إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صناعة النحاس في العين

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صناعة النحاس في العين

    تحتفظ الطبيعة بصورة عامة والصحراء بصورة خاصة بطرق ووسائل في غاية البراعة
    والإبداع للاحتفاظ بأسرارها وإبقائها مكنونة طي الكتمان .
    وهذه قصة أحد الأسرار التي كانت ستظل بالفعل طي الغياهب والكتمان لولا القيام
    ببعض أعمال التنقيب عن الآثار المضنية التي حظيت بكل الدعم والمساندة من جانب
    صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان .. رحمه الله ..
    وقد كان السر الذي توصلوا إلى اكتشافه يتمثل في أن مدينة العين قبل اكتشاف النفط
    بإمارة أبوظبي قد كانت حاضرة لصناعة رئيسية تعمل على إنتاج معدن
    من أثمن وأنفس المعادن التي عرفها الإنسان في ذلك العصر ألا وهو (( النحاس )) .
    إن نشوء العين كمركز لإنتاج النحاس قبل خمسة آلاف سنه
    واندثارها قبل ألف سنة قد أصبح الآن جزءاً لا يتجزأ من تاريخها .
    وإذا كانت العين اليوم تبدو كظاهرة حديثة .. فإن العين بالأمس
    قد كانت بالفعل ظاهرة فائقة الروعة أيضاً .
    لقد تم التوصل في الدلائل الأولى على وجود عمال النحاس وعائلاتهم في الماضي
    من خلال أعمال التنقيب عن الآثار في أضرحة المقابر القديمة عند سفوح جبل حفيت
    بمدينة العين . كما تم اكتشاف المئات من هذه القبور في الطرف الشمالي
    من جبل حفيت وعلى امتداد التلال القائمة على سفوحه الشرقية .
    وقد تم حتى الآن استكشاف أكثر من سبعين ضريحاً يستدل منها علماء الآثار
    على حقيقة وجود شعب يعيش هناك حتى قبل
    نشوء العديد من حضارات العالم الرئيسية .



    صوره 1


    علماء الآثار بمتحف العين أثناء تنقيبهم بأحد الأضرحة عند سفح جبل حفيت بالعين

    ومن خلال تحديد تاريخ الأواني الفخارية والنحاسية المكتشفة
    في تلك الأضرحة واستخدام الأساليب الدقيقة لتحديد عمر ذرات الكربون
    في عينات الفحم التي تم العثور عليها هناك ، تمكن علماء الآثار من تقدير
    عمر تلك الأضرحة بما ينوف على خمسة آلاف سنة .
    وقد تم العثور على قطع صغيرة مما يعتقد أنه كأس أو سوار نحاس
    وبعد إجراء الفحوص والتحاليل الدقيقة عليها ، تبين أنها تشتمل على خليط
    من النحاس والزرنيخ مما يماثل سبائك الأغراض المعدنية من تلك الحقبة
    التي تم العثور عليها في بلدان أخرى .
    وإلى جانب الأضرحة المكتشفة عثر علماء الآثار على ما يعتقد أنه بقايا لبيت
    من تلك الفترة مما أعطى العلماء بعداً إضافيا لتصور كيفية تمكن الناس القدامى
    من إنتاج النحاس بكميات مجدية .
    ومما لاشك فيه أن النحاس قد كان معدناً نادراً وثميناً في تلك الأيام
    وكان استخراجه ولا يزال يعتمد على توفر الخامات الغنية بمعدن النحاس .
    وقد اتجه عمال التعدين إلى سلاسل الجبال الممتدة بين العين وعمان لاستخراج
    النحاس الذي كانوا يحتاجون إليه في صناعاتهم من الجيوب الغنية
    بخامات ذلك المعدن في تلك المنطقة .



