إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأمثال فى القرآن الكريم ما يعقلها الا العالمون

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأمثال فى القرآن الكريم ما يعقلها الا العالمون

    الأمثال فى القرآن الكريم





    الأمثال فى القرآن الكريم
    ********************
    القرآن الكريم كتاب تشريع و تربية
    كتاب هداية وإصلاح
    و ليس كتاب أحكام فقط،
    بل بالقرآن نستطيع أن نضع منهجا للمجتمع بأكمله
    يحل كل المشاكل و يعالج كل صعب
    لا عجب فهو كتاب الله الذي نزل تبيانا
    لكل شيء و هدى و رحمة للعالمين

    و من أبرز الجوانب التي اعتنى بها القرآن الكريم
    جانب الأمثال التي تضرب لنا أروع التوجيهات
    و أبلغها في تشكيل الشخصية الإسلامية
    و تحصينها من العوامل الهدامة و الشبه الزائفة
    التي تخرج من الكفار و العلمانيين و الليبراليين
    و الفساق و أهل الفساد عموما




    و ضرب الله الأمثال في كتابه العزيز دلَّ على هذا الكتاب نفسه
    فقال تعالى :
    وَ تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

    الحشر - الآية 21

    و قال تعالى :
    ﴿
    وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ

    العنكبوت - الآية 43

    وقال تعالى:
    وَ لَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

    الزمر- الآية 27

    و دل على هذا قوله عليه الصلاة و السلام
    فيما رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه :
    إنَّ الله أنزل القرآن آمرًا و زاجرًا و سنة خالية و مثلاً مضروبًا




    فللأمثال أثر بليغ في تلقي الدعوة بالقبول
    لذلك أحرَزَتْ بين الأساليب التي يتحرَّاها
    القرآن في هدايته منزلة سامية

    ود عا ربُّ العزة سبحانه و تعالى
    النَّاسَ أن يستمعوا إلى الأمثالِ و يتدبروها
    و يتفكروا فيما تشيرُ إليه من كرائمِ المعاني
    و يعقلوا ما توحي إليه من غوالي الحكم و المواعظ
    قال تعالى :
    ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُو
    ا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ

    [محمد : 3].




    فالله قد ضربَ الأمثالَ للناس
    وقام الشاهد من أنفسهم، وممن حولهم
    على أنه الواحد الأحد ورب كل شيء وخالقه،
    وبيَّن في الأمثالِ الخيرَ وما يؤدِّي إليه،
    وما يعود على صاحبِه منه،
    خاطب الذين يسمعون ويبصرون
    ويستعملون عقولَهم في التذكرِ والتفكُّر والتدبُّر.


    وقد جاء في القرآن ثلاثةٌ وأربعون مثلاً
    لا يتدبَّرها ولا يستطعِمُ بلاغتَها إلا من له عقلٌ حيٌّ ولُبٌّ يلمَح،
    قال أحد السلف: "كنتُ إذا قرأتُ مثلاً من القرآن
    فلم أتدبَّره بكيتُ على نفسي؛ لأن الله يقول:
    ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
    [العنكبوت: 43]".




    ولقد ضرب الله لنا في القرآن أمثالاً متنوعة
    لم تكن قاصرةً على خلقٍ دون آخر؛
    فقد يضربُ الله المثلَ في نباتٍ؛ كقوله تعالى:
    ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾
    [إبراهيم: 24]،

    وقد يضرب الله المثلَ بحيوانٍ أعجم؛
    كما ذكر عن الذي آتاه آياته فانسلَخَ منها،
    فأتبعَه الشيطان فكان من الغاوين، وذلك كقوله:
    ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
    ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

    [الأعراف: 176]،

    وقد يضربُ الله مثلاً بالإنسان،
    كما في قوله: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ
    لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ
    لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
    وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

    [النحل: 76].




    وعجَبٌ حينما يضربُ الله مثلاً لعباده بالحشرات
    التى هى أحقر مخلوقاته وأصغرها؛

    فقد قال تعالى عن العنكبوت:
    ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
    اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

    [العنكبوت: 41]،

    وقد ضرب الله لنا مثلاً أيضًا بالبعوضة الصغيرة
    التي لا نأبَهُ لها ولا نُعيرُها اهتمامًا إلا في قتلها،
    تلكم البعوضة التي قال الله عنها:

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا
    فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
    وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴾

    [البقرة: 26]،





    وإن العجبَ ليزداد حينما يضربُ الله لنا مثلاً في الذُّباب،
    ذلكم المخلوق الذي يأنَفُ منه العموم تأفُّفًا وازدراءً،
    ويخُصُّه الله بالحضِّ على الإنصات والاستماع إليه
    بخلاف غيره من الأمثال، فيقول - سبحانه -:
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
    إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ
    وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ
    ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ *
    مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
    [الحج: 73، 74].




    فلله ما أعظم هذه الأمثال
    وما أعظم ما تحويه من نهايةٍ في العِظَة والعِبرة،
    ونهايةٍ في البلاغة وإيجاز اللفظ وحُسن التشبيه وقوة الكناية،
    ولقد صدقَ الله - سبحانه - إذ يقول:
    ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
    جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
    ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾
    [الزمر: 23].





  • #2






    تعريف المثل
    ********
    الأمثال: جمع مثل، والمَثل والمِثل والمثيل:
    كالشَّبه والشِّبه والشبيه لفظًا ومعنى.
    والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان
    بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير.
    ويرى العلماء: أنَّه لا بد أن "تجتمعَ في المثلِ أربعة
    لا تجتمعُ في غيره من الكلام:
    إيجاز اللفظ،
    وإصابة المعنى،
    وحسن التشبيه،
    وجودة الكتابة،
    فهو نهاية البلاغة".
    ولا شكَّ عند كثير من الباحثين أنَّ الكلام:
    "إذا جعل مثلاً كان أوضحَ للمنطقِ وأنق للسمع،
    وأوسع لشعوبِ الحديث".




    ويقول ابن القيم عن الأمثال القرآنية:
    تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس،
    أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدِهِما بالآخر،
    وساق لبيان هذا نحو عشرين مثلاً من القرآن الكريم،
    وعندما نتأمل في هذه الأمثال،
    نَجِدُ أكْثَرَها وارِدًا على طريقة التشبيه الصريح؛
    كقوله تعالى:
    ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ [البقرة: 17]،
    وقوله تَعالى:
    ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾
    ،
    يونس - الآية 24



    ومنه ما يجيء على طريقة التشبيه الذي يسميه
    بعض علماء البلاغة التشبيه الضمني، أو التشبيه المكنى عنه،
    كقوله تعالى:
    ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
    أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾

    الحجرات - الآية 12.
    إذ ليس فيه تشبيه صريح، وإنما هو تشبيه ضمني




    ونجد من بينها ما لم يشتمل على تشبيه ولا استعارة؛
    كقوله تعالى:
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
    إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا
    وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا
    لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾

    الحج - الآية 73.
    فقوله تعالى:
    ﴿
    إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا ﴾ [الحج: 73]
    قد سماه الله مثلاً، وليس فيه استعارة ولا تشبيه.




    وقد يستعمل القرآن كلمة "مثل" في تشبيه حال قوم بحال آخرين؛
    كقوله تعالى:
    ﴿
    مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة: 17]،
    أو تشبيه حال شيء بحال شيء آخر؛ كقوله تعالى:
    ﴿
    مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
    الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ

    النور - الآية 35.. إلى آخر الآية.





    وقد يستعمل القرآن كلمة "مثل" في وصفٍ أو قصة
    تقع في نفس المخاطَب موقع الغرابة،
    دون أن يكون فيه تشبيه أوِ استعارة؛
    كقوله تعالى:
    ﴿
    ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
    [الحج: 73] الآية على ما بينَّا آنفًا.




    تعليق


    • #3




      فائدة ضرب الأمثال فى القرآن
      *******************
      دواعى ضرب الأمثال فى القرآن

      ********************
      تَضرِبُ العربُ الأمثالَ لإيصال فكرةِ الموضوع
      الذي من أجله يُضرب المثل للناس،
      بأقربِ طريق، وأقلِّ وقت،
      وأوضح صورة، وأبلغ مقال،
      ومن ثمَّ ترسيخ الفحوى، وفهم العبرة منه،
      واستيعابها واستقرارها في الذهن، وبقاؤها
      راسخةً في الذاكرة مهما طال الزمن، أو تغيَّر الحال.




