السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرنا هنا :
مقتل عثمان والفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهم أجميعين/مقتل عثمان
مقتل عثمان والفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهم أجميعين/موقعة الجمل
الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقصة الخوارج
نعود للإسترسال في تاريخ هذه الفتنة وتتخللها قضية هي من اهم القضايا في عصرنا الحاضر وهي قضية الخوارج
عند وصول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الكوفة، كان عدد من يقول بهذه الكلمة: لا نحكّم الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله . وصل عددهم إلى اثني عشر ألف رجل، فكان شيئًا صعبًا عليه رضي الله عنه، وكان من بين هذا العدد ثمانية آلاف يحفظون القرآن، وهؤلاء الحفظة كانوا طائفة في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقال لهم: القرّاء؛ لأنهم كانوا يكثرون من قراءة القرآن الكريم، ومن القيام والصيام، وكان أكثر من خرجوا مع هذه الطائفة من قرية تُسمّى (حروراء) وهم الذين عُرفوا في التاريخ بعد ذلك باسم الخوارج؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه،
وقد تنبّأ بهذه الطائفة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فعند الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ.
وعند البخاري بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،ُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ.
قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟
قَالَ: سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ.
أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ.
وفي البخاري ومسلم قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
والأحاديث في شأنهم كثيرة.
بعد ذلك ذهب إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ليحاورهم، ويجادلهم، ويردّهم بالتي هي أحسن فقال لهم: ماذا تأخذون علينا؟
فقالوا: انسلخت من اسم سماك الله به - يقصدون اسم أمير المؤمنين - ثم انطلقت، فحكّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
بداية اسم أمير المؤمنين هذا لم يسمّه الله تعالى به، وكان أول من سُمّي بهذا الاسم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان اعتراضهم أنه قَبِل أن يُقال من علي بن أبي طالب في أثناء كتابة صحيفة التحكيم، دون ذكر أمير المؤمنين، واعتراضهم الثاني على قبوله تحكيم الرجال في أمر الله تعالى، وأنه كان يجب أن يستمرّ القتال؛ لأن هذا هو أمر الله، ولا يصح على الإطلاق أن يقف القتال بناءً على رأي الحكمين.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا يدخل علي إلا من حمل القرآن.
فدخل عليه ثمانية آلاف، فأمسك بالمصحف، وأخذ يهزّه، فقالوا له: ماذا تفعل؟
فقال: إني أسأله.
فقالوا له: إنما هو مداد في ورق.
وعلي رضي الله عنه يشير بهذا الفعل إلى أن القرآن لن يقوم بذاته في فعل الأمور، ويقرر الأحكام، وينفذها، بل يقوم بذلك رجال قرءوا القرآن، واستوعبوه جيدًا، وبنوا آرائهم على حكمه.
وقال لهم علي رضي الله عنه:
قال الله تعالى في كتابه في امراة ورجل: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا] {النساء:35}.
ثم قال لهم رضي الله عنه: فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من رجل وامرأة.
ثم قال لهم: أتنقمون عَلَيَّ أن محوت أمير المؤمنين، وكتبت علي بن أبي طالب، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءنا سهيل بن عمرو حين صالح قومه قريشًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ.
ثم قال: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ.
فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأنسب في هذا الوقت أن يتم الصلح، وإذا لم يتم الصلح إلا بهذا الأمر فلا بأس، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ثم قال علي رضي الله عنه:
ويقول الله تعالى في كتابه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21}.
ومع هذا كله لم يرتدع القوم، ولم يرتدوا عن ما هم عليه، فأرسل لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حبرَ الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. ومن علماء المسلمين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في الملمات، وهي الأمور الصعبة العسيرة،
وذهب رضي الله عنه إلى القوم ليحاجهم، فلما دخل عليهم، وكان يرتدي حُلّة جديدة، فناظروه فيها، وقالوا له: ترتدي حلة عظيمة وجديدة؟!
فقال لهم: [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ] {الأعراف:32} .
فقام رجل منهم يُسمّى ابن الكوى، وهو متحدث فصيح، وقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه؛ هو ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرف، وهو ممن نزل فيه، وفي قومه قوله تعالى: [بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ] {الزُّخرف:58} فرُدّوهُ إلى صاحبكم، ولا تواضعوه كتاب الله.
فقال بعضهم: والله لنواضعنه، فإن جاء بحقٍ نعرفه تبعناه، وإن جاء بباطل لنكبتنّه بباطله.
فمكث فيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه ثلاثة أيام، يجادلهم ويجادلونه، ويحاورهم ويحاورنه.
وبعد جدال وحوار طويل وعميق قالوا: إنهم يأخذون على علي بن أبي طالب ثلاث نقاط.
1- أنه محا اسمه من الإمرة.
2- أنه حكّم الرجال في كتاب الله.
3- أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس، ورفض أن يوزع السبي والأموال.
.