    صوره 2


    اكتشاف ما يعتقد علماء الآثار بأنه بقايا لبيت قديم مما مكن العلماء
    من اعادة تشكيل نمط الحياة الذي كان سائداً في العين قبل 5000 سنه

    ولم تكن أعمال التعدين الشاقة لتثني من عزائم أولئك العمال
    فقد اعتمدوا في معاشهم على التعدين . وكانت الأسر بكامل أفرادها
    ترتبط بالتعدين وتعمل جاهدة لتأمين النجاح في تلك المهمة.
    وكان الآباء والأبناء يحفرون بأيديهم بحثاً عن خامات النحاس داخل مناجم مكشوفة
    على شكل خنادق عند سفوح الجبال . كما كانوا يستخدمون قطعاً كبيرة
    من الحجارة الصلدة لتكسير واجهة الصخر بها بحثاً عن العروق الغنية بالنحاس الخام .
    ومع ذلك فإن كثيراً من جهودهم كانت تضيع سدى وتذهب أدراج الرياح
    حيث كان يجري طرح الكثير من الصخور المقتلعة من المحجر نظراً لقلة تركيزات
    النحاس اللازمة ولم تكن الخامات التي تحتوي على معدن النحاس
    بنسبة أقل من ثلاثين بالمائة تستحق العناء لصهرها .



    صوره 3



    صوره 4

    منجم مفتوح على شكل خندق

  • #2
    ومن أجل إنتاج النحاس فإنه يتعين تسخين خامات النحاس المكسرة
    إلى مستوى 1200 درجة مئوية مما يعد عملاً صعباً وغير عادي في
    تلك الأيام قبل ظهور المصاهر الحديثة .
    ومن أجل صهر مجرد كيلو غرام واحد من خامات النحاس ، فإن الأمر كان
    يتطلب استخدام زهاء خمسة عشر كيلو غراماً من الفحم .
    ولذلك فإن استخراج النحاس كان يتوقف على عاملين
    أولهما : وفرة الخامات الغنية بمعدن النحاس .
    وثانيهما : وجود مصدر غني بالأخشاب لصنع الفحم المستخدم في أعمال الصهر.
    وربما كان الحصول على مصدر ثابت للأخشاب لصنع الفحم المستخدم في الصهر
    يمثل مشكلة أصعب من عملية الحصول على خامات النحاس نفسها .
    ونظراً لعدم العثور على مستوطنات قديمة يعود تاريخها إلى تلك الحقبة
    فقد استنتج علماء الآثار أن عمال النحاس في تلك الفترة لابد وأن كانوا
    من القبائل الرحل التي تنتقل هنا وهناك طلباً للأخشاب المأخوذة من شجر السنط
    أو اللبان العربي المألوفة بالمنطقة لصنع الفحم اللازم لأعمال صهر النحاس.
    وربما كانت المياه تمثل مشكلة أخرى ومن المحتمل أيضاً أن أولئك الناس الرحل
    كانوا يحضرون موتاهم لدفنهم عند سفوح جبل حفيت كتقليد اجتماعي أو ديني.
    ولكن من الواضح لدينا الآن أن أولئك الناس كانوا يحرصون على إيداع
    عدد من الأواني الفخارية المستوردة من بلاد مابين النهرين والأدوات النحاسية المصنوعة
    محلياً إلى جانب موتاهم عند دفنهم في تلك المقابر .


    صوره 1


    الأواني الفخارية المصنوعة في بلاد ما بين النهرين والمكتشفة في أضرحة جبل حفيت بالعين

    ومع أن علماء الآثار لم يتوصلوا حتى الآن إلى اكتشاف أي دليل مباشر على
    حقيقة القيام بصهر خامات النحاس بمنطقة جبل حفيت .. فإن المكتشفات
    من هذه الأدوات النحاسية التي أمكن العثور عليها في القبور هناك تدل
    دلالة قاطعة على أن أولئك الناس قد كانت تتوفر لديهم المعرفة الفنية لصهر النحاس
    إبان تلك الفترة قبل خمسة آلاف سنة .
    وكان الفرن البدائي الذي استخدموه في أعمال الصهر عبارة عن حفرة
    في باطن الأرض ومبطنة بخليط من الفخار والرمل. وكان يجري نفخ الهواء من كير
    مصنوع من جلود الحيوانات عبر أنابيب من الفخار ليصل إلى أسفل الموقد
    ويعمل على رفع درجة حرارة الفحم.
    وعند تفاعل النحاس الخام مع غاز ثاني أكسيد الكربون فإنه يتولد عن ذلك
    مادة النحاس المصهورة . ويستدل عمال الصهر من لون الغازات المتصاعدة من النار
    فيما إذا كانت درجة الحرارة والجو في مستويات وأوضاع ملائمة لإتمام عملية الصهر.
    وكانت عمليات الصهر شاقة ومضنية كما كانت كل عملية تستغرق قرابة 6 أو 7 ساعات.
    وعند إتمام العملية فإن الفرن يترك كي يبرد ثم يصار بعد ذلك إلى رفع
    كتل النحاس الخام المتشكلة في قعر الموقد .
    وعلى الرغم من أن هذه العملية كانت تتطلب جهوداً مضنية وتستغرق أوقات طويلة
    إلا أنها كانت تستحق كل ذلك العناء والجهود المبذولة في سبيلها


