إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النجم الذي هوى يحيى الطاهر

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النجم الذي هوى يحيى الطاهر

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أهل ورد الغاليين
    واحد من أهم الحكائين
    أصدق من عبر عن الصعيد
    في الأعمال الأدبيه
    كتب عن صعيد مصر بروحه و ذاته،
    مستلهما التراث العربي واليوناني
    والحكي الشعبي في سبيكة واحدة
    قابضاَ على هذا العالم
    بكل ما فيه من قسوة وحب.
    ولد في الربيع ومات في الربيع،
    وبين الربيعين
    حياة مضطربة غنية متوهجة
    لأن إنجازه المتفرد هو
    وليد الروح القلقة المتوثبة،
    وثمرة البصيرة النابضة المدركة التي
    كانت تحمل رعشة جديدة في الجسد الإبداعي
    أحدثت دويا مؤثرا في الحياة الأدبية المصرية،
    لأنه ببساطة
    احتضن بيئته ثم هضمها ثم عبر عنها
    بلا منافس في أدب شديد الدقة
    ولغة تمزج بين السرد والإنجاز
    فكان عن استحقاق و بجدارة
    هو
    النجم الذي هوى
    كما وصفه المبدع يوسف ادريس

    إنه
    الجنوبي الساحر
    القاص المبدع
    يحيى الطاهر عبد الله



  • #2
    يحيى الطاهر عبدالله
    ماذا لو قدر لذلك الفتى الأسمر النحيل،
    أن يعيش عمرا أطول من
    العقود الأربعة التى عاشها
    لكان له شأن لم يسبقه إليه
    كاتب فى أدبنا العربى الحديث.
    ورغم أن حياته كانت أقصر من أقصوصاته،
    فإنها كانت مليئة بالأحداث والمشاعر والأفكار،
    وقدمت الواقع الجنوبى فى إطار من
    الرومانسية السحرية،
    وبلمسة أسطورية تراجيدية تفرزها
    حياة الناس الذين يدبون على الأرض،
    حتى تختلط الخرافة بالحقيقة،
    فيتساءل المرء:
    هل الواقع هو أسطورة،
    أم الأسطورة هى واقع؟.
    رغم قصر تجربته الأدبية نسبيا
    إلا أن أدب يحيي الطاهر
    قد جاء متمردا للغاية علي القوالب الثابتة
    في القصة, حيث أوجد لغة خاصة به
    امتزج فيها الحكي أو السرد
    بلغة شاعرية وايقاعات منغمة
    ليطلق عليه عدد من النقاد اسم
    شاعر القصة,
    في الوقت الذي أطلق البعض الآخر
    علي أدبه اسم القصة القصيدة.
    فقد لعب يحيي الطاهر
    في مناطق غير مأهولة أدبيا,
    فحلق ببراعة فائقة في عوالم جديدة
    من الكتابة وكشف لنا عن
    قري مجهولة ومسكوت عنها في الحياة اليومية
    في قري الجنوب التي يعرف كل دقائقها.
    ويخلط يحيي الطاهر في حكاياته
    عبر أعماله القصصية والروائية
    بين الحكي والأسرار والتابوهات
    علي خلفية من التراث
    وحضور قوي لعالم الأسطورة والخرافة.

    تعليق


    • #3
      كان الضلع الثالث
      في الثالوث الادبي الرائع
      النازح من الجنوب
      والذي أدهش الاجيال السابقة عليه
      بتناوله الجديد للقصة والقصيدة،
      وأذهل الاجيال التالية له
      بسحر لغته وعبقريه التصوير،
      هو ثالث الشاعرين الساحرين
      عبد الرحمن الأبنودى وأمل دنقل
      إنه
      يحيى الطاهر عبد الله
      الذي يعد من أبرز أدباء الستينات
      و ألمع من كتب قصة قصيرة فى تاريخ مصر،
      بعد خمسة وثلاثين عاما من غيابه
      ما زالت كتاباته تواصل حضورها
      حيث استطاع من خلالها أن يصف لنا وبدقة،
      فهو يصور أدق تفاصيل الشخصيات
      والاحداث المحيطة بها وسماتها الانسانية.
      و استخدام الرمز ببراعة شديدة في أعماله
      ليعبر من خلاله عن انسحاق المواطن
      تحت وطأة آلات القهر والظلم.
      وقد عبر عن عالمه الخاص،
      و تناولت قصصه السلوك الطبيعى
      الساعى لبلورة طموح الأجيال الشابة
      إلى الحرية وانعكست فيها
      طبيعة المواجهات بين إرادة التجديد
      والأفكار المحافظة على سريان
      حياة يومية قروية رتيبة
      وكانت أصوله وبيئته فى
      قرية الكرنك
      مسقطُ رأسه منبعًا لإلهامه..
      بكل عالمها ومفرداتها،
      حتى استطاع أن يصنع منها أسطورته الخاصة.