ذكرنا هنا :
مقتل عثمان والفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهم أجميعين/مقتل عثمان
مقتل عثمان والفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهم أجميعين/موقعة الجمل
الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقصة الخوارج
نعود للإسترسال في تاريخ هذه الفتنة وتتخللها قضية هي من اهم القضايا في عصرنا الحاضر وهي قضية الخوارج
كلمة حق أريد بها باطل
عند وصول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الكوفة، كان عدد من يقول بهذه الكلمة: لا نحكّم الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله . وصل عددهم إلى اثني عشر ألف رجل، فكان شيئًا صعبًا عليه رضي الله عنه، وكان من بين هذا العدد ثمانية آلاف يحفظون القرآن، وهؤلاء الحفظة كانوا طائفة في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقال لهم: القرّاء؛ لأنهم كانوا يكثرون من قراءة القرآن الكريم، ومن القيام والصيام، وكان أكثر من خرجوا مع هذه الطائفة من قرية تُسمّى (حروراء) وهم الذين عُرفوا في التاريخ بعد ذلك باسم الخوارج؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه،
وقد تنبّأ بهذه الطائفة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فعند الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ.
وعند البخاري بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،ُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ.
قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟
قَالَ: سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ.
أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ.
وفي البخاري ومسلم قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
والأحاديث في شأنهم كثيرة.
بعد ذلك ذهب إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ليحاورهم، ويجادلهم، ويردّهم بالتي هي أحسن فقال لهم: ماذا تأخذون علينا؟
فقالوا: انسلخت من اسم سماك الله به - يقصدون اسم أمير المؤمنين - ثم انطلقت، فحكّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
بداية اسم أمير المؤمنين هذا لم يسمّه الله تعالى به، وكان أول من سُمّي بهذا الاسم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان اعتراضهم أنه قَبِل أن يُقال من علي بن أبي طالب في أثناء كتابة صحيفة التحكيم، دون ذكر أمير المؤمنين، واعتراضهم الثاني على قبوله تحكيم الرجال في أمر الله تعالى، وأنه كان يجب أن يستمرّ القتال؛ لأن هذا هو أمر الله، ولا يصح على الإطلاق أن يقف القتال بناءً على رأي الحكمين.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا يدخل علي إلا من حمل القرآن.
فدخل عليه ثمانية آلاف، فأمسك بالمصحف، وأخذ يهزّه، فقالوا له: ماذا تفعل؟
فقال: إني أسأله.
فقالوا له: إنما هو مداد في ورق.
وعلي رضي الله عنه يشير بهذا الفعل إلى أن القرآن لن يقوم بذاته في فعل الأمور، ويقرر الأحكام، وينفذها، بل يقوم بذلك رجال قرءوا القرآن، واستوعبوه جيدًا، وبنوا آرائهم على حكمه.
وقال لهم علي رضي الله عنه:
قال الله تعالى في كتابه في امراة ورجل: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا] {النساء:35}.
ثم قال لهم رضي الله عنه: فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من رجل وامرأة.
ثم قال لهم: أتنقمون عَلَيَّ أن محوت أمير المؤمنين، وكتبت علي بن أبي طالب، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءنا سهيل بن عمرو حين صالح قومه قريشًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ.
ثم قال: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ.
فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأنسب في هذا الوقت أن يتم الصلح، وإذا لم يتم الصلح إلا بهذا الأمر فلا بأس، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ثم قال علي رضي الله عنه:
ويقول الله تعالى في كتابه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21}.
ومع هذا كله لم يرتدع القوم، ولم يرتدوا عن ما هم عليه، فأرسل لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حبرَ الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. ومن علماء المسلمين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في الملمات، وهي الأمور الصعبة العسيرة،
وذهب رضي الله عنه إلى القوم ليحاجهم، فلما دخل عليهم، وكان يرتدي حُلّة جديدة، فناظروه فيها، وقالوا له: ترتدي حلة عظيمة وجديدة؟!
فقال لهم: [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ] {الأعراف:32} .
فقام رجل منهم يُسمّى ابن الكوى، وهو متحدث فصيح، وقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه؛ هو ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرف، وهو ممن نزل فيه، وفي قومه قوله تعالى: [بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ] {الزُّخرف:58} فرُدّوهُ إلى صاحبكم، ولا تواضعوه كتاب الله.
فقال بعضهم: والله لنواضعنه، فإن جاء بحقٍ نعرفه تبعناه، وإن جاء بباطل لنكبتنّه بباطله.
فمكث فيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه ثلاثة أيام، يجادلهم ويجادلونه، ويحاورهم ويحاورنه.
وبعد جدال وحوار طويل وعميق قالوا: إنهم يأخذون على علي بن أبي طالب ثلاث نقاط.
1- أنه محا اسمه من الإمرة.
2- أنه حكّم الرجال في كتاب الله.
3- أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس، ورفض أن يوزع السبي والأموال.
.
تعليق