إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ايام العبور مقالات للفنان موريس سنكرى

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ايام العبور مقالات للفنان موريس سنكرى

    الفنان موريس سنكري

    فنان تشكيلي سوري مواليد حماة عام 1956

    خريج فنون جميلة قسم النحت

    باحث وناقد فني

    له عدد من المقالات المتعلقة بالفن وغيره

    أيام العبور( لموريس سنكري )


    وقفة في الاقتصاد و المجتمع و الفن على أعتاب العولمة


    بعدما كنت في روضة و أحلى شجرة جاوزوا بي لحمل الماء

    هو الإنسان كائن بيئوي و كوني في آن معاً متجذر في أرضه و خصوصيات تراثه كما الشجرة و هو دائم الطلب للانعتاق من كوابح الأرض و احتكاك التراب منشداً النور و الرحيل إلى الإنسانية الأوسع دائراً على نواته كما الناعورة تختصر وجوده رغبتان متعارضتان في الظاهر متحالفتان في الجوهر بين أن يكون الشجرة أو أن يكون الناعورة (علماً أن الناعورة لا يمكن صناعتها إلا من الشجرة)و هو الإنسان المعاصر الذي سوف يحفظ الأمانة الثمينة التي أبدعها نهر من العطاء استطاع أن يروي الشجرة و يدير الناعورة مثلاً هذا النهر بكل النواتج الثقافية المتلاحقة من علم و قانون و فكر فكأنما جمع الأقدمون ذلك التجادل الحي بين الشجرة و الناعورة على أحسن ما يكون التجادل بين الإنسان و همومه علاقته بالآخر.
    في أيامنا هذه يبدو الإنسان و هو على عتبات العولمة المنبثقة شرعياً عن المركزية الأوربية حائراً بين الشجرة التجذر و من ثم التوحد و اليباس وبين الناعورة الارتحال و من ثم الانفلات.خياران أكثرهما إنسانية يمثل مذبحة الفضاء لناعورة أراد من صممها أن تجرف ك الماء الذي في النهر و يصبح معها العطش مرتبطاً بالكوكاكولا لا بالماء .
    يعتقد منظرو العولمة أن النموذج الحضاري الذي ابتكره الغرب منذ عصر النهضة و هو ما أطلق عليه المركزية الأوربية و الذي أصبح نظاماً عالمياً أدارته قوى استعمارية طوال خمسة قرون من عمر البشرية قد وصل إلى ذروته في الحرب الباردة التي شنها الغرب على الاتحاد السوفيتي هذا النموذج لم يعد صالحاً لبناء المستقبل الذي أضحت معطياته أكبر و متمركزة أكثر و عابرة للقارات بحيوية أبرع هذا المستقبل يفصلونه على مقاساتهم التي أضحت الكرة الأرضية جزءاً منها أن ما يجري الآن هو عملية تحول تاريخي بأبعاد ونية واضحة تتقلب فيها المفاهيم التي سادت طويلاً و تترسخ مفاهيم كانت سائدة و تولد من رحمها قوانين جديدة تستطيع كسب أكثر ما يمكن من الربح في ضوء حضارة تلمع في ليلها القادم من بعيد أشكال التنميط و التبسيط و الاستهلاك ليغدو العالم واحداً موحداً من وجهة اقتصادية.
