مأساة ..فى لوحة !
فى منتصف القرن التاسع عشر
تصاعدت فى روسيا
دعوات للإصلاح الإجتماعى
والتصدى للفساد المستشرى
دعوة ..تبنتها جهات متعددة
منها الفن والأدب
ولم يلبث الفن التشكيلى
أن لحق بها لتوضيح الآفات الإجتماعية
خاصة فيما يتعلق بالزيجات غير المتكافئة
وبيع الأسر بناتها لكهول اثرياء
ووأد أحلامهن فى حياة أسرية سعيدة
فقدم الفنان
Firs Zhuravlyov
1836
1901
أكثر من لوحة فى هذا الصدد
AFTER THE MARRIAGE
CEREMONY

BEFORE THE WEDDING

لكن إختيارى قد وقع على لوحة
The Unequal Marriage
للرسام الروسى
Vasily Pukirev
1832 -1890
من مؤسسى المدرسة الروسية الواقعية
والهادفة فى حينها كما أسلفت
لإنتقاد الفساد والتقاليد والأعراف البالية
واللوحة
تكاد بشهرتها أن تطغى على سائر أعماله
وكأنها صرخة مدوية لإيقاظ الضمائر
والدفع باتجاه التغيير الاجتماعي
وفيها يصور بواقعية
وبقسوة شديدة مراسم زواج غير متكافئ
لرجل مسن
يبدو انه متقاعد للتو من الخدمة العسكرية
وفتاة صغيرة أقرب لطفلة ..
تخاصمها السعادة فى ليلة عرسها
بعيون متورمة من البكاء ..شاردة ..حزينة
غير معنية بالخاتم الذى يستعد الكاهن لإلباسها إياه
وتكاد الشمعة فى يدها اليسرى أن تسقط منها أرضا !

الزواج غير المتكافئ
كان أمرا شائعا في روسيا في ذلك الوقت
وهناك أغان فولكلورية مليئة بالحزن والحداد
تتحدّث عن الظلم الفادح الذي يقع على المرأة
بسبب مثل هذا الزواج
كما تناولَ هذه الظاهرة العديد من الكتّاب
بمن فيهم الشاعر بوشكين
الذي أشار إليها في أكثر من قصيدة.
وقد انتقلت الفكرة إلى الرسم
بعد وقت طويل من معالجتها في الأدب،
وذلك للتأكيد
على ما يجلبه هذا النوع من الزيجات من مآسٍ ومعاناة.
يقال إن الواقعة حقيقية
وأن الرسّام شهدها بنفسه قبل عام من رسمه اللوحة
كانت الفتاة تحبّ شابّا من نفس عمرها
لكن عائلتها أجبرتها على
الزواج من الرجل الكهل لثرائه ومكانته الإجتماعية
مسرح اللوحة كنيسة –على عكس المعتاد –
شبه مظلمة
بالكاد ينيرها ضوء خافت ينبعث من اليسار
ويكشف وجوه الجمع الحاضر
العروس الصغيرة ..على يمينها عريسها الكهل
والذى كان خليقا بأن يكون والدها أو ربما جدها
فى يوم مشهود كمثل ذلك اليوم فى حياتها
كهل ..ذو مكانة إجتماعية ملحوظة ..
على ياقته هناك ما يشبه الوسام
بينما يضع على صدره نجمة
ويبدو واثقا من مكانته الإجتماعية
بملامح قاسية
ونظرة جانبية قوية تجاه الفتاة المسكينة
فظا بلا قلب
لا يبالى مطلقا لما يبدو واضحا عليها
من حزن وأسى .
ثم الكاهن يتمم مراسم الزواج
منحنيا
بحيث يفسح المجال
لظهور اشخاص أخرين فى اللوحة
عددهم محدود ..
لكن لكلّ منهم دوره الفاعل والمهم
فيما يخص علاقتهم بالعروسين
مما أثرى مضمون القصة التعيسة .
على اليمين وفيما يبدو أنهم مجموعة أهل العروس
يلفت النظرالشابّ الوسيم عند طرف اللوحة الأيمن
ربّما يكون صديقا للفتاة وقد يكون احد معارفها
تشى تعابير وجهه بإمتعاض كبير وعدم الرضا
لكن باقى الاشخاص على اليسار
يتسمون ببرود واضح ولا مبالاة
خاصةالمرأة العجوز خلف العريس
والتي لا يظهر سوى جزء من وجهها
وقد تكون هي التي رتّبت له الزواج واختارت العروس.
مهارة الرسّام واضحة
في إظهار تفاصيل الملابس بصورة دقيقة
وخاصّة رداء الكاهن
المنسوج من الذهب والأزهار الفضّية
وفستان العروس المنسوج من الساتان.
لوحة مكتملة الأركان
لإيصال رسالة مباشرة واقعية
يجد المشاهد نفسه طرفا فيها
متعاطفا ..متألما ..ومتأملا لقدرلا فكاك منه
فقد قضى الأمر!
ولد الرسّام فاسيلي بيوكيريف في موسكو
في يونيو من عام 1832
لعائلة من الفلاحين،
ودرس الرسم
في مدرسة موسكو للرسم والنحت والعمارة.
بعض لوحاته عبارة عن بورتريهات لأشخاص،
والبعض الآخر يعالج موضوعات اجتماعية وتاريخية.
ولوحاته تتوزّع اليوم
على عدد من أشهر المتاحف في روسيا وخارجها.
توفّي الرسّام في موسكو عام 1890 عن 58 عاما.

دمتم بخير
تعليق