رد: [تحديث]-الشاعر خضر صبح حياته وشعره - هدى دراغمة /الدكتور أحمد بشارات
(7) الشعر الديني:
نشأ الشاعر خضر صبح في بيت متدين لكن الدنيا ومفاسدها جرفته معها إلى أن حاد عن طريق الهداية وهذا لا يعني إلحادا وكفرا ولكن سيطرة الشيطان على عقله أبعده عن الحق والهدى، وفي اليوم الأول من وجوده في مدينة الخليل زار المسجد لأول مرة بعد طول غياب فاستشعر الإيمان يشعّ في ثناياه وقلبه فظل في المسجد بعد صلاة المغرب تخط يمناه قصيدته التي يناجي فيها ربه ويطلب إليه الصفح ويسأله التثبيت على طريق الهداية
وتعتبر هذه المرحلة نقطة تحول من حياة اللهو إلى حياة العبادة والإيمان. حيث سمى الشاعر القصيدة التي كتبها "مناجاة" ، حيث حول الشاعر إرهاصاته وأحلامه وشطحات خياله وقسوة تجاربه إلى مصادر وحي يتغنى بها شعرا مليئا بالوجد والإيمان بالله سبحانه وتعالى وصدق التوكل عليه حيث قال فيها:
يا فاطر الكون همّي كم يؤرّقنـي قد جنّ ليلي وقلبي ماج في الإحن
من أي باب أجيء اليوم ملتمسـا والنفس تزفر من همّ ومن شجـن
تفور من فرط إحسـاس بعلتهـا تحيا على مضض في ثوبها العفن
قد طال يا رب ما عانيتـه ألمـا فارأف بحالي فهذا الدهر أتعبنـي
بستان عمري به الأشجار عارية حتّى بلابله حـادت عـن الفنـن
قلبـي برحمتـك اللهمّ ذو أنـس عند الشدائد تنجيني مـن المحـن
يسّر أموري وخفّف من معاناتـي فالذنب ألهب أفكـاري وعذّبنـي
إني لأدلج من باب الخشوع إلـى رحابك الله ... فارحم قلب ممتحن
من فيض نورك آمال لنا انبلجت فليس غيـرك يـا الله يرحمنـي
وفي موسم الحج كتب قصيدة عنوانها ألقوا السلام حيث كان الشاعر يرغب في أداء هذه الفريضة إلا أن ظروفا حالت دون ذهابه، حيث ذكر مظاهر الفرح والسرور بعودة الحجاج من بيت الله الحرام ووفود المهنئين والمباركين تأتي للتهاني الحارة بلقيا الحبيب المصطفى عليه السلام وقد فازوا برضا الله سبحانه وتعالى حيث قال:
ركب الحجيج يحث الخطو للحـرم يسعى إلى البيت يرجو عفو ذي النعم
يحدو به الشوق للأركـان مرتقبـا عفو الإلـه إلـه الخلـق و الأمـم
يرنو إلى البيـت عـل الله يسعفـه في رحمة منه بعد الخوض في الظلم
قل للحجيـج إذا سـارت مواكبهـم صوب المدينة أموا ساحـة الحـرم
واستغفروا الله يا حجـاج وارتقبـوا عفـو الإلـه بقلـب خاشـع رحـم
واستقبلوا الكعبة الغراء فـي فـرح نور من الإيمان يغشى كل ذي رحم
فاحت على الجميع بأطياف معطـرة فرح النبـوة بالإيمـان فـي شمـم
ألقوا السلام على الهـادي وعترتـه روح تهيم مـع الآمـال فـي كـرم
من مبلغ الهادي مع الأيـام رغبتنـا إن الشفاعة يـوم الحشـر و النـدم
قد زرت يثرب مشتاقـا لروضتهـا تلك الربوع ستشفي الروح من سقـم
في يوم بـدر قـد شعـت رسالتـه ذكر النبـي حيـاة النـاس والأمـم
