إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المفكر السوري جورج طرابيشي

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المفكر السوري جورج طرابيشي

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أهل ورد الغاليين

    مفكر و كاتب و ناقد
    و مترجم عربي سوري،
    يعد واحدا من أبرز الباحثين العرب
    في مجالات
    النقد والفكر الثوري وعلم الجمال،
    ناهيك عن اشتغاله الطويل على فكرة الدولة،
    في تحولاتها من حلم الدولة القومية
    الى واقع الدولة القطرية.
    كان قد سبق أدونيس و الربيع العربي بزمن
    في التحذير مما هو قادم حين كتب:
    “إن المجتمعات العربية تدفع اليوم غاليا
    ثمن تغييب البورجوازية
    وإفقادها اعتبارها الإيديولوجي،
    ليس فقط على شكل أنظمة سلطوي فوقية
    تنزع إلى تأييد نفسها في”جمهوريات وراثية“
    بل كذلك على شكل حركات شعبية تحتية،
    واعدة أو منذرة بشموليات من نوع جديد
    وأكثر جذرية بما لا يقاس في القطع
    مع الديمقراطية وقيم الحداثة.
    ففي ظل غياب البديل البورجوازي،
    فان المعارضة الشعبية للديكتاتوريات القائمة
    لا بد أن تأخذ شكل صعود محتوم لمد الأصولية،
    ولاسيما في الشروط العينية للعالم العربي
    الذي يتحكم في مقاديره،
    منذ لا يقل عن ثلاثة عقود،
    التوظيف الإيديولوجي والثقافي
    للدولارات النفطية لصالح الأصولية الإسلامية”.
    نحاول الولوج الى عالم هذا
    المفكر السوري البارز
    جورج طرابيشي




    من مواليد مدينة حلب عام 1939،
    و توفي بالأمس 16 مارس 2016
    77 عاما حافلة بالإنتاج الفكري الغزير
    كان لا بد أن نتوقف طويلا
    أمام إنجازاته الفكرية الكبيرة.

    ولد في مدينة حلب عام 1939،
    يحمل الإجازة باللغة العربية
    والماجستير بالتربية من جامعة دمشق.
    عمل جورج طرابيشي
    مديرا لإذاعة دمشق (1963-1964)،
    ورئيسا لتحرير
    مجلة دراسات عربية (1972-1984)،
    ومحرراً رئيسياً لمجلة الوحدة (1984-1989).
    أقام فترة في لبنان،
    ولكنه غادره بسبب الحرب الأهلية إلى
    فرنسا التي أقام فيها متفرغا للكتابة والتأليف.

    وتميز طرابيشي بكثرة ترجماته ومؤلفاته،
    حيث إنه ترجم لكل من
    فرويد و هيغل و سارتر و برهييه
    و غارودي و سيمون دي بوفوار وآخرين.
    وبلغت ترجماته ما يزيد عن
    200 كتاب في الفلسفة و الأيديولوجيا
    و التحليل النفسي و الرواية.
    وله مؤلفات هامة في الماركسية
    والنظرية القومية
    وفي النقد الأدبي للرواية العربية،
    التي كان سباقاً في اللغة العربية
    إلى تطبيق مناهج التحليل النفسي عليها.

    ومن أبرز مؤلفاته:
    "معجم الفلاسفه"
    و"من النهضة إلى الردة"
    و"هرطقات 1 و2 "
    ومشروعه الضخم الذي عمل عليه
    أكثر من 20 عاما
    وصدر منه خمسة مجلدات في
    "نقد نقد العقل العربي"
    كان آخرها الجزء الخامس
    "من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث"
    (دار الساقي، بيروت، 2010)،
    أي في نقد مشروع الكاتب والمفكر المغربي
    محمد عابد الجابري،
    ويوصف هذا العمل بأنه موسوعي،
    إذ احتوى على قراءة ومراجعة
    للتراث اليوناني،
    و للتراث الأوروبي الفلسفي،
    و للتراث العربي الإسلامي.

  • #2
    ليس جورج طرابيشي
    مجرد مفكر عابر
    في سماء الثقافة العربية،
    بل هو علامة وضّاءة
    في تاريخ الفكر العربي الحديث.

    أهم أعماله :

    مؤلفاته:

    1- المعجزة أو سبات العقل في الإسلام،
    دار الساقي، بالاشتراك مع
    رابطة العقلانيين العرب، بيروت، 2008.
    2- هرطقات (1):
    عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة
    والممانعة العربية، دار الساقي،
    بالاشتراك مع رابطة العقلانيين العرب،
    بيروت، 2006.
    3- هرطقات (2):
    العلمانية كإشكالية إسلامية- إسلامية،
    دار الساقي، بيروت، 2008.
    4- نظرية العقل العربي:
    نقد نقد العقل العربي (ج1).
    5- إشكاليات العقل العربي:
    نقد نقد العقل العربي (ج2)، 2002.
    6- وحدة العقل العربي:
    نقد نقد العقل العربي (ج3).
    7- العقل المستقيل في الإسلام:
    نقد نقد العقل العربي(ج4)، 2004.
    8- مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة.
    9- مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام.
    10- المثقفون العرب والتراث:
    التحليل النفسي لعصاب جماعي، 1991.
    11- شرق وغرب، رجولة وأنوثة:
    دراسة في أزمة الجنس والحضارة
    في الرواية العربية، 1977.
    12- عقدة أوديب في الرواية العربية، 1982.
    13- الرجولة وأيديولوجيا
    الرجولة في الرواية العربية، 1983.
    14- الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية، 1973.
    15- لعبة الحلم والواقع:
    دراسة في أدب توفيق الحكيم، 1972.
    16- الأدب من الداخل، 1978.
    17- رمزية المرأة في الرواية العربية، 1981.
    18- أنثى ضد الأنوثة:
    دراسة في أدب نوال السعداوي، 1984.
    19- النظرية القومية والدولة القطرية، 1982.
    20- الماركسية والأيديولوجيا، 1971.
    21- سارتر والماركسية، 1963.
    22- الماركسية والمسألة القومية، 1969.
    23- النزاع الصيني السوفياتي، 1969.
    24- الاستراتيجية الطبقية للثورة.

    ترجماته:

    1- مؤلفات جان بول سارتر، بيروت.
    2- مؤلفات سيمون دي بوفوار، بيروت.
    3- مؤلفات روجيه غارودي، بيروت.
    4- زوربا، نيكوس كازنتزاكي، بيروت.
    5- موسوعة علم الجمال، هيغل، بيروت.
    6- مؤلفات سيغموند فرويد، بيروت.

    تعليق


    • #3
      نحاول التعرف عليه اكثر من خلال
      مقاله الأخير و الذى حمل عنوان
      "ست محطات في حياتي"
      وهو أشبه ما يكون بسيرة ذاتية مختصرة.
      وكتب طرابيشي بتفصيل في المقال عن
      التحوّلات في تديّنه،
      ومن ثم التوجه البعثي،
      والدخول إلى السجن،
      وصولا إلى اهتمامه
      بدراسات سيجموند فرويد،
      والتي أثّرت فيه كثيراً.
      ست محطات في حياتي
      وأنا في رحلة نهاية عمر،
      وبعد عقود ستة من صحبة القلم
      الذي آثرته – عدا زوجتي وبناتي – على
      كل صحبة أخرى، أجدني أتوقف
      أو أعود إلى التوقف عند ست محطات
      في حياتي كان لها دور حاسم في أن أكتب
      كل ما كتبته وفي تحديد الاتجاه الذي
      كتبت فيه ما كتبته و حتى ما ترجمته.

