إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة في حياة الشاعر محمود درويش

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    مَكرُ المجاز

    مجازاً أقول: انتصرتُ
    مجازاً أقول: خسرتُ...
    ويمتدُّ وادٍ سحيقٌ أمامي
    وأَمتدُّ في ما تبقى من السنديانْ...
    وثمَّة زيتونتان
    تَلُمّانني من جهاتٍ ثلاثٍ
    ويحملني طائرانْ
    الى الجهة الخاليةْ
    من الأوج والهاويةْ
    لئلاَّ أقول: انتصرتُ
    لئلاَّ أقول: خسرتُ الرهانْ!


    لون أصفر


    أزهارٌ صفراء توسِّع ضوء الغرفة. تنظر
    إليّ أكثر مما أنظر اليها. هي أولى رسائل
    الربيع. أهْدَتنِيها سيِّدةٌ لا تشغلها الحرب
    عن قراءة ما تبقَّى لنا من طبيعة
    متقشفة. أغبطها على التركيز الذي يحملها
    الى ما هو أبعد من حياتنا المهلهلة...
    أغبطها على تطريز الوقت بإبرة وخيط
    أَصفر مقطوع من الشمس غير المحتلة.
    أُحدِّق الى الأزهار الصفراء، وأُحسّ
    بأنها تضيئني وتذيب عتمتي، فأخفّ
    وأشفّ وأجاريها في تبادل الشفافية.
    ويُغويني مجاز التأويل: الأصفر هو
    لونُ الصوت المبحوح الذي تسمعه الحاسة
    السادسة. صوت مُحايدُ النَّبرِ، صوت
    عبّاد الشمس الذي لا يغيِّرُ دِينَه.
    وإذا كان للغيرة – لونِهِ من فائدة،
    فهي أن ننظر الى ما حولنا بفروسية
    الخاسر، وأن نتعلم التركيز على تصحيح
    أخطائنا في مسابقاتٍ شريفة!


    ليت الفتى شجرة


    ألشجرة أخت الشجرة، أو جارتها الطيّبة.
    الكبيرة تحنو على الصغيرة، وتُمدُّها بما ينقصها
    من ظلّ. والطويلة تحنو على القصيرة،
    وترسل اليها طائراً يؤنسها في الليل. لا
    شجرة تسطو على ثمرة شجرة أخرى، وإن
    كانت عاقراً لا تسخر منها. ولم تقتل
    شجرةٌ شجرةً ولم تقلِّد حَطّاباً. حين صارت
    زورقاً تعلَّمت السباحة. وحين صارت
    باباً واصلت المحافظة على الأسرار. وحين صارت
    مقعداً لم تنسَ سماءها السابقة.
    وحين صارت طاولة عَلَّمت الشاعر أن لا
    يكون حطاباً. الشجرة مَغْفَرةٌ وسهَرٌ.
    لا تنام ولا تحلم. لكنها تُؤتمنُ على أسرار
    الحالمين، تقف على ساقها في الليل والنهار.
    تقف احتراماً للعابرين وللسماء. الشجرة
    صلاة واقفة. تبتهل الى فوق. وحين
    تنحني قليلاً للعاصفة، تنحني بجلال راهبة
    وتتطلع الى فوق... الى فوق. وقديماً قال
    الشاعر: «ليت الفتى حجر». وليته قال:
    ليت الفتى شجرة!


    غريبان

    يرنو الى أَعلى
    فيبصر نجمةً
    ترنو إليهْ!
    يرنو الى الوادي
    فيبصر قبرَهُ
    يرنو إليهْ
    يرنو الى امرأةٍ،
    تعذِّبُهُ وتعجبُهُ
    ولا ترنو اليه
    يرنو الى مرآتِهِ
    فيرى غريباً مثله
    يرنو إليهْ!

    تعليق


    • #17
      ماذا... لماذا كلُّ هذا؟

      يُسَلِّي نفسه، وهو يمشي وحيداً، بحديث
      قصير مع نفسه. كلمات لا تعني شيئاً،
      ولا تريد أن تعني شيئاً: «ماذا؟ لماذا
      كل هذا؟» لم يقصد أن يتذمر أو
      يسأل، أو يحكَّ اللفظة باللفظة لتقدح
      إيقاعاً يساعده على المشي بخفَّةِ شاب.
      لكن ذلك ما حدث. كلما كرَّر: ماذا...
      لماذا كل هذا؟ أحسَّ بأنه في صحبة
      صديق يعاونه على حمل الطريق. نظر
      إليه المارة بلا مبالاة. لم يظن أحد أنه
      مجنون. ظنّوه شاعراً حالماً هائماً يتلقّى
      وحياً مفاجئاً من شيطان. أما هو، فلم
      يَتَّهم نفسه بما يسيء اليها. ولا يدري
      لماذا فكَّر بجنكيزخان. ربما لأنه رأى
      حصاناً بلا سرج يسبح في الهواء، فوق
      بناية مُهَدَّمة في بطن الوادي. واصل
      المشي على إيقاع واحد: «ماذا... لماذا
      كل هذا؟» وقبل أن يصل الى نهاية
      الطريق الذي يسير عليه كل مساء، رأى
      عجوزاً ينتحي شجرة أكاليبتوس، يسند
      على جذعها عصاه، يفك أزرار سرواله
      بيد مرتجفة، ويبوّل وهو يقول: ماذا...
      لماذا كل هذا؟. لم تكتف الفتيات
      الطالعات من الوادي بالضحك على العجوز،
      بل رمينه بحبَّات فستق أخضر!


      ما أنا إلاّ هو

      بعيداً، وراء خطاه
      ذئابٌ تعضُّ شعاع القمرْ
      بعيداً، أمام خطاه
      نجوم تضيء أَعالي الشجرْ
      وفي القرب منه
      دمٌ نازفٌ من عروق الحجرْ
      لذلك، يمشي ويمشي ويمشي
      الى أن يذوب تماماً
      ويشربه الظلّ عند نهاية هذا السفرْ
      وما أنا إلاّ هُوَ
      وما هو إلاّ أنا
      في اختلاف الصّوَرْ!


