الفنان موريس سنكري
فنان تشكيلي سوري مواليد حماة عام 1956
خريج فنون جميلة قسم النحت
باحث وناقد فني
له عدد من المقالات المتعلقة بالفن وغيره
أيام العبور( لموريس سنكري )
وقفة في الاقتصاد و المجتمع و الفن على أعتاب العولمة
بعدما كنت في روضة و أحلى شجرة جاوزوا بي لحمل الماء
هو الإنسان كائن بيئوي و كوني في آن معاً متجذر في أرضه و خصوصيات تراثه كما الشجرة و هو دائم الطلب للانعتاق من كوابح الأرض و احتكاك التراب منشداً النور و الرحيل إلى الإنسانية الأوسع دائراً على نواته كما الناعورة تختصر وجوده رغبتان متعارضتان في الظاهر متحالفتان في الجوهر بين أن يكون الشجرة أو أن يكون الناعورة (علماً أن الناعورة لا يمكن صناعتها إلا من الشجرة)و هو الإنسان المعاصر الذي سوف يحفظ الأمانة الثمينة التي أبدعها نهر من العطاء استطاع أن يروي الشجرة و يدير الناعورة مثلاً هذا النهر بكل النواتج الثقافية المتلاحقة من علم و قانون و فكر فكأنما جمع الأقدمون ذلك التجادل الحي بين الشجرة و الناعورة على أحسن ما يكون التجادل بين الإنسان و همومه علاقته بالآخر.
في أيامنا هذه يبدو الإنسان و هو على عتبات العولمة المنبثقة شرعياً عن المركزية الأوربية حائراً بين الشجرة التجذر و من ثم التوحد و اليباس وبين الناعورة الارتحال و من ثم الانفلات.خياران أكثرهما إنسانية يمثل مذبحة الفضاء لناعورة أراد من صممها أن تجرف ك الماء الذي في النهر و يصبح معها العطش مرتبطاً بالكوكاكولا لا بالماء .
يعتقد منظرو العولمة أن النموذج الحضاري الذي ابتكره الغرب منذ عصر النهضة و هو ما أطلق عليه المركزية الأوربية و الذي أصبح نظاماً عالمياً أدارته قوى استعمارية طوال خمسة قرون من عمر البشرية قد وصل إلى ذروته في الحرب الباردة التي شنها الغرب على الاتحاد السوفيتي هذا النموذج لم يعد صالحاً لبناء المستقبل الذي أضحت معطياته أكبر و متمركزة أكثر و عابرة للقارات بحيوية أبرع هذا المستقبل يفصلونه على مقاساتهم التي أضحت الكرة الأرضية جزءاً منها أن ما يجري الآن هو عملية تحول تاريخي بأبعاد ونية واضحة تتقلب فيها المفاهيم التي سادت طويلاً و تترسخ مفاهيم كانت سائدة و تولد من رحمها قوانين جديدة تستطيع كسب أكثر ما يمكن من الربح في ضوء حضارة تلمع في ليلها القادم من بعيد أشكال التنميط و التبسيط و الاستهلاك ليغدو العالم واحداً موحداً من وجهة اقتصادية.
و هكذا يكون الاقتصاد هو هدف العولمة الصريح و الظاهر جارفاً معه كل ما أنتجته البشرية من ألوان الثقافة و العلم و الفكر و الفن و تميزات هنا وهناك و مثاقفة عبر الأجيال و الجغرافية و القوميات مختصرين ذلك إلى لون واحد يسرق البصر بجاذبيته و يعمي القلب بتسطحه بسرعة يصعب إدراكها تتحقق العولمة أي انتصار العدد الهائل من الاقتصادات القروية و الإقليمية و الوطنية في اقتصاد عالمي شمولي واحد لا مكان فيه للخادمين و المرضى و أصحاب المشكلات الخاصة و طرق الإنتاج الإنسانية و من النواتج الثقافية لهذا الاقتصاد الذي يسحق كل أولئك و سيسحق معهم ثقافتهم الخاصة و تميزاتهم تصبح نغمة الحداثة التي جاء بها الغرب نفسه مسألة ثقافية متخلفة عن معطيات خمسمائة قمر صناعي تجوب الفضاء الخارجي منمطة و مستلبة عقول الأجيال الجديدة صائغة لهم فنونهم و أشكالهم مدوزنة لهم الكم و الكيف و الهنا الآن والذات و الموضوع والشكل و المضمون بطرق من الدعاية الشيطانية البراقة و سرعة في الاتصال بشبكات الكمبيوتر لا يجاريها أسرع العقول البشرية في إيجاد الحلول و التصورات لتصبح شطور الحلم في قصيدة ادغار الآن بو أكثر تخلفاً و بسرعة فائقة عن كل الأحلام ((الحلم بأحلام لم يجرؤ على الحلم بها أحد من قبل أبداً))لا يا سيدي فأحلامك أصبحت في مهب الريح و مر الزمن عليها هنيهة و انتقل إلى كيف لا يحلم و كيف يمنع نفسه عن الحلم لأن الحقيقة في معرض السرعة أكبر من كل الأحلام.
