


«ولما أهدت إليه رسمها كتب إليها » :
كنت ساعة أجلس للكتابة إليك،
أراني كالمصور، غير أني أنقل من عالم في داخلي؛
أما الآن ورسمك يملأ عيني، فقد أضيف إلى عالمي المضطرب
بأخيلته الكثيرة عالم من الجمال الصافي،
هو فوق ذلك كالسماء فوق الأرض: تحييها بالشمس والقمر،
وهو من وراء ذلك كالآخرة وراء الدنيا: تطعمها بالجنة والخلد.

ولكدت ولله يا حبيبتي أتخيل هذا الرق الموضوع أمامي
يبرقُ بصورتك ويشرق بوجهك — نافذة سحرية فتحت
بيني وبين عالم الجمال الأزلي فأطل فيها وجه حوراء
من حُور الجنة ينظر إليّ وأنظر إليه،
يحمله جسم خلق ليكون فتنة للجنة ذاتها،
وكأنه بجماله ومعانيه حقائق ذلك النعيم جاءت تترجم
لذة الخلود للنفس البشرية في بلاغة مصورة
اختاروا لها رسمك أنت.

وهل في الحسن أحسن من هذا الوجه
الذي يرف على القلب بأندائه ويتلألأ بنضرته،
حتى لكأنه خلق من نور الفجر،
وكأن علامة الفجر فيه إنما هي هذا الروح
الذي يحيط القلب من وجهك بمعانٍ كنسمات الصبح،
عليلة من شدة الرقة، ذابلة من فرط الجمال،
مملوءة من روح الندى بما يجعلها حول النفس
كأنها جو من شعور حي فرح لا نسمات في الجوِّ.

وجه منضر يفزع لروعة حسنه من يراه،
كأن شيئًا بدعًا لم يكن ممكنًا فأمكن!
أو كأن في حمرة خديه وشفتيه خمر القلب رؤيتها شرْبها،
وفيها السكر بالجمال والنشوة بالهوى،
فما هو إلا أن ينظر وجهك الناظر حتى يخالط قلبه.
وعلى ما رأيت هذا الوجه الفاتن،
فما رأيته من مرة إلا حسبتها أول مرة،

وإني لألمح فيه سرٍّا عجيبًا
يكون فقدان العبارة عنده هو أبلغ العبارة في وصفه؛
إذ لا تتكلم روعة الحس بالجمال، وهي تنزل في صور الألفاظ،
وإنما تغمز على القلب غمزة خافتة
تشعر الناظر أن روح المنظر خامرت الروح،
وأن حياة الشكل انسكبت في الحياة،
وأن المعنى الغامض في السر اتصل بالمعنى الغامض في النفس.

ويمثل هذا السر الذي يطالعني من جمال وجهك
أصبح الجمال على الحقيقة هو علم أفراح النفس وأحزانها،
وعاد الشخص الجميل المعشوق، وما هو بكل معانيه
إلا الفن الفلسفي الكامل أتيح لنفس أخرى
تحاول بالحب أن تكون كاملة.

نتابع

تعليق