      يرى نفسه غائباً

      أنا هنا منذ عشر سنوات. وفي هذا المساء،
      أجلس في الحديقة الصغيرة على كرسيّ من
      البلاستيك، وأنظر الى المكان منتشياً بالحجر
      الأحمر. أَعُدُّ الدرجات المؤدية الى غرفتي
      على الطابق الثاني. إحدى عشرة درجة. الى
      اليمين شجرةُ تين كبيرة تُظَلِّل شجيرات خوخ.
      والى اليسار كنيسةٌ لوثريَّة. وعلى جانب
      الدرج الحجري بئر مهجورة ودلو صدئ وأزهار
      غير مرويَّة تمتصّ حبيبات من حليب أوَّل الليل.
      أنا هنا، مع أربعين شخصاً، لمشاهدة مسرحية قليلة
      الكلام عن منع التجوُّل، ينتشر أبطالها
      المنسيّون في الحديقة وعلى الدرج والشرفة
      الواسعة. مسرحية مرتجلة، أو قيد التأليف،
      كحياتنا. أسترق النظر الى نافذة غرفتي
      المفتوحة وأتساءل: هل أنا هناك؟
      ويعجبني أن أدحرج السؤال على الدرج،
      وأدرجه في سليقة المسرحية: في الفصل
      الأخير، سيبقى كل شيء على حاله...
      شجرةُ التين في الحديقة. الكنيسةُ اللوثرية
      في الجهة المقابلة. يوم الأحد في مكانه
      من الرُزنامة. والبئر المهجورة والدلو الصدئ.
      أما أنا، فلن أكون في غرفتي ولا في
      الحديقة. هكذا يقتضي النص: لا بد من
      غائب للتخفيف من حمولة المكان!

      تعليق


      • #18
        قال: أَنا خائف

        خافَ. وقال بصوت عالٍ: أنا خائف.
        كانت النوافذ مُحْكَمَةَ الإغلاق، فارتفع
        الصدى واتّسع: أنا خائف. صمتَ،
        لكن الجدران ردَّدت: أنا خائف.
        الباب والمقاعد والمناضد والستائر
        والبُسُط والكتب والشموع والأقلام واللوحات
        قالت كُلُّها: أنا خائف. خاف صوت
        الخوف فصرخ: كفى! لكن الصدى لم
        يردِّد: كفى! خاف المكوث في البيت
        فخرج الى الشارع. رأى شجرة حَوْرٍ،
        مكسورة فخاف النظر اليها لسبب لا
        يعرفه. مرت سيارة عسكرية مسرعة،
        فخاف المشي على الشارع. وخاف
        العودة الى البيت لكنه عاد مضطراً.
        خاف أن يكون قد نسي المفتاح في
        الداخل، وحين وجده في جيبه اطمأنّ.
        خاف أن يكون تيار الكهرباء قد انقطع.
        ضغط على زر الكهرباء في ممر الدرج،
        فأضاء، فاطمأنّ. خاف أن يتزحلق على
        الدرج فينكسر حوضه، ولم يحدث ذلك
        فاطمأنّ. وضع المفتاح في قفل
        الباب وخاف ألا ينفتح، لكنه انفتح
        فاطمأن. دخل الى البيت، وخاف أن
        يكون قد نسي نفسه على المقعد خائفاً.
        وحين تأكد أنه هو من دخل لا سواه،
        وقف أمام المرآة، وحين تعرَّف الى
        وجهه في المرآة اطمأنّ. أِصغى الى
        الصمت، فلم يسمع شيئاً يقول: أنا
        خائف، فاطمأنّ. ولسببٍ ما غامض...
        لم يعد خائفاً!


        شخص يطارد نفسه

        كما لو كنتَ غيرك سادراً،
        لم تنتظر أحداً
        مشيتَ على الرصيف
        مشيتُ خلفك حائراً
        لو كنتَ أنت أنا لقلتُ لكَ:
        انتظرني عند قارعة الغروب
        ولم تقل: لو كنتَ أنتَ أنا
        لما احتاج الغريب الى الغريب.
        ألشمس تضحك للتلال. ونحن نضحك
        للنساء العابرات. ولم تقل إحدى النساء:
        هناك شخص ما يُكَلِّم نفسه...
        لم تنتظر أحداً
        مشيتَ على رصيفك سادراً
        ومشيتُ خلفك حائراً.
        والشمسُ غابت خلفنا...
        ودَنوْتَ مني خطوةً أو خطوتين
        فلم تجدني واقفاً أو ماشياً
        ودَنوتُ منك فلم أجدك...
        أكنتُ وحدي دون أن أدري
        بأني كنت وحدي؟ لم تقل
        إحدى النساء: هناك شخصٌ ما
        يطارد نفسَهُ!


        لم أحلم


        متنبّهاً الى ما يتساقط من أَحلامي، أَمنع
        عطشي من الإسراف في طلب الماء من
        السراب. أَعترفُ بأني تعبت من طول
        الحلم الذي يعيدني إلى أوَّله وإلى آخري،
        دون أن نلتقي في أيِّ صباح. «سأصنع
        أحلامي من كفاف يومي لأتجنَّب الخيبة».
        فليس الحلم أن ترى ما لا يُرى، على
        وتيرة المُشتَهى، بل هو أن لا تعلم أنك
        تحلم. لكن، عليك أن تعرف كيف تصحو.
        فاليقظة هي نهوض الواقعي من الخياليّ مُنَقَّحاً،
        وعودةُ الشِعر سالماً من سماءِ لُغةٍ متعالية
        الى أرض لا تشبه صورتها. هل في
        وسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم
        بما لا يتحقّق، كأن أكون شخصاً آخر...
        يحلم بأنه يرى الفرق بين حيّ يرى
        نفسه ميتاً، وبين ميت يرى نفسه حيّاً؟
        ها أَنذا حيّ، وحين لا أحلم أَقول:
        «لم أحلم، فلم أَخسر شيئاً؟!

