الأغاني القديمة والذكريات السعيدة
جابر جعفر الخطاب
تشيع الأغاني القديمة التي نسمعها من الأذاعات المختلفة نوعا من الفرح المشبوب بلوعة الاشتياق وتحملنا على بساط الذكريات الى أيام الطفولة والشباب والى الزمن الذي ولدت فيه هذه الأغاني وما قبله والتي لوّنت حياتنا بطابع الحب والمرح حينذاك وشكلت مع مرور السنين خزينا محببا من أجمل الذكريات . فعندما أستمع الى اية أغنية قديمة فانني ارحل مع لحنها وكلماتها الى الزمن البعيد حين كنا صغارا أو حين احتضنتنا معاهد العلم في صفوفها وأستعيد المكان والزمان والمشهد الحياتي الذي كنت فيه ساعة بثها بل وأتذكر الاشخاص والأحوال المناخية بشكل دقيق . كانت الاذاعة العراقية تذيع الأغنيات الجميلة لمطربين متنوعي الألوان والأطوار فكان الغناء الريفي الجميل يسعدنا بأنغامه الرقيقة وتدفقاته الشجية ونبغ فيه فنانون عراقيون رحل معظمهم ومن اشهرهم الفنان الرائع ( حضيري أبو عزيز ) وداخل حسن وعبد الصاحب شراد وناصر حكيم وعبد الجبار الدراجي ومجيد الفراتي وغيرهم فكانت أغنيات حضيري أبو عزيز تحتل الاذاعات العربية لرقة صوته وعذوبة ألحانه فكان يسمى بلبل الريف وقد رددت بعض أغنياته أصوات عربية متعددة واشتهرت له في فترة الأربعينات من القرن الماضي أغنية ( عمي يبياع الورد ) التي انتشرت في معظم الاذاعات العربية والأجنبية بل ودخلت الى الأفلام المصرية حين غنتها احدى المطربات في فلم مصري قديم . وقد ادى انتشار هذه الأغنية الى رواج أجهزة المذياع حيث كانت تباع في بغداد ومدن العراق الأخرى فكان البعض يشترط على البائع أن يحتوي الجهاز على هذه الأغنية واذا لم يذعها فانه سيعيده اليه. لقد كانت لي مع أغنية ( عمي يبياع الورد ) ذكريات جميلة لا تنسى ففي صيف
عام ( 1967 ) أصبت بضربة الشمس القاسية التي ألزمتني المستشفى لسبعة أيام متتالية كانت حرارة جسمي تتجاوز الأربعين يتم خفضها بقطع الثلج والقماش المثلج الذي يجف بعد دقائق وكان خطر الموت يحوم حولي في كل لحظة وقد انتزع بعض من كان معي
مصابا بنفس المرض وفي أحد الأيام وضعت الممرضة مزهرية ورد في الردهة وشاءت الصدف أن تكون المزهرية قرب سريري ولم تكن تعلم بأن هذا الورد سيتحول الى قصيدة وصفية وغزلية جميلة تنشر في الصحف وتذاع من الاذاعة في برنامج الشعر الشعبي العراقي ويتناقلها الكثيرون اعجابا بها وكان مطلع القصيدة
عمي يبياع الورد وردك حلال اجنيته
وردي جنابد فتحت يا وسفه ما شميته
*********
ولم أكن أملك قلما أو أوراقا حين شاهدت الورد يقترب من سريري في مستشفى الكاظمية آنذاك ولكنها ولدت وتكاملت شفهيا وعندما غادرت المستشفى الى البيت لأمضي شهرا تحت العلاج كنت قد نقلت القصيدة الى الورق ثم بعثتها الى جريدة ( كل شيء ) الأسبوعية الواسعة الانتشار فأعجب بها صاحب الجريدة وهو أديب وشاعر معروف ظل يترنم بها بعد نشرها ويرددها لزوار مجلسه وقد سألته ان كانت حرارة جسمي المرتفعة قد أصابت القصيدة فأخبرني بأنها أعطتها حرارة عاطفة وجمالية موسيقية وقد شاهدت القصيدة في العام الماضي منشورة في أحد المواقع الخليجية من قبل أستاذ جامعي خرج من العراق قبل سنين وحملها معه مع مجموعة من القصائد الشعبية رغم وجود أخطاء طباعية رافقت نشرها وما زالت القصيدة منشورة تحت عنوان ( قصائد حب عمي يبياع الورد كوكل) . لقد كان صوت المطرب الراحل ( حضيري أبو عزيز )