      تعليق


      • #4
        ولد عبدالفتاح يحيى اسمه الأول الطاهر محمد عبدالله
        فى 3 أبريل 1938
        بقرية الكرنك مركز الأقصر بمحافظة قنا،
        فى أسرة متواضعة.
        كان أبوه شيخا معمما يقوم بالتدريس
        فى إحدى المدارس الابتدائية بالقرية،
        ولعل ذلك كان مصدر غرام قَصاصنا
        باللغة العربية، أما أقاربه فمعظمهم من المزارعين،
        ماعدا قلة منهم مارست النشاط السياحى
        القائم على ما تحويه هذه المنطقة
        من آثار مصرية قديمة،
        ظل بالكرنك إلى أن حصل على
        دبلوم الزراعة المتوسطة،
        وعمل بوزارة الزراعة فترة قصيرة،
        ثم انتقل عام 1959 إلى مدينة قنا،
        حيث التقى فيها بالشاعرين
        عبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل،
        وكان هذا اللقاء بداية رحلة طويلة
        وصداقة ممتدة بين الثلاثة،
        فى هذه الفترة كان يحيى الطاهر
        شغوفا بكتابات العقاد والمازني،
        وكان الأبنودى مهتما بالموروث الشعبى العامي،
        أما أمل دنقل فكان اهتمامه بالموروث العربى الفصيح.
        فى عام 1961 كتب يحيى الطاهر
        أولى قصصه القصيرة محبوب الشمس،
        وأعقبها بقصة جبل الشاى الأخضر،
        فى نهاية 1962 انتقل الأبنودى إلى القاهرة،
        وانتقل أمل دنقل إلى الإسكندرية
        حيث عمل كاتبا فى الميناء
        بينما ظل يحيى الطاهر مقيما مع أسرة الأبنودى
        فى قنا ما يقرب من عامين،
        فى عام 1964 لحق يحيى بالأبنودى فى القاهرة
        وأقاما معا، حيث كتب بقية قصص مجموعته
        الأولى ثلاث شجرات تثمر برتقالا.
        فى القاهرة بدأ يتردد على المقاهى
        والمنتديات الثقافية،
        وبدأ يعرف كظاهرةٍ فنيةٍ متميزة،
        كان يلقى قصصه التى كان يحفظها بذاكرة قوية
        إلى حد الغرابة ودونما اعتماد على الورق،
        وكان يرى فى ذلك محاولة لتقريب المسافة بين
        كاتب القصة والرواة الشعبيين

        تعليق


        • #5
          احتل يحيى الطاهرمكانه كواحد من
          أهم القصاصين والروائيين المصريين
          الذين شكلوا ما عرف ب جيل الستينيات،
          فى أكتوبر 1966 تم اعتقال مجموعة من الكتاب
          والفنانين المصريين، منهم يحيى والأبنودي،
          ثم أطلق سراحهم فى أبريل 1967،
          أى قبل هزيمة يونيو بحوالى شهرين!.
          تزوج فى مارس 1975،
          أخت صديقه الناقد د. عبدالمنعم تليمة،
          وأنجب بنتين هما: أسماء وهالة
          و محمد مات طفلا صغير فى حياة والده

          عمل لفترة قصيرة فى
          منظمة التضامن الأفروآسيوى
          مع أمل دنقل، برئاسة يوسف السباعي

          عندما صدرت مجموعته الأولى
          ثلاث شجرات تثمر برتقالا
          أحدثت دويا مؤثرا
          فى الحياة الأدبية المصرية،

          وكانت أعماله تتوالي:

          الدفّ والصندوق 1974،
          أنا وهى وزهور العالم 1977،
          حكايات للأمير حتى ينام 1978،
          الطوق والأسورة 1975،
          الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة 1977،
          تصاوير من التراب والماء والشمس 1981

          توفى يحيى الطاهر عبد الله
          يوم الخميس 9 أبريل 1981
          قبل أن يتم الثالثة والأربعين بأيام
          في حادث سيارة على طريق القاهرة الواحات،
          ودفن في قريته الكرنك بالأقصر،
          صدر بعد رحيله، الأعمال الكاملة
          عن دار المستقبل العربى بالقاهرة عام 1983،
          بإشراف المخرجة عطيات الأبنودي،
          التى قامت باحتضان أسماء يحيى الطاهر وتربيتها،
          ود. حسين حمودة، الشاعر والناقد، الذى كانت
          رسالته للدكتوراة عن يحيى الطاهر عبدالله.
          وضمت الأعمال الكاملة مجموعة قصصية
          كان يحيى قد أعدها للنشر
          ولكنه توفى قبل أن يبدأ في ذلك
          وهى الرقصة المباحة،
          وصدرت طبعة ثانية عام 1993

          ترجمت أعماله إلى الإنجليزية
          وقام بترجمتها دنيس جونسون ديفز
          و ترجمت أيضا إلى
          الإيطالية والألمانية والبولندية.