قبل هناك بـأرض البيـت كعبتهـا واجعل رباطك حبـل الله واعتصـم
ومن شعره الديني قصيدة (نهج الهداية) التي كتبها عندما أهلت مناسبة عزيزة على نفسه وعلينا جميعا وهي ذكرى مولد النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم ,هذا النبي الذي استطاع بعزمه وتوفيق الله أن يوحد العرب بعد دوام فرقه وتشتت، حيث أصبحت الأحزاب الفلسطينية تحمل السلاح في وجه بعضها فكأنها لم تفهم رسالة نبيها ودينها فكتب قصيدته ليذكر الأمة الإسلامية بنبيها وعزها ويصف حالها اليوم بما وصلت إليه من فرقة وتشتت ويدعوها إلى الوحدة الدينية والحزبية حيث قال في هذه القصيدة:
نهج الهداية
ظلام الليل لفّ على الرّواسـي وحار الناس في بحر المآسـي
وضلّ الخلق في الدنيا و تاهـوا أمـا للحـق يرجـع للأنـاسِ
فشاءت حكمة الباري خلاصـا ليبعـث هاديـا للخـلـق آسِ
فكـان محمـد نـورا مضيئـا ليهدي الكون من بعد انحبـاسِ
و فاض الخير في الأرجاء طرّا وأورقت الهداية فـي الغـراسِ
ومكّـة يـوم مولـده تجـلّـت بمسك عـم أرجـاء الرّواسـي
بعطر المصطفى طابت نسيمـا أريجـا فـاح مـن ورد و آسِ
وجـاء محمّـد هديـا و نـورا كريم الأصل معروف الأسـاسِ
له النسب الشريف بكـل فخـر فمن أهل الندى وذوي الحمـاسِ
قريـش ربـة المجـد المعلـى وأم الأكرميـن وخيـر نـاسِ
لهم شم الأنوف سمـوا فخـارا وكانوا ملجـأ مـن كـل قـاسِ
محمد يـا حبيبـي أنـت نـور على الدنيا يفيض بلا انـدراسِ
وأنت العزم في الهيجا صبـور ربيـع الخيـر للدنيـا يواسـي
رفعت لـواء دينـك مستجيـرا بعـون الله قـهـار الخـنـاسِ
وغاص الشرك في وحل وطين وخر الكفر من فـوق الكـراسِ
محمد يا حبيبـي أنـت هـدي براك الله مـن خيـر الأنـاسِ
لقد طار الفـؤاد إليـك شوقـا وتاهت مقلتـاي عـن النعـاسِ
أيا كنز الفخـار إليـك اهـدي سلام الصب مسلوب الحـواسِ
حبيب الله عفـوا مـن يواسـي فأسقامي000 تجددها المآسي؟أ
جراحات لها فـي القلـب نـار مـرارات بأنفـاس الأنــاسِ
خلوت بنفسي الولهـى حزينـا ودمعي قـد تملكنـي و بأسـي
فأقصى القدس و المسرى أسير وأرض القدس من ظلم تقاسـي
تباع و تشترى و الداء يسـري وضيق الحال قهري وانتكـاسِ
بذكرى مولـد الهـادي أمـان أرجيها وقد خطـرت براسـي
فقومي اليـوم أشتـات تعانـي كرامتها تئـن علـى المـداسِ
وأحزاب تجلـى الخـزي فيهـا قلوب كالحجارة فـي احتبـاسِ
يناحر بعضهـم بعضـا عـداء وأمتهـم بوحـل و انطـمـاسِ
خلافـات بهـا نـع المنـايـا أطمـاع بكـيـد و اخـتـلاسِ
تحالف جمعهم سـرا و جهـرا فصار الحكم في نفـر شـراس
ترى العورات قد حلت و ماجوا وليس لقد سنـا يـا رب كـاسِ
وقـد هانـت كرامتنـا عليهـم وأولـى القبلتيـن بـلا لبـاسِ
غزينا فـي أراضينـا جهـارا فهل ضجت حكومات الكراسي؟!
