
أمى الحبيبة ..مصر
أحببتك و شعبك العظيم ..
و ليس إنتاجى هذا إلا منك ..و إليك
حماك الله ..و شعبك العريق .
سطور دافئة ..عامرة برهافة الحس و الأصالة ..
أضافتها الفنانة التشكيلية المصرية
تحية حليم
إلى كتاب الناقد و الكاتب المعروف
صبحى الشارونى
تحية حليم الواقعية الأسطورية
و الذى قدم له أيضا الناقد الراحل
حسين بيكار .
وفى الكتاب يستعرض صبحى الشارونى
حياة فنانة مرموقة
ربما ..لظروف خارجة عن إرادتها
لم تتلق من التعليم الأكاديمى إلا أقلّه
إلا أن موهبتها الفطرية ..
و إحساسها المرهف وتلقائيتها فى العطاء
بقيت علامات تميز أعمالها إضافة إلى
شموخ فنى
يتجلى فى هذه الأعمال ببساطة مذهلة .
يقول صبحى الشارونى
'رغم أن عصر السحر قد انتهي..
ورغم حذري من تسرب أي رواسب متبقية
من هذا العصر السحيق،
إلاأنني لا أملك وصفا لذلك الأثر الطاغي
للأعمال الفنية العظيمة علي مشاعري
، إلا أنه 'السحر'
فهو أثر يتغلغل في الخلايا ويتملك المتلقي
ويتلمسه فيصبح منقادا لسلطانه،مفتونا بجماله.
إنه يسيطر علي الوجدان وعلي العقل وعلي المشاعر،
ولهذا لا نجد له وصفا سوي أنه 'سحر للفن
ولوحات الفنانة تحية حليم مشحونة بهذا السحر.
الذي تعجز الكلمات
وأسلحة النقاد والباحثين والمؤرخين
عن كشف سر تأثيره الطاغي'
مقهى بلدى

تحية محمد أحمد حليم
1919-2003

تبوأت مكانة بارزة كواحدة من
جيل الرائدات
و علامة بارزة فى الإتجاه التعبيرى
فى حركة الفن التشكيلى المصرى الحديث
تحية حليم.. عالم خاص ..متفرد ..
تشكل بالألوان نغما يكاد يسمع صداه
تعزف سيمفونياتها الإنسانية فترسم أحلاما
أصالة ..تاريخا..حبّا و عاطفة بلا حدود ..
ولدت فى دنقلة ..فى السودان ..
لأب صعيدى من ديروط
كان يعمل ضابطا بالجيش المصرى
حيث أمضت أول خمس سنوات من عمرها .
و أم تنحدر من أصول تركية قوقازية
تهوى الموسيقى و العزف على العود
بينماكانت جدتها لأمها
عازفة كمان و رئيسة للأوركسترا
الخاص بقصر الخديوى إسماعيل .
أجواء من الفخامة و الفن الرفيع عاشتها
تحية حليم ..فى الطفولة و الصبا
مع والدها كبير ياوران الملك فؤاد..
تلقت تعليمها الإبتدائى
فى مدرسة بنات الأشراف فى العباسية
حيث إنتبهت لموهبتها فى الرسم مدرستها للغة الإنجليزية
مما دفع والدتها للإهتمام بها و رعاية موهبتها
لكن إستقرار الصغيرة
فى مراحلها التعليمية إعترضه مرض الأم
الذى فرض عليها مبكرا..و لكونها الأخت الكبرى
ترك مقاعد الدراسة..و التفرغ للمهام المنزلية
و رعاية الأم المريضة .
و ما كانت قطعت من مرحلة التعليم الثانوى
سوى سنتين ..
برعت خلالهما فى تعلم اللغة الفرنسية
و الرسم و العزف على البيانو .
تعويضا عن مكوثها بالمنزل ..
إزداد حبها للرسم ..
فرضخ والدها لرغبتها الملحة
فى تلقى بعض الدروس
فى أصول الرسم على يد متخصص
فكان أول أساتذتها فى هذا المجال
الفنان السورى الحر
يوسف طرابلسى
لكنه وبعد عامين فقط
من الإلتزام بالدروس
قرر مغادرة مصر و الهجرة إلى كندا .
ثم.. كان اللقاء ...
فى معرض صالون القاهرة عام 1940
مع الفنان
حامد عبد الله
و ما تدبره الأقدار!
يقول الكاتب صبحى الشارونى
"توقفت الفنانة تحية حليم أمام معروضات
الرسام حامد عبد الله
التى كانت حصيلة رحلته لمدة ستة أشهر
بين الأقصر و أسوان .
بهرتها اللوحات ذات الأسلوب التأثيري
والمعبر عن أعماق الصعيد
تحت ضوء الشمس القوية..
تفاعلت روحها مع هذا المناخ الذي بهرها
واقترب الشاب الطموح من المعجبة الشابة
التي أطالت النظر إلي لوحاته
ودارحوار قصير
مقدمته هى الإعجاب بالأعمال الفنية
و نهايته الإتفاق على إستكمال تدريبها
فى مرسم صديقه الفنان اليونانى
اليكوجيروم"
حيث بدأت بالتدرب
على رسم الموديلات و الطبيعة الصامتة
و المناظر و علاج الظل و النور حتى العام 1943
حين أقامت مع الفنان حامد عبد الله
معرضهما الأول المشترك فى قاعة حورس بالقاهرة .
فى الأربعينات تحديدا
تميز إنتاج الفنانة بالحس المرهف بالمجتمع المحيط
وإمتلأت لوحاتها بالجماهير الغفيرة و الطبيعة الخلابة
مع الإلتتزام بقواعد الرسم التقليدية فأنجزت
من نماذج التأثيرية
لوحات
منظر من الغردقة
و
رأس عجوز 1943