      وجاءتِ الأمثالُ الصريحة في القرآن الكريم
      مِن أجل الهداية لمَن لم يهتدِ من الناس،
      ولزيادة الإيمان لمن كان الله تعالى قد هداهُ؛
      قال تعالى:
      ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
      وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا
      مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا
      وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
      [البقرة: 26].




      إلا أنَّ أمثال القرآن الكريم لم تقتصر على
      ما كان يفهمه ويتداوله العربُ من ضرب الأمثال،
      بل كان ما عند العرب جزءًا من أمثال القرآن الكريم،
      وليس كل شيء، فقد ضُربت الأمثالُ في القُرآن الكريم
      على وجوه؛ فمنها :




      أولًا: إخراج الغامض إلى الظاهر:
      ولِما للأمثال من فوائدَ؛ امتنَّ الله تعالى علينا بقوله:
      ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴾ [إبراهيم: 45]،
      وبقوله تعالى:
      ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
      [العنكبوت: 43]،
      وسُمِّي مثلًا؛ لأنه ماثلٌ بخاطر الإنسان أبدًا؛
      أي: شاخص، فيتأسى به ويتَّعِظ.

      ثانيًا: ويأتي المثل بمعنى الصفة؛
      كقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [النحل: 60]،
      وقوله تعالى:
      ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
      أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا
      وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: 35]،
      وقوله تعالى:
      ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ﴾ [الفتح: 29].




      ثالثًا: تشبيه المعنوي الخفي بالحسِّي،
      والغائب بالشاهد؛ كتشبيهِ الإيمان بالنور،
      والكفر بالظلمة، والكلمة الطيبة بالشجرة.

      رابعًا: ويستعمل المثل لبيان الحال؛
      كقوله تعالى:
      ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
      ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ
      [البقرة: 17].




      خامسًا: ويضرب المثل كنموذج للإعجاز،
      أو الأمر العَجيب، أو التحدي،
      (المثل: النَّموذَج، أو نوع من الأنواع،
      أو عمل من الأعمال، أو سُنة من سنن الله تعالى).
      وكانت الأمثال قد أخذتْ حَيِّزًا
      لا يُستهان به في لغة العرب،
      وكانت جزءًا من ثقافتهم؛
      قال دُريد بن الصِّمة:
      وإلَّا فأنتُم مثلُ مَنْ كانَ قبلَكُمْ *** ومَنْ يعقلُ الأمثالَ غيرُ الأكايسِ




      ولأن الخطاب القرآني يُخاطب الناسَ بألسنتهم،
      فقد كانت الأمثال جزءًا مهمًّا من بين آيات القرآن الكريم،
      الذي أنزله الله تعالى عربيًّا؛ ليعقله العرب قبل غيرهم،
      فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      ((إنَّ الله أنزل القرآن آمرًا وزاجرًا،
      وسُنَّة خالية، ومَثلًا مَضروبًا))،


      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      ((إنَّ هذا القرآن ينزلُ من سبعةِ أبوابٍ على سبعة أحرفٍ؛
      حلال وحرام، وأمر وزجر، وضرب أمثال، ومحكم ومتشابه،
      فأحِلَّ حلالَ الله، وحَرِّمْ حرامَه، وافعَلْ ما أمرَ اللهُ،
      وانتهِ عمَّا نهى اللهُ عنه، واعتَبِرْ بأمثالهِ،
      واعمَلْ بمُحكَمِه، وآمِنْ بمُتشابهه، وقُلْ:

      ﴿ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
      [آل عمران: 7])).




      وجاءت آيات القرآن الكريم لتؤكد
      أنَّ الأمثال الصريحة الواردة في القرآن،
      إنما هي من أجل التفكُّر؛ فقد قال تعالى:
      ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]،

      ثمَّ بعد كثرة التفكر بالأمثال يحصل للمتفكر أمرٌ
      آخر هام ضُربَت من أجله الأمثال، وهو التَّذكُّر؛
      قال تعالى: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
      [إبراهيم: 25]،

      فليس ثَمَّ تذكُّرٌ مِن دون سابقة تَفكُّر،
      وبعد التفكر والتَّذكر يحصل العلم المؤدي للفقه،
      وهو الفهم الصحيح لمضرب الأمثال؛
      قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾
      [العنكبوت: 43].




      ويمكن تلخيص فوائد الأمثال فى القرآن فيما يلي:
      ******************************
      1 : الأمثال تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس،
      فيتقبله العقل كالمثل الذي ضربه الله عز وجل للمنفق رياء
      حيث لا يحصل من إنفاقه على شئ من الثواب،
      يقول الله عز وجل في سورة البقرة الآية 264
      (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل
      فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا)


      2 : تكشف عن الحقائق،
      وتعرض الغائب في معرض الحاضر ،
      كقوله تعالى في سورة البقرة الآية 275 :
      ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم
      الذي يتخبطه الشيطان من المس)


      3 : تجمع المعنى الرائع في عبارة موجزة
      كما في الأمثال الكامنة والأمثال المرسلة.




      4 : تضرب للترغيب في الممثل حيث
      يكون الممثل به مما ترغب فيه النفوس،
      كالمثل الذي ضربه الله عز وجل لحال المنفق
      في سبيل الله حيث يعود عليه الإنفاق بخير كثير،
      مثلما ورد في سورة البقرة الآية: 261 :
      ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة
      أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة
      والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).



      5: يضرب المثل للتنفير
      حيث يكون الممثل به مما تكرهه النفوس،
      كقوله تعالى في النهي عن الغيبة:
      ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم
      أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه)

      سورة الحجرات الآية 12

      6: يضرب المثل أيضا للمدح الممثل في
      قوله تعالى في سورة الفتح الآية 29
      (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل
      كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى
      على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).

      كذلك الصحابة لما أخذوا في النمو واستحكم أمرهم،
      امتلأت القلوب إعجابا بعظمتهم.




      7 : تضرب الأمثال أيضا حين يكون للممثل به
      صفة يستقبحها الناس،
      كالمثل الذي ضربه الله عز وجل لحال
      من أتاه الله كتابه، لكنه لم يعمل به، وانحدر في الدنايا.
      يقول الله تعالى في سورة الأعراف الآيتين 174 و 175
      ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها
      فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين
      ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض
      واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث
      أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا).




      8 : الأمثال أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ،
      وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع،
      وقد أكثر الله تعالى منها في القرآن الكريم للتذكرة و أخذ العبرة .
      يقول جل وعلا في سورة الزمر الآية 27 :
      ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون)
      ويقول عز وجل في سورة العنكبوت الآية 43
      (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون).




      تعليق


      • #4




        أنواع الأمثال فى القرآن الكريم
        *******************
        الأمثال في القرآن ثلاثة أنواع:
        1- الأمثال المصرحة.
        2- والأمثال الكامنة.
        3- والأمثال المرسلة.







        أولا:الأمثال المصرحة أو الصريحة أو الظاهرة:
        *****************************
        وهي ما صرح فيها بلفظ المثل، أو مايدل على التشبيه،
        ونجد أن الشيخ السيوطى قد أتى للأمثال الصريحة بأمثلة
        من الآيات المشتملة على تشبيه حال شيء بحال شيء آخر؛
        كقوله تعالى:
        ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
        ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾
        (البقرة - الآية 17.)

        وإذا نظرنا إلى أمثال القرآن التي يذكرها المؤلفون
        وجدنا أنهم يوردون الآيات، المشتملة على تمثيل
        حال أمر بحال أمر آخر، سواء أورد هذا التمثيل
        عن طريق:

        1-الاستعارة:

        *الاستعارة التصريحية
        * الاستعارة المكنية


        2-التشبيه:

        *التشبيه الصريح
        * التشبيه الضمنى


        3-ما لم يشتمل على تشبيه ولا استعارة

        وقد يدخل فى هذا المجال ما يُسمى بالأمثال الكامنة
        وهى تُعتبر نوع منفصل من أنواع الأمثال فى القرآن الكريم.
        وسوف نتناول كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة للأمثال
        (الصريحة - والكامنة - والمرسلة) بشئ من التفصيل
        إن شاء الله.