      المحطة الأولى:
      ولدتُ من أسرة مسيحيّة وتديّنت تديّناً
      مفرطاً في الطور الأوّل من مراهقتي.
      وكنت أؤدي كلّ واجباتي الدينية بحساسية
      تثير حتّى سخرية أخي الأصغر منّي.
      ذات يوم في المدرسة ،
      وفي السنة الثانية من المرحلة الإعدادية
      وكنت صرت في نحو الرابعة عشرة من العمر
      كان من جملة دروسنا درس التعليم الديني
      الذي كان يتولاه كاهن معروفة عنه صرامة الطبع.
      وكنا في تلك المرحلة قد تكونت لدينا
      فكرة واضحة بما فيه الكفاية عن خريطة الكون
      وكروية الأرض ودورانها وحجمها.
      وفي أحد دروس التعليم الديني
      قال لنا المدرس الكاهن:
      ” تعرفون أنتم يا أولادي الآن ما
      هي الكرة الأرضية، وتعرفون حجمها.
      أريدكم الآن أن تتصوّروا كرة أرض أكبر
      من أرضكم بمليون مرّة،
      وأنّ هذه الكرة الأكبر بمليون مرة من
      كرة الأرض ليست من تراب وماء
      بل هــي من حديد فولاذي صلب.
      هذه الكرة الأكبر من الأرض بمليون مرّة
      والأصلب من الحديد الصلب،
      يمرّ عليها كل مليون سنة طائر،
      فيمسحها بجناحه. فكم وكم
      وهذه الكلمة لا زالت ترنّ في أذني إلى اليوم
      كم مليون.. مليون.. مليون سنة
      يحتاج هذا الطائر إلى أن يمسح بجناحه
      مرة واحدة كلّ مليون سنة ليذيب هذه
      الكرة الحديدية الأكبر من الأرض بمليون مرة؟
      تذوب هذه الكرة ولا يذوب عذابكم
      في جهنّم إذا متّم في حال الخطيئة”.
      سمعت هذا التحذير الحسابي فأصابتني رعدة.
      فقد فهمته بكل أبعاده إذ كنت في حينه
      تلميذاً متفوّقاً وخرجت مـن المدرسة
      وسرت في الطريق وأنا أطأطئ رأسي.
      ذلك أن المدرسة كانت تقع
      في حيّ عتيق جدّا وكئيب،
      تفوح منه روائح الأماكن المغلقة.
      وعلى بعد حوالي 200 متر
      كنا نخرج من الدرب الضيق
      والمقفل عليه ليلاً بباب حديدي الى
      شارع عريض ومفتوح تطالعنا منه ،
      أول ما تطالعنا، بناية حديثة نسبياً
      تقطن في الطابق الثاني منها أسرة إيطالية،
      لها ثلاث بنات جميلات جدّاً،
      وغالباً ما نجدهن جالسات في “الفيرندا”
      ومرئيات للناظر من الشارع في إطلالة آسرة .
      وما إن نظرت إليهن عصرئذ حتى أسرعت
      أخفض نظري وأغمض عينيّ. لماذا؟
      هنا لا بدّ أن أعود الى المسيحية
      التي ولدت فيها وعمّدني أهلي عليها.
      ففي المسيحيّة يقال إن الخطيئة مثلّثة:
      خطيئة بالعمل وخطيئة بالقول وخطيئة بالفكر.
      وحتى هذه الخطيئة الأخيرة قد تكون خطيئة مميتة،
      وعقابها جهنم إلى أبد الآبدين
      حسب اللاهوت المسيحي إذا كان مدارها
      على الجنس نظراً الى الوصية التي تقول :
      لا تشتهِ امرأة غيرك.
      والحال أن كل امرأة هي امرأة للغير
      ما لم تكن زوجة شرعية.
      ومن ثم، إن الشهوة الجنسية تغدو بحد ذاتها
      مسبِّبة لخطيئة مميتة ولا يغفرها الله للإنسان
      ولا ينجيه من عذابات جهنم ما لم
      يعترف بها للكاهن. وكان الكاهن يركِّز على
      خطيئة الفكر هذه في درس التعليم الديني
      لعلمه أن مدار تفكير الصبيان في طور المراهقة
      هو على الجنس. وعلى هذ النحو توزعت
      نفسي وأنا أخرج من درب المدرسة
      الضيق الى الشارع المفتوح على فيراندا الصبايا
      الإيطاليات الثلاث بين الرغبة في النظر
      وبين الخوف من العذاب الأبدي في نار جهنم
      على ذلك النحو المرعب كما صوّره لنا الكاهن
      من خلال مثال الطائر والكرة الحديدية
      الأكبر من الأرض بمليون مرة.
      وهكذا لم أكتفِ بإغماض عينيّ،
      بل رحت أمشي في الطريق إلى البيت
      وأنا أحاول أن أطرد من فكري
      صورة الإيطاليات الثلاث وكلّي خوف من أن
      تشاء المصادفة أن يسقط فوق رأسي
      من إحدى الشرفات أصيص زهر من الأصص
      التي كان من عادة سكان بلدتي حلب
      أن يزيّنوا بها شرفاتهم فأموت
      وأنا في حالة خطيئة مميتة.
      ووصلت إلى البيت وأنا في شبه هذيان
      وأصابتني حمّى حقيقية
      وبقيت يومين طريح الفراش،
      ثم لما أفقت كان ردّ فعلي الوحيد أنني
      قلت بيني وبين نفسي:
      لا، إن الله ذاك الّذي حدثني عنه الكاهن
      لا يمكن أن يوجد ولا يمكن أن يكون ظالما
      ً إلى هذا الحدّ.
      ومن ذلك اليوم كففت عن أن أكون مسيحيا.

      تعليق


      • #4
        المحطة الثانية:

        الّتي حددّت اتجاهي النهائي في الحياة،
        عدا قصّة خروجي من المسيحيّة،
        كانت عند انتقالي في المرحلة الثانويّة
        إلى مدرسة رسميّة تابعة للدولة.
        كان ذلك على ما أذكر عام 1955 .
        وقد كان ذلك بعد سقوط حاكم سورية
        الديكتاتور والجنرال العسكري أديب الشيشكلي.
        وكان تحالف حزب البعث والحزب الشيوعي
        والإخوان المسلمين هو من أسقطه.
        فلمّا تفاوضوا فيما بينهم،
        سئل الإخوان المسلمون: ماذا تريدون؟
        أي وزارة؟ فقالوا: نحن لا نريد وزارة،
        نحن لنا مطلب واحد وهو إدخال التعليم الديني
        إلى المدارس الثانوية. التعليم الديني
        كان مباحاً بل واجباً في المدارس
        الابتدائية والإعداديّة ولكن ليس في الثانوية.
        في الثانوية كنّا ندرس علوم الأخلاق
        والتربية الوطنيّة وليس هناك تعليم ديني.
        وعلى هذا النحو تقرّر إدخال التعليم
        الديني إلى المدارس الثّانوية، وأنا ذهبت
        في تلك السنة إلى المدرسة الثّانوية.
        ويومئذ، لمّا قيل لي هناك حصّة تدريس
        تعليم ديني، قلت لرفاقي،
        وكنت قد بدأت أميل إلى أن أصير
        حزبياً اشتراكياً من “حزب البعث”:
        أريد أن أحضر درس التعليم الديني
        لأني أريد أن أطّلع أكثر،
        فأنا كنت في مدرسة لم أتلقَّ فيها سوى
        التعليم المسيحي، ولكني أريد الآن أن أعلم
        المزيد عن الاسلام الّذي هو دين الغالبية السورية.
        حضرتُ الدرس.
        شيخ طويل القامة بعِمّة.
        أذكر إلى الآن لون جلبابه الرمادي الأنيق.
        وكان قد كتب علـى اللّوح بالطبشور سلفاً:
        “كلّ من هو ليس بمسلم فهو عدوّ للإسلام”.
        كان هذا موضوع الدّرس.
        وبدأ يشرح ويشرح ورفاقي ينظرون إليّ،
        كلّ واحد منهم رمقاً، ليدركوا ردّ فعلي.
        ومضى نصف وقت الحصة وأنا أسمع الدرس.
        ثم قال الشيخ المدرٍّس:
        الآن أفتح باب النقاش. فسارعت أرفع يدي،
        فقال :تفضّل، ما اسمك؟ فقلت وأنا
        أشدّد على اسمي: “جورج طرابيشي”،
        وجورج اسم لا يطلق في سوريا
        إلاّ على المسيحيين.
        فوجئ هذا الشيخ وانبثقت حبات عرق على جبينه .
        وتابعت قائلاً:
        يا أستاذ، أنا لست مسلماً،
        أنا مسيحي بالمولد، فهل أنا عدوّ لك؟
        قال: أعوذ بالله ، من قال هذا الكلام؟
        كيف تقول ذلك؟
        قلت له: يا أستاذ منذ أكثر من ثلاثين دقيقة
        وأنت تقول: كل من ليس بمسلم
        فهو عدوّ للإسلام، فهل أنا عدوّ لك؟؟
        فطفق الرّجل يتدارك خطأه،
        ويقول: لا، لا، فالمسيحيون أهل كتاب.
        وطبعاً كان السؤال الذي دار في نفسي:
        لماذا لم يتدارك ويستثنِ من البداية؟
        وحتى لو لم أسأله فهل يكون كل من هو
        ليس بمسلم عدواً للإسلام؟
        وقد كان ينبغي عليّ أن أضيف السؤال:
        حتّى وإن لم أكن من أهل الكتاب
        فهل أنا عدوّ لك؟ ولكني أمسكت.
        ابتداء من تلك اللّحظة وعيتُ أن مهمّة
        كبيرة جدّاً لا تزال تنتظرنا في مجتمعاتنا
        وأن القضية ليست قضية تغيير سياسة ولا وزارة،
        بل هي أولاً وربما أخيراً قضية تغيير
        على صعيد العقليات.
        وشاءت الصدفة فيما بعد،
        لمّا صرت أُدرِّس في الثانوية بدوري،
        ويوم افتتاح الموسم الدراسي،
        أن أفاجأ بوجود نفس الشيخ في قاعة الأساتذة
        ليكون مدرس التعليم الديني أيضاً في نفس
        الثانوية الّتي عُيّنت فيها مدرِّساً للغة العربية.
        قام عن كرسيه للحال وهجم نحوي وعانقني
        قائلاً: عذراً يا أستاذ ،
        خطيئة ارتكبتها في حياتي لن أكررها أبداً.