          انتقل عدد من قصصه إلى السينما؛

          منها ما انتقل بشكل مباشر مثل

          روايته الطوق والإسورة 1986،

          ومنها ما تحول إلى أعمال سينمائية

          بطريقة غير مباشرة مثل

          ليه يا بنفسج 1992
          و عرق البلح 1980 الأنشودة الخالدة،

          أو “الصدمة الفنية” كما لقبه النقاد.
          الأفلام الثلاثة اشتركوا جميعًا في أنهم

          أفضل القصص التي قدمت في السينما
          خرجوا من رحم كتابات

          يحيى الطاهر عبد الله

          واشتركوا في أنهم معزوفة حزينة طويلة،

          تتخللها بعض نغمات السعادة

          التي لا تخلو من الشجن.
          الأفلام الثلاثة اجتمعوا في الحديث عن الفقر،
          وعن الغائب المنتظر عودته،

          وعن الحنين للعودة،

          وعن الصدمة بعد العودة.

          تعليق


          • #6
            يحيي الطاهر عبد الله
            كما تحدث عنه الأبنودي في أحد الحوارات
            ذات صباح شتائي دلف إلي مكتبي
            بمحكمة قنا الشرعية
            شاب نحيل الجسم جدا ضعيف البنية،
            قلق النظرات كأن به مسا وقال في عظمة
            هل أنت عبد الرحمن الأبنودي
            أنا يحيي الطاهر عبد الله من كرنك الأقصر،
            جئت للتعرف عليكما أنت وأمل دنقل
            أغلقت الدوسيهات التي أمامي
            ودفعت بها إلي أحد الأدراج وقلت له إذن
            هيا بنا حتى هذا الوقت لم أكن قد عرفت
            شيئا
            عن يحيي الطاهر عبد الله ولكني كنت أعرف
            عن عمه الحساني عبدالله
            وهو شاعر كلاسيكي ومن تلامذة العقاد
            ومن أتباعه وأشياعه المتطرفين
            في الطريق الى البيت اكتشفت أن
            يحيي الطاهر 'عقادي' أكثر من عمه،
            حين تأتي سيرة العقاد تستطيل سبابته
            لكي تصبح في طول ذراع
            وتخترق عيوننا ويتشنج وجهه
            الذي لم يكن ينقصه جنون، ويخرسنا جميعا
            ويستمر في قوة يحاورنا من طرف واحد
            ونحن .صامتون خوفا منه أو خوفا عليه أو إشفاقا
            علي جسده النحيل من تلك التشنجات القاسية.
            في ذلك اليوم أخذنا المسير الى منزل الشيخ الأبنودي
            ولم أكن أعلم أن يحيي الطاهر عبد الله
            لن يغادر هذا البيت إلا
            بعد ثلاث سنوات
            ينادي أمي (يا أمه) ويتعامل مع الشيخ الأبنودي
            كأنه والده واستولي مني علي أخوتي.
            وكان يحيي شديد النهم للقراءة
            واطلاعاته الأدبية
            تفوقنا بكثير،
            ربما لأنه أتيح له أن يقرأ

            في مكتبة عمه. ولأول مرة في حياتنا
            نكتشف إنسانا ينتمي حقيقة الى الثقافة
            يدافع عن آرائه حتى الموت،
            بحميمية وصدق مما يدل علي أنه
            اتخذ الثقافة أهلا ومنهج حياة ودارا وعائلة
            ويتحزب تحزبا مصيريا لما يعتقده.
            كان قد استقال لفوره من عمله في
            مديرية زراعة الأقصر،
            فقط ليأتي إلينا، كان يعاني من مشاكل رهيبة
            مع زوجة أبيه التي هرب وترك بقية أخوته
            تحت سطوتها وجاء يحتمي بنا.

            تعليق


            • #7
              و يستطرد الأبنودي
              لم يكن أمل دنقل كما يعرف معظم من عرفه
              رقيقا مع يحيي وإنما كثيرا ما كان
              يترجم حبه له في شكل إثارة وشجارات
              ومعارك لاشك أفادتنا كثيرا إذ كانت
              تكشف عن مساحات رائعة في ثقافة يحيي
              وخيالاته الجنونية الجامحة
              التي لا حد لحريتها كذلك كان سلوكه 'كوارثيا'
              إذ كان يطبق نفس هذا الخيال الجامح علي
              الحياة الواقعية للبشر،
              وفيما بعد حين كتب القصة كان يستعمل
              بسطاء الناس والمغفلين والمندهشين
              موضوعات يكتبها بصوت عال ويمارس عليهم
              ألاعيبه الخارقة التي هي مزيج من العبقرية
              والعبث الواعي والجنون.
              غادرت يقول الأبنودي إلي القاهرة
              بعد أن استقلت من عملي بمحكمة قنا
              وتلا ذلك استقالة أمل واتجاهه إلي القاهرة مثلي
              وهكذا فرغ الكون حول يحيي في قنا
              وان كان استمر مقيما في بيت الشيخ الأبنودي
              عاما آخر بدوني، وقد توثقت علاقته بأهل البيت
              واعتبر ابنا سابعا للشيخ الأبنودي وفاطمة قنديل
              التي كانت تحبه شديدا وتعطف عليه شديدا
              ويخيل لها يوميا أنه سيموت في اليوم المقبل.
              كان يحيي يكره الغباء كما لا يكره شيئا آخر

