إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة غرام فى زجاجة عطر

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة غرام فى زجاجة عطر





    ما سر هذه الرسالة ؟
    وما هى قصتها وزجاجة العطر ؟
    ومن هو كاتب هذه الرسالة ؟
    وإلى من أرسلها ؟




    إنها رسالة كُتبت على ورقة من أوراق الورد
    كتبها الأديب مصطفى صادق الرافعى إلى محبوبته
    متوهما أنها تبادله الحب .. الأديبة مى زيادة
    ولقد كتبها فى كتابه
    ( أوراق الورد .. رسائلها ورسائله)




    فنجد على أوراق الورد ينثرُ الرافعيُ في كتابه
    قطرات من ندى العشق الممزوج بعطر جمالِ محبوبتيه
    في صورة طائفة من الخواطر المنثورة في فلسفة الحب والجمال التي أنشأها؛
    ليصف حالةً من حالاته ويثبت تاريخًا جديدًا في سطور حياته
    عنوانه رسائل من محبٍ إلى محبوبته




    وقد اشتق الرافعى من وحي جمال محبوبته ألفاظ كتابه
    فهو يمزجُ في هذا الكتاب بين فلسفة الحب
    وبين صوفية النظرة في طلب ذلك الحب،
    ويحملُ من خلاله طاقة إبداعية تصور بلاغة فن الإنشاء
    في وصف لغة الحب الوجداني.


    ويجمع الرافعي في هذا العمل بين ملكة الأديب الذي يصوغ
    أحاسيسه ومشاعره ويودعها في قالبٍ فني، ومنطق الفيلسوف
    الذي يرى أن ذروة المنطقية في الحب كامنة في عقليته.




    وكتاب أوراق الورد كُتب بأسلوب نثري وشعري رائع
    وهو يعتبر تكملة للكتابين الأولين للمؤلف -رسائل الأحزان- والسحاب الأحمر،
    والكتب الثلاثة من الكتب النادرة في مجالها وأسلوبها في الأدب العربي.
    يقول الرافعي : هذا الديوان من الرسائل تكملة على كتابين خرجا من قبل
    هما رسائل الأحزان-والسحاب الأحمر-
    وأوراق الورد هذه تطارحها شاعر فيلسوف روحاني
    وشاعرة فيلسوفة روحانية
    وكلاهما يحب صاحبه كما يقول الفيلسوف ابن سينا باعتبار عقلي،
    وسيرى القارىء فلسفة حبهما في بعض ما يأتي في هذا الكتاب

    وهذا الكتاب يظهر المعنى الراقي للحب ... المعنى السامي ....
    واذ بك وانت تقرؤه تسمو نفسك إلى عالم آخر ....
    عالم روحاني يرتقي بالنفس ويذهب بها بعيدا عن العالم المادي
    الذي تشوه فيه معنى الحب وتحول إلى مجرد بحث عن إشباع شهوة ..
    كلماته المليئة بالعواطف, تعابيره ,ذوبانه في حبيبته وكل ما يتعلق بها




    بين يدى الرسائل

    إن أوراق الورد طائفة من رسائله
    ولكنها رسائل لم تذهب إليها مع البريد
    بل كانت من الرسائل التي كان يناجيها بها في خلوته
    ويتحدث بها إلى نفسه ....
    إلا رسالتين أو ثلاثة مما في أوراق الورد.....
    فلما أتم تأليقها وعقد عقدتها بعث بها إليها في كتاب مطبوع
    بعد سبع سنين من تاريخ الفراق...




    يبدأ أوراق الورد بمقدمة بليغة في الأدب
    يتحدث المؤلف فيها عن تاريخ رسائل الحب العربية
    بأسلوب هو أسلوبه، واحاطة هي احاطته
    وسعة اطلاع لا تُعرف لغيره
    وهذه المقدمة وحدها باب طريف من أبواب الأدب
    تذكر قارئها ذلك النهج البارع الذي نهجه الرافعي المؤرخ
    في كتابه تاريخ آداب العرب.

    ثم مقدمة الرسائل وفيها سبب تسمية الكتاب
    ثم يمضي في هذه المقدمة يتحدث عن
    حبه وآلامه في الحب ورأيه فيه.




    ويقول الرافعى
    من أراد أوراق الورد على أنه قصة حب في رسائل لم يجد شيئا....
    ومن أراده رسائل وجوابها في معنى خاص لم يجد شيئا ......
    ومن أراده للتسلية وإزجاء للفراغ لم يجد شيئا.....
    ومن أراده نموذجا من الرسائل يحتذيه لم يجد شيئا....
    ومن أراده قصة قلب ينبض بمعانيه على حاليه في الرضا
    والغضب ويتحدث بأمانيه عن حاليه في الحب والسلوان
    وجد كل شيئ....




    وكما تجد الأم سلوتها في ولدها العزيز عن الزوج الحبيب الذي طواه الموت ....
    وجد الرافعي العزاء في أطفال معانيه
    يرحمه الله لقد مات ولكن قلبه ما زال حياً
    ينبض يتحدث عن آلامه وأشواقه
    في قلب كل محب يقرأ كتابه
    فيجد فيه صورة من قلبه وعواطفه وآماله....





    تابعونى
    مع رسالة زجاجة عطر


  • #2





    عاش الكاتب الكبير مصطفى صادق الرافعي
    قصة حب كبيرة مع مي زيادة ..
    لكنها كانت قصة حب من طرف واحد هو مصطفى الرافعي !
    فقد احترق الرافعي حباً وهياماً بمي
    وتوهم أن مياً تحبه وهو مالم يكن صحيحاً.
    ولكن هذا الحب الكبير أنتج كذلك أدباً غزيراً وجميلاً .
    فكتب الرافعي لـ مي مجموعة كبيرة من الرسائل
    تشكل وثائق أدبية وشخصية هامة حول حياة كل منهما .



    ورغم أن الرافعي كان يفهم شخصية مي جيداً
    وقال ذات يوم في وصفها :
    إن كل من حادثها ظن أنها تحبه , وما بها إلا أنها تفتنه.
    وكانت مي تراسل الرافعي كما كانت تفعل
    مع معظم أدباء صالونها المقربين
    ومثلما صار عشقها للأديب اللبناني جبران خليل جبران
    قصة تتناقلها الأجيال بعد رحيلهما،
    صار عشق الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي
    للأديبة مي زيادة مثار جدل في الأوساط الأدبية خلال حياتهما.



    وقد التقت مي الرافعي للمرة الأولى
    بينما تخطى العقد الرابع من عمره،
    في صالونها الأدبي الذي كانت تستضيف به حشد كبير من
    الأدباء، وتدير دفة الحديث بينهم بلباقة يحسدها عليها كبار
    أهل الفصاحة واللسن، وصار كل ثلاثاء موعدهما المنتظر.