        يتبع

        تعليق


        • #5
          المحطّة الثالثة :
          في حياتي تمثلت بحادثة مماثلة ،
          ولكن هذه المرة مع رفاق حزبيين مسيحيين.
          كانت حادثة لها عمق تغييري كبير
          في نفسي وفي وعيي
          إذ كانت سبباً أساسياً في تحوّلي
          إلى كاتب لأني شعرت أنّ
          الكتابة هي الطريق الوحيدة
          الّتي بمستطاعي أن أسلكها
          لكي أغيّر العقليّة في المجتمع.
          والتفاصيل كما يلي:
          دخلت السّجن كمعارض سياسي
          في نظام حزب البعث.
          كنت انتميت الى
          حزب البعث قبل استلامه السلطة.
          ثم استقلت من الحزب بعد سنة
          من استلامه الحكم لخلافات
          سياسية و إيديولوجية
          ليس المجال هنا للدخول في تفاصيلها .
          وبعد أن استقلت وصرت معارضاً دخلت السّجن.
          في السّجن كان هناك عدد من البعثيين المعتقلين
          وإن كانوا ينتمون الى تيار يميني
          غير التيار الحاكم
          وغير التيار اليساري الذي أنتمي إليه أنا
          بعد أن تشتت الحزب إلى تكتلات،
          وكان معظم هؤلاء من جبل حوران في سوريا
          الذي كان قسم كبير من سكّانه من المسيحيين
          من أيّام الغساسنة ومن وَرَثتهم .
          وفي السّجن كان معي خمسة أو ستّة
          من هؤلاء المسيحيين البعثيين في
          غرفة جماعية واحدة تضم عشرات المعتقلين.
          كنت قد تزوّجت من زوجتي
          الكاتبة”هنرييت عــبودي”،
          وأنجبت منها أوّل طفلة
          عمرها سنة أو سنتان، لم أعد أذكر.
          وكنت وأنا بالسّجن لا أفكر إلاّ
          بهذه الزوجة وبهذه البنت الّتي تركتها معها.
          ولست أدري كيف جاء
          حديث الشرف الجنسي الذي يقضي
          بوجوب قتل المرأة إذا أقامت علاقة
          جنسية غير مشروعة
          سواء كانت مسيحية أو مسلمة،
          وفي هذه الحال تقتل ،
          والأفضل أن تذبح ذبحاً من قبل أخيها
          استرداداً للشرف المهان.
          ومن كلمة إلى كلمة قادنا النّقاش الى ما يلي.
          قلت لهم: أنا أرفض مبدأ
          جريمة الشرف من أساسه،
          وهذا موقف لا أستطيع احتماله إطلاقاً
          من قبل إنسان يزعم نفسه تقدمياً
          أو اشتراكياً أو بعثياً.
          عندئذ هبّ واحد منهم غاضبا
          ً وقال: أنت متزوج؟ قلت: نعم.
          قال: شو عندك؟ قلت له: عندي بنت.
          قال: صغيرة طبعاً؟ قلت: نعم.
          قال: الآن إذا كبرت بنتي اسمها مَيّ
          إذا كبرت هذه البنيّة وغلطت مع شابّ
          أفلا تذبحها؟؟
          قلت له: أنا أذبح مايا بنتي إذا رأيتها تقبِّل شابّاً !
          فقال: كيف؟ أما تذبحها ؟
          قلت له: يا رفيق أجننتَ !! أذبح مايا؟
          قال: أنت ما عندك شرف!
          أنت لست عربياً
          ولا تستأهل أن تكون عربياً ولا بعثياً!
          وأخذ هؤلاء الرّفاق المعتقلون معي
          قراراً بمقاطعتي وبعدم الكلام معي
          لأنّــي لا أستحق شرف أن أكون عربيـاً
          أو بعثياً ولو كنت معارضاً مثلهم للتيار الحاكم.
          ونتيجة لهذه المقاطعة ولما تلاها من عدائية
          نحوي قدَّمت طلباً إلى ادارة السجن
          بنقلي إلـى غرفة منفردة،
          أي شبه زنزانة، بدلاً من أن أبقى مع
          رفاق يقاطعونني ويحتقرونني.
          من يومها أيضاً تعلّمت درساً جديداً
          وهو أنّ القضيّة ليست فقط
          قضية مسلمين وغير مسلمين،
          ومسيحيين وغير مسيحيين،
          من حيث الوعي الاجتماعي
          حتى ولو كانوا ينتمون إلى أيديولوجيا واحدة.
          فالقضية أعمق من ذلك بكثير.
          قضية بنى عقليّة في المقام الأول.
          ففي داخل المخّ البشري تتواجد طبقتان:
          طبقة فوقية سطحية
          يمكن أن تكون
          سياسية، تقدمية، اشتراكية، وحدويّة،
          وطبقة بنيوية تحتيّة
          داخل هذا المخّ رجعيّة حتّى الموت،
          سواء كان حاملها مسيحيـاً أو مسلمــاً.
          ومنذ ذلك اليوم توطد لديّ الاقتناع بأن
          الموقف من المرأة في مجتمعاتنا
          يحدد الموقف من العالم بأسره.
          ومنذ ذلك اليوم أيضا ترسخ لديّ الاقتناع
          أكثر من أيّ يوم سبق بوجوب النضال
          بواسطة الكلمة من أجل تغيير العقليــات،
          تغيير البنية الداخلية للعقل،
          وليس فقط البنية السطحية السياسية أو الايديولوجية.