              وكانت معاركه وصراعاته مع الأغبياء
              سواء أكانوا أناسا عاديين أو مثقفين
              أو مبدعين خائبين منطفئين
              كنت أدخل معاركه الى جواره
              دون أن اسأل من المخطئ،
              فقد كنت اعتقد أن من حق العبقري يحيي الطاهر
              أن يفعل ما يشاء بالبشر وعليهم الاحتمال.
              بعد عام جاء يحيي إلي القاهرة

              مصطحبا أخي كمال الذي يصغرني مباشرة
              واضطررت أن أغير سكني بجوار سينما اوديون
              لأسكن معهما في شقة حقيرة مليئة بالأسرة
              في بولاق الدكرور وهي الشقة التي كانت
              أشبه بالملكية العامة والتي كان يتردد عليها
              أصدقاؤه من أمثال طارق عبد الحكيم،
              وأحمد فؤاد نجم و كمال الطويل و غيرهم
              كانت هذه الشقة أشبه بالمقهى الشعبي
              وحولها يحيي الى ما يشبه سوق الثلاثاء،
              فكانت الأسرة تزدحم بالمشردين والغرباء
              من المثقفين والمبدعين
              وكان علي أنا أن أطعم كل هذا الجيش
              من الجنيهات التي أتكسبها من الأغنيات
              التي كنت اكتبها في ذلك الوقت
              حيث كان من النادر ان تجد أحدا
              من أبناء جيلي قادرا علي الكسب.
              كان يحيي الطاهر مدخنا بطريقة مفرطة

              وكنت رغم أني كنت أدخن أنا أيضا لا أطيق
              الدخول الى غرفته المعبأة بالدخان
              والتي كان ينام فيها كأنه لن يقوم أبدا.
              وكنا ننطلق لشراء الكتب من سور الأزبكية
              كان دائما حبيب الأمهات جميعا
              لمعسول لسانه ولصدقه الشديد في المودة
              التي تحول فيما بعد إلي 'اسكافي' لها
              وكتب رائعته (اسكافي المودة).

              تعليق


              • #8
                حتى رحيلنا من قنا أمل دنقل وأنا

                يقول الأبنودي لم يكن يحيي قد كتب قصة واحدة

                بعد، وعلي ما يبدو فإن وجودنا بثقلنا الإبداعي
                في قنا كان يعوقه عن التعبير عن نفسه

                خاصة بعد أن 'توبناه' من التحزب للعقاد

                وأسهمنا في 'فتح مخه' علي

                الثقافة الإنسانية الرحبة

                دون الوقوع في حبائل أحد بالذات.
                وكأنه وجدها فرصة في ذلك العام

                الذي قضاه بمفرده في بيت الأبنودي.
                ليكتب رائعته الأولي 'محبوب الشمس'

                قصته الأولي التي نشرها
                ثم توالت أقاصيصه العجيبة عن عالمه الأعجب

                وبدأ يحيي الطاهر شيئا فشيئا

                يكتشف لغته الساحرة التي مازالت

                محط أنظار كل القصاصين الكبار والصغار

                وحلمهم في أن يتملوكها وقد شابهوها وقلدوها
                ولكن سوف تظل هذه اللغة العظيمة

                مرتبطة بساحرها الأعظم يحيي الطاهر.
                ثم بدأ اتجاهه للكتابة عن صعيد مصر

                فسحر العالم وقدمه يوسف إدريس

                في مجلة الكاتب بمقدمة ساحرة

                وكنت دائما أقول ليحيي الطاهر

                إنني محظوظ أنه لم يكن شاعرا

                فهو الوحيد الذي كان يمكن له ان

                يشكل خطرا علي إبداعي

                لأنه كان يغترف من نفس البئر
                وعاشر نفس الواقع بمخلوقاته وعلاقاته
                ومشاكله ومفارقاته وأساطيره
                لم أكن اخشي أمل دنقل فأمل لم يتجه للكتابة
                عن الريف أو عن قرانا وحياتنا

                رغم انه عاش نفس الحياة

                ولكنه كان يؤمن بالفصل بين

                الذات والموضوع سواء علي مستوي التجربة

                الحياتية والسلوك الشخصي

                إما يحيي فكان ابنا مخلصا لتجربته مثلي تماما

                ووهبته قريته الكرنك القديمة حبها

                واحتضنته بحب وأطلعته علي اسرارها وفتحت
                له صندوقها وأطلعته علي حليها الموروثه
                وأشيائها الخاصة جدا

                وحين تقرأ 'جبل الشاي الأخضر'، 'العالية'،

                'طاحونة الشيخ موسي'

                أو حتى روايته ' الطوق والأسورة'

