هوامش على دفتر الثورة
محاولة للفهم
منذ اللحظة التي أعلن فيها مبارك تخليه عن السلطة
في 11 فبراير 2011
و تكليفه للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد
و حتي الأن جرت مياه في أحداث الفعل السياسي
و الاقتصادي و الاجتماعي في مصرنا الحبيبة
ما بين إصلاحات و تعديلات قانونية
و ما بين شد و جذب بين التيارات السياسية و الفكرية المختلفة
و ما بين تأييد و تخوين و استقصاء و استبعاد
و مشادات و معارك و فتن طائفية و احتفاء برموز دينية
و مهاجمة أخري و محاكمات لبعض مسئولي
و رموز النظام السابق
و تثور منذ انتهاء نشوة هذه اللحظة التاريخية
عدة من أسئلة : هل هي ثورة و هل نجحت
و هل هناك ثورة مضادة و من يقودها
و هل هناك حاجة لثورة ثانية
و هل سقط النظام القديم
و هل له بقايا و فلول تقوم بأدوار مناوئة للثورة
و هل نعيش في عصر الحرية
و هل يحق لنا انتقاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة
و هل و هل و هل و ألف ألف سؤال
و الإجابة علي هذه الأسئلة ليست إجابة نهائية
حتي و لو استعنا بصديق و ليست إجابة مطلقة يقينية
لا رجعة فيها فلا يقين فيما نقول و لا يملك الحقيقة
أحد بعينه و لكنها إجابات تستند علي مؤشرات حالية
قد تتغير في المستقبل القريب أو البعيد
و قد نخطئ في فهم دلالتها و لكنها في كل الأحوال
محاولة أولي للفهم بعد زخم الحدث
و تجاوز الدهشة التي صاحبته و صاحبت إعلان التخلي
أسئلة و محاولة أجوبة :
أولا : هل هي ثورة و هل هي نجحت
في الواقع هذا هو السؤال الصعب
لأنه يقع تحت ضغط الرأي العام فلو قلنا إنها ليست ثورة
فقد وضعنا أنفسنا في خانة أعداء ميدان التحرير
و من فئة الخونة و الفلول
و لو قلنا إنها ثورة فقد خالفنا المفاهيم العلمية
التي تحدد ماهية الثورة و شروطها و معاييرها
فالثورة أية ثورة هي ظاهرة إنسانية و إجتماعية
عاينتها المجتمعات البشرية منذ فجر التاريخ
و يحدث بناءا عليها تغييرات حادة
في البنية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة
أو المجتمع الذي وقعت فيه و تظهر على أثرها
قوي سياسية و اجتماعية مختلفة عن التي كانت قبلها
و بالجملة تتغير موازين القوي في المجتمع
بعدها عما كان قبلها
و الثورة في اللغة العربية تعني :
بأنها تغيير أساسي في الأوضاع السياسية و الإجتماعية
يقوم به الشعب في دولة ما
و في المعاجم الغربية تعني الثورة :
بأنها تغير فجائي و أساسي و تام
وتغيير جوهري في النظام السياسي
يتلخص في الإطاحة بحكومة قائمة
و إقامة حكومة من المحكومين
و بتطبيق هذان التعريفان على ما حدث في مصر
في الفترة من 25 يناير حتي 11 فبراير
يمكن استخلاص ما يلي :
1 - ما حدث لم يكن ثورة بالمعني المفهوم
والدقيق للعملية الثورية فلم يحدث تغيير تام و أساسي
و جوهري في النظام السياسي ولا البناء الاجتماعي
و الاقتصادي للدولة المصرية
مع تسليمنا المطلق بأن التغيير الإجتماعي تحديدا
يتسلزم وقتا طويلا حتي تظهر ملامحه و تتحدد هوياته
بينما التغيرات السياسية و القانونية
فيظهر أثرها فورا في سقوط الأنظمة و الغاء التشريعات
و ذلك بفعل الشرعية الثورية وحدها
2 - أن النظام السابق حتي و هو يتخلي عن سدة الحكم
أي لم يعد يحكم كلف المجلس الأعلي للقوات المسلحة
بإدارة شئون البلاد
و هو تكليف ممن لا يملك لمن لا يستحق قانونا