    و هكذا يكون الاقتصاد هو هدف العولمة الصريح و الظاهر جارفاً معه كل ما أنتجته البشرية من ألوان الثقافة و العلم و الفكر و الفن و تميزات هنا وهناك و مثاقفة عبر الأجيال و الجغرافية و القوميات مختصرين ذلك إلى لون واحد يسرق البصر بجاذبيته و يعمي القلب بتسطحه بسرعة يصعب إدراكها تتحقق العولمة أي انتصار العدد الهائل من الاقتصادات القروية و الإقليمية و الوطنية في اقتصاد عالمي شمولي واحد لا مكان فيه للخادمين و المرضى و أصحاب المشكلات الخاصة و طرق الإنتاج الإنسانية و من النواتج الثقافية لهذا الاقتصاد الذي يسحق كل أولئك و سيسحق معهم ثقافتهم الخاصة و تميزاتهم تصبح نغمة الحداثة التي جاء بها الغرب نفسه مسألة ثقافية متخلفة عن معطيات خمسمائة قمر صناعي تجوب الفضاء الخارجي منمطة و مستلبة عقول الأجيال الجديدة صائغة لهم فنونهم و أشكالهم مدوزنة لهم الكم و الكيف و الهنا الآن والذات و الموضوع والشكل و المضمون بطرق من الدعاية الشيطانية البراقة و سرعة في الاتصال بشبكات الكمبيوتر لا يجاريها أسرع العقول البشرية في إيجاد الحلول و التصورات لتصبح شطور الحلم في قصيدة ادغار الآن بو أكثر تخلفاً و بسرعة فائقة عن كل الأحلام ((الحلم بأحلام لم يجرؤ على الحلم بها أحد من قبل أبداً))لا يا سيدي فأحلامك أصبحت في مهب الريح و مر الزمن عليها هنيهة و انتقل إلى كيف لا يحلم و كيف يمنع نفسه عن الحلم لأن الحقيقة في معرض السرعة أكبر من كل الأحلام.
    إن أحلاماً مثل النمو و التطور و النهوض القومي و التوزيع العادل للثروة و حوار الشمال و الجنوب و المثاقفة مع الآخر و الحداثة ...لم يعد لها أي معادل على أرض الواقع و لن يكون لها مفعول يذكر لأنها أدوات حرب قديمة انقضت لتوها تحت اسم الحرب الباردة سلاح عصر يبشروننا على الشاشات الملونة بأنه انقضى إلى غير رجعة و كأن السيد بطرس غالي كان مخطئاً عندما قال:إن كوكبنا يخضع لضغط تفرز قوتان عظيمتان متضادتان
    : (إنهما العولمة و التفكك)-1-لأن العولمة لا تتناقض و ليست على تتضاد مع التفكك إنهما وجهان لعملة واحدة فالعولمة توحيد للاقتصاد(رأس المال المالي)و تفكيك للمستهلك و بالتالي لا ينطوي الأمر على مفارقة في أن العشر سنين الماضية رفعت عدد دول العالم المنتسبة على الأمم المتحدة من150إلى190و الحبل على الجرار كما بلغ عدد الشركات المندمجة خلال نفس المد أكثر من 15ألف شركة كبرى و متوسطة عبر العالم أن الستة مليارات كائن بشري يعيش على سطح هذه الكرة هم بمجملهم محور تفكير مديري ستة مليارات ترليون من الدولارات و القضية التي تواجههم هي كيف يستطيع رقم الاقتصاد أن يخترق الرقم البشري و إذا لم يكن رقم الاقتصاد ككتلة نقدية موحداً فلن يستطيع هذا الاختراق الجمعي اكوني كما لن يستطيع الاختراق إذا كان هناك قوى تحول توحيد هؤلاء البشر ضمن نظم لها ماهيتها و خصائصها لأنها مجرد أن تتحد على الفكر فستكون خطوة لتوحيد الاقتصاد لذلك من أجل زيادة عدد المستهلكين يجب أن يكون العالم مفككاً إلى عروق و قبائل و أديان و أحزاب و مافيات و قوميات...الخ ففي دنيا العولمة غير مسموح لأولئك أن يتوحدوا بأي شكل من الأشكال
    يتبع