محورا تدور حوله أصوات غنائية متنوعة على سبيل التقليد او التشابه في النبرة الصوتية وكان صوت المطرب الراحل مجيد الفراتي قريبا من صوته وكان المطربون يحيون الحفلات الغنائية الخاصة بالأعراس في النوادي والمنازل وذات ليلة كان المطرب مجيد الفراتي يغني في احدى الحفلات المنزلية بمنطقة الكسرة قرب الأعظمية فتجمع الجيران في ساحة المنزل المكشوفة معتقدين
من صوته بأنه حضيري أبو عزيز لتشابه الصوتين وازدحمت السطوح المطلة على ساحة الحفل بالمتفرجين ولم تتحمل شرفات السطوح ضغط الجمهور المتكيء عليها فانهارت على المحتفلين وسقط المطرب مجيد الفراتي تحت أكوام الحجارة ونقل الى المستشفى وهو يئن أنات حقيقية من أضلاعه المصابة بعد أن كان يبعث الآهات الغرامية على أنغام الموسيقى وأمضى ليلته تحت العلاج. ان الأغاني القديمة تمثل أفلاما وثائقية تحمل عبق الزمن الماضي ونكهة لياليه المعطرة بالود والحنان فبعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام ( 1958 ) دخلت حياتنا أغنيات جديدة
ذات مضامين وطنية وانسانية صادقة سرعان ما دخلت قلوبنا وبتنا نرددها صباحا ومساءا لرقتها وانسيابية الحانها وجمالية أصواتها منها عراقية وعربية فكنا نشدو معها بسعادة بالغة وسرور عظيم ومن أجمل هذه الأغاني أنشودة وطنية رائعة للفنان الراحل محمد عبد الوهاب التي تقول ( اليوم فتحت عيني َ على صوت بينادي علييَّ
الدنيا بقت حريه . حريه ..حريه ) كانت هذه الأنشودة العذبة تشدني بانتظام كلما أذيعت في البرنامج اليومي ومن شدة تعلقي بها فقد بعثت برسالة الى برنامج ( ما يطلبه المستمعون ) أطلب اذاعتها بعد تأخر الأذاعة عن بثها عدة أيام وهذا البرنامج يختص بتقديم الأغاني العاطفية والغزلية التي يطلبها عشاقها وهو موجود في أغلب الاذاعات ولأول مرة في تاريخ هذا البرنامج تصله رسالة تطلب أنشودة وطنية وقد أذيعت الأنشودة ذات ليلة ضمن البرنامج ومعها اسم واحد هو اسمي أنا وكانت مفاجأة لجميع من سمعها وخاصة أساتذتي في المتوسطة فكنت أهرب من تعليقاتهم اللاذعة حول طلبي الغريب هذا وكانوا يقولون لي ألم تعجبك آلأف الأغاني العاطفية الرقيقة حتى تذهب الى طلب أنشودة وطنية تتكرر اذاعتها في البرنامج اليومي . والحقيقة فاني كنت استشعر الحب والعاطفة بأسمى صورهما في هذه الأنشودة التي يتعاظم فيها حب الوطن الذي هو أعلى درجات الحب في الحياة . وعندما ظهرت أغنية (ايظن ) للفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة في بداية الستينات كانت هذه الأغنية تحتل القلوب بلمساتها الرقيقة وهمساتها الدافئة فكنا نغلق كتبنا عند سماعها فنحلق معها على أجنحة الخيال وكنت في الرابع الأعدادي عند ظهورها ولم أتمالك نفسي حتى عارضتها بقصيدة غزلية على نفس قافيتها بعنوان ( أيظلُ ) نالت استحسان أستاذي في اللغة العربية ومنها
أيظلُ يحلمُ باسطا كفيه ِ حتى تعود الذكريات ُ اليه ِ
شتتِ أحلام الصبا بجفائه ِ وهدمت ِ عشا شاده ُ بيديه ِ
الحبُ عاش بقلبه ليضمه ُ كالطير حلقُ في علا غصُنيه ِ
وما زالت هذه القصيدة تشدني الى أيام الدراسة وذكرياتها السعيدة .