ربوع القدس صاحت وارجالي!! وقادتنـا بـأوكـار النـواسـي
شعوب العرب ويحكموا أفيقـوا حداة الركب أقطـاب المـراسِ
تسربلتـم بـداء الوهـن حتـى تكالب حولكـم كـل الخنـاسِ
فسحقا . . إنكم صرتـم هبـاء وليـس لوزنكـم أدنـي قيـاسِ
هجرتم نهج شرعتكـم ضـلالا فآل مصيركـم شـر انتكـاسِ
أيا قومي أفيقـوا مـن سبـات فلا نصر يلـوح مـع النعـاسِ
فأرضي بوركت بكتـاب ربـي فهل ابقى أإسيرا في احتبـاسِ؟أ
دعا داعي الجهاد فهل اصختـم لصوت الحق يدعو في حماسِ؟أ
حماة الدين في ارضـي هلمـوا فكل الشعـب يرنـو للغـراسِ
فهيـا يـا اسـود الله ثــوروا وقوموا للعلا يـا خيـر نـاسِ
فعـودوا جنـد حطّيـن هلمـوا الى نـور الكتـاب للاقتبـاسِ
هلمـوا للتـي نرنـو اليـهـا فان الحسم فـي حـد المـواسِ
لنقع غبارهـا للخيـل تجـري لمعمعـة الحـروب وللدعـاسِ
لحمحمة الحماة مضت جيـوش لقعقعة السيوف علـى التـراسِ
رسـول الله قدوتنـا سنمضـي إلى الأقصى حجافل كالرواسـي
إلى الهيجاء قـد ثرنـا رجـالا بساح القدس في خـط التمـاسِ
نعيد المجد .... للتاريخ نحكـي شموس العزم صرنـا للأنـاسِ
مضينا فوق موج البحـر نعلـو لتطمس أسدنا النجـم السداسـي
على درب الخلافة قـد عزمنـا بكل مجاهـد صعـب المـراسِ
فيا نهـج الهدايـة هـل نـور دياجي الليـل تـاذن بانبجـاسِ
ونصـر الله مثـل الصبـح آت وفجر الحـق يجتـاح المآسـي
بذكرى مولـد الهـادي أمـان تدب الروح حتى في الرواسـي
تمتاز قصيدة نهج الهداية بوحدة موضوعها وتسلسل أفكارها ومعانيها بتدرج وترابط محكم فقد بدأ الشاعر قصيدته بوصف حال الخلق قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ثم مولده والحديث عن نسبه الشريف ودعوته وانتشار العدل بين الناس ثم الشكوى إليه مما يعاني منه المسجد الأقصى وحال الأمة عموما والفلسطينيين خصوصا من فرقة ونزاع ثم يوبخهم اشد توبيخ ويطالبهم بالعودة إلى الشريعة والتمسك بها وحضهم على الثار والانتقام لعودة الظفر والرفعة وقيام دولة الخلافة
وقد ساد في القصيدة عاطفة حب الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهية الكفر والزهو والإعجاب بنسبه الشريف ثم عاطفة الألم لحال القدس وحال الأمة من تشرذم ثم عاطفة الحماسة الدينية العارمة المتمثلة في الدعوة إلى الجهاد ضد الكفر .
وقد حشد الشاعر في قصيدته صورا فنية مبتكرة أضفت عليها جوا من الإثارة والحيوية
مثل قوله: (ظلام الليل لفّ على الرّواسي, حار الناس في بحر المآسي, كان محمـد نورا
مضيئا و فاض الخير في الأرجاء طرّا وأورقت الهداية في الغراسِ وغاص الشرك في وحل وطين لقد طار الفؤاد إليك شوقا...) وهذه وغيرها من الصور الجزئية التي تتآلف مع بعضها في صورة كلية تحيي الذكرى وتعبّر عن الألم والرغبة في التغيير .
وقد ساق الشاعر أفكاره في قالب تعبيري يتسم بالرصانة والإحكام وتجلّى ذلك في اختيار ألفاظ جزلة موحية مثل: شعوب العرب ويحكموا أفيقوا , حداة الركب ,أقطاب المراسِ تسربلتم بداء الوهن, تكالب حولكم , فهل أصختم .دياجي الليل , تأذن بانبجاسِ , الرواسي, سلام الصب .