          تعليق


          • #6
            المحطّة الرابعة:
            وبعد مرحلة القومية العربية والبعثية
            واليسارية والماركسية،
            جاء دور فرويد.
            وقصتي مع فرويد
            بدأت بواقعة لا تخلو من طرافة.
            فبعد أن تزوجت وصار عندي بنتان كنت،
            كلّما جلست إلى المائدة لآكل الطعام،
            أمسك برغيف الخبز
            عندنا في سوريا الخبز العربـي،
            وهو غير دارج في معظم البلدان العربية
            الأخرى فلا أجد نفسي إلا وأنا
            أقطّعه من أطرافه لاشعورياً
            وزوجتي وابنتي قاعدتان أمامي
            على المائدة تأكلان، وكنت لا أستطيع منع
            نفسي من تفتيت الخبز حتى عندما يكون
            معنا على المائدة ضيف.
            كانت زوجتي تقول لي بلهجتها الحلبية:
            عيب يا جورج، النّاس بشوفوك،
            وبناتك يتعلموا هالعادة ،
            وحتى عندما يكون عندنا ضيوف على المائدة
            يرونك تفتِّت الخبز قدّامهم هكذا!
            وكنت أقول لها: معك حقّ.
            جو لكن كلّ مرّة أنسى نفسي وأعود إلى
            تمزيق الرغيف بدون قصد ولا انتباه مني.
            وهكذا إلى أن صادف ذات مرة أن قرأت مقالاً
            لا أعتقد أنه كان لفرويد
            وإنما لأحد تلاميذه يحكي عن هذه الظاهرة النّفسية
            ويعتبرها عرضاً عصابياً بصفتها
            فعل تمزيق لاإرادي ولاشعوري للأب.
            وأنا عندما قرأت هذا المقال أصبت برجفة:
            فأنا إذن أمزّق أبي!
            وبالفعل كنت على صدام في مراهقتي مع أبي.
            ومنذ أن قرأت ذلك المقال
            انفتحت على التحليل النفسي،
            وعكفت على قراءة فرويد
            ثم شرعت أترجم له.
            ووجدتني أتصالح مع أبي
            وكانت قد مضت سنوات على وفاته
            وأصفّي حسابي مع نفسي تجاه أبي
            وأستعيد نسبة كبيرة من الهدوء النفسي
            وأنظر إلى الحياة نظرة جديدة إلى حدّ ما.
            ولقد ترجمت لفرويد نحواً من ثلاثين كتاباً،
            ولكني بطبيعة الحال لم أترجمها عن لغتها
            الأصلية الألمانية، بل عن اللغة الفرنسية.
            وأنتم تعلمون المثل الايطالي الّذي يقــول:
            المترجم خائن Traduttore, traditore .
            وأنا إذ كنت أترجم عن لغة عن لغة
            فهي خيانة مزدوجة،
            ولكن كان هذا خيارأً لا بدّ منه لأنّه
            لا يوجد في الثقافة العربية،
            التي تهيمن عليها نتيجة الاستعمار السابق
            اللغتان الفرنسية والإنجليزية،
            من يتقن الترجمة عن الألمانية
            سوى قلة قليلة للغاية.
            ولو لم أترجم فرويد
            أو لم يترجمه غيري
            سواء عن الفرنسية أو الإنكليزية
            لبقيت الثقافة العربيّة بدون فرويد
            وبدون تحليل نفسي،
            وهذا شيء غير مقبول.
            وطبعاً أنا خنت خيانة مزدوجة بالترجمة
            عن لغة عن لغة،
            ولكن أعتقد أني أديت للثقافة العربية
            خدمة ضرورية. وأنا منصرف اليوم ،
            ومنذ عام تقريباً،
            إلى إعادة النظر في ترجماتي الفرويدية
            مستفيداً من صدور ترجمات جديدة لفرويد
            باللغة الفرنسية ترجمتين أو ثلاث للكتاب الواحد
            استعداداً لإعادة طبعها منقحة
            وأكثر مطابَقة للنص الأصلي،
            متمنياً أن يأتي ذات يوم يكون عندنا مترجمون
            يترجمون عن الألمانية مباشرة.

            تعليق


            • #7
              المحطّة الخامسة :

              من حياتي سأتوقف عند عن علاقتي
              بالراحل محمد عابد الجابري
              الّذي كرست له ربع قرن من عمري.
              كنت منذ عام 1972 قد انتقلت إلى بيروت
              لأتولى رئاسة تحرير مجلة “دراسات عربيّة”
              الشهرية التي كانت تصدر فيلبنان عن دار الطليعة.
              وكان الجابري قد بدأ يرسل إليّ في مطلع الثمانينات
              بعض المقالات لنشرها في المجلة.
              ثمّ أرسل كتاباً إلى دار الطليعة عنوانه
              “تكوين العقل العربي“،
              الجزء الأوّل من مشروع
              “نقد العقل العربي“.
              وقد أعطاني صاحب الدار الرّاحل بشير الداعوق
              المخطوط قائلاً لي:
              أنظر في هذا الكتاب فأنت أفهم مني في التراث.
              قرأت الكتاب وقلت له:
              هذا كتاب مدهش، أُنشره فوراً. نشره طبعاً.
              ولكنّي في أثناء ذلك كنت أخذت قراري
              وقد تعبت من الحرب الأهليّة اللبنانية
              بالهجرة من بيروت إلى بـاريس
              للعمل في مجلة “الوحدة “.
              وأنا أودّع الدّار و أودّع زملائي
              وأودّع بشير الداعوق،
              كان صدر كتاب ” تكوين العقل العربي“،
              وكان هو الكتاب الوحيد اللّذي حملته معي
              من بيروت إلى باريس
              مع معجم سهيل إدريس “المنهل“.
              لم أحمل من كتب مكتبتي
              الخمسة آلاف غير هذين الكتابين.
              جئت باريس وقعدت في بيتي شبه الفارغ
              أقرأ هذا الكتاب مرّة ثانية،
              مسحوراً به سحراً كاملاً.
              وكان أوّل مقال كتبته في مجلّة “الوحدة”
              عن هذا الكتاب.
              وبادرت أكتب بالحرف الواحد يعرف هذه القصة
              عدد ممن قرؤوا سيرة حياتـي:
              “إنّ هذا الكتاب ليس فقط يثقّف بل يغيّر،
              فمن يقرأه لا يعود بعد أن يقرأه
              كما كان قبل أن يقرأه”.
              بمثل هذه الحماسة كتبت عرضاً
              عن الكتاب في مجلّة “الوحدة“.
              ولكن كانت هناك
              نقطة تفصيلية صغيرة في الكتاب
              أثارت عندي بعض الشكوك
              وتتعلق بموقف الجابري من
              “إخوان الصفاء”.
              فمن دراستي الجامعيّة
              في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق
              كانت تكونت عندي فكرة عامة عن انتماء
              إخوان الصفاء إلى العقلانية الفلسفية الإسلامية.
              والحال أن الجابري كان قال كلاماً سلبياً للغاية
              عن إخوان الصفاء ناسباً إياهم الى
              ” العقل المستقيل في الإسلام”،
              ومؤكداً أنهم وقفوا ضدّ العقل،
              وضدّ الفلسفة، وضدّ المنطق،
              وضد صاحب المنطق الذي هو أرسطو
              هكذا ارتسم عندي شكّ
              يتعلق بهذه النقطة تحديداً،
              وما كان في إمكاني أن أحسمه
              لأن رسائل اخوان الصفاء
              لم تكن متوفرة لي في مهجري الباريسي.
              ثم شاءت الظروف أن أسافر إلى
              إحدى دول الخليج في دعوة لندوة.
              في ذلك البلد الخليجي قلت في نفسي
              إني سأبتاع رسائل إخوان الصفاء
              لحسم تلك المسألة.
              ذهبت إلى مكتبة كبيرة هناك
              وسألت المستخدم:
              عندك كتاب “إ رسائل خوان الصفاء“؟
              فقال بلهجة لا تخلو من غرابة:
              لا يا أستاذ.
              قلت له: وأين يمكنني الحصول عليه ؟
              قال: أستاذ، أنت تعرف أنّ هذا الكتاب
              هو في الفلسفة؟
              قلت له:نعم.
              قال: إن كتب الفلسفة ممنوعة هنا .
              وكانت هذه أول مرة أسمع فيها أن
              كتب الفلسفة محرّمة،
              وفيمـا بعد اكتشفت أنها ليست ممنوعة فقط
              في تلك الدولة الخليجيّة ،
              بل في معظم دول الخليج.
              قلت لـلمكتبي: آسف،
              أنا والله ما كنت أدري.
              ومن كلمة إلى كلمة بدأت أتناقش معه ودياً
              وقلت له: أنا لازمني الكتاب، فماذا أفعل؟.
              قال: هناك مكتبة أخرى.
              ودلّني على اسمها وعنوانها
              وقال: علّ وعسى يكون لديها.
              ذهبت الى المكتبة الثانية
              و سألت المكتبي عن الكتاب.
              وبالطبع أتاني نفس الجواب،
              فقلت له: ولكن اسمح لي أعرّفك بنفسي :
              أنا كاتب ومترجم اسمي “جورج طرابيشي” .
              وبمجرّد أن قلت له جورج طرابيشي،
              قال: أهلاً وسهلا ًوراح يعرّفني على ما هو
              موجود من كتبي وترجمـاتي لديه.
              ثم أضاف: اسمح لي.
              ودخل واستدعى رئيسه صاحب المكتبة،
              فقال هذا: أهلاً وسهلاً أستاذ جورج.
              ورحّب بي، إلخ.
              رويت له حاجتي الى الكتاب لأنه غير المتوفر
              لي بباريس ولا أستطيع أن آتي به من لبنان
              بسبب ظروف الحرب الأهلية،إلخ.
              قال: والله يا أستاذ
              أما تعرف أن هذه الكتب ممنوعة؟
              قلت له: عرفت ولكن لعلّ وعسى تساعدني.
              قال: تفضّل معي. نزل معي إلى قبو تحت الأرض فإذا فيه
              صناديق وكتب أخرى،
              وأخرج أربعة أجزاء كبيرة لإخوان الصفاء،
              قال: تفضّل أستاذ .
              و لم يشأ أن يأخذ ثمنها
              ولكني أصررت ودفعت شاكراً إياه كل الشكر.