حب ..فزواج !
توثقت علاقتها بالفنان حامد عبد الله .
الذى كان تأثيره عليها طاغيا
برسومه القوية عن الطبيعة
و الحياة فى جزيرة الدهب بالروضة
و الأقصر و اسوان
و خطواته الواثقة ..
ربط الحب بينهما
فكان الزواج عام 1945
و من ثم باشر إستكمال تعليمها بنفسه
بعد وفاة اليكوجيروم .
و يبدو صعبا ..أو من المستحيل
الإقتراب من سيرة الفنانة تحية حليم
دون التطرق للعوامل الشخصية
التى شكلت الكثير فى مسيرتها
فها هى فنانتنا الشابة تغادر مع زوجها
إلى الإسكندرية
فى ظروف مادية و حياتية شاقة
حيث أقاما هناك معرضهما الثانى المشترك .
يوم مطير 1947

بوادر شقاق..
دب بينهما الشقاق مبكرا..
عندما حاول الفنان حامد عبد الله
بسط سيطرته و هيمنته على شخصيتها الفنية
و هى التى.. و منذ الطفولة قد أصابها مسّ الفن ..
فلم يدرك أنه حين حاول تعديل إحدى لوحاتها ..
و كانا فى رحلة رسم على الشاطئ قد أصابها فى مقتل ..
فكانت صرختها التلقائية
و هى تحتضن لوحتها
لا ..لا تمد يدك !
و استفحل الخلاف ..
فطلبت الطلاق
و ما مضى على زواجهما إلا عام واحد !
ثم عادت المياه إلى مجاريها
لتستمر الحياة بينهما ما يقرب من عشرة أعوام
و قد عبر الفنان عن حبه لزوجته آنذاك
فرسمها فى لوحة رائعة بألوان الباستيل .
تحية حليم و حامد عبد الله
فى فرنسا .
أرادت تحية حليم المسكونة بالفن ..منذ الطفولة
أن تستكمل أدواتها الفنية
فقررت السفر مع زوجها إلى باريس ..
قلعة الفنون و الجمال
حيث التحقا بأكاديمية
جوليان العريقة
فى الفترة من 1949-1951
تلك الفترة فى باريس
كانت من أقسى الفترات التى مرت على تحية حليم
عانت فيها من الفقر و الجوع و المرض
و رغم ذلك فقد تمكنت بإرادة قوية
أن تعيش بمبلغ شهرى قيمته 25 جنيها
ترسله إليها والدتها ..
عاكفة على الدراسة صباحا ..
و فى فترة بعد الظهر تعطى دروسا .
و ترسم طيلة الليل !
و حريصة فى ذات الوقت
على التزاماتها كزوجة و ربة بيت !
فى كتابه
تحية حليم
الصادر عام 1985
عن الهيئة العامة للإستعلامات
كتب المفكر
د.لويس عوض
"كانت دراستها
علي أيدي كبار الأساتذة
الضالعين في فن التصوير
مع ما صاحبها من تردد متصل
علي متاحف باريس ومعارضها
وهذه كانت فترة التكوين الحقيقي للفتاة"..