        **ومن صور الأمثال التى جاءت على شكل استعارة،



        { الر كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النّاسَ
        مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ } ( إبراهيم 2)
        أى من الكفر إلى الإيمان
        وهذه استعارة تصريحية،
        حيث حذف المُشبه (الضلال والكفر)،(الهدى والإيمان)
        وأتى بالمُشبه به (الظلمات)،(النور)
        حيث شبه الله الكفر والضلال بالظلمات،
        والإيمان والهدى بالنور، وهذه هي الاستعارة.
        وهذه الاستعارة تصريحية لأن المشبه به (الظلمات) و(النور)
        قد صُرِّح به (أي ذكر) في الآية أما المشبه فقد حذف.

        وإذا نظرنا إلى الآية

        (وَقَطَّعناهُم فِي الأَرضِ أُمَمًا) ( الأعراف 168)،
        فهى استعارة مكنية،
        حيث يتم فيها تصوير المشبه ،
        بشيء متعلق بالمشبه به المحذوف ،
        فقد شبه تفريق الجماعات في الأرض
        بفصل الأجسام المتماسكة الذي هو التقطيع،
        وجعل الجامع بينهما إزالة الاجتماع.

        وكذلك الآية فى قوله تعالى
        ( وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)
        ( يس 37 )
        فإن المستعار منه هو :كشط الجلد عن نحو الشاة ،
        والمستعار له : كشف الضوء عن مكان إلقاء ظلمة الليل .
        فيكون حال النهار حينئذ كحال الشاة تظهر من الجلد.
        فهى استعارة مكنية حيث ذُكر فيها المشبه
        وحُذف منها المشبه به ورُمز له
        بإحدى خصائصه للدلالة عليه.



        **ومن صور الأمثال التى جاءت على شكل تشبيه



        - التتشبيه الصريح:

        يأتى التشبيه فى العبارة بصراحة ووضوح
        ويوجد مُشبَّه ومُشبَّه بهِ ظاهرَيْنِ يُمْكِنُ الإِشَارةُ إليهِمَا
        كقوله تعالى:
        (إِنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنزَلناهُ مِنَ
        السَّماءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ)
        (يونس 24)
        حيث أتي بالمُشبه وهو الحياة الدنيا ،
        والمُشبه به وهو الماء ،
        ومثله قوله تعالى :
        (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا)
        ( البقرة 17 )

        - التشبيه الضمنى:
        وهو تشبيه غير صريح،
        يُوحِي فِيهِ بالتَّشبيهِ مِنْ غيرِ أنْ يُصرِّحَ بهِ
        في صورةٍ من صورهِ المعروفةِ
        وهو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به
        في صورة من صور التشبيه المعروفة
        - أي من غير أركان التشبيه - بل يلمحان
        من السياق والمعنى والتركيب

        كقوله تعالى:
        (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
        أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)

        ( الحجرات 12 )






        ثانيا: الأمثال الكامنة
        *************
        وهي التي لم يصرح فيهابلفظ التمثيل،
        ولكنها تدل على معان رائعة في إيجاز،
        يكون لها وقعها إذا نقلت إلى ما يشبهها،
        ويمثلون لهذا النوع بأمثلة منها:
        *ما في معنى قولهم: "خير الأمورالوسط":
        قوله تعالى في البقرة: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} .
        *ما في معنى قولهم: "كما تدين تُدان":
        قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} .
        وسوف نتناول كل نوع بشئ من التفصيل إن شاء الله.





        ثالثاً:الأمثال المُرسلة
        *************
        الأمثال المرسلة في القرآن: وهي جمل أرسلت إرسالًا
        من غير تصريح بلفظ التشبيه.
        فهي آيات جارية مجرى الأمثال.
        ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
        1- {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} .
        2- {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} .
        وكما ذكرنا من قبل سوف نتناولها بشئ من التفصيل
        فيما بعد إن شاء الله






        يتبع

        تعليق


        • #5




          النوع الأول من الأمثال فى القرآن الكريم
          الأمثال الصريحة أو الظاهرة



          إن أمثال القرآن لها بلاغة خاصة
          لا يدركها إلا العارف بأسرار اللغة العربية،
          قال الله تعالى

          "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"
          قال بعض السلف كنت إذا قرأت مثلا من القرآن فلم أفهمه
          بكيت على نفسي لأن الله تعالى يقول " وما يعقلها إلا العالمون "
          والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان،
          بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير،
          وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعة وجمالًا،
          فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له، واقتناع العقل به،
          وهو من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه ونواحي إعجازه ،
          وعادة العرب استعمال الأمثال لأنها
          أبلغ في توصيل المطلوب إلي السامع ،
          وعندما جاء القرآن تحدي العرب ببلاغته الخاصة.




          وفي القرآن الكريم من صريح الأمثال أربعون مَثلاً
          ولكن ذكر ابن الجوزي في كتابه المدهش ثلاثة وأربعون مَثلاً ،
          وتم الاقتصار على صريح الأمثال منها فلم نذكر
          بعضاً مما أورده نحو الآية "مثل الجنة التي وعد المتقون"،
          لأن المراد بالمثل هنا النعت و الصفة،
          وذلك كما ذكر ابن كثير فى تفسيره.





          ونبدأ بسم الله الأمثال الصريحة فى سورة البقرة



          1- " كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم" (الآية 17)
          2 - " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق" (الآية 19)
          3- " أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها " (الآية 26)
          4- " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " (الآية 171)
          5- "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" (الآية 261)
          6- " فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل " (الآية 264)
          7 - " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله كمثل جنة بربوة " (الآية 265)
          8 - " أيود أحدكم أن تكون له جنة .." (الآية 266)
          9- " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان " (الآية 275)




          المثل الأول:



          { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ
          مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }
          (الآية 17)

          التفسير:
          وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم
          الضلالة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى،
          بمن استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها
          وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها ،
          فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر
          ولا يهتدي، وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق،
          أعمى لو كان ضياء لما أبصر، فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه
          قبل ذلك فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم عوضا عن الهدى،
          واستحبابهم الغي على الرشد.
          وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر
          تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم.
          والتشبيه هاهنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا
          ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة
          فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.





          المثل الثاني



          { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
          يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ
          حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ }

          (الآية 19)

          التفسير:
          هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين ،
          وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخري،
          فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم "كصيب" ،
          والصيب المطر، قاله ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة
          وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري
          وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخرساني والسدي والربيع بن أنس.
          وقال الضحاك: هو السحاب والأشهر هو المطر نزل من السماء في
          حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق ،
          ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف،
          فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع ،
          كما قال تعالى

          "يحسبون كل صيحة عليهم" وقال "ويحلفون بالله إنهم لمنكم
          وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات
          أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون"
          " والبرق" هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين
          في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال
          "يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق
          حذر الموت والله محيط بالكافرين"
          أي ولا يجدى عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته
          وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال
          "هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا
          في تكذيب والله من ورائهم محيط" بهم.



          تعليق


          • #6




            تابع الأمثال الصريحة فى سورة البقرة





            المثل الثالث




            { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }
            (الآية 26)

            التفسير:
            عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة
            لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين
            يعني قوله تعالى
            "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" وقوله "أو كصيب من السماء"
            الآيات الثلاث قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه
            الأمثال فأنزل الله هذه الآية إلى قوله تعالى "هم الخاسرون"
            وقال سعيد عن قتادة أي إن الله لا يستحي من الحق أن يذكر شيئا
            مما قل أو كثر وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت
            قال أهل الضلالة ما أراد الله من ذكر هذا؟
            فأنزل الله
            "إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها"




            المثل الرابع



            { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ
            إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

            (الآية 171)


            التفسير:
            ومثل الذين كفروا أي فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل
            كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا نعق بها راعيها
            أى دعاها إلى ما يرشدها لا تفقه ما يقول ولا تفهمه، بل إنما تسمع
            صوته فقط،
            هكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعكرمة وعطاء
            والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع بن أنس نحو هذا.
            وقيل إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع
            ولا تبصر ولا تعقل شيئا اختاره ابن جرير،
            والأول أولى لأن الأصنام لا تسمع شيئا ولا تعقله ولا تبصره
            ولا بطش لها ولا حياة فيها.
            وقوله "صم بكم عمي" أي صم عن سماع الحق،
            بكم لا يتفوهون به، عمي عن رؤية طريقه ومسلكه ،
            "فهم لا يعقلون" أي لا يعقلون شيئا ولا يفهمونه،
            كما قال تعالى
            "والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ
            الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم".