              تعليق


              • #8
                وأنا في طائرة العودة ثم في البيت
                كان أوّل همي أن أعثر على النّص الّذي
                يقول عنه الجابري إن إخوان الصفاء
                يقفون فيه ضدّ المنطق وضد أرسطو وضدّ الفلسفة.
                فتحت الجزء الرابع من الرسائل
                أفتش عن النص كما يشير اليه الهامش
                الذي يحيل اليه كتاب
                “نقد العقل العربي”
                فلم أجده، فتشت وفتشت ثم قلت في نفسي:
                لعله خطأ مطبعي ويجب ان أعيد
                قراءة الرسائل الواحدة والخمسين كلها.
                وهكذا بدأت بقراءة كتاب
                رسائل إخوان الصفا بأجزائه الأربعة
                فإذا بي أصل إلى
                الرسائل 10-11-12-13-14 ،
                فكانت دهشتي عظيمة.
                ففي هذه الرسائل الخمس،
                و بعدما قدّموا وعرّفوا بأنفسهم،
                يقولون ما خلاصته:
                يا أخي، أيّدك الله وإيّانا بروح منه،
                اعلم ، بعدما شرحنا لك أهدافنا،
                أنّه لا مدخل لك إلينا إلاّ بواسطة المنطق
                لأنّه هو المعبر الّذي يجعل
                الخطاب بيننا ممكناً،
                فتعالَ نشرح لك المنطق وكتبه.
                ثم يخصّصون الرسائل 10 إلى14 لشرح
                كتب المنطق الأرسطي
                مثل العبارة والمقولات و والقياس والبرهان ،
                ويستعملون العبارات بلفظها اليوناني
                مثل أنالوطيقا وقاطيغورياس، إلخ .
                فيما أنا أطالع هذه الرسائل الخمس
                في الشرح المفصل للمنطق الأرسطي
                كنت أتساءل بيني وبين نفسي:
                كيف يقول الجابري إن إخوان الصفا
                قاطعوا أرسطو؟ وقاطعوا المنطق؟
                وقالوا: إن الإنسان ليس بحاجة
                إلى المنطق وإلى الفلسفة ؟
                وعدت من جديد إلى متابعة قراءة الرسائل
                إلى أن وقعت في الرسالة السابعة عشرة
                المعنونة:
                في علل اختلاف اللغات على النص
                الذي يتخذ منه الجابري دليلاً علن أن إخوان الصفاء
                قالوا إن الإنسان ليس بحاجة الى المنطق.
                والحال ماذا يقول النص؟
                فحواه كالتالي:
                لقد تقدم بنا الكلام في أوائل رسائلنا على
                أهمية المنطق لفهمنا وفهم لرسائلنا.
                ولكن اعلم يا أخانا أنّ المنطق منطقان.
                هناك منطق فلسفي حدّثناك عنه،
                وهناك منطق لفظي أي الكلام،
                لأنّه لولا الكلام لما تفاهم البشر فيما بينهم.
                وبعد أن يشرحوا دور اللغة كأساس
                وكوسيلة للتفاهم بين البشر يضيفون:
                اعلم أن هناك نفوساً صافية
                غير محتاجة للكلام ولا للمنطق
                في إفهام بعضها بعضاً،
                أي هناك نفوس روحانية تتفاهم بالعين،
                تتفاهم باللّمس، تتفاهم بالروح،
                بالوجدان، بالتخاطر كما بتنا نقول اليوم،
                بدون أن تكون بها حاجة للمنطق اللفظي والكلام.
                فإذا بالجابري استغلّ
                هذه الجملة ” ليست بحاجة إلـى منطق”
                ليحذف كلمة اللفظي وليقول
                إنّ هؤلاء ضدّ المنطق بمعناه الفلسفي.
                ثمّ لم ألبث أن وقعت على الشّاهد التّالي
                وهو في معرض نقاش إخوان الصفاء
                حول ما بين الدين والفلسفة
                من علاقة يريد المتزمتون
                في عصرهم ( القرن الرابع للهجرة) فصمها
                ويدعون إلى تحريم الفلسفة باسم الدين.
                يقول الشاهد بالحرف الواحد:
                “اعلم أيّها الأخ البار، أيّدك الله بنور منه،
                أنّ من عرف أحكام الدّين فإنّ نظره في
                علم الفلسفة لا يضرّه بل يزيده في
                علم الدّين تحققاً وفي فهم المعاني استبصاراً”.
                ثم ثمّ يضيف القول:
                “المنطق ميزان الفلسفة وأداة الفيلسوف.
                ولمّا كـانت الفلسفة أشرف الصنائع
                على البشرية بعد النّبوة صار من الواجب أن
                يكون ميزان الفلسفة أصحّ الموازين
                وأداة الفيلسوف أشرف الأدوات
                ونسبة صناعة المنطق إلى العقل
                والمعقولات مثل صناعة النحو
                إلى اللسان والألفاظ”.
                إني لمّا قرأت هذه الرسالة
                وهذا الشاهد أصبت بصدمة كبــيرة
                وبطعنة في كبريائي كمثقف،
                لأنّي كتبت في ما كتبت عن كتاب الجابري:
                ” هذا الكتاب من يقرأه
                لا يعود بعد أن يقرأه كما كان قبل أن يقرأه”.
                ومن ذلك اليوم
                لم أعد أوجّه لومي إلى الجابري،
                بل إلى نفسي، لأنّني حكمت على كتاب
                في موضوع لم أكن أملك
                كلّ مفاتيحه المعرفية.
                وأقسمت بيني وبين نفسي أني
                بعد الآن لن أقول شيئاً أو أصدر حكماً
                بدون أن أكون مستوثقاً من كلّ المعلومات بصدده.
                وهكذا أخذت قراري بإعادة تربية نفسي،
                و إعادة تثقيف نفسي. وهكذا انكببت،
                أنا الذي درست اللغة العربية والتراث العربي
                جزئياً في الجامعة، انكباباً مرعباً علــى
                قراءة كتب التراث وعلى مطالعة عشرات
                وعشرات المراجع الّتي ذكرها الجابري
                والّتي رحت أدقق كلّ شاهد من شواهدها
                وأتحقّق من صحّتها في كلّ المجالات.
                وبصراحة أقول لكم:
                لم يكن شاهد إخوان الصفاء بالشاهد الوحيد ،
                بل وقعت على عشرات وعشرات
                من الأمثلة على مثل هذا التزوير
                الّذي أوقع فيه الجابري عن قصد
                أو عن غير قصد- لا أدري- قراءه وأنا منهم.
                وإني لأقولها صراحة اليوم :
                إني أعترف للجابري، الّذي قضيت معه ربع قرن
                بكامله وأنا أقرأه وأقرأ مراجعه
                ومئات المراجع في التراث الإسلامي
                ومن قبله المسيحي
                ومن قبلهما التراث اليوناني
                وكل ما يستوجبه الحوار مع مشروعه،
                إني أقرّ له، وأعترف أمامكم،
                أنّه أفادني إفادة كبيرة، و
                أنه أرغمني على
                إعادة بناء ثقافتي التراثية .
                فأنا له أدين بالكثير
                رغم كلّ النقد الّذي وجّهته إليه.