    وعلى الرغم من أن مي-الأديبة الفلسطينية الشهيرة-
    كانت تعامل الجميع بأسلوب واحد
    لا تفضل فيه أحدًا على أحد،
    فقد كانت مى تتعامل مع جميع ضيوفها ورواد صالونها
    بطريقة واحدة تنم عن قصدها عدم الاهتمام الزائد بأى منهم
    حتى يظل الجميع على مسافة واحدة من تلك الأنثى الخارقة

    التى تركت بصمتها فى الحياة الثقافية المصرية
    فى النصف الأول من القرن العشرين.
    إلا أن الرافعي انجذب لها بشدة
    وأصبحت مصدر الإلهام الشعري له،
    لذلك تحرج في وقت من الأوقات من الاتصال بها؛
    حيث كان في ذلك الوقت متزوجًا،
    وهو ما أوقعه في حيرة بين زوجته وبين مي زيادة.



    ولأن مي كانت قد بدأت تعشق صديقها المنفي في الغربة جبران،
    لم تشعر بما كان يعتري الأديب المصري من وجد وهيام،
    حتى أنها لم تلتفت إلى هديته الرقيقة «زجاجة العطر»،
    والتي نظم فيها رسالته النثرية «يا زجاجة العطر
    »
    وانتهت العلاقة ذات الطرف الواحد في صمت،
    بعد أن ظل العاشق في حيرة من أمره،
    وقرر مقاطعة صالونها الأدبي وأرسل لها «كتاب القطيعة»،
    ورغم ذلك كان يأمل بعودة العلاقة بينهما إلى سابق عهدها،
    ولكن اللقاء تعذر حتى وفاته.






    تابعونى
    مع نص رسالة (يا زجاجة العطر)
    من رسائل مصطفى الرافعى إلى مى زيادة
    من كتابه أوراق الورد

    تعليق


    • #3


      []


      " وأهدى لها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها : "
      يا زجاجة العطر ،
      اذهبي إليها وتعطري بمس يديها
      وكوني رسالة قلبي لديها.



      وها أنذا أنثر القبلات على جوانبك ،
      فمتى لمستك فضعي قبلتي على بنانها ،
      وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنوّ نظرتها وحنانها،
      والمسيها من تلك القبلات معاني أفراحها في قلبي
      ومعاني أشجانها.



      وها أنذا اصافحك فمتى أخذتك في يدها فكوني لمسة الأشواق ،
      وها أنذا أضمك إلى قلبي فمتى فتحتك فانثري عليها
      في معاني العطر لمسات العناق.
      **** [/]
      []



      [/]
      []إنها الحبيبة يا زجاجة العطر!
      وما أنت كسواك من كل زجاجة مُلأت سائلا ،
      ولا هي كسواها من كل امرأة مُلأت حسنا ،
      وكما افتنت الصناعة في إبداعك واستخراجك
      افتنت الحياة في جمالها وفتنتها ،
      حتى لأحسب أسرار الحياة في غيرها من النساء
      تعمل بطبيعة وقانون ، وفيها وحدها تعمل بفن وظرف.




      وأنت سبيكة عطر كل موضع منك يأرج ويتوهج ،
      وهي سبيكة جمال كل موضع فيها يستبي ويتصبى؟

      وما ظهرت معانيك إلا أفعمت الهواء من حولك بالشذا ،
      ولا ظهرت معانيها إلا أفعمت القلوب من حولها بالحب .

      وكلتاكما لا تمس أحد منهما إلا تلبس بها
      فلا يستطيع أن يخلص منها ، و لا يستوى له أن يخلص منها.


      أنت عندي أجمل أنثى في الطيب من بنات الزهر ،
      وهي عندي أجمل أنثى في الحب من بنات آدم.


      ************









      نتابع

      [/]

      تعليق


      • #4



        قولي لها يا زجاجة العطر أنك خرجت من أزهار كأنها شعل
        نباتية ، وكانت في الرياض على فروعها كأنه تجسمت من أشعة
        الشمس والقمر ، فلما ابتعتك وصرت في يدي ،
        خرجتِ من شعل غرامية وأصبحت كأنك تجسمت من أشواقي
        وتحياتي ولمسات فكري، ولذلك أهديتك …




        وقولي لها : إن شوق الأرواح العاشقة يحتاج دائما إلى تعبير
        جميل كجمالها ، بليغ كبلاغتها ،
        ينفذ إلى قلب الحبيب بقوة الحياة سواء رضي أو لم يرض
        وهذا الشوق النافذ كان الأصل الذي من أجله
        خلق العطر في الطبيعة.

        فحينما تسكب الجميلة قطرة من الطيب على جسمها ،
        تنسكب في هذا الجسم أشواق وأشواق من حيث تدري ولا تدري ،
        ولذلك بعثتك..




        وقولى لها : إنك اتساق بين الجمال والحب،
        فحين تهدَى زجاجة العطر من محب إلى حبيبته
        فإنما هو يهدي إليها الوسيلة التي تخلق حول جسمها الجميل الفاتن
        جو قلبه العاشق المفتون ولو تجسم هذا المعنى حينئذ فتمثل
        فنظره ناظر ، لرآها محاطة بشخص أثيري ذائب من الهوى
        واللوعة يفور حولها في الجو ويسطع
        ولذلك يا زجاجة العطر أرسلتك…..




        ******




        أيها العطر !
        كانت أزهارك فكرة من فن الحسن توثبت وطافت زمنا على
        مظاهر الكون الجميلة ، كي تعود آخرا فتكون من فن الحب
        وفي ذلك مازجت الماء العذب ، ولامست أضواء القمر والنجوم ،
        وخالطت أشعة الشمس ، واغتسلت بمائة فجر منذ غرسها إلى
        إزهارها ، لتصلح بعد ذلك أن يمس عطرها جسم الحبيبة
        ويكون رسالة حبي إليها !




        أيها العطر !
        لقد خرجت من أزهار جميلة
        وستعلم حين تسكبك هى على جسمها الفاتن
        أنك رجعت إلى أجمل من أزهارك ،
        وأنك ، كالمؤمنين تركوا الدنيا ولكنهم نالو الجنة ونعيمها ...!