            المثل الخامس



            { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
            كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ
            مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

            (الآية 261)

            التفسير:
            هذا مثل ضربه الله تعالى لمضاعفة الثواب لمن أنفق في سبيله
            وابتغاء مرضاته، وإن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة
            ضعف فقال "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله"
            قال سعيد بن جبير يعني في طاعة الله،
            وقال مكحول يعني به الإنفاق في الجهاد
            من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك،
            وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس
            الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف،
            ولهذا قال الله تعالى
            "كـمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة"
            وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة
            فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها
            الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره
            في الأرض الطيبة.
            وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف .




            تعليق


            • #7




              تابع الأمثال الصريحة فى سورة البقرة






              المثل السادس



              { كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
              فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا
              لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }

              (الآية 264 )

              التفسير:
              أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
              كما تبطل صدقة من راءى بها الناس
              فأظهر لهم أنه يريد وجه الله وإنما قصده مدح الناس له
              أو ليشكر بين الناس أو يقال إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد
              الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى ابتغاء مرضاته
              وجزيل ثوابه ولهذا قال "ولا يؤمن بالله واليوم الآخر"
              ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه والذي يُتْبع نفقته
              منا أو أذى فقال "فمثله كمثل صفوان" وهو جمع صفوانة،
              فمنهم من يقول الصفوان يستعمل مفردا.
              أيضا وهو الصفا وهو الصخر الأملس ،
              "عليه تراب فأصابه وابل" هو المطر الشديد،
              "فتركه صلدا" أي فترك الوابل ذلك الصفوان صلدا
              أي أملس يابسا أي لا شيء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله،
              أي وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله
              وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب.




              المثل السابع



              { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ
              وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ
              فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ
              وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

              (الآية 265)

              التفسير:
              وهذا مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء
              مرضات الله عنهم في ذلك "وتثبيتا من أنفسهم"
              أي وهم متحققون ومتثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك
              أوفر الجزاء،
              ونظير هذا في المعنى قوله عليه السلام
              في الحديث الصحيح المتفق على صحته
              من صام رمضان إيمانا واحتسابا
              أي يؤمن أن الله شرعه ويحتسب عند الله ثوابه
              قال الشعبي: "وتثبيتا من أنفسهم" أي تصديقا ويقينا ،
              وكذا قال قتادة وأبو صالح وابن زيد واختاره ابن جرير
              وقال مجاهد والحسن أي يتثبتون أين يضعون صدقاتهم .




              وقوله "كمثل جنة بربوة" أي كمثل بستان بربوة
              وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الأرض،
              وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار ،
              قال ابن جرير رحمه الله: وفي الربوة ثلاث لغات
              هن ثلاث قراءات
              بضم الراء وبما قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق
              وفتحها وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ويقال إنها لغة تميم
              وكسر الراء ويذكر أنها قراءة ابن عباس.




              وقوله "أصابها وابل" وهو المطر الشديد كما تقدم،
              فآتت "أكلها" أي ثمرتها "ضعفين" أي بالنسبة إلى غيرها من الجنان
              "فإن لم يصبها وابل فطل" قال الضحاك هو الرذاذ
              وهو اللين من المطر، أي هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا
              لأنها إن لم يصبها وابل فطل وأيا ما كان فهو كفايتها،
              وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدا بل يتقبله الله
              ويكثره وينميه كل عامل بحسبه ،
              ولهذا قال "والله بما تعملون بصير"
              أي لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء.




              تعليق


              • #8




                تابع الأمثال الصريحة فى سورة البقرة






                المثل الثامن




                { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ
                تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
                وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ
                فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

                (الآية 266)

                التفسير:
                وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولا،
                ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات ،
                عياذا بالله من ذلك .. فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم
                من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال
                فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه،
                ولهذا قال تعالى
                "وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار"
                وهو الريح الشديد "فيه نار فاحترقت" أي أحرق ثمارها
                وأباد أشجارها فأي حال يكون حاله؟ .




                قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
                فيمن ترون هذه الآية نزلت؟
                "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب"
                قالوا: الله أعلم
                فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم
                فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين
                فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك
                فقال ابن عباس رضي الله عنهما ضربت مثلا بعمل
                قال عمر: أي عمل؟
                قال ابن عباس لرجل غني يعمل بطاعة الله ،
                ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
                (رواه البخاري)
                وقيل هذا مثل لحال غير المخلصين في نفقاتهم،
                يأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم.





                المثل التاسع



                { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي
                يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا
                الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ..
                }
                (الآية 275)

                التفسير:
                يخبر تعالى عن أكلة الربا وأموال الناس بالباطل
                وأنواع الشبهات يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم
                منها إلى بعثهم ونشورهم فقال
                "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم
                الذي يتخبطه الشيطان من المس"

                أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة
                إلا كما يقوم المصروع حال صرعه
                وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكرا،
                وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق.







                يتبع

                تعليق


                • #9


                  الأمثال الصريحة فى سورة آل عمران



                  10- " وكنتم على شفا حفرة من النار" (الآية 103)
                  11- "مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا
                  كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم فأهلكته"
                  (الآية 117)






                  المثل العاشر



                  10-{ وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم
                  مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
                  (الآية 103)

                  التفسير
                  (وكنتم على شفا) طرف (حفرة من النار)
                  ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفاراً
                  (فأنقذكم منها) بالإيمان (كذلك) كما بين لكم ما ذكر
                  (يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) .
                  عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه
                  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
                  ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك )
                  رواه البخاري.




                  المثل الحادي عشر



                  11- { مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
                  كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
                  ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ
                  وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

                  (الآية 117)

                  التفسير
                  " صر" أي برد شديد.
                  وعن ابن عباس ومجاهد "فيها صر" أي نار،
                  وهو يرجع إلى الأول فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد
                  يحرق الزروع والثمار كما يُحرق الشيء بالنار.
                  "أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته"
                  أي فأحرقته، يعني بذلك السعفة إذا نزلت على حرث
                  قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر
                  أو زرع فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه.
                  فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرها
                  \كما يذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه.
                  وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس
                  " وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ".




                  تعليق


                  • #10


                    الأمثال الصريحة فى سورة الأنعام





                    المثل الثاني عشر



                    12- { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ
                    حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا
                    }
                    (الآية 71)

                    التفسير
                    مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق،
                    فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض،
                    وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم،
                    يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم،
                    فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه
                    وعلي آله وسلم، ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق،
                    والطريق هو الإسلام. رواه ابن جرير

                    وقال قتادة "استهوته الشياطين في الأرض
                    " أضلته في الأرض يعني استهوته سيرته
                    كقوله "تهوي إليهم"




                    و عن ابن عباس: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها،
                    و الدعاة الذين يدعون إلى هدى الله عز و جل كمثل رجل
                    ضل عن طريق تائها إذ ناداه مناد يا فلان ابن فلان هلم إلى الطريق،
                    وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق،
                    فان اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة،
                    وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق.

                    ويقول الشيخ الشعرواى عن هذا المثل
                    فكأن الصورة: أن قومًا هداهم الله إلى الحق،
                    فدُعُوا إلى أن يعبدوا غير الله ويدعوا ما لا ينفع ولا يضر،
                    فيردوا على أعقابهم، أي بعد الهداية،
                    وهذه هي صورة الحيرة والتردد؛
                    لأنهم كانوا على هدى، ثم دُعُوا إلى أن يعبدوا
                    من دون الله ما لا ينفع ولا يضر.
                    وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة لهذه الحيرة،
                    ولهذا التردد، فقال: {كالذي استهوته الشياطين}.