    صوره 2


    صهر النحاس باستخدام أكيار من الجلود


    وكان يجري تصدير النحاس إلى عدة أماكن تجارية على سواحل الخليج
    عن طريق جزيرة أم النار القائمة على بعد عدة كيلومترات فقط من جزيرة أبوظبي
    والتي يعتقد علماء الآثار بأنها قد كانت ميناء رائج ومزدهر قبل زهاء 4500 سنه .
    وكان التجار يفدون إلى هنا من بلاد مابين النهرين ( دجلة والفرات اليوم ) لشراء
    النحاس القيم وبيع ما يجلبونه معهم من أدوات فخارية وحلي .
    وقد تم العثور في القبور القائمة عند سفوح جبل حفيت على عينات
    من تلك الأدوات والحلي المصنوعة في بلاد ما بين النهرين وكانت
    السهول الخصبة المحاطة بنهري دجلة والفرات تمثل السوق الرئيسية
    لصادرات النحاس من العين وذلك لآن ما بين النهرين على الرغم
    من تقدمها في الحضارة آنذاك فإنها قد كانت بحاجة إلى استيراد كميات
    من المعادن والحجارة والأخشاب . وقد مكنت سوق النحاس هذه
    عمال التعدين وعائلاتهم في الجبال المحيطة بالعين من الاستمتاع بالحياة
    وان كانت تلك المهنة قاسية عليهم بعض الشيء


    صوره 3


    آثار نحاسية من أضرحة جبل حفيت بالعين

    تعليق


    • #3
      ( العصر البرونزي )

      كانت الحقبة الأثرية التالية التي أصبحت فيها منطقة العين مركزاً هاماً لصناعة النحاس
      قبل فترة 4000 سنة تقريباً.
      ويستدل من الحفريات الأثرية التي أجريت بمنطقة الهيلي في العين
      بما لا يدع مجالاً للشك على حقيقة صهر وسكب النحاس في المنطقة
      فقد تم العثور على شظايا من قوالب وبواتق كانت تستخدم في عملية السكب
      بالإضافة إلى نفايات معدنية وبقايا من جدران موقد مما يدل دلاله قاطعة
      على وجود مشغل قديم للنحاس هناك بثلاثة مصاهر على الأقل


      صوره 1


      مشهد لمشغل نحاس قديم في حدائق هيلي بالعين

      ويمكن الرط جغرافياً بين منطقة التعدين هذه وبين المواقع الأثرية في حدائق الهيلي
      مما يشكل الدلالة المباشرة الأولى على القيام بأعمال سكب النحاس في العين.
      وقد عثر أحد المزارعين بمحض الصدفة على ضريح قديم بمنطقة القطارة في العين
      أثناء قيامة بتسوية مزرعته بجرافه . ويعد هذا الاكتشاف بمثابة تقدم هائل
      وكان العلماء والمؤرخون يتطلعون إليه بفارغ الصبر.