وتجلى ذلك في استخدام عبارات وتراكيب قوية تتناغم مع سياق القصيدة وأجوائها النفسية المشحونة بمشاعر متباينة أملاها واقعان متباينان بين العزة والذل وبين الوحدة والتشرذم ,مثل : ظلام الليل ,ضلّ الخلق , وارجالي, فسحقا ,أفيقـوا مـن سبـات, هلموا ثوروا لنقع غبارها, للخيل تجري, لمعمعة الحروب, وللدعاس ,لحمحمة الحماة ,مضت جيوش لقعقعة السيوف على التراس ِرسول الله قدوتنـا سنمضي إلى الأقصى جحافل كالرواسي
وقد راوح الشاعر في تعبيره بين الخبر والإنشاء, فمن الأساليب الإنشائية في النص الاستفهام في قوله: فهل ضجت حكومات الكراسي ؟ هل أصختم لصوت الحق؟ ويفيدان التهكم والسخرية من الزعامات العربية المتخاذلة .وقوله :فهل أبقى أسيرا في احتباس ؟وغرضه هنا النفي .ومنها النداء: محمد يا حبيبي, أيا كنز الفخار, ويفيدان التعظيم من شان المنادى, أما سائر الأساليب فهي خبرية هدفها بيان حال الأمة قبل المولد ثم الإشادة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وكشف حال الأمة وطريق خلاصها
ومن السمات البارزة في القصيدة المحسنات البديعية فقد وشّى قصيدته بألوان متعددة من هذه المحسنات مما أضفى عليها مسحة من الجمال والبهاء والرونق وجعل معانيها أكثر وضوحا ورسوخا في الذهن ومن ذلك الطباق في قوله: (تباع وتشترى) و (نور ودياجي الليل)
والجناس في قوله : (أنفاس وأناس) و (دعا و داعي) و (حمحمة الحماة)
نظم الشاعر هذه القصيدة على البحر الوافر (مفاعيلن مفاعيلن فعولن) , فلترداده رنّة موسيقية ملائمة لأجواء القصيدة المشحونة بين حب النبي والتالم على حال الأمة والانفعال والحماسة , فالقصيدة غنية باليقاع الموسيقي الذي أضفاه حرف الالف قبل حرف الروي السين المشبعة بالكسر مناسبا لموقف التحريض على الفعل والثورة , وقد أغنى القصيدة بنغم يتلاءم مع إيقاعها , وتنبعث موسيقا داخلية ذات رنين مرتفع , وإيقاع اسهمت عدة عومل في اغنائه كالتصريع في البيت الأول (الرواسي .. المآسي) في نهاية الصدر والعجز التكرار الصوتي لبعض الحروف مثل تكرار اللام في البيت الأول وتكرار حرف السين في الثاني والعشرين
(7) الشعر الديني:
نشأ الشاعر خضر صبح في بيت متدين لكن الدنيا ومفاسدها جرفته معها إلى أن حاد عن طريق الهداية وهذا لا يعني إلحادا وكفرا ولكن سيطرة الشيطان على عقله أبعده عن الحق والهدى، وفي اليوم الأول من وجوده في مدينة الخليل زار المسجد لأول مرة بعد طول غياب فاستشعر الإيمان يشعّ في ثناياه وقلبه فظل في المسجد بعد صلاة المغرب تخط يمناه قصيدته التي يناجي فيها ربه ويطلب إليه الصفح ويسأله التثبيت على طريق الهداية
وتعتبر هذه المرحلة نقطة تحول من حياة اللهو إلى حياة العبادة والإيمان. حيث سمى الشاعر القصيدة التي كتبها "مناجاة" ، حيث حول الشاعر إرهاصاته وأحلامه وشطحات خياله وقسوة تجاربه إلى مصادر وحي يتغنى بها شعرا مليئا بالوجد والإيمان بالله سبحانه وتعالى وصدق التوكل عليه حيث قال فيها:
يا فاطر الكون همّي كم يؤرّقنـي قد جنّ ليلي وقلبي ماج في الإحن
من أي باب أجيء اليوم ملتمسـا والنفس تزفر من همّ ومن شجـن
تفور من فرط إحسـاس بعلتهـا تحيا على مضض في ثوبها العفن
قد طال يا رب ما عانيتـه ألمـا فارأف بحالي فهذا الدهر أتعبنـي