                    الأمثال الصريحة فى سورة الأعراف



                    المثل الثالث عشر



                    13- { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
                    فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
                    يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}

                    (الآية 176)

                    التفسير
                    يقول تعالى "ولو شئنا لرفعناه بها" أي لرفعناه من التدنس
                    عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها
                    "ولكنه أخلد إلى الأرض" أي مال إلى زينة الحياة الدنيا
                    وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت
                    غيره من أولي البصائر والنهى .

                    وقوله تعالى "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه
                    يلهث أو تتركه يلهث"
                    يل معناه فصار مثله في ضلاله
                    واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان
                    وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه في حالتيه
                    إن حملت عليه وإن تركته هو يلهث في الحالين
                    فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه ،
                    وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ
                    من الهدى فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا.




                    وتذكر كتب التفسير، أن ذلك الرجل الذي أخبرنا القرآن
                    خبره في هذا المثل، هو أحد علماء بني إسرائيل،
                    بل إن كتب التفسير تذكر اسمه أيضًا؛ وليس ثمة كبير فائدة
                    في معرفة اسم ذلك الشخص، إذ لو كان في ذلك فائدة ترجى،
                    لذكر لنا القرآن اسمه، فعُلِم أن التعلق بذلك ليس من مقصود القرآن،
                    وإنما المطلوب مضمون ذلك المثل، والاعتبار بما جاء فيه .

                    وكما أشرنا، فإن المثل الذي بين أيدينا، يتحدث عن أحد علماء بني
                    إسرائيل، فطلب منه قومه - بعد أن أغروه بمبلغ من المال -
                    أن يدعوَ على نبي الله موسى عليه السلام بالهلاك،
                    ويصفه بما ليس فيه.
                    وبدل أن يتصدى ذلك العالم لطلب قومه ويرفضه، انصاع لهم،
                    وانساق وراء شهواته وأهوائه، بإغراء من الشيطان، ووسوسة منه،
                    فضلَّ بعمله ذلك عن طريق الهداية، وكان عاقبة أمره خسرًا .




                    وقد مثَّل لنا القرآن حالة ذلك الرجل أروع تمثيل؛
                    فجعل مثل حاله - بعد أن أعرض عن آيات الله -
                    كمثل الكلب الذي إن تطرده بعيدًا عنك يلهث،
                    أو تتركه في مكانه يلهث، فهو في كلا الحالتين،
                    لا تفارقه حالة اللهاث؛ إذ من المعلوم أن الكلب اختص
                    دون غيره من الحيوانات بصفة اللهاث،
                    فهي صفة ملازمة له على كل حال، وفي كل أوان .

                    يقول الشيخ رشيد رضا في (تفسير المنار):
                    "اللهث هو النَّفَس الشديد، مع إخراج اللسان،
                    ويكون لغير الكلب من شدة التعب والإعياء والعطش؛
                    وأما الكلب فيلهث في كل حال، سواء أصابه ذلك أم لم يصبه،
                    وسواء حملت عليه تهدده بالضرب، أم تتركه آمنًا وادعًا" .




                    تعليق


                    • #11



                      الأمثال الصريحة فى سورة يونس





                      المثل الرابع عشر



                      14- " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنه
                      من السماء فاختلط به نبات الأرض"

                      (الآية 24)

                      التفسـير
                      هذا المثل عن الحياة الدنيا
                      وصف سبحانه الحياة وزينتها في موضعين من كتابه،
                      بأنها: { متاع الغرور } (آل عمران:185)؛
                      وجاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:
                      ( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها،
                      فينظر كيف تعملون
                      ) رواه مسلم .
                      وواقع الناس في كل زمان ومكان يدل على مدى تعلقهم
                      بزينة الحياة الدنيا وزخرفها، والعمل لأجلها صباح مساء،
                      وكأنهم خالدون فيها مخلدون؛ إما طلبًا للجاه، أو طلبًا للمال،
                      أو طلبًا للشهرة، أو طلبًا لغير ذلك من الشهوات والملذات؛
                      الأمر الذي يجعلهم مشدودين إلى مكاسبها،
                      مشدوهين بمغرياتها، لاهثين خلف سرابها .




                      وقد ضرب سبحانه في محكم كتابه مثلاً لهذه الحياة،
                      فقال جل من قائل:

                      { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
                      فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام
                      حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها
                      أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها
                      حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون }

                      (يونس:24).




                      وهذا المثل العجيب ضربه سبحانه لمن يغتر بالدنيا،
                      ويشتد تمسكه بها، ويقوى إعراضه عن أمر الآخرة،
                      ويترك التأهب لها .

                      وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة عن الحياة الدنيا،
                      وأنها عرض زائل في آية أخرى؛
                      وهي قوله تعالى:

                      { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
                      فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح }

                      (الكهف:45)،




                      وأشار إليه في آيتين أُخريين؛
                      أولهما:
                      ****
                      قوله سبحانه:
                      { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض
                      ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا
                      ثم يجعله حطاما }
                      (الزمر:21)،

                      وثانيهما:
                      *****

                      قوله عز وجل:

                      { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم
                      وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته
                      ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما }
                      (الحديد:20) .




                      وتكمن أهمية هذا المثل القرآني، في أنه يصور لنا الحياة الدنيا
                      تصويرًا حسيًا واقعيًا، يراه الناس في كل مكان من هذه الأرض؛
                      وذلك أنه سبحانه ينـزل الماء من السماء على الأرض اليابسة الجرداء،

                      فينبت به الزرع، الذي يأكل الناس منه والأنعام،
                      وتصبح الأرض به خضراء ناضرة، بعد أن كانت جرداء قاحلة،
                      فيفرح أهلها بخيرها وثمارها أشد الفرح،
                      ويسرون بمنظرها وجمالها غاية السرور،
                      ويؤمِّلون خيرًا في إنتاجها ومحصولها.

                      وبينما هم على تلك الحال من السرور والفرح والأمل،
                      إذا بريح شديدة عاتية، تهب على ذلك الزرع فتهلكه،
                      وتجعله رمادًا كأن لم يكن شيئًا مذكورًا،
                      وتُذهب بخضرته ونضرته، وتفني إنتاجه ومحصوله .




                      وهكذا مثل الحياة الدنيا، تبدو لأهلها وطلابها حلوة تسر الناظرين،
                      وتغر المغفَّلين، وتفتن المغرورين. ولكن سرعان ما تزول تلك
                      الحلاوة، وتذبل تلك النضارة؛ إذ من طبيعة هذه الحياة الدنيا
                      الهرب من طالبها والساعي إليها؛ والطلب للهارب منها والفار عنها .




                      وقد بيَّن ابن القيم وجه التمثيل في هذا المثل القرآني، فقال:
                      " شبَّه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر،
                      فتروقه بزينتها وتعجبه، فيميل إليها ويهواها اغترارًا منه بها،
                      حتى إذا ظن أنه مالك لها، قادر عليها،

                      سُلِبَها بغتة، أحوج ما كان إليها، وحيل بينه وبينها " .




                      وقد ذكر فريق من أهل العلم بعض الحِكَم
                      من تشبيه الحياة الدنيا بالزرع:


                      أحدها :
                      أن عاقبة الاغترار بالدنيا، وما يبذله المرء لأجل تحصيلها،
                      كعاقبة النبات؛ حيث علق صاحبه على جني محصوله أملاً كبيرًا،
                      لكن سرعان ما خاب أمله، لما نزل بمحصوله من الهلاك؛
                      وهذا الغالب على المتمسك بالدنيا، واللاهث وراء مكاسبها،

                      أن يأتيه الموت من حيث لا يحتسب.
                      وهو معنى قوله تعالى:

                      { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون }
                      (الأنعام:44) .




                      ثانيها :
                      أن يكون وجه التشبيه مثل قوله سبحانه:
                      { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا }
                      (الفرقان:23)؛
                      أي: كما صار سعي هذا الزارع هشيمًا تذروه الرياح،
                      بسبب حدوث الآفات المهلكة، فكذلك سعي المغتر بالدنيا،
                      لا جدوى منه ولا فائدة .




                      ثالثها :
                      أن الزارع لما أتعب جسمه، وكد نفسه، وعلق قلبه؛
                      أملاً في الانتفاع بزرعه، وطمعًا في جني محصوله؛
                      فإذا حدث ما أهلك زرعه، وذهب به،
                      حصل له من الشقاء والحسرة الكثير؛
                      فكذلك حال من أسلم قلبه للدنيا، وأتعب نفسه في تحصيلها،
                      إذا مات، وفاته كل ما ناله منها، صار العناء الذي تحمله
                      في تحصيل أسباب الدنيا، سببًا لحصول الشقاء
                      العظيم له في الآخرة .