                التي كتبت لها الحوار في الفيلم المعروف

                الذي يحمل اسمها سوف تكتشف انه

                ينزح من بئر لا ينضب وأن لديه من الكنوز

                ما لو كان القدر انتظر عليه بعض سنوات

                لأدهشنا أكثر مما أدهشنا

                تعليق


                • #9
                  يستطرد الأبنودي
                  مازلت أعود الى قصص يحيي الطاهر عبد الله
                  كلما أردت الاتصال به
                  لقد كانت علاقتنا أكثر من حميمة
                  وكان بالنسبة لي أكثر من شقيق
                  وكانت القاهرة تتعامل معنا علي هذا الأساس
                  بل لقد دعت غرابة محبتنا كلا للآخر الى أن
                  تندهش القاهرة لمثل هذه العلاقة
                  التي لا يمكن أن تتحقق إلا بين أبناء الصعيد
                  وبالذات في الغربة
                  فيما بعد تركني يحيي ليتزوج وينجب
                  وبدأنا نلتقي كلما وضعته الأيام في مأزق
                  كنت دائما ألعب في حياته دور الوالد
                  بشقيه الجانب الذي كرهه
                  وهو جانب الناصح والمحجم والمنظم للسلوك،
                  والجانب الحنون الذي كان يوقن أن كل ما ملكه
                  هو ملكه في أية لحظة إذا ما احتاجه.

                  يعتبر يحيي الطاهر عبد الله أصدق من عبر عن
                  عالم الصعيد بلا منافس في أدب شديد الحيوية
                  متوهج الأداء خاصة اللغة وقد تكون هناك
                  محاولات لـ طه حسين أو يحيي حقي
                  لكنها لا يمكن أن تصل الى حرارة صدق التوغل
                  والمعايشة ووحشية الأداء ورقته التي تمتع بها
                  أخونا القاص الفذ يحيي الطاهر عبد الله،
                  ومازلت أري أن حصوله علي
                  جائزة الدولة التشجيعية
                  شي ء قليل جدا بالنسبة لما يستحقه
                  ومازلت أري أن الكثير من أبناء جيله
                  يمارس غيرته منه حتى في موته
                  ويسهم في إسدال ستائر التجاهل والتورية والأبعاد
                  عن يحيي حتى لا تكتشف قيمته الحقيقية
                  السيرة الهلالية في عهدة يحي الطاهر
                  كان يحيي في السنوات الأخيرة شديد الاهتمام
                  بالملاحم المصرية وبدأ بـ الزير سالم
                  فلما أفسدها عليه أمل دنقل في قصيدته العبقرية
                  لم يدع مجالا لأن يستفيد منها شخص آخر
                  في نفس الفترة، فاستعان يحيي بي
                  في فهم السيرة الهلالية
                  وانكب علي قراءة السيرة التونسية
                  بلهجتها الصعبة التي جمعها وقدم لها ونشرها
                  الطاهر قيقة وكيل وزارة الثقافة التونسية السابق

                  إن علاقتي بأخي يحيي الطاهر أعمق بكثير
                  من أن تحضر في كلمات
                  يظل يحيي جرحا عاطفيا غائرا في
                  عواطفي الصادقة وضميري
                  وكلما تذكرته اعتصرني وجدانيا
                  بطريقة خاصة جدا،
                  واعتبر إنني قد فقدت جناحي طيراني
                  حين فقدتهما أحدهما بعد الآخر

                  يحيي الطاهر عبد الله وأمل دنقل

                  تعليق


                  • #10
                    يرحل عنا
                    بأسرع ما يمكن
                    أجمل الناس وأصدقهم ،
                    وكأن حياتنا لا تروق لهم
                    يرحلون و يتركون لنا الدهشة .
                    كتب الأبنودي فى رثائه




                    قصيدة
                    عدودة تحت نعش يحيى الطاهر عبد الله
                    يا يحيى يا عجبان يا فصيح
                    يا غنوة يا زغروتة
                    اتمكن الموت من الريح
                    وفرغت الحدوتة
                    كنا شقايق على البعد
                    وع القرب شأن الشقايق
                    أنا كنت راسم على بعد
                    وخانتنى فيك الدقايق
                    حرة كطير البرارى
                    أسما.. وعاش المسمى
                    دلوقت بتنام جوارى
                    فى فرشتك يا ابن عمى
                    أبويا مات السنة دى
                    وأمى بتموت وتحيا
                    ما مد لى الموت أيادى
                    إلا فيك انت يا يحيى
                    أبكيك وللذكرى رعده
                    كنت الونس فى الوسع ده
                    خايف مونس قبيلة
                    عملت م الغربا عيلة
                    وفتحت للحب طاقة
                    دى لعبة تانية رزيلة
                    ولا امتحان للرفاقة؟
                    أديك مت ولا عدت تحيا
                    والدنيا "طفله ومومس"
                    غريب مت كما مات "يحيى"
                    لا طال نجد ولا طال تونس
                    غربا وجينا النواحى
                    الكل للكل شاهد
                    ننام وانت اللى صاحى
                    انت اللى مجموع وواحد
                    الحمل فوق الكتاف مال
                    والدم نازل قنايه
                    يا جمل ما يوم خزمه جمال
                    ولا قتله عشق الصبايا
                    يا جمل ما يوم قصر السعى
                    يا مغلب الجماله
                    حسدونا فيك حتى ع النعى
                    واعتبروا حبك عماله
                    يا موت وتعبته تأجيل
                    يا موت ودى موته ظلومه
                    ليلة انقطف "وردة الجيل"
                    شمتت كلاب الحكومة
                    يا قبر جالك ولد زين
                    ما ارتاح غير الساعه دى
                    يا ملحد لحده زين
                    يحيى مالوش فى الرقادى
                    يحيى عليه السلام
                    كان يعرف الموت وقيمته
                    لا فى سكرة الموت اتعدل وقام
                    ولا قال كلمة لبنته
                    آخر حروف الأبجدية
                    أول حروف اسم يحيى
                    للموت كمان عبقرية
                    تموت لو الاسم يحيى
                    يا يحيى يا عدلان يا مليح
                    يا يحيى يا خى اليتامى
                    مش حمل تشريح وتمليح
                    يا يحيى بالسلامة
                    وبرغم باعنا القصير
                    رغم الزمن مش بتاعنا
                    حتعيش معانا وتكبر
                    وحتضيع لو احنا ضعنا
                    وحيعيش عذابك يا خيه
                    قناديل وسكه وغايه
                    دى مش نهايتك يا يحيى
                    يمكن تكون دى البداية