      صوره 2


      الضريح المكتشف في القطارة بالعين

      وبعد أشهر من أعمال التنقيب الدقيقة هناك تمكن أخصائيو الآثار بمتحف العين
      من العثور على عدد وفير من الخناجر والسيوف المصنوعة
      من النحاس الخالص أو المخلوط مع معادن أخرى.
      وكان ذلك بمثابة تحقيق حلم كبير لعلماء الآثار . وقد بلغت تلك المكتشفات
      في مجملها أكثر من 40 قطعة من أقدم وأنفس النماذج من السيوف
      والخناجر البرونزية التي أمكن العثور عليها حتى الآن في كافة أرجاء المعمورة
      وقد ثبت علمياً أن تاريخ هذه المكتشفات الرئيسية يعود إلى نحو أربعة آلاف سنة.
      كما تبين من تحليل مكونات تلك الأسلحة وجود تركيزات من " النيكل "
      في السبائك النحاسية للحصول على "البرونز"
      مما يمثل قفزه نوعية كبيرة في تلك الصناعة


      صوره 3


      سيوف وحراب وخناجر مكتشفة في ضريح القطارة

      ونظراً لعدم وجود مصادر محلية للحصول على خامات التنك في
      هذا الجزء من شبة الجزيرة العربية ، فإنه يبدوا أن من المرجح الحصول
      على معدن التنك من المناجم البعيدة القائمة فيما يعرف اليوم بإيران .
      وقد تم العثور في المواقع الأثرية لبلاد ما بين النهرين على نماذج مماثله
      لأنواع الخناجر والسيوف المكتشفة في منطقة العين .
      وبالمقاربة فإن وجود تركيزات قليله من النيكل في السبائك البرونزية
      يستدل منه على القيام بصهر النحاس من الخامات
      كما أن النحاسين القدامى في العين قد استخدموا نفس السبائك المعدنية
      والأساليب الفنية المعروفة قديماً لإنتاج أسلحة تضاهي في جودتها
      أفضل ما تم العثور عليه من تلك الأسلحة القديمة في أي مكان آخر بالعالم .

      تعليق


      • #4
        ( العصر الحديدي )

        نظراً لطبيعة الأبحاث الأثرية فإن من غير الممكن في الغالب إعادة
        تركيب السلسلة المتواصلة من التطورات التاريخية المتعاقبة في أية منطقة بائدة
        وعلى سبيل المثال .. فإننا لا نملك سوى نوافذ صغيرة لوجهات النظر
        بشان الآثار المكتشفة في مدينة العين. وبعد مكتشفات الأضرحة التي
        أمكن العثور عليها في حديقة الهيلي ، فإن ثمة فجوة أخرى قد ظلت
        ملحوظة في السجل الأثري لتلك المنطقة .
        ويرجع الفضل في سد تلك الثغرة إلى اكتشاف قرية يعود تاريخها إلى "العصر الحديدي"
        في موقع لا يبعد سوى أقل من كيلومترين من حدائق الهيلي
        مما أمد علماء الآثار في متحف العين بالحلقة المفقودة من التسلسل الزمني
        وأكد النظرية القائلة بأن أعمال تعدين وصهر النحاس قد استمرت في الرواج والازدهار
        في المنطقة طوال فترة العصر الحديدي بعد مرور ألفي سنة
        على بداية مزاولتها في أطراف جبل حفيت


        صوره 1


        قرية من العصر الحديدي – يرجع الفضل في اكتشافها إلى علماء الآثار بمتحف العين

        وقد اكتشف علماء الآثار هذه القرية عام 1976م وبدأوا في تشكيل صورة
        عن الطريقة التي كان يعيش فيها أهل المنطقة قبل 3000 سنة .
        وكانت مهنة الزراعة وحرفة التعدين عن النحاس تشكلان بالنسبة لسكان تلك القرية
        أهم مصدرين رئيسين للثروة كما كانتا مرتبطتين بنظام الأفلاج للري
        الذي يعتمد على جر المياه الجوفية من الينابيع في الجبال
        إلى مناطق السهول الغنية بالأتربة الصالحة للزراعة.
        إن عدم العثور على ما يشير إلى وجود أسوار دفاعية لحماية القرية المكتشفة
        يدل على شيوع فترة من السلام والطمأنينة النسبية مما يشجع
        بدوره على ازدهار التجارة ونمو الاقتصاد.
        وعلى الرغم من تسمية تلك الحقبة بالعصر الحديدي، فإن السكان المحليين
        لم يكن لهم صله كبيرة بإنتاج الحديد . وينطبق ذلك على أغلب مناطق الخليج
        حيث ظلت الأدوات والسبائك النحاسية تشكل الغالبية العظمى من المكتشفات الأثرية
        التي يعود تاريخها إلى تلك الحقبة .
        وقد تم العثور على كتلتين من النحاس الخام تزنان معاً أكثر من كيلوغرام ونصف.
        ومن المعتقد أن إنتاج النحاس قد ازدادت مستوياته بفضل استخدام أفران اكبر
        وأكيار أكثر فاعلية. وكانت الأفران تشاد من الرمل والفخار
        بقطر 40 سنتيمتراً تقريباً فوق سطح الأرض.
        ومن المرجح أن قدامى النحاسين قد استخدموا (( الأكيار المنتفخة ))
        التي تعد أكثر الأكيار فاعلية مما كان يعرف منها في تلك الفترة.
        وقد جرى استخدام تلك الأكيار بصورة مزدوجة وكانت تدار بالأقدام
        لزيادة ضغط الهواء داخل المصهر. وكانت النتيجة عند برود الفرن بعد الانتهاء
        من عملية الصهر لمدة ست ساعات تتمثل في الحصول على سبيكة من النحاس الخام
        أكبر بكثير من تلك السبائك التي كان النحاسون
        في مصهر جبل حفيت يأملون في الحصول عليها