        من كتاب أوراق الورد للأديب مصطفى صادق الرافعى







        نتابع

        تعليق


        • #5



          أعزائى ..
          ما استطعت أن أغادر كتاب (أوراق الورد)
          قبل أن أختار بعض مقتطفات من رسائله
          فهذا الكتاب يحتوى العديد من الرسائل
          التى كتبها الرافعى لمحبوبته
          وهى معظمها رسائل نثرية ،تخللها قليل من الرسائل الشعرية



          والرسائل التى وردت حملت العنوانبن الآتية :
          وزدت أنكِ أنت - زجاجة عطر - مانفع رقة روحى - رسم الحبيبة
          البلاغة تتنهد - رسالة للتمزيق - القمر - قال القمر - نظراتها
          استمداد فلسفة - صرخة ألم - ألم الحب - منى السلام
          الحبيبات والمصائب - رسالة الابتسامة - جواب الزهرة الذابلة
          يا للجلال - الأشواق - كتاب رضا - رواية القلم - نار الكلمة
          المتوحشة - أما قبل - جواب غريب - كذب مصور - لماذا... لماذا ؟
          كتاب لم نكتبه - قالت وقلت - الغضبى - هدية شتم
          متى يا حبيب القلب - صلاة فى المحراب الأخضر - شجرات الشتاء
          رسالة الطيف - فى العتاب - فى الأحلام - فى معانى التنهيدات
          أليس كذلك - النجوى - هل أخطأت...؟ - قلت وقالت - يا قلبى ..!
          البحر - فلسفة المرض - يوم النوى - الهجر - من قلمها
          وهم الجمال - والسلام عليها







          إنه ليس معي إلا ظلالها،
          ولكنها ظلال حية تروح وتجيء في ذاكرتي،
          وكل ما كان ومضى هو في هذه الظلال الحية كائن لا يفنى،
          وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة بأسره
          مترجمًا إلى لغة عينيه،
          أصبحت أراها في هجرها طبيعة حسن فاتن
          مترجمة بجملتها إلى لغة فكري.
          كان لها في نفسي مظهر الجمال،
          ومعه حماقة الرجاء وجنونه،
          ثم خضوعي لها خضوعًا لا ينفعني …
          فبدلني الهجر منها مظهر الجلال، ومعه وقار اليأس وعقله.
          ثم خضوعها لخيالي خضوعًا لا يضرها …



          وما أريد من الحب إلا الفن،
          فإن جاء من الهجر فنّ فهو الحب …
          كلما ابتعدت في صدها خطوتين رجع إليّ صوابي خطوة …
          لقد أصبحت أرى ألين العطف في أقسى الهجر؛
          ولن أرضى بالأمر الذي ليس بالرضا،
          ولن يحسن عندي ما لا يحسن،
          ولن أطلب الحب إلا في عصيان الحب، أريدها غضبى،
          فهذا جمال يلائم طبيعتي الشديدة،
          وحب يناسب كبريائي ودع جرحي يترشش دمًا،
          فهذه لعمري قوة الجسم الذي ينبت ثمر العضل وشوك المخلب،
          وما هي بقوة فيك إن لم تقو أول شيء على الألم.
          أريدها لا تعرفني ولا أعرفها،
          لا من شيء إلا لأنها تعرفني وأعرفها …
          تتكلم ساكتة وأرد عليها بسكوتي.
          صمت ضائع كالعبث،
          ولكن له في القلبين عمل كلام طويل …






          نتابع

          تعليق


          • #6





            كانت قصة حب...
            ثم انتهت كما ينتهى كل حب بين اثنين
            تكون الفلسفة والكبرياء بعض عناصر وجوده
            وافترق الحبيبان على غير ميعاد
            وفي نفس كل منهما حديث يهم أن يفيض به...



            وفعل الفراق بالرافعي ما فعل ،
            فأنشأ كتابه رسائل الأحزان والسحاب الأحمر
            يصف فيهما من حاله ومن خبره وما كان بينه وبين صاحبته
            فلما استفرغ ما كان في نفسه من خواطر الحب المتكبر
            ونفس عن غيظه بما ذكر من معاني البغض والهجر
            والقطيعة ليخدع بذلك نفسه عما تجد من آلام الفراق
            ويثأر لكبريائه، هدأت ثائرته بعد عنفوان وفاءت إليه نفسه
            واعتدلت مقادير الأشياء في عينيه ،
            فعاد إلى حالة بين الغب والرضا وبين الحب والسلوان،
            فاستراح إلى اليأس، لولا أثارة من حنين تنزع به إلى
            الماضي، وبقية من الشوق واللهفة على ما كان
            وفرغت أيامه من الحادثة لتمتلئ من بعد بالشعر والحكمة والبيان .




            ومضت سبع سنين والحياة تذهب به مذاهبها
            والذكرى تغشاه في خلوته وتداعبه في أحلامه
            والأماني التي بعثرتها الكبرياء بددا في أودية النسيان
            تتخايل له في شكول وألوان وخواطر من وراء ذلك تعمل
            ونفسه الشاعرة تحس وتشعر
            حتى اجتمع له مااجتمع من الخواطر في أوراق الورد..



            أوراق الورد " هو طائفة من الخواطر المنثورة
            في فلسفة الجمال و الحب ،
            أنشأه الرافعي ليصف حالة من حالاته و يثبت تاريخاً من تاريخه
            في فترة من العمر لم يكن يرى لنفسه من قبلها تاريخاً و لا من بعد .
            و يقول الرافعي إنه جمع في أوراق الورد رسائلها و رسائله .
            أما رسائله فنعم ، و لكن على باب المجاز ،
            و أما رسائلها فما أدري أين موضعها من الكتاب ؟
            إلا رسالة واحدة و جزازات من كتب و نتفاً من حديثها و حديثه .



            و يقول أيضا :
            { من أراد أوراق الورد على أنه قصة حب في رسائل لم يجد شيئاً ،
            و من أراده رسائل و جوابها في معنى خاص لم يجد شيئاً ،
            و من أراده تسلية و إزجاءً للفراغ لم يجد شيئاً ،
            و من أراده نموذجا من الرسائل يحتذيه في رسائله إلى من يحب لم يجد شيئاً ؛
            و من أراده ( قصة قلب ) ينبض بمعانيه على حالَيْه في الرضى
            و الغضب ، و يتحدث بأمانيه على حاليه في الحب و السلوان –
            وجد كل شيء .}




            أما نهجه في الكتاب فقد أوضحه أيضا " محمد سعيد العريان " قائلا :

            يبدأ " أوراق الورد " بمقدمة بليغة في الأدب ،
            ثم يتحدث المؤلف فيها عن تاريخ رسائل الحب في العربية ،
            بأسلوب هو أسلوبه و إحاطة هي إحاطته
            و سعة اطلاعٍ لا تُعرف لغيره ...