        تعليق


        • #19
          خيالي... كلب صيد وفيّ

          على الطريق إلى لا هدف، يُبَلِّلني رذاذ
          ناعم، سقطتْ عليَّ من الغيم تُفَّاحةٌ لا
          تشبه تفاحة نيوتن. مددتُ يدي لألتقطها
          فلم تجدها يدي ولم تَرَها عيناي. حدَّقتُ
          إلى الغيوم، فرأيتُ نُتَفاً من القطن تسوقها
          الريح شمالاً، بعيداً عن خزانات الماء
          الرابضة على سطوح البنايات. وتدفَّق الضوءُ
          الصافي على إسفلت يَتَّسع ويضحك من قلَّة
          المشاة والسيارات... وربما من خطواتي
          الزائغة. تساءلتُ: أَين التفاحة التي
          سقطت عليَّ؟ لعلَّ خيالي الذي استقلَّ
          عني هو الذي اختطفها وهرب. قلت:
          أَتبعه الى البيت الذي نسكنه معاً في
          غرفتين متجاورتين. هناك، وجدت على
          الطاولة ورقة كُتِبَ عليها، بحبر أَخضر،
          سطر واحد: «تفاحة سقطت عليَّ من
          الغيوم»، فعلمت أَن خيالي كلب صيد
          وفيّ!


          على قلبي مشيت


          على قلبي مشيتُ، كأنَّ قلبي
          طريقٌ، أو رصيفٌ، أو هواءُ
          فقال القلبُ: أتعبَنِي التماهي
          مع الأشياء، وانكسر الفضاءُ
          وأَتعبني سؤالُكَ: أين نمضي
          ولا أرضٌ هنا... ولا سماءُ
          وأنتَ تطيعني... مُرني بشيء
          وصوِّبني لأفعل ما تشاءُ
          فقلتُ له: نسيتُكَ مذ مشينا
          وأَنت تَعِلَّتي، وأنا النداءُ
          تمرَّدْ ما استطعت عليَّ، واركُضْ
          فليس وراءنا إلاَّ الوراءُ!


          اغتيال


          يغتالني النُقَّاد أَحياناً:
          يريدون القصيدةَ ذاتَها
          والاستعارة ذاتها...
          فإذا مَشَيتُ على طريقٍ جانبيّ شارداً
          قالوا: لقد خان الطريقَ
          وإن عثرتُ على بلاغة عُشبَةٍ
          قالوا: تخلَّى عن عناد السنديان
          وإن رأيتُ الورد أصفرَ في الربيع
          تساءلوا: أَين الدمُ الوطنيُّ في أوراقهِ؟
          وإذا كتبتُ: هي الفراشةُ أُختيَ الصغرى
          على باب الحديقةِ
          حرَّكوا المعنى بملعقة الحساء
          وإن هَمَستُ: الأمُّ أمٌّ، حين تثكل طفلها
          تذوي وتيبس كالعصا
          قالوا: تزغرد في جنازته وترقُصُ
          فالجنازة عُرْسُهُ...
          وإذا نظرتُ الى السماء لكي أَرى
          ما لا يُرَى
          قالوا: تَعَالى الشعرُ عن أَغراضه...
          يغتالني النُقّادُ أَحياناً
          وأَنجو من قراءتهم،
          وأشكرهم على سوء التفاهم
          ثم أَبحثُ عن قصيدتيَ الجديدةْ!

          تعليق


          • #20
            شال حرير

            شال على غصن شجرة. مرَّت فتاةٌ من هنا،
            أو مرّت ريح بدلاً منها، وعلَّقت شالها على
            الشجرة. ليس هذا خبراً. بل هو مطلع
            قصيدة لشاعر متمهِّل أَعفاه الحُبُّ من الأَلم،
            فصار ينظر اليه – عن بعد – كمشهد
            طبيعةٍ جميل. وضع نفسه في المشهد:
            الصفصافة عالية، والشال من حرير. وهذا
            يعني أن الفتاة كانت تلتقي فتاها في
            الصيف، ويجلسان على عشب ناشف. وهذا
            يعني أيضاً أنهما كانا يستدرجان العصافير
            إلى عرس سري، فالأفق الواسع أمامهما،
            على هذه التلة، يغري بالطيران، ربما قال
            لها: أَحنُّ اليك، وأَنتِ معي، كما لو
            كنتِ بعيدة. وربما قالت له: أَحضنكَ،
            وأَنت بعيد، كما لو كنتَ نهديَّ. وربما
            قال لها: نظرتك إليَّ تذوِّبني، فأصير
            موسيقى. وربما قالت له: ويدك على
            ركبتي تجعل الوقت يَعرَق، فافْرُكْني لأذوب...
            واسترسل الشاعر في تفسير شال الحرير،
            دون أن ينتبه الى أن الشال كان غيمة
            تعبر، مصادفة، بين أغصان الشجر عند
            الغروب.

            الحياة... حتى آخر قطرة

            وإن قيل لي ثانيةً: ستموت اليوم،
            فماذا تفعل؟ لن أَحتاج الى مهلة للرد:
            إذا غلبني الوَسَنُ نمتُ. وإذا كنتُ
            ظمآنَ شربتُ. وإذا كنتُ أكتب، فقد
            يعجبني ما أكتب وأتجاهل السؤال. وإذا
            كنت أتناول طعام الغداء، أضفتُ إلى
            شريحة اللحم المشويّة قليلاً من الخردل
            والفلفل. وإذا كنتُ أُحلق، فقد أجرح
            شحمة أذني. وإذا كنتُ أقبِّل صديقتي،
            التهمتُ شفتيها كحبة تين. وإذا كنت
            أقرأ قفزت عن بعض الصفحات. وإذا
            كنتُ أقشِّر البصل ذرفتُ بعض الدموع.
            وإذا كنتُ أمشي واصلتُ المشي بإيقاع
            أبطأ. وإذا كنتُ موجوداً، كما أنا الآن،
            فلن أفكِّر بالعدم. وإذا لم أكن موجوداً،
            فلن يعنيني الأمر. وإذا كنتُ أستمع الى
            موسيقى موزارت، اقتربتُ من حيِّز
            الملائكة. وإذا كنتُ نائماً بقيتُ نائماً
            وحالماً وهائماً بالغاردينيا. وإذا كنتُ
            أضحك اختصرتُ ضحكتي الى النصف احتراماً
            للخبر. فماذا بوسعي أن أفعل؟ ماذا
            بوسعي أن أفعل غير ذلك، حتى لو
            كنتُ أشجع من أحمق، وأقوى من
            هرقل؟