                يتبع

                تعليق


                • #9
                  المحطة السادسة:

                  إن المحطات الخمس
                  التي تقدّم بي الكلام عنها
                  كانت كلها بمثابة محطات انطلاق،
                  وبدءاً منها كتبت كل ما كتبته على امتداد
                  حياتي من أبحاث
                  و مقالات قاربت في عددها الخمسمائة ،
                  ومؤلفات نافت على الثلاثين،
                  وترجمات زادت على المئة .
                  لكن المحطة السادسة
                  كانت بالمقابل هي :
                  محطة التوقف
                  والصمت
                  والشلل التام عن الكتابة
                  محطة الألم السوري المتواصل
                  منذ نحو أربع سنوات بدون أن
                  يلوح في الأفق أي بشير بنهاية له.
                  على امتداد تلك السنوات الأربع
                  ما أسعفني القلم إلا في
                  كتابة مقالين اثنين فقط:
                  أولهما في 21/3/2011

                  بالتواقت مع البدايات الأولى
                  لثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا،

                  و ثانيهما في 28/5/2011
                  مع انخراط سورية بدورها في معمعة ذلك الربيع.

                  المقال الأول حمل هذا العنوان:
                  تاريخ صغير على هامش التاريخ الكبير.
                  وقد قصدت بالتاريخ الكبير
                  ثورات الربيع العربي التي بدت في حينه
                  وكأنها تُدخِل العالم العربي
                  في عصر الثورات التاريخية الكبرى
                  كمثل تلك التي شهدتها فرنسا
                  عام 1779 أو أوروبا الغربية عام 1848
                  أو دول المعسكر المسمى بالاشتراكي
                  في أواخر القرن العشرين.
                  أما التاريخ الصغير فقد قصدت به
                  تاريخي الشخصي المرتبط بخيبة أمل كبرى.
                  فأنا، كما وصفت نفسي
                  في خاتمة ذلك المقال الأول
                  عن ثورات الربيع العربي،
                  ابن الخيبة بالثورة الإيرانية الآفلة أكثر مني
                  ابن الأمل بثورات الربيع العربي الشارقة
                  التي قلت في نهاية المقال
                  إنني إذا كنت أتمنى من شيء
                  فهو أن يكون توجسي في غير محله،
                  وأن يكون مآل هذه الثورات العربية
                  غير مآل الثورة الإيرانية
                  التي صادرتها القوى الناشطة
                  تحت لواء الإيديولوجيا الدينية،
                  وأن تكون فرحتي بذلك الربيع هي
                  الرفيق الدائم لما تبقى لي من العمر.
                  ولكن ، وكما أثبت التطور اللاحق للأحداث،
                  فإن ما قام البرهان على أنه كان في محله
                  هو توجسي بالذات:
                  فالربيع العربي لم يفتح من أبواب أخرى
                  غير أبواب الجحيم والردّة إلى ما قبل
                  الحداثة المأمولة والغرق من جديد
                  في مستنقع القرون الوسطى الصليبية/الهلالية .

                  أما المقال الثاني
                  الذي كتبته في أواخر شهر أيار/مايو 2011
                  فكان بعنوان:
                  سورية: النظام من الإصلاح إلى الإلغاء.
                  وقد كان محوره على أن سورية،
                  المتعددة الأديان والطوائف والإثنيات،
                  تقف بدورها على أبواب جحيم
                  الحرب الأهلية ما لم يبادر النظام
                  إلى إصلاح نفسه بإلغاء نفسه بنفسه.
                  فغير هذا الإلغاء لا سبيل آخر إلى
                  إصلاح سلمي يصون البلاد من الدمار.
                  ولكن بدلاً من ذلك امتنع النظام حتى عن
                  الوفاء بالوعود في الإصلاح التي كان لوّح بها.
                  ولكن لأعترف أيضاً بأن إصراري يومئذ
                  على قدر من التفاؤل،
                  من خلال مطالبة النظام بإلغاء نفسه
                  تفادياً لحرب أهلية طائفية مدمرة،
                  كان في غير محله إذ ما كنت أعي في حينه،
                  أي في الأسابيع الأولى
                  لاندلاع الانتفاضة السورية ،
                  دور العامل الخارجي إعلاماً وتمويلاً وتسليحاً،
                  وهو الدور الذي يدفع اليوم الشعب السوري
                  بجميع طوائفه ثمنه دماً وموتاً ودماراً
                  غير مسبوق إلا هولاكياً،
                  وهذا في ظروف إقليمية وأممية
                  تشهد احتداماً في الصراع
                  الطائفي السني/الشيعي
                  ينذر بأن يكون تكراراً للصراع
                  الطائفي الكاثوليكي/البروتستانتي
                  البالغ الشراسة الذي كانت شهدته أوروبا
                  في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

                  يبقى أن أختم فأقول
                  إن شللي عن الكتابة،
                  أنا الذي لم أفعل شيئاً آخر في
                  حياتي سوى أن أكتب، هو بمثابة موت.
                  ولكنه يبقى على كل حال موتاً صغيراً
                  على هامش ما قد يكونه الموت الكبير
                  الذي هو موت الوطن.

                  تعليق


                  • #10
                    عمل جورج طرابيشي
                    بهدوء بعيداً عن الأضواء والمؤتمرات الثقافية،
                    التي لم يحضر إلا القليل منها،
                    لأنها تحولت
                    - كما انتقدها في أحد حواراته -
                    إلى لقاءات واجتماعات لا ينتج عنها ما يفيد.
                    حضوره الصحافي المكتوب ظل محدوداً
                    باستثناء بعض الحوارات القليلة،
                    أما المقابلات التلفزيونية فهي شبه معدومة.

                    مقولات شهيرة تعبر عن منهجه النقدي،

                    المقولة الأولى:

                    كل حديث عن الإصلاح السياسي،
                    مع الإبقاء على المنظومة المعرفية
                    القديمة والمفاهيم التقليدية،
                    إنما هو نقش على ماء.

                    المقولة الثانية:

                    إن الانفتاح على الحداثة
                    هو الذي يمكن أن
                    يطرح على التراث أسئلة جديدة..
                    وأن يستنطقه أجوبة جديدة..
                    وأن يعيد صياغته في إشكاليات جديدة.

                    المقولة الثالثة:

                    من قبل ما كنت أقرأ - والقراءة هوايتي الكبرى -
                    إلا مع أو ضد..
                    ومن بعد صرت أقرأ بعيداً عن همّ المع أو الضد..
                    من قبل كنت أقرأ لأحكم ومن بعد صرت أقرأ لأعرف..
                    من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه..
                    ومن بعد صرت
                    أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه.

                    المقولة الرابعة:

                    ثقافتنا هي انغلاق على مفاهيم من عصور سابقة
                    كانت فعالة آنذاك، لكنها اليوم بلا أدنى فعالية،
                    نحن نريد أن نجيب عن أسئلة الأبناء بأجوبة الأجداد.