ففي لحظة التخلي أو التنحي كان الدستور ما زال معمولا به
و من ثم فكان لزاما أن يتولي الفترة الانتقالية
إما رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا
و بما أن رئيس مجلس الشعب من قادة النظام السابق
فكان من الطبيعي ان يتولي الفترة الانتقالية
رئيس المحكمة الدستورية العليا
3 - أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة و للاسف
يقوم بدور رد الفعل و ليس الفعل
فمثلا في محاكمة الرئيس السابق
لم يقم المجلس العسكري بذلك إلا بعد الضغوط الشعبية
و الاعلان عن مظاهرة مليونية و قبل موعد المظاهرة
بدأ التحقيق مع الرئيس السابق و أسرته
وبعد الاعلان ثانية عن جمعة الغضب الثانية
أو جمعة تصحيح المسار الجمعة 27 مايو 2011
سبقها الإعلان كالمعتاد عن إحالة الرئيس السابق لمحكمة الجنايات
4 - ما زال الكثيرون من أقطاب النظام السياسي السابق
ملأ الأسماع و الأبصار بعيدون عن أية محاكمات
أو مساءلات سواء سياسية أو جنائية
الخلاصة هي :
عندما بدأت الشرارة الأولي في 25 يناير لم يكن مقصودا
منها أن تكون أكثر من تظاهرة حاشدة للضغط
على النظام لتغيير الحكومة و اجراء بعض التعديلات
و الإصلاحات هنا و هناك
و مع استمرار الشباب في الكر و الفر حتي يوم
جمعة الغضب و مع تزايد العسف الأمني انطلقت الجماهير
في انفجار شعبوي جراء القمع الطويل لتعلن عن رأيها
بوضوح في أنها لاتريد هذا النظام
و إن كنا و من خلال مشاهدات حية نؤكد أن فئة من المواطنين
نزلت لميدان للفرجة و المشاهدة ليس إلا
هنا اتخذت التظاهرة منحني جديا
لتصبح بدايات ثورة
و عندما تحررت الجماهير من الخوف منحت تلك المظاهرة
شرعيتها الشعبوية و مطالبها الثورية المتمثلة
في اسقاط النظام و كان موقف القوات المسلحة
موقفا داعما و حاميا للثورة بل و مشجعا لها
علي المضي قدما في طريقها النهائي
و غايتها العظمي و اسقاط النظام من رأسه
و لكنها توقفت هنا و بدأ العمل على التغيير
و الإصلاح البطئ و ليس التغيير الثوري الشامل
نعني تحولت الثورة في نتائجها النهائية
إلي مجرد أجندة إصلاحية غير شاملة
و بالجملة فهي من وجهة نظرنا أصبحت
نصف انتصار و نصف ثورة لم تمضي إلي غاياتها المنشودة
ثانيا : هل هناك ثورة مضادة و من يقودها
منذ انتشار هذا المصطلح في الاعلام المصري
و كلما يحدث أمر تعجز عنه التفسيرات المنطقية
يتم عزوه مباشرة إلي الثورة المضادة و فلول الحزب الوطني
حتي في مبارة كرة قدم الزمالك و أحد الفرق التونسية
عندما اقتحمت الجماهير الملعب بضغط عصبي رياضي
و حطمت الاستاد عزي ذلك إلي
فلول الحزب الوطني و الثورة المضادة
و هو تفسير مضحك و مبكي في الوقت ذاته
و علي كل فالثورة المضادة و الأيدي المخربة
الداخلية و الخارجية موجودة بالفعل
فأحداث كنيسة إمبابة و الانفلات الأمني
و بروز ظاهرة البلطجة و ترويع الآمنين
كلها مظاهر للثورة المضادة، و التي تعمل بكل طاقاتها
و رجالها و امكانياتها المادية و البشرية
للحيلولة دون تمام نجاح الثورة بشكل كامل
والاكتفاء بما حققته حتي الآن
و لكن من يقود هذه الثورة و لصالح من
سؤال آخر فرضته الظروف و التحديات الجديدة
التي أعقبت تنحي و اسقاط النظام السابق و رموزه
و قد تكون الإجابة عليه عسيرة جدا
و لكن تحديد قيادة الثورة المضادة
قد يتم من خلال الإجابة عن عدد آخر من الأسئلة المنطقية :
1. من له مصلحة في ألا يتم تغيير شامل و أساسي و جوهري في البلاد