            و تأتي بعد هذا الفصل مقدمة الرسائل ،
            و فيها سبب تسمية الكتاب ،
            ثم يمضي في هذه المقدمة يتحدث عن حبه ، و آلامه في الحب ،
            و رأيه في الحب ، و شيء مما كان بينه و بين صاحبته ،
            ثم يتحدث عن نهجه في هذه الرسائل ،
            و ما أراد بها ،و ما أوحاها إليه ،
            ثم تأتي بعد ذلك فصول الكتاب متتابعة ... ؛
            فيها حنين العاشق المهجور ، و فيها منية المتمني ،
            و فيها ذكريات السالي ، و فيها فن الأديب و شعر الشاعر ؛
            و فيها من رسائلها و من حديثها ... .



            إن أوراق الورد منجم من المعانى الذهبية ،
            لو عرفه المتأدبون من شبابنا لوضوعوا يدهم على أثمن كنز
            فى العربية فى معانى الحب والجمال يكون لهم غذاء
            ومادة فى الشعر والبيان

            وكان الرافعى (رحمه الله) يعتز بأوراق الورد
            اعتزازه بأنفس ما أنتج فى أدب الإنشاء
            ويباهى ويفتخر .. وما أحسبه تعزى على صاحبته بقليل
            إذا تعزى بما لقى من النجاح و التوفيق فى إنشاء أوراق الورد .

            يرحمه الله .. لقد مات ولكن قلبه ما زال حيا ينبض،
            يتحدث عن آلامه وأشواقه فى قلب كل محب يقرأ كتابه
            فيجد فيه صورة من قلبه وعواطفه وآماله .
            يرحمه الله !
            محمد سعيد العريان




            نتابع

            تعليق


            • #7





              هذا كتاب (أوراق الورد)

              فحدثني من حدث … في سبب هذه التسمية
              قال: كانت معها ذات يوم وردة لا أدري أيتهما تستنشي الأخرى
              فجعلت لها ساعة من حفاوتها تلمسها مرة صدرها ومرة شفتيها،
              والوردة بين ذلك كأنما تنمو في شعاع وندى،
              إذا رأيتها وقد تفتحت وتهدلت حتى لحسبت
              أنها قد حالت أوراقها شفاهًا ظمأى.
              ثم تأملتها شيئًا، ثم نحت إلي بصرها وقالت:
              ما أرى هذا الحب إلا كورق الورد
              في حياته ورقته وعطره وجماله،
              ولا أوراق الوردة إلا مثله في انتثارها على أصابع من
              يمسها إذا جاوز في مسها حدٍّا بعينه من الرفق،
              ثم في تفترها على إلحاح من يتناولها إذا
              تابع إلحاحه عليها ولو بالتنهد،
              ثم في بناء عقدها على أن تتحلل أو تذوي إن لم يمسكها
              مع بنائها الرفيق حذر من أن تكون في يده …
              لأنها على يده فن لا وردة.



              ثم دنت الشاعرة الجميلة فناطت وردتها إلى عروة صاحبها
              فقال لها: وضعتها رقيقة نادية في صدري،
              ولكن على معان في القلب كأشواكها …
              فاستضحكت، وقالت: فإذا كتبت يومًا معاني الأشواك فسمها
              (أوراق الورد) وكذلك سماها !



              عمر الورد فصل من السنة !
              أما الشوك فعمره ما بقيت الشجرة وما بقي حطبها،
              ولذلك ينسى الحبيب ويذهب الحب، ويبقى بعدهما القلب العاشق
              وليس بينه وبين آلامه إلا كما ذر الضياء بين أول الفجر وآخرة
              الليل في مرأى من النور والظلمة يخيل إليك من غبشه
              أن الليل ظلام مكفوف وراء حائط من البلور:
              فالآلام دائمًا بمنزلة من القلب المحب والأشواق منه أبدًا على أسباب؛
              ومن أحب مرة فما اهتدى إلى حبيب ينتهي منه إذاسلاه،
              وإنما ابتدأ في جمال هذا الحبيب أشواق الحياة التي لا تنتهي،
              وعرف من الحب طريقًا بين الحس والغيب
              آخره دائمًا أول غيره كطريق السماء لعينك؛
              كل مسافة أنت مقدرها فيه تراها قد نيطت بمسافة أخرى
              إلى ما لا ينتهي ولا ينقطع؛ إذ ليس ذلك اتصالًا بين المسافات
              المكونة للأبعاد أكثر مما هو اتصال بين النواميس المكونة للأبدية.



              وإلقاء الحب الصحيح في قلب من خاطره الهوى،
              معناه إيحاء الفن إلى صاحب ذلك القلب
              يفهم به الصورة الشعرية الجميلة التي يلبس منها الحبيب جماله،
              فيرى كيف يجيء كل شيء من حبيبه كأنه في وزن من الأوزان،
              حتى لكأن هذا الشكل المحبوب إن هو إلا لحن موسيقي
              خلق إنسانًا يجاوب بعضه بعضه …



              … وبذلك يخرج من فهم جمال الحبيب إلى فهم جمال الطبيعة،
              ويدرك بروحه ما حول كل شيء من الجو الخيالي البديع
              المحيط به إحاطة الوزن الشعري بالكلمة والنغمة الموسيقية بالصوت،
              ومن ذلك ينبثق في نفسه نور إلهي خالق يفيض على كل جمال
              في الأرض والسماء ما يجعل هذا الجمال من إدراكه أو حسه
              بسبب قريب، فتشتمل نفسه العاشقة على آفاق واسعة من جمال
              الخليقة ما دام في نفسه الحب،
              كما تحيط العين بالأفق فتحويه ما دام في العين البصر!



              وتاريخ الحب عند صاحب هذه الرسائل
              كان كله نظرة أخذت تنمو وبقيت تنمو …
              وهو حب قد كان من نمائه وجماله وطهره كأنما أزهرت به
              روضة من الرياض لا امرأة من النساء،
              وكان من مساغه وحلاوته ولذاته البريئة كأنما أثمرت به
              شجرة خضراء تعتصر الحلاوة في أثمارها أصابع النور
              فأنت لا تجد في هذه الرسائل معاني النساء متمثلة
              في امرأة تتصبى رجلًا،
              ولكن معاني الحب والجمال متألهة في إنسانية
              تستوحي من إنسانية أو توحي لها.



              وصاحب هذه الرسائل يرى نفسه في الحب
              كأنما وضع على هامش الناس،
              منطلقًا غيرمقيد، عزيزًا غير ذليل؛
              فهو كالسطر الذي يُكتب على هامش الصفحة
              يستعرض ما ملأها بين أعلاها وأسفلها،
              وله الشرح والتعليق وما في معناهما، إلى التهكم والضحك والسخرية،
              ومن ثم فرسائله كذلك على هامش كل رسائل الحب:
              يتجافى بها عن ألفاظ الشهوات ومعانيها
              مما يتعمده بعض فحول الكتاب في أوربا،




              وما أحسب حب هذا الشاعر وتلك الشاعرة
              قد كان في كل حوادثه إلا تأليفًا من الأقدار لهذه الرسائل بمعانيها،
              حتى إذا كسيت المعاني ألفاظها، انبثقت كالنور،وصدحت كالنغم،
              وجاءت كإشراق الضحى؛ لتناسم الأرواح بعبارات صافية
              من روح قوية فرض عليها أن تحب،
              فلما أحبت فرض عليها أن تتألم،
              فلما تألمت فرض عليها أن تعبر؛
              فلما عبرت فرض عليها أن تسلو …!