                    المقولة الخامسة:

                    عدو الديمقراطية هو
                    تصوير الديمقراطية على أنها الخلاص..
                    وكبرى مشكلات العالم العربي أننا
                    اختصرنا الديمقراطية إلى أحد مظاهرها،
                    وهو صندوق الاقتراع.

                    المقولة السادسة:

                    العقل لا يكون عقلا إلاّ إذا كان نقديا.

                    المقولة السابعة:

                    مجتمع يريد الديمقراطية في السياسة
                    ولا يريدها في الفكر ولا على الأخص في الدين،
                    هو مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها في آن معا.

                    تعليق


                    • #11
                      مقال اخر للراحل الكبير
                      جورج طرابيشي
                      من عنوانه أثار فضولي
                      و عندما قراته اقتربت اكثر و أكثر من شخصيته

                      جورج طرابيشي:
                      بسبب اسمي فشلت أن أكون مناضلاً عربياَ
                      16 مارس 2012

                      1– كان أول فشل لي في حياتي مولدي.
                      فقد ولدت في أسرة عادية،
                      وكنت أتساءل في أول خطواتي
                      التفكيرية (وأنا طفل)
                      لماذا لم أولد من أسرة نبيلة أو أميرية،
                      ثم اكتشفت بعد سنوات عديدة،
                      وأنا أطالع كتابات سيغموند فرويد،
                      أن الأطفال الذين يحلمون بالولادة
                      من أسرة وهمية أنبل من أسرتهم الفعلية،
                      هم الأطفال المرشحون الأكثر من غيرهم
                      للتثبيت في العقدة الأوديبية.

                      2- ثاني فشل في حياتي هو اسمي.
                      فقد ولدت عام 1939م،
                      وفي حينه كانت سورية
                      قد بدأت تشهد نضوجاً للوعي القومي،
                      تمثل فيما تمثل في إقدام الأسر على
                      تسمية أبنائها بأسماء عربية
                      لا تدل على انتمائهم الديني أو الطائفي،
                      فضلاً عن أن تعريب الأسماء كان شكلاً
                      من أشكال المقاومة للمستعمر الفرنسي،
                      وبالفعل، فإن أبي الذي كان على صلة ما
                      بالحركة الوطنية
                      سمى جميع أخوتي بأسماء عربية:
                      سمير، وجلال، وفائز. إلخ، باستثنائي أنا،
                      وحين سألته عن السر في ذلك أجاب:
                      أنت ابني البكر، وكان لابد أن أسميك باسم جدك.
                      فهذا تقليد لا يمكن أن نشذ عنه.
                      وبالفعل، فقد بقيت أتألم من اسمي،
                      بوقعه الأجنبي ودلالته الطائفية،
                      حقبة مريرة من الزمن.
                      ثم بدأت أتصالح معه عندما اكتشفت أنه
                      من أصل يوناني، وأنه يعني باليونانية:
                      «شغيل الأرض»، أي الفلاح،
                      وأنه ليس أجنبياً خالصاً،
                      بل ذو أصل سامي:
                      فهو مشتق من «الجين»،
                      وتعني بالسامية الأرض
                      ومنها أيضاً اشتقت كلمة «جغرافيا».
                      ثم كانت مصالحتي التامة مع اسمي
                      عندما اكتشفت من قراءاتي
                      في التراث العربي الإسلامي أن واحداً
                      من كبار المحدثين المكيين
                      كان يحمل الاسم نفسه،
                      ولكن بصيغة أكثر تعريباً: ابن جريج.

                      3- ومما أذكره من أنواع الفشل
                      في حياتي فشلي في عد النجوم.
                      فأنا لم أكن سهل النوم، وكما في الصيف،
                      في حلب، ننام على الأسطحة.
                      فتحداني أبي ذات ليلة
                      – وقد لاحظ امتناع النوم عن جفوني –
                      أن أعد النجوم في السماء الصافية،
                      فقبلت التحدي وشرعت بسذاجتي الطفولية
                      أعد النجوم نجماً نجماً وبطبيعة الحال،
                      فقد فشلت، ولكني نجحت بالمقابل في النوم،
                      وما كنت أدري أن العد
                      «للنجوم أو مجرد الأرقام بتسلسلها»
                      هو أجدى وسيلة لقتل الأرق.

                      4- فشلت أيضاً في القفز في السباحة،
                      فقد كان رفاقي يتبارون في
                      القفز في حوض السباحة من أعلى السلم.
                      وقد حاولت أن أقلدهم.
                      ولكن بدلاً من أن أسقط في الماء على رأسي،
                      سقطت على بطني وتوجعت وجعاً كثيراً،
                      ومنذ ذلك اليوم امتنعت عن
                      القفز في الماء على الرأس، وصرت
                      لا أنزل إلى حمام السباحة إلا على قدمي.

                      5- فشلت في أن أكون لاعب كرة قدم،
                      فقد كان أولاد حارتي ينظمون مباريات تنافسية
                      مع أولاد الحارة المجاورة.
                      فانضممت إلى الفريق وشاركت في عدة مباريات.
                      ولكن ذات مرة تلقيت الكرة – وكانت عنيفة –
                      برأسي وأصبت بصداع شديد
                      اضطرني إلى أن أقاطع الملعب بصورة نهائية.

                      تعليق


                      • #12
                        6- كان الاقتتال بالملاكمة واحدة
                        من هوايات أبناء حارتي.
                        ولكن بنيتي النحيلة في طفولتي
                        منعتني بصورة نهائية أيضاً من أن
                        أكون «بطلاً» لا في الملاكمة،
                        ولا في المصارعة، ولا في جميع أشكال
                        المواجهة التي تتطلب قوة عضلية.
                        ترى أكان ذلك هو دافعي إلى
                        التوجه نحو القوة الفكرية؟

                        7- كانت حفلات الأعياد والموالد والأعراس
                        كثيرة في حارتنا.
                        وكان الغناء الجماعي شائعاً في تلك الحفلات،
                        ولكن في كل مرة كنت أنبري فيها للمشاركة
                        في الغناء كان الحضور يطلبون مني في الحال
                        أن أمتنع عن الغناء،
                        فقد كان صوتي – قبل بلوغي – منكراً،
                        فضلاً عن أن أذني كانت ناشزة.

                        8- بالفعل إن أذني لم تكن
                        في يوم من الأيام موسيقية، فرغم
                        امتلاكي من صغري ناصية اللغة العربية،
                        ورغم إتقاني لعلم العروض المجرد،
                        فقد فشلت في أن أنظم بيتاً واحداً من الشعر.

                        9- كما فشلت في أن أكون شاعراً،
                        ولو ليوم واحد،
                        فقد فشلت في أن أكون روائياً،
                        فما أكثر ما كتبت وما مزقت من
                        مخطوطات ومشاريع روايات،
                        ولكن مقابل فشلي هذا
                        نجحت في أن أكون ناقداً روائياً،
                        وبذلك يكون قد انطبق علي
                        القول السائر:
                        إن تحت جلد كل ناقد ناجح روائياً فاشلاً.

                        10- فشلي الثقافي الآخر يكمن في
                        علاقتي باللغات الأجنبية،
                        فرغم أنني أتقنت الفرنسية قراءة وكتابة،
                        وترجمت منها إلى العربية عشرات الكتب،
                        فإنني لم أنجح قط في أن أتقنها نطقاً،
                        والعجيب أنه حتى بعد أن انقضت على
                        إقامتي في مغتربي بفرنسا
                        خمس عشرة سنة كاملة،
                        فإني ما زلت إلى اليوم
                        أتلعثم بالنطق بالفرنسية و الرطن بها .