            تعليق


            • #21
              أَثر الفراشة
              أَثر الفراشة لا يُرَى
              أَثر الفراشة لا يزولُ
              هو جاذبيّةُ غامضٍ
              يستدرج المعنى، ويرحلُ
              حين يتَّضحُ السبيلُ
              هو خفَّةُ الأبديِّ في اليوميّ
              أشواقٌ إلى أَعلى
              وإشراقٌ جميلُ
              هو شامَةٌ في الضوء تومئ
              حين يرشدنا الى الكلماتِ
              باطننا الدليلُ
              هو مثل أُغنية تحاولُ
              أن تقول، وتكتفي
              بالاقتباس من الظلالِ
              ولا تقولُ...
              أَثرُ الفراشة لا يُرَى
              أُثرُ الفراشة لا يزولُ!
              أَنت، منذ الآن، أَنت
              الكرملُ في مكانه السيِّد... ينظر من علٍ إلى
              البحر. والبحر يتنهَّد، موجةً موجةً، كامرأةٍ
              عاشقةٍ تغسل قَدَميْ حبيبها المتكبِّر!
              *
              كأني لم أذهب بعيداً. كأني عُدتُ من
              زيارة قصيرة لوداع صديقٍ مسافر، لأجد
              نفسي جالسة في انتظاري على مقعد حجري
              تحت شجرة تُفَّاح.
              *
              كل ما كان منفى يعتذر، نيابةً عني،
              لكُلّ ما لم يكن منفى!
              *
              ألآن، الآن... وراء كواليس المسرح،
              يأتي المخاض الى عذراء في الثلاثين،
              وتلدني على مرأى من مهندسي الديكور،
              والمصوِّرين!
              *
              جرت مياه كثيرة في الوديان والأنهار.
              ونبتت أعشاب كثيرة على الجدران. أَمَّا
              النسيان فقد هاجر مع الطيور المهاجرة...
              شمالاً شمالاً.
              *
              ألزمن والتاريخ يتحالفان حيناً، ويتخاصمان
              حيناً على الحدود بينهما. الصفصافةُ العاليةُ
              لا تأبه ولا تكترث. فهي واقفة على
              قارعة الطريق.
              *
              أَمشي خفيفاً لئلاَّ أكسر هشاشتي. وأَمشي
              ثقيلاً لئلاَّ أَطير. وفي الحالين تحميني
              الأرض من التلاشي في ما ليس من صفاتها!
              *
              في أَعماقي موسيقى خفيَّة، أَخشى عليها
              من العزف المنفرد.
              *
              ارتكبتُ من الأخطاء ما يدفعني، لإصلاحها،
              إلى العمل الإضافيّ في مُسَوَّدة الإيمان
              بالمستقبل. من لم يخطئ في الماضي لا
              يحتاج الى هذا الإيمان.
              *
              جبل وبحر وفضاء. أطير وأسبح، كأني
              طائرٌ جوّ – مائي. كأني شاعر!
              *
              كُلُّ نثر هنا شعر أوليّ محروم من صَنعَة الماهر.
              وكُلُّ شعر، هنا، نثر في متناول المارة.
              بكُلِّ ما أُوتيتُ من فرح، أُخفي دمعتي
              عن أوتار العود المتربِّص بحشرجتي، والمُتَلصِّص
              على شهوات الفتيات.
              *
              ألخاص عام. والعام خاص... حتى إشعار
              آخر، بعيد عن الحاضر وعن قصد القصيدة!
              *
              حيفا! يحقّ للغرباء أن يحبُّوكِ، وأن ينافسوني
              على ما فيك، وأن ينسوا بلادهم في
              نواحيك، من فرط ما أنت حمامة تبني عُشَّها
              على أنف غزال!
              *
              أنا هنا. وما عدا ذلك شائعة ونميمة!
              *
              يا للزمن! طبيب العاطفيين... كيف يُحوِّل
              الجرح ندبة، ويحوِّل الندبة حبَّة سمسم.
              أنظر الى الوراء، فأراني أركض تحت المطر. هنا،
              وهنا، وهنا. هل كنتُ سعيداً دون أن أدري؟
              *
              هي المسافة: تمرين البصر على أعمال البصيرة،
              وصقلُ الحديد بنايٍ بعيد.
              *
              جمال الطبيعة يهذِّب الطبائع، ما عدا طبائع مَنْ
              لم يكن جزءاً منها. الكرمل سلام. والبندقية نشاز.
              *
              على غير هُدىً أمشي. لا أبحث عن شيء. لا
              أبحث حتى عن نفسي في كل هذا الضوء.
              *
              حيفا في الليل... انصراف الحواس الى أشغالها
              السرية، بمنأى عن أصحابها الساهرين على الشرفات.
              *
              يا للبداهة! قاهرة المعدن والبرهان!
              *
              أُداري نُقَّادي، وأُداوي جراح حُسَّادي على
              حبِّ بلادي... بزِحافٍ خفيف، وباستعارة
              حمَّالةِ أِوجُه!
              *
              لم أَرَ جنرالاً لأسأله: في أيّ عامٍ قَتَلتَنِي؟
              لكني رأيتُ جنوداً يكرعون البيرة على الأرصفة.
              وينتظرون انتهاء الحرب القادمة، ليذهبوا الى
              الجامعة لدراسة الشعر العربي الذي كتبه موتى
              لم يموتوا. وأَنا واحد منهم!
              *
              خُيِّل لي أن خُطَايَ السابقة على الكرمل هي
              التي تقودني الى «حديقة الأم»، وأَن
              التكرار رجع الصدى في أُغنية عاطفية لم تكتمل،
              من فرط ما هي عطشى الى نقصان متجدِّد!
              *
              لا ضباب. صنوبرة على الكرمل تناجي أَرزة
              على جبل لبنان: مساء الخير يا أُختي!
              *
              أعبُرُ من شارع واسع إلى جدار سجني
              القديم، وأقول: سلاماً يا مُعلِّمي الأول في
              فقه الحرية. كُنتَ على حق: فلم يكن الشعر
              بريئاً!



              يتبع

              تعليق


              • #22
                المكانة التي يحتلها محمود درويش
                في أدبنا الحديث مكانة فريدة،
                وأبرز ما فيها أنها لم تستقر على ثوابت أو
                إنجازات نهائية، بل ظلت جياشة، محفوفة بالقلق،
                خصوصا في مراحلها الأخيرة.
                و قد بدأنا بآخر أعماله لكى نثبت أن
                تجربة درويش الشعرية حيوية ومتفجرة على الدوام،
                حتى و هو على فراش المرض .