بستان عمري به الأشجار عارية حتّى بلابله حـادت عـن الفنـن
قلبـي برحمتـك اللهمّ ذو أنـس عند الشدائد تنجيني مـن المحـن
يسّر أموري وخفّف من معاناتـي فالذنب ألهب أفكـاري وعذّبنـي
إني لأدلج من باب الخشوع إلـى رحابك الله ... فارحم قلب ممتحن
من فيض نورك آمال لنا انبلجت فليس غيـرك يـا الله يرحمنـي
وفي موسم الحج كتب قصيدة عنوانها ألقوا السلام حيث كان الشاعر يرغب في أداء هذه الفريضة إلا أن ظروفا حالت دون ذهابه، حيث ذكر مظاهر الفرح والسرور بعودة الحجاج من بيت الله الحرام ووفود المهنئين والمباركين تأتي للتهاني الحارة بلقيا الحبيب المصطفى عليه السلام وقد فازوا برضا الله سبحانه وتعالى حيث قال:
ركب الحجيج يحث الخطو للحـرم يسعى إلى البيت يرجو عفو ذي النعم
يحدو به الشوق للأركـان مرتقبـا عفو الإلـه إلـه الخلـق و الأمـم
يرنو إلى البيـت عـل الله يسعفـه في رحمة منه بعد الخوض في الظلم
قل للحجيـج إذا سـارت مواكبهـم صوب المدينة أموا ساحـة الحـرم
واستغفروا الله يا حجـاج وارتقبـوا عفـو الإلـه بقلـب خاشـع رحـم
واستقبلوا الكعبة الغراء فـي فـرح نور من الإيمان يغشى كل ذي رحم
فاحت على الجميع بأطياف معطـرة فرح النبـوة بالإيمـان فـي شمـم
ألقوا السلام على الهـادي وعترتـه روح تهيم مـع الآمـال فـي كـرم
من مبلغ الهادي مع الأيـام رغبتنـا إن الشفاعة يـوم الحشـر و النـدم
قد زرت يثرب مشتاقـا لروضتهـا تلك الربوع ستشفي الروح من سقـم
في يوم بـدر قـد شعـت رسالتـه ذكر النبـي حيـاة النـاس والأمـم
قبل هناك بـأرض البيـت كعبتهـا واجعل رباطك حبـل الله واعتصـم
ومن شعره الديني قصيدة (نهج الهداية) التي كتبها عندما أهلت مناسبة عزيزة على نفسه وعلينا جميعا وهي ذكرى مولد النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم ,هذا النبي الذي استطاع بعزمه وتوفيق الله أن يوحد العرب بعد دوام فرقه وتشتت، حيث أصبحت الأحزاب الفلسطينية تحمل السلاح في وجه بعضها فكأنها لم تفهم رسالة نبيها ودينها فكتب قصيدته ليذكر الأمة الإسلامية بنبيها وعزها ويصف حالها اليوم بما وصلت إليه من فرقة وتشتت ويدعوها إلى الوحدة الدينية والحزبية حيث قال في هذه القصيدة:
نهج الهداية
ظلام الليل لفّ على الرّواسـي وحار الناس في بحر المآسـي
وضلّ الخلق في الدنيا و تاهـوا أمـا للحـق يرجـع للأنـاسِ
فشاءت حكمة الباري خلاصـا ليبعـث هاديـا للخـلـق آسِ
فكـان محمـد نـورا مضيئـا ليهدي الكون من بعد انحبـاسِ
و فاض الخير في الأرجاء طرّا وأورقت الهداية فـي الغـراسِ
ومكّـة يـوم مولـده تجـلّـت بمسك عـم أرجـاء الرّواسـي
بعطر المصطفى طابت نسيمـا أريجـا فـاح مـن ورد و آسِ
وجـاء محمّـد هديـا و نـورا كريم الأصل معروف الأسـاسِ
له النسب الشريف بكـل فخـر فمن أهل الندى وذوي الحمـاسِ
قريـش ربـة المجـد المعلـى وأم الأكرميـن وخيـر نـاسِ
لهم شم الأنوف سمـوا فخـارا وكانوا ملجـأ مـن كـل قـاسِ
محمد يـا حبيبـي أنـت نـور على الدنيا يفيض بلا انـدراسِ
وأنت العزم في الهيجا صبـور ربيـع الخيـر للدنيـا يواسـي
رفعت لـواء دينـك مستجيـرا بعـون الله قـهـار الخـنـاسِ
وغاص الشرك في وحل وطين وخر الكفر من فـوق الكـراسِ
محمد يا حبيبـي أنـت هـدي براك الله مـن خيـر الأنـاسِ
لقد طار الفـؤاد إليـك شوقـا وتاهت مقلتـاي عـن النعـاسِ