                    تعليق


                    • #11
                      في رثاء
                      يحيى الطاهر عبدالله
                      كتب كتاب و شعراء كثر
                      كتب

                      رفيقه أمل دنقل




                      قصيدة الجنوبي

                      صورة
                      هل أنا كنت طفلاً
                      أم أن الذي كان طفلاً سواي
                      هذه الصورة العائلية
                      كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي
                      رفسة من فرس
                      تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس

                      أتذكر
                      سال دمي
                      أتذكر
                      مات أبي نازفاً
                      أتذكر
                      هذا الطريق إلى قبره
                      أتذكر
                      أختي الصغيرة ذات الربيعين
                      لا أتذكر حتى الطريق إلى قبرها
                      المنطمس
                      أو كان الصبي الصغير أنا ؟
                      أن ترى كان غيري ؟
                      أحدق
                      لكن تلك الملامح ذات العذوبة
                      لا تنتمي الآن لي
                      و العيون التي تترقرق بالطيبة
                      الآن لا تنتمي لي
                      صرتُ عني غريباً
                      ولم يتبق من السنوات الغربية
                      الا صدى اسمي
                      وأسماء من أتذكرهم -فجأة-
                      بين أعمدة النعي
                      أولئك الغامضون : رفاق صباي
                      يقبلون من الصمت وجها فوجها فيجتمع الشمل كل صباح
                      لكي نأتنس.
                      وجه
                      كان يسكن قلبي
                      وأسكن غرفته
                      نتقاسم نصف السرير
                      ونصف الرغيف
                      ونصف اللفافة
                      والكتب المستعارة
                      هجرته حبيبته في الصباح فمزق شريانه في المساء
                      ولكنه يعد يومين مزق صورتها
                      واندهش.
                      خاض حربين بين جنود المظلات
                      لم ينخدش
                      واستراح من الحرب
                      عاد ليسكن بيتاً جديداً
                      ويكسب قوتاً جديدا
                      يدخن علبة تبغ بكاملها
                      ويجادل أصحابه حول أبخرة الشاي
                      لكنه لا يطيل الزيارة
                      عندما احتقنت لوزتاه، استشار الطبيب
                      وفي غرفة العمليات
                      لم يصطحب أحداً غير خف
                      وأنبوبة لقياس الحرارة.
                      فجأة مات !
                      لم يحتمل قلبه سريان المخدر
                      وانسحبت من على وجهه سنوات العذابات
                      عاد كما كان طفلاً
                      سيشاركني في سريري
                      وفي كسرة الخبز، والتبغ
                      لكنه لا يشاركني .. في المرارة.
                      وجه
                      ومن أقاصي الجنوب أتى،
                      عاملاً للبناء
                      كان يصعد "سقالة" ويغني لهذا الفضاء
                      كنت أجلس خارج مقهى قريب
                      وبالأعين الشاردة
                      كنت أقرأ نصف الصحيفة
                      والنص أخفي به وسخ المائدة
                      لم أجد غير عينين لا تبصران
                      وخيط الدماء.
                      وانحنيت عليه أجس يده
                      قال آخر : لا فائدة
                      صار نصف الصحيفة كل الغطاء
                      و أنا ... في العراء
                      وجه
                      ليس أسماء تعرف أن أباها صعد
                      لم يمت
                      هل يموت الذي كان يحيا
                      كأن الحياة أبد
                      وكأن الشراب نفد
                      و كأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
                      عاش منتصباً، بينما
                      ينحني القلب يبحث عما فقد.
                      ليت "أسماء"
                      تعرف أن أباها الذي
                      حفظ الحب والأصدقاء تصاويره
                      وهو يضحك
                      وهو يفكر
                      وهو يفتش عما يقيم الأود .
                      ليت "أسماء" تعرف أن البنات الجميلات
                      خبأنه بين أوراقهن
                      وعلمنه أن يسير
                      ولا يلتقي بأحد .
                      مرآة
                      -هل تريد قليلاً من البحر ؟
                      -إن الجنوبي لا يطمئن إلى اثنين يا سيدي
                      البحر و المرأة الكاذبة.
                      -سوف آتيك بالرمل منه
                      وتلاشى به الظل شيئاً فشيئاً
                      فلم أستبنه.
                      .
                      .
                      -هل تريد قليلاً من الخمر؟
                      -إن الجنوبي يا سيدي يتهيب شيئين :
                      قنينة الخمر و الآلة الحاسبة.
                      -سوف آتيك بالثلج منه
                      وتلاشى به الظل شيئاً فشيئاً
                      فلم أستبنه
                      .
                      .
                      بعدما لم أجد صاحبي
                      لم يعد واحد منهما لي بشيئ
                      -هل نريد قليلاً من الصبر ؟
                      -لا ..
                      فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه
                      يشتهي أن يلاقي اثنتين:
                      الحقيقة و الأوجه الغائبة