2. من يملك المال و الاتصالات اللازمة
لتحريك زمر و جماعات البلطلجية نحو أماكن محددة لتخريبها
3. من تتهدد الثورة وجوده و من ثم يعمل بكل طاقته
للحيلولة دون تمامها
4. من يستفيد من بقاء الأنظمة الحالية على حالها سياسيا
و اقتصاديا واجتماعيا
إن الاجابة عن هذه الأسئلة تفتح الطريق
أما الاجابة عن السؤال الأساسي
و قد تؤكد علي ان قيادة الثورة المضادة
ليست جهة واحدة بل عدة جهات
تجمعهم مصلحة مشتركة و بعد تحقيقها
ستقوم الجهة الأقوي بالإطاحة ببقية الجهات
في ثورة جديدة قد يطلق عليها ساعتها
ثورة التطهير كما حدث في سبعينيات القرن الماضي
و ثورة التصحيح
ثالثا : هل هناك حاجة لثورة ثانية و هل سقط النظام القديم
إذن هل نحن في حاجة إلي ثورة جديدة
أو إلي جمعة مليونية لتصحيح مسار الثورة القديمة
هل نحتاج إلي خلافات حادة بين القوي الوطنية المختلفة
بهذا الشأن ففريق يؤيد مليونية الجمعة
و فريق يعتبرها ضد مكتسبات الشعب
هل نصدق نظرية المؤامرة و الصفقة بين هذا و ذاك
نحن لسنا بحاجة إلي التشكيك و التخوين
و الاستقصاء و الاستبعاد و فرق تسد
إلي آخر تلك المصطلحات التي مارسها
النظام السابق ليحقق مصالحه وحده
لسنا بحاجة إلي أي فريق أو تيار يعيد صياغة هذه الافكار
ثانية ليتقرب بها زلفا إلي الحاكم أو ليعتلي بها سدة الحكم
نحن نحتاج إلي الشفافية و النزاهة و المساءلة
كأعمدة جديدة يشيد عليها النظام الجديد
نحتاج إلي ثورة داخلية داخل كل انسان منا ليتغير
و يغير و يعتنق مبادئ جديدة و أفكار جديدة لوطن جديد
نحتاج إلي رقابة ذاتية تنبع من ضمائرنا وحبنا لبلادنا
لنعمل علي بنائها بدلا من العمل لمصالح ضيقة آنية
عانينا منها كثيرا لا نحتاج أنا وأنت وكل الضمائر
التي تعبر عن النرجسية والانانية
بل نحتاج إلي نحن و هم و احترام الأخر الاهم
مهما كانت خلافاتهم معنا ومهما كان التباعد بيننا
بشرط أن تجمعنا مصلحة الوطن
و أعتقد أننا بحاجة إلي استكمال الثورة الأولي
و التأكيد علي مبادئها و مقوماتها
و ذلك يتحقق من خلال ما يلي :
1. على جميع القوي الوطنية و المحبة لمصر
أن تجتمع معا بدون حكومات و لا تكليفات و الاتفاق
على الخطوط العريضة لصالح هذا الوطن
و لصالح مستقبله دون النظر إلي مكاسب شخصية أو حزبية
فمصر أولا و مصر أخيرا
2. على الحكومة المصرية المؤقتة أن تعمل بجد
بعيدا عن نغمة الامكانيات المتاحة و الموارد المالية
التي عانينا منها سنوات طويلة
و أخيرا اكتشفنا كم الثروات التي نهبت من البلاد
فلتعمل الحكومة جاهدة علي استعادة الأمن
و استعادة عجلة الانتاج و وضع تصور دقيق
و مدروس لتحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية
3. على المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية
أن يعلن بوضوح عمن أسماهم المخربين
و الفئة التي تستهدف زعزعة استقرار الوطن
بعيدا عن نغمة قارب صبرنا أن ينفذ
فمصلحة مصر أمن قومي يجب العمل
على تحقيقها فورا و دون إبطاء
4. علي القوي الوطنية ان تتناسي مؤقتا خلافاتها الفكرية
و الأيدلوجية و تعمل على تغليب الصالح العام
5. يجب وضع خطة حقيقية و فاعلة للقضاء على البطالة
و تحسين معدلات النمو الاقتصادي
و تقليل الفوارق بين طبقات المصريين
و العمل علي القضاء على الفقر و الجهل و المرض
المتفشين في المجتمع المصري
رابعا : هل نعيش في عصر الحرية