                نعود إلى بداياته
                مع مقتطفات من ديوانه الأول
                عصافير بلا أجنحة
                عام 1960

                من منا لا يعشق فيروز



                صوتك الشفاف كم لفَّ وكم لفَّ حكايا
                عن مشاوير شباب و صبابات صبايا
                في الضفاف الزرق .. ترويها الرمال والظلال
                في البساتين التي مدَّت إلى الشمس هدية
                وعلى الدرب الى العين .. تغنيها صبية

                صوتك الشفاف كم لفَّ شراع السندباد
                يعبر الأبعاد في غيبوبة عبر البحار
                يغزل الزرقة لحناً بين اضلاع فؤادي
                يحمل الشوق الذي يكوي بلادي
                لطيورٍ تتغذى انتظار..
                خلف أبعاد البحار

                بوحهُ الصافي أضاميم سلامٍ ووداد
                يحمل الورد الذي نسقيه من نورٍ و نار
                لمساكين ينادون النهار
                يهرقون الدم والبسمات من أجل النهار
                ويموتون لكي يحيا الصغار..!

                صوتك الشفاف يا جنح السنونو
                يحفظ التذكار .. يرويه كما شاء الحنين
                كم على ضفَّاته ناحت عيونٌ وعيون
                كحل الليل على اهدابها ظل انكسار
                تتلوى .. تترقب
                تتلظى .. تتلهب .. تتدرب
                كيف يأتيها انتظار

                صوتك الإنسان كم علمنا درس انتصار
                وأكلنا الليل والأشواك من أجل الصباح
                آه ما أغلى الصباح
                حينما يحيا على أفكارنا
                عندما نعطيه من أشعارنا
                دون أن نبصره .. كلَ كفاح
                حينما يسطو علينا الليل والسل المباح

                صوتك العملاق كم يحتد في وجه السدود
                يجرح الأسلاك .. يأتينا سلالاً من ورود
                يزرع النور على قبر الشهيد
                أيقظيه .. أشعليه .. ابعثيه من جديد

                صوتك الشفاف في الأكواخ يسري في الخيام
                قطراتٍ من حنان وسلام
                يلثم الأطفال والنور المشرد
                يتلوى .. يتنهد
                يتلظى ويعربد
                زوبعاتٍ من لهيب وضرام
                كيف لا ..؟
                خطوات الفجر تاهت في الظلام
                وذوى الزيتون وانهار السلام

                وأتى الزنزانة السوداء ونادى وتدفق
                نهر نار .. حمل الشمس رسالة
                أنت يا شمس لنا للثائرين
                أيها الليل من الغيظ تمزق
                واستفاق الطيبون

                صوتك الشفاف .. كم لفَّ شراع السندباد
                ورسا في كل شطٍ وبلاد
                تحمل التذكار والتاريخ والدمع هدية
                من بلادٍ عربية
                لبلادٍ عربية
                في الليالي الوطنية
                يجمع الجرح بلادي العربية
                وأساطير من الظلمات .. تلقتها إلى قاع البحار
                في فم التمساح والحيتان .. في قاع البحار
                غنِ عنها يا شراع السندباد
                عندما ترسو على شط بلادي..

                تعليق


                • #23
                  مختارات من
                  ديوان أوراق الزيتون


                  قصيدة : عن إنسان

                  وضعوا على فمه السلاسلْ
                  ربطوا يديه بصخرة الموتى،
                  وقالوا: أنت قاتلْ
                  ***
                  أخذوا طعامَهُ، والملابسَ، والبيارقْ
                  ورموه في زنزانة الموتى،
                  وقالوا : أنت سارقْ!

                  طردوه من كل المرافئْ
                  أخذوا حبيبته الصغيرة،
                  ثم قالوا: أنت لاجئْ!
                  ***
                  يا دامي العينين، والكفين!
                  إن الليل زائلْ
                  لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ
                  ولا زَرَدُ السلاسلْ!
                  نيرون مات، ولم تمت روما...
                  بعينيها تقاتلْ!
                  وحبوبُ سنبلةٍ تموت
                  ستملأُ الوادي سنابلْ...


                  قصيدة : أمل


                  ما زال في صحونكم بقية من العسل
                  ردوا الذباب عن صحونكم
                  لتحفظوا العسل
                  ما زال في كرومكم عناقيد من العنب
                  ردوا بنات آوى
                  يا حارسي الكروم
                  لينضج العنب
                  ما زال في بيوتكم حصيرة . . وباب
                  سدوا طريق الريح عن صغاركم
                  ليرقد الأطفال
                  الريح برد قاس . . فلتغلقوا الأبواب
                  ما زال في قلوبكم دماء
                  لا تسفحوها أيها الآباء
                  فإن في أحشائكم جنين
                  ما زال في موقدكم حطب
                  وقهوة . . وحزمة من الله

                  تعليق


                  • #24

                    قصيدة : وعادَ... في كفن

                    -1-

                    يحكون في بلادنا
                    يحكون في شَجَنْ
                    عن صاحبي الذي مضى
                    وعاد في كفنْ
                    ***
                    كان اسمه...
                    لا تذكروا اسمهْ!
                    خلوه في قلوبنا...
                    لا تدعوا الكلمةْ
                    تضيع في الهواء، كالرماد...
                    خلوه جرحاً راعفاً... لا يعرف الضماد
                    طريقه إليه...
                    أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام...
                    أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء
                    أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
                    أخاف أن تنام في قلوبنا
                    جراحنا...
                    أخاف أن تنام !!

                    -2-

                    العمرُ... عُمْرُ برعمٍ لا يذكر المطر...
                    لم يبك تحت شرفة القمر
                    لم يوقف الساعات بالسهر...
                    وما تداعت عند حائطٍ يداه...
                    ولم تسافر خلف خيط شهوةٍ... عيناه!
                    ولم يُقَبِّل حلوةً...
                    لم يعرف الغزل
                    غير أغاني مطرب ضيَّعه الأمل
                    ولم يقل لحلوة: الله!
                    إلا مرتين!
                    لم تلتفت إليه... ما أعطته إلا طرف عين
                    كان الفتى صغيرا...
                    فغاب عن طريقها
                    ولم يفكر بالهوى كثيرا... !