                      تعليق


                      • #12
                        أما المبدع يوسف ادريس



                        كتب مقال تحت عنوان
                        النجم الذي هوى
                        إقتباس من المقال المنشور في الأهرام
                        بتاريخ 13/4/1981
                        "وبالكاد بدأ يتنفس الصعداء ، وإذا بهذا الغادر الملعون ،
                        ودونا عن ركاب عربة انقلبت
                        وكان بها ثمانية غيره - متعهم الله بالصحة وأطال فى أعمارهم -
                        اختطفه ، فعلاً وكما تنطق حكمة الشعب المصرى أحياناً بالحقيقة .
                        كان ابن موت .
                        الموت ..
                        ذلك القضاء الحق الذى لا معنى له بالمرة .
                        مات يحيى ..
                        هكذا نعاه لى الأبنودى فى منتصف الليل .
                        ووجدت نفسى كالأطفال أبكى عجزاً .
                        فها هو كاتب عملاق شاب آخر قد اغتيل .
                        والقاتل موت ملعون مبكر .
                        ولا حول ولا قوة إلا بالله .
                        يا شعبنا المصرى الطيب ،
                        يؤسفنى أن أنعى إليكم واحداً من أنبغ كتابنا ،
                        ربما لم تعرفوه إلى الآن كثيراً ،
                        ربما لم يكن حديث الناس كنجوم السينما ،
                        ولكنى متأكد أنه سيخلد فى تاريخ أدبنا خلود لغتنا وحياتنا ..
                        وعزاء لك يا حركتنا الأدبية الكثيرة العدد القليلة النوع "

                        تعليق


                        • #13
                          يطوف الراوى الشعبى منذ القدم
                          حاملاً معه قصصه التى يرويها على مسامع الناس،
                          لم تكن تلك الحكايات مكتوبة
                          إنما توارثها الراوى بالسمع من راوٍ قبله،
                          فلما فطن يحيى الطاهر عبدالله
                          إلى أن السماع هو الطريقة المثلى
                          والأنجح فى الوصول بحكاياته للعامة،
                          مضى فى ذلك الدرب فأخذ
                          يقص رواياته أولاً سماعيًا قبل أن يكتبها.
                          وربما كان
                          يحيى الطاهر
                          هو الأديب الوحيد
                          الذى يفعل ذلك،
                          يٌسمع جمهوره القصة أولا
                          على طريقة الراوى الشعبى قبل أن تخطها يده.

                          بعض من أعماله

                          وغـــدًا أيضًـــا الأحــــد



                          (أ‌) أعرف أنها تمرّ على المقهى كل يوم أحد..
                          متى تعرفُ هي؟
                          (ب‌) لم تمر. الحصان العجوز الأبيض
                          كان يجرّ العربة المحملة بأكياس الدقيق.
                          أنا والأرق والحصان العجوز والحوذي العجوز
                          والشرطي الساهر والمومس المخمورة.

                          (ج‌) هذا موعدها الثاني: اغفر لها ياقلبي وقد عرفت.

                          (د‌) أيتها الكارهة: أحبك.

                          (هـ) الآن: لا أحبك.

                          (و) أنتِ لاتستحقين، نعم، ورميتُ زهرة القرنفل
                          -وقد عريتها من ورقها- في كوب الخمرة،
                          وشربت، وشربت..

                          (ز‌) يا أيها العالم -أنت شاهدي- : أنا لاهو..
                          أنا الذي أحبها..

                          (ح) رغم السنوات: اليوم الأحد.