              نتابع

              تعليق


              • #8
                ابنتي العزيزة الغالية علا الإسلام
                استمتعت كثيرا بعرضك الجميل لكتاب أوراق الورد
                للكاتب الراحل مصطفى صادق الرافعي الذي يمثل مرحلة
                تاريخية مشرقة في أدب الرسائل العاطفية المتبادلة بين
                ادباءالمرحلة الماضية والتي كانت تدور حول شخصية الأديبة
                الراحلة مي زيادة وصالونها الأدبي الذي استقطب كبار الأدباء
                في تلك الحقبة الزمنية المتميزة ولقد أبدعت في تناول موضوع الكتاب
                وطريقة عرضه المشوقة
                مما أثار بي العودة إلى كتاباتي السابقة في نفس الموضوع
                حيث نشرت عام 1967 مقالة
                عن حب في حياة الأديبة الراحلة مي زيادة ورواد صالونها الأدبي
                وسأنشره قريبا إتماما للفائدة
                إن كتاب أوراق الورد تحفة فنية وأدبية رائعة فمن سطوره تتدفق أنسام الورد
                ممزوجة بخلجات القلب ونفحات الوجد الصافية شكرا على هذا الجهد القيم
                دمت بعز وسلام

                تعليق


                • #9
                  أستاذنا الفاضل
                  والدنا المُبجل
                  شاعرنا القدير / جابر الخطاب
                  تشرفت بزيارتك الكريمة لمتصفحى
                  وأسعدنى ردك الطيب وتعليقك الجميل
                  وبكل شوق نحن فى انتظار نشر مقالتك
                  حب في حياة الأديبة الراحلة مي زيادة
                  ورواد صالونها الأدبي
                  بكل تأكيد سوف يثرى منتدانا الثقافى بكل جديد وجميل
                  شكرا لحضرتك جزيل الشكر
                  ولك منى كل تقدير واحترام
                  وجزاك الله خير الجزاء

                  تعليق


                  • #10










                    تالله لو جددوا للبدر تسمية *** لأعطى اسمك يا من تعشق المقل
                    كلاكما الحسن فتانا بصورته *** وزدت أنك أنت الحب والغزل
                    وزدت يا حبيبتى أنكِ أنتِ ...




                    إن حقيقة الجمال الذي يغمر العالم أراها كأنها بجملتها
                    مستقرة في الموضع الضيق الذي بيني وبينك وبين قلبي،
                    تملأ مع هذا الكون عالمًا آخر من شعوري بك.

                    وفي نظرات عينيك الساحرتين أرى لمحات
                    منبثة من الإرادة المسيطرة وراء الأشياء،
                    تفعل مثل فعلها الجبار وراء عواطفي.
                    واليقينُ الذي دليله الإيمانُ والتسليم،
                    أحسه إحساسًا في نظري إليك وفي نظرك إليّ،
                    كأني أتحول معك إلى إقرار.


                    والمعنى العجيب الذي يفتن فتنة درية اللؤلؤة الثمينة،
                    ويسحر سحرًا نورانيٍّا في الماسة الكريمة النادرة،
                    هو بفتنته وسحره في نسويتك الجذابة،
                    غير أنه اتخذ من أشياء الطبيعة أبدع ما ينظر فيه،
                    واتخذ منك أنت أجمل ما يعقل فيه.

                    وما رأيتك مرةً إلا خيلت لي أن بعض النواميس المادية القاهرة
                    في هذا الوجود قد تحولت إنسانية فيك،
                    وكأن القوى مبعثرة هناك ومنظمة هنا،
                    وكأنك منها تقيد منطلق، واجتماع متفرق،
                    وكأن ما حدّ له رآكِ له حدٍّا فوقف وظهر!



                    ولو ولد النور لكان وجهك الجميل المشرق،
                    ولو ولدت الكهرباء التي هي سر النور لكانت أسرار عينيك،
                    ولو تولدت القوة التي هي سر الكهرباء لكانت فتنةَ حبك،
                    وكل المعاني التي في نفسي لا تتخذ صورها إلا منك؛
                    لأنك بجملتك تمثال الشعر.
                    وفيك المعاني التي تقول: أين كلماتي؟
                    وفي أنا الكلمات التي تقول: أنت معاني!

                    في نفسي عالم أحلام من خلق عينيكِ الذابلتين.
                    وفي نفسك عالم أسرار من خلق أفكاري المعذبة.
                    خرجنا كلانا بالحب والجمال من حد الإنسان إلى حد العالم.
                    وتحولنا كلانا بالهوى من حالة شخص إلى حالة عقل.
                    كيف تجدين ما في وإنك لتعلمين أنك في؟
                    أما أنا فأجد كل ما فيك حلوًا حلوًا؛ لأن طعمه حلو في قلبي!



                    وعندما أنظر إلى ازدهاء الشفق بألوانه وأصباغه
                    كأنه صورة جديدة في الخلق عرضت ليراها أهل الأرض،
                    أحسبني على مرمى السهم من جنة في السماء
                    فتحت أبوابها ولاحت أطراف أشجارها.

                    وعندما أتأمل انبثاق الفجر،
                    يخيل إليّ من جماله وروعته أن الوجود في سكونه
                    وخشوعه نفس كبرى تستمع مصغية إلى كلمة من كلمات لله
                    لم تجئ في صوت ولكن في نور.



                    وعندما أبصرك أنت،
                    أوقن أن الحسن المعشوق ما هو إلا خيال الجنة الأخروية
                    يناله من الدنيا إنسان في إنسان.
                    أنت وحدك أذقتني نشوة الظمأ إلى الأسرار القلبية،
                    بما ذقته من لذة ظمئي إليك ولهفته،
                    وأريتني جمال الشعر في خيالاتي العطشى الحائمة
                    أبدًا على نهر النور من جسمك، وعلى ذلك النبع الأحمر الصغير،
                    نبع الياقوت المتفجر دائمًا بابتسام شفتيك،
                    وجعلتني من وحي جمالك المتنزل على قلبي
                    أشعر أن هذا الجمال السماوي أنشأ فيَّ
                    صفة ملائكية ترفعني فوق إنسانيتي.
                    بهذه الصفة أراك في بعض ساعات قلبي
                    تظهرين لي وكأن سرٍّا من الكون يتجلى بك،
                    ويقول لي من عينيك: المسني وانظرني فيها …!




