مستعملاً في ذلك كل ما يملك من الوسائل والإمكانات، ومجنداً له كل طاقاته. ومن ثم فإن شاعرنا لم يفته أن يعي بهذا المخطط الرهيب، ويتفطن لهذه المؤامرات المرعبة، فجعل ضمن صرخاته الجهادية الثورية: الدعوة إلى الحفاظ على القرآن واللغة العربية، لأن حفظ اللغة العربية يضمن حفظ القرآن، وحفظ القرآن يضمن حفظ الدين، وحفظ الدين يضمن حفظ شخصيتنا وهويتنا الحضارية وكياننا الآدمي وسيادتنا الإسلامية العليا. يقول ـ رحمه الله ـ في قصيدته ”اضطهاد لغة القرآن“([16]):

          إلى متى لغة القرآن تضطهدُ
          أما دروا أنها في الدهر عُدَّتُهم
          ولن تقوم لهم في الناس قائمة
          إن لم تتم لهم بالضاد معرفة
          إن العقيدة في الأوطان ناقصة
          وكيف يصغون للأعداء تذكرها
          تـآمــروا وأعــدوا كــل مـدرســة

          ويستبيح حماها الأهل والولد
          وما لهم دونها في الكون ملتحد
          أو يستقيم لهم في العيش ما نشدوا
          أو يكتمل لهم في الضاد معتقد
          ما لم تكن للسان الشعب تستند
          وأصل ما وصفوه الحقد والحسد
          بـها قـواعـد الاسـتعـمـار تـقـتـعد



          تعلم الجهل بالماضي الذي صنعت
          وتنكر اللغة الفصحـى وما نظمـت

          يد العروبة والآتي الذي تعد
          من المعـاني وفيـها العـلـم والرشـد


          ويستمر في صرخته هذه مندداً بالعدو الكائد، موعياً بمخططاته ومؤامراته على لغة الإسلام، ناعياً على المتقاعسين العاجزين الذين ماتت فيهم الغيرة على دينهم ومقدساتهم، ثم يوجه فيها خطابه إلى الحكومة ويحملها مسؤولية حماية اللغة العربية والدفاع عنها من ضربات العدو وأتباع العدو([17]):

          قل للحكومة والأيام شاهدة
          عودي إلى خطة ترضى البلاد بها
          وحرري الضاد حتى يستبين لها
          عار رواسب الاستعمار نكلأها
          عار قد استعجمـت أقوالنا وغدت

          عودي إلى الحق لا يصددك منتقد
          ويستقيم بها للملة الأود
          مجالها الحر لا قيد ولا صفد
          وعندها الجهل والإذلال والكمد
          أفـكـارنـا بمعـانـي الخصـم تـتحــد


          ولم يكن يغيب عن شاعرنا أن مسؤولية حماية اللغة والدفاع عنها، وجعلها لغة التعليم والتدريس والإدارة، غير مقصورة على الحكومة بل هي مسؤولية الشعب أيضاً وأمانة في عنق أبنائه عليهم أن ينهضوا بها ويطالبوا بحقوقهم فيها ويقوموا لها قومة رجل واحد([18]):

          الأمر للشعب فليعلن إرادته
          إنا بني الوطن الأسمى الأُساةُ له
          من لا يؤدي إلى الأوطان واجبه
          هبوا بني الوطن الأسمى إلى عمل
          وناصروا الضاد في كل المواقـف إذ

          وكلنا طاعة للأمر يعتمد
          والجند للضاد نحميها ونجتهد
          فهو العدو فما ترضى به البلد
          من شأنه الفوز للأوطان والرَّغَدُ
          من فـوزها غايـة التحريـر تـمتـهـد


          وبهذه الروح نفسها يطلق صرخاته دفاعاً عن القرآن، ودعوة إلى الاستمساك به والحفاظ عليه، لأن في ذلك حفظ الدين وإقامة شرائعه وأحكامه. فالقرآن دستور المسلمين، وأصل تشريعهم الرباني. يقول ـ رحمه الله ـ ضمن قصيدته الطويلة التي نظمها بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على نزول القرآن الكريم([19]):


          يا أمة قرآنها دستورها
          عودي إلى الدين الحنيف عقيدة
          ما في سوى القـرآن خـير يـجتـبـى
          الله خَارَكَ للرسالة فانهضي
          ميراث أحمد دينه وكتابه
          قل للذين رضوا ثقافة غيرهم
          أيليق أن تبقى العروبة بيننا
          جربـتــم دعـوات غــيـر مـحمــد