        صوره 2


        صهر النحاس باستخدام الأكيار المنتفخة

        وعلى النقيض من أسلافهم، فقد تعلم النحاسون في "العصر الحديدي"
        كيفية تنقية نحاسهم الخام بواسطة النار. وكان ذلك يتطلب
        إعادة صهر السبائك النحاسية لحرق الشوائب العالقة فيها مثل أكسيد الحديد.
        وكانت المحصلة لذلك إنتاج نحاس بنوعية أفضل لصنع مواد أكثر جودة
        مع أن من المرجح أنه لم تتم تنقية سوى كميات قليلة من النحاس الخام
        المستخرج من تلك القرية في حين أن أغلب الكميات المنتجة
        كانت تأخذ طريقها عبر الممرات التجارية القديمة انطلاقاً من ميناء "ام النار"
        إلى بلاد ما بين النهرين أو إلى الأسواق المستجدة فيما بعد في
        بلاد الهند عند نشوء الإمبراطورية الآشورية.
        وكانت تنقية النحاس عملية صعبة وشاقة كما هو الحال في عملية صهر خاماته الأولية.
        وكان على النحاس الذي يعمل في مجال التنقية إبقاء فرنه
        على مستوى 1200 درجة مئوية لمدة ساعتين على الأقل قبل التأكد
        من ضمان النجاح في عملية صب النحاس المصهور في القوالب الفخارية.


        صوره 3


        تنقية النحاس بالنار

        تعليق


        • #5
          ولكن مواهب عمال القرية لم تتوقف عند ذلك الحد.
          فقد تبين لعلماء الآثار الذين يدرسون منطقة الهيلي أن أهل القرية المذكورة
          قد تمكنوا أيضاً من صناعة "البرونز" الذي يناسب صناعة الأدوات والأسلحة
          نظراً لكونه أشد صلابة وأقوى من النحاس.
          وكانت صناعة البرونز تجري بتحريك النحاس المصهور بعصا خضراء لإزالة الغازات الذائبة
          في المعدن المصهور مما يعمل على تقليل احتمال
          تشكل الفقاقيع الهوائية في المنتجات النهائية.
          كما كان يضاف إلى النحاس أثناء التحريك ما نسبته خمسة إلى عشرة بالمائة
          من معدن "التنك" المستورد قبل أن يصار إلى صب النحاس
          المصهور في القوالب الفخارية المخصصة لذلك الغرض.
          ومع ازدياد الإنتاج من النحاس، كان الطلب على الفحم يزداد أيضاً.
          وربما كانت صناعة النحاس في تلك الفترة منظمة بتوزيع العمال على فئات
          بمهام محدودة حيث كانت إحدى الفئات تقوم بإنتاج الفحم
          وفئة أخرى تتولى مهام التعدين في حين كان هناك عدد محدود من المختصين
          الذين يتولون مهام صهر النحاس وسكبه. وكانت مهنتا الزراعة المحلية والرعي
          تكملان صورة الحياة السائدة في تلك الأيام.
          وقد ظلت صناعة النحاس رائجة ومزدهرة في العين لمدة 500 عام
          ولكنها توقفت بعد ذلك بصورة مفاجئة. ولابد أن شيئاً مريعاً قد حصل
          مما أدى إلى هجر القرية أبان العصر الحديدي وكساد تلك الصناعة.
          ولكن الذي حصل بالضبط لا يزال لغزاً محيراً للعلماء والمؤرخين.
          وربما كان السبب في ذلك راجعاً إلى خلل واضطراب في نظام الري بالأفلاج
          الذي كان قائماً هناك أو إلى تغير في الأنماط التجارية
          مع احتمال الإفراط في الإنتاج الزائد من النحاس مما أدى إلى
          وضع ضغط هائل على الإمدادات المحلية من الأخشاب
          وربما كان النقص في مواد الوقود عاملاً حاسماً في التدهور الاقتصادي
          الذي شهدته المنطقة آنذاك. وثمة نظرية أخرى تعزو أسباب ذلك التدهور الاقتصادي
          إلى احتمال تأثر صناعة النحاس بالحروب العديدة التي دارت رحاها
          بين اليونان والفرس والآشوريين في تلك الحقبة.
          ومهما يكن السبب الحقيقي لذلك، فإن من المؤكد أن قصة النحاس
          قد أخذت تخبو وراء حجب التاريخ حتى بدت وكأنها توارت في غياهب الزمن.
          ولكن إذا ظن بعض المؤرخين أن صناعة النحاس كانت قد انقرضت واندثرت
          إلى الأبد فإنهم بلا شك مخطئون في ذلك الظن.