  • #2
    إلا تلفزيونياً حيث تبث الأقمار على مدار الساعة الدعايات و الأفكار و الأحلام المفننة التي ترتبط مباشرة بنتاجات اقتصادية عولمية .
    هل هذه هي نهاية التاريخ كما يرى فوكوياما أم هذه هي نهاية الحداثة التي أطنبت وسائل الغرب طوال قرن من الزمن بالدعاية لها و جعلت كل مقاييس المجتمعات و الثقافات و الأفكار و الفنون تهجس بحلمها و تشرئب بأعناقها للوصول إلى عتباتها المقدسة ؟ هكذا بكل بساطة تنكشف و تتعرى كل الأشكال و الألوان و الصياغات التي لم تكن إلا شكلاً تنميطياً لفن يدعونا بتهذيب للوقوف بذل في الحديقة الخلفية للثقافة الغربية .
    و اليوم حيث ما بعد الحادثة (العولمة) يدعونا بعنجهية للوقوف خارج السور ففي دنياها لم يعد الغرب غرباً و لا الشرق شرقاً و لا يمكن الحديث عن اتجاهات أنه عالم كمن التنميط ما بعد الحادثة عالم موات الاجتهاد و الأفكار و الإبداع إلا باتجاه وحيد بما يخدم ريعية رأس المال الذي أعد ليصنع عادتنا و ثقافتنا و أحلامنا. ترى أمام إظلام الصورة بهذا الشكل كيف يكون الحل ؟ و ماذا يرسم الفنانون و بأي طريقة يعبرون .و هم الذين يستوردون ألوانهم و زيوتهم و قماشتهم و أخشاب شاسياتهم و طرائق عملهم و أساليب تشكيلهم من الغرب هل يقاطعون هذا النوع من الفنون بحثاً عن الهوية و حفاظاً على براءة الذات؟ أم أن هذا الفن قد أصبح برسم البشر جميعاً و لو أن الذين قدموه هم الغربيون .
    أن اللوحة قد وصلت إلينا في بدايات القرن مع حلم النهوض القومي و كانت بديلاً مهماً لفنوننا التعبيرية الزخرفية التي سادت إلى درجة الملل من كثرة ما عانت من التكرار غير المبدع خضوعاً لإرادة السلطة العثمانية العلية التي اكتشفت طرازها و ثبتت عليه من دون تغير طوال أربع قرون .
    و هكذا ترك الفنان العربي في بدايات القرون دون حسيب و لا رقيب(ولا هو مطلوب ذلك)من دون أي توجه فكري ينقل تجارب الآخرين في الغرب الذي كان يعد الجازة لدفن التوجيهات الواقعية و خلق جماليات كونية جديدة تستعير كل تراثات العالم و تصيغها بتوجهاتها التي انفلتت من عقال الواقعية و ملأت أعمالها العدمية الأرصفة و المخازن و ما ردود أفعال النقاد الغربيين قبل هذه المرحلة إلا تعبير عن موقف فكري والغ بأقصى ما يمكن بشروط المركزية الأوربية و منسجماً إلى أبعد انسجام مع تيارات الفكر و الاقتصاد السائدين آنذاك و عندما انطلقت عبارة (دوناتللو بين الوحوش) كان لا يرمي الناقد كلامه جزافاً أنهم وحوش الحداثة التي لم تكن منهجاً معرفياً و اقتصادياً في الفكر الغربي في وقتها لكنها لم تعد كذلك في بدايات القرن حيث بدأت تصفيات الاستعمار الاستيطاني تأخذ دورها لتنتقل إلى رحلة الاستعمار الاقتصادي الامبريالي .
    ومع هذا التوجه الاقتصادي الجديد .لم يجد بيكاسو من يعارضه عندما رسم آنسات آفنيون فمجتمعهم و مفكروهم أصبحوا جاهزين لتقبل أفكار الحداثة التي تنشد فناً عالمي الحضور يستعير كل تراثات العالم و يصيغها في تراثه و لتصبح من شخصيته و كينونته و المنال قادم .
    الإفريقية-الحروفية
    عندما رسم بيكاسو في عام /1907/رائعته الشهيرة(آنسات أفنيون) كان بذلك يدشن لعصر التكعيبية المجيد الذي يعتبر عصر الانتقال السريع والحازم من المشخص إلى المجرد متساوقاً مع تطورات الفكر الغربي المعاصر أي أن ذلك كان بداية حقيقة لكل تجارب الفن الحديثة على الإطلاق في الغرب عامة .
    وإذ اقتفى أثر ماتيس و بول كلي اللذين اقتبسا من الفن العربي فان بيكاسو دشن بالتكعيبية عهد الاقتباس من الفن الإفريقي بصياغته الجميلة المعروفة كثيراً في يومنا هذا والتي لم تكن كذلك في حينها الأمر الذي عاد وبالاً على
    ذلك الفن من وجهة نظر أخرى غير الفن نقصد التجارة و المال .
    سارع التجار و المتمولون في أعقاب الحرب العالمية الأولى بالسفر لإفريقيا بغزوة فرنجية استهدفت هذا التراث الإنساني الفذ الذي نضحته الحضارة المسماة (بدائية) في إفريقية محولين هذا التراث إلى مجرد أشياء لها قيمة في السوق الأوراق النقدية و المزادات العالمية .
    إن الغرب في بدايات القرن وما بعدها و اثر ترسخ أفكار الحداثة الإمبريالية التطلع لم يعد ينظر إلى أي قيمة حضارية إنسانية بما تتضمنه من قيم ثقافية و فنية إلى منظور التجارة ومجتمع الاستهلاك الذي تضخمت آلته الاستهلاكية حتى لم تعد الصرعات في فنونهم الحديثة تكفي لإرضائها بل أضحت بحاجة لأن تتناول فنون الشعوب الأخرى وتتكئ على تراثات أثبتت التجارب و التاريخ طواعيتها الهائلة للمثاقفة لكن الأمر لم يد مثاقفة بقدر ما هو نهب و تهديم للثقافة و إذا كان هذا قد حدث في الماضي مرفقاً بشيء من الحياء أيام ماتيس و بول كلي و بيكاسو إلا أن هذه الآلة فغرت فاها من جديد أثر انهيار قيم الفن الحديث في أوربا وحدوث أزمة النفط عام\1974\إذ أدرك الكثير من التجار الغربيين أن بيع الأثريات الإفريقية يمكن أن يكون مصدر ربح طالما أن هناك أثريات من هذا النوع -2- هكذا بدأت القضية بنية طيبة في الفن قبل تسعين عاماً مع بيكاسو وانتهت بخبث منقطع النظير في البنوك مع آل روتشيلد الذين صغر عليهم من تكدس الثروات الطائلة التي أضحت بحاجة إلى تفعيل خارج حدود الأوطان والقارات من أجل إعادة الإنعاش و الكر من جديد.
    في العقود الأخيرة تشغل لوحة الحروفية العربية حيزاً بالقدر الذي شغلته الأقنعة الإفريقية إن كان في غلاء أسعارها المفتعل قياساً بأسعار الأساليب الأخرى أو بتلك الاندفاعة المدروسة من قبل النقاد الغربيين الذين
    يتبع