و هل يحق لنا انتقاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة
هل هو فعلا عصر الحرية
و دعونا نتساءل بوضوح :
من يملك حق تعديل القوانين و إصدارها
و من يملك حق الحكم في الوقت الراهن
و من يدير البلاد الآن
بالتأكيد الاجابة هي المجلس الأعلي للقوات المسلحة
إذن فالمجلس يقوم بدور الحاكم فضلا
عن دوره الأساسي و المتمثل في قيادة القوات المسلحة
في زمني السلم و الحرب و من هذا المنطلق
فعلينا أن نفرق في الوقت الراهن
بين وظيفتين لهذا المجلس :
الأولي : كونه سلطة حكم مؤقته و في هذه الحالة
فلنا لأي مصري أن يتنقد هذه السلطة و أدائها
و طريقتها في إدارة البلاد من منطلق الحقوق
و الحريات التي كفلها الإعلان الدستوري المؤقت
الصادر في 30 مارس 2011
و لا يستدعي هذا الانتقاد الحبس و الاعتقال
و المحاكمة أمام محاكم عسكرية استثنائية
كما أن هذا النقد و المعارضة ليست موجهة إلي
المؤسسة العسكرية ذاتها بل
إلي المجلس الاعلي باعتباره حاكما
و لكن نسمع من حين إلي آخر عن بعض المفارقات
و التجاوزات في هذا الشأن مثل التحقيق مع
الإعلامية بثينة كامل لهذا السبب
كما ما زلنا نري بعض الممارسات التي تنتمي
إلي العهد السابق مثل انهاء برنامج تلفزيوني
قبل موعده بسبب أحاديث الضيف
و أخشي أن نكون استبدلنا الرمضاء بالنار
و كلاهما مر
إذن ما زالت الحريات تتعثر و ما زالت الثورة لم تكتمل
و ما زالت الفزاعات تعلق و إن اختلفت نوعيتها
فبعد فزاعة الإسلاميين
رأينا فزاعة الاقتصاد
و فزاعة الثورة المضادة
و فزاعة الفتنة الطائفية
في مسلسل طويل لم تنجح مصر و قواها الوطنية
في الإفلات منه بعد
القاهرة في 25 مايو 2011
محاولة للفهم
منذ اللحظة التي أعلن فيها مبارك تخليه عن السلطة
في 11 فبراير 2011
و تكليفه للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد
و حتي الأن جرت مياه في أحداث الفعل السياسي
و الاقتصادي و الاجتماعي في مصرنا الحبيبة
ما بين إصلاحات و تعديلات قانونية
و ما بين شد و جذب بين التيارات السياسية و الفكرية المختلفة
و ما بين تأييد و تخوين و استقصاء و استبعاد
و مشادات و معارك و فتن طائفية و احتفاء برموز دينية
و مهاجمة أخري و محاكمات لبعض مسئولي
و رموز النظام السابق
و تثور منذ انتهاء نشوة هذه اللحظة التاريخية
عدة من أسئلة : هل هي ثورة و هل نجحت
و هل هناك ثورة مضادة و من يقودها
و هل هناك حاجة لثورة ثانية
و هل سقط النظام القديم
و هل له بقايا و فلول تقوم بأدوار مناوئة للثورة
و هل نعيش في عصر الحرية
و هل يحق لنا انتقاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة
و هل و هل و هل و ألف ألف سؤال
و الإجابة علي هذه الأسئلة ليست إجابة نهائية
حتي و لو استعنا بصديق و ليست إجابة مطلقة يقينية
لا رجعة فيها فلا يقين فيما نقول و لا يملك الحقيقة
أحد بعينه و لكنها إجابات تستند علي مؤشرات حالية
قد تتغير في المستقبل القريب أو البعيد
و قد نخطئ في فهم دلالتها و لكنها في كل الأحوال
محاولة أولي للفهم بعد زخم الحدث
و تجاوز الدهشة التي صاحبته و صاحبت إعلان التخلي
أسئلة و محاولة أجوبة :
أولا : هل هي ثورة و هل هي نجحت
في الواقع هذا هو السؤال الصعب
لأنه يقع تحت ضغط الرأي العام فلو قلنا إنها ليست ثورة
فقد وضعنا أنفسنا في خانة أعداء ميدان التحرير
و من فئة الخونة و الفلول