وفي عام ( 1962 ) أقامت اعدادية الكاظمية حفلها الفني السنوي على قاعة الحرية وكنت في الصف المنتهي فيها وكان الحفل على جانب كبير من التنسيق والابداع حيث برزت المواهب الفنية والأدبية للطلاب من تمثيل وغناء وانشاد الموشحات الأندلسية الرقيقة وعندما أستمع الى هذه الموشحات تعود بي الذاكرة الى ذلك الحفل الكبير حين اصطففت مع مجموعة من زملائي الطلبة على المسرح لننشد بشكل جماعي الموشح الأندلسي الجميل الذي يقول
ألغصن ُ اذا رآك َ مقبل سجدا والعين ُ اذا رأتك َ تخشى الرمدا
يا من بوصاله يداوي الكبدا ما تفعله اليوم َ تلقاه ُ غدا
وما زلت أحتفظ بصور هذا الحفل الذي شاركنا فيه الطالب صلاح القصب الذي هو الآن دكتور في كلية الفنون الجميلة كما أبدع الفنان جعفر حسن فغنى لفيروز يا جارة الوادي وهو الآن فنان كبير وملحن معروف .ان الحديث عن الذكريات التي تثيرها الأغاني القديمة متشعب ذو شجون وأختصر هذه الذكريات بالليالي الجميلة التي كانت تزورني فيها بعض الأصوات الجميلة وذات مرة عشت لحظات سعيدة مع مطربة مصرية قديمة وهي تنشد موشحا أندلسيا قديما رائعا يقول ( خلقتِ جميلة ً لتعذبينا ) فتفاعلت مع لحنه وموسيقاه وكتبت تشطيرا له
دعينا في مسرتنا دعينا ومن سحر الجدائل ظللينا
جعلت ِ قلوبنا تشكو بوجد ٍ ( خلقت ِ جميلة ً لتعذبينا )
وذات ليلة سهرت مع الفنان الكبير محمد عبد الوهاب في هدوء الليل الحالم وهو يتدفق بامواج ( النهر الخالد ) تحت ظلال النجوم التي رقصت خيوطها سكرى على صوته العذب ونغماته الشجية
فكتبت تشطيرا لمطلع هذا العمل الفني الكبير ما زلت أترنم به في لحظات التأمل والأستذكار
عيناك ِ في لحظها ابتهالُ
ويكبرُ الشوقُ والدلالُ
كأنها في رؤى الليالي
( مسافرزادهُ الخيال )
جابر جعفر الخطاب
تشيع الأغاني القديمة التي نسمعها من الأذاعات المختلفة نوعا من الفرح المشبوب بلوعة الاشتياق وتحملنا على بساط الذكريات الى أيام الطفولة والشباب والى الزمن الذي ولدت فيه هذه الأغاني وما قبله والتي لوّنت حياتنا بطابع الحب والمرح حينذاك وشكلت مع مرور السنين خزينا محببا من أجمل الذكريات . فعندما أستمع الى اية أغنية قديمة فانني ارحل مع لحنها وكلماتها الى الزمن البعيد حين كنا صغارا أو حين احتضنتنا معاهد العلم في صفوفها وأستعيد المكان والزمان والمشهد الحياتي الذي كنت فيه ساعة بثها بل وأتذكر الاشخاص والأحوال المناخية بشكل دقيق . كانت الاذاعة العراقية تذيع الأغنيات الجميلة لمطربين متنوعي الألوان والأطوار فكان الغناء الريفي الجميل يسعدنا بأنغامه الرقيقة وتدفقاته الشجية ونبغ فيه فنانون عراقيون رحل معظمهم ومن اشهرهم الفنان الرائع ( حضيري أبو عزيز ) وداخل حسن وعبد الصاحب شراد وناصر حكيم وعبد الجبار الدراجي ومجيد الفراتي وغيرهم فكانت أغنيات حضيري أبو عزيز تحتل الاذاعات العربية لرقة صوته وعذوبة ألحانه فكان يسمى بلبل الريف وقد رددت بعض أغنياته أصوات عربية متعددة واشتهرت له في فترة الأربعينات من القرن الماضي أغنية ( عمي يبياع الورد ) التي انتشرت في معظم الاذاعات العربية والأجنبية بل ودخلت الى الأفلام المصرية حين غنتها احدى المطربات في فلم مصري قديم . وقد ادى انتشار هذه الأغنية الى رواج أجهزة المذياع حيث كانت تباع في بغداد ومدن العراق الأخرى فكان البعض يشترط على البائع أن يحتوي الجهاز على هذه الأغنية واذا لم يذعها فانه سيعيده اليه. لقد كانت لي مع أغنية ( عمي يبياع الورد ) ذكريات جميلة لا تنسى ففي صيف