    تعليق


    • #3
      يروجون لها أو بالتسهيلات التي تقدم للعارضين في هذا الاتجاه التشكيلي الذي يتخذ اليوم شكلاً سرطانياً في نموه على حساب الحياة التشكيلية العربية المبدعة .
      ونحن نرى أن الأمر ينطوي على مجموعة من المفارقات التي نلمح في ظاهرها رضاءاً غربياً على تغيير فنوننا بهذا الاتجاه و في داخلها يعتمل عكسها في محاولة لتخريب فنوننا الأساسية و من ثم تعريضها لغزوة جديدة كالتي فعلوها مع الفن في إفريقيا .التي انتهكوا بذلك عاداتها و قطعوا جذورها ..حتى أنه لسوء الحظ لم تبقى ثقافة أو عقيدة إفريقية لم تفتت-3-و تنطوي هذه المفارقات على جملة من الأمور سوف نستعرضها تباعاً.
      1-لا يستطيع الغرب وجهابذته من النقاد أن يرو العلم ينسج ثقافته المستقلة بمعزل عنهم بل أنهم يصرون بطريقة أو بأخرى على أن الفنون الحديثة في العالم هي من نتاجاتهم أو يجب أن تكون كذلك و ما من مانع أن تطعم هذه النتاجات بإضافات من تراثات الشعوب الأخرى يستعيرها الفنانون أوربيين كانوا أم أجانب لاكتساب الفنون الأوربية في النهاية مصداقية تفيد في تسيدها و حضورها الفاقع كأنها المرجع الأول و الأخير و لوحات الحروفية العربية في هذا المعنى تحقق عدداً من الأهداف مجتمعة إن كان من وجهة نظر الحروفين أنفسهم أول من وجه نظر الغرب .
      فمن الوجهة الأولى نجد أن ضحالة كثير من الحروفيين جعلت ذاكرتهم البصرية و الروحية تفقد دفعة واحدة كل القوانين الجوهرية التي تحكم صيغ الفن العربي و اتخذوا من الأشكال المباشرة التي عثروا عليها في الخط العربي مطية لتصورات و هواجس الغير مبنية على أسس نظرية واضحة لما يريدوا ن يبدعوه.فدغموا بشكل فج بين ما هو تجريدي عربي و ما هو تجريدي غربي و هم بذلك قد حققوا للغرب حلمهم في أن ينسى أصحاب الثقافة الأصلية ثقافتهم و ما تنطوي عليه من قوانين و يكون كذلك قد سقطوا في مسالة عدم استطاعتهم إبداع فن مستقل عن الفنون الأوربية .
      لقد أعطى فنانونا المبادرة للنقاد الغربيين أو العرب المستشرقين لكي يؤكدوا أنه ليس باستطاعة العرب ابداع فن حديث بمعزل عن فنونهم و بالتالي أن فنوهم هي الأساس و ما بتربع الآن من حروف عربية في لوحة الحامل أليس إلا تحصيل حاصل و استكمالاً لموضة جديدة سرعان ما ستستهلكها آلة تجارة الفن الضخمة بعد أن يكون أصحاب هذا الفن قد نسوا جذور فنهم و أصالتهم .
      الناقضة البريطانية(كارولين كولير)تقرر في تقديمها لمعرض العشرة حروفيين -4- المقام في كاليري (غرافيتي)في لندن عام 1985برعاية بنك الكويت المتحد ما يلي :
      (أكثر ما يجذب اهتمامي تلك الصيغة التي تجمع الفانين المشاركين على اختلاف أساليبهم و مستوياتهم و التي تتمثل في مزيج عناصر التجريد للفنين الإسلامي و الغربي )-5-كولير هذه لا تتخفى وراء أية صيغة فهي لن تهتم إلا بهذه الظاهرة (المزج)للتجريديين هكذا بكل برودة أعصاب و يقينية ترى الخط العربي على أنه تجريدات إسلامية تاركة خلف ظهرها كل ما يمثله الخط العربي بالنسبة للعرب من جهة و بالنسبة للحضارة العالمية من جهة أخرى ليتحول رأي كولير إلى مجرد تجريدات تقال أيضاً على خربشات هارتونغ و بولوك .
      وكما تحول الفن الإفريقي إلى زينة للقصور الفخمة دون الرجوع إلى ما يمثله من مدلولات ثقافية في إطاره البيئوي كذلك تحولت (الهندسة الروحانية بالآلة الجسمانية ) -6- إلى مجرد تهويمات تجريدية وعلى أيدي فنانين عرب بالذات لتتمكن الناقدة البريطانية في النهاية من أن تقول عنها أنها تتمة لمدارس أوروبية اخترعوها هم منذ أمد وتقويلاً لرأيها نرى أيضاً أن هذه التجريدات المتمثلة بالحروف العربية أن كانت موجودة في اللوحة الغربية أو غير موجودة فالأمر سيان لأن الفن الغربي سائر في دربه لا يعيقه معيق .
      لكن السؤال يبقى هو إلى أين يسير الحرفيون ؟
      2- عندما ردد بيكاسو مرة (أن أقصى نقطة وصلت إليها في فن التصوير وجدت الخط الإسلامي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد )-7- وهو الفنان العظيم الذي لم يترك اتجاهاً فنياً معروفاً في التصوير إلا واشتغل به يكون قد وضع يده المبدعة وبصره الثاقب الراقص بالألوان على فن الفنون وحينها لم يكن بيكاسو مستشرقاً ولا يأمل بهدية ذات منشأ نفطي ....؟ ليحاول الرفع من شأن خطنا العربي ومن شأن تراثنا من شأن خطنا العربي ومن شأن تراثنا و هذا التصريح ليس ككل التصاريح الملغومة التي تحاول الحط من إمكاناتنا و شل فعالية حركتنا الثقافية (التشكيلية) و تحبط فنانينا عن طريق تضخيمنا لدرجة التكبيل .
      اندري بارينو رئيس تحرير مجلة (الفنون)الفرنسية لم يكن أقل حمية لإعجابه المشبوه في المذبحة التي ترتكب بحق الحرف العربي فها هو يقرظ الفنان وجيه نحلة بمناسبة المعرض الذي أقامه \1984\في فندق وستمانسر كونكورد في مدينة نيس أن باستطاعة فنه الذي محضه حضور الغرب فيه و ثقافته و إثارته البلاستيكية أن يعطيه بعداً عالمياً ...صحيح أن وجيه نحلة هو عربي مسلم غير أنه ممهور بعقلانية الغرب )-8-ينطوي هذا التصريح على إهانتين واضحتين للفنان و لمن يمثل شاء أم أبى الأولى في أن الحرف العربي لن يكتسب بعداً عالمياً من خلال حضوره في لوحة الحامل إلا إذا تحالف بشكل وثيق مع حضور الغرب و ثقافاته و بذلك يكون بارينو بجرة قلم قد ذر إدراج الريا كل أحلام \نحلة\علي حل على كاهله مسالة (التراث معاصراً) الذي لم يفهمه إلا بطريقة حداثوية أعطت بارينو الفرصة لأن يقول ما يشاء أما الإهانة الثانية و هي الأهم فتكمن في جوهر نظرة الغرب لنا المتمثلة بإظهارنا حتى في أثناء مديحنا غير عقلانين و بحاجة لعقل الأوربيين على الدوام إذ أنه
      يتبع

