الفصل التاسع عشر
الهوامش المالية
فيما اعتدت على الآمال لدي بدأت أشعر بتأثيرها النفسي
على نفسي وعلى الذين من حولي , فعشت في حال من
القلق المستمر حيال تصرفي مع جو , ولم يكن ضميري
مرتاحاً تجاه بيدي . وحين كنت أستيقظ في الليل ,
كنت أفكر بنفس كئيبة بأنني ربما كنت أكثر سعادة
لو أنني لم أتعرف إلى وجه الآنسة هافيشام ,
وبلغت الرجولة قانعاً بكوني شريك جو
فى دكانه القديم المتواضع .لم يكن مركزي الجديد
بذي فائدة لهربرت . فقد دفعه تبذيري لمصاريف
فاقت قدرته , وأفسد البساطة في حياته ,
وأصاب طمأنينته بالقلق والندم .وبدأت أغرق بالدين ,

كمبيالات وفواتير وديون .. !
وسرعان ما لحق بي هربرت . كان بودي أن أتحمل
مصاريف هربرت , لكن هربرت كان معتداً بنفسه ,
فلم أستطع التقدم إليه بمثل هذا الإقتراح .
وهكذا غرق بالمصاعب من كل حدب وصوب ,
وبقي ينتبه لنفسه .كان في كل صباح يذهب إلى
الوسط التجاري , وغالباً ما كنت أزوره في مكتبه
لكنني لا أذكر أني رأيته مرة يفعل شيئاً سوى النظر حوله .
فكنت أقول له أحياناً : " يا عزيزي هربرت , إن وضعنا سيء . "
" يا عزيزي هاندل , لئن صدقتني , فقد كنت على وشك
النطق بهذه الكلمات .
"وكنت أقول : " إذن لنمعن النظر في أمورنا . "
كنا نشعر دائماً بمتعة بالغة عن تحديد موعد لهذا الغرض .
فنطلب وجبة خاصة على الغداء مع زجاجة نبيذ غالية
لشحذ الفكر لتلك المناسبة . وبعد الغداء ,
نأتي بالأقلام والورق . فأتناول ورقة وأكتب في أعلاها :
" مذكرة بديون بيب . " كذلك كان هربرت يتناول ورقة
ويكتب عليها : " مذكرة بديون هبرت .
" ثم يرجع كل منا إلى كومة أوراق بجانبه ,
سبق أن ألقيت في الأدراج , أو استحالت نتفاً في الجيوب ,
أو أصابها بعض الإحتراق من الشموع ,
أو ألصقت إلى المرآة طوال الأسبوع , أو لعلها أتلفت
بشكل أو بآخر . فكان صرير الأقلام يبعث فينا
أثناء الكتابة كثيراً من الانتعاش حتى أنه كان يصعب
أحياناً التفريق بين القيام بهذا العمل وتسديد المال بالفعل .
وبعد أن نكتب لبعض الوقت , كنت أسأل هربرت
كيف تسير معه الأمور , فيقول : " إنها تتصاعد يا هاندل ,
لعمري إنها تتصاعد . "فأجيب : " كن حازماً يا هربرت ,
واجه الأمر ودقق في شؤونك . وتكون لأسلوبي الحازم نتائجه ,
فينكب هربرت على العمل من جديد , ثم يستسلم بعد فترة ,
مبرراً بأن بعض الفواتير قد فقدت .
" إذن قدرها يا هربرت , قدرها بأرقام مدورة وسجلها . "
فيجيب صديقي بأعجاب : " يا لك من إنسان بارع ,
فلديك في مجال الأعمال قدرات رائعة حقاً ! "
اعتقدت ذلك أيضاً , واعتبرت نفسي في تلك المناسبات
رجل أعمال من الدرجة الأولى : حازم , حاسم ,
واضح وهادئ المزاج .ومن إحدى عوائدي
في العمل ما كنت أدعوه " تخصيص هامش " .
فلو افترضنا مثلاً أن ديون هربرت
هي مائة وأربعة وستون جنيهاً .
أقول : أُترك هامشاً وسجلها مئتين . أو لنفترض أن
ديوني هي أربعة أضعاف ذلك, فإنني أترك هامشاً
وأسجلها سبعمئة . كنت شديد الإيمان بالحكمة
من هذا الهامش , لكن لابد لي من الاعتراف من
أنها طريقة مكلفة . إذ سرعان ما نعرف بديون
جديدة تغطي الهامش بأكمله وتتجاوز
حدودها لتدخل في حيز هامش آخر .
إنما كان يسودنا شعور بالسكينة والإرتياح
نتيجة التدقيق بأحوالنا , وهو ما عززني آنذاك
بموقف من الإعجاب بالنفس .