                          في الحلم يعشـــــقُ الموتى


                          سمعت الصوت: " الجبل ياسارية.. الجبل"
                          ورأيت : طائرة العدو تطير، وتكرهني،
                          دمرت بيتي بقنبلة، ودمَت قلبي بقنبلة،
                          ودمت قلب محبوبتي بقنبلة -وكنت قد سمعت
                          الصوت-. لم يعد قلبي في بدني،
                          فحملني ذلك على قطع الصحراء.
                          لم يلمني أحد ، ولم بيصق في وجهي أحد،
                          ولم أسمع أية إهانة،
                          ولم يَرِد اسمي على فم أي مخبر.
                          بيدي (صنعتها)،زرقاءَ من ورقة،
                          لكنها تطير،طائرتي، أنا،
                          الملاحُ الماهر صانع الصندوق والقارب،
                          الروح الحية الهائمة بغير ظل،
                          عدوي أدميه بقنبلة،
                          والعاشق والعاشقة أرميهما بوردتين.
                          "لا تفلت الخيط"،
                          أنت من صُلبي،
                          " لاتفلت الخيط"

                          تعليق


                          • #14
                            أنــا وهـــي.. وزهـــــور العــالم

                            كنا بالحديقة
                            - أناوهي، وكنتُ طامعًا في علاقة
                            تربطني بها: أي علاقة.
                            وكان بالحديقة شجرمورق، وحشائش خضراء،
                            وطير بأجنحة، وعين ماء
                            - أراها مرة ياقوتة ومرة زمردة .
                            - إنه الربيع: وتلك شمسهُ اللينة تنفذُ
                            من بين أفرع الشجر بشعاع كأنه الفضة النقية
                            - وقد رمت فوق الحشائش: الضوء واللون والظل
                            والشكل. كان للشجر رائحة، وللأرض رائحة،
                            وللحشائش رائحة، ولشعرها رائحة،
                            ولفمي رائحة .
                            هو الربيع، وتلك طيور الربيع عند عين الماء
                            تطلب الماء، وتغتسل وتنفض عن ريشها الماء،
                            وتتمرغ بالحشائش وتنط وترف في الجو
                            بأجنحة وتصوصو وتحتمي بأفرع الشجر.
                            - أحب الموت، وكلما أجدني على حافته أحب الحياة.
                            - أود لو أمتلك زهرة سوداء .
                            - ثمة زهور سوداء بالعالم.. ثمة زهور سوداء .
                            * * *
                            بالحديقة كنا
                            - أنا وهي، وكنتُ طامعًا في علاقة تربطني بها: أي علاقة.
                            كان بالحديقة شجرٌ سقط ورقه وحشائش يابسة
                            وكل الطيور، وكانت الشمسُ طالعة،
                            وعين الماء قلّ فيها الماء
                            وغطّاها الورق اليابس والكلس، إنه الخريف .
                            - أحب الحياة، وكلما أجدني فيها
                            أعرف أنها الموت..
                            - أودّ لو أمتلك زهرةً بيضاء ..
                            - ثمة زهور بيضاء بالعالم.. ثمة زهور بيضاء .

                            تعليق


                            • #15
                              الغول

                              وقف المطرودُ من أهله،
                              وتفل على الأهل القساة،
                              ورمى بنظرةٍ أخيرة على البيوت القصية.
                              وكم كانت فرحته كبيرة بوفاء الحيوان
                              لما وجد قطته الحبلى تتبعه.
                              سار، وسارت خلفه وطال سيرهما
                              إلى أن أوغلا في القفر
                              فاستبد بهما العطش والجوع،
                              وكانت القطة الحبى قد ولدت عددًا
                              من القطط الصغار العميان،
                              وسدّت جوعها بلحم واحد من أولادها الصغار،
                              وروت عطشها بدمه،
                              قلّد المطرود من أهله فعلة الحيوان
                              - إلا أنه لم يستطب اللحم النئ ،
                              فضرب حجرين وأشعل النار في حطب لمّهُ،
                              وشوى قطة وأكلها،
                              وما إن أحس بقسوة العطش
                              حتى شرب دم ضحيةٍ جديدة.
                              وهكذا مر اليوم حتى وجد المطرود نفسه
                              في يوم هو وقطته يتعاركان،
                              إلا أن دان له النصر فأكل لحمها.
                              وواجه صاحبنا ابن ذلك الزمان وحدهُ
                              الجوع والعطش والوحدة والخوف من الوحش،
                              فقرض أظافرهُ، وقرض نصف أصابعه،
                              وأوقد النار العالية ليرهب الوحش
                              ويهدي الضال والضارب في القفر
                              نفقد يعود يومًا إلى دنيا الناس.
                              وما إن واجه المطرود الإنسان الضال
                              حتى غلب عليه الخوف من العودة
                              إلى الجماعة،فصرع ابن جنسه
                              وشرب دمه والتهم لحمه نيئًا ومشويًا.
                              ومع الوقت تمكنت منه العادة،
                              وأصبح هذا طبعه وبمرور الزمن
                              ذاع صيته لما هاجم جماعة الأحياء،
                              وتفنن الناس في وصف ورسمه،
                              وأصبحت الأم ترهب ابنها إن عصاها بالغول،
                              وتحذر زوجها المسافر والد ابنها من الغول.

                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                              المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                              المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                              يعمل...
                              X