                    -3-

                    يحكون في بلادنا
                    يحكون في شجن
                    عن صاحبي الذي مضى
                    وعاد في كفن
                    ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب
                    لأمه: الوداع!
                    ما قال للأحباب... للأصحاب:
                    موعدنا غداً!
                    ولم يضع رسالة... كعادة المسافرين
                    تقول: إني عائدٌ... وتُسكتُ الظنون
                    ولم يَخُطَّ كلمةً...
                    تُضيء ليلَ أمه التي...
                    تخاطب السماء والأشياء،
                    تقول: يا وسادة السرير!
                    يا حقيبة الثياب!
                    يا ليل! يا نجوم! يا إله! يا سحاب! :
                    أما رأيتم شارداً... عيناه نجمتان؟
                    يداه سلتان من ريحان
                    وصدره وسادة النجوم والقمر
                    وشعره أرجوحةٌ للريح والزهر!
                    أما رأيتم شارداً
                    مسافراً لا يحسن السفر!
                    راح بلا زواًّدة، من يطعم الفتى
                    إن جاع في طريقه؟
                    من يرحم الغريب؟
                    قلبي عليه من غوائل الدروب!
                    قلبي عليك يا فتى... يا ولداه!
                    قولوا لها، يا ليل! يا نجوم!
                    يا دروب! يا سحاب!
                    قولوا لها: لن تحملي الجواب
                    فالجرح فوق الدمع... فوق الحزن والعذاب!
                    لن تحملي... لن تصبري كثيرا
                    لأنه...
                    لأنه مات، ولم يزل صغيرا !

                    -4-

                    يا أمه !
                    لا تقلقي الدموع من جذورها!
                    للدمع يا والدتي جذور،
                    تخاطب المساء كل يوم...
                    تقول: يا قافلة المساء!
                    من أين تعبرين؟
                    غصًّتْ دروب الموت... حينَ سَدَّها المسافرون
                    سُدَّتْ دروب الحزن... لو وقفتِ لحظتين
                    لحظتين!
                    لتمسحي الجبين والعينين
                    وتحملي من دمعنا تذكار
                    لمن قضوا من قبلنا... أحبابنا المهاجرين
                    يا أمه ! لا تقلقي الدموع من جذورها
                    خلُّي ببئر القلب دمعتين!
                    فقد يموت في غد أبوه... أو أخوه
                    أو صديقه أنا
                    خلي لنا...
                    للميتين في غد لو دمعتين... دمعتين!

                    -5-

                    يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا
                    حرائقُ الرصاصِ في وجناته
                    وصدره... ووجهه...
                    لا تشرحوا الأمور!
                    أنا رأيت جرحه
                    حدقت في أبعاده كثيرا...
                    "قلبي على أطفالنا"
                    وكل أُم تحضن السريرا!
                    يا أصدقاء الراحل البعيد
                    لا تسألوا: متى يعود
                    لا تسألوا كثيرا
                    بل اسألوا: متى
                    يستيقظ الرجال!

                    تعليق


                    • #25
                      قصيدة : عن الصمود

                      -1-

                      لو يذكرُ الزيتون غارسَهُ
                      لصار الزيت دمعا!
                      يا حكمة الأجداد
                      لو من لحمنا نعطيك درعا!
                      لكنَّ سهل الريح،
                      لا يعطي عبيد الريح زرعا!
                      فالام نصحي السمع للخطباء
                      والنيران جوعا؟
                      إنّا سنقلع بالرموش
                      الشوك والأحزانَ... قلعا!
                      وإلام نحمل عارنا وصليبنا!
                      والكونُ يسعى...
                      سنظل في الزيتون خُضرتَه،
                      وحولَ الأرضِ درعا !!

                      -2-

                      إنا نحبُّ الوردَ،
                      لكنّا نحبُّ القمحَ أكثرْ
                      ونحبُّ عطر الورد،
                      لكن السنابل منه أطهرْ
                      فاحموا سنابلكم من الإعصار
                      بالصدر المسَمَّرْ
                      هاتوا السياج من الصدور...
                      من الصدور، فكيف يكسرْ؟؟
                      النار تلتهم الحقول الضارعات
                      وأنت تسهر!
                      اقبض على عنق السنابل
                      مثلما عانقتَ خنجرْ!
                      الأرض، والفلاح، والإصرار،
                      قل لي: كيف تقهرْ...
                      هذي الأقاليم الثلاثة،
                      كيف تقهرْ؟

                      تعليق


                      • #26
                        قصيدة : أجمل حب

                        كما ينبت العشب بين مفاصل صخرةْ
                        وُجدنا غريبين يوما
                        وكانت سماء الربيع تؤلف نجماً... ونجما
                        وكنت أؤلف فقرة حب...
                        لعينيكِ... غنيتها!

                        أتعلمُ عيناكِ أني انتظرت طويلا
                        كما انتظرَ الصيفَ طائرْ
                        ونمتُ... كنوم المهاجرْ
                        فعينٌ تنام، لتصحوَ عين... طويلا
                        وتبكي على أختها،

                        حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر
                        ونعلم أن العناق، وأن القبل
                        طعام ليالي الغزل
                        وأن الصباح ينادي خطاي لكي تستمر
                        على الدرب يوماً جديداً!

                        صديقان نحن، فسيري بقربيَ كفاً بكف
                        معاً، نصنع الخبز والأغنيات

                        لماذا نسائل هذا الطريق... لأي مصير
                        يسير بنا؟
                        ومن أين لملم أقدامنا؟
                        فحسبي، وحسبك أنا نسير...
                        معاً، للأبد
                        لماذا نفتش عن أُغنيات البكاء
                        بديوان شعر قديم؟
                        ونسأل: يا حبنا! هل تدوم؟
                        أُحبكِ حُبَّ القوافل واحةَ عشب وماء
                        وحب الفقير الرغيف!
                        كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
                        وجدنا غريبين يوماً
                        ونبقى رفيقين دوماً.