      تعليق


      • #4
        من أجل تبرير السلب (بشواهد الحضارة العربية) ابتكر الغرب لنا شخصية عجيبة هي شخصية الشعوب الشرقية الروحانية التي تنأى عن عالم (المادة )بفطرتها .-9-و هو بذلك يتناسب إن جهود العلماء العقليين العرب ظهرت في مرحلة كانت نصف أوربا ما تزال تأكل لحوم موتاها . ليتحول بذلك أطناب بارينو إلى تهديد مبطن فحواه :إن قدر لأي فن في العالم أن يرى النور في صالات أوربا أو فنادقها لن يكون إلا فناً أوربيأً من خلال مفاهيم لوحة الحامل تحديداً و علاوة على ذلك فإن نزعة استعمارية مغلفة بألوان جذابة تنضح من تصريح بارينو ترمي إلى طمس المعالم التي تميز وجودنا الحضاري و تذويبها في ما هو غربي لأنه يسعى بأعماقه إلى ممارسة سيطرة منطقية على سائر التظاهرات الثقافية في مجتمعنا من أجل دمج كل الفن العربي و حروفيينا اليوم في معطياته الثقافية تحت شعار سري يقضي :بأن بلداً متخلفاً لا يمكنه أن ينتج إلى معطيات متخلفة لا تجد رفعتها إلا إذا توحدت وذات بصلح مهين مع المعطيات الثقافية الغربية من هنا نقدر لماذا هذا الاحتفاء وهذا الاحتضان الأمومي الذي يلاقيه حروفيونا وتراثيونا في الغرب عما ونفهم أيضاً لماذا اشترى أندره مالرو لوحات (الورديغي ) الشعبية المغربية يعرضها في متاحف باريس و لماذا ساعد تاجر الفن (بول باولز) (أحمد الإدريسي و اليعقوبي ) على تنظيم معرض لهما في نيويورك -10- كما احتضن الصهاينة (عبد الله الكرا ) وقدموه في معرض عام \1965\ في نيويورك باسم (عوفادية الكرا) -11- عدا عن بهورات كولير و بارينو ...وغيرهم كثير اليوم إن عمليات المثاقفة التاريخية هي أمر لا بد حاصل و ثقافات العالم أجمع ثبت أن لا ثقافة جاءت من انعزال أو تقوقع لكن ما يجري اليوم هو عملية تذويب و ليس مثاقفة خصوصاً أن الأمر لا يتمظهر إلا عبر تقديم تنازلات عن أشياء تعتبر العمود الفقري لثقافتنا و الحرف العربي لا يمثل أقل من ذلك .إن هذا التحول في موقف النقاد الغربيين لا يكفي للمثاقفة و لا يكفي لكي يستقيم الحوار بيننا و بينهم و في عصر العولمة القادم غير مسموح لهذا الحوار بالوجود على الإطلاق لعدم وجود أطراف للحوار أصلاً. و لأن الاستقلالية الفنية (التي عبرت عن نفسها اليوم بالحروفية و التراثية العربية ) لن تنجح من دون الاستقلالية المالية فنحن لا نزال في عالم تهيمن عليه المؤسسات المرتبطة بالأفكار و التوجيهات السياسية و الاجتماعية و الحضارية ...-12-
        3-هنا أمام هذا الخلل الذي تحدثنا عنه في علاقتنا مع الغرب و علاقته معنا نجد أنفسنا وجهاً لوجه في النقطة التي انتهى إليها الفن الإفريقي أي في البورصات و المزادات العلنية التي تقرع أجرستها بعنف مشيرة إلى أن الخط العبي بما يمثل قد بيع.
        دون أن نقصد التجريح بأي واحد من الفنانين الحروفيين الذين هم نحترم فعلاً المبدعين منهم فإنا نقر بصراحة أن هذا النوع غير المتزن من الحوار و المثاقفة مع الغرب لم يمنحنا إلا احتواءاً عولمياً هو في النهاية في خدمة آلة رأس المال التي لا تعرف بالحوار و لا تعرف بوجود الطرف الآخر إلا كموضوع للنهب. فهي العولمة التي شيأت كل الأفكار و العواطف و الثقافات التي ستترجمها فيما بعد إلى دورات هذا الشيء الجديد عليهم يطلبون و يزمرون له تحت اعتبارات نَسْفه فيما بعد و تحوله إلى آثار فعلية تكون محط أنظار رأس المال ليتداولوا بيعه و شرائه و من ثم انتقاله إلى القصور الفخمة و المتاحف الخاصة و ليحفظ بوصفه قيمة نقدية عالمية تمثل أثرا استطاعوا تحطيم كسائه الثقافي.
        من المثال السابق نلحظ كيف أن مصطلحات مثل الغرب و المثاقفة قد تكررت و هي قادمة من نهاية عصر مضى قلنا عنه أنه عصر الحداثة الأوربية (الغربية).لكننا اليوم مع العولمة عصر ما بعد الحداثة يصعب أن نحدد مصدر تضاداتنا و انسجاماتنا لأننا على موعد مع عدو أو صديق ليس له اسم يتعلق بالجغرافيا و لا بالتاريخ و لا بالمدارس الفنية أنه رأس المال العابر للقارات الذي لا وطن له .مع هذا الرأس مال الذي لا يمكن التوقع بخطواته العالمية و أهدافه الربحية كما لا يمكن التوقع بأن للفن سيكون معنى يذكر أم لا .فهو غير معني بالفن كما رأينا مع الإفريقية ة الحروفية إلا بوصفه رأس مال.و عندما تصبح أي ظاهرة فنية ذات مغزى مالي ستكون حتماً من أوليات اهتماماته و هو لن يسعى لها بعكس ما فعله الغرب الأوربي أيام المركزية الأوربية ذي التراث و الحضارة المعروفين الذي سعى إلى هضم كل تراثات العالم و جعلها من معطياته الثقافية و الفنية و حيث العولمة لا وطن و لا تراث و لا ثقافة أصلية يصبح الفن معوماً على شاشات التلفاز و الكمبيوتر و لم يعد هناك من مكان لصياغات فنية عالمية إلا بقدر ما تحترم لعبة الدعاية و الإبهار للرجل الصغير.
        إن ما ينتظرنا من فن مع العولمة لن يرقى إلى إبداعات الفن المركزي الأوربي في عصر الحداثة و الأنوار ,و كما يرى بعض النقاد و هم أحياناً على حق بأن الفن منذ ذروات عصر النهضة هو في تراجع مستمر و سينكفئ فيما بعد إلى الموات . فالعولمة وعن طريق مخاطبة كل البشر بلغة و أسلوب و حيدين ونظراً لصعوبة هذه المسألة سيبذل فيها مجهودات كبيرة من أجل إنجادها كما ستصرف المزيد من الأموال على أبحاثها . و مرة أخرى لن يكون العرب حاضرين أو الإسلام الحضاري موجوداً في هذه الصياغة إلا كمستهلكين . لأنها ستنتج عن جمل إشعاريه واسعة المدلول بسيطة الصياغة و كأننا نعود آلا ف السنين إلى الخلف حيث لم يكن هناك إلا الماموث و العصا و الإنسان قاتل أو قتيل . و حتى لا شكل قطيعة مع أنفسنا و نصبح نحن غير نحن لا بد لنا من التأكيد على ميراثينا العظيم و نتاجات مثاقفتنا الحقيقية مع الآخرين.