          ( العصر الإسلامي )

          مع وصول الإسلام إلى المنطقة قبل 1360 عام، برزت هناك روح جديدة
          من حب المغامرة والمبادرة في شتى المجالات. وقد أدى ذلك
          إلى بعث صناعة النحاس من جديد بعد فترة طويلة من الركود الذي ران عليها
          وأعيد تنظيم تلك الصناعة بتقنيات ومواهب ودوافع تجارية جديدة لتلبية
          الاحتياجات المتزايدة للأسواق المتنامية بسرعة في المنطقة الشاسعة الممتدة
          بين نهر الفرات في الشمال وحتى وادي نهر "الاندوز" في جنوب آسيا.
          وقد اكتشف علماء الآثار صنوفاً عديدة من المواقد الإسلامية المشادة على
          سفوح التلال هناك مما يدل على حصول ثورة صناعية كبرى عمت سائر أرجاء المنطقة.
          وقد عثر علماء التنقيب على 70 فرناً في موقع واحد فقط
          بالإضافة إلى كميات وفيرة من خبث المعادن مما يعد بمثابة المخلفات الصناعية
          الناجمة عن عملية الصهر. وقد منح هذا الاكتشاف علماء الآثار الفرصة
          لإعادة تشكيل الأحداث المتسلسلة في تلك الثورة الصناعية
          التي عمت سائر أرجاء المنطقة وعملت على
          تحويل بلدة العين وصياغة تشكيلها منذ زمن بعيد.


          صوره 1


          في هذا الموقع لوحده عثر علماء الآثار على أكثر من سبعين مصهراً اسلامياً

          وقد تم في تلك الأفران استخدام أكيار يدوية كبيرة مزدوجة
          مما عمل على زيادة تدفق الهواء ورفع معدلات الاحتراق ودرجات الحرارة
          في المواقد بصورة كبيرة. وكان إنتاج النحاس يجري هناك على نطاق واسع
          كما أن إمكانية التقاط النحاس وخبث المعادن بصورة متوالية
          من خلال الفتحة الصغيرة المثقوبة في أسفل الموقد، قد مكنت
          من استمرار عملية الصهر نفسها ليلاً ونهاراً دون توقف