                        تعليق


                        • #27

                          قصيدة : لوركا

                          عفو زهر الدم يا لوركا ،وشمس في يديك
                          وصليب يرتدي نار قصيده
                          أجمل الفرسان في الليل . . يحجون إليك
                          بشهيد . . وشهيدة
                          هكذا الشاعر زلزال . . وإعصار مياه
                          ورياح . . إن زأر
                          يهمس الشراع للشراع : قد مرت خطاه
                          فتطاير يا حجر
                          هكذا الشاعر موسيقى وترتيل صلاه
                          ونسيم إن همس
                          يأخذ الحسناء في لين إله
                          وله الأقمار عش إن جلس
                          لم تزل إسبانيا أتعس أم
                          أرخت الشعر على أكتافها
                          وعلى أغصان زيتون المساء المدلهم
                          علقت أسيافها
                          عازف الجيتار في الليل يجوب الطرقات
                          ويغني في الخفاء
                          وبأشعارك يا لوركا يلم الصدقات
                          من عيون البؤساء
                          العيون السود في إسبانيا تنظر شزرا
                          وحديث الحب أبكم
                          يحفر الشاعر في كفيه قبرا
                          إن تكلم
                          نسي النسيان أن يمشي على ضوء دمك
                          فاكتست بالدم بسمات القمر
                          أنبل الأسياف . . حرف من فمك
                          عن أناشيد الغجر
                          آخر الأخبار من مدريد أن الجرح قال
                          شبع الصابر صبرا
                          اعدموا غوليان في الليل وزهر البرتقال
                          لم يزل ينشر عطرا
                          أجمل الأخبار من مدريد
                          ما يأتي غدا.

                          تعليق


                          • #28
                            أما رائعته
                            قصيدة : بطاقة هوية

                            سجِّل!
                            أنا عربي
                            ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
                            وأطفالي ثمانيةٌ
                            وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
                            فهلْ تغضبْ؟

                            سجِّلْ!
                            أنا عربي
                            وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
                            وأطفالي ثمانيةٌ
                            أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
                            والأثوابَ والدفترْ
                            من الصخرِ
                            ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
                            ولا أصغرْ
                            أمامَ بلاطِ أعتابكْ
                            فهل تغضب؟

                            سجل!
                            أنا عربي
                            أنا إسمٌ بلا لقبِ
                            صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
                            يعيشُ بفورةِ الغضبِ
                            جذوري...
                            قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
                            وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
                            وقبلَ السّروِ والزيتونِ
                            .. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
                            أبي.. من أسرةِ المحراثِ
                            لا من سادةٍ نجبِ
                            وجدّي كانَ فلاحاً
                            بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
                            يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
                            وبيتي كوخُ ناطورٍ
                            منَ الأعوادِ والقصبِ
                            فهل ترضيكَ منزلتي؟
                            أنا إسمٌ بلا لقبِ!

                            سجل!
                            أنا عربي
                            ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
                            ولونُ العينِ.. بنيٌّ
                            وميزاتي:
                            على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
                            وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
                            تخمشُ من يلامسَها
                            وعنواني:
                            أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
                            شوارعُها بلا أسماء
                            وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
                            فهل تغضبْ؟

                            سجِّل
                            أنا عربي
                            سلبتَ كرومَ أجدادي
                            وأرضاً كنتُ أفلحُها
                            أنا وجميعُ أولادي
                            ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي
                            سوى هذي الصخورِ..
                            فهل ستأخذُها
                            حكومتكمْ.. كما قيلا !?
                            إذن!
                            سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
                            أنا لا أكرهُ الناسَ
                            ولا أسطو على أحدٍ
                            ولكنّي.. إذا ما جعتُ
                            آكلُ لحمَ مغتصبي
                            حذارِ.. حذارِ.. من جوعي
                            ومن غضبي!!.





                            يتبع

                            تعليق


                            • #29
                              من ديوان عاشق من فلسطين

                              عاشق من فلسطين

                              عيونِك شوكةٌ في القلبِ
                              توجعني... وأعبدُها
                              وأحميها من الريحِ
                              وأُغمدها وراء الليل والأوجاع... أُغمدها
                              فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ
                              ويجعل حاضري غدُها
                              أعزَّ عليَّ من روحي
                              وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعينِ
                              بأنّا مرة كنّا، وراءَ الباب، اثنين !

                              كلامُكِ... كان أغنيهْ
                              وكنت أُحاول الإنشاد
                              ولكنَّ الشقاء أحاط بالشفة الربيعيَّة
                              كلامك، كالسنونو، طار من بيتي
                              فهاجر باب منزلنا، وعتبتنا الخريفيَّه
                              وراءك، حيث شاء الشوقُ....
                              وانكسرت مرايانا

                              فصار الحزن ألفينِ
                              ولملمنا شظايا الصوت...
                              لم نتقن سوى مرثيَّة الوطنِ!
                              سنزرعها معاً في صدر جيتارِ
                              وفق سطوح نكبتنا، سنعرفها
                              لأقمارٍ مشوَّهةٍ...وأحجارِ
                              ولكنّي نسيتُ... نسيتُ... يا مجهولةَ الصوتِ:
                              رحيلك أصدأ الجيتار... أم صمتي؟!
                              رأيتُك أمسِ في الميناءْ
                              مسافرة بلا أهل... بلا زادِ
                              ركضتُ إليكِ كالأيتامُ ،
                              أسأل حكمة الأجداد:
                              لماذا تُسحبُ البيَّارة الخضراءْ
                              إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناءْ
                              وتبقى، رغم رحلتها
                              ورغم روائح الأملاح والأشواق،
                              تبقى دائماً خضراء؟
                              وأكتب في مفكرتي:
                              أُحبُّ البرتقال . وأكرهُ الميناء
                              وأَردف في مفكرتي :
                              على الميناء
                              وقفتُ. وكانت الدنيا عيونَ شتاءْ
                              وقشر البرتقال لنا. وخلفي كانت الصحراء!
                              رأيتُكِ في جبال الشوك
                              راعيةً بلا أغنام
                              مطارَدةً، وفي الأطلال..
                              كنت حديقتي، وأنا غريب الدّار
                              أدقُّ الباب يا قلبي
                              على قلبي...
                              يقرم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار!