أيا كنز الفخـار إليـك اهـدي سلام الصب مسلوب الحـواسِ
حبيب الله عفـوا مـن يواسـي فأسقامي000 تجددها المآسي؟أ
جراحات لها فـي القلـب نـار مـرارات بأنفـاس الأنــاسِ
خلوت بنفسي الولهـى حزينـا ودمعي قـد تملكنـي و بأسـي
فأقصى القدس و المسرى أسير وأرض القدس من ظلم تقاسـي
تباع و تشترى و الداء يسـري وضيق الحال قهري وانتكـاسِ
بذكرى مولـد الهـادي أمـان أرجيها وقد خطـرت براسـي
فقومي اليـوم أشتـات تعانـي كرامتها تئـن علـى المـداسِ
وأحزاب تجلـى الخـزي فيهـا قلوب كالحجارة فـي احتبـاسِ
يناحر بعضهـم بعضـا عـداء وأمتهـم بوحـل و انطـمـاسِ
خلافـات بهـا نـع المنـايـا أطمـاع بكـيـد و اخـتـلاسِ
تحالف جمعهم سـرا و جهـرا فصار الحكم في نفـر شـراس
ترى العورات قد حلت و ماجوا وليس لقد سنـا يـا رب كـاسِ
وقـد هانـت كرامتنـا عليهـم وأولـى القبلتيـن بـلا لبـاسِ
غزينا فـي أراضينـا جهـارا فهل ضجت حكومات الكراسي؟!
ربوع القدس صاحت وارجالي!! وقادتنـا بـأوكـار النـواسـي
شعوب العرب ويحكموا أفيقـوا حداة الركب أقطـاب المـراسِ
تسربلتـم بـداء الوهـن حتـى تكالب حولكـم كـل الخنـاسِ
فسحقا . . إنكم صرتـم هبـاء وليـس لوزنكـم أدنـي قيـاسِ
هجرتم نهج شرعتكـم ضـلالا فآل مصيركـم شـر انتكـاسِ
أيا قومي أفيقـوا مـن سبـات فلا نصر يلـوح مـع النعـاسِ
فأرضي بوركت بكتـاب ربـي فهل ابقى أإسيرا في احتبـاسِ؟أ
دعا داعي الجهاد فهل اصختـم لصوت الحق يدعو في حماسِ؟أ
حماة الدين في ارضـي هلمـوا فكل الشعـب يرنـو للغـراسِ
فهيـا يـا اسـود الله ثــوروا وقوموا للعلا يـا خيـر نـاسِ
فعـودوا جنـد حطّيـن هلمـوا الى نـور الكتـاب للاقتبـاسِ
هلمـوا للتـي نرنـو اليـهـا فان الحسم فـي حـد المـواسِ
لنقع غبارهـا للخيـل تجـري لمعمعـة الحـروب وللدعـاسِ
لحمحمة الحماة مضت جيـوش لقعقعة السيوف علـى التـراسِ
رسـول الله قدوتنـا سنمضـي إلى الأقصى حجافل كالرواسـي
إلى الهيجاء قـد ثرنـا رجـالا بساح القدس في خـط التمـاسِ
نعيد المجد .... للتاريخ نحكـي شموس العزم صرنـا للأنـاسِ
مضينا فوق موج البحـر نعلـو لتطمس أسدنا النجـم السداسـي
على درب الخلافة قـد عزمنـا بكل مجاهـد صعـب المـراسِ
فيا نهـج الهدايـة هـل نـور دياجي الليـل تـاذن بانبجـاسِ
ونصـر الله مثـل الصبـح آت وفجر الحـق يجتـاح المآسـي
بذكرى مولـد الهـادي أمـان تدب الروح حتى في الرواسـي
تمتاز قصيدة نهج الهداية بوحدة موضوعها وتسلسل أفكارها ومعانيها بتدرج وترابط محكم فقد بدأ الشاعر قصيدته بوصف حال الخلق قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ثم مولده والحديث عن نسبه الشريف ودعوته وانتشار العدل بين الناس ثم الشكوى إليه مما يعاني منه المسجد الأقصى وحال الأمة عموما والفلسطينيين خصوصا من فرقة ونزاع ثم يوبخهم اشد توبيخ ويطالبهم بالعودة إلى الشريعة والتمسك بها وحضهم على الثار والانتقام لعودة الظفر والرفعة وقيام دولة الخلافة
وقد ساد في القصيدة عاطفة حب الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهية الكفر والزهو والإعجاب بنسبه الشريف ثم عاطفة الألم لحال القدس وحال الأمة من تشرذم ثم عاطفة الحماسة الدينية العارمة المتمثلة في الدعوة إلى الجهاد ضد الكفر .