        يتبع

        تعليق


        • #5
          الميراث العظيم
          أدى الفعل المتبادل بين الإنسان و الطبيعة على المستوى الفيزيكي إلى إحالة كثير من الظواهر الكونية التي وجود الإنسان إلى مواضيع فنية أسبغ عليها إبداعه الخاص بشكل خلاق ثم أخذت هذه المواضيع الإبداعية بعد حين استقلالاً نسبياً عن مدلولها البدائي و تحولت إلى منظومة جمالية إشارية مفتوحة قائمة بذاتها.
          كما أضحت بحكم ضغط الواقع على الفكر الإنساني ذات إلحاحية خاصة بالتعامل معها وفق هذه الاستقلالية النسبية التي ما انفكت تتحول إلى استقلالٍ تام عن جوهر كنهها الأساسي لكن المحرض الفعلي على وجودها بقي مستمراً.
          و إذا كان النور مع المجتمع العربي قد أخصب أولى العبادات الدينية الأمومية فإنه أيضاً قد أخصب الروح الفنية الجمالية المبدعة بنظام جمالي إشاري حدسي عبر عن نفسه بارتسامات هندسية ثم شبه هندسية عفوية في المستوى المادي و ارتسامات إشارية عميقة في المستوى الروحي...إن تمازج الإشارة بالهندسة مع الحدس ولد فنوناً جديدة باستمرار أعطت نتائج مهمة على أرض الواقع .و اليوم لا تستطيع هذه الفنون أن تصل من حيث مضمونها الإخصابي إلا إذا تم إدراك الدافع النوراني لوجودها التجادلي نور/خصب و تصبح معه هذه الإشارات الجمالية النورانية جزءاً من الاستيعاب الجمالي العام مخرطة في الفعل الجمالي الخلاق الذي يجب أن لا يفهم على أنه نوع من النمذجة المجسدة التي استمرت متكررة لآلاف السنين بل هي نوع من إشارة تصويرية أيقونة تختلف موضوعاتها و رموزها باستمرار من جيل إلى جيل و من طور حضاري إلى آخر لكن الذي يستمر فيها و يمكن أن يتنمذج هو الفعل و العقل الذي أنجبها عبر العلاقة النورانية الشفافة مع الواقع.
          هنا يكمن السر الكبير الذي يقف وراء تواصل الفن العربي عبر آلاف السنين دون أن يفقد هويته و هذا ما نحن بحاجة إليه اليوم ,الهوية في الخطاب الجمالي المعاصر .
          لقد استطاع الفنان العربي في ظل الفكر الديني الإسلامي آخر منتجات الحضارة العربية أن يتواصل بشكل فعال و خلاق مع الإرث الحضاري العظيم الحضاري العظيم السابق عليه من خلال إيقونولوجيا مبسطة الدائر_شجرة الحياة _ النور أن يبني كل طموحاته بالتعبير عن جوهر الوحدة التوحيد ال1ي يدعو له الإسلام على المستويين الكوني و الروحي إسباغه مقياس للجمال المجرد المتصل بالجوهر المتره عن تجلياته المادية لذلك كان هذا الفن تتريهي بطبيعته و متسام عن الواقع و مستفحل في الجوهر المطلق الله.
          وقد اتخذ الفنان لتحقيق هذه المعادلة السهلة المنيعة عدد من الإجراءات التي تعطي السطح المعالج شكل الحالة الصوفية أكثر من الموضوع الخطي بعينه . فمن الدوران حول الكعبة ,استعار مركزة الرقش النباتي و هندسة الدائرة التي بدونها لا يمكن الحديث عن الخيط العربي , ومنه بالتوافق مع الرمز الأصلي اخترع الفنان التكوين اللولبي أو لنقل الدائري في فن التصوير , عندما خفت حدة التحريم كأمر طبيعي بعد نجاح الرسالة المحمية .
          و علاوة على هندسة القديم بإغلاق الأبنية إلى الداخل و انفتاحها إلى المطلق الله نحى إلى مركزة البناء بالبحرة \الحياة كينبوع خصب يتدفق بماء الحياة كأنه ثدي الأم الكبرى كما أنه مركزها بالقبة التي لها نفس المفهوم و لعل دوران راقصي الملوية من فحوى ذلك.
          و لما هدف إلى تحويل الأجسام المشخصة إلى اللامادية كان من الضروري اللجوء إلى التسطيح و إغفال المنظور و إحلال البعد الحدسي كآلية أساسية لبناء العمل الفني -13-و نلحظ ذلك في الطبيعة بخطوط الزراعة المتوازية و بيت المنبسط -14- و الصحراء اللانهائية ثم الخط العربي الذي سيشكله من بعدين و فراغ يصبح من خلالها نشيداً إيقاعياً متفرداً شبيهاً بكوكبة فرسان في عباب الصحراء -15-و بما أن الله لا نهائي في حضوره كما أنه لا نهائي في حضوره كما أنه لا نهائي البحث في الوصول إليه كان لا بد من الالتحام المطلق للعناصر المشكلة للعمل الفني مع بعضها متوحدةً ضمن إطار حركة أزلية يكون فيها التكرار وسيلة عبر التوالي المستمر في الصلاة من أجل طرد الشيطان حيث تتجاذب الخطوط و تتنافر أشبه بمصلين يقفون ثم يعودون للسجود في انطلاقة من الجوهر و العودة إليه.
          وهكذا يفتح الفن العربي في صيغته الإسلامية المتطورة المستندة على إرث عربي أقدم بيزنطي ,آرامي , أكادي , آفاق لا حدود لها , لأنه فن لا نهائي و يدرك بالحدس و كلاهما أمران غير ملموسين يضعان أمام المشاهد آفاق من التطورات و الطرائق لا ستكننا هما وبالتالي يقدمان على الدوام إمكانات هائلة من أجل تلبية حاجاتنا الجمالية حتى اليوم .
          لذا فكل حديث عن الجمالية الإسلامية و موقفها من الإبداع الفني و الأدبي و موقف هذا الأخير من المقدس و الديني يتطلب ليس اعتبار الإسلام , ثقافة و تراثاً يشمل المقدس فقط و لكن يحول إلى عناصر إبداعية دنيوية و تعبيرية عالية و راقية .
          -16- هذا التراكم الهائل ن الصياغات الجمالية العربية , التي تراوحت ما بين التجريد البسيط في عصر الأم الكبرى و المحاكاة في عصر الطبقات , و التجريد العميق التترهي في عصر انتصار المستضعفين . يضع بين أيدين اليوم مهمات عاجلة من أجل استشراف خطاب و ذائقة جماليتين معاصرتين . بالأمس كان هذا الخطاب يعتمد على الدين كايقونوغرافيا و ايقونولجيا , و اليوم بعد أن خفت قسرية الدين و سطوته متحولاً إلى الإيمان الذاتي , و ابتعاده بحضور العلم و القانون عن الدولة بخطوات كبيرة أضحى هذا التراث كقيمة جمالية تاريخه ,
          يتبع