                              رأيتكِ في خوابي الماء والقمحِ

                              محطَّمةً. رأيتك في مقاهي الليل خادمةً
                              رأيتك في شعاع الدمع والجرحِ.
                              وأنتِ الرئة الأخرى بصدري...
                              أنتِ أنتِ الصوتُ في شفتي....
                              وأنتِ الماء، أنتِ النار!

                              رأيتكِ عند باب الكهف... عند النار
                              مُعَلَّقَةً على حبل الغسيل ثيابَ أيتامك
                              رأيتك في المواقد... في الشوارع...
                              في الزرائب... في دمِ الشمسِ
                              رأيتك في أغاني اليُتم والبؤسِ!
                              رأيتك ملء ملح البحر والرملِ
                              وكنتِ جميلة كالأرض... كالأطفال... كالفلِّ
                              وأُقسم:
                              من رموش العين سوف أُخيط منديلا
                              وأنقش فوقه شعراً لعينيكِ
                              واسما حين أسقيه فؤاداً ذاب ترتيلا...
                              يمدُّ عرائش الأيكِ...
                              سأكتب جملة أغلى من الشُهَدَاء والقُبَلِ:
                              "!فلسطينيةً كانتِ. ولم تزلِ"
                              فتحتُ الباب والشباك في ليل الأعاصيرِ
                              على قمرٍ تصلَّب في ليالينا
                              وقلتُ لليلتي: دوري!
                              وراء الليل والسورِ
                              فلي وعد مع الكلمات والنورِ
                              وأنتِ حديقتي العذراءُ....

                              ما دامت أغانينا
                              سيوفاً حين نشرعها
                              وأنتِ وفيَّة كالقمح...
                              ما دامت أغانينا
                              سماداً حين نزرعها
                              وأنت كنخلة في البال ،
                              ما انكسرتْ لعاصفةٍ وحطّابِ
                              وما جزَّت ضفائرَها
                              وحوشُ البيد والغابِ....
                              ولكني أنا المنفيُّ خلف السور والبابِ
                              خُذينيَ تحت عينيكِ
                              خذيني، أينما كنتِ
                              خذيني، كيفما كنتِ
                              أردِّ إليَّ لون الوجه والبدنِ
                              وضوء القلب والعينِ
                              وملح الخبز واللحنِ
                              وطعم الأرض والوطنِ!
                              خُذيني تحت عينيكِ
                              خذيني لوحة زيتيَّةً في كوخ حسراتِ
                              خذيني آيةً من سفر مأساتي
                              خذيني لعبة... حجراً من البيت
                              ليذكر جيلُنا الآتي
                              مساربه إلى البيتِ
                              فلسطينيةَ العينين والوشمِ
                              فلسطينية الاسم
                              فلسطينية الأحلام والهمِّ
                              فلسطينية المنديل والقدمَين والجسمِ
                              فلسطينية الكلمات والصمتِ
                              فلسطينية الصوتِ
                              فلسطينية الميلاد والموتِ
                              حملتُك في دفاتريَ القديمةِ
                              نار أشعاري
                              حملتُك زادَ أسفاري
                              وباسمك ، صحتُ في الوديانْ :
                              خيولُ الروم !... أعرفها
                              وإن يتبدَّل الميدان !
                              خُذُوا حَذَراً
                              من البرق الذي صكَّته أُغنيتي على الصوَّانْ
                              أنا زينُ الشباب ، وفارس الفرسانْ
                              أنا. ومحطِّم الأوثانْ .
                              حدود الشام أزرعها
                              قصائد تطلق العقبان !
                              وباسمك ، صحت بالأعداءْ :
                              كلي لحمي إذا نمت يا ديدانْ
                              فبيض النمل لا يلد النسورَ
                              وبيضةُ الأفعى..
                              يخبئ قشرُها ثعبانْ !
                              خيول الروم ... أعرفها
                              وأعرف قبلها أني
                              أنا زينُ الشباب، وفارس الفرسان!

                              تعليق


                              • #30
                                مختارات من ديوان أخر الليل




                                تحت الشبابيك العتيقة ... الجرح القديم

                                واقفٌ تحت الشبابيك ,
                                على الشارع واقفْ
                                درجات السّم المهجور لا تعرف خطوي
                                لا ولا الشبّاك عارفْ.
                                من يد النخلة أصطادُ سحابه
                                عندما تسقط في حلقي ذبابه
                                وعلى أنقاض إنسانيتي
                                تعبرُ الشمسُ وأقدامُ العواصفْ
                                واقفٌ تحت الشبابيك العتيقة
                                من يدي يهرب دُوريُّ وأزهار حديقة
                                اسأليني : كم من العمر مضى حتى تلاقى
                                كلُّ هذا اللون والموت , تلاقى بدقيقه ؟
                                وأنا أجتازُ سرداباً من النسيان ,
                                والفلفل , والصوت النحاسي
                                من يدي يهرب دوريٌّ..
                                وفي عيني ينوب الصمت عن قول الحقيقة !

                                عندما تنفجر الريح بجلدي
                                وتكفُّ الشمسُ عن طهو النعاسْ
                                وأُسمّي كل شيء باسمه ’
                                عندها أبتاع مفتاحاً وشباكاً جديداً.
                                بأناشيد الحماس !
                                -أيها القلبُ الذي يُرم من شمس النهار
                                ومن الأزهار والعيد , كَفانا !
                                علمونا أن نصون الحب بالكره !
                                وأن نكسو ندى الورد.. غبار !
                                -أيها الصوتُ الذي رفرف في لحمي
                                عصافير لهبْ,
                                علّمونا أن نُغني , ونحب
                                كلَّ ما يطلعه الحقلُ من العُشْب,
                                من النمل , ومايتركه الصيفُ على أطلال دارِ
                                علّمونا أن نُفني , ونداري
                                حبَّنا الوحشيَّ , كي لا
                                يصبح الترنيم بالحب مملاَّ !
                                عندما تنفجر الريحُ بجلدي
                                سأسمي كلَّ شيء باسمه
                                وأدق الحزن والليل بقيدي
                                يا شبابيكي القديمة....

                                تعليق

                                مواضيع تهمك

                                تقليص

                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                                المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                                المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                                المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                                المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                                يعمل...
                                X