                      وقد تضمن هذا المثل القرآني بعض اللطائف التي يحسن ذكرها،
                      ومنها :


                      * أن التمتع في هذا الحياة الدنيا، إنما هو لفترة قصيرة محدودة،
                      ثم هو صائر إلى زوال؛ وعلى العاقل أن لا يغتر بما هو
                      زائل وفان، وأن يسعى لتحصيل ما هو دائم وباق .




                      * أن انقضاء الدنيا سريع ومفاجئ ويكون من غير سابق إنذار،
                      فإن الإنسان لا يدري، متى ينقضي أجله في هذه الحياة،
                      ومتى يصبح في عداد الموتى، بعد أن كان يشكل رقمًا فوقها؛
                      وهكذا سنة الحياة، لا تعرف كبيرًا ولا صغيرًا،
                      ولا غنيًا ولا فقيرًا، ولا حاكمًا ولا محكومًا،
                      ولا عالمًا ولا جاهلاً، فالكل في قانون الموت سواء،

                      { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }
                      (الأعراف:34) .




                      * في قوله تعالى:
                      { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت } (يونس)،
                      بيان لسبب اغترار كثير من الناس بهذه الحياة الدنيا،
                      حتى تصبح الحياة الدنيا - بمغرياتها ولذاتها وشهواتها -
                      همهم الوحيد؛ فشبه سبحانه الأرض بالعروس التي تُزفُّ إلى
                      زوجها ليلة العرس، بعد أن تكون قد تزينت له أجمل زينة،
                      وتهيأت له أفضل ما يكون التهيؤ؛ وهكذا الدنيا تتزين لأهلها
                      وطالبيها غاية التزين؛ بحيث تكون أشد إغراء لأهلها،

                      وأكثر إغواء لطالبيها، فيتهافتون على النيل من زخرفها،
                      ويتسابقون إلى الأخذ من نعيمها ما أمكنهم .




                      وبعد:
                      فلا ينبغي للعاقل أن يفهم مما تقدم، أن شريعة الإسلام تزهد المسلم
                      في السعي في هذه الدنيا، وتقلل من شأن إعمارها وبنائها،
                      فليس هذا ما تدل عليه نصوص الشريعة، وليس هذا مرادها،
                      بل على العكس من ذلك؛ إنها تطلب من المسلم أن ينظر إلى هذه
                      الحياة بروح إيجابية فعالة بناءة، بحيث يجعل جهده منصبًا على
                      إعمار هذه الأرض بكل ما هو نافع؛ وأن يكون متوازنًا في توجهه
                      بين مطالب الدنيا وحاجاتها، وبين تكاليف الآخرة وواجباتها،
                      فلا يجعل الدنيا همه الوحيد، وقبلته التي عنها لا يحيد،
                      بل تحثه على أن يجعل منها وسيلة للحياة الآخرة،
                      لا أن يقف عندها، مغترًا بزخرفها وزينتها، بحيث تنسيه الآخرة.

                      ويلخص هذا كله، قوله سبحانه:
                      { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا }
                      (القصص:77) .


                      تعليق


                      • #12


                        الأمثال الصريحة فى سورة هود





                        المثل الخامس عشر



                        15- " مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع "
                        (الآية 24)

                        التفسير
                        هذا المثل لبيان الفارق بين المؤمن والكافر
                        فبعد ذكره سبحانه لبعض صفات الكافرين الذي يصدون
                        عن سبيل الله، ويطلبون السُبل المعوجة، ولا يقيمون وزناً
                        لما بعد هذه الحياة.
                        وذكره أيضاً لبعض صفات المؤمنين الذين يعملون الصالحات،
                        والذين هداهم الله إلى الحق المبين، فاطمأنت قلوبهم إلى
                        رحمة الله ورضوانه، قال سبحانه:
                        {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع
                        هل يستويان مثلا أفلا تذكرون}
                        (هود:24).




                        فقد جاءت هذه الآية الكريمة توضيحاً وتبياناً وتذكيراً للفارق بين
                        المؤمنين والكافرين، بين المؤمنين الذين فتحوا بصائرهم وأبصارهم
                        للحق المبين، وبين الذين أعموا أبصارهم، فضلوا عن سواء السبيل؛
                        وذلك من خلال التمييز بين حال الإنسان الأعمى والأصم،
                        وحال الإنسان البصير والسميع.
                        وهو مثل واقع مشاهد في الحياة الإنسانية.




                        فالأعمى والأصم هو مثال الكافر
                        الذي تعطلت لديه منافذ المعرفة،
                        فعميت بصيرته عن الإيمان، فلم يعرف لهذا الكون خالقاً،
                        وسُدت أذنه عن سماع الحق، فلم يعترف بحياة
                        غير الحياة التي هو فيها.
                        والبصير والسميع هو مثال المؤمن،
                        الذي استفاد من وسائل المعرفة التي زوده الله بها،
                        فاهتدت بصيرته بنور الإيمان، وامتلأت نفسه من سماع الحق.
                        فكلاهما لا يستويان في الصفات والمزايا
                        والتوجهات والأهداف، مثلما لا يستوي الأعمى والأصم،
                        والبصير والسميع في الخلقة والتكوين، والحركة والنشاط.




                        يقول ابن القيم بخصوص هذا المثل القرآني:
                        "ذكر -سبحانه- الكفار، ووصفهم بأنهم ما كانوا يستطيعون السمع،
                        وما كانوا يبصرون.
                        ثم ذكر المؤمنين، ووصفهم بالإيمان والعمل الصالح
                        والإخبات إلى ربهم، فوصفهم بعبودية الظاهر والباطن.
                        جعل أحد الفريقين كالأعمى والأصم،
                        من حيث كان قلبه أعمى عن رؤية الحق، أصم عن سماعه،
                        فشبهه بمن بصره أعمى عن رؤية أحق الأشياء،
                        وسمعه أصم عن سماع الأصوات.
                        والفريق الآخر بصير القلب سميعه،
                        كبصير العين وسميع الأذن،
                        فتضمنت الآية تمثيلين للفريقين،
                        ثم نفى التسوية عن الفريقين بقوله: {هل يستويان مثلا}.




                        ويذكر الشيخ الشعراوي في "خواطره"
                        -كما يحب أن يسمي تفسيره للقرآن-
                        أنه سبحانه يضرب في هذه الآية مثلاً "بسيدي الحواس الإدراكية:
                        السمع والبصر، فهما المصدران الأساسيان عند الإنسان
                        لتلقي المعلومات، المسموعة والمرئية،
                        ثم تتكون لدى الإنسان قدرة الاستنباط والتوليد
                        مما سمعه بالأذن، ورآه بالعين...
                        ولن يشك كل من الأعمى أو الأصم
                        أن من يرى، أو من يسمع هو خير منه،
                        ولا يمكن أن يستوي الأعمى بالبصير،
                        أو الأصم بمن يسمع".




                        ولا يخفى أن الغرض الأساس من ضرب هذا المثل
                        التحذير من مواقعة الكفر، والدخول فيه،
                        ودعوة من وقع فيه، ودخل إلى مستنقعه
                        إلى الخروج منه، وعدم التمادي فيه.
                        وقد جاء سبحانه في هذه الآية بالأشياء المتناقضة،
                        ليَحْكُمَ الإنسان السامع أو القارئ لهذه الآية،
                        وليَفْصِل بحكم يذكره بالفارق بين الذي يرى، ومن هو أعمى،
                        وكذلك بين من يسمع، ومن هو أصم،
                        ومن الطبيعي أن لا يستويان.




                        ويُلاحَظ أن القرآن الكريم في مواطن عديدة مثَّل المؤمنين
                        المهتدين بمن هو بصير سميع،
                        ومثَّل الكافرين بالعُمى والصُم، نحو قوله تعالى:
                        {قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}
                        (الأنعام:50)،

                        وقوله سبحانه: {وما يستوي الأعمى والبصير}
                        (فاطر:19)؛
                        وذلك لتنبيه الناس وتحذيرهم من مغبة الكفر
                        الذي يجعل صاحبه كالأعمى الذي لا يبصر ما حوله،
                        وكالأصم الذي لا يدري ما يجري من حوله.

