أَجِدَّكَ أنْ نُعْمٌ نأتْ ، أنتَ جازعُ
قدِ اقتربَتْ ، لو أنَّ ذلكَ نافعُ
قدِ اقْتَرَبَتْ ، لو أنَّ في قُرْبِ دارِها
نوالاً ، ولكنْ كلُّ مَن ضَنَّ مانعُ
وقدْ جاورتْنا في شهورٍ كثيرةٍ
فما نَوَّلَتْ ، واللهُ راءٍ ، وسامعُ
فإنْ تَلْقَيَنْ نُعْمى هُدِيتَ ، فَحَيِّها
وسَلْ كيفَ تُرْعى بالمَغيبِ الودائعُ
................................
.......................................
بَكَى مِن فِراقِ الحَيِّ قيسُ بنُ مُنْقِذٍ
وإذْراءُ عينَيْ مِثْلِهِ الدّمعَ شائعُ
بأربعةٍ تنْهَلُّ لمّا تقَدَّمَتْ
بهمْ طُرُقٌ شتّى ، وهُنَّ جَوامعُ
وما خِلْتُ بَيْنَ الحيِّ حتّى رأيتُهُم
ببَيْنونةَ السُّفلى ، وهبّتْ سَوافِعُ
وإنّي لأنْهى النفْسَ عنها تَجَمُّلاً
وقلبي إليها الدَّهْرَ عطشانُ جائعُ
كأنَّ فؤادي بينَ شِقّيْنِ مِن عَصَاً
حِذارَ وُقوع البَيْنِ ، والبَيْنُ واقِعُ
يحُثُّ بِهِمْ حادٍ سريعٌ نَجاؤهُ
ومُعْرى عن السّاقينِ ، والثَّوبُ واسِعُ
فقُلْتُ لها: يا نُعْمُ حُلّي مَحَلّنا
فإنَّ الهوى يا نُعْمُ ، والعَيْشُ جامعُ
فقالتْ ، وعَيناها تَفيضانِ عَبْرَةً
بأهليَ بَيِّنْ لي متى أنتَ راجعُ؟
فقُلْتُ لها: تاللهِ يَدري مُسافرٌ
إذا غَيَّبَتْهُ الأرضُ ، ماللهُ صانعُ
فَشَدّتْ على فِيها اللِّثامَ ، وأعْرَضَتْ
وأمْعَنَ بالكُحْلِ السَّحيقِ المَدامِعُ
وإنّي لِعَهْدِ الوُدِّ راعٍ ، وإنَّني
بِوَصْلِكِ - ما لمْ يَطْوِني الموْتُ - طامعُ(2)
(1) الأغاني : 14 / 145 .
(2) الاختيارين : ص 216 - 217 . قوله : أجِدكَ ؛ يريد أبجِدٍ مِنكَ ، وبحذف الباء منصوب على المصدر. وضنّ : أمسك وبخل . وأذرى دمعه : سَفَحَهُ . والبَين : الفراق . وبَينونة : موضع . والسّوافع : لوافح السَّموم . والنجاء : الإفلات من الهلكة في الصحراء . ومعرى الساقين ، والثوب واسع : وصف للحادي ؛ يريد هُزال جسمه ، وذلك أدعى لسرعته . وأمْعَنَ الدمع : بالغ في سيلانه . والسحيق : السريع الانصباب ، من قولهم : دمع منسحق : أي مُندفع . وقوله : بأربعة ؛ أراد مجاري الدمع من العين.
تعليق