عام ( 1967 ) أصبت بضربة الشمس القاسية التي ألزمتني المستشفى لسبعة أيام متتالية كانت حرارة جسمي تتجاوز الأربعين يتم خفضها بقطع الثلج والقماش المثلج الذي يجف بعد دقائق وكان خطر الموت يحوم حولي في كل لحظة وقد انتزع بعض من كان معي
مصابا بنفس المرض وفي أحد الأيام وضعت الممرضة مزهرية ورد في الردهة وشاءت الصدف أن تكون المزهرية قرب سريري ولم تكن تعلم بأن هذا الورد سيتحول الى قصيدة وصفية وغزلية جميلة تنشر في الصحف وتذاع من الاذاعة في برنامج الشعر الشعبي العراقي ويتناقلها الكثيرون اعجابا بها وكان مطلع القصيدة
عمي يبياع الورد وردك حلال اجنيته
وردي جنابد فتحت يا وسفه ما شميته
*********
ولم أكن أملك قلما أو أوراقا حين شاهدت الورد يقترب من سريري في مستشفى الكاظمية آنذاك ولكنها ولدت وتكاملت شفهيا وعندما غادرت المستشفى الى البيت لأمضي شهرا تحت العلاج كنت قد نقلت القصيدة الى الورق ثم بعثتها الى جريدة ( كل شيء ) الأسبوعية الواسعة الانتشار فأعجب بها صاحب الجريدة وهو أديب وشاعر معروف ظل يترنم بها بعد نشرها ويرددها لزوار مجلسه وقد سألته ان كانت حرارة جسمي المرتفعة قد أصابت القصيدة فأخبرني بأنها أعطتها حرارة عاطفة وجمالية موسيقية وقد شاهدت القصيدة في العام الماضي منشورة في أحد المواقع الخليجية من قبل أستاذ جامعي خرج من العراق قبل سنين وحملها معه مع مجموعة من القصائد الشعبية رغم وجود أخطاء طباعية رافقت نشرها وما زالت القصيدة منشورة تحت عنوان ( قصائد حب عمي يبياع الورد كوكل) . لقد كان صوت المطرب الراحل ( حضيري أبو عزيز )
محورا تدور حوله أصوات غنائية متنوعة على سبيل التقليد او التشابه في النبرة الصوتية وكان صوت المطرب الراحل مجيد الفراتي قريبا من صوته وكان المطربون يحيون الحفلات الغنائية الخاصة بالأعراس في النوادي والمنازل وذات ليلة كان المطرب مجيد الفراتي يغني في احدى الحفلات المنزلية بمنطقة الكسرة قرب الأعظمية فتجمع الجيران في ساحة المنزل المكشوفة معتقدين
من صوته بأنه حضيري أبو عزيز لتشابه الصوتين وازدحمت السطوح المطلة على ساحة الحفل بالمتفرجين ولم تتحمل شرفات السطوح ضغط الجمهور المتكيء عليها فانهارت على المحتفلين وسقط المطرب مجيد الفراتي تحت أكوام الحجارة ونقل الى المستشفى وهو يئن أنات حقيقية من أضلاعه المصابة بعد أن كان يبعث الآهات الغرامية على أنغام الموسيقى وأمضى ليلته تحت العلاج. ان الأغاني القديمة تمثل أفلاما وثائقية تحمل عبق الزمن الماضي ونكهة لياليه المعطرة بالود والحنان فبعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام ( 1958 ) دخلت حياتنا أغنيات جديدة
ذات مضامين وطنية وانسانية صادقة سرعان ما دخلت قلوبنا وبتنا نرددها صباحا ومساءا لرقتها وانسيابية الحانها وجمالية أصواتها منها عراقية وعربية فكنا نشدو معها بسعادة بالغة وسرور عظيم ومن أجمل هذه الأغاني أنشودة وطنية رائعة للفنان الراحل محمد عبد الوهاب التي تقول ( اليوم فتحت عيني َ على صوت بينادي علييَّ