الهوامش المالية
فيما اعتدت على الآمال لدي بدأت أشعر بتأثيرها النفسي
على نفسي وعلى الذين من حولي , فعشت في حال من
القلق المستمر حيال تصرفي مع جو , ولم يكن ضميري
مرتاحاً تجاه بيدي . وحين كنت أستيقظ في الليل ,
كنت أفكر بنفس كئيبة بأنني ربما كنت أكثر سعادة
لو أنني لم أتعرف إلى وجه الآنسة هافيشام ,
وبلغت الرجولة قانعاً بكوني شريك جو
فى دكانه القديم المتواضع .لم يكن مركزي الجديد
بذي فائدة لهربرت . فقد دفعه تبذيري لمصاريف
فاقت قدرته , وأفسد البساطة في حياته ,
وأصاب طمأنينته بالقلق والندم .وبدأت أغرق بالدين ,

كمبيالات وفواتير وديون .. !
وسرعان ما لحق بي هربرت . كان بودي أن أتحمل
مصاريف هربرت , لكن هربرت كان معتداً بنفسه ,
فلم أستطع التقدم إليه بمثل هذا الإقتراح .
وهكذا غرق بالمصاعب من كل حدب وصوب ,
وبقي ينتبه لنفسه .كان في كل صباح يذهب إلى
الوسط التجاري , وغالباً ما كنت أزوره في مكتبه
لكنني لا أذكر أني رأيته مرة يفعل شيئاً سوى النظر حوله .
فكنت أقول له أحياناً : " يا عزيزي هربرت , إن وضعنا سيء . "
" يا عزيزي هاندل , لئن صدقتني , فقد كنت على وشك
النطق بهذه الكلمات .
"وكنت أقول : " إذن لنمعن النظر في أمورنا . "
كنا نشعر دائماً بمتعة بالغة عن تحديد موعد لهذا الغرض .
فنطلب وجبة خاصة على الغداء مع زجاجة نبيذ غالية
لشحذ الفكر لتلك المناسبة . وبعد الغداء ,
نأتي بالأقلام والورق . فأتناول ورقة وأكتب في أعلاها :
" مذكرة بديون بيب . " كذلك كان هربرت يتناول ورقة
ويكتب عليها : " مذكرة بديون هبرت .
" ثم يرجع كل منا إلى كومة أوراق بجانبه ,
سبق أن ألقيت في الأدراج , أو استحالت نتفاً في الجيوب ,
أو أصابها بعض الإحتراق من الشموع ,
أو ألصقت إلى المرآة طوال الأسبوع , أو لعلها أتلفت
بشكل أو بآخر . فكان صرير الأقلام يبعث فينا
أثناء الكتابة كثيراً من الانتعاش حتى أنه كان يصعب
أحياناً التفريق بين القيام بهذا العمل وتسديد المال بالفعل .
وبعد أن نكتب لبعض الوقت , كنت أسأل هربرت
كيف تسير معه الأمور , فيقول : " إنها تتصاعد يا هاندل ,
لعمري إنها تتصاعد . "فأجيب : " كن حازماً يا هربرت ,
واجه الأمر ودقق في شؤونك . وتكون لأسلوبي الحازم نتائجه ,
فينكب هربرت على العمل من جديد , ثم يستسلم بعد فترة ,
مبرراً بأن بعض الفواتير قد فقدت .
" إذن قدرها يا هربرت , قدرها بأرقام مدورة وسجلها . "
فيجيب صديقي بأعجاب : " يا لك من إنسان بارع ,
فلديك في مجال الأعمال قدرات رائعة حقاً ! "
اعتقدت ذلك أيضاً , واعتبرت نفسي في تلك المناسبات
رجل أعمال من الدرجة الأولى : حازم , حاسم ,
واضح وهادئ المزاج .ومن إحدى عوائدي
في العمل ما كنت أدعوه " تخصيص هامش " .
فلو افترضنا مثلاً أن ديون هربرت
هي مائة وأربعة وستون جنيهاً .
أقول : أُترك هامشاً وسجلها مئتين . أو لنفترض أن
ديوني هي أربعة أضعاف ذلك, فإنني أترك هامشاً
وأسجلها سبعمئة . كنت شديد الإيمان بالحكمة
من هذا الهامش , لكن لابد لي من الاعتراف من
أنها طريقة مكلفة . إذ سرعان ما نعرف بديون
جديدة تغطي الهامش بأكمله وتتجاوز
حدودها لتدخل في حيز هامش آخر .
إنما كان يسودنا شعور بالسكينة والإرتياح
نتيجة التدقيق بأحوالنا , وهو ما عززني آنذاك
بموقف من الإعجاب بالنفس .
تعليق