تعرفت تحية على الجيل الجديد
من الفنانين فى باريس
و كذلك على مدارس الفن
التقليدية الأكاديمية و التاثيرية و التعبيرية
كما شاركت بلوحات عن مظاهرات الطلبة عام 1949
و انتقلت هذه اللوحات
الى سان باولو بالبرازيل عام1952
ثم إلى فينيسيا و بكين و موسكو .
كما أبدعت العديد من اللوحات الفنية
من وحى باريس أهمها
عام 1950
الحى اللاتينى
و
بائع أبو فروة

1951
بلاس دى تياترو
و شارع كولومبو
كما عبّرت كثيرا عن
الطبيعة الصامتة

و للفنانة تحية حليم باع كبير
فى رسم الموديلات (النيود)
فنجحت فى الوصول بالإسكتش
إلى مستوى العمل الفنى القائم بذاته
و ليس
كمجرد عمل تحضيرى للوحة الأساسية .
و هكذا أثرت رحلات الفنانة المبكرة
لفرنسا و للدنمارك أيضا
على تكوين و تشكيل شخصيتها الفنية
مما أهلها لمرحلة جديدة
فى الإتجاه التعبيرى
1952 –1962
زادت ثقة تحية حليم فى إمكاناتها ..
وووفرة معارفها و خبراتها النفسية
إضافة لمقوماتها الفنية ..
و شغفها ببناء اللوحة بحرية و شفافية .
و فى الوقت نفسه شهدت تلك المرحلة
نهاية إرتباطها بالفنان حامد عبد الله !
و الطلاق النهائى عام 1957
و للنهاية قصة حزينة
ألحقت بالفنانة المرهفة مرارة كبيرة
عندما إكتشفت
زواج الفنان حامد عبد الله
من سيدة دانمركية
فتم الطلاق على يد الدكتور ثروت عكاشة
و كان سفيرا لمصر فى فرنسا آنذاك
و رغم قسوة ما عانته
فقد بقيت دائما تذكره بالخير ..
تشير لعبقريته
و تحتفظ ببعض أعماله فى بيتها ..
و تؤكد على فضله فى توهج موهبتها ..
و مواجهة الحياة
و هى بعد شابة غضة ساذجة .
بل وبكته كثيرا
عندما وافته المنية عام 1986
لم ترتبط بزواج آخر ...
و كرست حياتها
و قد صارت أكثر نضجا ..لفنها ..
و خرجت من أحزانها بروح شفيفة ..
يغلفها أسى و عذوبة شجية ..
لتتعايش فى أحضان الوطن
مع الزمان و المكان ..
فى بداية جديدة مصرية خالصة ..
تمتزج بالواقع المصرى
و أحداثه السياسية
و الإجتماعية و الإقتصادية
فأنشأت عام 1957
مرسماً خاصاً بها فى الزمالك
لإنتاج وتدريس الفن
و من بين لوحات هذه المرحلة
1952
لوحتا حريق القاهرة
و
رماد
1953
قطتى
الأسرة
أمومة

1953
الجوع

1955
الصيادون

تابعونى بإذن الله .
-1--
تعليق