          تعليق


          • #6
            يلح في التواصل مع , نظراً لحضوره المهم في كل ماهيتنا البصرية بالانطلاق من كنه قوانينه الداخلية , من أجل تكوين خطاب جمالي مستقبلي يؤكد لمن أراد في عصر ابتلاع الهويات و الماهيات , و هويتنا و ماهيتنا العربيتين . و يفتح لنا آفاق فن المستقبل بكونه خطاباً جمالياً لمجتمع العدالة المنشود لكن العودة لا ينبغي لها أن تفهم كعودة سلفوية تلفيقوية , بل لفهم آلية العلاقة التي تربطه كشكل من أشكال الوعي مع النمط الإنتاجي للمجتمع العادل و خلق أشكال من الوعي للعالم جديدةً جداً . و لعل النور أكثر ما يتكثف به هذا التراث الفني الجمالي المنوع كظاهرة روحانية و فيزيائية إنسانية , في عصر الأم , و دوره في الأديان التوحيدية كظاهرة إلهية تعبر عن تجليات الامرئي المطلق الله فإننا اليوم مطالبون بأن نستكنه النور مرة بل مرات أخرى , و نبني أعمالنا الفنية على أساس منه , باعتباره شكل لنا نحن العرب موضحين من خلاله هويتنا متقدمين به إلى العالم على أنه ميزات ثقافتنا الفنية , و هو النور الذي قامت كل هواجسنا الجمعية الحضارية ,و إبداعاتنا لأنه ما زال أي تحول أسلوبي عام في تصويره , يعكس تحولاً في الحضارة كلها .
            -17-فالنور الذي اشتقت منه الحضارة الأوربية في عصر النهضة كان نوعاً من نور كوني و عندما وصل إلى ريشة رامبرانت حاول الانتقال به إلى الجوهري من خلال تركيزه و تبقيعه لكنه بقي فيزيائياً . و نحن إذ قطعنا شوطا كبيراً بحضوره و تجلياته الروحانية أكان في الرقش أم الهندسة أم النمنمات و الترقيات ....مطلوب منا أن نتجاوز اللامرئي الميتافيزيقي الروحاني فيه و نحاول في اللامرئي الروحي كما الواقعي من دون لارتكان إلى فيزيائيته فحسب , لان الغرب قد سبقنا في لوحته التجريدية إلى ذلك , بل كتعاطف و تواصل إنسانيين روحيين كما هي منطلقات نورا الأصلي من غير السقوط في مطبات ميتافيزيقية روحانية .
            ربما توصلنا هذه المنطلقات إلى صياغة هذه الأشكال المادية ضمن منظومة نورانية جديدة , و قد نصل إلى تنظيم العالم الحسي تنظيماً إطلاقياً بطريقة ما , و قد نصل إلى الذرية أو قد نصل إلى الجميع معاً ضمن تجادل منطقي أو عفوي.
            و حتى لا تتيه مؤشراتنا , يمكن لنا الاتكاء على ايقونولوجيا أساسية , بقدر ما هي محلية في الأصل , أضحت منذ زمن بعيد عالمية فهي لا تخبو بإمكاناتها بخبو الحضارات , بل تظل تمنحنا قدراً هائلاً من الحلول التشكيلية : فالدائرة نبع النور و الطاقة-المثلث نبع الخصب و العطاء –الإنسان نبع الخلق و الفعل.......هذه العناصر ما زالت الحسي المطلق في عصر العلم و فيزياء الكم و هي بحاجة إلى نقلة جمالية يمكن أن ينجزها عصرنا بتحويل قيمتها الإدارية المتأصلة بشكل ما في الفن الإسلامي آخر إنجازاتنا الجمالية الحضارية،و شحنها أكثر لعناصر شعورية يطبعها الصفاء الإنساني العذب ،جل أن تصبح نوراَ على نور لا في العمارة وحدها ،المكان الأكثر جمعية لتكوين الذائقة الجمالية و التواصل الإنساني بل من أجل المشاركة اليوم برفع سوية اللوحة وطبعها بماهيتنا ،أي لوحة الحامل التي أضحت بسم الفعل الإبداعي العالمي ،مثل السينما و المسرح و التي حولها التجريد الشخصي الذاتي السكوني الغربي ،الذي يستدرك و يستنهج اللا مرئي مادياَ إلى نزوة فردية عابرة ،أو إلى مجرد توقيع كما فعل ماتيو .
            و أيضاَ من أجل السمو بالنور و بالأشياء الفنية إلى مستوى العاطفة الإنسانية الجمعية ، و الارتقاء بشمولية المكان المعماري و انسنته عن طريق تقديمه على أنه فعل تواصل لا فعل قهر .
            على هذا النحو تصبح رسالة الفن العربي و مقومات كونه ذو هوية هذه الهوية التي هي بالضرورة ستصل ما انفصل من فعل النور ف ي الجماليات العربية ,و ستضع ركيزة لفن المستقبل .
            و هكذا لا نستطيع اليوم فيما اعتقد أن نفلت ضمن هذا المنهج و من خلال الميراث العظيم من فخ العولمة أو أن نكرس إمكاناتها الهائلة أن قدرنا لخدمة ما نستطيع من ذاتنا الفعالة لتحفظ ما هو إنساني فينا من أجل انطلاقه أهم و أجدى .
            أن المحافظة على ما يدخل ذواتنا من إنسان و ذاكرة هو بيت القصيد ، و إلا سيكون مصيرنا جميعاَ مثل ذلك التلميذ الذي انبرى للجواب على أسئلة مدرس التاريخ إذا ما كانت النساء في غزوة أحدكن يساعدن الرجال في تضميد الجراح و تحضير الطعام أم لا فذهب جوابه إلى تساؤل إذا ما كان الطعام هو دجاج الكنتاكي أو الهمبرغر .....؟