          وزعيمها كان النبيَّ المرسلا
          وشيعة وتخلقاً وتعقلا
          أو في سـوى الإسـلام نهـج يبتلـى
          لتواصلي عمل الجدود الأولا
          لك عدة تغنيك عما أعملا
          وتصوروا الإسلام عهداً قد خلا
          جسدا بلا روح ولفظاً عطلا
          ماذا جنيتـم هل عقدتـم مـوصـلا؟


          وفي أجيج هذه الصرخات الشعرية المحركة، لم يفت شاعرنا علالاً أن يخص بعطفه وحنانه الفئات المستضعفة في مجتمعه، فيطالب بحقوقها ورفع الحيف عنها، وصرف الاهتمام والعناية إليها مسوية بينها وبين سائر فئات المجتمع حتى يكتمل البناء وتلتحم الصياغة. وينصب اهتمامه على الفلاح والمـرأة بوجه خاص:
          أما الفلاح، فلأنه العنصر الذي قاسى كثيراً، وظلم كثيراً، وأعطى كثيراً، وأخذ قليلاً. يقول رحمه الله ضمن قصيدته ”الفلاح المغربي“ ([20]):

          ويح حال الفلاح أصبح عبدا
          نــزعــوا أرضــه وغـلــوا يــديـــه

          وغدا عيشه عناء ونكدا
          سلـبـوه الـعـيـش السـعـيــد الأودا


          كل يوم تصيبه نكبات
          صار مرمى استغلال كل قوي
          يطلب الحاكم الضيافة منه
          ويـرى القـائــد "التويــزة" شـرطـا

          جعلته إلى النوائب قصدا
          ومجالاً للنهب من يتصدى
          وهو للضيف لم يكن مستعدا
          لحـيــاة الــفـــلاح لا يــتــعـــدى


          ويمضي في صرخته إلى أن يقول مخاطباً المستنزفين والمستغلين والغاصبين، مذكياً في نفوس الفلاحين روح الغيرة على الكرامة والدفاع عن النفس وحقوقها:

          أيـهـا الآكـلــون مــن عــــرق الفـــــــــــلاح أنـى تــرون في العـيـش رغـدا
          أيها السالبون نوم بنيه
          أيـهـا الـهـازئـون من دمعـة الـشـا

          اهجعوا سوف يبدل النوم سهدا
          كي ستغدو الدموع حقـداً وكيـدا


          إلى أن يقول:

          أرجعوا أرضه التي قد نزعتم
          نحـن قــوم تـعــودوا الصـبر أحـيـا

          وامنحوه الحياة ذلك أهدى
          نــا ويـغــدون في الوقـائـع أســـدا


          وأما المرأة، فقد دعا إلى تعليمها وتربيتها وإعدادها لوظيفتها الاجتماعية إلى جانب أخيها، وتحريرها من رواسب الجاهلية ومخلفات الاستعمار. ولعله بذلك أول من دعا إلى ذلك ونادى به في المغرب؛ يقول ضمن دعوته هذه ([21]):

          يا قوم ما هاتي الجهالة منكم
          البنت مثل الطفل إن أصلحتها
          ربوا الفتاة على المعالي إنها
          البـيـت عمدتـه الـفـتـاة فـإن تــدم

          إني أرى سيل التعصب مفعما
          صلحت، وإلا كنت أنت المجرما
          إن هذبت تلج السبيل الأقوما
          في الجهل أضحى ذا العماد مهدمـا


          هكذا إذاً عاش الشاعر علال مجاهداً بشعره كما جاهد بعلمه ونضاله، وجعل من شعره الصادق الواضح أداة من أدوات رسالته التي عرف وزنها وقيمتها وقدرها حق قدرها. إنها رسالة العالم في حياته وواقعه ومجتمعه وأمته، إنها أمانة الجهاد والإصلاح والتغيير والبناء الحضاري، التي أناطها الله بالعلماء ورثة الأنبياء. ولقد أدى الرسالة وبلغ الأمانة ما وسعه ذلك، وجاءت رسالة العالم في شعره ـ كما رأينا ـ مشتملة على الأصول الآتية:

          1 ـالدعوة إلى الحفاظ على الإسلام والاستمساك به والالتزام به عقيدة وشريعة؛
          2 ـ الدعوة إلى الحفاظ على القرآن واللُّغة العربية؛
          3 ـ الدعوة إلى الاستقلال والتحرر من التبعية والغزو الغربي المادي والمعنوي؛
          4 ـ الدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية وترصيص صفها؛
          5 ـ الدعوة إلى الصبر والثبات والرسوخ على قيم الإسلام ومبادئه؛
          6 ـ الدعوة إلى شحذ العزائم، والتربية على العزة الإيمانية والاستعلاء في الحق؛
          7 ـ الدعوة إلى رد الحقوق إلى أصحابها المهضومين المستضعفين؛
          وقد جمع هذا كله في مقطع من قصيدته الطويلة: ”توقيعات الذكرى“ ([22]):
          كفاحاً إلى أن تنال البلاد، وشعب البلاد، جميع الحقوق
          يميناً بحق الشرف
          لنجلي الأجانب عن أرضنا
          ونسترجع المغتصب
          نعيد إلى الشعب سلطته
          نعيد إلى الفرد حريته
          نعيد لعاملنا رزقه
          نجدد للفكر قيمته
          نعيد إلى الدين حرمته
          نعيد إلى الضاد مركزها
          ونخلص للأمة العربية
          ونعمل للوحدة العربية
          عليكـم بني وطـني أملي فسيروا معي إنني معكم
          بـني وطـني وبــني أمـتي إلى ساحة العمل الملتقى

          وإذا كان الأستاذ علال الفاسي قد تواعد بني وطنه وأمته ساحة العمل، في قصيدته هذه التي نظمها قبل وفاته بنحو ثلاث سنين، فإني أقول محيياً إياه ومكبراً جهاده ونضاله وبطولته([23]):


          صَرَخْتَ... فَأَسْمَعْتَ كُلَّ بَعِيدٍ
          وَغَذَّيْتَ بِالفِكْرِ مَنْ قَدْ أَتَى
          وَأَعْدَدْتَ جِيلاً سَوَاعِدُهُ
          فَنَمْ آمِناً بِدِيَارِ البِلَى
          ويـُـبْــصِـــرُ كُـــلٌّ نِـهَــــايَــتَــــهُ

          وَنَادَيْتَ بِالقِيَمِ السَّامِيَه
          يُجَلْجِلُهَا صَرْخَةً عَالِيَه
          تُلَوِّحُ بِالرَّايَةِ الْقَانِيَه
          غَداً نَلْتَقِي الفِئَةَ البَاغِيَه
          وَتَـرْجِــعُ أَنْـفُــسُـنــا رَاضِـيَـه

          تعليق


          • #6
            اتمنى ان يروقكم موضوعى

            وتستمتعون باروع الاشعار

            لقائد وشاعر اروع

            علال الفاسى رحمة الله عليه

            تعليق


            • #7
              الاخت العزيزة ملاك البستان

              وألهو بلذات الحياة وأطرب
              مقاماً على هام المجرة تطلب
              تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب
              سبيلاً إلى العيش الذي تتطلب
              فما ساغ لي طعم ولا لذ مشرب
              فـإنـي عـلى جـمر الغـضا أتـقـلب

              قائد عظيم وشاعر رائع تعرفنا عليه من خلال موضوعك الممتاز
              اكيد تعبتي في بحثك ومجهودك لعالم عربي من مدينة فاس قد لايعرفه الكثيرون
              أحيي مجهودك المميز وموضوعك المتميز
              بس احس ان موضوعك طويل شويه



              عاشق الروح

              تعليق


              • #8
                اهلا بك اخى عاشق الروح

                منورنى كالعادة مرسى لك

                الموضوع طويل لان الشاعر

                شخصية غير عادية ولها مشوارها

                الطويل والحافل بالاشعار الرائعة

                فى كل المناسبات ولدلك وجب

                عليا التعريف به وتقديم اشعاره

                ولو انها ليست كلها لكنه يستحق

                رحمة الله عليه وعلى كل المسلمين

                تعليق


                • #9

                  الغاليه
                  ملاك البستان
                  على اثرائنا بهذا موضوعك الجميل
                  عن الشاعر المغربى علال الفاسى
                  وامتاعنا باجمل اشعاره
                  تسلم يدك

                  تعليق


                  • #10
                    اشكرك اخى الغالى ملك

                    على زيارتك الحلوة

                    وتشجيعك الاحلى

                    منورنى دايما

                    تعليق


                    • #11
                      الغاليه ملاك البستان
                      شكرا لك على المجهود الكبير
                      لتعريفنا بالشاعر و القائد المغربى الكبير
                      علال الفاسى
                      تسلم ايدك

                      تعليق


                      • #12
                        موضوع رائع تسلمي اختنا ملاك
                        و رحم الله استادنا علال الفاسي

                        تعليق

                        مواضيع تهمك

                        تقليص

                        المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                        المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                        المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                        المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                        المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                        يعمل...
                        X