و لو قلنا إنها ثورة فقد خالفنا المفاهيم العلمية
التي تحدد ماهية الثورة و شروطها و معاييرها
فالثورة أية ثورة هي ظاهرة إنسانية و إجتماعية
عاينتها المجتمعات البشرية منذ فجر التاريخ
و يحدث بناءا عليها تغييرات حادة
في البنية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة
أو المجتمع الذي وقعت فيه و تظهر على أثرها
قوي سياسية و اجتماعية مختلفة عن التي كانت قبلها
و بالجملة تتغير موازين القوي في المجتمع
بعدها عما كان قبلها
و الثورة في اللغة العربية تعني :
بأنها تغيير أساسي في الأوضاع السياسية و الإجتماعية
يقوم به الشعب في دولة ما
و في المعاجم الغربية تعني الثورة :
بأنها تغير فجائي و أساسي و تام
وتغيير جوهري في النظام السياسي
يتلخص في الإطاحة بحكومة قائمة
و إقامة حكومة من المحكومين
و بتطبيق هذان التعريفان على ما حدث في مصر
في الفترة من 25 يناير حتي 11 فبراير
يمكن استخلاص ما يلي :
1 - ما حدث لم يكن ثورة بالمعني المفهوم
والدقيق للعملية الثورية فلم يحدث تغيير تام و أساسي
و جوهري في النظام السياسي ولا البناء الاجتماعي
و الاقتصادي للدولة المصرية
مع تسليمنا المطلق بأن التغيير الإجتماعي تحديدا
يتسلزم وقتا طويلا حتي تظهر ملامحه و تتحدد هوياته
بينما التغيرات السياسية و القانونية
فيظهر أثرها فورا في سقوط الأنظمة و الغاء التشريعات
و ذلك بفعل الشرعية الثورية وحدها
2 - أن النظام السابق حتي و هو يتخلي عن سدة الحكم
أي لم يعد يحكم كلف المجلس الأعلي للقوات المسلحة
بإدارة شئون البلاد
و هو تكليف ممن لا يملك لمن لا يستحق قانونا
ففي لحظة التخلي أو التنحي كان الدستور ما زال معمولا به
و من ثم فكان لزاما أن يتولي الفترة الانتقالية
إما رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا
و بما أن رئيس مجلس الشعب من قادة النظام السابق
فكان من الطبيعي ان يتولي الفترة الانتقالية
رئيس المحكمة الدستورية العليا
3 - أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة و للاسف
يقوم بدور رد الفعل و ليس الفعل
فمثلا في محاكمة الرئيس السابق
لم يقم المجلس العسكري بذلك إلا بعد الضغوط الشعبية
و الاعلان عن مظاهرة مليونية و قبل موعد المظاهرة
بدأ التحقيق مع الرئيس السابق و أسرته
وبعد الاعلان ثانية عن جمعة الغضب الثانية
أو جمعة تصحيح المسار الجمعة 27 مايو 2011
سبقها الإعلان كالمعتاد عن إحالة الرئيس السابق لمحكمة الجنايات
4 - ما زال الكثيرون من أقطاب النظام السياسي السابق
ملأ الأسماع و الأبصار بعيدون عن أية محاكمات
أو مساءلات سواء سياسية أو جنائية
الخلاصة هي :
عندما بدأت الشرارة الأولي في 25 يناير لم يكن مقصودا
منها أن تكون أكثر من تظاهرة حاشدة للضغط
على النظام لتغيير الحكومة و اجراء بعض التعديلات
و الإصلاحات هنا و هناك
و مع استمرار الشباب في الكر و الفر حتي يوم
جمعة الغضب و مع تزايد العسف الأمني انطلقت الجماهير
في انفجار شعبوي جراء القمع الطويل لتعلن عن رأيها
بوضوح في أنها لاتريد هذا النظام
و إن كنا و من خلال مشاهدات حية نؤكد أن فئة من المواطنين
نزلت لميدان للفرجة و المشاهدة ليس إلا
هنا اتخذت التظاهرة منحني جديا
لتصبح بدايات ثورة
و عندما تحررت الجماهير من الخوف منحت تلك المظاهرة
شرعيتها الشعبوية و مطالبها الثورية المتمثلة