إن أحلاماً مثل النمو و التطور و النهوض القومي و التوزيع العادل للثروة و حوار الشمال و الجنوب و المثاقفة مع الآخر و الحداثة ...لم يعد لها أي معادل على أرض الواقع و لن يكون لها مفعول يذكر لأنها أدوات حرب قديمة انقضت لتوها تحت اسم الحرب الباردة سلاح عصر يبشروننا على الشاشات الملونة بأنه انقضى إلى غير رجعة و كأن السيد بطرس غالي كان مخطئاً عندما قال:إن كوكبنا يخضع لضغط تفرز قوتان عظيمتان متضادتان
: (إنهما العولمة و التفكك)-1-لأن العولمة لا تتناقض و ليست على تتضاد مع التفكك إنهما وجهان لعملة واحدة فالعولمة توحيد للاقتصاد(رأس المال المالي)و تفكيك للمستهلك و بالتالي لا ينطوي الأمر على مفارقة في أن العشر سنين الماضية رفعت عدد دول العالم المنتسبة على الأمم المتحدة من150إلى190و الحبل على الجرار كما بلغ عدد الشركات المندمجة خلال نفس المد أكثر من 15ألف شركة كبرى و متوسطة عبر العالم أن الستة مليارات كائن بشري يعيش على سطح هذه الكرة هم بمجملهم محور تفكير مديري ستة مليارات ترليون من الدولارات و القضية التي تواجههم هي كيف يستطيع رقم الاقتصاد أن يخترق الرقم البشري و إذا لم يكن رقم الاقتصاد ككتلة نقدية موحداً فلن يستطيع هذا الاختراق الجمعي اكوني كما لن يستطيع الاختراق إذا كان هناك قوى تحول توحيد هؤلاء البشر ضمن نظم لها ماهيتها و خصائصها لأنها مجرد أن تتحد على الفكر فستكون خطوة لتوحيد الاقتصاد لذلك من أجل زيادة عدد المستهلكين يجب أن يكون العالم مفككاً إلى عروق و قبائل و أديان و أحزاب و مافيات و قوميات...الخ ففي دنيا العولمة غير مسموح لأولئك أن يتوحدوا بأي شكل من الأشكال
يتبع
فنان تشكيلي سوري مواليد حماة عام 1956
خريج فنون جميلة قسم النحت
باحث وناقد فني
له عدد من المقالات المتعلقة بالفن وغيره
أيام العبور( لموريس سنكري )
وقفة في الاقتصاد و المجتمع و الفن على أعتاب العولمة
بعدما كنت في روضة و أحلى شجرة جاوزوا بي لحمل الماء
هو الإنسان كائن بيئوي و كوني في آن معاً متجذر في أرضه و خصوصيات تراثه كما الشجرة و هو دائم الطلب للانعتاق من كوابح الأرض و احتكاك التراب منشداً النور و الرحيل إلى الإنسانية الأوسع دائراً على نواته كما الناعورة تختصر وجوده رغبتان متعارضتان في الظاهر متحالفتان في الجوهر بين أن يكون الشجرة أو أن يكون الناعورة (علماً أن الناعورة لا يمكن صناعتها إلا من الشجرة)و هو الإنسان المعاصر الذي سوف يحفظ الأمانة الثمينة التي أبدعها نهر من العطاء استطاع أن يروي الشجرة و يدير الناعورة مثلاً هذا النهر بكل النواتج الثقافية المتلاحقة من علم و قانون و فكر فكأنما جمع الأقدمون ذلك التجادل الحي بين الشجرة و الناعورة على أحسن ما يكون التجادل بين الإنسان و همومه علاقته بالآخر.
في أيامنا هذه يبدو الإنسان و هو على عتبات العولمة المنبثقة شرعياً عن المركزية الأوربية حائراً بين الشجرة التجذر و من ثم التوحد و اليباس وبين الناعورة الارتحال و من ثم الانفلات.خياران أكثرهما إنسانية يمثل مذبحة الفضاء لناعورة أراد من صممها أن تجرف ك الماء الذي في النهر و يصبح معها العطش مرتبطاً بالكوكاكولا لا بالماء .