                        وقد ختم سبحانه هذا المثل الحسي، بدعوة إلى التذكر،
                        فقال سبحانه: {أفلا تذكرون}؛
                        وذلك تنبيهاً على أنه يمكن علاج هذا العمى، وهذا الصمم.
                        وإذا كان العلاج ممكناً من الضرر الحاصل
                        بسبب حصول هذا العمى، وهذا الصمم،
                        وجب على العاقل أن يسعى في ذلك العلاج بقدر الإمكان.
                        والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.




                        على أن هذا المثل الوارد في هذه الآية،
                        ينبغي أن يُستحضر معه قوله تعالى:
                        {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}
                        (الحج:46)؛
                        وذلك أن الإنسان قد يكون بصيراً، أو له أذن تسمع،
                        لكنه لا يستخدم حاسة الإبصار، أو حاسة السمع فيما
                        خُلقتا من أجله في التقاط مجاهيل الأشياء.
                        فالعبرة في المُحصلة ليست في امتلاك هاتين الحاستين المهمتين،
                        بل في الاستفادة منهما، وإعمالهما فيما خُلقتا من أجله.
                        وقد ذم سبحانه من زوده بحواس المعرفة،
                        ثم لم يستعملها استعمالاً صحيحاً، حيث قال:
                        {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها
                        ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل
                        أولئك هم الغافلون}
                        (الأعراف:179).





                        يتبع

                        تعليق


                        • #13



                          الأمثال الصريحة فى سورة الرعد





                          16- " إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه"
                          (الآية 14)

                          17- " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها "
                          (الآية 17)



                          المثل السادس عشر



                          16- " إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه"
                          (الآية 14)

                          التفسـير
                          هذا المثل عن دعاء الكافر
                          فالدعاء صلة روحية بين العبد وبارئه،
                          وتوجُّه نحو المعبود القادر، واستعانة بالمولى العزيز،
                          وابتهال من المخلوق الضعيف إلى الخالق القوي،
                          يرجوه المغفرة والعفو، ويطلب منه الرحمة والنصر،
                          ويسأله التوفيق والسداد.
                          والإيمان قطب الرحى الذي يدور حوله عمل المؤمن،
                          وركيزة الاستجابة، ومن تعرى عن الإيمان، وكفر بمدبر
                          الأرض والسماء، فمن يدعو؟ وأنى يُستجاب له؟!


                          هذه المعاني وغيرها عبَّرت عنها الآية الكريمة أصدق تعبير،
                          ذلك قوله عز وجل:
                          {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء
                          إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه
                          وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}

                          (الرعد:14).
                          فقد قررت هذه الآية الكريمة حقيقة مهمة من حقائق الإيمان،
                          لا تستقيم حياة الإنسان عموماً، وحياة المؤمن خصوصاً
                          إلا بالاعتقاد بها، والتسليم لها، والخضوع لمقتضياتها،
                          تلك الحقيقة تقول:
                          إن الدعاء وطلب العون، وقضاء الحاجة،
                          إنما يكون من الله القادر الوهاب،
                          ولا يليق بالعبد المؤمن أن يتوجه إلى غيره سبحانه،
                          مهما أوتي هذا الغير من قوة وجبروت،
                          ومهما حاز من سطوة وملكوت.


                          وقد شبهت الآية الكريمة الذين يتوجهون بالدعاء لآلهة الأرض،
                          من الأصنام أو البشر، بالذي يبسط كفيه إلى الماء،
                          والمراد بـ (باسط كفيه) مَنْ يغترف ماء بكفين مبسوطتين
                          غير مقبوضتين؛ إذ الماء لا يستقر فيهما.
                          وهذا كما يقال: هو كالقابض على الماء، في تمثيل إضاعة المطلوب.
                          والماء جماد لا يشعر ببسط كفي طالبه، ولا بعطشه، وحاجته إليه،
                          ولا يقدر أن يجيب دعاءه، ويبلغ فاه، فكذلك ما يدعونه - من دون الله
                          لا يَحُس بدعائهم، ولا يستطيع إجابتهم، ولا يَقْدُر على نفعهم.


                          وكذلك الكفار الذين يدعون مع الله آلهة أخرى،
                          لا يستجيبون لهم بشيء، ولا ينفعونهم في أشد الأوقات
                          إليهم حاجة؛ لأنهم فقراء، كما أن مَن دَعوهم فقراء،
                          كما قال تعالى:
                          {لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض
                          وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير}

                          (سبأ:22).
                          ولذلك ختم سبحانه هذا المثل بقوله:
                          {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}
                          أي: إلا في ضياع، لا منفعة فيه؛
                          لأنهم إن دعوا الله لم يُجِبْهم وذلك لأنهم أشركوا به،
                          وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم
                          لأنها لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً.


                          وعلق الشيخ السعدي على هذا المثل بقوله:
                          وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه إلى الماء
                          ليبلغ فاه من أحسن الأمثلة؛ فإن ذلك تشبيه بأمر محال،
                          فكما أن هذا محال، فالمشبَّه به محال،
                          والتعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء،
                          كما قال تعالى:
                          {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء
                          ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}

                          (الأعراف:40).


                          إن كل من دعا صنماً أو حجراً لا يسمع ولا يشفع،
                          أو دعا بشراً لا يضر ولا ينفع،
                          فإنما يتوجه بدعائه إلى ضعيف عاجز،
                          لا يملك من أمره شيئاً، فضلاً عن أن يتصرف في أمور الآخرين.
                          ولا غرو، فهو إنما يدعو أوهاماً أو أوثاناً من دون الله،
                          فكيف يستجيب سبحانه لدعائه،
                          فلا ريب أن يكون دعاؤه هباء وخسراناً،
                          ولا عجب كذلك أن يكون عمله ضياعاً لا جدوى منه.





                          تعليق


                          • #14
                            المثل السابع عشر

                            17- " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها "
                            (الآية 17)

                            التفسير
                            هذا المثل عن الحق والباطل
                            فقد تناولت الأمثال القرآنية كثيرًا من القضايا
                            التي تحيط بالإنسان في هذه الحياة؛
                            كقضايا الكفر والإيمان، والإيمان والنفاق،
                            والهدى والضلال، والعلم والجهل، والخير والشر،
                            والغنى والفقر، والحياة الدنيا والحياة الآخرة،
                            وغير ذلك من القضايا.



                            ومن بين تلك القضايا التي تناولتها الأمثلة القرآنية
                            قضية الحق والباطل، قال تعالى:
                            {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها
                            فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه
                            في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك
                            يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء
                            وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
                            كذلك يضرب الله الأمثال
                            } (الرعد:17).

                            هذه الآية الكريمة في جملتها تبين أن الذي يصح
                            ويبقى في هذه الحياة، وينتفع به الناس غاية الانتفاع
                            إنما هو الحق.
                            وبالمقابل فإن كل ما كان خلاف ذلك من أنواع الباطل
                            لا وزن له ولا قيمة ولا اعتبار،
                            وسرعان ما يزول ويضمحل.



                            فهذه الآية تضمنت مثلين حسيَّين،
                            يراد منهما إيصال فكرة واحدة، مفادها:
                            أن الحق هو المنتصر في النهاية،
                            وهو صاحب الكلمة الفصل في معركة الحياة،
                            وأن الباطل هو الخاسر والمنهزم في المحصلة؛


                            فالمثل الأول


                            وهو قوله تعالى:
                            {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها
                            فاحتمل السيل زبدا رابيا}

                            مضروب للماء الذي يُنـزله الله من السماء، فيتدفق في الأرض،
                            فيملأ الأودية التي تشكل سيولاً جارفة، تحمل معها كل ما تصادفه
                            في طريقها من القش والورق والفضلات وغير ذلك مما لا قيمة له
                            في الحقيقة. ثم إن هذه السيول الجارفة تشكل على سطحها رغوة
                            بيضاء على شكل فقاعات، سرعان ما يتلاشى شكلها، وينطفئ لونها.
                            ويبقى الماء وحده هو الذي ينتفع به الناس، حيث يرفد الأنهار،
                            ويغذي الينابيع، ويحمل معه الخير، فيحلُّ الخصب بعد الجدب،
                            والنماء بعد القحط، والخير بعد الشح.