                    سر هادئ ناعم يتناثر في ألحاظك
                    ألينَ من تنفس رشاش الأمواج المتطاير إلى بعيد:
                    يكون كالهباء من البحر، ومع ذلك فهو أثر قوته وجبروته.
                    فيك يا حبيبتي من أبدع محاسن الكون،
                    وزدت أنك أنت الحب …!






                    نتابع

                    تعليق


                    • #11










                      وكانت تأنس بضوء القمر، ويعجبها نوره على الحديقة خاصة،
                      فسألته مرة أن يناجي هذا «الجميل» في رسالة،
                      فقال حبا وكرامة..(للقمر) وكتب:
                      إني لأراك أيها القمر منذ علقت معاني ما أرى،
                      ولكني لم أعرف أنك أنت كما أنت إلا بعد أن وضع الحب فيها
                      بينك وبين قلبي وجه من أهواها، كما يوضع التفسير إلى جانب كلمة دقيقة …
                      عندئذ وصلتك قرابة الجمال بوجهها فاتصل بك شعوري؛
                      وبتّ على بعدك في أفلاك السماء تسبح أيضًا في دائرة قلبي،
                      واستويت متسقًا كأن عملك لي أن تتمم فن جمالها بإظهارها أجمل منك،
                      وأمسيت عندي ولك مثلها شكل السر المبهم المحيط بالنفس المعشوقة:
                      يدخل كل جمال في تفسيره، ولا يكمل تفسيره أبدًا!



                      ومن شبهك بوجهها أزهر الضوء فيك ما يزهر اللحم والدم فيها،
                      فتكاد أشعتك تقطف منها القبلة،
                      ويكاد جوك يساقط من نواحيه تنهدات خافتة،
                      وتكاد تكون مثلها يا قمر مخلوقًا من الزهر والندى وأنفاس الفجر!

                      أما قبل حبها فكنت أراك أيها القمر بنظرات لا تحمل أفكارًا.
                      كنت جميلًا، ولكن جمال ورق الزهر الأبيض،
                      وكنت في رقعتك المضيئة تشبه النهار مطويٍّا بعضه على بعض
                      حتى يرجع في قدر المنديل، وكنت ساطعًا في هذ الزرقاء
                      ولكن سطوع المصباح الكهربائي على منارة قائمة في ماء البحر،
                      وكنت زينة السماء ولكن كما تناط مرآة صغيرة من البلور إلى حائط
                      فتشبه من صفائها موجة ضوء أمسكت ووضعت في إطار معلق!



                      وكنت يا قمر … كنت ملء الوجود، ولكنك ضائع من فكري!
                      وأما بعد حبها فأمسيت أراك أيها القمر ولست إلا طابع لله
                      على أسرار الليل في صورة وجه فاتن،
                      كما أن كل وجه معشوق هو طابع لله على أسرار القلب الذي يحبه.
                      وأنت فاتن تحاكي في ضوئك وجهها لولا أنك بلا تعبير.
                      وأنت ساطع بين النجوم،
                      ولو تجسمت صورةٌ من أجمل ضحكاتِ ثغر معشوق لكانت،
                      ولو تجسمت القبلات المنتثرة حول هذا الثغر لكانتها!
                      وأنت زينة السماء، ولكن السماء منك كمرآة سحرية
                      اطلعت فيها حورية من حور الجنة
                      فأمسكت خيال وجهها في لجة من النور،
                      فأنت خيالُ وجهها!



                      وأنت يا قمر … أنت ملء الوجود، ولكنك أيضًا ملء فن الحب …!
                      أتذكر أيها القمر إذ طلعت لنا في تلك الحديقة …
                      وتفيأتَ بنورك عليها فغمرت أرضها وسماءها بروح الخلد،
                      حتى وقع في وهمنا أنك وصلتها من سحر أشعتك
                      بطرف من أطراف الجنة فهي ناحية منها؟

                      أتذكر وقد رأيتك ثمة قريبًا من الحبيبة تصب عليها النور
                      حتى خيل إليَّ أنها إحدى الحور العين متكئة في جنتها
                      على رفرف خضر وقد وقف لخدمتها قمر؟



                      أتذكر إذ نزلت علينا بآيات سحرك فخيلت لي أن العالم
                      قد تحول فيها إلى صورة جميلة مرئية أمست لي وحدي،
                      فملكت العالم كله في ساعة من حيثُ لم أملك إلا الحب؟
                      أتذكر ساعةَ جئتها بها مِن فوق الزمن، وكان فيها للحديقة جو من زهر،
                      وجو من قمر، وجو من امرأة أجمل من القمر والزهر؟


                      أترى يا قلبي كأن مدينة الحياة في النهار بصراعها وهمومها
                      تحتاج إلى قفر طبيعيٍّ يفر إليه أهلُ القلوب الرقيقة بضع ساعات،
                      فلذلك يخلق لهم القمر صحراء واسعة من الضوء
                      يجدون فيها بعد تلك المادية الجياشة المصطخبة روحانية الكون،
                      وروح العزلة، وسكينة الضمير،
                      ويبدو فيها كل ما يقع عليه النور كأنه حي ساكن يفكر.



                      أترى يا قلبي كأن ضوء القمر صنع صنعة بخصائصها؛
                      ليبعث في القلوب معاني القلوب الروحية من الفكر والحب،
                      كما صنع نور الشمس؛ ليبعث في الأجسام قواها،
                      ومعانيها المادية من الحياة والدم؟ …

                      أترى يا قلبي كأن هذا القمر إنما يلقي النور
                      على الحلم الروحاني اللذيذ الغامض
                      الذي يحلم به كل عاشق من أول درس في الحب،
                      ساعة ترسل الحبيبة إلى قلبه رسالة عنها،
                      ولا يحلم بمثله في غير العشاق إلا أعظم الفلاسفة،
                      وفي آخر دروس فلسفته، وبعد أن تكون الليالي الطويلة
                      قد أطلعت في سماء عمره قمرَ الشيخوخة من شعره الأبيض؟



                      أترى يا قلبي كأن هذا القمر في الحب (تلسكوب)
                      يكبر نوره العواطف حين تبث في ضوئه،
                      فلا يطلع على حبيبين أبدًا إلا كبر أحدهما في عين الآخر؟

                      أترى يا قلبي أنه ليس في الحب إلا عواطف مكبرة
                      يثيرها دائمًا وجه الحبيب،
                      فلا بد أن يكون دائمًا وجه الحبيب طالعة فيه روح القمر؟
                      أترى يا قلبي …؟ آه … أترى؟