الدنيا بقت حريه . حريه ..حريه ) كانت هذه الأنشودة العذبة تشدني بانتظام كلما أذيعت في البرنامج اليومي ومن شدة تعلقي بها فقد بعثت برسالة الى برنامج ( ما يطلبه المستمعون ) أطلب اذاعتها بعد تأخر الأذاعة عن بثها عدة أيام وهذا البرنامج يختص بتقديم الأغاني العاطفية والغزلية التي يطلبها عشاقها وهو موجود في أغلب الاذاعات ولأول مرة في تاريخ هذا البرنامج تصله رسالة تطلب أنشودة وطنية وقد أذيعت الأنشودة ذات ليلة ضمن البرنامج ومعها اسم واحد هو اسمي أنا وكانت مفاجأة لجميع من سمعها وخاصة أساتذتي في المتوسطة فكنت أهرب من تعليقاتهم اللاذعة حول طلبي الغريب هذا وكانوا يقولون لي ألم تعجبك آلأف الأغاني العاطفية الرقيقة حتى تذهب الى طلب أنشودة وطنية تتكرر اذاعتها في البرنامج اليومي . والحقيقة فاني كنت استشعر الحب والعاطفة بأسمى صورهما في هذه الأنشودة التي يتعاظم فيها حب الوطن الذي هو أعلى درجات الحب في الحياة . وعندما ظهرت أغنية (ايظن ) للفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة في بداية الستينات كانت هذه الأغنية تحتل القلوب بلمساتها الرقيقة وهمساتها الدافئة فكنا نغلق كتبنا عند سماعها فنحلق معها على أجنحة الخيال وكنت في الرابع الأعدادي عند ظهورها ولم أتمالك نفسي حتى عارضتها بقصيدة غزلية على نفس قافيتها بعنوان ( أيظلُ ) نالت استحسان أستاذي في اللغة العربية ومنها
أيظلُ يحلمُ باسطا كفيه ِ حتى تعود الذكريات ُ اليه ِ
شتتِ أحلام الصبا بجفائه ِ وهدمت ِ عشا شاده ُ بيديه ِ
الحبُ عاش بقلبه ليضمه ُ كالطير حلقُ في علا غصُنيه ِ
وما زالت هذه القصيدة تشدني الى أيام الدراسة وذكرياتها السعيدة .
وفي عام ( 1962 ) أقامت اعدادية الكاظمية حفلها الفني السنوي على قاعة الحرية وكنت في الصف المنتهي فيها وكان الحفل على جانب كبير من التنسيق والابداع حيث برزت المواهب الفنية والأدبية للطلاب من تمثيل وغناء وانشاد الموشحات الأندلسية الرقيقة وعندما أستمع الى هذه الموشحات تعود بي الذاكرة الى ذلك الحفل الكبير حين اصطففت مع مجموعة من زملائي الطلبة على المسرح لننشد بشكل جماعي الموشح الأندلسي الجميل الذي يقول
ألغصن ُ اذا رآك َ مقبل سجدا والعين ُ اذا رأتك َ تخشى الرمدا
يا من بوصاله يداوي الكبدا ما تفعله اليوم َ تلقاه ُ غدا
وما زلت أحتفظ بصور هذا الحفل الذي شاركنا فيه الطالب صلاح القصب الذي هو الآن دكتور في كلية الفنون الجميلة كما أبدع الفنان جعفر حسن فغنى لفيروز يا جارة الوادي وهو الآن فنان كبير وملحن معروف .ان الحديث عن الذكريات التي تثيرها الأغاني القديمة متشعب ذو شجون وأختصر هذه الذكريات بالليالي الجميلة التي كانت تزورني فيها بعض الأصوات الجميلة وذات مرة عشت لحظات سعيدة مع مطربة مصرية قديمة وهي تنشد موشحا أندلسيا قديما رائعا يقول ( خلقتِ جميلة ً لتعذبينا ) فتفاعلت مع لحنه وموسيقاه وكتبت تشطيرا له
دعينا في مسرتنا دعينا ومن سحر الجدائل ظللينا
جعلت ِ قلوبنا تشكو بوجد ٍ ( خلقت ِ جميلة ً لتعذبينا )
وذات ليلة سهرت مع الفنان الكبير محمد عبد الوهاب في هدوء الليل الحالم وهو يتدفق بامواج ( النهر الخالد ) تحت ظلال النجوم التي رقصت خيوطها سكرى على صوته العذب ونغماته الشجية
فكتبت تشطيرا لمطلع هذا العمل الفني الكبير ما زلت أترنم به في لحظات التأمل والأستذكار
عيناك ِ في لحظها ابتهالُ
ويكبرُ الشوقُ والدلالُ
كأنها في رؤى الليالي
( مسافرزادهُ الخيال )
تعليق