وقد حشد الشاعر في قصيدته صورا فنية مبتكرة أضفت عليها جوا من الإثارة والحيوية
مثل قوله: (ظلام الليل لفّ على الرّواسي, حار الناس في بحر المآسي, كان محمـد نورا
مضيئا و فاض الخير في الأرجاء طرّا وأورقت الهداية في الغراسِ وغاص الشرك في وحل وطين لقد طار الفؤاد إليك شوقا...) وهذه وغيرها من الصور الجزئية التي تتآلف مع بعضها في صورة كلية تحيي الذكرى وتعبّر عن الألم والرغبة في التغيير .
وقد ساق الشاعر أفكاره في قالب تعبيري يتسم بالرصانة والإحكام وتجلّى ذلك في اختيار ألفاظ جزلة موحية مثل: شعوب العرب ويحكموا أفيقوا , حداة الركب ,أقطاب المراسِ تسربلتم بداء الوهن, تكالب حولكم , فهل أصختم .دياجي الليل , تأذن بانبجاسِ , الرواسي, سلام الصب .
وتجلى ذلك في استخدام عبارات وتراكيب قوية تتناغم مع سياق القصيدة وأجوائها النفسية المشحونة بمشاعر متباينة أملاها واقعان متباينان بين العزة والذل وبين الوحدة والتشرذم ,مثل : ظلام الليل ,ضلّ الخلق , وارجالي, فسحقا ,أفيقـوا مـن سبـات, هلموا ثوروا لنقع غبارها, للخيل تجري, لمعمعة الحروب, وللدعاس ,لحمحمة الحماة ,مضت جيوش لقعقعة السيوف على التراس ِرسول الله قدوتنـا سنمضي إلى الأقصى جحافل كالرواسي
وقد راوح الشاعر في تعبيره بين الخبر والإنشاء, فمن الأساليب الإنشائية في النص الاستفهام في قوله: فهل ضجت حكومات الكراسي ؟ هل أصختم لصوت الحق؟ ويفيدان التهكم والسخرية من الزعامات العربية المتخاذلة .وقوله :فهل أبقى أسيرا في احتباس ؟وغرضه هنا النفي .ومنها النداء: محمد يا حبيبي, أيا كنز الفخار, ويفيدان التعظيم من شان المنادى, أما سائر الأساليب فهي خبرية هدفها بيان حال الأمة قبل المولد ثم الإشادة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وكشف حال الأمة وطريق خلاصها
ومن السمات البارزة في القصيدة المحسنات البديعية فقد وشّى قصيدته بألوان متعددة من هذه المحسنات مما أضفى عليها مسحة من الجمال والبهاء والرونق وجعل معانيها أكثر وضوحا ورسوخا في الذهن ومن ذلك الطباق في قوله: (تباع وتشترى) و (نور ودياجي الليل)
والجناس في قوله : (أنفاس وأناس) و (دعا و داعي) و (حمحمة الحماة)
نظم الشاعر هذه القصيدة على البحر الوافر (مفاعيلن مفاعيلن فعولن) , فلترداده رنّة موسيقية ملائمة لأجواء القصيدة المشحونة بين حب النبي والتالم على حال الأمة والانفعال والحماسة , فالقصيدة غنية باليقاع الموسيقي الذي أضفاه حرف الالف قبل حرف الروي السين المشبعة بالكسر مناسبا لموقف التحريض على الفعل والثورة , وقد أغنى القصيدة بنغم يتلاءم مع إيقاعها , وتنبعث موسيقا داخلية ذات رنين مرتفع , وإيقاع اسهمت عدة عومل في اغنائه كالتصريع في البيت الأول (الرواسي .. المآسي) في نهاية الصدر والعجز التكرار الصوتي لبعض الحروف مثل تكرار اللام في البيت الأول وتكرار حرف السين في الثاني والعشرين
تعليق