                      نتابع

                      تعليق


                      • #12









                        ياليل : هيجت أشواقا أداريها *** فسل بها البدر :إن البدر يدريها
                        رأى حقيقة هذا الحس غامضة *** فجاء يظهرها للناس تشبيها
                        في صورة من جمال البدر ننظرها *** وننظر البدر يبدو صورة فيها

                        **************



                        يأتي بملء سماء من محاسنه *** لمهجتي وأراه ليس يكفيها
                        وراحة الخلد تأتي في أشعته *** تبغي على الأرض من في الأرض يبغيها
                        وكم رسائل تلقيها السماء به *** للعاشقين فيأتيهم ويلقيها

                        *************



                        يقول للعاشق المهجور مبتسما : *** خذني خيالا أتى ممن تسميها
                        وللذي أبعدته في مطارحها *** يد النوى ، أنا من عينيك أدنيها
                        وللذي مضه يأس الهوى فسلا: *** أنظر إليّ ولا تترك تمنيها

                        *********



                        أما أنا فأتاني البدر مزدهيا *** وقال جئت بمعنى من معانيها
                        فقلت : من خدها ، أم من لواحظها *** أم من تدللها أم من تأبيها
                        أم من معاطفها أم من عواطفها *** أم من مراشفها ام من مجانيها
                        أم من تفترها ، أم من تكسرها *** أم من تلفتها أم من تثنيها!؟
                        كن مثلها لي .جذبا في دمي وهوى *** أو كن دلالا وكن سحرا وكن تيها
                        فقال وهو حزين : ما استطعت سوى *** أني خطفت ابتساما لاح من فيها







                        نتابع

                        تعليق


                        • #13




                          صلاة فى المحراب الأخضر
                          شجراتى



                          «ولما غضبت ويبس ما بينهما، ضاق بهجرها،
                          فانصرف إلى شجرات كان يخلو إلى نفسه في
                          ظلها ونضرتها ونسيمها وما فيها وما حولها،
                          وظن أنها تنبت شيئًا في جدب الهوى
                          أو ترمي بظل على رمضاء القلب
                          فكان في وهمه كالذي يحاول أن يجد نساء من الشجر
                          … وهناك كتب هذه الرسالة في الربيع،
                          ثم التي بعدها في الشتاء»



                          لي صديقات من الشجر أعرفهن ويعرفنني منذ سنوات،
                          وهن ينزلن مني بعض الأحيان منزلة الحب؛
                          لأن فيها شيئًا من دلال النساء الخفرات أجد أثره في قلبي،
                          ولا أجد برهانه في لساني،
                          فإذا هممت أن أبين عنه وأبتغيه بالعبارة أخفته العبارة
                          حتى لا يزيده البيان إلا غموضًا وسوء معرض،
                          ولكن إذا مضيت أفكر فيه تبينته أشد تبين
                          فأحسست في ظلهن المستحي ونسيمهن المتنهد
                          وغصونهن المنثنية — شمائل حبيبة إلى نفسي،
                          ورأيت لها معاني لا تقع إلا في القلب،
                          ثم لا تقع منه إلا في الموضع الذي مسته
                          يومًا نفحة أو قبلة أو تنهد.



                          وإنما قيمة الأشياء بما فيها من أثر القلب
                          أو بما لها في القلب من الأثر،
                          ولرب شيء تافه لا خطر له ولا غناء فيه،
                          ثم يكون في يد محب من حبيبه النائي أو الممتنع الهاجر
                          فإذا هو قد تحول بموقعه من القلب إلى غير حقيقته،
                          فأطلعه الهوى من مطلع آخر ليس في الطبيعة، فيرتفع ثم يرتفع،
                          حتى كأنه عند صاحبه ليس شيئًا في الدنيا بل الدنيا شيء فيه،
                          ويكون ما هو كائن، ومع ذلك تنبعث منه روح ذات جلال
                          أقل ما فيه أنه فوق الجلال الإنساني.



                          تقوم شجراتي على مسيل من الماء في قاصية بعيدة عن المدينة،
                          وتراهن فوق الماء صفا إحداهن إلى إحداهن
                          كأن هناك بقعة من الجنة قامت فيها قصور الزمرد
                          على طريق أرضها من الفضة البيضاء المجلوة.
                          وأراهن كل سنة يتجردن من الأوراق؛
                          ليكتسين أوراقًا مثلها لا تخلفها في شيء من الهيئة،
                          ولا تباينها في معنى الطبيعة،
                          ولكن بين ما يخلعن وما يلبسن تزيد فيهن الحياة،
                          وتشب الروح، وتتجدد القوة فتلقي الشجرة أوراقها،
                          وتستقبل الشتاء مقشعرة جرداء؛
                          لتظهر في الربيع كاسية: جميلة جديدة في حسنها،
                          تتبرج بروحها قبل ثيابها، كالحسناء الفاتنة
                          أو ما يتحرك في دمها الحب …



                          كذلك لا تتبرج الروح إلا خارجة من شقاء أو مقبلة على شقاء،
                          وما أشبه الحب في الناس بهذا الربيع في الشجر:
                          هو الطريق الأخضر يمتد إما إلى الجدب واليبس والألم،
                          وإما إلى غاية منسية مهملة في الجفاء أو السلوة!



                          وذهبت في ضحوة النهار إلى صديقاتي
                          أحييهن كعهدي بين حين وحين،
                          وما أكرمه عهدًا لمن لا يختلفن من ملل،
                          ولا يتغيرن من كذب، ولا يتبدلن من خيانة،
                          فلما جئتهن تحفين بي وتناولني قلبي يمسحنه ويتحببن إليه،
                          وأقبلن يغازلنه، ويأخذن فيه مأخذ من تحب فيمن يحبها،
                          حتى لم أشعر منه إلا ما أشعر من زهرة فيها أرجها العاطر،
                          أو ثمرة فيها ماؤها الحلو، أو نبتة فيها لونها الأخضر…









                          نتابع

                          تعليق


                          • #14






                            ونبهن فيه برفقهن هذه القوة المتواضعة المظلومة
                            التي تتوجه بالإنسان إلى ربه فتكون عبادة
                            وإلى الناس فتكون رحمة وإلى بعض الناس فتكون الحب،



                            فإني لتحت ظلالهن الوارفة وكأنني من السمو لتحت اجنحة الملائكة ،
                            وإني لمع أغصانهن النضرة وكأني
                            من السرور أداعب أطفالا صغارا تبسم لي
                            وإني لبين أنفاسهن وكأني من النشوة مع الخيال الذي اتخيل...
                            تجلت عليَّ القوة التي تحول الشعاع إلى ظل،
                            والهواء إلى نسيم، والزمن إلى ربيع،
                            والنظر إلى حب،



                            فكنت في الشجر الصامت شجرة متكلمة،
                            وانسللت من طبيعة إلى طبيعة غيرها،
                            ووقفت بين عفو لله وعافيته في هذا المحراب الأخضر؛
                            ومن قلبي المتألم أرسلت إلى السماء هذه التسابيح
                            ذاهبة مع تغريد الطير.