          صوره 2


          اعادة تشكيل مصهر اسلامي في الموقع الأصلي بإشادة مواقد حديثة فوق الأساسات القديمة

          ولكن هذا المعدل العالي من الإنتاج كان له ثمنه الباهظ أيضاً
          فقد اعتمد عمال التعدين المسلمون، شأنهم في ذلك شأن من سبقهم،
          على الإمدادات الضخمة من الأخشاب المتوفرة لصناعة الفحم
          وربما كانوا يستهلكون أكثر من الطاقة الممكنة للمنطقة
          خاصة وأن الأفران الجديدة الكبيرة كانت تستهلك الفحم بدرجة هائلة.
          ومن المقدر أن كل فرن من تلك الأفران الكبيرة كان يستهلك
          زهاء ثلاثين كيلو غراماً من الفحم النباتي مقابل كل
          كيلو غرام واحد يتم صهره من النحاس الخام. ومن المرجح أن الطلب
          على الأخشاب المحلية كان كبيراً جداً لدرجة أن الأخشاب اللازمة
          لابد وأن جرى استيرادها من الخارج للمحافظة على معدلات الإنتاج العالية.
          وكانت مسألة توفر النحاس في هذه الفترة أخف وطأة وأقل حدة
          من مشكلة توفر الوقود على الرغم من أن العروق المكشوفة كانت
          قد استنزفت خلال فترة الأربعة آلاف سنه السابقة لدرجة أن عمال
          التعدين المسلمين كان عليهم أن يتوغلوا أكثر من ذي قبل
          في منحدرات التلال للكشف عن مكامن جديدة.
          وعلى الرغم من صعوبة وخطورة التعدين، فقد سارت تلك المهنة قدماً
          وازدادت قوة وازدهاراً مع مرور الزمن.
          وقد بدا في وقت من الأوقات أن تلك الصناعة سوف تستمر إلى مالا نهاية

          تعليق


          • #6
            ( الانحدار والاندثار )

            يبدو أن من المفارقات الغريبة ومن سخرية الأقدار العجيبة
            أن السر في قصة نجاح وازدهار صناعة النحاس في العين
            كان هو نفس السبب الكامن وراء انهيار تلك الصناعة واندثارها
            عندما نضب معين النحاس الخام من المنطقة.
            لقد جرى تعدين واستغلال الطبقات الغنية بخامات النحاس بصورة زائدة
            ودون هوادة على مدى أربعة آلاف سنه وراح عمال التعدين
            يجوبون مختلف سفوح التلال لحفر المناجم واستكشاف
            عروق جديدة من النحاس الخام. وتبدو المنطقة اليوم
            حافلة بالشواهد والآثار الباقية من المناجم والحفريات البائدة
            التي تدل على نشوء وازدهار صناعة كثيرة المتطلبات والاحتياجات.


            صوره 1



            صوره 2


            جلب خامات النحاس من منجم اسلامي

            وفي النهاية ... كانت النتيجة لذلك محتومة .
            فقد استنزفت الطبقات الحاوية للنحاس إلى درجة النضوب
            من ذلك المعدن وتوقفت بعدها أعمال التعدين وتحولت على أثرها
            المستوطنات والقرى إلى أماكن أخرى وأخذت المنطقة في الانزلاق
            مع تدهور الاقتصاد وأفول نجم الازدهار فيها.
            لقد عاش عمال المناجم في العين أيامهم المجيدة.
            وفي الأخير شاءت الأقدار أن تصل تلك الصناعة إلى نهايتها
            وأن تندثر تلك التجارة الزاهرة التي راجت لفترات طويلة من بلاد ما بين النهرين
            واقليم وادي نهر الاندوز جنوب آسيا وعملت على جلب ثروات طائلة
            على مدى قرون عديدة إلى المنطقة الممتدة بين العين
            في دولة الإمارات العربية المتحدة وصحار في سلطنة عمان.
            لقد اندثرت صناعة وتجارة النحاس واختفت من حياة الناس
            في منطقة العين في هذه الأيام. ولكن ذكراها ستظل عطرة ماثلة في الأذهان
            كما ستبقى قصتها خالدة في بطون التاريخ والسجلات على مر العهود والأزمان .

            وأخيراً أتقدم بالشكر الجزيل لكل من شركتي أدنوك وأدكو
            على قيامهم بهذا البحث الشامل عن صناعة النحاس في مدينة العين
            كما أتقدم بالشكر أيضاً لمتحف العين الذي سهل علي الحصول على هذا البحث
            وأشكر الاستاذ محمد ورد لمساعدتي في اخراج الصور بهذه الصوره

            دمتم بود .. شمسه ..