يعتقد منظرو العولمة أن النموذج الحضاري الذي ابتكره الغرب منذ عصر النهضة و هو ما أطلق عليه المركزية الأوربية و الذي أصبح نظاماً عالمياً أدارته قوى استعمارية طوال خمسة قرون من عمر البشرية قد وصل إلى ذروته في الحرب الباردة التي شنها الغرب على الاتحاد السوفيتي هذا النموذج لم يعد صالحاً لبناء المستقبل الذي أضحت معطياته أكبر و متمركزة أكثر و عابرة للقارات بحيوية أبرع هذا المستقبل يفصلونه على مقاساتهم التي أضحت الكرة الأرضية جزءاً منها أن ما يجري الآن هو عملية تحول تاريخي بأبعاد ونية واضحة تتقلب فيها المفاهيم التي سادت طويلاً و تترسخ مفاهيم كانت سائدة و تولد من رحمها قوانين جديدة تستطيع كسب أكثر ما يمكن من الربح في ضوء حضارة تلمع في ليلها القادم من بعيد أشكال التنميط و التبسيط و الاستهلاك ليغدو العالم واحداً موحداً من وجهة اقتصادية.
و هكذا يكون الاقتصاد هو هدف العولمة الصريح و الظاهر جارفاً معه كل ما أنتجته البشرية من ألوان الثقافة و العلم و الفكر و الفن و تميزات هنا وهناك و مثاقفة عبر الأجيال و الجغرافية و القوميات مختصرين ذلك إلى لون واحد يسرق البصر بجاذبيته و يعمي القلب بتسطحه بسرعة يصعب إدراكها تتحقق العولمة أي انتصار العدد الهائل من الاقتصادات القروية و الإقليمية و الوطنية في اقتصاد عالمي شمولي واحد لا مكان فيه للخادمين و المرضى و أصحاب المشكلات الخاصة و طرق الإنتاج الإنسانية و من النواتج الثقافية لهذا الاقتصاد الذي يسحق كل أولئك و سيسحق معهم ثقافتهم الخاصة و تميزاتهم تصبح نغمة الحداثة التي جاء بها الغرب نفسه مسألة ثقافية متخلفة عن معطيات خمسمائة قمر صناعي تجوب الفضاء الخارجي منمطة و مستلبة عقول الأجيال الجديدة صائغة لهم فنونهم و أشكالهم مدوزنة لهم الكم و الكيف و الهنا الآن والذات و الموضوع والشكل و المضمون بطرق من الدعاية الشيطانية البراقة و سرعة في الاتصال بشبكات الكمبيوتر لا يجاريها أسرع العقول البشرية في إيجاد الحلول و التصورات لتصبح شطور الحلم في قصيدة ادغار الآن بو أكثر تخلفاً و بسرعة فائقة عن كل الأحلام ((الحلم بأحلام لم يجرؤ على الحلم بها أحد من قبل أبداً))لا يا سيدي فأحلامك أصبحت في مهب الريح و مر الزمن عليها هنيهة و انتقل إلى كيف لا يحلم و كيف يمنع نفسه عن الحلم لأن الحقيقة في معرض السرعة أكبر من كل الأحلام.
إن أحلاماً مثل النمو و التطور و النهوض القومي و التوزيع العادل للثروة و حوار الشمال و الجنوب و المثاقفة مع الآخر و الحداثة ...لم يعد لها أي معادل على أرض الواقع و لن يكون لها مفعول يذكر لأنها أدوات حرب قديمة انقضت لتوها تحت اسم الحرب الباردة سلاح عصر يبشروننا على الشاشات الملونة بأنه انقضى إلى غير رجعة و كأن السيد بطرس غالي كان مخطئاً عندما قال:إن كوكبنا يخضع لضغط تفرز قوتان عظيمتان متضادتان
: (إنهما العولمة و التفكك)-1-لأن العولمة لا تتناقض و ليست على تتضاد مع التفكك إنهما وجهان لعملة واحدة فالعولمة توحيد للاقتصاد(رأس المال المالي)و تفكيك للمستهلك و بالتالي لا ينطوي الأمر على مفارقة في أن العشر سنين الماضية رفعت عدد دول العالم المنتسبة على الأمم المتحدة من150إلى190و الحبل على الجرار كما بلغ عدد الشركات المندمجة خلال نفس المد أكثر من 15ألف شركة كبرى و متوسطة عبر العالم أن الستة مليارات كائن بشري يعيش على سطح هذه الكرة هم بمجملهم محور تفكير مديري ستة مليارات ترليون من الدولارات و القضية التي تواجههم هي كيف يستطيع رقم الاقتصاد أن يخترق الرقم البشري و إذا لم يكن رقم الاقتصاد ككتلة نقدية موحداً فلن يستطيع هذا الاختراق الجمعي اكوني كما لن يستطيع الاختراق إذا كان هناك قوى تحول توحيد هؤلاء البشر ضمن نظم لها ماهيتها و خصائصها لأنها مجرد أن تتحد على الفكر فستكون خطوة لتوحيد الاقتصاد لذلك من أجل زيادة عدد المستهلكين يجب أن يكون العالم مفككاً إلى عروق و قبائل و أديان و أحزاب و مافيات و قوميات...الخ ففي دنيا العولمة غير مسموح لأولئك أن يتوحدوا بأي شكل من الأشكال
يتبع
تعليق