                        يتبع

                        تعليق


                        • #13
                          11- فشلي في مقاومة الزمن،
                          فقد كنت أتعجب في شبابي من
                          توفيق الحكيم- وكان من أحب الكتاب إليَّ-
                          عندما كنت أجده في العديد من نصوصه
                          يلح كل ذلك الإلحاح على حتمية قانون الزمن،
                          وكنت في اندفاعي الشبابي
                          أتوهم أنني لن أشيخ أبداً.
                          ولكن ها أنذا أطرق أبواب الشيخوخة واكتشفت،
                          مثلي مثل جميع الآخرين من شيوخ البشر
                          أن ما بقي من الحياة أقل بكثير مما تقدم منها.

                          12- فشلي الأكثر في حياتي هو
                          الهزيمة العربية في حزيران 1967م ،
                          ولكن هذا ليس «فشلي»
                          بل هو فشل جيلي بأكمله،
                          إنه فشل الأمة ومما يرعبني أن أفكر،
                          مجرد التفكير، بأن الحياة لن تمتد بي
                          بما فيه الكفاية لأرى نهاية هذا الفشل،
                          ولا أدري هل ستكون له من نهاية أصلاً.

                          13- فشلت في أن أكون غنياً،
                          فرغم أني تجاوزت الستين،
                          وكتبت وترجمت نحواً من مئتي كتاب،
                          فإني مازلت مضطراً حتى اليوم
                          إلى العمل والكتابة الصحفية
                          لتأمين القوت اليومي،
                          ولكن لكي أكون واضحاً،
                          فأنا ما أحببت قط الغنى للغنى،
                          ولكن كنت دوماً أحلم
                          بأن يكون لي دخل متواضع،
                          ولكن كاف لكي أتفرغ تفرغاً تاماً للكتابة.
                          وهذا ما لم أنجح فيه إلى اليوم.

                          14- فشلت في تحقيق حلم زوجتي،
                          لا حلمي، في أن ننجب ولداً ذكراً،
                          فنحن لم نرزق سوى بنات، ثلاث بالعدد
                          لأصارح القارئ بأنني سعيد بذلك ، لا حزين.
                          فأنا قد ولدت في أسرة تتألف من
                          ستة إخوة من الذكور،
                          وكنت منذ طفولتي أحلم وأتمنى لو كانت لنا،
                          نحن الستة أختاً
                          تلقي على وجودنا الذكوري شيئاً
                          من الدفء والأنس الأنثوي.
                          ولذلك عندما رزقت ببنت أولى،
                          ثم ثانية، ثم ثالثة، سعدت وبقيت سعيداً.
                          ولكن زوجتي في المرة الثالثة بكت،
                          فقد كانت تريد ولداً ذكراً.
                          وأنا أفهمها وأفهم رغبتها هذه،
                          ولكني مع ذلك فرح،
                          ولو كنا رزقنا ولداً رابعاً،
                          فإني كنت سأرحب بأن يكون.. بنتاً.

                          15- حاولت عبثاً أن أهتدي إلى
                          فشل خامس عشر في حياتي،
                          كما طلبت مني هيئة تحرير مجلة «المعرفة»
                          فليكن إذاً هذا الفشل هو الفشل الأخير المطلوب."

                          تعليق


                          • #14
                            و أخيرا جورج طرابيشي
                            من اولئك القلائل الذين يجود بهم الزمان
                            والذين يعتبر فقدهم خسارة كبيرة للامة .
                            التزام الصمت.
                            و غادر بصمت.
                            و الصمت هو احتجاجه المدوّي
                            على المأساة التي يعيشها شعبه و بلده.
                            منذ بداية فصول المأساة السورية
                            التي تجاوزت سنواتها الخمس
                            توقف الراحل الكبير عن الكتابة والترجمة.
                            بحرقة و بوجع عزيز نفسٍ
                            وصف شلله عن الكتابة و مرحلة سُبات قلمه
                            هو الذي لم يفعل شيئاً آخر في حياته سوى
                            أن يكتب بـ "الموت الصغير".
                            ثم يقفز أحدهم
                            ليرمي بشرره و ليتطاول على الثائر الأعظم
                            على سبات العقل في تاريخ الثقافة العربية
                            مدعيا زوراً وبهتاناً بأن الراحل كان
                            باعتكافه هذا،
                            بصمته هذا،
                            بسبات قلمه،
                            بشلل حروفه،
                            بموته الصغير،
                            يضمر موقفاً متواطئاً
                            مع النظام الفاشي أو أقله،
                            على أحسن الظنون،
                            متراخياً حيال "الثورة السورية"
                            و تطلعاتها الفاضِلة!
                            بإمكان صفحة واحدة
                            يكتبها جورج طرابيشي
                            أن تعدل كتاباً كاملاً
                            من تلك الكتب التي تحظى
                            بالقيمة في سوق الثقافة العربية،
                            وبإمكان الصفحة الواحدة أن تقبض على
                            جمرات الفكرة الأشد اتقاداً
                            أفضل بكثير مما يفعله أي كتاب
                            متورمةً صفحاته يُحاول التصدي للفكرة ذاتها...
                            فأي موقفٍ يمكن للمرء أن يتخذه حيال قضية
                            ويكون أعظم من موقف الشلل الطرابيشي
                            عن الكتابة لخمسة سنوات،
                            خمس سنوات متواصلة!!!!
                            في سنواته الخمس الأخيرة فيها
                            آخر محطّة من محطّات مفكّر
                            لم تكن تنقّلاته بين
                            الأفكار و المواقع الأيديولوجية
                            ببعيدة عن
                            تنقّلاته في المكان؛
                            حيث رسم قوساً متدرّج الألوان
                            من الفكر
                            القومي و الثوري و الوجودية و الماركسية،
                            و وصولاً إلى
                            اعتناق نزعة نقدية متّسمة بالجذرية.
                            بعد تلك المسيرة الطويلة،
                            انتهى طرابيشي مؤمناً بأن
                            "النقد الجذري هو الموقف الوحيد
                            الذي يمكن أن يصدر عن المفكّر،
                            ولا سيما في الوضعية العربية الراهنة.

                            سلام عليك يا عقل العقل.
                            نصف قرن من الشغل والاجتهاد والتفرد.
                            نصف قرن من الأسئلة الكبيرة والشكّ الخلاق،
                            و المجابهات الفكرية و الحوارات المنتجة.
                            وداعاً لك و أنت تغادر وطناً تهدم.
                            وداعا و أنت أشبعتَ يأساً و قوةً
                            و اندفاعا و حزنا و فرحاً.
                            وداعا لك في شجاعة فكرك وحرية سؤالك.
                            وداعاً لك و أنت ترتفع في لحظات العدم.
                            بعد أن امتلأت بقلق هذا الوجود.

                            طيب الله أوقاتكم
                            تحياتي

                            تعليق


                            • #15
                              طيب الله اوقاتك بكل خير
                              حبيبة قلبي
                              تابعت موضوعك الشيق
                              وبسببه دخلت في دهاليز
                              سبحان من اخرجني منها
                              ههههههههههه
                              وجدت نفسي ابحث عن مفردات
                              احتوتها كتابات
                              جورج طرابيشي
                              ووجدتني سأدخل مرحلة من
                              التوهان الفكري
                              بين كل ما اعتنقته واعتقد فيه
                              من بساطة الدين الاسلامي
                              وبين ما مرت عليه عيناي
                              من معاني مفردات غريبة علىَّ
                              والحمد لله على نعمة الاسلام
                              الذي نعرف فيه لنا
                              رباً رحيما غفورا
                              ونبيا رسولا هاديا وبشيرا
                              صلى الله عليه وسلم
                              دمتِ حبيبة قلبي
                              تمتعينا بكم من الثقافات
                              التي لابد ان نعرف ولو النذر اليسير عنها
                              ومعرفة كُتَّاب ومثقفين اثروا
                              المكتبات بما جادت به قريحتهم

                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-08-2025 الساعة 11:33 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 06-04-2025 الساعة 05:29 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-31-2025 الساعة 10:07 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: ماريا عبد الله الوقت: 05-30-2025 الساعة 11:48 PM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HaMooooDi الوقت: 05-30-2025 الساعة 09:36 AM
                              يعمل...
                              X