            تعليق


            • #7
              الغالية شماسي
              موضوع روعة
              لصناعة النحاس ...
              شكرا على هذا المجهود الرائع ...

              تعليق


              • #8
                العزيزة شمسة
                موضوع شامل ووافي
                وتستحقين كل التقدير على هذه المعلومات
                وهذه مشغولات نحاسية من العهد العثماني

                تعليق


                • #9
                  شكرا لك شمسه
                  موضوع وافي ومميز
                  وارشيف متكامل .. تستحقين عليه
                  كل الثناء والتقدير .. تقبلي تحياتنا

                  تعليق


                  • #10
                    مشرفتنا الغالية شمسه
                    ذهبت معك في رحله رائعه
                    عمرها خمسة الاف عام لاتابع قصة كفاح
                    اجدادك الرائعه التي نقشوا سطورها بجهد وبعرق
                    علي صخور صلدة فكانت ارادتهم اصلب واقوى
                    وهم يبحثون عن لقمة العيش ليضربوا لنا
                    امثال رائعه في الصبر والجلد وابتكار ادواتهم
                    لاستخراج النحاس من بين الصخور
                    وصهره وسكبه واعادة صياغته
                    وتشكيله مراحل مضنية
                    ولا شك .. وصبرك
                    الجميل في نقل
                    واعداد هذا الموضوع الرائع انما هي سمات جميله
                    لمسناها في اهل العين ورثوها من اجدادهم
                    وحافظوا عليها لاصالتهم وطيبة قلوبهم
                    الموضوع رائع ويستحق التثبيت
                    لما فيه من دروس تحث علي
                    الصبر والجلد والتعاون بين
                    افراد الاسرة الواحدة
                    والبلدة الواحدة
                    واحلي تقييم
                    واهدىي لعيونك مجموعة صور
                    احتفظت بها من مواقع اجنبيه
                    تحت اسم :
                    ( من رحيق الماضي )


                    صوره 1

                    دورق من النحاس وجد بالعراق

                    صوره 2

                    كأس من النحاس مزخرف بأشكال ادمية ونقوش لحيوانات وجد بمصر

                    صوره 3

                    بلطة من النحاس وجدت بفلسطين

                    صوره 4

                    خنجر من النحاس وجد بايران

                    تعليق


                    • #11
                      الغالية قمر
                      طلتك على الموضوع
                      هو الروعة
                      تسلمين يا أعز صديقة

                      تعليق


                      • #12
                        عزيزتي وأختي الغالية شريرة
                        أشكر لك زيارة الموضوع
                        كما أشكرك على الصور
                        التي ارفقتيها بالرد

                        تعليق


                        • #13
                          أخي العزيز ثامر داود
                          أشكرك على ثنائك وتقديرك للموضوع
                          واعجابك به اسعدني

                          تعليق


                          • #14
                            أستاذي العزيز محمد ورد
                            أن تقديرك لكفاح أهالي مدينة العين
                            من خمسة آلاف عام
                            ووصفهم كمثال رائع في الصبر والجلد
                            على تحصيل لقمة العيش
                            اسعدني ... لأنني استطعت
                            أن أوصل للغاية من هذا البحث
                            وهو تقدير هؤلاء الناس الذين
                            خلقوا للعين حضارة وإن اندثرت
                            فهي ستظل في قلوبنا ذكرى عطرة نفخر بها
                            على مر الأزمان
                            وأشكر لك كلامك الجميل عن أهالي مدينة العين
                            وكما قلت هي سمات جميله ورثناها من اجدادنا
                            الطيبين والمثابرين والذين حفروا الصخر بأيديهم
                            لأجل لقمة العيش
                            تقبل سلامي .. شمسه ..

                            تعليق


                            • #15
                              شكرا لك عزيزتي شمسة
                              انت ابدعت واشرقتي بهذا الموضوع المميز
                              ومو بس استاذ محمد ذهب برحلة
                              في هذا الموضوع كمان انا واكيد كل من قرئه
                              وياريت اللي ما قرئه يمر عليه حتي لو مرور
                              لانه يستحق وانت تستحقين الشكر
                              واحب اقولك انا اعشق شغل النحاس
                              والنحت عليه

                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                              المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                              المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                              يعمل...
                              X