                            والمثل الثاني


                            هو قوله تعالى:
                            {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله}
                            ضربه سبحانه للنار الحامية التي تعرض عليها المعادن بأنواعها،
                            ومنها الذهب والفضة، بقصد إزالة شوائبها وما خبث فيها،
                            وفي أثناء عرضها على تلك النار تطفو على سطحها طبقة سائلة
                            أشبه بالرغوة البيضاء التي تطفو على سطح الماء،
                            لكنها سرعان ما تتلاشى في الهواء وتضمحل هنا وهناك،
                            ويبقى جوهر المعدن الأصيل الذي ينتفع به الناس،
                            فيصنعون منه أدواتهم، ويستعينون به على قضاء حوائجهم.


                            كذلك الحق والباطل في هذه الحياة؛
                            فالباطل قد يظهر، ويعلو، ويبدو أنه صاحب الجولة والكلمة،
                            لكنه أشبه ما يكون بتلك الرغوة البيضاء التي تطفو على سطح
                            ماء السيل، والمعدن المذاب، سرعان ما تذهب وتغيب،
                            من غير أن يلتفت إليها أحد.
                            في حين أن الحق، وإن بدا لبعضهم أنه قد انزوى أو غاب
                            أو ضاع أو مات، لكنه هو الذي يبقى في النهاية،
                            كما يبقى الماء الذي تحيى به الأرض بعد موتها،
                            والمعدن الصافي الذي يستفيد منه الناس في معاشهم حلية أو متاعاً.



                            وقد روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما
                            قوله في هذه الآية:
                            هذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها.
                            فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله،
                            وهو قوله:
                            {فأما الزبد فيذهب جفاء}، وهو الشك،
                            {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، وهو اليقين،
                            كما يجعل الحلي في النار، فيؤخذ خالصة، ويترك خبثه في النار.
                            فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك.


                            وعلى نحو هذا التمثيل في الآية جاء قوله صلى الله عليه وسلم:
                            (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير،
                            أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب
                            الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس
                            فشربوا وسقوا وزرعوا،
                            وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان،
                            لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ،
                            فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم،
                            ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)

                            متفق عليه.


                            والذي يستفاد من التمثيل الوارد في الآية جملة أمور:



                            أولها:


                            أن العاقبة للمؤمنين، وأن الحق منتصر لا شك في ذلك،
                            وإن كان الواقع يدل على غير ذلك؛
                            وأن الباطل لا محالة زائل، وإن كان في يوم
                            من الأيام ممسكاً بالراية ورافعاً لها.

                            ثانيها:


                            أن العمل الصالح هو الذي يبقى لصاحبه،
                            وهو الذي يرجى منه الخير في الدنيا والآخرة،
                            وأن العمل السيئ يذهب ولا يفيد صاحبه شيئاً.

                            ثالثها:


                            أن العلم والهدى هو الذي ينفع المؤمن في هذه الحياة،
                            وأن الشك والباطل لا يغنيا ولن يغنيا من الحق شيئاً.


                            يتبع

                            تعليق


                            • #15



                              الأمثال الصريحة فى سورة ابراهيم






                              18- مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ
                              عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ

                              (الآية - 18)

                              19-
                              أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً
                              كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء

                              (الآية - 24)

                              20-
                              وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
                              اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ

                              (الآية - 26)



                              المثل الثامن عشر



                              18- مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ
                              عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ

                              (الآية - 18)

                              التفســير
                              الأعمال خير تعبير عن الإنسان، من ناحية صفاته وخصاله ومزاياه.
                              فهي التي تعكس حقيقة ما في نفسه، وما تنطوي عليه دخيلته من
                              الخير أو الشر، والطهارة أو الخبث، والتواضع أو التكبر،
                              وما إلى ذلك من الصفات التي تميز كل إنسان عن غيره.


                              وتظهر حقيقة أعمال الإنسان أكثر ما تظهر
                              من ناحية ارتكازها على إيمانه بالله، أو كفره به،
                              فإن كان مؤمناً أشاع الخير بين الناس،
                              بينما تنعكس أعمال الكافر عليه شراً ووبالاً.


                              وكما أن الأعمال هي مرآة للنفس، وتعبير عن العقيدة،
                              أو الفكرة التي يؤمن بها الإنسان، فإنها أيضاً طريقه إلى الآخرة،
                              وسبيله إلى المصير الذي لا مفر منه.
                              فكيف تتبدى أعمال الكافرين يوم القيامة،
                              حيث يقوم الناس لرب العالمين للحساب؟



                              لقد ضرب الله تعالى مثلاً على تلك الأعمال بالرماد
                              الذي اشتدت به الريح في يوم عاصف، فبددته هباءً منثوراً.
                              هكذا سوف تكون الأعمال التي يأتيها الكافرون في الحياة الدنيا.
                              يقول سبحانه مبيناً ذلك:
                              {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم
                              عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد}

                              (إبراهيم:18).


                              وتظهر الصورة في هذا المثل - مثل سائر صور
                              الأمثال القرآنية - نقية، وجلية: فالرماد هشٌّ وخفيف،
                              لا يقوى على شيء، ولا يصمد أمام أية حركة تحدث فوقه،
                              فكيف إذا فجَأَهُ يوم عاصف، تقتلع رياحه العاتية كل ما يعترض
                              اندفاعها، فإنها لا تكاد تصل إلى الرماد إلا وتذروه جزئيات صغيرة،
                              ثم تحيل هذه الجزئيات إلى ذرات مبعثرة،
                              وتقذف بها إلى البعيد البعيد، حتى يصير الرماد وكأنه في دنيا العدم،
                              فمثل أعمال الكافرين، كمثل هذا الرماد، مهما تنوعت ومهما كثرت،
                              تبقى بلا أدنى فائدة، أو نفع؛ لوقوعها باطلة في الأصل،
                              وَفْقاً لميزان العدل الإلهي. وهذا البطلان ينعكس ويلاً وثبوراً
                              على الكافرين يوم الحساب، فلا تنفعهم أعمالهم شيئاً،
                              بل ترتد عليهم خسراناً مبيناً، وعذاباً أليماً، باعتبار أن الفائدة
                              المرجوة من أعمال الإنسان لا تكون إلا بثواب الله العظيم،
                              الذي يكافئ به عباده الصالحين.



                              وبما أن أعمال الكافرين لا تُقبل يوم الحساب،
                              فإنه لا يكون لهم أدنى ثواب فيها ؛ وبذلك تذهب أعمالهم
                              التي قاموا بها في الدنيا أدراج الرياح، كما تذهب الريح
                              في يوم عاصف بالرماد الهش الخفيف.


                              وهذا ما يوجب على الإنسان أن يتبصَّرَه،
                              عند القيام بأي عمل، سواء تجاه نفسه، أو تجاه الآخرين.
                              فما كان من أعماله خالصاً لله تعالى، موافقاً لشرعه، كان مقبولاً،
                              ونال الثواب عليه. وما كان منها لغير الله تعالى، فهو غير مقبول.
                              وهو لن يذهب هدراً وحسب، بل ويجعل صاحبه وقوداً لنار جهنم
                              المستعرة، حيث يعاني فيها وطأة العذاب الأليم، والعقاب المهين.


                              وقال الرازي في بيان وجه المشابهة بين هذا المثل
                              وبين هذه الأعمال: "إن الريح العاصف تطيِّرُ الرماد،
                              وتفرق أجزاءه، بحيث لا يبقى لذلك الرماد أثر ولا خبر،
                              فكذا ههنا أن كفرهم أبطل أعمالهم، وأحبطها،
                              بحيث لم يبق من تلك الأعمال معهم خبر، ولا أثر".


                              والغرض الرئيس من هذا المثل، هو أن يقف الإنسان موقف تأمل؛
                              ليتبين قيمة الأعمال التي يقوم بها، والمصير الذي سوف يؤول إليه؛
                              وليتبين له الرشد من الغي، وليهتدي إلى طريق الخلاص
                              قبل فوات الأوان.





                              تعليق

                              مواضيع تهمك

                              تقليص

                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                              المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                              المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                              المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                              المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                              يعمل...
                              X