            تعليق


            • #7
              الهوامش

              1- هانس بيتر مارتين _ هارالد شومان _ فخ العولمة _ ترجمة عدنان عباس علي _ مجلة عالم المعرفة الكونية _ العد 238 ص 68
              2- محمود الخالدي _ مجلة آفاق عربية _ نقلاً عن مجلة جون افريك _بغداد /1979/ ص 120 _ وما بعدها .
              3- نفس المرجع السابق و نفس الصفحات .
              4- الفنانون المشاركون في المعرض هم : ضياء العزاوي _ رافع الناصري _ شفيق النواب _ صلاح العلي _ أحمد نوار _ مهند الساسي _ رشيد القرشي _ مروان قصاباشي _ كمال بلاطة _ باسل القاضي .
              5- محمد كامل عارف _ مجلة الثقافية العالمية الكويت _ 1985 عدد 20 _ ص 144.
              6- أبو حيان التوحيدي .
              7- الحياة التشكيلية _ مها القواص _ 1982 عدد 9 _ ص39 .
              8- مجلة المستقبل _ 1982 _ العدد 296 _ ص44 .
              9- محمد الأسعد _ الفن التشكيلي الفلسطيني _ دار الحوار للنشر و التوزيع _ سوريا اللاذقية _ 1985 _ ص 30 .
              10- التشكيل المغربي _ محمد أديب السلاوي _ 1983 ص 132 _ وزارة الثقافة و الإرشاد القومي في سوريا .
              11- محمد الأسعد _ الفن التشكيلي الفلسطيني _ دار الحوار للنشر و التوزيع _ سوريا اللاذقية _ 1985 _ ص 30 .
              12- سمير صايغ _ الكفاح العربي _ 1985 _ ص 361.
              13- د. عفيف البهنسي _ جمالية الفن العربي _ مجلة عالم المعرفة الكونية –عدد 10 –ص48.
              14- بلند الحيدري –زمن لكل الأزمنة –المؤسسة العربية للدراسات و النشر-بيروت -1982 ص41.
              15- أراغون –عيون الزا –الديوان.
              16- ألكسندر اليوت – آفاق الفن –مؤسسة العربية للدراسات و النشر -1982 – ص16.

              تعليق


              • #8







                الغالي
                راغب الحوضرى
                على الموضوع الجميل
                ومقالاتك الثرية
                ايام العبور
                موضوع رائع
                تسلم يدك



                تعليق


                • #9
                  مشكور


                  يا ملك


                  على رأيك المعتبر


                  مشكور على مرورك

                  تعليق


                  • #10
                    مقالات تتناول الفنون المختلفه من وجهة نظر
                    تربط بينها وبين الواقع من تجاره واقتصاد وسياسه ذلك عبر العصور
                    الغالى راغب حواضرى
                    شكرا لك

                    تعليق

                    مواضيع تهمك

                    تقليص

                    المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: Reem2Rabeh الوقت: 04-23-2025 الساعة 04:27 PM
                    المنتدى: ضبط وتوكيد الجودة نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-15-2025 الساعة 09:30 AM
                    المنتدى: التصنيع والانتاج نشرت بواسطة: HeaD Master الوقت: 04-11-2025 الساعة 01:08 PM
                    المنتدى: القسم العام نشرت بواسطة: نوال الخطيب الوقت: 03-19-2025 الساعة 03:07 AM
                    المنتدى: الكمبيوتر والإنترنت نشرت بواسطة: عوض السوداني الوقت: 03-18-2025 الساعة 07:22 AM
                    يعمل...
                    X