                            يا من غرسني في الحياة كهذا الغراس بين الماء والنور،
                            ولكنه جعل جذوري كلها مستقرة مثله في الطين!

                            يا من جعل في شفائنا بالعلم داء آخر من العلم،
                            حتى لا يرتفع المضر من الأرض
                            ولو صار أهل الأرض كلهم علماء!

                            يا من جعل الناس في الحياة كأوراق الشجر،
                            من اليابسة التي تتقصف إلى جانب
                            الخضراء التي ترف،
                            ثم إذا الناس جميعًا كالأوراق جميعًا.
                            يبست فارفتت فطارت بها الريح تذروها
                            فلا يعلم مستقرها ومستودعها إلا هو!



                            يا إلهي! تقدست وتباركت!
                            إني لا أنكر حكمة آلامي، فما أنا إلا كالنجم:
                            إن يسخط فليسخط ما شاء إلا ظلمة ليله التي تشب لونه وتجلوه،
                            ولولاها لما رأت الأعين شعاعة تلمع فيه.
                            لم تعطني يا رب ما أشتهي كما أشتهيه ولا بمقدار مني،
                            وجعلت حظي من آمالي الواسعة كالمصباح في مطلعه من النجوم
                            التي لا عدد لها، ولكن سبحانك اللهم، لك الحمد بقدر ما لم تعط
                            وما أعطيت، لك الحمد أن هديتني إلى الحكمة،
                            وجعلتني أرى أن المصباح الضئيل الذي يضيء جوانب بيتي
                            هو أكثر نورًا في داخل البيت من كل النجوم
                            التي تُرى على السطح وإن ملأت الفضاء!



                            سبحانك سبحانك!
                            اللهم لا تجعل ما يرفعني يقذفني،
                            ولا ما يمسكني يرميني،
                            ولا ما ينضرني يجفو بي!

                            ولما فرغت من ابتهالي، اتكأت إلى حبيبة منهن،
                            وجعلت أفكر وأنا أحس كأن كل شجرة
                            تضع قبلة ندية على قلبي،
                            أو كأن غصنًا مطلولًا ينفض طل الصباح قطرات في دمي.



                            يا شجراتي! ما أنتن إلا من بعض صور الحب،
                            ولكن حبكن من النعمة والعافية؛
                            إذ لا تنتهي في النفس معاني شهواتها، بل معاني لذاتها فقط …
                            أنتن المثل الهنيء الذي لا بؤس فيه ولا حظ،
                            كالمعبد الذي تحمل إليه الآلام والأوجاع؛
                            لتنسى فيه هنيهة من الزمن،
                            ولهذا يقبل عليكن الحكماء وأهل النفوس الحاسة
                            والطباع الرقيقة، يأتون بالأنفس الذابلة والقلوب المتوهجة
                            في ضعفة وسأم؛ ليرجعوا في هذه وهذه باللون الأخضر،
                            وبروح النسيم في قوة وعزيمة.








                            نتابع

                            تعليق


                            • #15





                              يممتهن اليوم فإذا هن ذابلات عليهن الضحى عريانًا،
                              وكن من ورقهن في حلل الظل،
                              وفيهن انكسار ذي العارية، وكان يتجمل بعاريته،
                              ثم ردها فما يتوارى إلا من الأعين
                              التي كان يتعرض لها من قبل …
                              ويحس كأنه أصبح لحنًا من خطأ فاحش في لغة
                              النعمة واليسار، لا يكاد يظهر نفسه إلا قيل له:
                              يا غلطة تحتاج إلى من يصححها …



                              ورأيتهن واقفات في مثل ذلك الحزن النسائي الغرامي
                              الذي يخلط المرارة في حلاوة المرأة الجميلة
                              فتبدي عن عاطفة مسكينة لا يصورها لك
                              إلا أن … أن تتخيل جزع لؤلؤة تخشى أن تتحول إلى حصاة.
                              ذليلات ذليلات كأنهن مطلقات الربيع …!



                              وقالت لي صديقة منهن: لقد كنت في جانب منا،
                              أفمنحرفٌ أنت إلى الجانب الآخر؟
                              وكان لك فينا من رأي الحب ما يكسونا مع كسوتنا،
                              أفيكون لك من رأي البغض ما يجردنا مع كسوتنا،
                              أفيكون لك من رأي البغض ما يجردنا مع تجريدنا؟
                              أم ستقول: طاووس انسل ريشه الجميل فرده القبح دجاجة،
                              وشجرة سلبت زينتها فعادت كأن لم يخلقها الله،
                              ولكن أقامها النجار …



                              أما أنت رادنا إلى المسخ فمجرٍ علينا حكم الرجل على المرأة:
                              متى قبحت في عينه قبحت في قلبه؛
                              إذ لا يطلب إلا معنى فيها تحت الرونق لمعنى فيه هو
                              تحت الدم، فإذا هي لم تعد من إيمانه …
                              كفى ذلك وحده أن يجعلها من كفره …
                              أظالمني أنت فتعرف لي ذلٍّا بعد عزة،
                              وتصف لي خضوعًا بعد كبرياء،
                              ولا تضع بإزائي في ميزان قلبك إلا المعاني الثقيلة
                              التي تلقيها تزن بها ما تكره؛ لكي تملأ نفسك منه بغضًا وكراهة؟



                              كلا يا صديقتي!
                              إنما تتحولين لأجد منك معنى جديدًا في نفسي.
                              فكأنك تخرجين مني رجلًا في الربيع ورجلًا في الشتاء،
                              وكأني أعرف بك كيف أتحول في بعض معاني الحياة
                              من نسيم إلى عاصفة.
                              أنت كالحبيبة المخلصة حين تبالغ في إصفاء الود،
                              فتمتنع وتهجر لتهب محبها الفكر في جمالها
                              كما وهبته النعمة بجمالها، فيصيب اللذة ومعناها،
                              ثم يجد الشوق الذي يضاعف معناها.
                              فإني رأيت الذي لا يفكر في معاني الجمال حين يمتنع
                              ويبعد، لا يدرك كل معانيه حين يمكن ويدنو.



                              لهفى الأشجار المحبة *** مر فصل ربيعها
                              جد الهوى فى عرسها *** ليجد فى تقطيعها ...!

                              *****
                              كل الفتوق لها الرقاع *** ترم من تصديعها
                              وإذا تمزقت المحبة *** حرت فى تريقعها ...!






                              نتابع

                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                              المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                              المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                              يعمل...
                              X