في اسقاط النظام و كان موقف القوات المسلحة
موقفا داعما و حاميا للثورة بل و مشجعا لها
علي المضي قدما في طريقها النهائي
و غايتها العظمي و اسقاط النظام من رأسه
و لكنها توقفت هنا و بدأ العمل على التغيير
و الإصلاح البطئ و ليس التغيير الثوري الشامل
نعني تحولت الثورة في نتائجها النهائية
إلي مجرد أجندة إصلاحية غير شاملة
و بالجملة فهي من وجهة نظرنا أصبحت
نصف انتصار و نصف ثورة لم تمضي إلي غاياتها المنشودة
ثانيا : هل هناك ثورة مضادة و من يقودها
منذ انتشار هذا المصطلح في الاعلام المصري
و كلما يحدث أمر تعجز عنه التفسيرات المنطقية
يتم عزوه مباشرة إلي الثورة المضادة و فلول الحزب الوطني
حتي في مبارة كرة قدم الزمالك و أحد الفرق التونسية
عندما اقتحمت الجماهير الملعب بضغط عصبي رياضي
و حطمت الاستاد عزي ذلك إلي
فلول الحزب الوطني و الثورة المضادة
و هو تفسير مضحك و مبكي في الوقت ذاته
و علي كل فالثورة المضادة و الأيدي المخربة
الداخلية و الخارجية موجودة بالفعل
فأحداث كنيسة إمبابة و الانفلات الأمني
و بروز ظاهرة البلطجة و ترويع الآمنين
كلها مظاهر للثورة المضادة، و التي تعمل بكل طاقاتها
و رجالها و امكانياتها المادية و البشرية
للحيلولة دون تمام نجاح الثورة بشكل كامل
والاكتفاء بما حققته حتي الآن
و لكن من يقود هذه الثورة و لصالح من
سؤال آخر فرضته الظروف و التحديات الجديدة
التي أعقبت تنحي و اسقاط النظام السابق و رموزه
و قد تكون الإجابة عليه عسيرة جدا
و لكن تحديد قيادة الثورة المضادة
قد يتم من خلال الإجابة عن عدد آخر من الأسئلة المنطقية :
1. من له مصلحة في ألا يتم تغيير شامل و أساسي و جوهري في البلاد
2. من يملك المال و الاتصالات اللازمة
لتحريك زمر و جماعات البلطلجية نحو أماكن محددة لتخريبها
3. من تتهدد الثورة وجوده و من ثم يعمل بكل طاقته
للحيلولة دون تمامها
4. من يستفيد من بقاء الأنظمة الحالية على حالها سياسيا
و اقتصاديا واجتماعيا
إن الاجابة عن هذه الأسئلة تفتح الطريق
أما الاجابة عن السؤال الأساسي
و قد تؤكد علي ان قيادة الثورة المضادة
ليست جهة واحدة بل عدة جهات
تجمعهم مصلحة مشتركة و بعد تحقيقها
ستقوم الجهة الأقوي بالإطاحة ببقية الجهات
في ثورة جديدة قد يطلق عليها ساعتها
ثورة التطهير كما حدث في سبعينيات القرن الماضي
و ثورة التصحيح
ثالثا : هل هناك حاجة لثورة ثانية و هل سقط النظام القديم
إذن هل نحن في حاجة إلي ثورة جديدة
أو إلي جمعة مليونية لتصحيح مسار الثورة القديمة
هل نحتاج إلي خلافات حادة بين القوي الوطنية المختلفة
بهذا الشأن ففريق يؤيد مليونية الجمعة
و فريق يعتبرها ضد مكتسبات الشعب
هل نصدق نظرية المؤامرة و الصفقة بين هذا و ذاك
نحن لسنا بحاجة إلي التشكيك و التخوين
و الاستقصاء و الاستبعاد و فرق تسد
إلي آخر تلك المصطلحات التي مارسها
النظام السابق ليحقق مصالحه وحده
لسنا بحاجة إلي أي فريق أو تيار يعيد صياغة هذه الافكار
ثانية ليتقرب بها زلفا إلي الحاكم أو ليعتلي بها سدة الحكم
نحن نحتاج إلي الشفافية و النزاهة و المساءلة
كأعمدة جديدة يشيد عليها النظام الجديد
نحتاج إلي ثورة داخلية داخل كل انسان منا ليتغير
و يغير و يعتنق مبادئ جديدة و أفكار جديدة لوطن جديد
نحتاج إلي رقابة ذاتية تنبع من ضمائرنا وحبنا لبلادنا
لنعمل علي بنائها بدلا من العمل لمصالح ضيقة آنية
عانينا منها كثيرا لا نحتاج أنا وأنت وكل الضمائر
التي تعبر عن النرجسية والانانية
بل نحتاج إلي نحن و هم و احترام الأخر الاهم
مهما كانت خلافاتهم معنا ومهما كان التباعد بيننا
بشرط أن تجمعنا مصلحة الوطن
و أعتقد أننا بحاجة إلي استكمال الثورة الأولي
و التأكيد علي مبادئها و مقوماتها
و ذلك يتحقق من خلال ما يلي :
1. على جميع القوي الوطنية و المحبة لمصر
أن تجتمع معا بدون حكومات و لا تكليفات و الاتفاق
على الخطوط العريضة لصالح هذا الوطن
و لصالح مستقبله دون النظر إلي مكاسب شخصية أو حزبية
فمصر أولا و مصر أخيرا
2. على الحكومة المصرية المؤقتة أن تعمل بجد
بعيدا عن نغمة الامكانيات المتاحة و الموارد المالية
التي عانينا منها سنوات طويلة
و أخيرا اكتشفنا كم الثروات التي نهبت من البلاد
فلتعمل الحكومة جاهدة علي استعادة الأمن
و استعادة عجلة الانتاج و وضع تصور دقيق
و مدروس لتحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية
3. على المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية
أن يعلن بوضوح عمن أسماهم المخربين
و الفئة التي تستهدف زعزعة استقرار الوطن
بعيدا عن نغمة قارب صبرنا أن ينفذ
فمصلحة مصر أمن قومي يجب العمل
على تحقيقها فورا و دون إبطاء
4. علي القوي الوطنية ان تتناسي مؤقتا خلافاتها الفكرية
و الأيدلوجية و تعمل على تغليب الصالح العام
5. يجب وضع خطة حقيقية و فاعلة للقضاء على البطالة
و تحسين معدلات النمو الاقتصادي
و تقليل الفوارق بين طبقات المصريين
و العمل علي القضاء على الفقر و الجهل و المرض
المتفشين في المجتمع المصري
رابعا : هل نعيش في عصر الحرية
و هل يحق لنا انتقاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة
هل هو فعلا عصر الحرية
و دعونا نتساءل بوضوح :
من يملك حق تعديل القوانين و إصدارها
و من يملك حق الحكم في الوقت الراهن
و من يدير البلاد الآن
بالتأكيد الاجابة هي المجلس الأعلي للقوات المسلحة
إذن فالمجلس يقوم بدور الحاكم فضلا
عن دوره الأساسي و المتمثل في قيادة القوات المسلحة
في زمني السلم و الحرب و من هذا المنطلق
فعلينا أن نفرق في الوقت الراهن
بين وظيفتين لهذا المجلس :
الأولي : كونه سلطة حكم مؤقته و في هذه الحالة
فلنا لأي مصري أن يتنقد هذه السلطة و أدائها
و طريقتها في إدارة البلاد من منطلق الحقوق
و الحريات التي كفلها الإعلان الدستوري المؤقت
الصادر في 30 مارس 2011
و لا يستدعي هذا الانتقاد الحبس و الاعتقال
و المحاكمة أمام محاكم عسكرية استثنائية
كما أن هذا النقد و المعارضة ليست موجهة إلي
المؤسسة العسكرية ذاتها بل
إلي المجلس الاعلي باعتباره حاكما
و لكن نسمع من حين إلي آخر عن بعض المفارقات
و التجاوزات في هذا الشأن مثل التحقيق مع
الإعلامية بثينة كامل لهذا السبب
كما ما زلنا نري بعض الممارسات التي تنتمي
إلي العهد السابق مثل انهاء برنامج تلفزيوني
قبل موعده بسبب أحاديث الضيف
و أخشي أن نكون استبدلنا الرمضاء بالنار
و كلاهما مر
إذن ما زالت الحريات تتعثر و ما زالت الثورة لم تكتمل
و ما زالت الفزاعات تعلق و إن اختلفت نوعيتها
فبعد فزاعة الإسلاميين
رأينا فزاعة الاقتصاد
و فزاعة الثورة المضادة
و فزاعة الفتنة الطائفية
في مسلسل طويل لم تنجح مصر و قواها الوطنية
في الإفلات منه بعد
القاهرة في 25 مايو 2011
تعليق